المقدمة
إنّ من يتشهّد الشهادتين فإنّه يدخل في ربقة الإسلام فيجري عليه ما يجري على المسلمين، لكنّ هذا ما هو إلا أول الطريق في سلّم الارتباط بالله (عزَّ وجل) والوصول إليه، فمن بعد التعهد من الإنسان بأن يلتزم بأوامر الله ونواهيه يأتي الإسلام ليفتتح الكثير من الطرق أمامه ليصل إلى الله تعالى ذكره، فهناك الكثير من الطرق التي تؤدّي إلى هذا الهدف، وأفضلها ما أشار إليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو الإيمان بالله تعالى، فقال في خطبته المعروفة بالديباج: «إنّ أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله سبحانه الإيمان به وبرسوله»(1)، وقد احتل هذا المفهوم نصيباً وافراً من الروايات والآيات الدالة عليه والمشيرة إلى كل ما يتعلّق به، وفي هذا البحث نظر في بعض منها خصوصاً ما ورد عن الأمير (عليه السلام) في نهج البلاغة، لنتعرف على حقيقة الإيمان والفارق بينه وبين الإسلام، مروراً بأقسامه وكيفية استشعاره فينا والتعرف على التعامل مع الآخر بلحاظ الدرجة الإيمانية، ونختمه بذكر جملة من الطرق التي تسهم في إعانة الفرد على الارتقاء إلى أعلى الدرجات الإيمانية.
الإيمان وبيان فرقه عن الإسلام
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في بيان معنى الإيمان أنّه تصديقٌ في القلب بالله تعالى وبما أنزل من كتاب على رسوله الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) ولهذا التصديق ترجمة في الخارج عن طريق العمل، فعندما سئل عن الإيمان، قال (عليه السلام): «الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان»(2) وهذه ثلاثة أمور لابد من تحققها ليتحقق الإيمان وهي:
المعرفة بالقلب: وهي عبارة عن التصديق بالله تعالى والقبول والإذعان بما جاء به النبي محمد (صلَّى الله عليه وآله) من معتقدات حقّة. ولا يكتفى بهذا التصديق بل لابد من الأمر الثاني للذم الوارد في قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}(3)، ومن يضطر إلى إخفاء إيمانه على المستوى اللساني فإنّ إيمانه باقٍ ولا يزول لقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ}(4).
وإقرار باللسان بأن يتشهد الشهادتين، ولو لم يوافق القلب.
وعمل بالأركان: وأركان الشيء هي ما يستند إليها ويتقوم بها(5)، وأركان الإسلام خمسة بها يتقوّم إسلام المسلم فلو أنكرها فهو مرتد، وهذه الأركان خمسة هي الواردة في الحديث الشريف عن إمامنا الباقر (عليه السلام): «بني الإسلام على خمس دعائم(6): إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحجّ البيت، والولاية لنا أهل البيت»(7).
ومن هنا نعي جيّداً تفسير قوله تعالى:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ولَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ولَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}(8) لأنّ "الإسلام انقياد ودخول في السلم، وإظهار الشهادة وترك المحاربة يشعر به"(9)، وفائدته حقن الدماء وتحليل النكاح واحترام المال، لا أكثر من ذلك، فالإسلام لوحده لا ينجي من الهلاك في الآخرة بل لا بد من الإيمان، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «إن الإسلام قبل الإيمان، وعليه يتوارثون ويتناكحون، والإيمان عليه يثابون»(10).
والإمام الباقر (عليه السلام) يختزل الأمور الثلاثة في أمرين أولهما مترتب على المعرفة والتصديق حيث قال: «الإيمان إقرار وعمل والإسلام إقرار بلا عمل»(11). ونلاحظ هنا أنّ الإمام يركز على أهمية أن يوجد عنصران يتحقق بهما الإيمان هما الإقرار مع العمل، وإذا أقرَّ شخصٌ ولم يتحقق منه العمل فإنه لا يستحق وسام الإيمان بل يكون مستحقاً لوسام آخر هو أقل بدرجات من الإيمان وهذا الوسام هو الإسلام، وعلى هذا لا يكون الإيمان بالتمني بل لابد من خلوصه في القلوب وتصديق عمل الإنسان بأنّه مقرٌّ بهذا الأمر.
فمن هنا يتّضح لنا أن الإيمان يختلف عن الإسلام مفهوماً لكن على نحو العموم من وجه؛ فمن كان مؤمناً فقد تحقق الإسلام منه ولا عكس، لذا يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في رواية الفضيل بن يسار: «الإيمان يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك الإيمان»(12)، ويمثل الإمام الصادق (عليه السلام) بمثال لطيف للتفريق بينهما بتشبيه الإيمان بالكعبة والإسلام بالحرم، ففي معرض جوابه (عليه السلام) عن أيهما أفضل الإيمان أو الإسلام، فقال: «الإيمان أرفع من الإسلام... قال (عليه السلام): ما تقول في من أحدث في المسجد الحرام متعمداً؟ قلت-أي الراوي-: يقتل، قال: أصبت فما تقول فيمن أحدث في الكعبة متعمداً؟ قلت: يقتل، قال: أصبت ألا ترى أن الكعبة أفضل من المسجد وأن الكعبة تشرك المسجد والمسجد لا يشرك الكعبة، وكذلك الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان»(13).
