المقدِّمة
واقعة الطَّف لا زالت تحتوي على بعض الجوانب التي لم تأخذ حظّها من البحث والتقييم مع ما كُتِب فيها. كيف لا، وهي ما كانت إلا بأمر من الله تعالى وعهد منه.
وقد عنى هذا الكتاب للفقيه السَّعيد آية الله العظمى السِّيد محمد سعيد الطباطبائيّ الحكيمO بعناوين ثلاثة دارت عليها أبحاث الكتاب التي يقع متنه في 612 صفحة وهي: (أبعاد الواقعة وثمراتها وتوقيتها) وبصورة تحليليَّة:
مستعرضاً -لا بالسَّرد التاريخي- المفردات المأساوية للواقعة التي جعلتها بهذا التَّأثير الخالد.
مضافاً إلى المكاسب والثَّمرات للإسلام عموماً؛ من حفظ الدِّين من خطرِ التَّحريف وإحياء الوازع الدِّيني في النُّفوس، وللتشيُّع خصوصاً؛ من تقوية للحجج العقَديَّة والبروز الإعلامي بانتشار الثَّقافة الأصيلة للتشيُّع.
وانتهاءً بتحليل التَّوقيت المختصِّ بالإمام الحسينg دون غيره من الأئمةi والظُّروف المناسبة لهذه الواقعة، وكون هذه الظُّروف حصراً لم تتحقَّق إلا في عهد الإمام الحسينg. فأمَّا من قبله (الأمير والحسنj) لم يتهيَّأ ظرفهما للثَّورة، وأمَّا الأئمّة من بعد الحسينg فقد كُفوا بواقعة الطَّف التي أسقطت شرعيَّة السُّلطة التي لا تنتمي إلى الإمام المعصوم، فكان دور الأئمة تكميليّ بعد الحسينg يتركَّز في بناء الكيان الشِّيعي بما فيه من مميِّزات عقَديَّة وغيرها، ممَّا يجعلهم كياناً قويّاً متماسكاً يفرض احترامه على الآخرين.
مباحث الكتاب
يحتوي الكتاب بعد المقدمة على ثلاثة مقاصد وخاتمة، وقد تعرَّض في مقدِّمته إلى مجموعة من النقاط منها:
التَّخطيط لواقعة الطَّف بشريّ أم إلهيّ؟
وجد لهذه المسألة اتجاهان:
الاتِّجاه الأوَّل: نسبة التَّخطيط إلى الإمام الحسينg وأنّه نشأ وفقاً لقناعاته الخاصّة وحساباته المادّية لغرض الحصول على السُّلطة.. وقد يوصف بالانفعاليّة التي أفقدته الموضوعية في تقييم الظُّروف المحيطة ووقع فريسة خداع الآخرين له كالزبير بنصحه بالخروج من الحجاز، وأهل الكوفة بإرسالهم للكتب، ولذا لم يحصل على ما كان يصبوا إليه.. وهذا رأي كثير من الجمهور (العامة).
الاتِّجاه الثَّاني: نسبة التَّخطيط إلى الله تعالى وكان في علم الله أنَّ الإمام الحسينg هو القائم على هذا المشروع الذي ينتهي باستشهاده وقد قام الإمام بدروه على أتمِّ وجه.. ذلك كلُّه لمنافع وثمار قد أظهر الله لنا بعضها.
وأمَّا من أشار على الإمام بعدم الخروج فكان لعدم وضوح وجه الحكمة عنده نظير خفاء وجه الحكمة من صلح الحديبية، وكيف ما كان فلا بدَّ من الإشارة إلى ما يدلُّ على كون التَّخطيط إلهيّاً، ومع ثبوت هذا ينتفي الاتِّجاه الأوَّل فيتِّضح أنَّ الاتِّجاه الأوَّل لا يعدوا عن كونه محض تحليل ظنّي ناقص في الاتِّكاء على المادَّة التَّحليلية الصَّحيحة من سلامة المعتقد والنصِّ الوارد عن المعصوم. وهذه جملة من الأدلَّة:
الأوَّل: النُّصوص المستفيضة عن النبيe والأئمةi في خصوص مقتل الإمام الحسينg والإخبار عن موضع مقتله، وإخبار النبيe بالواقعة في واضع عديدة لم يكن لو لم يكن التَّخطيط إليهاً.
الثَّاني: النُّصوص الواردة فيما يلازم ثورة الإمام الحسينg: مثل الإخبار بنهضة المختار (.. تخرج ثائراً بدم الحسينg فتقتل هذا الجبار الذي نحن في سجنه).
الثَّالث: النُّصوص الحاثَّة على نصرى الحسينg والتأنيب لخذلانه كما ورد عن النَّبيe والأميرg.
الرَّابع: النُّصوص الدَّلاة على علم الإمام الحسينg بمصيره.
الخامس: التعاطي مع الإمام الحسينg مع الأحداث حيث إنّه لم يكن يتحرّى مضانّ السلامة بل كان يسير نحو موضع محدد يتضح ذلك من خلال قراءة حركة الإمام منذ خروجه من المدينة حتى وصوله كربلاء وما ألقاه في هذا الطريق وقبله من بيانات شاهدةٌ على ذلك. خصوصاً بعد تولّي ابن زياد على الكوفة واستشهاد مسم فيها ومما قاله «إنّه -أي مسلم- قد قضي وبقي ما علينا..» واستمر بالسير قدماً حتى مقتل مسلم وهانئ وعبد الله بن يقطر.
السَّادس: علم الإمام بذلك ظهرت شواهده في مواضع عديدة أبرزها استقاء الحسينg للماء عمّا يفيض عن حاجته لعلمه بلقاء الحر وجيشه ومن الطبيعي أن يكون عالما بنتائج ذلك اللقاء وما يؤول إليه أمرهم.. بل هذا تخطيط كي يتفق مع الحر عليه بأن يسير في طريق لا يوصله إلى الكوفة ولا يرده للمدينة. فكان ما أراد ولو كان التَّخطيط بشرياً كما ادعي لناسب أن يرجع الإمام ولا يتلف نفسه لا سيَّما بعد الالتقاء مع الطرماح بن عدي الطائي حيث أكّد وجود حالة التخاذل عند جمهرة الكوفيين عند ما قال له سيوفهم عليك.
وكان يكرر دائماً أن مصيره هو الشهادة كما ذكر ذلك عند نزوله في كربلاء بقوله «هاهنا مناخ ركابنا ومحّ رحالنا ومسفك دمائنا» وكذا ما ورد بسند معتبر بقوله لأصحابه عند رسول الله مخاطباً إيّاه «يا بني إنك ستساق إلى العراق.. وإنك تستشهد بها ويستشهد جماعة من أصحابك».
فهذه الأدلّة تؤكّد التَّخطيط إلهيّاً وفي ذات الوقت تنفي بشرية التَّخطيط مضافاً إلى هذا أنَّ الظُّروف التي لا تخفى على الإمام الحسينg عدم صلاحيتها للانتصار العسكري.. وعلى الأقل إن هذه الظُّروف تقتضي مزيداً من الاحتياط والتأنّي ولو من أجل العائلة المخدّرة وهذا واضحٌ بيّن خصوصاً مع كثرة الناصحين له بعدم الخروج من رأس أو تغيير وجهته.
