لماذا هذا الموضوع؟
كلّ إنسانٍ في هذا الوجود يسعى نحو تحصيل كماله، وهذا الأمر ممّا يقتضيه الوجدان قبل البرهان، فلسنا ههنا بحاجةٍ لإثبات هذه الحقيقة، لكنّ المشكلة كلّ المشكلة تكمن في خطأ التشخيص والاختيار، فكم من شخصٍ يعتقد أنّ كماله في المال، فتراه يقدّم كلّ ما عنده لأجله، وآخر يرى الشهوة والجنس هو هدف الوجود، فلا يكون مرتاحاً إلا في ظرف ممارسته لهذه الشهوات، وهكذا آخرون يرون المقام والجاه الدنيويّ هو الكمال الّذي ليس فوقه كمالٌ، وأمام كلّ هذا يبقى الإنسان متفكّراً في ما هو الكمال الواقعيّ الّذي ينبغي للإنسان أن يتحرّك إليه، ومن هنا لا بدّ من تحديد هذا الكمال؛ حتّى لا يتفاجأ الإنسان في آخر حياته بأنّه أخطأ الطريق، فمن سار على غير المعرفة لم تزده سرعة المشي إلا بُعداً.
وانطلاقاً من ذلك نرى عدّة محاولاتٍ من التيارات الدينيّة وغير الدينيّة في تحديد كمال الانسان، واعتقاداً منّا ـ حسب ما ثبت في محلّه ـ أنّ المعارف الإسلاميّة هي معارف واقعيّةٌ مطابقةٌ للواقع، وليس الّذي يطرحه الآخرون من أفكار تعارض الفكر الإسلاميّ إلا وَهمٌ وخيالٌ، وبالتالي لا بدّ من صبّ الجهد للبحث عن الإجابة في ضمن الآيات والروايات الصادرة من أصحاب الحقّ والحقيقة، مستهدين بالعقل السليم، فنقول: بمقتضى حكمة الله لا يمكن أن يصدر منه فعلٌ بلا غايةٍ ولا هدفٍ ـ تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً ـ، ولمّا كان الإنسان هو أحد مخلوقات الله ـ بل أشرفها على الإمكان ـ فلا يصحّ أن يكون مخلوقاً بلا غايةٍ وهدفٍ، فهذا القرآن الكريم ينبّه على هذه الحقيقة في آياتٍ عدّةٍ، فيقول تارةً:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ}(1)، وفي آيةٍ أخرى: {إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}(2)، وغيرها الكثير من الآيات بهذا المضمون، وعند التأمّل في تلك الآيات نرى أنهّا تصرّح بأنّ لقاء الله هو الغاية لوجود الإنسان، لا كما يتوهّمه أصحاب التيّارات الأخرى من أنّ المال أو الجاه أو الشهوة هي الغاية، فتحصّل من كلّ ما ذكرنا أنّ غاية وجود الإنسان هو لقاء الله، ولكنّ الأمر لا يقف إلى هنا، فيعود الذهن متأمّلاً متسائلاً قائلاً: عرفنا أنّ لقاء الله هو الغاية، ولكنّ الأهم بعد هذه المعرفة: كيف يمكننا تحقيق هذا الهدف؟ وما هو الطريق اللازم اتّباعه للوصول إلى تلك النقطة؟ وهذا هو القرآن مرةً أخرى يعود للإجابة عن هذا السؤال، فليس من الوجيه عقلاً ولا عقلائيّاً أن يطرح القرآن الغاية من الوجود ثمّ لا يحدّد الطريق لها، فليس هذا إلا نقضٌ للغرض، وعندما نرجع إلى الآيات يطالعنا قوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(3)، فهي صريحةٌ أنّ الطريق الموصل إلى الغاية (لقاء الله) هو اتّباعه، وهذا أيضاً مفاد قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ}(4).
وإذا اتّضح ذلك نقول: لا بدّ للعاقل السالك إلى الغاية أن يزيل الموانع الّتي تحول بينه وبينها، ومن أكبر الموانع في المقام هو اتّباع الهوى؛ فهو الموجب لسقوط الإنسان وخسارته في هذه الدنيا، كيف لا يكون ذلك وهو يشكّل أكبر مانعٍ عن غاية الوجود، وبالجملة يمكننا تلخيص ما ذكرناه في هذه النقاط:
ـ إنّ الله حكيمٌ، والحكيم لا يكون عابثاً، فلا بدّ أن يكون لخلقه غايةٌ.
ـ الإنسان أكبر مخلوقات الله، وغاية وجوده لقاء الله.
ـ لقاء الله يتحقّق عن طريق اتّباع أوامره.
ـ أكبر مانعٍ من تحقيق غاية الوجود هو اتّباع الهوى.
فبملاحظة هذه النقاط تتّضح خطورة اتّباع الشهوات جليّاً، ونفهم قول أمير المؤمنين(ع): «إن أخوَف ما أخاف عليكم اثنتان، اتّباع الهوى، و طول الأمل»(5)، فأيّ شيءٍ هو الّذي يعتبره أمير المؤمنين(ع) في قمّة سلّم المخاوف على هذه الأمّة؟! فعلينا أن نقف متأمّلين جدّاً في هذه الرواية المباركة، وندرك مدى خطورة اتّباع الهوى حتّى جعله أمير المؤمنين(ع) أخطر المخاطر على الأمّة، لعله انكشف لك أيّها القارئ شيءٌ من هذه الحقيقة، حيث أثبتنا أنّ اتّباع الهوى هو المانع عن تحقّق غاية الوجود، ونحاول في هذا المقام أن نكشف القناع أكثر عن تفاصيل هذه المسألة معتمدين على الآيات والروايات المعصوميّة، محاولين محاكاة الفطرة والوجدان، مبتعدين شيئاً ما عن الاصطلاحات وبعض التدقيقات النظريّة، فهدفنا هنا تحريك الوجدان وبيان خطورة المسألة، وذلك يستدعي الكلام مع القلب والوجدان.