أقسام الإيمان
قال الأمير (عليه السلام): «فمن الإيمان ما يكون ثابتاً مستقراً في القلوب، ومنه ما يكون عواري بين القلوب والصدور إلى أجل معلوم»(14)، يقسّم الأمير (عليه السلام) الإيمان إلى قسمين:
القسم الأول: الإيمان المستقر: وهو ما بلغ حد الكمال، فصار ثابتاً مستقراً في القلب بالبرهان اليقيني، وبلوغه حدّ الكمال لكونه قد ظفر بالبرهان الراجع إلى ما لا يزول من العقل ولا يضعف وهي البديهيات، وقد عبّر الأمير (عليه السلام) عن هذا القسم بقوله: «فمن الإيمان ما يكون ثابتاً مستقراً في القلوب».
القسم الثاني: الإيمان غير المستقر وهو ما كان متزلزلاً باعتبار كونه في معرض الزوال سريعاً كما عبّر الإمام عليّ (عليه السلام) بأنه يكون عواري بين القلوب والصدور؛ وهذا أضعف الأقسام لأنّه لا يستند إلى برهان ولا قياس، بل هو على سبيل التقليد للأسلاف السابقين، وبمن يحسن الظن بهم كالزُهاد والعُبّاد، وقد عبّر الأمير (عليه السلام) عن هذا القسم بقوله: «ومنه ما يكون عواري بين القلوب والصدور» فجعله عارية لا تدخل القلب بل بين القلب والصدر.
القسم الثالث: وهذا متوسط بين القسمين السابقين من حيث الرسوخ فهو بين الثبات والتزلزل لأنّه يستند إلى القياس الجدليّ، كمن يؤمن بالاعتماد على جملة من الأقيسة التي تنفع في مقام الجدل ولا تبلغ حدّ البرهان اليقيني وهذا القسم مستفاد من بعض النسخ لنهج البلاغة حيث كانت العبارة هكذا «فمن الإيمان ما يكون ثابتاً مستقراً في القلوب، ومنه ما يكون عواري [في القلوب، ومنه ما يكون عواري] بين القلوب والصدور إلى أجل معلوم»، فيكون الأمير (عليه السلام) قد عبّر عن هذا القسم بقوله «ومنه ما يكون عواري في القلوب» فهذا القسم داخل في القلب لكنه لا يطيل المكث في القلب لذا استعار (عليه السلام) لفظ العواري؛ ليقول: «إنّ الإيمان بمعنى العارية التي تكون في البيت فهي غير ثابتة فيه دائماً فزمان الإعارة ينقضي فهي بعرضة الخروج منه»(15).
استشعار الإيمان
الإيمان لا يمكن إدراكه بالحواس فليس هو عضواً في الجسم بحيث يمكن لمسه أو الإشارة إليه حتى... بل هو أمر معنوي يدركه صاحب القلب السليم، نعم لهذا الإيمان أمور يتجلى من خلالها نشير إلى نزر يسير منها:
التسليم: التسليم إلى الله تعالى والرضا بقضائه، يقول الرسول (صلَّى الله عليه وآله): «إن لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطئه لم يكن ليصيبه»(16)، وهذا هو التسليم المطلق له تعالى، فلا اعتراض على حكمه وحباً ورضاً بقضائه وقدره.
التوكل: أن يكون الإنسان المؤمن متوكّلاً على الله تعالى، يقول الأمير (عليه السلام): «لا يصدق إيمان عبد حتى يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده»(17) فما في يد العبد من رزق –مثلاً- فهو خيرٌ قد قسمه الله له فتارة يستغني وأخرى يفتقر، وعلى كلّ حال فعين الله تراقبه أيشكر ويحمَد أم يكفر وينقَم، فإن كان في كل أحواله لله شاكراً وعليه متوكّلاً قرّبه الله إليه، ورزقه ما لا يحتسب في الدنيا والآخرة.
الحب في الله: الحب في الله والبغض في الله، عندما أحب ما يحبه الله وأبغض ما يبغضه الله وأغضب لا لمصلحتي الشخصية بل أغضب لله فيكون هذا الأمر خير تجلِّ على وجود الإيمان في قلب الإنسان. يقول الرسول (صلَّى الله عليه وآله): «لا يجد العبد حقيقة الإيمان حتى يغضب لله ويرضى لله فإذا فعل ذلك فقد استحق حقيقة الإيمان»(18).
