بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمّدٍ وآله الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين، إلى قيام يوم الدين، اللهمّ أرنا الطلعة الرشيدة، والغرّة الحميدة، واكحل ناظرنا بنظرة منّا إليه، وعجّل فرجه، وسهّل مخرجه، واجعلنا من أنصاره، والمستشهدين بين يديه، وتحت لوائه، إنّك أنت السميع العليم.
تمهيد:
قبل الخوض في القسم الثاني من البحث، -حيث انتهى الكلام في القسم الأوّل حول عوامل الثورة الحسينية-، نحاول الوقوف على مسألة مهمّة جداً؛ لإتمام المقارنة بين عوامل الثورتين، ألا وهي التعرّف على خصائص المجتمع في زمن الإمام المهديّ(عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، فعوامل أيّ ثورة تعتمد بشكل كبير على الظروف والأوضاع التي تحيط بهذه الثورة.
المجتعمات البشريّة -أينما كانت- يُنظر لها من جهتين، الجهة الأولى هي الجهة المرتبطة بالدين، والجهة الثانية هي الجهة المرتبطة بالمادة -أي الدنيا-، فالمجتمع الذي سينهض فيه الإمام(عجّل الله تعالى فرجه الشريف) يمكن توصيفه من الناحية الدينية تارة، ومن الناحية المادية تارة أخرى.
البعد الديني:
أمّا بالنسبة للناحية الدينية فذاك المجتمع مجتمع زاخر بالدّيانات، والعقائد، والمذاهب المختلفة، فأهل الذمّة، والكفّار، وحديثو العهد بالإسلام، والمذاهب الإسلاميّة المتعدّدة، وغيرها من العقائد، كلّهم يشكّلون الواجهة الدينية لذاك المجتمع، فالإمام(عجّل الله تعالى فرجه الشريف) سيواجه موجة من الأفكار، والمعتقدات المتابينة، والمتناقضة فيما بينها، وثورته الفكرية والثقافيّة ستكون من أشدّ وأحمز الثورات على المستوى الفكريّ، والثقافيّ.
وروايات أهل البيت(عليهم السلام) تشير إلى أنّ صاحب الأمر(عجّل الله تعالى فرجه الشريف) سيأتي لقومٍ هم أشدّ جهلاً من قوم قريش، حيث إنّ نفس المسلمين -بل وبعض المدّعين للتشيع- سيقفون بوجه الإمام(عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، ويحاولون من خلال كتاب الله المجيد أن يبيّنوا أحقيّتهم، وزور وبطلان ما يحمله الإمام(عجّل الله تعالى فرجه الشريف) -والعياذ بالله تعالى-، فقد جاء عن الفضيل بن يسار أنّه قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: «إن قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس أشدّ مما استقبله رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من جهّال الجاهلية. قلت: وكيف ذاك؟ قال: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أتى الناس وهم يعبدون الحجارة، والصخور، والعيدان، والخشب المنحوتة، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلّهم يتأول عليه كتاب الله، يحتجّ عليه به، ثم قال: أما والله ليدخلنّ عليهم عدله جوف بيوتهم، كما يدخل الحرّ والقُرّ»(1).(2)
من خلال هذه الرواية المباركة نقف على نكتة مهمّة جداً، فمع وجود التنوّع الدينيّ، والثقافيّ، والفكريّ، الذي سيعيشه ذاك المجتمع، إلاّ أنّه وفي ذات الوقت يغرق في بحر من الجهل، والعمى، وهذا الجهل الذي يحمله هو من قبيل الجهل المركب، الذي يزعم صاحبُه أنّه عالم بالشيء، ويصرّ على كونه عالماً به، ولكنّه ليس عالماً به أصلاً.
