واقع الصحوة الإسلامية حوار مع سماحة الشيخ موسى سويدان (1) (حفظه الله)

واقع الصحوة الإسلامية حوار مع سماحة الشيخ موسى سويدان (1) (حفظه الله)

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربّ العالمين، قاصم شوكة المعتدين، مبير الظالمين، أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين... والصلاة والسلام على نبيه أعظم مخلوق، وأشرف موجود، وعلى آل بيته الكرام البررة، الأمناء الخيَرة، وعلى بقية الله في أرضه، وحجته على عباده، المنتظر المهدي، روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء.

تعيش أمتنا العربية والإسلامية في هذه الأيام صحوة في الضمير، والفكر، والعقيدة، صحوة تقشع سحب الجهل والغفلة والسبات الذي عاشه الناس سنوات وسنوات، فالأمة الإسلامية قد عاشت ردحا من الزمن تحت وطأة الأنظمة الفاسدة التي حاولت تغييب معالم الإسلام الأشم، وتضييع المبادئ والقيم، وإخماد العزائم والهمم، كل هذا خدمة للأهواء الشخصية، والمطامع الدنيوية.

ولكن الأمة أفاقت من نومها الطويل، واستيقظت لتُعلي راية الحق والعدالة، وها هي الآن تقدم الغالي والنفيس من أجل العزة والكرامة، وتسطر أروع ملاحم الصمود شوقا للعدل والاستقامة، نعم هي ثورة بكل ما للكلمة من معنى، ثورة سياسية، اقتصادية، فكرية، وغير ذلك من الأبعاد والشؤون.

ولأجل تحليل هذه الصحوة، وبيان بعض أبعادها ومقوماتها، التقت أسرة مجلة «رسالة القلم» بسماحة الأستاذ الشيخ موسى سويدان حفظه الله تعالى ورعاه، لتناقش معه هذا الموضوع المرحلي المهم. فإليكم نص الحوار:

■ ما هو تعريفكم ونظرتكم للصحوة الإسلامية، وهل أنّ هناك صحوة إسلامية فعلاً؟

● بسمه تعالى: قال عز من قائل: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(2).

إن الله سبحانه وتعالى وبمقتضى حكمته جعل الإنسان أفضل وأكرم مخلوقاته {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ...}(3)، وجعل كلّ ما عداه في خدمته، {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا}(4)، ثمّ علّمه طريقَ السعادة وحذّره طريق الشقاوة، وجعله مختاراً في هذه الدنيا (دار الامتحان)، {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}(5).

وهذا التعليم والهداية عبر طريقين: الباطن وهو حجة العقل وما فطر الإنسان عليه من عبودية لله وحده، والظاهر عبر إرسال الرسل لتعليمه وبيان الطريق الموصل للغاية والهدف الذي خُلق لأجله، والطريق المؤدي إلى هلاكه، قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ}(6).

يتضح من خلال هذه الإطلالة السريعة قرآنياً أنّ الإنسان جعله الله مورد عنايته الخاصة، وأراده أن يعيش باختياره عيشاً كريماً يؤدي من خلاله تكاليفه المؤدية به إلى سعادته في الدراين، الدنيا والآخرة.

وأما ما يتعلق بالسؤال:

أولاً: لابدّ من معرفة معنى الصحوة حتى يصحّ لنا الكلام حولها سلباً أو إيجاباً.

قال في المصباح: صَحَا من سُكْره، زالَ سُكْرُه، وأصْحَت السماء فهي مُصْحِيَة، انكَشَف غَيْمُها، فالصحوة إذاً: عبارة عن رجوع الشيء إلى طبعه السليم، وعدم وجود المانع له من ذلك.

من خلال هذا المعنى يظهر أنّ الصحوة الإسلامية عبارة عن رجوع المسلمين من غفلتهم وسباتهم -بسبب عدم تطبيق أحكام الشريعة الفردية والاجتماعية، على كافة المستويات، السياسية والاقتصادية والأخلاقية- إلى منهج القرآن والسنة الذي لا نجاة إلا به كما هو واضح لمن تأمل الآيات والروايات.