ونختم هذا المدخل بخطبةٍ لأمير المؤمنين(ع) تتعلّق بموضوعنا تعلّقاً أكيداً، فقد جاء في خطبةٍ له(ع): «أمّا بعدُ، فإنّ الدنيا قد أدبرتْ وآذنتْ بوداعٍ، وإنّ الآخرة قد أقبلتْ وأشرفتْ باطّلاعٍ، ألا وإنّ اليوم المضمار، وغداً السباق، والسبقةُ الجنة، والغاية النار، أفلا تائبٌ من خطيئته قبل منيّته؟! ألا عاملٌ لنفسه قبل يوم بؤسه؟! ألا وإنّكم في أيّام أملٍ من ورائه أجلٌ، فمن عمل في أيّام أمله قبل أيّام أجله فقد نفعه عمله ولم يضرّه أجله، ومن قصّر في أيّام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله وضرّه أجله، ألا وإنّكم قد أُمرتم بالضعن (الرحيل)، ودُللتم على الزاد، وإنّ أخوَف ما أخاف عليكم اتّباع الهوى، وطول الأمل، تزوّدوا في الدنيا ما تحرزون به أنفسكم غداً»(6).
لماذا نكره لقاء الله (الغاية)؟
قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}(7)، كم هي كثيرةٌ الآيات والروايات الّتي تحدّثتْ عن النفس ومقاماتها، وحذّرت هذا الكائن من مزالّها ودقّة مكائدها، وليس ذلك أمرٌ عجيبٌ لو تأمّل فيه الإنسان بقلبه، وجلسَ ساعةً مع نفسه ليفكر أنَّ أمامه سفراً طويلاً، وعقباتٍ خطيرةً تحتاجُ لزادٍ ثقيلٍ، فهلاّ أعدَّ الإنسانُ زادَهُ ليوم رمسه؟! وجلس مع نفسه متسائلاً هل هو في محلّ رضا الله أم أنّه في محلّ سخطه؟! ولْيسأل كلٌّ منّا نفسه: الآن إذا أتاهُ ملكُ الموتِ وأراد استرجاعَ وديعة ربّهِ فما هو قائلٌ له؟ فهل عاشَ مرحلةَ الاستعداد؟ أم ما زال غارقاً في بحر الغفلة عن الله؟ وكثيرٌ منّا يراود ذهنه هذا السؤال، ويعيشه بين فترةٍ وأخرى، وإن حاول المسكين أن يتغافل عنه خوفاً من مواجهة الحقيقة، ولكن لا سبيل للهروب عنه بعدما أصبحت مواجهة ذلك السؤال ممّا لا بدّ منه، وقد تسألني: أيّ سؤالٍ تعنيه؟ وما لي في الجواب إلاّ أن أذكّرك به وأقول: هذا هو السؤال: لماذا نكره السفر إلى الله ـ الّذي هو غاية الوجود ـ مع أنّ السفر إليه سفرٌ إلى محض الجود والرأفة والرحمة والكمال؟!
فهذا أبو ذرّ(رض) يجيب عن هذا السؤال ويكشف لنا حقيقة ذلك، فقد جاء في كتاب (الكافي) الشريف للكليني(رض) بإسناده عن الإمام الصادق(ع) قال: «جاء رجلٌ إلى أبي ذرٍّ(رض)، فقال: يا أبا ذرّ، ما لنا نكره الموت؟! فقال: لأنّكم عمرتم الدنيا وأخربتم الآخرة، فتكرهون أن تنقلوا من عُمرانٍ إلى خرابٍ، فقال له: فكيف ترى قدومنا على الله؟ فقال: أمّا المحسن منكم فكالغائب يقدم على أهله، وأمّا المسيء منكم فكالآبق يُرَدّ على مولاه، فقال: فكيف ترى حالنا عند الله؟ قال: اعرضوا أعمالكم على الكتاب، إنّ الله يقول {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ}(8)، فقال الرجل: فأين رحمة الله؟ قال: رحمة الله قريبٌ من المحسنين(9).
فينبغي لنا الجدّ والاجتهاد في تعمير الآخرة، وإشغال أنفسنا بعمرانها؛ حتّى لا نكون مصداقاً لمن يردّ على مولاه ورود الآبق، بل نردّ عليه ورود الغائب القادم عليه، وكلّ ذلك يقتضي من السالك إلى الله أن يزيل الموانع ويعيش المجاهدة مع النفس؛ فهي الطريق المتاح للمؤمن لكي ينتظر بشوقٍ لقاء الله ولا يخاف الموت، وكيف يخاف الموت من اعتقد أنّ الموت قنطرة الوصول إلى المحبوب؟! وليستْ هذه الدنيا عند السالك إلى الله إلاّ سجناً سيرحل منه إلى الآخرة، وهل يضطرب العاقل بسبب الخروج من النقص إلى الكمال؟! وينكس العقل منحنياً متحيّراً إلى العظمة والمقامات المعنويّة الّتي وصل إليها أُناسٌ في هذه الدنيا يستأنسون بالموت، أعني أنصار الحسين(ع)، وهم يعيشون أوج الارتباط بالله، حتّى أصبح الموتُ لهم أنيساً كما يستأنس الطفل بمحالب أمّه، ولا غرو في ذلك، فهذا أمير المؤمنين(ع) يصف حال المتّقين أنهّم لو لا الموت لما استقرّت أرواحهم في أبدانهم، بمعنى أنهّم لو لا اعتقادهم القلبيّ ـ لا النظريّ ـ بأنّه سيأتي يومٌ يردون على الله، لما عاشوا مستقرّين في الدنيا، فوجود الموت هو الموجب لاستقرارهم، لا أنّه يوجبُ خوفهم، وقد تستغربُ من وجود أناسٍ في هذه الدنيا وصلوا لهذا المقام العظيم، وليس بِدْعاً من القول أن نقول: إنّ علّة وصولهم لتلك المقامات مجاهدةُ أنفسهم، فحريٌّ بنا أن نهتمّ بذلك إذا عزمنا على السير نحو المحبوب، وبذلك يتّضحُ لنا أهمّيّة خلْق الداعي في أنفسنا حتى نترقّب لقاء الله.
الهوى في الاصطلاح:
قبل الدخول في بعض التفصيلات المتعلّقة بهوى النفس، لا بأس أن نحدّد المقصود من موضوع البحث، ولا نريد الدخول التفصيليّ في ذلك، وخير ما قيل في هذا الشأن ما ذكره صاحب المفردات الراغب الأصفهانيّ حيث قال ما نصّه: «الهوى ميل النفس إلى الشهوة، ويُقال ذلك للنفس المائلة إلى الشهوة، وقيل: سُمّيَ بذلك لأنّه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كلّ داهيةٍ، وفي الآخرة إلى الهاوية»(10).
وقد ذكر المجلسيّ(رض) في (البحار) ما لفظه: «المراد بهوى النفس ميلها إلى ما هو مقتضى طباعها من اللذات الحاضرة الدنيويّة، والخروج عن الحدود الشرعيّة(11).