سؤال: إذا كان التَّخطيط إليهاً فكيف نفهم أجبوبة الإمام الحسينg التي توحي بأنّ هدفه الانتصار العسكري؟
الجواب: السَّبب هو أنَّ عامَّة النَّاس وكثير من خاصّتهم لا يستوعبون هدفه من الخروج وهو الإعلان عن عدم شرعيّة السُّلطة في وقف يحرجها ويستثيرها ولو توقف على ذلك التضحية بنفسه وبمن معه.. ولذا كانت الإجابات من الإمام هذ أقرب إلى الأعذار والدواعي التي تصلح لإقناع النَّاس مثل الخروج كي لا تنتهك به حرمة البيت، أو رسائل القوم وكتبهم إليه في قولهg: «والله ليعتدن عليّ كما اعتدت اليهود في السبت» أو قولهg: «يا عبد الله إنه ليس يخفى عليّ الرأي. لكن الله لا يغلب على أمره» وقد يجيب الإمام أحياناً بالشكر لمن نصح أو تجاهل حسابات الناصحين أو يعدهم النظر في الأمر وأمثال هذه الإجابات من دون بيان السبب.
تنبيه لطيف:
إنّ الروايات التي تحدّثت عن مقتل الحسينg على تنوّعها لم تكن مرويّة من طرق الخاصّة فحسي، بل شاركهم العامة في كتبهم برواية كثيرة منها، مع كونها نصوص تخالف ما عليه نظرتهم من بشريّة التَّخطيط إلا أنّ نقل هذه الأخبار منهم يشهد بشيوعها لدرجة أنّهم لم يتمكّنوا من تجاهلها وأزيد مما ذكرنا هو رواية الجمهور فضلاً عن الشِّيعة حديث الأنبياء السابقين عن هذا الحدث العظيم مما يكشف عن أهمّيّة هذا الحديث عند الله تعالى في الدعوى إليه مما يؤكّد أنَّ الإمام الحسينg معدُّ بالإعداد الإلهي لهذه المهمة الضخمة التي تتناسب مع الإعلام الإلهي وأنّ حركة الإمام فيها نصرة للأديان السماوية كلها وليس لدين الإسلام. ولعلّ هذا ما أشار إليه بالفتح في قوله: «من لم يلحق بنا لم يدرك الفتح» فهو فتح للدين وللدعوة إلى الله تعالى والحفاظ على الدين وشعائره التي لولا حركة الحسينg لضاعت وهو ما رمز له الإمام السجّادg بقوله: «إذا أردت أن تعلم من غلب ودخل وقت الصلاة فأذّن ثم أقم..».
فكلّ ما تقدّم يؤكد أنَّ النهضة بكلّ تفاصيلها كانت بعهد من الله تعالى. كما تتجلّى عظمة الإمام الحسينg وما يحمل من روح التضحية والعزيمة الذين يحملهما بين جنبيه. والملفت للنظر أن من كان يحفّ بالحسين من أنصار لم يكن منهم من يترك الإمام حتى مع إذنه لهم بالانصراف وجعلهم في حلّ من بيعته فكانوا خير المواسين والمضحّين في سبيله[1].
وحتى العائلة لم يكن منهم إلا التضحية والتسليم مع عدم الشكوى مما يكشف عن الإيمان بهذا المشروع الضخم.
المقصد الأوَّل: في أبعاد فاجعة الطَّف وعمقها وردود الفعل المباشر لها
ويتكون من فصلين:
الفصل الأوَّل: في أبعادها وعمقها
ابتنت نهضة الإمام الحسينg على أنَّ الخلافة والإمامة حقٌّ مجعول لهمi من الله تعالى، بخلافها عند العامة الذين لم تكن لهم ضابطة محدّدة في تحديد الخليفة؛ فتارة بالتعيين وأخرى بالشورى وثالثة بالوصيّة حتى مع فقدان المؤهلات الشخصيّة كما في يزيد بن معاوية، وكانت هذه الوصاية مورداً لاستنكار الجمهور من المسلمين لعدّة أسباب أهمّها:
فتح هذا الباب فيه تجاهل لسيرة من قبله من خلفائهم خصوصاً الشَّيخين.
ابتناء هذه الوصيّة على الإرغام والقسر مدعومة بالترغيب للبعض والترهيب لآخرين والخداع لآخرين.
عدم مناسبة واقع يزيد وسلوكه المشين للخلافة مع موجود غيره من الأعيان من المؤهلين لهذا المنصب على رأسهم الإمام الحسينg.
أعظم جريمة:
كان الإمام الحسينg مسالماً في دعوته للإصلاح فلم يرفع مشروعه بلسان الإلزام والتهديد، بل انطلق بلسان النصيحة والتذكير، كما أنّه لم يختر الكوفة إلا لامتناعهم بأنفسهم من القبول ببيعة يزيد والشواهد على ذلك كثيرة.
وبهذا الانطلاق لم يترك الإمام عذراً يعتذر به قتلته وما يبررون به ما ارتكبوه من جرائم في حقّه وفي حقّ من معه وأهل بيته، ومن هنا فإنّ نفس قتل الإمام الحسنg كان أعظم جريمة في هذه الفاجعة لما يتمتّع به الإمام من:
مقام ديني رفيع يستحقّ به الولاء والتقديس لا سيَّما مع لحاظ ما ورد في القرآن وما جاء على لسان النبيe في شأنه.
القرب من النبيe وكونه البقية من أهل البيتi الذين كان الرسول يخصّهم بألطافه وعناياته.
المؤهلات الشَّخصيّة للإمام التي تجعله الممثل الأوَّل للإسلام في كل المواضع.
وهذه الأمور الثَّلاثة من الواضحات في عهد الإمام الحسينg ولا يستطيع إنكارها أحدٌ أبداً، فهو الرجل الأوَّل في المسلمين ولا يتقدّم عليه غيره.
وزاد في بشاعة هذه الجريمة أنّه لم يقتل في مواجهة قتالية بل قتل بعد أن ضعف عن القتال وأعياه نزف الدماء وبقي على الأرض طويلاً مضافاً إلى جملة من الأمور التي زادت في فظاعة هذه الجريمة:
منها: قتل جميع من كان مع الإمام من الأهل الذين «ما كان لهم على الأرض شبيه».
منها: قتل جميع من كان مع الإمام من الأنصار الذين هم «فرسان المصر وأهل البصائر. أصحاب النُّفوس الزكيّة» «المجتهدين بالأسحار والذاكرين الله كثيراً وقرّاء القرآن».
منها: قتل الأطفال الأبرياء العزَّل بما فيهم الرَّضيع، بل حتى بعض النساء قد قتلن من دون قتال.
منها: التَّضييق على الإمام ومن معه ومنعهم من الماء حتى أضرّبهم العطش.
منها: انتهاك حرمة العائلة في المعركة بإحراق الخيام والإرعاب وكذا بعدها بالسبي وما يرافه من صنوف الإذلال والتشهير.
منها: انتهاك حرمة الأجساد الطاهرة بالسلب والرضّ والتمثيل وقطع الرؤوس. وغيرها.
منها: النَّيل من الإمام الحسينg على المنابر من أجل إسقاط حرمتهم بين النَّاس وتبرير شرعية قتلتهم. هذا كلّ إضعاف للجريمة الكبرى بعداً إجرامياً كبيراً واقعيّاً وعاطفيّاً.
ويزيد في شناعة وقبح الفاجعة أكثر:
أنّ الإمام الحسينg كان بقية أصحاب الكساء فكان كلّما فرق الدنيا أحدهم كان للناس السلوى في الباقي إلى أن استشهد الإمام الحسينg فانقطع بقتله أثرهم كما ورد «فلما قتل الحسينg لم يكن بقي من أهل الكساء أحد للناس فيه بعده عزاء وسلوة، فكان ذهابه كذهاب جميعهم، كما كان بقاؤه كبقاء جميعهم، فلذلك صار يومه أعظم مصيبة..».
تذكّر الأحاديث الواردة عن النبيe في شأن الإمام الحسينg وما تتضمّن من تنبّؤ بمقتله وما يجري عليه.
