وعاود الصهاينة الفرار عن جنوب لبنان، بعد الهزيمة النكراء، ولكن فرارهم هذا ليس كفرارهم السابق، ونصر لبنان هذا ليس كنصره السابق، ولكل منهما وهجه، فالنصر السابق أيقظ الأمة من سباتها حيث كانت مخدرةً بمجموعةٍ من المفاهيم والمسلمات، والتي كان من ضمنها التسليم للأمر الواقع، وقبول أن إسرائيل قوةٌ عظمى لا تقهر، وأن من الحماقة والتهور والجنون أن يفكر إنسانٌ في مجابهة هذه القوة، وأن من الخيال أن يترقب لها يومٌ تزول فيه، فقبل ذلك الانتصار كان قول الراحل المقدس بأن إسرائيل غدةٌ سرطانيةٌ، وأنها لا بد وأن تزول من الوجود، ينم عن عقليةٍ رجعيةٍ لا تواكب الساحة ولا تعرف مقتضيات الزمان التي تفرض على كل دولةٍ أن تؤمّن مصالحها عن طريق الارتباط بولي النعمة (إسرائيل)، ذاك الانتصار اصطدم بتلك المفاهيم، فهزَّ الأمة وأيقظ شعورها بوجودها وكيانها.
وأما هذا الانتصار الباهر فظروفه كانت مختلفةً، فالعالم كان مراهناً على تفكيك حزب الله وإبادة رجاله، وكان متآمراً عليه عبر سلاحه، ومواقف دوله، وفتاوى وعاظه، وآلياته كانت تراكماً لعهدٍ من الإيمان والإخلاص والوفاء والحكمة والعقلانية والشجاعة والقوة العسكرية، ولذلك كانت نتائج هذه الحرب عظيمةً..
- فمن نتائجها أنها عززت ذلك الإيمان، إيمان الأمة بكيانها وبوجودها وبخالقها. فهي باتت تدرك معنى {إِنْ يَّنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} أكثر مما كانت عليه، فهذا درسٌ شاهدته بأم عينها على أرض الواقع.
- ومن نتائجها أنها رسخت المبادئ الإسلامية العزيزة حتى صارت ورداً يلهج به كل لسانٍ، وتلك هي مبادئ الكرامة والعزة والشرف والإباء والتضحية.
- ومن نتائجها -وبحكمة قائد هذا النصر المؤزر- أنها وحدت المسلمين من أقصى الأرض إلى أقصاها وقاربت بين قلوبهم تقارباً ليس باليسير في عهدٍ تعمل فيه الأبواق الاستكبارية على بث الفرقة وتأجيج الفتنة والجاهلية بين أبناء الإسلام.
- وفي نهاية المطاف كان نصر المقاومة العسكري الساحق.
- والنصر الاستراتيجي الذي غيَّرَ المعادلات والحسابات داخل الكيان الغاصب وخارجه. ونعود لنؤكد ما قاله سيد المقاومة بأن هذه الانتصارات لم تحققها الدموع وإنما حققها الدم الكربلائي الزاكي، متمثلين بقول الشاعر:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يــــــراق على جوانبه الدم
0 التعليق
ارسال التعليق