وبالتأمّل في عبارة صاحب (البحار) (أعلى الله مقامه) نراه يشير إلى ما فهمه من مجموع الروايات، وهو أنّ اتّباع الهوى ينقسم إلى اتّباعٍ مذمومٍ، واتّباعٍ غير مذمومٍ، وضابط اتّباع الهوى المذموم في النصوص الشرعيّة هو طاعة النفس في مقابل سخط الله والركون لهذه القوّة.
ومما يثير الدهشة والتساؤل كثرة النصوص الواردة الّتي تركّز على هذه المسألة، فما هو السرّ في ذلك؟! لعلّه ـ أيّها القارئ ـ قد اتّضح لك شيءٌ ممّا يرفع هذا الاستغراب، وبتفصيلٍ أكثر نشير ههنا إلى قاعدةٍ عقلائيّةٍ نستطيع أن نستفيد منها في مقام الإجابة عن هذا السؤال، وهي أنّه كلّما زادتْ النصوص حول مسألةٍ من المسائل كان ذلك كاشفاً عن أهمّيّة تلك المسألة بنظر الشريعة، فالعلاقة طرديّةٌ بين أهمّيّة القضيّة وبين كثرة النصوص حولها، ولهذا ترى النصوص المتكثّرة الّتي وصلتْ إلى حدّ التواتر الذّامّة للقياس، حتّى أوصلها بعض محقّقي علمائنا إلى ثلاثمائة، وليس ذلك إلاّ لخطورة هذه القضيّة في نظر الشريعة، وهنا أيضاً كذلك، فلمّا كثرتْ النصوص حول مسألة الهوى علمنا خطورة هذه المسألة ومدى عناية الشارع بهذه القضيّة، فليستْ هي مسألةً عاديّةً، كيف لا تكون كذلك؟! والحال أنهّا رأس المهلكات، ومجمع الرذائل الأخلاقيّة، وما من رذيلةٍ إلاّ وترجع إليها، فهي أصل شجرة الخبائث والرذائل، فلا يصحّ بعد هذا البيان أن يقف المؤمن الموحّد وقفة عدم المبالاة، بل علينا أن نفتح قلوبنا قبل أسماعنا، وبصائرنا قبل بصرنا إلى هذه القضيّة.
مُتّبعُ الهوى في محكمة العُقلاء:
كم هو فظيعٌ ومدهشٌ أن يقف الإنسان على قصّة حياته في هذا الوجود، فهلاّ تأمّلتَ أيّها المؤمن إلى هذه القصّة معي وسأترك لك الحكم، فلعلّك لا تقبل بحكمي، إنسانٌ لم يكن شيئاً مذكوراً، أوجده خالقه في أحسن تقويمٍ، وأعطف عليه الحواضن، وأسكنه في الرحم، وتكفّل بغذائه وعطائه، ثمّ أخرجه إلى هذه الدنيا، وفطره على الخير والطاعة، وربّاهُ صغيراً، وأعطاه الجوارح ليتقوّى بها، إلى أن بلغ فخاطبه تكريماً له، فاستحقّ مقام أن يكون محلاًّ لخطاب الله، وما تزالُ نِعمُ الله لحظةً بعد لحظةٍ تنزل عليه، فقام هذا المخلوق بردّ الجميل لمولاه، وكان جميله بمعصيته إيّاه، ومخالفته بالقوى الّتي أعطاها إيّاه، فاستعان بنعمة المولى على معصيته، واستغلّ إعطاء وإقدار المولى على مخالفته، ولم يكتفِ بذلك، بل اتخّذ إلهاً غيره، ولكنَّ مولاه لم يقابلهُ بالإساءة والعقاب، بل قابله بالإحسان، فستر عليه وأعطاه، فشرُّ العبد إلى المولى صاعدٌ، وخيرُ المولى إلى عبده نازلٌ، وهكذا ما زال كلُ آنٍ يفيض عليه بنعمه وما زال ذلك العبد يتجرّأ على المولى بمعصيته، حتّى سقط حياؤه، واشتدّت مخالفته، إلى أن أشرك بالله، فلو عرضنا قضيّة هذا العبد في محكمة العقلاء ماذا ترى ـ أيّها القارئ العزيزـ أن يحكموا عليه؟ بل كيف يتحمّل الحاكم أن يديم سماعه لهذا العُجاب؟! ولو تأمّلتَ لهذه الكلمات وقيل لك: أنتَ هو صاحب هذه القضيّة. فما أراكَ فاعلٌ؟! وأيّ عذرٍ أنت به قائلٌ؟! وهل ينفع العذرُ بعد الإساءة؟! وأيُّ قبحٍ أن ينطق هذا العبد أمام المولى يوم المحكمة الكبرى، ويوم الفضيحة وكشف السريرة؟! هكذا قد يكونُ حالنا في خاتمة المطاف،فلا بدّ من الانتباه قبل حلول الممات، {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ}، وكم حريٌّ بهذه النفس أن تعدّ الجهاز قبل يوم المجاز، وتصارع الأهواء والشهوات لتنال الدرجات والمفازات.
منافاة اتّباع الهوى للتّوحيد في العبادة:
كم هو ذلك الارتباط العجيب بين مسألة التوحيد في العبادة الّتي تمثّل محوراً من أهم محاور التوحيد في الفكر الإسلاميّ، وبين مسألة اتّباع الهوى، حيث تقف مسألتنا في طرف النقيض لتلك المسألة، وبعظمة الطرف المقابل يُعرف المقابل، أعني أنّ اتّباع الهوى يقابل التوحيد في العبادة، ولمّا كان التوحيد في العبادة مسألةً بلغتْ من الأهمّيّة بمكانٍ يكون طرفها النقيض ـ أي اتباع الهوىـ وصل لتلك الدرجة فكلّ خطوةٍ يخطوها الإنسان نحو اتّباع الميول والشهوات يقترب بها إلى قفص مخالفة المنعم الحقيقيّ، وبالتالي البُعد عن حقيقة التوحيد العباديّ، ويضعُ باتّباعه لهواه قدماً نحو طاعة الشيطان، وبتكرّر ذلك وتكثّر المخالفات يصلُ إلى مرحلة الملكة في اتّباع الشيطان، حتّى تتقوّى الملكة فيكون هو الشيطان، وبالتالي يكون مصداقاً لقوله تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً}(12)، ودعونا نقف برهةً من الوقت متأمّلين في هذه الآية الكريمة، مستنطقينها بالقلب قبل العقل، فالخطاب الإلهيّ يدعو الإنسان العاقل في هذه الآية للتّفكّر والتأمّل، وكيف وصل الإنسان بسوء فعله وسريرته إلى الدرجة الدانية حتّى سقط في قفص الشرك وأصبح الهوى هو مولاه الّذي يطيعه؟! ولو عرف هذا المسكين أنّه يطيع عدوّه لبكى على نفسه طويلاً، فالهوى عدوّه، بل ليس كباقي الأعداء، بل أعدى الأعداء، وكم هي الذلّة الّتي يعيشها هذا الغافل عن نفسه؟! وأيّ ذلّةٍ أكبر من ذلك الشرك؟! فحقيقٌ أن يُقال: إنّ من أطاع هواه أعطى عدوّه مناه، بل أيّ خطورةٍ يكشف عنها الخاتم(ص)، حيث ورد عن النبيّ(ص) ما لفظه: «ما تحت ظلّ السماء من إلهٍ يُعبد من دون الله أعظم عند الله من هوىً متّبعٍ»(13).