ولتكون الصورة أكثر وضوحاً فيما يرتبط بالجانب الديني، نذكر مجموعة من روايات أهل البيت(عليهم السلام)، التي توّصف لنا بدقّة أحوال ذاك المجتمع:
1ـ فساد الوضع الديني:
* عَنْ أَبِي جَعْفَر(عليه السلام) قَالَ: «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يُتَّبَعُ فِيهِمْ قَوْمٌ مُرَاؤونَ، يَتَقَرَّؤونَ، وَيَتَنَسَّكُونَ، حُدَثَاءُ، سُفَهَاءُ، لا يُوجِبُونَ أَمْراً بِمَعْرُوفٍ، وَلا نَهْياً عَنْ مُنْكَرٍ، إِلاّ إِذَا أَمِنُوا الضَّرَرَ، يَطْلُبُونَ لأنْفُسِهِمُ الرُّخَصَ، وَالْمَعَاذِيرَ، يَتَّبِعُونَ زَلاّتِ الْعُلَمَاءِ، وَفَسَادَ عَمَلِهِمْ، يُقْبِلُونَ عَلَى الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ، وَمَا لا يَكْلِمُهُمْ فِي نَفْسٍ، وَلا مَالٍ، وَلَوْ أَضَرَّتِ الصَّلاةُ بِسَائِرِ مَا يَعْمَلُونَ بِأَمْوَالِهِمْ، وَأَبْدَانِهِمْ، لَرَفَضُوهَا كَمَا رَفَضُوا أَسْمَى الْفَرَائِضِ، وَأَشْرَفَهَا»(3).
* رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله) أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى بَعْضِ الأطْفَالِ، فَقَالَ: «وَيْلٌ لأطْفَالِ آخِرِ الزَّمَانِ مِنْ آبَائِهِمْ. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مِنْ آبَائِهِمُ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ: لا، مِنْ آبَائِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ، لا يُعَلِّمُونَهُمْ شَيْئاً مِنَ الْفَرَائِضِ، وَإِذَا تَعَلَّمُوا أَوْلادُهُمْ مَنَعُوهُمْ، وَرَضُوا عَنْهُمْ بِعَرَضٍ يَسِيرٍ مِنَ الدُّنْيَا، فَأَنَا مِنْهُمْ بَرِيءٌ، وَهُمْ مِنِّي برَاءٌ»(4).
2ـ الوضع الأخلاقي:
* عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ(عليه السلام)، قَالَ: «سَمِعْتُهُ يَقُولُ: يَظْهَرُ فِي آخرِ الزَّمَانِ وَاقْتِرَابِ السَّاعَةِ - وَهُوَ شَرُّ الأزْمِنَةِ - نِسْوَةٌ كَاشِفَاتٌ، عَارِيَاتٌ، مُتَبَرِّجَاتٌ مِنَ الدِّينِ، دَاخِلاتٌ فِي الْفِتَنِ، مَائِلاتٌ إِلَى الشَّهَوَاتِ، مُسْرِعَاتٌ إِلَى اللَّذَّاتِ، مُسْتَحِلاتٌ لِلْمُحَرَّمَاتِ، فِي جَهَنَّمَ خَالِدَاتٌ»(5).
* عَنِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله) فِي وَصِيَّةٍ طَوِيلَةٍ قَالَ: «سَيَأْتِي أَقْوَامٌ يَأْكُلُونَ طَيِّبَ الطَّعَامِ، وَأَلْوَانَهَا، وَيَرْكَبُونَ الدَّوَابَّ، وَيَتَزَيَّنُونَ بِزِينَةِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا، وَيَتَبَرَّجُونَ تَبَرُّجَ النِّسَاءِ، وَزِينَتُهُنَّ مِثْلُ زيِّ الْمُلُوكِ الْجَبَابِرَةِ، هُمْ مُنَافِقُو هَذِهِ الأُمَّةِ فِي آخرِ الزَّمَانِ، شَارِبُونَ بِالْقَهَوَاتِ، لاعِبُونَ بِالْكِعَابِ، رَاكِبُونَ الشَّهَوَاتِ، تَارِكُونَ الْجَمَاعَاتِ، رَاقِدُونَ عَنِ الْعَتَمَاتِ، مُفَرِّطُونَ فِي الْغَدَوَاتِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}»(6).
* عَنِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله) أَنَّهُ قَالَ: «يَكُونُ فِي آخرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يَعْمَلُونَ الْمَعَاصِيَ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ اللهَ قَدْ قَدَّرَهَا عَلَيْهِمْ. الرَّادُّ عَلَيْهِمْ كَشَاهِرِ سَيْفِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ»(7).
* عَنِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله) أَنَّهُ قَالَ: «يَأْتِي فِي آخرِ الزَّمَانِ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي، يَأْتُونَ الْمَسَاجِدَ يَقْعُدُونَ فِيهَا حَلَقاً، ذِكْرُهُمُ الدُّنْيَا، وَحُبُّ الدُّنْيَا، لا تُجَالِسُوهُمْ، فَلَيْسَ للهِ بِهِمْ حَاجَةٌ»(8).
البعد الماديّ:
يستمرّ ظلم الإنسان وعدوانه على بني جنسه، ففي كلّ زمانٍ ومكان ترى الظالم، والمظلوم، ترى القاهِرن والمقهور، ترى المُعتدِي، والمُعتدَى عليه، والمتأمّل في تاريخ البشريّة يلحظ هذا الأمر بشكلٍ جليّ، فربما تتغيّر الأقنعة التي تُخفي وجوه الظالمين، ولكن تظلّ تلك الروح العدوانيّة المقيّدَة بقيود الشهوات باقيةً، باذلةً كلَّ الطاقة؛ لبلوغ أعلى قمةٍ في هرم المادة، فالحياة الماديّة الباذخة المترفة -إذن- هي حياة الملوك، والطواغيت، والإنسان الفقير لا يمثّل سوى عبد من العبيد الصاغرين، أو أمَة من الإماء المحتقَرات.
هذا الظلم -وهذا العنف- النابت في هذه النفس الشيطانيّة يجرّ الإنسان للتمادي أكثر فأكثر، فلا يقف عند السلب، والنهب، والقتل، والتشريد، بل يتجاوز ذلك ليصل إلى محاولة دحض الدين، وطمس آثاره فوق هذه المعمورة، وقد تكون العلّة في ذلك أنَّ تعلّق الإنسان بالدين، وتطبيقه لأحكامه، وتعاليمه، يدفعه دائماً لمواجهة الأنظمة الظالمة، وعدم الركون والاستسلام أمامها، لذلك ادّعى فرعون الألوهيّة؛ رامياً إلى جعل الإنسان مكبّلاً، عاجزاً، لا يملك إلا الإطاعة سبيلاً له في الحياة، وإلا فليأبّن نفسه للرحيل عن دنيا الأقوياء.
لكن تبقى الإرادة الإلهية مديرة لشؤون الكون بأسره، ومهما تغطرس الإنسان وتعالى فمردّه إلى نارٍ، أعدّها جبّار السماوات والأرض، وقبل ذلك خزي، وذلّ في الدار الأولى، فذاك هو فرعون بعد الملك، والسلطان، والجاه، صريعاً عند البحر، لم تزده عنجهيّته إلا هواناً، ونكالاً، قال الله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(9). والأمر نفس الأمر بالنسبة لطواغيت آخر الزمان، فالحقّ محيط بكلّ مؤامراتهم وحيلهم التي تحاك؛ لأجل سحق الإنسان؛ وجعله آلة فاقدة للشعور، والإحساس؛ ولأجل محو كلّ أثر من آثار الدين، والتديّن، وسيجزيهم شرّ ما كانوا يعملون، ونستعرض هنا مجموعة من روايات أهل البيت(عليهم السلام)، التي تؤكِّد على هذا المعنى:
*عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنّه قال: «إن قدام القائم علامات تكون من الله للمؤمنين. قلت: وما هي جعلني الله فداك؟ قال: ذلك قول الله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ}، يعني المؤمنين قبل خروج القائم(عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، {بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأموالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}، قال: يبلوهم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم، والجوع بغلاء أسعارهم، وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوالِ، قال: كساد التجارات، وقلة الفضل، ونقص من الأنفس، قال: موت ذريع، ونقص من الثمرات، قال: قلة ريع ما يزرع، {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}، عند ذلك بتعجيل خروج القائم(عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، ثم قال لي: يا محمد، هذا تأويله، إن الله تعالى يقول: {وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}»(10).
* عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَالَ: «إِنَّ قُدَّامَ الْقَائِمِ لَسَنَةً غَيْدَاقَةً، يَفْسُدُ التَّمْرُ فِي النَّخْلِ، فَلا تَشُكُّوا فِي ذَلِكَ»(11).
* عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «... وعند ذلك خروج السفياني، ويقلّ الطعام، ويقحط الناس، ويقلّ المطر»(12).
ما تقدّم كان صورة مختصرة لمعالم مجتمع ما قبل الظهور، أمّا الآن فنتعرّض للعوامل المساهمة في انتصار ثورة إمامنا المهدي(عجّل الله تعالى فرجه الشريف) العالمية، وكما ذكرنا سابقاً: بأنّ العوامل متعدّدة، ومتفرّعة، ولكن هناك ما يجمعها، ويلمّها.
العامل الأوّل: حُلُم المستضعفين:
من العوامل المهمة التي ستكون عضداً للنهضة المهدويّة هو: تعلّق البشرية بالمنقذ، والمخلّص، فجماعات كثيرة من البشر تلتحق بالخندق المهدويّ بغية رفع الظلم والعدوان من على وجه الأرض، فيتحقق ذلك بإذن الله تعالى، حيث جاء عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: «يخرج المهدي في أمتي، يبعثه الله غياثاً للناس، تنعم الأمة، وتعيش الماشية، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحاً»(13).
والسبب في ذلك: أنّ الإنسان بطبيعته باحث عن العدالة، باحث عن السلم، والأمان، وبما أنّ الظلم قد ساد أرجاء الدنيا، وكلّما ارتحل ظالم تبعه من هو أظلم منه، فهو يحلم دائماً بمجيء المخلِّص الأبديّ، الذي يقيم العدالة الأبديّة، الذي ينصر المحرومين، والمستضعفين، هؤلاء المستضعفون ربما لا يعرفون عن النهضة المهدوية شيئاً يذكر، ولكنّ نفس تعلّقهم بالمخلّص يقودهم للإيمان بها لاحقاً.
العامل الثاني: أنصار الحق:
وجود ثلةٍ من المؤمنين المتقين مع الإمام(عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ركيزة أساسيّة في مواجهة أنظمة الكفر والضلال، فمواجهة أمثال هذه القوى الظالمة تحتاج لشخصيات تمحضت في الإيمان، والتقوى، شخصيات لا ترى أمامها إلا الله، شخصيات نزعت من أعماقها كلّ ذرة تعلّق بالدنيا. وسيكون كلامنا حول أنصار الإمام(عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في نقطتين:
الأولى: خصائص الأنصار:
روايات أهل البيت(عليهم السلام) أوضحت حقيقة تلك الجماعة الصالحة، التي تؤازر صاحب الأمر(عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، نذكر منها الآتي:
* عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنّه قال في وصف أنصار القائم(عجّل الله تعالى فرجه الشريف): «...رِجَالٌ كَأَنَّ قُلُوبَهُمْ زُبَرُ الْحَدِيدِ، لا يَشُوبُهَا شَكٌّ فِي ذَاتِ اللهِ، أَشَدُّ مِنَ الْحَجَرِ، لَوْ حَمَلُوا عَلَى الْجِبَالِ لأزَالُوهَا، لا يَقْصِدُونَ بِرَايَاتِهِمْ بَلْدَةً إِلا خَرَّبُوهَا، كَأَنَّ عَلَى خُيُولِهِمُ الْعِقْبَانَ، يَتَمَسَّحُونَ بِسَرْجِ الإمَامِ(عليه السلام)؛ يَطْلُبُونَ بِذَلِكَ الْبَرَكَةَ، وَيَحُفُّونَ بِهِ؛ يَقُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ فِي الْحُرُوبِ؛ وَيَكْفُونَهُ مَا يُرِيدُ، فِيهِمْ رِجَالٌ لا يَنَامُونَ اللَّيْلَ، لَهُمْ دَوِيٌّ فِي صَلاتِهِمْ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، يَبِيتُونَ قِيَاماً عَلَى أَطْرَافِهِمْ، وَيُصْبِحُونَ عَلَى خُيُولِهِمْ، رُهْبَانٌ بِاللَّيْلِ، لُيُوثٌ بِالنَّهَارِ، هُمْ أَطْوَعُ لَهُ مِنَ الأمَةِ لِسَيِّدِهَا، كَالْمَصَابِيحِ، كَأَنَّ قُلُوبَهُمُ الْقَنَادِيلُ، وَهُمْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ مُشْفِقُونَ، يَدْعُونَ بِالشَّهَادَةِ، وَيَتَمَنَّوْنَ أَنْ يُقْتَلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ، شِعَارُهُمْ: يَا لَثَارَاتِ الْحُسَيْنِ، إِذَا سَارُوا يَسِيرُ الرُّعْبُ أَمَامَهُمْ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، يَمْشُونَ إِلَى الْمَوْلَى إِرْسَالاً، بِهِمْ يَنْصُرُ اللهُ إِمَامَ الْحَقِّ»(14).
* عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال: «كَأَنِّي بِأَصْحَابِ الْقَائِمِ، وَقَدْ أَحَاطُوا بِمَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ، لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ إِلا وَهُوَ مُطِيعٌ لَهُمْ، حَتَّى سِبَاعُ الأرْضِ، وَسِبَاعُ الطَّيْرِ، تَطْلُبُ رِضَاهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى تَفْخَرَ الأرْضُ عَلَى الأرْضِ، وَتَقُولَ: مَرَّ بِي الْيَوْمَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الْقَائِمِ»(15).
* عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنّه قال: «وَهُمْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ مُشْفِقُونَ، يَدْعُونَ بِالشَّهَادَةِ، وَيَتَمَنَّوْنَ أَنْ يُقْتَلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ، شِعَارُهُمْ: يَا لَثَارَاتِ الْحُسَيْنِ(عليه السلام)، إِذَا سَارُوا يَسِيرُ الرُّعْبُ أَمَامَهُمْ مَسِيرَةَ شَهْرٍ»(16).
الثانية: أبرز الشخصيات والقوميات التي يتشكل منها جيش المهدي(عجّل الله تعالى فرجه الشريف):
عند متابعة الروايات الواردة في تحديد أسماء الأنصار، وقومياتهم، نجد تنوعاً واختلافاً في الأعراق، والأنساب، فليس الأنصار من منطقة معينة، أو طائفة معيّنة من البشر، وإنّما يأتون من كلّ فجٍّ من فجاج الأرض، وإليك الروايات الواردة في هذا الشأن على قسمين:
الأوّل: أبرز شخصيّات الأنصار:
* النبي عيسى(عليه السلام): عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) أنّه قال: «يَاْ خُثَيْمَةُ! سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لا يَعْرِفُونَ اللهَ مَا هُوَ، وَالتَّوْحِيدَ، حَتَّى يَكُونَ خُرُوجُ الدَّجَّالِ، وَحَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ‘ مِنَ السَّمَاءِ، وَيَقْتُلَ اللهُ الدَّجَّالَ عَلَى يَدَيْهِ، وَيُصَلِّيَ بِهِمْ رَجُلٌ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ، أَلا تَرَى أَنَّ عِيسَى(عليه السلام) يُصَلِّي خَلْفَنَا -وَهُوَ نَبِيٌّ- إِلا وَنَحْنُ أَفْضَلُ مِنْهُ؟!»(17).
* إسماعيل ابن الإمام الصادق(عليه السلام): عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنّه قال: «إني سألت الله في إسماعيل أن يبقيه بعدي، فأبى، ولكنه قد أعطاني فيه منزلة أخرى، أنّه أول منشور في عشرة من أصحابه، ومنهم عبد الله بن شريك العامري، وهو صاحب لوائه»(18).
* جبير بن خابور: عن الصادق(عليه السلام): قال عليّ(عليه السلام) لأصحابه: «إن هذا - يعني جبير بن الخابور- في جبل الأهواز، في أربعة مدججين في السلاح، فيكونون معه حتّى يقوم قائمنا أهل البيت، فيقاتل معه»(19).