حبّ النبي وآله: حبّ النبي محمد وآله الطاهرين، وهذا من الحقائق المهمة التي تُميِّز الإيمان الصادق من الإيمان الكاذب فهذا قول الرسول (صلَّى الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب: (عليه السلام) «لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق، أو ولد زنيه، أو حملته أمّه وهي طامث»(19). وإحياؤنا لمجالس الفرح والحزن عليهم وتمسكنا بها وذكر فضائلهم والنهل من علومهم لهو خير دليل على حبّهم (عليهم السلام)، وهذا التمسك لا علاقة له بالتعصب الجاهلي أو الانتماء القبلي أو الدم النسبي بل هذا التمسك هو من الحب الشديد لهم والرغبة في إظهار المودّة لهم (عليهم السلام) لعلنا نفوز بأعالي درجات الجنان لأنّه إن حققنا الإيمان في قلوبنا لم يبقَ علينا إلا أن نتنافس في فضائل الدرجات؛ كما قال الصادق (عليه السلام): «خرجت مع أبي (عليه السلام) حتى إذا كنا بين القبر والمنبر إذا هو بأناس من الشيعة، فسلَّم عليهم فردوا عليه السلام، ثم قال: إنّي والله لأحب ريحكم وأرواحكم واعلموا أن ولايتنا لا تنال إلا بالعمل والاجتهاد من ائتمّ منكم بعبدٍ فليعمل بعمله... أنتم شيعة الله، وأنتم أنصار الله وأنتم السابقون الأولون والسابقون الآخرون، السابقون في الدنيا إلى ولايتنا والسابقون في الآخرة إلى الجنة، وقد ضمنا لكم الجنة بضمان الله وضمان رسوله، ما على درجات الجنة أحد أكثر أزواجاً منكم فتنافسوا في فضائل الدرجات أنتم الطيبون ونساؤكم الطيبات كل مؤمنة حوراء عيناء وكل مؤمن صدّيق»(20).
الإيثار: يقول الأمير «الإيمان أن توثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك»(21)، وهذه الخصلة العظيمة ترفع المؤمن فوق نفسه فلا يراها مُفضّلة على الآخرين، ففي غالب الأحيان يقدّم مصالحهم على مصالحة. وهذا خلق نتعلّمه من رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، فقد ورد في الخبر أنه (صلَّى الله عليه وآله) «ما شبع ثلاثة أيام متوالية حتى فارق الدنيا، ولو شاء لشبع ولكنّه كان يؤثر على نفسه»، ومن وصيّه علي بن أبي طالب (عليه السلام) عند ما بات على فراش رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «فأوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل: إنّي آخيت بينكما، وجعلت عمر الواحد منكما أطول من عمر الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله عزّ وجلّ إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمد، فبات على فراشه يفديه بنفسه فيؤثره بالحياة، فأنزل الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بالعِبَاد}.
السماحة: يقول الأمير (عليه السلام): «المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه. أوسع شيء صدراً، وأذلّ شيء نفساً. يكره الرفعة، ويشنأ السمعة. طويل غمه. بعيد همه. كثير صمته. مشغول وقته. شكور صبور. مغمور بفكرته. ضنين بخلته. سهل الخليقة. ليّن العريكة. نفسه أصلب من الصلد وهو أذلّ من العبد»(22)، وهنا جملة من العلامات أولها السماحة ونكتفي بها وهي عبارة عن «العطاء بكرم وسخاء»(23) فالمؤمن سمح يعطي الآخرين من روحه الطيبة وخلقه العالي بالبشر الذي يراه الآخرون في وجهه، فيكون باباً تنفتح به أساريرهم وقد تنفرج همومهم، وهذا المؤمن يعبّر عنه الأمير (عليه السلام) في موضع آخر بقوله: «مأمول لكل شدّة هشّاش بشّاش»(24)، ويقال للرجل هش بش إذا كان «طلق الوجه»(25) فتكون هشّاش على فعّال فيها من المبالغة ما فيها.
آفات الإيمان
كل ما يكون في القلب لابد له من مفسدات، فينبغي معرفتها والتنبّه إليها والنظر في النفس نظرة فاحص عنها فإن كانت موجودة قلعها وإن لم تكن احترز عنها، وهنا ثلاث من الآفات:
مجالسة أهل الهوى: يقول الأمير (عليه السلام): «واعلموا أنّ يسير الرياء شرك ومجالسة أهل الهوى مَنْساة للإيمان، ومَحْضَرة للشيطان»(26) فمجالسة أهل الهوى تدعو إلى الغفلة عن الإيمان ونسيانه، وإذا حصل هذا صدرت من الإنسان أفعال تتنافى مع ما يؤمن به في واقع نفسه فقد يفعل أفعال الكفار ويضمر أفكار الملحدين ولو التفت إلى إيمانه لم يقبل من نفسه الانحراف عن جادّة الصواب.
أما أهل الهوى فهم الذين يتّبعون ما تميل إليه نفوسهم من دون رعاية إلى مبغوضيتها وقبحها.