منافاة اتّباع الهوى للإنسانيّة:
لا غرابة أن يُقال: إنّ اتّباع الشهوة يُعدُّ أخطر عاملٍ يقود الإنسان نحو الانحطاط الأخلاقيّ والسلوكيّ، بل هو مصداقٌ للانحطاط، وقد جاءتْ عدّة رواياتٍ تشير إلى هذه الحقيقة، فعن أمير الموحدين(ع) أنّه قال: «الشهوات سمومٌ قاتلاتٌ»(14)، فهنا ينصُّ أمير المؤمنين(ع) عن حقيقة الشهوة، فليستْ هي إلا سمٌّ يقتل الإنسان، وكيف لا تكون كذلك؟! وبها ينزل الإنسان من حقيقة الإنسانيّة إلى رقِّ البهيميّة، أيمكن أن نتصوّر الإنسان بدون عقلٍ؟! وكيف يستحقّ مرتبة الإنسانيّة من عمل بمقتضى البهيمية؟! نعم، ترى مثل هذا الشخص في الدنيا يضحك ويلعب، ولكن في الحقيقة وباطن الأمر ليس هو إلاّ سبعٌ ضارٍ، واتّضح ممّا ذكرنا أنّ مدار الإنسانيّة هو العقل، فمن كان قائده هو عقله فهو الإنسان، وإلاّ فلا حظّ له من الإنسانيّة إلاّ الاسم، فلْيختَر الإنسان أميره الّذي يتّبعه، هل هو العقل أم الهوى؟!
الآثار التكوينيّة لاتّباع الهوى:
نحاول أن نتأمّل شيئاً ما في بعض الآيات والروايات الواردة في المقام المتعلّقة ببيان الآثار التكوينيّة للهوى، ونغترفُ معاً من مائدة العصمة بقدر طاقتنا، وليس هدفنا هو مجرّد فهم هذه الآيات، بل التأمّل في هذه المعارف بالقلوب حتّى لا نكون مصداقاً لقوله تعالى: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}، ونبدأ بهذه الآية، وهي قوله: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً}(15)، تكشف هذه الآية الكريمة عن حقيقةٍ طالما غفل الإنسان ـ أو تغافل عنهاـ، وهي حالة العبوديّة لغير الله، فالعبدُ قد يدّعي أنّه موحّدٌ، بل قد يترقى في العجب بنفسه ويدّعي أنّه من أخلص المخلصين، لكنّه في الواقع عابدٌ لغير الله، ومطيعٌ لهواه، حتّى وصل إلى درجة أنّ إلههُ فعلاً وعملاً هو الهوى، وإن كان قولاً هو الله، ومن يصل إلى هذه الحالة يكون وكيله الشيطان، فيخرجه من ولاية الله إلى ولايته، ولقلّة حياء الإنسان أمام مولاه ووليّ نعمته تراه قد أقفل مسامعَ قلبه عن سماع التحذير الإلهيّ الّذي طالما رنَّ في أذنه، فهذا الربّ الرحيم يحذّر الإنسان في كتابه الكريم قائلاً: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}(16).
وللأسف فإنّ موقف كثيرٍ من البشر أمام هذه النصيحة والنداء الإلهيّ هو الإعراض عن نداء الحقّ، والانغماس في الميول الشيطانيّة، والعجيب في هذه الآية الكريمة آخرها، أعني {أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً}(17)، فهذا استفهامٌ استنكاريٌّ بمعنى: لستَ عليه بوكيلٍ حتّى تهديه إلى الرشد إذا اختار هو العبوديّة لغير الله، وهذا الخطاب موجّهٌ للخاتم(ص) ـ أعني قوله: {أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً}ـ، حيث إنّ هذه الآية واردةٌ في صدد آياتٍ تتكلّم عن المشركين الّذين أعرضوا عن الدعوة، ولكنّ الخاتم(ص) لرحمته الواسعة ـ كيف لا يكون ذلك وهو رحمةٌ للعالمين ـ كان يعطف على هؤلاء المشركين ويخاف عليهم من عبادة الشيطان، حتّى جاء الخطاب الإلهيّ مستنكراً وقائلاً: إنّك يا محمّد(ص) لستَ عليهم بوكيلٍ، ولا تهدي من أحببت، ولنا أن نتساءل عن هذا الشخص الّذي وصل إلى هذه الحالة ـ وهي العبوديّة لغير الله ـ كيف أصبحت حالته وملكاته؟ يعود القرآن الكريم الّذي لا تنقضي عجائبه ويجيب عن ذلك في سورة الجاثية: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللهِ}(18).
نلاحظ أنّ هذه الآية تبيّن الآثار التكوينيّة لمسألة اتّباع الهوى، فليست المسألة مسألة جنّةٍ ونارٍ فقط، بل هي فوق ذلك، فوراء الجنّة والنار آثارٌ تكوينيّةٌ في هذه الدنيا، فهذا الشخص الّذي هو عابدٌ لغير الله، صورته صورة إنسانٍ، ولكنّ قلبه مليءٌ بالظلام، وهو مطرودٌ من الساحة الإلهيّة، ويا عجبي ما حالُ شخصٍ يُطرد من الساحة الّتي هي كمال الجود والرأفة؟! حتّى أصبح قلبه مختوماً، ومن كان حاله كذلك فأنّى له باليقظة والانتباه؟! فليس عجيباً حينئذٍ أن لا تؤثر الموعظة فيه ويقف أمامها موقف اللامبالاة، وكيف يتلقّى هذا الشخص المعارف الحقّة الإلهيّة وهو على قلبه غشاوة؟! أوَ ليست المعرفةُ تحتاج إلى الإناء؟! ومن كان إناؤهُ ملؤه الظلام كيف تحلّ المعرفة فيه؟! بل أكثر من ذلك، فمثل هذا الإنسان لا يعيش لذّة العبادة مع الله، وكم هي الحسرة العظيمة أن يُحرمَ الإنسان أن يتذوّق حلاوة المناجاة مع الله الّتي يقول عنها زين العابدين(ع): «من ذا الّذي ذاق حلاوة محبّتك فرام عنك بدلاً؟!».
