مقدمة
قال الله تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[1].
حديثي -أيُّها الإخوة- في قسمين:
الأول: بعض توصيات في استقبال عشرة المحرم.
والثاني: شعار عاشوراء لعام 1439ﻫ[2].
القسم الأول: بعض توصيات في استقبال عشرة المحرم
نؤكّد في هذه النقطة على معرفتنا بالحسينg:
عشرة الحسينg هذه الذكرى العظيمة والمصاب الأليم والعظيم، لا يمكن فيها لأحدٍ أن يستشعر عِظم ما وقع على الحسينg وأهل بيته وأصحابه إلا بقدر معرفته بالحسين وأهل بيته وأصحابه فكلّما كانت المعرفة معرفة قريبة كلّما كان الإحساس والشعور بالمصاب كبيراً، وسيكون انعكاس هذا الشعور على المظهر بصورة كبيرة وكلّما تدنّى تدنّى.
لذا نرى من سادتنا الأئمة المعصومينi حالات من الانفعال لما حلّ بالحسين وأهل بيته وأصحابه غير متوقّعة وأقول بأنّها غير متوقعة لأنّا لا نعرف الحسين وأصحابه كما يعرفهم الأئمةi، ففي أمالي الصدوقO بإسناده عن الإمام الرضاg أنّه قال: >إنّ المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال، فاستحلت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم ترع لرسول اللهe حرمة في أمرنا.
إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا، بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء، إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإنّ البكاء يحطّ الذنوب العظام.
ثم قالg: كان أبي (صلوات الله عليه) إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين (صلوات الله عليه)<[3].
مصاب الحسين وما حلّ بهg لم يعكس التاريخ إلا بعضاً منه، وفي بعض الروايات أنّ الأئمّةi أخفوا بعض ما جرى على الحسينg خوفاً من تصدّع قلوب شيعته.
نقرأ في زيارة عاشوراء: >لقد عظمت الرزية وجلّت وعظمت المصيبة بك علينا وعلى جميع أهل الإسلام< فمن لم يستشعر مصيبة الحسينg فإنّ الإسلام منه براء. ومن لا يداخله الحزن على ما وقع بالحسين فأيّ إسلام يبقى له؟! والفقرة اللاحقة لها تقول: >وجلّت وعظمت مصيبتك في السماوات على جميع أهل السماوات< يعني حتى في الملأ الأعلى، وعند الملائكة هناك حالة من الحزن والأسى على ما وقع بالحسينg.
لذا فإنّ الوظيفة المهمّة لعموم المؤمنين -ولا سيّما- في عشرة المحرم أن نتعرّف الحسين أكثر فإذا ازدادت معرفتنا في الحسينg حينئذٍ سنستشعر المصيبة أكثر وستظهر آثارها علينا أكثر وأكثر.
عشَرة الحسين فرصة لطالب العلم ولغيره ليعرف الحسين ويقترب منه.
وإنّ وظيفة خطبائنا أن يعرّفوا الناس -كلّ الناس- بالحسين وكل من يريد أن يعرف الحسين، حتى إذا عرفه اقترب منه؛ لأنّ من شأن الرزيّة والمظلوميّة أن تقرّب الإنسان وتأخذ بعاطفته والإنسان كما يستجيب بعقله فإنّه يستجيب بعاطفته أيضاً. ولا نعني بالعاطفة تلك العاطفة الكاذبة بل نعني بها العاطفة الصادقة.
فمهمّتنا أن نعرف الحسين ونعرّف بالحسين ونستشعر ويستشعر الآخرون عظم ما حلّ بالحسينg.
من المظاهر التي يلزم أن نكون عليها ونحن في عشرة محرم هو لبسنا للسواد ونبذ الزينة، وارتياد المجالس الحسينيّة، وتكثير السواد بحضورها، والبكاء والنياحة بلا احتشام لأحد، والبذل فيها، وحضور المواكب إظهاراً لمظلوميّة الحسين×، ولطم الصدور بنحو يستتبع أثراً.
القسم الثاني: شعار عاشوراء لعام 1439هـ
شعار هذا العام هو (ونصرتي لكم مُعدّة)، والحديث في عبارة الشعار في نقاط سبع:
النقطة الأولى: المناصرة ميثاق مأخوذ على الأنبياء
حدّثنا القرآن عن نصرة رسول اللهe ففي ضمن ما ذكره عن نصرتهe ومناصرته أنّ هذه النصرة والمناصرة ميثاق أخذه الله على النبيين {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ}[4].
وقد حثَّ القرآن على نصرة الرسول في قوله: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ...}[5] فهو لا محالة منصورٌ ولكن مطلوب ممّن آمن به| أن ينصره بالأسباب الطبيعية مضافاً إلى نصر الله تعالى {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}[6]. وقد ذكّر القرآنُ رسولَ الله بهذه النعمة وهي نعمة المناصرة من المؤمنين حيث قال: {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}.
وهنا أمر آخر يرتبط بنصرة الرسول ومناصرته هو فلاح مناصريه، يقول الله سبحانه: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[7]، فهذه الآية تبيِّن فلاح مناصريهe وتذكّر بأقوام اتفقت منهم النصرة لرسول اللهe وهم الأنصار... وقد أشار إليهم القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}[8] وفي آية أخرى: {وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}[9] وكلّ ما جاء في الحث على نصرة رسول الله من الآيات آتٍ في نصرة المعصومين من بعد رسول الله إذ أنّ نصرة الرسول نصرة لله ولدينه ونصرة للحق وهذا الأمر مشترك بين رسول الله وبين سائر المعصومين من ذرّيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
النقطة الثانية: لزوم عرض النصرة على الإمام
عقد الشيخ الكليني عليه الرحمة باباً في أصول الكافي وعنونه أنّ الواجب على الناس بعد أن يقضوا مناسكهم أن يأتوا الإمام فيسألونه عن معالم دينهم ويعلمونه ولايتهم ومودّتهم له، وقد ضمّن الشيخ الكليني هذا الباب مجموعة روايات، أذكر منها روايتين:
الأولى: صحيحة الفضيل عن أبي جعفرg قال: نظر إلى الناس يطوفون حول الكعبة، فقال: >هكذا كانوا يطوفون في الجاهلية، إنّما أمروا أن يطوفوا بها، ثم ينفروا إلينا فيعلمونا ولايتهم ومودّتهم، ويعرضوا علينا نصرتهم<، ثم قرأ هذه الآية: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}[10].
الثانية: رواية أبي عبيدة الحذّاء قال سمعت أبا جعفر -وقد رأى الناس بمكّة وما يعملون- فقالg: >فِعال كفِعال الجاهلية [11] أما واللهِ! ما أمروا بهذا وما أمروا إلا أن يقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم ويمرّوا بنا ويخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرتهم<[12].
فهاتان الروايتان من هذا الباب تؤكّدان على لزوم عرض المؤمن نصرته على إمام زمانه هذا. وقد وردت عبارة الشعار في واحدة من زيارات أمير المؤمنينg، وفي زيارة وارث، وفي زيارة العباسg، وفي الزيارة الجامعة.
0 التعليق
ارسال التعليق