منهج الثورة الحسينية

منهج الثورة الحسينية

بسم الله الرحمن الرحيم، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.

الإمامُ الحسين (عليه السلام) -بثورتِه الخالدة التي لا تزالُ مصدرَ إشعاعٍ للثائرين- قد أثبت أنَّه (عليه السلام) لم يكن له هدفٌ دنيوي أبداً، فإنَّ ثورتَه المقدسة لا تتناسبُ أصلاً مع أهلِ الدنيا وطلابِها، والكادحين لها، والباذلين النفيس من أجلِ الوصولِ إليها.

وكلُّ مفردةٍ من مفردات كربلاء، وكلُّ موقفٍ فيها، وكلُّ فعلٍ وقولٍ صدر من أصحابِها الطاهرين تدلُّ على أنَّ الهدف الرئيسَ والوحيدَ من الثّورة هو إقامةُ دينِ الله، إقامةُ العدل على الأرض، والدفاعُ عن الحقّ وإن كان فيه بذلُ الدماء وفقدُ الأنفس الشريفة.

فليس كلّ واحدٍ يمكنه أنْ يُقْدمَ على ما أقدمَ عليه الإمامُ الحسين (عليه السلام) إلا إذا كانت نيتُه كنيّة الحسين (عليه السلام)، وطهارتُه كطهارته، وإخلاصُه كإخلاصه، وزهدُه كزهده، فالإمامُ (عليه السلام) كان بإمكانه أنْ يحصلَ على الدنيا من أوسع أبوابِها، ولم تنقصْهُ الحيلةُ في نيل ملذاتها، ولكنّه أعظم وأكبر وأطهر وأقدس من يكون كذلك.

ومن ينتمي إلى الحسين (عليه السلام) من شيعتِه وأتباعه ومحبيه والمتعاطفين معه، لن يكون انتماؤهم إليه (عليه السلام) صادقاً، ولا ادعاؤهم بذلك مقبولاً إلا بالإعراض عن الدنيا، والإقبالِ على الله تعالى، وبمقدار ما تتعلق نفوسُنا بالدنيا فنحن بعيدون عن الحسين (عليه السلام)، بعيدون عن الحق، بعيدون عن الله تعالى.

وما يحصل اليومَ من ثوراتٍ في دولٍ عدة، ونجاحِ بعضِها نجاحاً ظاهرياً، لن يتحقّق الهدفُ المنشود لها من إقامة العدل إلا إذا كان منهجُ أصحابِها كمنهجِ الإمام الحسين (عليه السلام)، ومن يبتعدْ عن هذا المنهج الإلهي المعصـوم -لأيّ سـبب كان- فإنَّ مصـيرَه الفشل، إذ لا هدى إلا هدى الله،

ولا سبيلَ إلى الحقّ إلا سبيله، ولا نجاحَ ولا توفيقَ إلا باتّباع منهج أوليائه.

ويخطئُ من يعوِّل على منهجٍ آخرَ من مناهج الأرض المتقلبة الناقصة، أو منهجٍ يدّعي اتّباع السماء ثمّ يبتعدُ عمَّا رسمتُه السماءُ للعباد.

وتتحمّل الأمّة جميعاً مسؤوليةً عظيمة وجسيمة؛ إذ المسؤوليةُ لا تقع فقط على عاتق المتصدين لإدارة الأمّة، بل إنَّ مسؤولية الناس أعظم؛ فهم الذين يمكنهم أن يضغطوا على المتصدين، وأن يحاسبوهم، فيقبلوهم أو يرفضوهم، وإذا رأى الحاكمُ سكوت النّاس عن أخطائه وظلمه وانـحرافه عن سبيل الله، فإنَّ ذلك يجرؤه أكثر على الظلم والانـحراف.

ومن مسؤولية الأمّة خصوصاً في هذا الزمان، وبالأخص أصحاب الثورات، أن يدرسوا ثورةَ الإمامِ الحسين (عليه السلام) دراسةً دقيقة وجدية، وكونُ الأجيال المتقدمة والقرون السابقة -وبأسباب متعددة- تركت ذلك، وأعرضت عن البحث في منهج الإمام الحسين (عليه السلام) وأحقية ثورته لا يبرر للأجيال المعاصرة الإعراضَ عن ذلك، فإنَّ الإعراضَ عن ثورتِه ومنهجه -بعد العلم بكونه سبطَ النَّبي (صلّى الله عليه وآله)، وأنَّه صاحبُ حقٍ ثار في وجه ظالم- يعتبر جريمةً كبرى، وإعراضاً عن الحقّ والهدى، وتتحمّل الأمّة وزر ذلك، وتتحمّل مسؤولية استمرار هيمنة شياطين الأرض على مقدرات الأمة.

فلو كان المسلمون كلهم حسينيين، لحصلوا على العزّة والكرامة، ولم يستطع أحد مهما عظمتْ قوتُه أن يواجههم فضلا عن أن يتسلَّط عليهم، ويأكلَ خيراتهم، ويتعامل معهم معاملة السيّد لعبدِه.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا