من السهل أن يوجِّه اليوم أحدهم نقداً إلى المؤسسة الدينيّة؛ لمِا قد يراه من تراجع في بعض المواضع في الجانب الديني وفي بعض آخر من انمساخ في هذه المؤسسة عمّا هي عليه، وفي مواقع أخرى تحوّلها إلى معول هدم للمجتمع وتاريخه إذا ما حملت السلاح!
لكن ما ينبغي التوقّف عنده من المنصف هو أنّ المؤسسة الدينية التي يسهل نقدها هل هي المؤسسة الدينية المعوّل عليها من قبل أهل الدين أم أنّها مؤسسة أخرى لا تمتّ إلى الدين بصلةٍ إلا في الاسم ولا ينتمي إليها إلا من كان موظّفاً برتبة عالم؟!
الحق أنّ ما يُعَنْوَن بعنوان المؤسسة الدينيّة يمكن تقسيمه إلى قسمين:
مؤسسات دينية مرتبطة بالدول، ومؤسسات دينية ليست مرتبطة.
والأولى: في الأعمّ الأغلب تكون لها وظائف محدّدة من قبيل إصدار بيانات مكررة إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك، وغمض النّظر عن القضايا الأساس التي تعصف بالأمّة سواء على المستوى المحلّي أو العالمي.. ولا يحرّك شيء إلا في إطارات محدودة وقيود مرصودة، وقد تدعو الحاجة إلى أن يتحوّل موظّفوها إلى مساحيق تجميل لمواقف القويّ الذي يضع يده على دنياهم، وقد يحتاج إليهم في تأثيث بعض المواقع السياسية وما شاكل.
والثانية: وهي في الغالب مؤسّسات أهليّة يسعى المنتمون إليها للعمل بروح المؤسّسة –خروجاً عن عمل الفرد- لتحقيق أهداف الإسلام في إيجاد الإنسان الصالح على هذه الأرض، ولكي يعيش الفرد همّ المجتمع فيسعى إلى رفده بالطاقات والإبداعات ليكون خير مجتمع في علمه وحضارته وما إلى ذلك، ولكي يعيش المجتمع همّ الفرد فيوفّر له أجواء الإيمان والطاعة في كلّ مجالات الحياة فيتحوّل هذا الفرد بتديّنه مندفعاً نحو العلم وخدمة المجتمع بكلّ ما أوتي من قوّة.
ومن هنا فإنّا لا نرفض النّقد الموجّه للمؤسسة الدينيّة من القسم الأول؛ لأنّها في واقعها ليست دينية وإن عُنونت بعنوانه وأُلبست لباسه. فهي الأخرى عليها ما عليها من قيود حريّ بمن يريد نقدها أن يرفع القيود عنها ليرى أنّها تعمل كما هو المأمول أم لا؟!
أما ما كان من القسم الثاني فهي الأخرى تتحمّل ما قد يفوق حجمها واستيعابها متجاهلة الضغوط المختلفة في سبيل تحقيق شيء من وظائفها المأمولة، وهي الأخرى حري بمن يرفع راية نقدها أن يساهم في دعمها ورفع ما يمكن من قيود قد تفرض عليها وتعبيد الطريق لها.
فيتّضح أنّ هاهنا واقعاً للمؤسسة وافتراء قائماً عليها.
قوّة المؤسّسة الدينية:
من المطلوب جدّاً أن توجد عندنا في عالم اليوم -لا سيّما في ظلّ التحدّيات العالميّة والسهام الموجّة إلى الإسلام ومحاولة إضعافه في نفوس المسلمين لا سيّما الشباب والشابات منهم- مؤسّساتٌ دينيةٌ قويّةٌ قادرةٌ على مواجهة الانحرافات العقدية والأخلاقية وغيرها، وتكون ساعية إلى تصحيح مسار الأمّة ليكون نهج الإسلام هو المتّبع القائم على رعاية حقوق الخلق والخالق ليصل الإنسان إلى الكمال الذي هو مؤهّل إليه.
وهذا يُوجِد الوظيفة بثقلها على الجميع نُخَباً وأفراداً لإيجاد الطاقات القادرة على إدارة هذه المؤسّسات وتمهيد الأرضيّة الصالحة للعمل.
مؤسّستنا الدينيّة:
إنّ مؤسّستنا الدينية –عند الشيعة- تتمثّل في الحوزات ومن فوقها المراجع العظام ومنابر الجمعة، والمنبر الحسيني ومراكز التعليم المنتشرة وأمثالها.. هذه لا بد من السعي دون المساس بها وإضعافها.. إذ لا شكّ أنّ في إضعافها يسبّب الفصل بينها وبين جمهورها مما يؤدّي إلى تحجيم دورها في إصلاح الأمّة.
ومما يؤسف له؛ أن تظهر الأصوات هنا وهناك، بين الحين والآخر ليس لها همّ إلا أن تدّعي نقد المؤسّسة الدينيّة وليس واقعهم إلا كيل التهم والاصطياد في الماء العكر بما لا واقع له في كثير من الأحيان!
وإذا ما وجدوا سكوتاً من المؤسّسة الدينيّة ظنّوا أنّ الحجة أفحمتها وسكتت عن المزيد من افتضاح أمرها.. وما ظنّهم إلا في سراب فإنّ عدم السِّجال معهم لا لوجود الحجّة لديهم، بل لحكمة المؤسّسة المانعة من إتلاف العمر معهم، وإن لزم الخوض في سجالٍ في بعض الحالات، وعلى الله المستعان.
وهذا لا يعني أن لا يوجد في المؤسّسة الدينيّة ما يحتاج إلى تقويم وإصلاح-بالنّصح والتسديد والكشف عن نقاط الضّعف لعلاجها- إلا أنّ الإصلاح والتقويم لا يكون أبداً بالنّقد السلبي أو الاتّهام المتلوّن بألوان النّقد بدعاوى الغيرة فضلاً عن التقصّد في الإضعاف والتوهين، بل يكون هذا التقويم عن طريق "النّقد الموجّه المسؤول الذي يطلب فيه صاحبه نقاط الضعف ويوضّحها للتسديد والنّصح وليس للتسقيط والإلغاء"[1].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]الاجتهاد والتقليد وسلطات الفقيه، الشيخ محمد مهدي الآصفي، ص 24.
0 التعليق
ارسال التعليق