ما صدر عن لسان الأمويين من التشفّي بمقتل الحسينg انتقاما لما فعل النبي e وأمير المؤمنين بأسلافهم في حروب الإسلام وعبارات مثل: يوم بيوم بدر- ليت أشياخي ببدر شهدوا- فلقد قضيت من الغريم ديوني، وغيرها شاهدة على هذا الانتقام منهم.
انتهاك الأمويين لشهر المحرّم الذي هو من الأشهر الحرم التي حرّم بها البدء بالقتال.
حدوث الأمور الغريبة المصاحبة لمصيبة الإمام الكاشفة عن مقامه وغضب الله تعالى لفاجعته، وهذا ما استفاضت به الأخبار كما ثبت رمي دمه ودم ولده للسماء فلم تسقط منه قطرة، وتكلّم رأس الحسينg وظهور الأنوار المحيطة به، وتحول التراب دما علامة على مقتله وغيرها من عجائب الأحداث.
فبعد هذا كلِّه لا عجب أن يكون الحسينg ثار الله وابن ثاره.
الفصل الثَّاني: في ردود الفعل المباشرة لواقعة الطَّف
والكلام في مقامين:
المقام الأوَّل: ردِّ الفعل من قبل النَّاس
تعاملت السُّلطة آنذاك مع الإمام الحسينg على أنَّه خارج عن الشرعيَّة فشقَّ العصا ولقّح الفتنة فاستحقَّ القتل والتنكيل فتمّ للسلطة ما أرادت ولم يكتفى بالقتل بل عومل الإمام كما يُتعامل مع أهل الردّة من السلب والسبي والتشهير وما رافق ذلك من فدائح. وكانت السُّلطة معتمدة على مالها من قوّة وشراسة في ذلك فكان ما فعلته بالحسن ما هو إلا البداية لتلحقه واقعة الحرّة ثم انتهاك الحرم المكّي برمي الكعبة بالمنجنيق.. أما في الكوفة والمدينة فالتضييق على الموالين والقسوة عليهم ولكن هذا كلّه لم يستطع تكتيم الأفواه ولا كبح المشاعر والعواطف فبقيت السُّلطة عاجزة أمام ذلك، فكان الإنكار على مختلف الأصعدة حاضراً سواء كان إنكاراً شخصيّاً أو عامّاً.
ومن الإنكار الشخصي كما حصل من زيد بن أرقم وأبيّ بن بزّة ويحيى بن الحكم وعبد الله بن عفيف، ومن الإنكار العام ما كان منه على مستوى الكوفة والمدينة...
أمَّا في الكوفة فقد استقبلوا العائلة الحسينية بالبكاء والعويل.. بما لم ير باك وباكية أكثر من ذاك اليوم. ذلك كلُّه نتيجة وجود الجو الملائم لذلك مع أنَّ السُّلطة قد أظهرت أجواء السرور للتشهير بالعائلة ولم يفلحوا في ذلك.
وأمَّا في المديمة فكان البكاء والصراخ والعويل ليس في البيوت فحسب بل كان ذلك عند قبر النبيe فكان ردُّ السُّلطة على ذلك هدم دور بني هاشم وضرب النَّاس ضرباً شديداً عقوبة لتحدِّيهم مواقف السُّلطة بعواطفهم. إلا أنَّ النَّاس أظهروها من جديد لا سيَّما بعد رجوع العائلة.
وهناك صنف آخر من رد الفعل وهو عبارة عن الذمّ والمقاطعة لكلّ من يُعلم اشتراكه في قتل الحسين. مما أوجد التصريح من عدد ليس بالقليل بالندم من المشاركة في قتال الحسينg.
كما أنّ هناك من استغل دم الحسينg لغرض الزعامة كما هو الحال عند عبدالله بن الزبير حتى بلغ مرامه فحشّم النَّاس حتى لم يروا غيره بعد الحسينg لحفّوا حوله.
المقام الثَّاني: موقف السُّلطة من ردِّ فعل النَّاس ومن عائلة الإمام
من المقطوع به أنَّ ما كان يصدر من ابن زياد في الكوفة كان بأمر من يزيد لا سيَّما بعد قتل مسلم وهانئ ليكون هذا فاتحة الرد على الإمام.
ولذا فإنَّ إسناد القتل إلى يزيد مما لا ينبغي لمنصف إنكاره والتوقف عنده وهذه بعض الشواهد على إدانته.
منها حنق يزيد على الإمام منذ أيام معاوية لأسباب عديدة منها رفض الإمام بيعة يزيد ومنعه من التزويج من بنت عبد الله بن جعفر. مضافاً إلى طيشه. وإرسال كتاب منه إلى والي المدينة يطلب فيه أخذ البيعة منهم ومن ثلاثة أحدهم الإمام ومن يأبى فليقتل. وكذا إرساله كتابا آخر لابن عباس ذيّله بما يفيد قتل الإمام. ومحاولة يزيد اغتيال الإمام في مكة بثلاثين رجلا.
مع هذا كله تغيّر موقف يزيد فيما بعد حيث سعى للتنصّل من مقتل الحسينg بإقامة العزاء عليه في القصر وتحميل ابن زياد المسؤولية على القتل الذي بدوره أظهر الندم على هذه الفاجعة والإلقاء باللائمة على ابن سعد.
المقصد الثَّاني: في ثمرات واقعة الطَّف وفوائدها
وفيه فصلان أيضاً:
الفصل الأوَّل: فوائد وثمرات راجعة إلى الدين
كان للإمام الحسينg هدف أوَّل وأكبر وهو حفظ الدِّين، والتَّعريف به.
والمتتبِّع للتَّاريخ يرى أنَّ الجرأة على سفك الدِّماء وشرب الخمور والتفرق وأمثالها زاد بعد الفاجعة!! وعليه فلا بدَّ من أن يكون هناك هدف قد حققه الإمام لا يتنافى مع هذا الواقع الذي جرى.. ومع الالتفات إلى تنبيه الإمام السجاد وكون بقاء الصلاة شاهد على انتصار الإمام يكشف عن منشأ الفتح والنصر ويكشف عن حجم ما تعرّض له الدين من التحريف والتشويه بحيث تضيع معالمه كما حصل في الأديان السابقة مما حدى بالإمام أن يضحي بنفسه حفاظا على هذه المعالم وإن كانت مسألة بقاء المعالم استندت إلى النهضة الحسينية وإلى بقاء القرآن في متناول الجميع سالما من التحريف وجهود الأئمة حيث جدّوا في إيضاح معالم الدين الحق وإقامة الحجّة عليه رغم إقصائهم وانحراف مسار السُّلطة الحاكمة.
ولكي تبقى معالم الدين الحق قائمة مستمرة مع وجود مرجعيّة تثبت الحق وتستدلّ عليه، ووجود فرقة ظاهرة تدعوا إلى الحقِّ وتنبّه الغافلين.
وذكر الكتاب مطلبان في هذا الفصل:
المطلب الأوَّل: ما كسبه الإسلام بكيانه العام
لما شرَّع الله الأديان لتؤدّي دورها في إصلاح الإنسان فلا بدَّ أن تكون في الفترة التي يحددها الله تعالى لكل دين -وقبل أن ينسخ بدين آخر- معالمه الواضحة ظاهر الحجة مع وجود أمين عليه يكون مرجعا للأمّة نبيا أو وصياً فلا بدَّ أن لا تخلو الأرض من حجّة. وإذا كان ثمّت اختلاف فيد ارتحال الأنبياء فإن لم تتدخّل الإرادة الإلهية فإنَّ الغلبة تكون للباطل عادة لا لضعف الحق بل لمبدئيته وهذا ما لا يروق للكثير ولابتعاد صاحب الحق عن سلوك الطرق غير المشروعة. ولذا يستولي أهل الباطل ويجعلون الدين خادما لمصالحهم وأي انحراف منهم سيحملونه على الدين وهذا ما يسبب تشويه صورة الدين والسبب الرئيس هو تمكين غير المعصوم.. ولكن الله أبى إلا أن يقيم الحجّة على الحق وهذا هو اللازم عليه بمقتضى عدله وحكمته. ولذا فإنّ تصدّي الإمام لم يكن ناشئاً من استيلاء الأمويين على الحكم أو استيلاء يزيد عليه بل لوجود خطر كبير قد تفاقم مع وصول هؤلاء على السُّلطة.