* المفضل بن عمر: عن الصادق(عليه السلام): «يا مفضل، أنتَ وأربعون رجلاً تحشرون مع القائم، أنت على يمين القائم، تأمر، وتنهى النّاس، والنّاس إذ ذاك أطوع لك منهم اليوم»(20).
* أصحاب الكهف: عن أمير المؤمنين(عليه السلام): «ويجيء له أصحاب الكهف»(21).
الثاني: أبرز القوميّات:
* قم المقدّسة: عن الإمام الصادق(عليه السلام): «تربة قم المقدّسة...، أما وإنّهم أنصار قائمنا، ودعاة حقّنا»(22).
* طالقان: عن أمير المؤمنين(عليه السلام): «ويحاً للطالقان! فإنَّ لله بها كنوزاً، ليست من ذهبٍ، ولا فضةٍ، ولكن بها رجال مؤمنون، عرفوا الله حقّ معرفته، وهم أنصار المهديّ(عجّل الله تعالى فرجه الشريف) آخر الزمان»(23).
* الشام: عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «يخرجُ إليهِ الأبدالُ من الشام، وأشتاتهم، كأنّ قلوبهم زبر الحديد، رهبان بالليل، وليوث بالنّهار»(24).
العامل الثالث: إحياء شريعة السماء:
إحياء الدين -ونشر ثقافة التدّين- كان همَّ كلّ الأنبياء، والأوصياء، والأولياء، فكانوا يبذلون الجهود والطاقات؛ لتحقيق هذا الهدف السامي، لكن لم تشأ الأقدار أن يتحقق، والله(سبحانه وتعالى) ليس غافلاً أبداً عن المساعي الحثيثة التي تبذل من أجل إسقاط كلمة التوحيد، فالله أعدّ يوماً ترتفع فيه راية الإسلام، ويسود فيه العدل، والإحسان، يوماً تهوي فيه راية الكفر والضلال، ذاك اليوم هو يوم خروج المهديّ(عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، فالعامل الأساسي الذي يدفع الإمام(عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في نهضته وثورته العالميّة هو: إحياء شريعة السماء.
خاتمة:
خلاصة ما تقدّم هي: إنَّ العامل الذي جعل كلّ الأنبياء والأوصياء يسعون -ويبذلون قصارى جهدهم- واحدٌ غير متعدّد، ألا وهو: إعلاء كلمة الله في أرضه، فالدافع -والمحرّك- للثورة الحسينية والمهدويّة ليس غير هذا، غير أنَّ الحكمة الإلهيّة شاءت أن تكون نهضة المنتظر(عجّل الله تعالى فرجه الشريف) هي النهضة التي تحقق النصر الإلهي المظفر.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
* الهوامش:
(1) القُرّ: البرد.
(2) كتاب الغيبة «للنعماني»، ص297.
(3) الكافي الشريف، ج5، ص55.
(4) مستدرك الوسائل، ج15، ص164.
(5) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص390.
(6) وسائل الشيعة، ج15، ص343.
(7) بحار الأنوار، ج5، ص47.
(8) مستدرك الوسائل، ج12، ص315.
(9) يونس: 90.
(10) كمال الدين، ج2، ص650.
(11) «بحار الأنوار، ج52، ص214»،«الغيبة للطوسي، ص272».
(12) الملاحم والفتن، لابن طاووس، ص133.
(13) كشف الغمة، ج2، ص470.
(14) بحار الأنوار، ج52، ص308.
(15) بحار الأنوار، ج52، ص327.
(16) مستدرك الوسائل، ج11، ص114.
(17) بحار الأنوار، ج14، ص349.
(18) اختيار معرفة الرجال، ص217.
(19) بحار الأنوار، ج41، ص296.
(20) إثبات الهداة، للحر العاملي، ج3، ص573.
(21) إرشاد القلوب، ص286.
(22) بحار الأنوار، ج60، ص218.
(23) كشف الغمّة، ج3، ص368.
(24) بحار الأنوار، ج52، ص 304.
0 التعليق
ارسال التعليق