الكذب: يقول الأمير (عليه السلام): «جانبوا الكذب فإنّه مجانب للإيمان، الصادق على شرف منجاة وكرامة، والكاذب على شفا مهواة ومهانة»(27)، الإمام ينهى عن الكذب لأنّه لا يمكن أن يجتمع مع الإيمان أبداً، والكذب ليس فيه نفع حتى لو جلب شيئاً من فتات الدنيا ما جلب، وهذا ما أوصى به رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث كان ويقول: «يا علي! عليك بالصدق، فإن ضرّك في العاجل كان فرجك في الآجل»(28) ومنه قيل:
عليك بالصدق ولو أنّه أحرقك الصدق بنار الوعيد
ويقول أيضاً: «جانبوا الكذب، فإنّ الصادق على شفا منجاة وكرامة، والكاذب على شفا مهواة وهلكة»(29) ذلك لأنّ نتيجة الكذب تنتهي إلى الفجور والعياذ بالله لذا كان الكذب مجانباً للإيمان.
الحسد: يقول الأمير (عليه السلام): «ولا تحاسدوا فإنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب»(30) الحسد «من أعظم أبواب الشيطان التي يدخل بها على القلب»(31)، لأنّ الحاسد ينشغل فكره وقلبه بأمر المحسود ويراقبه بشكل دائم ويرافق هذا الانشغال حزن وهمّ لما يرد على المحسود من خيرات ويتغافل هذا المسكين عن ما وهبه الله تعالى من الخيرات الظاهرة والباطنة وبدل أن يغبط يحسد، وكلّما أصرّ على الحسد انشغل عن العمل الصالح الجالب للحسنات والخيرات، وقد يصل الأمر بالحاسد إلى أن يتبرّأ الله منه؛ يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): قال الله تعالى لموسى بن عمران: لا تحسدنّ الناس على ما آتيتهم من فضلي، ولا تمدّن عينيك إلى ذلك ولا تتبعه نفسك، فإنّ الحاسد ساخط لنعمي، صادق لقسمي الذي قسمت بين عبادي، ومن يك كذلك فلست منه وليس مني»(32).
درجات الإيمان
وبما أنّ هذه الأمور كالحب في الله والبغض في الله وكذا حب أهل البيت (عليهم السلام) تتفاوت بين الناس شدة وضعفاً مما يعني أن الإيمان في الناس بتبعها متفاوت شدة وضعفاً فليس حبنا لأهل البيت كحب سلمان-رضوان الله عليه- ولا تسليمنا كتسليم مالك الأشتر... وهذا ما نريد الآن الحديث عنه وهو درجات الإيمان.
الروايات الشريفة يوجد فيها ما يدل على وجود تعدد في درجات الإيمان كقول الرسول (صلَّى الله عليه وآله): «إنّ أعلى منازل الإيمان درجة واحدة، من بلغ إليها فقد فاز وظفر وهو أن ينتهي بسريرته في الصلاح إلى أن لا يبالي لها إذا ظهرت ولا يخاف عقابها إذا استترت»(33) وكقول الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ الإيمان عشر درجات...»(34)، وكقول الأمير (عليه السلام): «لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا» "معناه: بلوغ أقصى درجات الإيمان بالله تعالى، وأقصى ما يمكن من معرفة الله تعالى، وقوله (صلَّى الله عليه وآله): (رب زدني علما) يدل على أن علمه قابل للزيادة، وهو لا ينافي بلوغه أقصى درجات الإيمان، وأقصى ما يمكن من معرفة الله تعالى"(35).
ولك أن تسأل عن حد هذه الدرجات فما هي أقصى الدرجات وما هي أدناها، وجوابه ما ورد في بحار الأنوار على لسان بعض المحققين حيث قال:
1- وأوائل درجات الإيمان تصديقات مشوبة بالشكوك والشبه على اختلاف مراتبها ويمكن معها الشرك {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}(36).
2- وأواسطها تصديقات لا يشوبها شك ولا شبهة {الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}(37) وأكثر إطلاق الإيمان عليها خاصة {إِنَّمَا المُؤمِنونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَت قُلوبُهُم وَإِذا تُلِيَت عَلَيهِم آياتُهُ زادَتهُم إيمانًا وَعَلىٰ رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ}(38).
3- وأواخرها تصديقات كذلك مع كشف وشهود وذوق وعيان ومحبة كاملة لله سبحانه وشوق تام إلى حضرته المقدسة {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ}(39).
وإلى المراتب الثلاثة الإشارة بقوله (عزَّ وجل)ّ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(40).