وبالجملة نستفيد من هذه الآية الكريمة دروساً ومعارف جليلةً، وهي مدى خطورة الآثار التكوينيّة لاتّباع الهوى، فمن الحقّ أن يُقال: إنّه رأس المهلكات، وقد جاءتْ عدّةٌ من الروايات تتكلّم في هذا السياق ـ أعني الآثار التكوينيّة للهوى ـ، فقد جاء في (الكافي) الشريف بسنده عن الإمام(ع) أنه قال: «قال رسول الله(ص): يقول الله(عزّ وجل): وعزّتي وجلالي، وعظمتي وكبريائي، ونوري وعلوّي، وارتفاع مكاني، لا يؤثر عبدٌ هواه على هواي إلاّ شتّتُّ عليه أمره، ولبّستُ عليه دنياه، وشغلتُ قلبه بها، ولم أوتِهِ منها إلاّ ما قدّرتُ له، وعزّتي وجلالي، وعظمتي ونوري، وعلوّي وارتفاع مكاني، لا يؤثر عبدٌ هواي على هواه إلاّ استحفظتُه ملائكتي، وكفّلتُ السماوات والأرضين رزقه، وكنتُ له من وراء تجارة كلّ تاجرٍ، وأتته الدنيا وهي راغمةٌ»(19)، فهذه الرواية ـ كما هو واضحٌ ـ ناطقةٌ بمدى الآثار التكوينيّة الّتي يفضيها اتّباع الهوى.
وعند ملاحظة الآية السابقة(20) نستطيع أن نتعرّف على مدلول الرواية بشكلٍ أجلى وأوضح، وفي بيان وجه الارتباط نقول: الآية في سورة الجاثية ـ أعني قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ الله}ـ تتكلّمُ عن الأحوال الّتي يصلُ إليها متّبعُ الهوى، وهي ثلاثةٌ:
1) الإضلال.
2) الختم على السمع والقلب.
3) وجعْل الغشاوة على البصر.
ومن كان هذا حاله لا محالة أنّ نتيجة أمره هو ما ذَكَرَتْهُ الرواية السابقة، فهو سيَتِيْهُ في هذه الدنيا، وتتلبّس عليه دنياه، فلا يستطيع معرفة الحقّ والحقيقة، ويتقلّب في ظلماتٍ بعد ظلماتٍ، فأمرهُ مشتّتٌ لا استقرار فيه، وهذا معنى «شتّتّ عليه أمره، و لبّست عليه دنياه»، وكذلك من خُتم وغُشيَ بصره، كيف يبصر الطريق؟! وأنّى له بالهداية؟! وكيف لا ينشغل قلبه بالدنيا وقد ختم الله على قلبه، وهذا معنى قوله: «شغلتُ قلبه بها (الدنيا)»، فبملاحظة الآية يكون ما ذُكر في مفاد الرواية أمرٌ واضحٌ وطبيعيٌّ، ونتيجةٌ حتميّةٌ لما وصل إليه عابد هواه، ولَنِعمَ ما سطّره السيّد الإمام(رض) في (الأربعون حديثاً) معلّقاً على هذه الرواية حيث قال ما نصّه: «وهذا الحديث الشريف من محكمات الأحاديث الّتي يدلّ مضمونها على أنّه ينبع من علم الله تعالى الرائق حتّى وإن كان مطعوناً بضعف السند»(21)، ولَنِعْمَ ما قال، وأيُّ سندٍ نحتاجهُ بعدما عرفتَ أنّ مدلول هذه الرواية موافقٌ للقرآن الكريم؟! وهل بعد الموافقة للقرآن من احتياجٍ للسند؟! وليس لي أن أقول لك أيّها القارئ إلاّ أن تتمعّن فيما ذُكر في الآية والرواية؛ فهذا غيضٌ من فيضٍ، وافتح قلبك ما دمت موجوداً في الدنيا قبل الفوات، وخيِّر نفسك بين طاعة المولى المنعم المتفضّل، وبين عبادة الهوى، وانظر بعين البصيرة لهذه الآثار التكوينيّة الخطيرة المُهلكة، فإن اخترتَ الهداية على الضلال فنِعْمَ الاختيار، ومحلّك قريبٌ من الله، وستعيش لذّة العبادة والذكر، وفي الآخرة الروح والريحان، ولكن الندم كلّ الندامة لو آثرتَ طاعة العدوّ على طاعة المولى، فموعدك النار وبئس الرفد المرفود، ولا تنفع الندامةُ بعد نهاية المضمار.
وفي مقابل ذلك نعرف مقام وحالات الإنسان المتّقي المخالف لهواه؛ إذ أنّه ـ كما يُقال ـ تُعرف الأشياء بأضدادها، فكلّ ما ذكرناه هناك ينقلبُ تماماً هنا، فالسالك إلى الله والمخالف لهواه يفتحُ الله بصره، ويعينه الله على إبصار الطريق، ويكون اللهُ هو وكيله لهدايته، فيحظى بالهداية الخاصّة، فحيثُ كان العابدُ للهوى يعيش في الظلمات فالمؤمن المطيع لله يعيش في النور، وإن كان المخالف لله أعمى البصيرة فإنَّ المؤمن يُبصر الحقّ والحقيقة، قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً}(22)، وفي آيةٍ أخرى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ}(23)، وهكذا ترى العاصي منشغلاً بمتاع الدنيا، إلا أنّ المؤمن منشغلٌ بالآخرة، ويتشوّق لرضا الربّ، ويتّضحُ من كلّ ما ذكرنا أنَّ القرآن الكريم يشير إلى حقيقةٍ، وهي أنّ حال المؤمن في هذه الدنيا تختلف بالكليّة عن البعيد عن الله، فليس الفارق بينهما مرتبطٌ فقط بالآخرة والجنّة والنار، بل القرآن يترقّى في ذلك ويقول: إنّ المؤمن يعيش حياةً تختلف عن حياة العاصي لله، قال تعالى: {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ}(24)، وهذه الحقيقة القرآنيّة تحتاج إلى بحثٍ مستقلٍّ لسنا في صدد البيان التفصيليّ لهذه الحقيقة؛ فإنهّا تحتاج لبحثٍ آخر، وما ذكرناه في المقام هو الّذي يُعتبر مهمّاً بلحاظ ما نتكلّم عنه.