ولا يصحّ لنا إطلاق كلمة الإسلامية على الصحوة إلا إذا كان هدف أصحابها هو إقامة حكم شريعة السماء على الأرض في جميع الحقول والميادين التي تقوم عليها الدولة؛ فإنّ ماهيّة الإسلام والمسلم هي: إقامة حكم الله تعالى على الأرض والعمل على ضوئه: قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ،... فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ،... فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(7).

والإنسان المسلم قد يخلد إلى الراحة ولا يهمّه إلا العيش بلا أذية في هذه الدار الدنيا مما ينتج غفلته عن واجباته التي بالقيام بها يسير نحو الهدف الذي خُلق لأجله من التكامل والفوز بالسعادة في الدار الباقية.

وهذه الغفلة وهذا الإخلاد يؤدي به إلى التنازل عن حريته وكرامته والتسليم للأمر الواقع، والرضا بأي حاكم يحكمه وسلطة تتسلط عليه، حتى لا يقع في معترك الحياة ويصبر على الأذية.

إلا أنّه إذا أدركته العناية الإلهية وصَحَى من غفلته وآب إلى رشده، وعاد إلى أصالته، واستعمل فطرته السليمة سوف لن يجد بدّا من القيام بتطبيق تعاليم الإسلام التي تحرِّم عليه الركون إلى الظالمين، والتخلي عن كرامته التي أكرمه الله بها.

وهذا يحتّم عليه القيام بتطبيق أسمى الفرائض التي هي الميزان في تفضيل هذه الأمّة المرحومة ما دامت تعمل بتعاليمها التي بيّنها الله لها عبر أفضل خلقه وأشرف أنبيائه محمد (صلّى الله عليه وآله)، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}(8).

نعم ما يحصل في أيامنا من صحوة ورجوع إلى إعلاء كلمة الله لا تبديل سلطة بأخرى لمجرد التسلط والتحكم فهو صحوة إسلامية حقيقية، وهذا إنما تظهر معالمه وصدقيّته من خلال الترجمة العملية على الأرض في تلك البقاع التي تقوم عليها الثورات، فليس لنا أن نعطي حكماً عاماً على جميع الصحوات بأنّها إسلامية أو غير إسلامية قبل رؤية ما يختاره أصحاب الصحوات من حكم؛ لأنّ ذلك يكون من التخمين والحدس.

نعم لنا أن نقول: ظاهر الشعارات في أغلب تلك الدول هي كونها إسلامية، والتي نأمل ونتطلّع إلى إدامتها بعد الحصول على السلطة، حتى تترجم عملا في تطبيق تعاليم الإسلام المباركة.

■ مفهوم السلمية من المفاهيم التي رفعتها أكثر ثورات الربيع العربي، فما هي حقيقته، وهل يتعارض هذا المفهوم مع مفهوم المقاومة أم أنّه أحد وسائلها؟

● الإنسان المسلم والعاقل لا بدّ عند إقدامه على عمل ما أن يلحظ الغاية والهدف الذي لأجله يقوم بالعمل أو القول، وهذا ما تقتضيه الحكمة عند جماعة العقلاء.

مضافا إلى ذلك ولإنجاح عمله ينبغي أن يختار الوسيلة والطريق المؤدي إليه، ولمّا كان عالمنا يعيش الانتقائية في الموازين حيث يتحكم ذوو النفوذ والمال بإصدار الأحكام على أفعال الناس وتحركاتهم خصوصا عندما يريدون تغيير واقعهم المرير عبر تغيير حكّامهم الظلمة هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى هؤلاء الحكام أتباعٌ وأذنابٌ لذوي النفوذ الذين يدّعون القيمومية على حقوق الناس، وتمييز حركتهم إلى عادلة وظالمة، ومشروعة وغير مشروعة.

من خلال كلّ ذلك لا بدّ لأصحاب الصحوة والثورة من اتخاذ -ولو مرحليا- الأسلوب الذي لا يترك لأرباب ذوي النفوذ مجالا لإدانتهم ليكون ذلك عونا لهم في الوصول إلى هدفهم المنشود.

من هنا وبملاحظة هذه الأمور مجتمعة تكون السلمية أحد أساليب الثورة والمقاومة ما دامت طريقا في تحصيل الغاية المبتغاة. وبعد ذلك وعندما تقوى شوكة الثورة ويتسلط أصحاب الصحوة يتمّ إعلان ما يريدونه ولو أدّى إلى المقاومة الجهادية الدموية.

وهذا ما شاهدناه ظاهراً في أمثال مصر واليمن و..... وإن كان الطريق لازال شائكاً وقطّاعُه كثيرون، إلا أن ذلك لا يُسقط تكليف المسلم الواعي عن إكمال الطريق حتى الفوز بإحدى الحسنيين، النصر أو الشهادة، كما سطّر ذلك أبو الأحرار -صاحب الثورة الأصيلة والخالدة لأنّها تمحّضت في إخلاصها لله تعالى-الإمام الحسين (عليه السلام) فكان حجّة على البشرية جميعا في القيام بوجه الظالم مهما كانت النتيجة؛ لأنّ الغاية هي أداء التكليف، والنتيجة على الله يحكم ما يشاء و{يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}(9).

■ هل أنّ إقامة حكم الله في الأرض واجب شرعي يفترض على كلّ مسلم أن يسعى لأدائه؟

● لا ينبغي التأمل من قِبَل من أسلم لله وآمن بما جاء به النبي (صلّى الله عليه وآله) طرفة عين في بداهة لزوم ذلك والسعي بالمقدور لإقامة حكم الله بين العباد على كافة المستويات.

وهذه الدعوى بيّنة الظهور من خلال مراجعة كتاب الله تعالى، سواء بالنّص الصريح كقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}(10)، أم بالظهور من آيات كثيرة كقوله سبحانه: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ...}(11). والنبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله) إنما جاء بالإسلام وقضّى حياته الشريفة في الدعوة إليه بالسلم والحرب، وقد أمرنا باتباعه والأخذ بما جاء به: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ...}(12)، و{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}(13).

مضافا إلى السلوك العملي والقولي لخلفائه (عليهم السلام)، ويكفينا إلقاء نظرة متأملة فيما سطّره الإمام الحسين (عليه السلام) حيث بذل كلّ ما عنده في سبيل الإسلام وإقامة الدين والشريعة، ولا ينبغي الإطالة في هذا الأمر الواضح لكلّ ذي عقل سليم قد اعتنق الإسلام وسلّم لما أراده الله تعالى.

■ وإذا كان واجباً فهل هناك شروط توجب فعليته؟

● من الأمور التي اتفق عليها بنو العقلاء عدم التكليف بغير المقدور لقبحه واستهجانه، وهذا الأمر الوجداني قد أيّدَهُ اللهُ تعالى في محكم كتابه الكريم حيث يقول: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا..}(14).

ويتفرّع على ذلك أنّ كلّ فعل يريد الإنسان القيام به لا بدّ من توفير شرائطه الاختيارية، وحصول شرائطه الغير الاختيارية، وأعظم الأفعال الواجبة على كافة المسلمين إقامة حكم الله في الأرض، وهذا يتطلب توفير شرائط ذلك الممكنة، وتهيئة الظروف المناسبة، كلُّ ذلك شريطة إمكانها ومقدوريتها للإنسان المسلم كإعداد العدّة سواء على مستوى العقيدة والعلم الموجب لثبات المسلمين من خلال نشر تعاليم الإسلام وتعليم أحكامه وإحكام قواعده أم على مستوى الإمكانيات المادية من التجهيز العسكري والأمني للحفاظ على بلاد المسلمين قبال الأعداء.