وأعلى الكل ما ورد في قول رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «إنّ أعلى منازل الإيمان درجة واحدة، من بلغ إليها فقد فاز وظفر وهو أن ينتهي بسريرته في الصلاح إلى أن لا يبالي لها إذا ظهرت ولا يخاف عقابها إذا استترت» (41)، وهناك غاية أخرى للإيمان وهي أن يصل العبد إلى مصافّ الأولياء الصالحين ولن يكون إلا إذا ترقّى العبد في إيمانه، فإذا ترقى العبد في إيمانه بلغ منزلة الرضا بالقضاء، وإذا ازداد في سلم الإيمان علواً وسمواً وصعوداً، أصبح شاكراً لربه على البلاء، فالأولياء الصالحون لن يكونوا مؤمنين إلا كما وصفهم الإمام الكاظم (عليه السلام): «حتى تعدوا البلاء نعمة، والرخاء مصيبة، وذلك أن الصبر عند البلاء أعظم من الغفلة عند الرخاء»»(42).
فوائد معرفة درجات الإيمان
بعد هذا نسأل ماهي الفائدة المتحصلة من معرفتنا لدرجات الإيمان؟
وهنا نكتفي بذكر ثلاث من الفوائد:
الفائدة الأولى: الارتقاء في درجات الإيمان عندما يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ ورَسُولِهِ والْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ والْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ ومَن يَكْفُرْ بِاللّهِ ومَلاَئِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ والْيَومِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا}(43) أي أنّه يأمر الذين آمنوا ودخل الإيمان في قلوبهم بأن يرتقوا في درجاتهم الإيمانية ولا يمكن تفسيرها بغير هذا وإلا لكان العبث واقع واضح في القرآن وهذا لا يسلم به أحد، فالفائدة الأولى هي أنّه على كل واحد منا أن يسعى لأن يرتقي بإيمانه إلى أرقى درجة يمكنه الارتقاء إليها.
الفائدة الثانية: عدم إسقاط العالي للداني وهي مذكورة في هذا الحديث الشريف المروي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) حيث يقول: «إنّ الإيمان عشر درجات بمنزلة السلم يصعد منه مرقاة بعد مرقاة، فلا يقول صاحب الاثنين لصاحب الواحد لست على شيء –حتى ينتهي إلى العاشرة فيقول- فلا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك»(44)، ومطلوبنا من هذا الحديث هو في الفقرة الأخيرة إذ هي في الواقع قاعدة في غاية الأهمية ينبغي لكل واحد منّا أن يضعها نصب عينيه؛ لأنّي إن وفِّقت لأداء الحج وأداء النوافل وصيام عدد من الأيام والشهور المستحبة –مثلاً- فإنّه لا يحق لي أن أسقط من هو دوني وأن أقول بأنه ليس على شيء لأنّي إن فعلت هذا حقَّ لمن هو أعلى مني درجة أن يسقطني ويقول لي إنّك لست على شيء.
الفائدة الثالثة: عدم كسر المؤمن وهي قاعدة أخرى يذكرها الإمام (عليه السلام) في نفس الحديث السابق فيقول: «فلا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك فإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق، ولا تحملنّ عليه ما لا يطيق فتكسره فإنّ مَن كسر مؤمناً فعليه جبره». حيث يأمرنا الإمام بأنَّ كل إنسان قد وصل إلى درجة من الإيمان أرقى من غيره –ولو ادعاءً- فعليه أن يرفق بمن هو دونه فلا يحمل عليه ما لا يطيقه، وليس له أن يقول بأن هذا الشخص أدنى منه في درجة الإيمان وأنه ليس من أهل الخير والصلاح، لأنّ هذا المنطق ينجَرّ على نفس المتكلم إذ يوجد في الخارج من هو أرفع منه درجة في الإيمان فيكون من السهل أن يَسقط... وفي هذه الفقرة يذكر الإمام (عليه السلام) قيداً مهماً لمن يسعى في هداية غيره؛ هذا القيد هو الرفق، صحيح أنّه على من هو في درجة أرقى أن يرفع من هو دونه إليه، ولكن لا بد من أن تكون عملية الرفع هذه موسومة بالرفق كي لا تحصل حالة النفور من الإيمان، وهذا ما يُعبِّر عنه الإمام بأنه كَسْرٌ.