ارتباط مسألة الهوى بالتفكّر والصبر:
نُشير في هذا العنوان إلى العلاقة المهمّة بين مسألة التفكّر والصبر وبين الهوى، فالروايات الّتي تتكلّم عن مسألة التفكّر كثيرةٌ، وننقل هنا بعض ما يتعلّق بها محاولين الربط بين مسألة التفكّر وبين اتّباع الهوى، فقد ورد عن أبي عبد الله(ع) أنه قال: «كان أمير المؤمنين(ع) يقول: نبّه بالتفكّر قلبك، وجافِ عن الليل جنبك، واتقِ الله ربّك»(25)، وفي روايةٍ أخرى عن أبي عبد الله(ع): «أفضل العبادة إدمان التفكّر في الله وفي قدرته»(26)، إنّ قيمة الكلام بعظمة متكلّمه، والمتكلّمُ في مقامنا هو المعصوم(ع)، الّذي وصل إلى مقامٍ يعجزُ الإنسان أن يدرك شطراً منه، وأنّى بالداني أن يحيط بالعالي؟! فعندها تعرف أنّ هذه الكلمات الصادرة من نَفَس المعصوم كم تمثّل من القيمة والواقعيّة الّتي ينبغي للعاقل اللبيب أن لا يعيش حالة الغفلة بإزائها، ودعونا هنا نقفُ متأمّلين شيئاً ما في مضمون هاتين الروايتين الشريفتين وما يشابهها، الّتي تتحدث عن التفكّر، فالإمام(ع) يدعو الإنسان إلى التنبّه في هذه الدنيا وعدم الغفلة عن مقام الله، فإنّ في هذه الدنيا دواعي الابتعاد عن الله، ولا تكادُ أشواك الشيطان في طريق المؤمن تنتهي، والصراع ما زال مستمرّاً ما بقي الإنسان والشيطان، وبالتالي الوجدان والعقل الصحيح يحكمُ أنّه لا يصحّ بتاتاً أن يبقى الإنسان بلا تفكّرٍ، فالشخصُ لا بدّ له أن يفكّر ما دام إنساناً، وهذا ما ترشد إليه رواية أمير المؤمنين(ع)، لكنه(ع) لم يكتفِ بذلك، بل عقّب التفكّر بأنّه سنخُ تفكّرٍ حاصلٍ بالقلب لا بالعقل، فليس المهمّ أن يفكّر الإنسان بعقله حتّى لو كان قلبه مظلماً، بل لا بدّ أن يكون قلبه حيّاً؛ حتّى يهيّئ الأرضيّة الخصبة لتقبّل الموعظة والمعارف الإلهيّة، وبعدها يدخل الإنسان في سلك المطيع لله وبعيداً عن زمرة الغافلين الّذين هم بوصف القرآن الكريم كالأنعام، بل أضلّ سبيلاً، وهنا لا بدّ للمؤمن أن يلتفت إلى قضيّةٍ مهمّةٍ تظهر ممّا ذكرناه سابقاً، وهي: إنمّا يتحقّق أثر التفكّر بالقلب إذا لم يصل الإنسان إلى مستوى الطبع والرين على القلب؛ إذ مع الوصول ـ والعياذ بالله ـ إلى تلك الحالة يكون الإنسان مطوّقاً بالغشاوة، فلا يستطيع الانتباه واليقظة، وإن استطاع ذلك فإنّه بعناءٍ تامٍّ، وبالتالي لا يحسنُ بالشخص أن يصل ـ والعياذ بالله ـ إلى ذلك المستوى الّذي تكلّمتْ عنه الآية السابقة، وهو مقام «إلهه هواه»؛ إذ بعدها لا تنفع موعظة الواعظين، وعن طريق التفكّر المستمرّ ومحاسبة النفس الدائمة لا يصل الإنسان إلى هذه الحالة، ولهذا وردت مجموعة رواياتٍ تدلّ على ضرورة محاسبة النفس كلّ يومٍ، بل إنّ في بعضها أنّه ليس منّا من لم يحاسب نفسه، وليس ذلك إلا للحيلولة دون وصول الإنسان إلى مرحلةٍ يصعب بعدها تدارك الأمر، ونستطيع أن نفهم أيضاً عدم صحّة ما قد يبثّه الشيطان في قلب المؤمن المريد لله، حيث يرنُّ الشيطان في قلب المؤمن بتأخير التوبة، وأنّ الزمن طويلٌ، وخذ الآن شهوتك وبعد ذلك قم بتهذيب نفسك! إذ هذه المكيدة من الشيطان مكيدةٌ خطيرة جداً؛ حيث بمواقعة الإنسان للذنب يعيش حالةً ظلمانيّةً في نفسه، وشيئاً فشيئاً يكون قلبه مظلماً، وهل بعد الظلمة رجوعٌ إلى الله؟! فكم هي أهمّيّة هذه الموعظة الّتي صدرتْ من ينبوع الرحمة الّتي ينبغي لكلّ مؤمنٍ ألاّ يتجاهلها؟! حتّى أنّ بعض الأخلاقيّين جعلوا أوّل مرحلةٍ من مراحل السلوك إلى الله هي مرحلة التفكّر، وسيأتي منّا في آخر هذا الموضوع شيئاً يتعلّقُ بهذه المسألة فانتظر!