المبحث الأوَّل: انحراف السُّلطة وأثره على الإسلام
دين الإسلام هو الدِّين الذي لا ينتظر بعده دين آخر وقد أوكل الله تعالى دينه العظيم إلى النبيe والأئمة من بعده ليكونوا مرجعا له ومن هنا أكَّد القرآن والسنَّة على الإمامة وشأنها في أمور ثلاثة
وجوب معرفة الإمام والبيعة له.
وجوب طاعة أولياء أمور المسلمين وموالاتهم والنصيحة لهم.
لزوم جماعة الأئمة التي هي جماعة المؤمنين واتباع سبيلهم والنهي عن الاختلاف والتفرق... ولذا فإنّ÷ بالإجماع يحرم الخرود على الإمام
العادل فضلا عن الإمام المعصوم والخارج يكون من البغاة يجب قتاله.
وبهذا يقطع الطريق أمام أصحاب الفتن ولو بعنوان الاجتهاد كما أنَّ الطاعة هذه مأمونة العاقبة على الدين والمسلمين لفرض عصمة الإمام وأيضاً مدعاة للطف الإلهي على الأمّة التي تجتمع على طاعة الله.
ولكن الأمَّة بعد ارتحال النبيe انحرفت عن خطّ أهل البيت وتبدّل المعيار أمام المسلمين من أن يكون إلهيّاً مجعولاً من الله إلى أن تكون الغلبة هي المعيار!
وأوَّل من أنكر ذلك هو الأمير والزهراء وخاصّة الأصحاب إلا أنّهم اضطرّوا للسكوت حفاظاً على الكيان العالم للإسلام وإبقاء على حياة هذه الصفوة.
في ذات الوقت سعت السُّلطة إلى فرض احترامها واكتساب شرعيّتها بالتالي:
بالغلبة من جهة، وبالفتوحات التي عكفت على تحقيقها مما فرص الاحترام والدخول فيه لاتساع رقعته وصار لرموزه المكانة الرفيعة في النفوس فصاروا مرجعاً للأمة يؤخذ الدين عنهم بل تقديسهم، فصار بذلك الإسلام الحق غريبا على الجمهور من المسلمين مع وضوح معالمه عند جمهرة من الصحابة، ولذا لم يتفاعلوا مع الحروب التي تقوم بها السُّلطة مما سبب الضعف وتعرّض الإسلام للخطر العسكري مما اضطر بأمير المؤمنين إلى دعم السُّلطة لإضفاء الشرعية على القتال تحت ظلّها، وكانg يسعفهم بتوجيهاته وصائب رأيه فجنّبهم المآزق حتى تكرر التعوذ منهم من معضلة ليس لها أبو الحسن. وبقي هذا كلّه يعرف الخاصّة لا عامّة النَّاس الذين (لا يعرفون عليا وقرابته ولا عمّار وسابقته).
استخدام الألقاب المناسبة لشرعيّة الحكم دينيّاً مثل: خليفة، أمير المؤمنين، سلطان الله في الأرض.. لكن هذا أيضاً لم يكن ليخدع جمهور الأصحاب الذين يعلمون بأنّ نظام الحكم مفتقر إلى النصّ الشرعي من الله ورسوله.
التحجير على السنة بمنع التدوين وحرق ما تم تدوينه سوى ما يتناسب مع نهج السُّلطة ورغبة الحاكم.
وضع الحديث على لسان النبيe لصالح السُّلطة بالاستعانة بالمنافقين وأصحاب الأطماع فصاروا يتسارعون في ذلك.
استغلال الأمور الثلاثة لصالحهم مع أنّها وردت في الإمام المعصوم (وجوب معرفة الإمام وبيعته، ولزوم الجماعة، ووجوب الطاعة) وذكر المصنّف على ذلك ما يزيد على الخمسين شاهداً. وهذا ما سار عليه العباسيون فاكتسبوا به جمهورا عريضاً لا سيَّما من لا تصل إليهم أصوات المعارضة للسلطة كأفريقيا والشام التي تعتمد على ثقافة السُّلطة فقط.
تبرير أخطاء السُّلطة بالقضاء والقدر، وكأنّه قضاء قهري يكفي في العذر ويرفع المسؤوليّة، فاستمرّت السُّلطة على الترويج لهذه العقيدة حتى تبلورت عقيدة الجبر.
معاناة الإسلام:
بعد هذا كلِّه يكون من الطَّبيعي أن ينشأ المسلمون ويبتني كيانهم على الطَّاعة العمياء للسُّلطة نتيجة لتشوّه المفاهيم وانحراف البوصلة. فكانت السُّلطة تتجه بوضوح نحو التحلل من قيود الدين وافتعال الرخص وعدم الالتزام بمرّ الحق، وبذلك تعرض الدين للتحريف عن جهل أو عمد وعانى الإسلام نتيجة ذلك من أمور ثلاثة:
الأوَّل: جهل المتصدّين لبيان الأحكام في الفتوى والقضاء لابتعادهم عن المعصوم الذي تحوّل إلى خصم للسلطة، فظهر الاختلاف في الحديث والفتوى والأحكام حتى من الشخص الواحد مع قربهم من عهد النبي!! مما يؤسس إلى الجرأة في الفتوى والاعتزاز بالرأي وهذا ما هيّأ الأرضية لانقسام الأمّة وظهور الفرق في الإسلام التي ابتدأت بالخوارج.
الثَّاني: ظهور الابتداع في الدين ومخالفة نصوصه وتجاوزها.
الثَّالث: تشويه الحقائق في التاريخ والسيرة والمناقب والمثالث.
ومن هنا تتضح خطورة هذا الانحراف الذي يؤدّي إلى حرف المسار على شتّى الاتِّجاهات ابتداء من رأس السُّلطة مورواً بعلماء السُّلطة في تغيير أحكام الله كما في استرقاق النساء المسلمات!! وذكر المصنّف ما يزيد على الثلاثين مثالا على ذلك.
المبحث الثَّاني: كبح جماح السُّلطة
وهنا ثلاث مقامات:
المقام الأوَّل: جهود أمير المؤمنينg
بذل أهل البيتi -بدأً بأمير المؤمنين والحسن والحسينj- جهوداً جبّارة في سبيل كبح جماح انحراف السُّلطة الذي لم يعرف حدّا وفتح المجال نحو (الطلقاء ولعناء رسول الله) وأهل الأطماع، فكان لا بدَّ من تنبيه العامّة لحق أهل البيتi في الخلافة وحصول التشويه في كثير من حقائق الين مع سكرة عامّة النَّاس بالفتوح والغنائم وتوسّع رقعة الإسلام.. وهذا الذهول مهّد الأرضية لوصول عثمان إلى الخلافة وإقصاء علي مرّة أخرى.