وهذا حديث آخر يوصل المراد بشكل أكبر فقد جاء في الكافي الشريف عن يعقوب بن الضحاك عن رجل من أصحابنا كان خادماً عند أبي عبدالله الصادق (عليه السلام)... يقول الخادم بعثني أبوعبدالله (عليه السلام) في حاجة وهو بالحيرة، أنا وجماعة من مواليه، قال: فانطلقنا فيها، ثم رجعنا مغتمين، قال: وكان فراشي في الحائر الذي كنا فيه نزولاً فجئت وأنا بحالٍ فرميت بنفسي، فبينما أنا كذلك إذا أنا بأبي عبدالله (عليه السلام) قد أقبل، قال: فقال: قد أتيناك، فاستويت جالساً وجلس على صدر فراشي فسألني عما بعثني له فأخبرته، فحمد الله، ثم جرى ذكر قومٍ، فقلت: جعلت فداك إنّا نبرأ منهم، إنّهم لا يقولون ما نقول، قال الإمام: يتولَّونا ولا يقولون ما تقولون تبرؤون منهم؟ قال قلت: نعم، قال: فهو ذا عندنا ما ليس عندكم فينبغي لنا أن نبرأ منكم؟، قال: لا، قال: وهو ذا عند الله ما ليس عندنا أفتراه أطرحنا؟، قال قلت: لا والله جعلت فداك ما نفعل؟، قال (عليه السلام): فتولوهم ولا تتبرؤوا منهم إنّ من المسلمين من له سهم، ومنهم من له سهمان، ومنهم من له ثلاثة... –حتى وصل إلى سبعة أسهم، وهذه الأسهم هي تعبير عن درجات الإيمان عند الإنسان- فليس ينبغي أن يحمل صاحب السهم على ما عليه صاحب السهمين ولا صاحب الثلاثة على صاحب الأربعة... سأضرب لك مثلاً، إنّ رجلاً كان له جارٌ –وكان نصرانياً- فدعاه إلى الإسلام وزينه له فأجابه، فأتاه سحيراً فقرع عليه الباب، فقال له: مَن هذا؟، قال: أنا فلان، قال: وما حاجتك؟، قال: توضّأ وألبس ثوبيك ومرّ بنا إلى الصلاة! فتوضّأ ولبس ثوبيه وخرج معه. فصلّيا ما شاء الله ثمّ صلّيا الفجر، ثمّ مكثا حتّى أصبحا، فقام الذي كان نصرانياً يريد منزله، فقال له الرجل: أين تذهب؟ النهار قصير، والذي بينك وبين الظهر قليل، فجلس معه إلى صلاة الظهر، ثمّ قال: وما بين الظهر والعصر قليل، فاحتبسه حتّى صلّى العصر. ثمّ قام وأراد أن ينصرف إلى منزله، فقال له: إنّ هذا آخر النهار وأقلّ من أوله فاحتبسه حتى صلّى المغرب.. ثمّ أراد أن ينصرف إلى منزله، فقال له: إنّما بقيت صلاة واحدة، فمكث حتّى صلّى العشاء الآخرة، ثمّ تفرّقا. فلمّا كان سحيراً غدا عليه، فضرب عليه الباب، فقال: مَن هذا؟، فقال: أنا فلان، قال: وما حاجتك؟، قال: توضّأ وألبس ثوبيك وأخرج بنا فصلّ، قال: اطلب لهذا الدّين مَن هو أفرغ منّي، وأنا إنسانٌ مسكينٌ وعليَّ عيال، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أدخله في شيء أخرجه منه»(45).
فبدل أن يبعده عن الضلال والشرك قام بممارسة أسلوب خاطئ ولم يراع التفاوت في الإيمان مما سبب في ضلال هذا الرجل، وبهذا المثال أشار الإمام (عليه السلام) إلى أسلوب خاطئ مفاده أن يُحمَّل من هو دون ما لا يطيق، وللأسف هناك من الأشخاص ممن يوفقون لبعض التوفيقات كالقيام ببعض المستحبات كصلاة الليل وما شاكل إلا أنّه ينظر إلى الباقي وكأنّهم يوشك أن يُزج بهم إلى النار وهذا غير صحيح؛ فالإمام الصادق (عليه السلام) يذكر عشر خصال بها يكون الإنسان مؤمناً وعندما يصل إلى العاشرة يقول: «والعاشرة! وما العاشرة؟! لا يلقى أحداً إلا قال: هو خيرٌ مني وأتقى، إنّما النّاس رجلان رجلٌ خير منه وأتقى، وآخر شر منه وأدنى، فإذا لقي الذي هو خير منه تواضع له ليلحق به، وإذا لقي الذي هو شر منه وأدنى قال: لعل شر هذا ظاهر وخيره باطن، فإذا فعل ذلك فقد علا وساد أهل زمانه»(46).
وهذه الرواية مهمة جداً حيث تعلمني كيف أتوقف أمام كل إنسان ألقاه وأجعل من نفسي متواضعة أمام الآخرين لأن خيرهم إما ظاهر وباطن أو باطن فقط وهذا يعطيني حالة من التواضع أمام الآخرين وفيها ما فيها من مراعاة للمستويات الإيمانية بين الناس.
ويكفي أثراً من هذا أن يكون المؤمنون أجمع في حالة من الترابط الشديد فكلٌ يتعلّق بمن هو أرفع منه بيد واليد الأخرى ممدودة لمن هو أسفل منه... فإذا تصورت هذا فإنّك ستجد المؤمنين مترابطين متماسكين، وكلٌ يرفق بالآخر ويرفعه ويرتفع.
الارتقاء بعد الاستقامة
العلو في درجات الإيمان يحتاج إلى نفس قابلة لذلك ومن هنا لا بد:
أولاً: من سلامة القلب واللسان قال رسول (صلَّى الله عليه وآله): «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه»(47)، وهنا قد حُذف المتعلق مما يدلّ على العموم الشامل لكل ما فيه ذمّ واستنقاص للغير، وأشار الأمير إلى مفردة منها فقال (عليه السلام): «سليم اللسان من أعراضهم»(48)، فإذا سلم اللسان من هذه الأباطيل وتطهّر منها كان لسانه مستقيماً على الحق، واستقامة اللسان تكشف غالباً عن استقامة القلب.