أمّا الروايات الّتي تتكلّمُ عن مسألة الصبر عن المعصية فمنها ما ورد عن أبي عبد الله(ع) أنّه قال: «إذا كان يومُ القيامة فيقومُ عنقٌ من الناس فيأتون باب الجنة فيضربون، فيُقال لهم: من أنتم؟ فيقولون: نحن أهلُ الصبر، فيقالُ لهم: على مَ صبرتم؟ فيقولون: كنا نصبرُ على طاعة الله ونصبر عن معاصي الله، فيقول الله(عزّ وجل): صدقوا، أدخلوهم الجنّة، وهو قول الله(عزّ وجل): {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}»(27)، تشير هذه الرواية إلى حالة هؤلاء الّذين عاشوا في الدنيا مجاهدة أنفسهم ومخالفة أهوائهم، وليست المخالفة والمجاهدة بالأمر البسيط كما تنصّ عليه الرواية، حتّى استحقّوا أن يسمّوا في محضر يوم القيامة بأهل الصبر، فليست الجنّة بالأمر البسيط، بل محفوفةٌ بالمكاره، وقد ورد في هذا الموضوع أيضاً عن أبي جعفر(ع) قال: «الجنّة محفوفةٌ بالمكاره والصبر، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنّة، وجهنّم محفوفةٌ باللذّات والشهوات، فمن أعطى نفسه لذّاتها وشهواتها دخل النار»(28)، فالصابر هو الّذي استطاع أن يتغلّب على أعدى أعدائه، ويصل إلى حدّ الاعتدال، وبتعبير علماء الأخلاق: «فأصبح عقله أميره»، وليس ذلك بالأمر الهيّن، بل يحتاج مع المجاهدة إلى توفيقٍ إلهيٍّ ومددٍ ربّانيٍّ، وفي بعض الروايات أيضاً ما يشير إلى أنّ حقيقة الذكر ليس هو الذكر اللفظيّ، بل هي الحالة الّتي يعيشها الإنسان إذا وردت عليه المعصية فيمتنعُ عنها، فهؤلاء هم الّذين استحقّوا قرع باب الجنان، فقد جاء عن أبي عبد الله(ع) أنّه قال: «مِنْ أشدّ ما فرض الله على خلقه ذكرُ الله كثيراً، ثمّ قال(ع): لا أعني: «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله»، وإن كان منه، ولكن ذكرُ الله عندما أحلّ وحرّم، فإن كان طاعةً عمل بها، وإن كان معصيةً تركها»(29)، ولا يمكن للسالك إلى الله أن يصل إلى مقام الصبر بدون حالة الخوف، وكم هي الروايات العجيبة الّتي تتكلّم عن مسألة الخوف، ولو لا خوف الإطالة لبسطنا الكلام حول مسألة الخوف ومدى ارتباطها بمسألة الصبر، ولعلّ الله يوفّقنا في محلٍّ آخر لتفصيل ذلك، ولكن ـ كما يُقال ـ من باب أنّه لا يسقط الميسور بالمعسور، نذكر هذه الرواية معتمدين على نباهة القارئ، فاللبيب تكفيه الإشارة، فقد جاء عن أبي عبد الله(ع) في قول الله(عزّ وجل): {وَلمَِنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}(30)، قال: «من علم أنّ الله(عزّ وجل) يراهُ ويسمعُ ما يقوله وما يفعله من خيرٍ أو شرٍّ فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فذلك الّذي خاف مقام ربّه ونهى النفس عن الهوى»(31).
الطريق العمليّ لعلاج هوى النفس:
ليس من الوجيه عند العقلاء أن تُطرح المشكلة بدون بيانٍ عمليٍّ للعلاج، ولئن كانت مسألة إثارة الوجدان ويقظة الضمير من أهمّ القضايا الّتي تُوجبُ تخلّص الإنسان شيئاً فشيئاً من هذه الرذيلة، إلاّ أنّ علماء الأخلاق أبوا إلاّ أن يذكروا طريقاً عمليّاً لمجاهدة النفس، ونختصرُ في هذا المقام ما ذكروه في خمس مراحل على نحو الإجمال لا التفصيل؛ إذ أنّ المهمّ هنا ليس البحث النظريّ عن هذه المراحل، بل التطبيق الخارجيّ لها، فخير الكلام ما قلَّ ودلّ، والمراحل هي كالتالي مترتّبةٌ على نحو الطوليّة، بمعنى أنّه لا تصل النوبة إلى المرحلة اللاحقة إلا بالانتهاء من المرحلة السابقة.
أوّلاً: التفكّر:
أوّل شرطٍ يطرحه علماء الأخلاق لمجاهدة النفس هو التفكّر، وقد أشرنا إلى ذلك فيما سبق، ونضيفُ هنا شيئاً نتمّم به المطلب السابق، فقد عقد الكلينيّ(أعلى الله مقامه) باباً في الكافي للتفكّر، فحريٌّ بالقارئ أن يطّلع عليه، وكان فيما نقله هو هذا الحديث الشريف: فقد جاء أحد الرواة إلى الإمام الصادق(ع) فقال: سألتُ أبا عبد الله(ع) عمّا يروي الناس أنّ تفكّر ساعةٍ خيرٌ من قيام ليلةٍ، قلتُ: كيف يفكّر؟ قال(ع): «يمرُّ بالخربة أو بالدار فيقول أين ساكنوكِ؟! أين بانوكِ؟! ما لكِ لا تتكلّمين؟!»(32)، ولنعمَ ما قاله السيّد الإمام في هذا الصدد، حيث قال ما نصّه: «إنّ الإنسان إذا فكّر لحظةً واحدةً عرف أنّ الهدف من هذه النعمة هو شيءٌ آخر، وأنّ الغاية من هذا الخلق أسمى وأعظم، وأنّ هذه الحياة الحيوانيّة ليستْ هي الغاية بحدّ ذاتها، وأنّ على الإنسان العاقل أن يفكّر بنفسه، وأن يترحّم على حاله ونفسه المسكينة، ويخاطبها قائلاً: أيّتها النفس الشقيّة الّتي قضيتِ سنيّ عمرك الطويلة بالشهوات، ولم يكن نصيبك سوى الحسرة والندامة، ابحثي عن الندامة واستحي من مالك الملوك، وسيري قليلاً في طريق الهدف الأساسيّ المؤدّي إلى حياة الخلد والسعادة السرمديّة، ولا تبيعي تلك السعادة بشهوات أيامٍ قليلةٍ فانيةٍ، الّتي لا تتحصّل حتّى مع الصعوبات المضنية الشاقّة، فكّري قليلاً في أحوال هذه الدنيا من السابقين واللاحقين، وتأمّلي متاعبهم وآلامهم كم هي أكبرُ وأكثر بالنسبة إلى هنائهم في نفس الوقت الّذي لا يوجد فيه هناءٌ ولا راحةٌ لأيّ شخصٍ... وعلى أيّ حالٍ فادعُ ربّك بعجزٍ وتضرّعٍ أن يعينك على أداء واجباتك الّتي ينبغي أن تكون أساس العلاقة فيما بينك وبينه تعالى، والمأمول أن يهديك هذا التفكير المنبعث عن نيّة مجاهدة الشيطان والنفس الأمارة إلى طريقٍ آخر، ويوفّقك للرّقيّ إلى منزلةٍ أخرى من منازل المجاهدة»(33).