ويستثنى من ذلك حالة واحدة لا بدّ للمسلم أن يبذل كلّ ما يملك حتى روحه، ولا يشترط فيها قدرة الإنسان مع بقائه حيا، وهي حالة الخوف من ضياع الإسلام وبلاد المسلمين.

وهذا ما جسده عملياً إمامنا أبو عبد الله (عليه السلام) في مدرسة كربلاء المقدسة حيث قال (عليه السلام): «ألا ترون إلى الحقِّ لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه»(15)، وقوله (عليه السلام): «لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي صلى الله عليه وآله أريدُ أنْ آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر»(16)، إلى أن بذلَ مهجتَه الشريفة، ومُهَج أهلِ بيته وأصحابه، كلّ ذلك لعدم بقاء الشريعة، وتغيّر موازينها لولا ذلك.

■ ما هي نظرتكم لمستقبل الأمة الإسلامية والعربية من خلال ما يحدث من تطورات وتبدُّلات في الواقع الخارجي؟

● نظرة الإنسان المسلم لا بدّ أن تكون نابعة من تعاليمه التي يتدين بها حتى تكون صائبة وسليمة يرضاها الله تعالى، وما يحصل وبحسب ما نسمعه ونراه من شعارات مؤشر إيجابي يشير إلى صحوة الأمّة من سباتها وغفلتها عن حقيقة تعاليم الدين الحنيف التي لا تجمد على الشعار إلا إذا كان شعاراً وعلامة دالة عليها.

وحقيقة هذه الصحوة وديمومتها مرتبطة بالأهداف التي لا بدّ أن تترجم عملا وقولا معا، فإن استمرت -وندعوا الله لذلك-، وجسّدت شعاراتها من تطبيق حكم الله فالأمرُ إلى نموٍّ وازديادٍ وخيرٍ للأمّة جمعاء، فإنّ ما كان لله ينمو، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}(17)، وقال سبحانه: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ....}(18).

وهذا الأمر يعتبر سنّة إلهيّة لا تبديل لها {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ....}(19).

وأمّا مسألة التبدل الخارجي لوحده من حاكم إلى آخر فلا يدلُّ على عامل إيجابي، فإنّ طلاب الدنيا يفعلون أكثر من ذلك.

■عاشت الشعوب الإسلامية والعربية ردحاً من الزمن تحت وطأة الظلم والاضطهاد والجور، في ظلّ سكوتٍ تامٍ، وخضوعٍ مطلقٍ، إلى أن حلّ ربيعُ الثورات فاشتعلت النفوس عزيمة وإصراراً، لتغيير النظم الفاسدة، وإقامة الحكم العادل، فما هو تفسيركم لهذه الحالة، وهل كانت لها مقدمات توجبها؟

● مما لا شكّ فيه أنّ السنن الإلهية لا تبديل لها، وقد تقدمت الآية الكريمة: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ.. }، وقد نصّ اللهُ تعالى في محكم كتابه الكريم أنّ: {كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا..}(20)، و{إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}(21)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إذا طلبتَ العزّ فاطلبه بالطاعة»(22)، وعن الباقر (عليه السلام): «اليأس ممَّا في أيدي الناس عزٌّ للمؤمنِ في دينه»(23)، وعن الصادق (عليه السلام): «من أراد عزا بلا عشيرة، وغنى بلا مال، و هيبة بلا سلطان فلينتقل عن ذل معصية الله إلى عز طاعته»(24).

من خلال هذه التعاليم المعصومة نأخذ قاعدة وسنّة إلهية لا تبديل ولا انخرام فيها وهي: أنّ الإنسان المسلم إذا ترك تعاليم شريعته سوف تضرب عليه الذلّة والمسكنة ويترك لنفسه ممّا يؤدي إلى ذلّه وسلّط الظالمين عليه، ووقوعه في المعاصي والمهالك.