وثانياً: الصبر ويعتبر الصبر أول درجات الإيمان الذي يبدأ المؤمن به سلّم الارتقاء إلى مدارج الكمال، يقول الأمير (عليه السلام): «وعليكم بالصبر فإنّ الصبر من الإيمان كالرّأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه، ولا في إيمان لا صبر معه»(49).
كيف أرتقي إلى أعلى الدرجات؟
ذُكِرَ في الروايات وفي كلمات العلماء طرقاً عديدة نذكر منها:-
الأول: العلم والمعرفة:
فبهما تزداد قيمة الإنسان، وتعلو درجته كلّما ازدادت معرفته حتى يصل إلى ما دون الأنبياء؛ قال الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله): «أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد، أما أهل العلم فدلوا الناس على ما جاءت به الرسل، وأما أهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم على ما جاءت به الرسل»(50)، وقال أمير المؤمنين (عليه السلام)«يا مؤمن إنّ هذا العلم والأدب ثمن نفسك فاجتهد في تعلمهما، فما يزيد من علمك وأدبك يزيد من ثمنك وقدرك، فإنّ بالعلم تهتدي إلى ربك، وبالأدب تحسن خدمة ربك»(51).
وقال (عليه السلام): «تعلم العلم فإنّ تعلمه حسنة ومدارسته تسبيح والبحث عنه جهاد، وتعليمه من لا يعلمه صدقة وهو عند الله لأهله قربة... يرفع الله به أقواما يجعلهم في الخير أئمة...»(52).
الثاني: العمل الصالح:
المؤمن هو من يظهر إيمانه في سلوكه ومن كان كذلك فإنّ عمله لا يكون إلا عملاً صالحاً وهذا ما يطلبه الإسلام من المؤمنين قال تعالى: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ}(53)، وبركة العمل الصالح يتقوم بالكيف لا بالكم، وخير مثال على هذا مبيت الإمام علي (عليه السلام) ليلة واحدة في فراش الرسول (صلَّى الله عليه وآله)، وضربته يوم الخندق كانت تعادل عبادة الثقلين، لذا لا بد من اقتران الإيمان بالعمل، لذا يركّز الأمير (عليه السلام) على ضرورة هذا الاقتران حيث يقول: «لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل»(54) ولا يصحّ أن يكتفي العبد بأن يكون محبّاً للصالحين، وفي مقابل هذا الحب لا يعمل عملهم، «فبالإيمان يستدل على الصالحات، وبالصالحات يستدل على الإيمان»(55)، ولا بد للإخلاص من أن يكون حاضراً في العمل وإلا كان هذا العمل هشيماً تذروه الرياح بل هباء منثوراً.
الثالث: الأخلاق الحسنة:
فبها يبلغ الإنسان أعظم الدرجات ويصل إلى مقامات رفيعة حتى لو كان قليل العبادة، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) موصياً: «روّضوا أنفسكم على الأخلاق الحسنة، فإنّ العبد المؤمن يبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم»(56)، وقال (عليه السلام): «عليكم بمكارم الأخلاق فإنّها رفعة، وإياكم والأخلاق الدنية فإنّها تضع الشريف، وتهدم المجد»(57)، وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام)«إنّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً»(58).
ومن ثمرات الارتقاء إلى أعلى الدرجات
رؤية الله تعالى: وقد سأل ذعلب اليماني الأميرَ فقال: «هل رأيتَ ربك يا أمير المؤمنين؟، فقال (عليه السلام): أفأعبد ما لا أرى؟، فقال: كيف تراه؟، فقال: لا تراه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان»(59).
إدراك حقائق الولاية: «إنّ أمرنا صعب مستصعب لا يحمله إلا عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ولا يعي حديثنا إلا صدور أمينة، وأحلام رزينة»(60)، وهذا يعني أن أمرهم (عليهم السلام) مما يحتاج إدراك كنهه إلى صفاء في النفس، وقلب سليم، وصدر مستنير.
والبحث طويل الذيل، أكتفي بهذا القدر من الإطلالة على هذا المفهوم المهم جدّاً سائلاً الله تعالى أن يوفّقنا للعمل على قدم وساق لرقي إيماننا –والطمع محمود في مثل هذه المواضع- وأن يهبنا الدرجات العلى وأن يجعلنا مع محمد وآل بيته الطاهرين الميامين المنتجبين.
***
* الهوامش:
(1) نهج البلاغة، من خطبة له (عليه السلام) في فرائض الإسلام خطبة 110.
(2) نهج البلاغة، الكلمات القصار 227.
(3) سورة النمل: 14.
(4) النحل: 106.
(5) تاج العروس للزبيدي، ج 18، ص 242.