ثانياً: العزم:
في هذه المرحلة، بعدما عاش الإنسان التفكّر، والتفت شيئاً ما إلى نفسه ومدى الفقر والفاقة الّتي يعيشها أمام خالقه، استلزم ذلك شكر المولى، وحقيقة الشكر ليستْ بالتلفّظ، بل هي حالةٌ يوجدها الإنسان في نفسه عن طريق العزم الأكيد على طاعة الله، وشدّ الهمّة والإرادة للتخلّص من الرذائل الّتي يعيشها ويعانيها قبل أن تتحوّل هذه الرذائل إلى ملكاتٍ يصعب بعدها التخلّص منها في نهاية المطاف، وينبغي أن يضمّ المؤمن مع العزيمة الجادّة التوسّل بأهل العصمة(ع)؛ فهو له دورٌ كبيرٌ في إزالة الحُجب عن النفس.
وننقل ههنا كلاماً أيضاً للمربي الكبير والسيّد الجليل السيّد الإمام(رض)، ولأهمّيّة هذه الكلمات آليتُ على نفسي إلاّ أن أذكرها بنصّها دون نقل مضمونها، حيث قال ما نصّه: «أيّها العزيز، اجتهد لتصبح ذا عزمٍ وإرادةٍ؛ فإنّك إذا رحلت من هذه الدنيا دون أن يتحقّق فيك العزم على ترك المحرّمات فأنت إنسانٌ صوريٌّ بلا لبٍّ، ولن تحشر في ذلك العالم ـ عالم الآخرةـ على هيئة إنسانٍ؛ لأنّ ذلك العالم هو محلُّ كشف الباطن وظهور السريرة، وإنّ التجرّؤ على المعاصي يفقدُ الإنسان تدريجاً العزم، ويختطف منه هذا الجوهر الشريف، يقول الأستاذ المعظّم(دام ظله): (إنّ أكثر ما يسبّب على فقد الإنسان العزم والإرادة هو الاستماع للغناء)»(34).
ثالثاً: المشارطة:
بعدما ينتهي المجاهد للنفس من مرحلة التفكّر والعزم، لا بدّ له أن يشارط نفسه، بمعنى أن يشترط على نفسه من أوّل لحظةٍ ألاّ يرتكب الذنب، وليكن ذلك الاشتراط على هيئة دفعاتٍ، فيعاهد الله أنّه هذا اليوم ـ ولمدّة ساعاتٍ قليلةٍـ لا يعصي الله ويتغلّب على هواه، ولا يفعل ما تعوّد عليه من المعاصي والرذائل، كلّ ذلك بطلب العون والتسديد من الله.
رابعاً: المراقبة:
يتعقّب مرحلة المشارطة مرحلة المراقبة، ومعنى ذلك أن يراقب السالك إلى الله المدّة الّتي تعاهد فيها مع مولاه، وعليه دوماً أن يذكّر نفسه بها، وأن يحدّث نفسه ألاّ يقوم بعملٍ يخالف الله، فليس من اللائق ألاّ يفيَ بشرطٍ بسيطٍ كهذا، وشيئاً فشيئاً سينصرف الشيطان عنه، فقد جاء في الحديث القدسيّ: «إنمّا يسكنُ جنات عدنٍ الّذين إذا همّوا بالمعاصي ذكروا عظمتي فراقبوني، والّذين انحنتْ أصلابهم من خشيتي، وعزّتي وجلالي، إنّي لأهُمُّ بعذاب أهل الأرض، فإذا نظرتُ إلى أهل الجوع والعطش من مخافتي صرفتُ عنهم العذاب»(35).
خامساً: المحاسبة:
وهي أن تحاسب نفسك لترى هل أدّيت ما اشترطت على نفسك؟ وهل خالفت المولى المنعم عليك فيما جعلته عهداً بينك وبينه؟ فإن حصل التوفيق فعليك بتأدية الشكر والمواصلة على هذا الطريق، والمواظبة شيئاً فشيئاً حتىّ يكون ذلك الأمر سهلاً ويسيراً عليك، وإذا حدث في أثناء المحاسبة تهاونٌ فاستغفر الله واطلب العون منه.
* الهوامش:
(1) سورة المؤمنون، الآية: 115.
(2) سورة يونس(ع)، الآيتان: 8-9.
(3) سورة آل عمران، الآية: 31.
(4) سورة الانشقاق، الآية 6.
(5) نهج البلاغة، الخطبة 42.
(6) بحار الأنوار، جزء 77، باب مواعظ أمير المؤمنين وخطبه، الخطبة 21.
(7) سورة الشمس، الآيات: 6-9.
(8) سورة الانفطار، الآية: 14.
(9) الكافي، الجزء 2،كتاب الإيمان والكفر، باب محاسبة العمل، حديث 20.
(10) المفردات للراغب الأصفهاني، ص 849.
(11) البحار، كتاب الإيمان والكفر، الجزء 27، الباب 46، باب ترك الشهوات والأهواء.
(12) سورة الفرقان، الآيتان: 43 -44.
(13) ميزان الحكمة، الحديث الرابع.
(14) غرر الأحكام، الحديث 876.
(15) سورة الفرقان، الآية: 43.
(16) سورة يس، الآية: 6.
(17) سورة الفرقان، الآية: 43.
(18) سورة الجاثية، الآية: 23.
(19) الكافي، الجزء 2، باب الإيمان والكفر، باب اتّباع الهوى، الحديث 2.
(20) سورة الجاثية، الآية: 23.
(21) الأربعون حديثاً، صفحة 210.
(22) سورة الأنفال، الآية: 29.
(23) سورة الحديد، الآية: 22.
(24) سورة الجاثية، الآية: 21.
(25) الكافي، الجزء الثاني، باب التفكر، الحديث الأول.
(26) الكافي، الجزء الثاني، باب التفكر، الحديث الثالث.
(27) الكافي، الجزء الثاني، باب الطاعة والتقوى، الحديث الرابع.
(28) الكافي، الجزء الثاني، باب الصبر، الحديث 7.
(29) الكافي، الجزء الثاني، باب اجتناب المحارم، حديث 4.
(30) سورة الرحمن، الآية: 46.
(31) الكافي، الجزء الثاني، باب اجتناب المحارم، الحديث 1.
(32) الكافي، الجزء الثاني، باب التفكر، حديث 2.
(33) الأربعون حديثاً، الحديث 1، صفحة 33.
(34) الأربعون حديثاً، صفحة 35.
(35) كتاب الأخلاق، للسيد عبد الله شبر، صفحة 323.
0 التعليق
ارسال التعليق