وعامة النَّاس مع غفلتهم فإنّهم صاروا يتمسّكون بثقافة لا يقبلون بغيرها، إلا أنَّ تداعيات الانحراف قد ظهرت في عهد عثمان حتى طفح الكيل فثارت حفيظة الخاص والعام وأهل الدين فكان من الجميع التشنيع على عثمان ... ومع مساعي الأمير في إصلاح الأمور وحل المشاكل التي كاد أن يجنّب النَّاس فتنها لولا سوء إدارة عثمان وفساد بطانته لينتهي الأمر بحصاره وقتله. فاسودّت الدنيا في أعين النَّاس ولم يروا نورا يلجأون إليه سوى نور علي.
فتسلَّم أمير المؤمنينg السُّلطة للأسباب التالية:
أولاً: أنَّ النبيe عهد إليه بالقيام عند توفّر الناصر.
ثانيا: سعيه لإيضاح الحقائق الدينية لجمهور المسلمين، وتعريفهم بدعوة الحق بالدليل والبرهان وبيّن من تكون الجماعة التي لا يجوز الخروج عنها وهي المعتصمة بالأئمة فبيّن في أيّام القليلة أحكاماً كثيرة كانت النَّاس في غفلة عنها.
ثالثاً: إيضاحه لأحكام حرب أهل القبلة. فكانت سيرته مرجعا للمسلمين في ذلك حتى قيل "لولا ما سار عليّ فيهم ما علم أحدُ كيف السيرة في المسلمين".
المقام الثَّاني: مواجهة السُّلطة لجهود أمير المؤمنينg
لما تولّى معاوية الحكم سخّر كل إمكانات الإسلام وقدراته المعنوية والمادية لصالح حكمه وتثبيت أركانه.. وكان همّه الأكبر القضاء على خطّ أهل البيت الممثّل للإسلام الصحيح ويذكّر به ويدعوا له.. وكان أمير المؤمنين هو الممثل الأوَّل لهذا الخط.
وبعد استشهادهg كانت المفاجأة بأنّهg قد أرسى دعوة ذات بعد عقائديّ كانت تهدد الشروع الأمويّ. وخطُّ أهل البيت يعتمد على أمور لها أهميتها في تركيز العقيدة:
منها: العقل والبرهان حيث يملك الدليل الكافي لإثبات حقّهم.
منها: العاطفة لما لأهل البيت من مكانة سامية في النفوس وقرب من النبيe ولمؤهلاتهم الشخصيّة ومثاليتهم العالية الموجبة لانشداد النَّاس لهم.
منها: ظهور فشل نظرية عدم النصّ في الخلافة التي أدّت إلى استيلاء الأمويين على مقدّرات الإسلام والمسلمين وانتهكوا من الحرمات ما لا يحصى...وفي المقابل انتشار التشيع بين المسلمين.
ولما أدرك معاوية ذلك سلك طريقاً آخر للقضاء على أهل البيت بطرقين:
الأوَّل: ملاحقة الشِّيعة والتنكيل بهم وإسقاط حرمتهم كمسلمين بالحرمان من العطاء وسجنهم وقتلهم وهدم دورهم حتى كانوا يقتلون من يتسمّى باسم علي. هذا وإن ضيّق على الشِّيعة في وقت ولكنّه أوجد وصيداً من الظلامات والتضحيات التي منحت دعوة الحق قوّة ورسوخا توجب التعاطف معهم.
الثَّاني: استمرار في التحجير على سنّة الرسول مما كانت لا تتطابق مع هوى السُّلطة الأموية عن طريق المنع من رواية ما كان في صالح أهل البيت، وافتراء الأحاديث القادحة فيهم خصوصاً أمير المؤمنين، وافتراء الأحاديث في فضل الصحابة الذين هم على خلاف خطّ أهل البيت... وهذه الخطوة في غاية الخطورة لجهتين:
أولاهما: أنها تقف حاجزاً دون تقبّل النص في الإمامة واستحقاق أهل البيت لها.
وثانيتهما: إنَّ كثرة النُّصوص التي تفيد شرعية وإمامة من يغل على المسلمين تبرر تصدّي غير أهل البيت وتأخيرهم عن موقعهم.
ويتَّضح ممَّا تقدَّم مقدار ما تعرَّض له الدين الإسلامي من خطرٍ قاتل بل الحقيقة الدينية عموماً تعرّضت للتشويه، ولا بدَّ من الالتفات إلى أنَّ ليس بعد الإسلام دين ولا وحي يظهر الحقيقة. ويزيد في الخطر أنَّ معاوية قد عهد بالخلافة إلى ولده يزيد فيصير الدِّين ألعوبةً عند هذه العائلة التي لا يخفى مقدار عدائها للدِّين نفسه، مضافاً إلى ظهور الاستهتار بالمبادئ والقيم فلا يمنعهم من تحقيق ما يريدون أي مانع.. ويبقى هذا كلُّة نتيجة طبيعية للخروج عن مقتضى النصِّ الإلهي.
المقام الثَّالث: أثر الفاجعة في الإسلام
لم يمت معاوية إلا بعد أن أقام دولة تحمل أهدافاً قبليّة جاهلية تتخذ من الإسلام ذريعة لأهدافها ولو بتحريفه عن حقيقته. فبنيت على أساس المعايير الجاهلية كالعصبية.. كما أنَّ الجمهور قد ألف التسابق لإرضائها خوفا أو طمعاً.
إلا أنه مع ذلك بقيت ثلة من المسلمين يراقبون على مضض انحراف السُّلطة واستغلالها للدين ولم يكن لهم التفات لمسألة تحريف الدين وضياع معالمه فكان الحل بنظرهم تغيير السُّلطة: وينقسم هؤلاء إلى قسمين:
الأوَّل: من يرى التفكير في ذلك عمليّاً ولو بالمكر، ولكنّ منهم قسم آخر وهم خواصّ شيعة الكوفة كانوا يستثيرون الإمام فكانوا يرون أن موت معاوية فرصة.
الثَّاني: من يرى تجنّب الاحتكاك بالسُّلطة حفاظاً على من تبقّى.. وربما كان الكثير ممن أشار على الإمام الحسينg بعدم الخروج كانت هذه نظرتهم إما طلباً للعافية أو لعدم الشعور بالمسؤولية أو للحذر من شق عصا المسلمين.
لكنّ أهل البيت وأصحابهم على بصيرة تامة من استحالة تعديل مسار السُّلطة فكان الهدف أسمى وهو الحفاظ على معالم الدين، ولو بايع الإمام الحسينg زيد لكان قد أضفى بذلك الشرعية على تلك السُّلطة مما يسارع في عجلة القضاء على الدين وعلى جهود الأمير في كبح جماح الانحراف.
فرق ضد الأمويين:
لم يعرف أحد قبل الحسينg قد خرج على الحكم الأموي إلا الخوارج الذين سقط اعتبارهم عند المسلمين.. أما الخاصّة من ذوي الدين والمقام الرفيع فبين أن ينسجموا مع السُّلطة أو يمتنعوا... وفي كلا الخيارين سيتحقق للسلطة ما تريده مع مرور الوقت فإنّ النَّاس سيتعاملون معها على أنها الأمر الواقع الممثل للدين... فتنطمس معالمه... فكان لا بدَّ من عدم السكوت عن سلطة الباطل وإن كان تعديل مسارها متعذّرا وإلا لكان الدين تابعا للسلطة لا العكس فيتلوث بجرائم السُّلطة... فكان لا بدَّ من إحراج السُّلطة بموقف يستثيرها فتقع في شراك خطوة سابقة لأوانها تكون جريمة نكراء تنكشف بها حقيقتها وتستفزّ جمهور المسلمين نحو دينهم لتفقد السُّلطة فاعليّتها وقدرتها على التحريف كانت هذه الخطوة هي ما قام به الإمام الحسين.
تداعيات فاجعة الطَّف:
لمزيد من التعرف على الفتح العظيم نذكر بعض التداعيات للفاجعة:
أولا: ثورة أهل المدينة وابن الزبير والخروج صراحة على حكم يزيد وهذا أدى إلى استباحة المدينة ورمي الكعبة.
ثانيا: انقلاب الرأي العام على يزيد ومعاوية حتى من بعض كبار الدولة كابن زياد.
ثالثا: النجاح في عزل الدين -عمليا وعند الجمهور- عن الصراع على السُّلطة. فصار من الواضح تجرّد السُّلطة عن الدين والمبادئ في صراعها مع الآخرين.. فاتضحت أن بيعة الخليفة لا تعني إعطاء الشرعية له بل هي تقية عادة، وصارت الإمامة عند الجمهور دنيوية وليست دينية بمعنى عدم الرجوع إليهم في شؤون الدين مما أوجد الحاجة إلى بروز رجالات متخصصون في الدين كانوا معزولين نتيجة الحجر الثقافي الذي ارتفع نسبيّاً لا حقا.
السُّلطة مع الواقع الجديد:
هذا الواقع الجديد فرض على السُّلطة أن تسّق معه وتسعى لعدم معارضته فاتخذت خطوات في سبيل ذلك:
منها الاهتمام بتدوين السنة ولو بالنحو الذي يعجبها في محاولة للسيطرة على الحديث والفقه.
منها عدم الأخذ بسنة الشيخين لانحصار المرجعية في القرآن والسنة النبوية.
المطلب الثَّاني: فيما كسبه التشيُّع بالخصوص
حصل التشيُّع على مكاسب كثيرة منها كبرى ومنها دون ذلك نذكر بعضاً منها:
المقام الأوَّل: مكسب التَّشيُّع من حيث الاستدلال
حيث إنَّه بعد التزام المسلمين بمرجعية الكتاب والسنة كان هذا مكسبا للإسلام وللتشيع لأن التشيع يعتمد عليهما بالدرجة الأوَّلى مما حدى بخصوم التشيّع سلوك الطرق الملتوية في سبيل الحدّ من امتداد التشيّع في عمق المجتمع سواء بالقمع والتنكيل بالشِّيعة بلا حدود. وتشويه صورتهم والافتراء عليهم، والتحذير من الاحتكاك بالشِّيعة عقائدياً، وإغفال التراث الشيعي حتى في مقام البحث والنظر عن الباحثين وغيرها من الأساليب.
المقام الثَّاني: في الجانب العاطفي
نهضة الحسينg شيعيّة الاتِّجاه؛ لأنَّ قائدها قد رفع راية الإصلاح بلواء التشيّع فقال«أسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب» وغيرها من النُّصوص، مضافاً إلى استجابة الوجوه الشيعية.. ولذا انصبَّت نقمة الظَّالمين على الشِّيعة وممارساتهم لا سيَّما ما يتعلَّق بالفاجعة.
وهذه الفاجعة قد زعزعت الضَّمائر ونظام الخلافة عند الجمهور إلا أنَّ التَّفاعل مع ذلك منهم خصوصا علماء الجمهور كان سلبياً حدى ببعضهم أن يحرم رواية مقتل الحسينg! مما أوجد عند البعض عقدة الحذر من قوّة التشيّع فوقف أعداء التشيع موقفاً إيجابياً من الظالمين لأهل البيت والدفاع عنهم مع إمعانهم في الجريمة ووضوحها للعالم كلّة. ولكن هذا كلّه كان في صالح التشيع لأن المدافعين عن الظالمين يسقطون أنفسهم عن الاعتبار ويكشفون بذلك عن سوءاتهم من نصبهم العداء لأهل البيتi. وغيرها من الثمار.
المقام الثَّالث: الإعلام والإعلان عن دعوة التَّشيُّع
انطلق الشِّيعة من خلال فظاعة الفاجعة لبيان ظلامة أهل البيتi وبيان مقامهم ورفعة شأنهم حتى صار ذلك من سمات الشِّيعة والتي يقوم عليها كيانهم، وقد أثار هذا حفيظة الظالمين فجدّوا في منعهم والتنكيل بهم، وحفيظة كثير من المخالفين فجدّوا في الإنكار والتشنيع عليهم بمختلف الأساليب وكان بهذا تتجلّى ظلامة أهل البيت على طول الخط والشِّيعة تبعا لهم مما اعطى الشِّيعة القدرة والصلابة وتحمّل المصائب في سبيل ذلك.
كما يتجلّى لهم أهميّة هذه الممارسات والشعائر في تثبيت وجودهم فكان لهذا الإحياء آثار منها حيوية الشِّيعة في نشاطاتهم واجتماعهم وتماسكهم وتثبيت وحدتهم، وارتفاع ثقافتهم بالثقافة العامة والدينية والمذهبية الخاصّة وتعميقها فيهم. مضافا إلى خلود التشيع بإحياء هذه المناسبات لأنّ هذا الإحياء شامل لكل الجمهور وليس مقصورا على النخب.
الفصل الثَّاني: في العبر التي تستخلص من الفاجعة
وفيه مقامان:
المقام الأوَّل: في آلية العمل
لم يكن الإمامg في عمله إلا محافظاً على سلامة آلية العمل وشرفها والوضوح في الحفاظ على المبادئ المباركة. فكان يعلن من يومه الأوَّل أنّ هدفه الإصلاح في الأمر والسير بسيرة جده وأبيه، وأنّ موقفه ممن يرد عليه هو الصبر وانتظار حكم الله دون تهديد أو تهريج وتشنيع، وأنّ من يتبعه مصيره الشهادة ولم يلوّح لهم بأمل النجاح العسكري بل كان يصرّح أنّه مقتول لا محالة، وكان قد أذن لمن معه بالانصراف عندما وصله خبر مسلم فانصرف قوم وبقي آخرون. وكان يظهر مكارم الأخلاق بأعلى صورها كما جرى بينه وجيش الحر، وكان يعبّئ أصحابه حتى ليلة العاشر حتى يكونوا على قناعة تامّة من موقفهم.
وهذا ما ينبغي أن يكون عليه المصلحون بأن يتمسّكوا بسلامة آلية العمل والحفاظ عليها، لتكون الوسيلة مناسبة للهدف حيث يكشف عن صدق مدّعي الإصلاح في دعواه وسلامة هدفه لا سيَّما في الأوقات الحرجة فإنّ الحفاظ فيها بحدّ ذاته إصلاح للمجتمع على المدى البعيد.
المقام الثَّاني: في النَّتائج
كشفت فاجعة الطَّف عن تعذُّر الإصلاح للمجتمع بالوجه الكامل وأكَّدت ما كشفت عنه تجربة أمير المؤمنينg من قبل، وكلَّما امتدَّ الزمن كان ذلك أولى بالتعذّر، ولذا فإنّه ينحصر الأمر بالإصلاح النسبي الراجع لتخفيف الفساد إما على الصعيد الفردي بالتربية الصالحة والموعظة الحسنة والتثقيف الصحيح، وإمّا على الصعيد الاجتماعي العام بتخفيف نسبة الفساد فيه ولو إلى أمدٍ قصير، وهذا ما يجعلنا نستوعب مواقف الأئمة من ذرّية الإمام الحسينg وإصرارهم على مسالمة السُّلطة وإعلانهم بأنَّ قيام دولة الحقّ إنّما يكون بظهور خاتمهم القائم، وهذا مارلم يكن يدركه الشِّيعة قبل فاجعة الطَّف ولا يستوعب هذه الحقيقة، وهذا ما كان سبباً للتعاطف مع الأئمة والشعور بمظلوميّتهم عند تعرّضهم لضغط السُّلطة وتنكيلها بعد أن لم يكونوا بصدد منافستها والخروج عليها لا سيَّما مع مالم من الكرامة والمكانة.
هذا لا يعني أنَّ الأئمة لم ينكر عليهم ممَّن يتبنَّى خطَّ الثورة من العلويين، لكنَّهمi لم يكترثوا لهم بعد رضوخ شيعتهم لهم وتقبّل مواقفهم، ففاجعة الطَّف خففت من ضغط الدعوة للثورة على سلطان الجور عن الأئمةi.
المقصد الثَّالث: توقيت الفاجعة
لا شكَّ أنَّ مسؤوليَّة رعاية الدّين والجهاد في سبيل صلاحه وحمايته وظهور دعوته وحجته هي مسؤوليّة مشتركة لا تختصّ بالإمام الحسينg، ولذا فإنّ انفراده من بينهم بنهضته التي انتهت بالفاجعة إنّما هو لاختصاصه بظروفٍ ودواعٍ ألزمته بذلك لم تكن هذه الظُّروف مهيّئة لهم.
فكلّ قد أدّى وظيفته المناسبة لزمانه ولم يقصّر منهم أحد بعد فرض عصمتهم فما الذي امتازت به ظروف نهضة الإمام بحيث ألزمته النهوض فنقول:
إنّه بلحاظ ما تقدّم من فصول ومقاصد يبرز جليّاً وجوه للفرق بين ظرفه وظروف بقية الأئمة ولذا سنعرضهم كالتالي: الأمير ثم الحسنg ثم الأئمة من ذرّية الحسين.
وهنا ثلاثة فصول:
الفصل الأوَّل: في موقف الإمام أمير المؤمنينg
بعد انحراف السُّلطة بعد ارتحال النبيe كان معنيّا عليg بأمرين:
أولهما: حفظ كيان الإسلام العام الذي أرسى دعائمه النبيe ومن معه كي تبقى الدعوة قابلة للانتشار فيصل للأمم البعيدة ليكون الدخول في الإسلام مفتاحاً لمعرفة الإسلام الأصيل.
ثانيهما: الحفاظ على حياته وحياة الثلة الصالحة من شيعته ممن آمن بالإسلام الحق؛ لكي يمارسوا دورهم لحمله في الوقت المناسب وتعريف المسلمين به ومن ثمّ تهيئة ثلّة أخرى تحمل دعوة الإسلام الحق وهكذا بقيت الدنيا.
وبهذا يتضح أن لا مجال لقيام الأمير بتضحية شبيهة بتضحية الإمام الحسينg، لا سيَّما مع لحاظ حدّة الصراع بعد ارتحال النبيe مما يؤدّي بالكيان العام للوهن والتفكك أو الانهيار برِدّة ونحوها لكون المسلمين حديثوا عهد بالإسلام ولم يتركَّز في نفوسهم بعدُ، ولحاظ أنَّ فناء الأمير ومن معه يعني انعدام الناطق بالحق والمعرّف بالإسلام الحق.
الفصل الثَّاني: في موقف الإمام الحسنg
إذا كان الإسلام في زمن الأمير لم يستحكم في نفوس كثير من معتنقيه لقرب عهدهم بالجاهلية فكانت الأجواء بعينها، ومع ذلك فموقف الإمام الحسنg ظاهراً لم يكن ناشئاً من الحذر على كيان الإسلام العام كما كان موقف الأمير بل لوجوه أخر نستعرض ما تيسّر لإدراكها:
المقام الأوَّل: في صلح الإمام الحسنg مع معاوية
مما يتراءى أنَّ الظُّروف لم تكن مؤاتية لانتصار الإمام الحسنg على معاوية عسكرياً لقوّة معاوية ووهن العراق بعد التحكيم، لا سيَّما بعد انشقاقهم على أنفسهم في فتنة الخوارج وغيرها من الأسباب التي أدّت بالإمام الحسنg الخروج من هذا الصراع بالصلح المبتني على الشروط والعهد والميثاق، وهذا خيرُ من خروجه منكسراً عسكرياً يؤدّي إلى انفراد معاوية بالقرار ولن تنتهي الحرب حينئذٍ إلا بعد أن تحصد الثلة التي بناها أمير المؤمنين لحمل الإسلام الحق، بخلافها في عهد الإمام الحسينg حيث يكون التضحية به وبالنخبة الصالحة معه لم تؤثر على سير الدعوة بل كانت نقطة تحوّل فيها.
فالإمام الحسنg نقل شيعته بصلحه من مقاتلين في حرب فاشلة لا حرمة لهم في أعراف الحرب إلى معارضة يعتصمون بالعد ويتمتّعون بكافة حقوق المسلمين ولم حرمة الدم والمال, فبذلوا جهوداً مكثّفة أدّت إلى ظهور الدعوة الحقّة وانتشارها على الصعيد العام بين المسلمين مع لحاظ أنّ معاوية استولى على الخلافة بعد حرب طاحنة بررها بالطلب بدم عثمان ثم استتبعت التحكيم ليضفي على خلافته شرعيّة صورية، فلا يمكن المقارنة لكثير من الجهات بين الواقع الذي كان فيه الإمام الحسنg والواقع الذي كان فيه الإمام الحسين، فالإمام الحسنg كان يقود حرباً خاسرة بنظر النَّاس لا مبرر لها إلا الإصرار الانفعالي والعناد وليس كالإمام الحسينg في موقف الدفاع في حرب ظالمة تريد أن تفرض عليه بيعة يأباها ولا مبرر لإلزامه بها بل هي فاقدة للشرعية بمقتضى الموازين المعروفة بين المسلمين آنذاك. ولذا كان موقف الإمام الحسينg هو التأييد التام لأخيه الإمام الحسنg والالتزام بعد استشهاده عشر سنين بهذا النهج.
المقام الثَّاني: عدم مواجهة الإمام الحسنg لمعاوية بعد ظهور غدره
بعد أن أعلن معاوية تراجعه عن الصلح فإنَّ ذلك لا يكفي كمبرِّر للإمام الحسن g في تخلّيه عن الصلح خصوصاً وأنّ الظُّروف لم تتغيّر لصالح الإمام إن لم نقل بأنّ الأوضاع قد زادت سوءاً خصوصاً بعد انفراط جيش الإمام ووصول معاوية وجيشه لمشارف الكوفة وظهور الخلاف بين الأصحاب لاختلاف وجهات نظرهم من الصلح.
مضافاً إلى أنَّ معاوية قد اشترى ضمائر كثير من ذوي النفوذ في المجتمع وزاد من قوّة سلطانه بحيث لا يتهيّأ الأمر ليستجيب للإمام الحسنg فئة كبيرة نسبياً فلا يكون خروجه مبرّراً كما كان للإمام الحسينg من حيث الاستجابة من النَّاس إليه.
أضف إلى هذا تقيّد الإمام الحسنg بالصلح ونقضه للصح كمعاوية لن يكون في صالحه لا سيَّما مع وجود القوّة الإعلاميّة الهائلة عند معاوية التي بها يستطيع أن يظهر للجميع أنَّ الإمام الحسنg ناقض للعهد مما يدفعه أيضاً لتشويه الصورة القدسيّة للإمام.
الفصل الثَّالث: موقف الأئمةi من ذرية الحسينg
سبق الكلام إنّ من فوائد نهضة الإمام الحسينg هي إكمال مشروع أمير المؤمنين g في إيضاح معالم الدين وسلب شرعيّة السُّلطة التي كانت تتحكّم فيه وتركيز دعوة التشيّع، ودفعها باتجاه التوسّع والانتشار. ومع وصول ذلك من الأئمة الأوَّلين وشيعتهم لا يبقى مبرر للتضحية من الأئمة الباقين أو من شيعتهم.
ولذا صار الأئمة يهتمّون بالحفاظ على الشِّيعة وتقوية كيانهم، فلا يتعرّضون للسلطان ولا يذلّون أنفسهم بالاحتكاك به.. ويتجنّبون الخصومة مع الجمهور.. فأكّدوا على التقية في الدين وكتمان الحق عن غير أهل إلى غير ذلك مما يؤدّي إلى الحفاظ على بقاء المؤمنين وتكثيرهم من أجل أن يؤدّوا ما عليهم من دعوة الحقّ والحفاظ عليه. وكان من الأئمة التأكيد على:
أولا: تعذّر تعديل مسار السُّلطة ولزوم مهادنتها، وهذا لا يعني التماهي معها بل وجوب مباينتها وحرمة التعاون معها والركون إليها، وكان من ثمرات ذلك صرف طاقات وقدرات الشِّيعة إلى ما فيه نفع لدينهم ودنياهم بدلا من صرفها في محاولا غير مجدية، وتخفيف الضغط على الشِّيعة نسبياً.
ثانياً التركيز على فاجعة الطَّف وعلى الجانب العاطفي منها بالخصوص وجعلها منطلقاً للتذكير بظلامة أهل البيت وما يحملون من حق ويدعون إليه وشجب للظالمين، ثم تثبيت هويّة التشيّع في الولّي لأولياء الله والتبرّي من أعدائه وأعداء أهل البيت والاهتمام بالحقيقة من أجل الحقيقة لا من أجل المكاسب المادّية. وقد وجه الأئمةi شيعتهم لأمور لم يألفها عامّة المسلمين الذين لم يتعرّفوا على واقع دينهم:
زيارة الإمام الحسينg ومنها انطلقوا لزيارة باقي المعصومين وأبنائهم والأبرار والصالحين.
تجديد ذكرى الفاجعة سنوياً، وشدّ الشِّيعة نحو الحسينg بمختلف الوجوه؛ من التأكيد على تميّز تربته في السجود عليها، والتسبيح بها، ووضعها مع الميت، والاستشفاء بها، وغيرها، مما تحوّلت إلى شعارات صارخة يتميّز بها الشِّيعة عن غيرهم .
ولولا الإصرار على هذه المناسبات وإحياء فاجعة الطَّف وإبراز الجوانب العاطفيّة التي تحمل على البكاء وتستدرّ الدمعة لخفّ وقع الفاجعة بمرور الزمن ولنسيها النَّاس كما نسوا كثيرا من الأحداث المهمة نتيجة طول المدّة. لن يحصل استحصال العِبر وإصلاح المجتمع وتنفيره من الظلم ونشر المبادئ السامية التي نهض الحسينg من أجلها.
التأكيد على أهميّة الإمامة في الدين وضوابطها وشروطها ووجودها وعدم خلوّ الأرض من إمام.
التأكيد على جريمة أعداء أهل البيت وعلى خبثهم وسوء منقلبهم واتباعهم.
التأكيد على رضا الله ولزوم طاعته والتوكّل عليه والتسليم له.. إلى غير ذلك من شؤون الارتباط به تعالى وتوثيق العلاقة معه.
ومن أجل التركيز على هذه الأمور كان من الأئمة طريقين، أحدهما التركيز عليها في أحاديثهم حيث بيّنوا هذه المضامين وشروطها، وثانيها التركيز عليها في الأدعية والزيارات التي ليست مختصّة بأهل العلم بل هي لعموم النَّاس.
التأكيد على عدم شرعية خلفاء الجور وتحريم إعانتهم.
إحياء ونشر تعاليم النبيe وسيرته وجميع المعارف الحقّة.
التأكيد على التفقه في الدين وعلى إحياء أمرهم وكتابة الكتب وتدوين العلم وتدارسه.
وغيرها.
الخاتمة: في الحديث حول أمرين يتعلقان بفاجعة الطَّف
الأوَّل: أثر وضوح معالم الإسلام في استقامة منهج الفكر الإنساني
مضافاً إلى الفتح المبين من كبح جماح الانحراف للسلطة والحيلولة دون تحكّمها في الدين، ووضوح معالمه، وقيام الفرقة الإمامية عليه، والمؤكّدة على إمامة أهل البيتi، فإنَّه في ذات الوقت كان نصراً للأديان السماوية عامّة؛ حيث نبَّهت على تحريف تلك الأديان وتشويه صورة رموزها بفعل الظالمين، وأنَّها منزّهة عما ينسب إليها من تحريف للمفاهيم والانحرافات.
الثَّاني: في إحياء فاجعة الطَّف
ننبّه على أمور تتعلّق بالمناسبات لأهل البيتi:
اختلاف النَّاس في مظاهر التعبير عن شعورهم بإزاء الأحداث تتناسب مع مدركات كلِّ فئة وبيئتها وخصوصيتها المزاجيّة، فينبغي أن يكون طريقة الإحياء متروكة لاختيار الناس ولكن بشرط أن لا تتجاوز الحدَّ المشروع.
أهميّة الكثرة من الجماهير وسوادهم الأعظم التي تحمل لواء دعوة الحق وعناءها، وكلّما كثروا عسر على الأعداء القضاء عليهم أو تجميد فعلياتهم... وعلى العلماء والنخب وذوي الأموال دعمهم.
أهميَّة الممارسات الصَّارخة فهي تلفت الأنظار، ومن خلالها يكون التنبيه على هذه الفاجعة الكبرى.
ضرورة مواكبة التطوُّر العام مقبول، ولكن لا ينبغي أن يتم الأعراض عن هذه الشعائر التي تحيا بواقعها المعهود.
عند اختلاف وجهات النَّظر حول بعض الممارسات، فمن اللازم على كلِّ طرف الاقتصار على بيان وجهة نظره أو محاولة الإقناع بالتي هي أحسن بلا إرغام للغير على تقبُّل وجهة النَّظر فضلا عن الصراع الحاد والتشنّجات.
ضرورة الاستمرار على مراسم الإحياء في الظُّروف الحرجة والرخوة بنفس الوهج والتمسك والإصرار عليها.
الالتزام بآداب إحياء هذه المناسبات؛ من الحفاظ على قدسيّتها، وعدم الخروج بها عن الضوابط الشرعية، والتأكيد فيها على جوانب الحزن باستثارة العاطفة، وليكن الإبداع في استدار الدمعة في مناسبات الأحزان.. وفي ذات الوقت من اللازم إبعاد هذه المناسبات عن تحوِّلها لتكون مسرحاً لإبراز العضلات والتسابق من أجل إظهار المميزات والقدرات الشخصيّة. وكذا إبعاد هذه الممارسات عن ما لا يتناسب مع قدسيتها لا سيَّما المحرمات كالموسيقى والتبرُّج.
إبعاد هذه المناسبات عن أن تكون مسرحاً للصِّراعات.
التَّركيز على ما ورد من ثواب وعظيم الأجر لإحياء أمر أهل البيتi خصوصا فيما يتعلَّق بأمر الحسينg.
من الرَّاجح جداً وعظ القائمين بهذه الممارسات وحملهم على الالتزام الديني وتنبيههم إلى حثِّ أهل البيتi لشيعتهم على أن يعينوهم بالتَّقوى والورع، وأن يتنافسوا في فضائل الدرجات، وأن يكونوا زينا ولا يكونوا شينا.
والحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ على محمَّد وآله الطِّيبين الطَّاهرين..
[1] باستثناء الضّحاك المشرقيّ حيث كانت نصرته مقيّدة بوجود الناصر في ركاب الإمام.
0 التعليق
ارسال التعليق