(6) جمع دعامة، وهي عماد البيت.
(7) الأمالي للشيخ الطوسي الجزء الخامس حديث 5، ومثله وزيادة في الكافي ج2، ص16. وتتمة من الرواية أنقلها للفائدة: «...أما لو أنّ رجلاً قام ليله، وصام نهاره، وتصدّق بجميع ماله، وحجّ جميع دهره، ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله حقّ في ثوابه، ولا كان من أهل الإيمان».
(8) الحجرات: 15.
(9) التفسير الصافي للفيض الكاشاني ج6 ص525.
(10) الكافي ج1، باب الاضطرار إلى الجنة، ص 173، ح4.
(11) الكافي ج2، باب الإسلام يحقن به الدم، ص 42، ح2.
(12) الكافي ج2، باب أنّ الإيمان يشرك الإسلام ولا عكس، ص 25، ح1.
(13) الكافي ج2، باب أنّ الإيمان يشرك الإسلام ولا عكس، ص26، ح4.
(14) نهج البلاغة، في كلام له (عليه السلام) في تقسيم الإيمان والنهي عن البراءة من أحد.. خطبة 189.
(15) شرح أصول الكافي للمولى المازندراني ج8، ص105، شرح ابن أبي الحديد ج13، ص70، بحار الأنوار للمجلسي ج66، ص228 (بتصرف في الجميع).
(16) وسائل الشيعة ج15 باب7 من أبواب جهاد النفس، ص201، ح1.
(17) نهج البلاغة، من الكلمات القصار 310.
(18) ميزان الحكمة ج1 ص 192.
(19) وسائل الشيعة ج2 باب24 من أبواب الحيض، ص319، ح8.
(20) الأمالي للصدوق، ص 724، المجلس 91، ح4.
(21) نهج البلاغة، من الكلمات القصار 458.
(22) نهج البلاغة، من الكلمات القصار 333.
(23) تاج العروس للزبيدي ج4، ص 95.
(24) من خطبة للأمير (عليه السلام) في صفات المتقين.
(25) الصحاح للجوهري ج3، ص996.
(26) نهج البلاغة خطبة 86.
(27) نهج البلاغة، من خطبة له (عليه السلام) في صفة الجنة والحث على العمل وذكر نعمة الدين ذمّ الرياء والكذب.
(28) كنز العمال للمتقي الهندي ص799 رقم الحديث 43170. وقريب منه ما في البحار للمجلسي ج74 ص61.
(29) نهج البلاغة، من خطبة له (عليه السلام) في صفة الجنة والحث على العمل وذكر نعمة الدين وذم الرياء والكذب.
(30) نهج البلاغة، من خطبة له (عليه السلام) فيها صفات من يحبه الله وحال أمير المؤمنين مع الناس.
(31) شرح أصول الكافي للمازندراني ج1، ص171.
(32) وسائل الشيعة باب 55 من أبواب جهاد النفس الحديث 6، ج11، ص293.
(33) بحار الأنوار ج71 ص369 ح19.
(34) الكافي ج2 ص40باب نسبة الإسلام ح2.
(35) منتهى المطالب للعلامة الحلي ج3، ص 44.
(36) سورة يوسف: 106.
(37) سورة الحجرات: 15.
(38) سورة الأنفال: 2.
(39) سورة المائدة 54.
(40) سورة المائدة: 93.
(41) بحار الأنوار للمجلسي ج62، ص115-116 (بتصرف).
(42) التمحيص لمحمد بن همّام الاسكافي ص 4-5.
(43) سورة النساء: 136.
(44) الكافي ج2 ص40 باب نسبة الإسلام ح2.
(45) الكافي ج2ص43 باب درجات الإيمان ح2.
(46) الأمالي للطوسي ج6، ص240 ح5.
(47) نهج البلاغة، خطبة 176.
(48) من خطبة له (عليه السلام) يحذّر من متابعة الهوى.
(49) نهج البلاغة، من الكلمات القصار 82.
(50) ميزان الحكمة ج4 ص 3022.
(51) بحار الأنوار ج1ص 180باب فرض العلم ووجوبه ح64.
(52) روضة الواعظين للفتال النيسابوي ص9.
(53) سورة طه: 75.
(54) تحف العقول ص157 في موعظته (عليه السلام) ووصفه المقصرين.
(55) نهج البلاغة، خطبة 156
(56) بحار الأنوار ج10 ص99 باب 7، تحف العقول ص 111 في آدابه لأصحابه وهي أربعمائة باب للدين والدنيا.
(57) تحف العقول، ص215 من قصارى كلماته (عليه السلام).
(58) الكافي ج2 ص99 باب حسن الخلق ح1.
(59) نهج البلاغة، من كلام له في التنزيه جواباً لمن سأله هل رأيت ربك.
(60) نهج البلاغة، خطبة في كلام له في تقسيم الإيمان والنهي عن البراءة من أحد.
0 التعليق
ارسال التعليق