وأمّا إذا رجع إلى رشده وسعى سعيَه الصحيح لا محالة سوف ينتج ذلك شجاعته وعزته وخروجه من ذل المعصية إلى عزِّ الطاعة كما عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهذا يدعوه إلى الصّحوة بعد الغفلة، والجهاد بعد الخنوع ممّا يؤدي إلى نصرته من قِبَل الله تعالى في نيل إحدى الحسنين، والنصر والتحرر الصحيح أو الشهادة والخلود.

إذاً لكلٍّ من الخنوع والذلّ، والعزّة والصحوة أسبابها الواضحة الصريحة قرآناً وسنةً.

■ ما هي مقومات نجاح الثورة؟

● لنجاح أيّ عمل فردي أو اجتماعي فضلا عن الثورة والتبديل الشامل للحالة التي يعيشها المجتمع أسبابٌ وشرائطٌ ومقوماتٌ متعددة تحتاج إلى بحث مفصل لا يسعه المقام.

إلا أنه باختصار، سرُّ نجاح الثورة يكمن في تحديد الهدف، ووضوح الرؤية، والمراقبة التامة للنتائج التي تحصل، وهذا كلُّه ركيزته الأساس وجودُ القيادة الحكيمة، والرقيب الأمين، وإلا فلن يحصل إلا الخسران والضياع للأنفس والأموال.

ونجاح الثورة في سبيل الإسلام يحتاج مضافا إلى ما تقدم إلى عنصر آخر رئيس، وهو الإخلاص وعدم الركون إلى الدنيا، وكون الغاية هي الله (عزّ وجلّ).

■ وما هي الأسباب التي تؤدي إلى خمود الثورة وجمودها؟

● وإذا فقد أحد هذين العنصرين الرئيسين وهما القيادة الحكيمة والأمينة التي تسهر على مراقبة النتائج، وعدم السماح للأعداء بالتخريب والانقضاض عليها بأساليبهم المختلفة. أو فقد الإخلاص لله تعالى، فالمصير الحتمي هو الخمود، والجمود، والضياع.

من هنا أكّدت الشريعةُ المقدسةُ على عظيم خطر وأهميّة المراقبة الدائمة. وهذا لا يختصُّ بحالة تهذيب النفس والجهاد الأكبر على مستوى الإنسان فردياً، بل يشمل كلَّ ما من شأنه الحفاظ على بلاد المسلمين وما يرتبط بهم، مما يؤدي إلى نجاحهم وفلاحهم.

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ على سيّدنا محمدٍ وآله الطاهرين.

 

* الهوامش:

(1) سماحة الشيخ موسى سويدان العاملي (حفظه الله) أحد علماء الجالية اللبنانية في مدينة قم المقدسة، وأحد المدرسين في حوزاتها. وحالياً يشغل منصب مدير مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام).

(2) سورة العصر: 1-3.

(3) سورة الإسراء: 70.

(4) سورة البقرة: 29.

(5) سورة الإنسان: 3.

(6) سورة البقرة: 213.

(7) سورة المائدة: 44، 45، 47.

(8) سورة آل عمران: 110.

(9) سورة الحج: 14.

(10) سورة المائدة: 44.

(11) سورة يونس: 113.

(12) سورة الحشر: 7.

(13) سورة الأنفال: 24.

(14) سورة البقرة: 286.

(15) البحار، ج44، ص381.

(16) البحار، ج44، ص329.

(17) سورة إبراهيم: 24.

(18) سورة الحج: 41.

(19) سورة الرعد: 11.

(20) سورة التوبة: 40.

(21) سورة يونس: 65.

(22) ميزان الحكمة، ج3، ص1958.

(23) ميزان الحكمة، ج3، ص1959.

(24) عن الخصال، في البحار، ج75، ص192.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا