إذا ما نظرنا إلى حركة الإمام الحسينg ورأينا ما فيها من عطاء فإنّ الواحد منّا يقف مذهولاً أمام هذا العطاء الذي قُدّم في عاشوراء من الحسينg وأصحابه، فقد تجلّت كلّ الكمالات في ذلك الزمان المحدود لينطلق صوت الحسينg إلى زمان غير محدود، ومع هذا الذهول الذي يصيب المؤمن والمخالف يقف الجميع متواضعاً حائراً أمام ذلك كلّه، فإذا ما اطّلع المنصف على شيء من ما جرى وما برز من قيم وكمالات فإنّه يعيش الإذعان بحقّانية حركة الحسينg فما بالك بمن يُدعّم وعيه بها بما جرى في شأنها على لسان النبيّ الأعظمe، والنصوص في ذلك تغصّ بها الكتب الروائية فما على الباحث إلا أن يقرأ ويطّلع ليرى نفسه مديناً لهذا النهضة المباركة، وعليه أن يفتح يد العطاء بما أوتي من طاقة، فكلّ ما يقدّم لها فهو مقدّم للإسلام، وكلّ عطاء مهما قُدّم فهو قليل لا ينظر الفرد إليه إلا أنّه شيء لا يستحق أن يُذكر، وحقّ لنا أن نتعلّم ذلك من الحسينg القائل: >إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى<.
فهذا عطاء ليس محدوداً في نصرة دين الله تعالى قد تجلّت فيه كلّ معاني العزّة والكرامة والوعي والتسليم لأمره تعالى والانصياع لأمر المعصوم.
أمران مهمان:
ولكي يستثمر الواحد منّا هذه الثورة المباركة ليعكسها في سلوكه ,ويساهم في نشر أهدافها وقيمها لا بدّ من الالتفات إلى لزوم تنمية أمرين مهمين نستفيدهما من هذه الرواية التي يرويها الهروي عن الإمام الرضاg فيقول: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضاg يقول: >رحم الله عبداً أحيى أمرنا، فقلت: وكيف يحيي أمركم؟ فقال: يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس، فإنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا<[1].
الأمر الأول: لزوم تنمية الجانب المعرفي
وهذا لا بّد من توفّره عن طريق التعلّم بالدرجة الأولى كي يكون المتعلّم قادراً ومؤهّلاً للتعليم والعطاء، وهذا يلقي مسؤولية كبرى على الخطباء وغيرهم من المتصدّين للشأن الحسيني من رواديد وأصحاب مآتم وغيرهم أن يكونوا على قدر عالٍ من المستوى المعرفي -وكلٌّ بحسبه- كيما يحسن العطاء من موقعه، وكلّما تضاءل المستوى المعرفي كلّما انطمست معالم الثورة المباركة التي ضحّى الإمام الحسينg بنفسه الطاهرة من أجل إعلاء كلمة الحق تعالى.
وبعد التعلّم ورفع المستوى المعرفي يأتي الدور على التعليم ونقل المعارف إلى الغير سواء كان هذا الغير من أبناء المذهب الحق أم من غيرهم، وليس على الواحد منّا حمل الغير على اتِّباع أهل البيت ومودّتهم وحبّهم، بل علينا بيان معارفهم ونشرها بين الناس بصورتها الناصعة فإذا ما اتضحت عندهم فإنّهم لا محالة يتّبعون ويودّون أهل البيتi، ولذا كان يقول الإمامg: >فإنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا< فلا يحتاج الأمر إلى كلفة أزيد من ذلك.
الأمر الثاني: لزوم التنمية لجانب المودّة لأهل البيتi
المحبّة هي حالة انفعال نفسانيّ إيجابيّ نحو المحبوب، والمودّة عبارة عن المحبّة مع الطاعة للمحبوب، ولذا كان الدفع في القرآن لمودّة أهل البيت وعدم الاكتفاء بالمحبّة، {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[2].
وبهذا يتّضح أنّا أمام تدرّج مهمّ يبدأ بالمعرفة وهي تولّد المحبّة، والمحبّة تولّد المودّة، فلا خير في ادعاء محبّة أهل البيت من دون الالتزام بطاعتهم.
وهذا التعزيز لهذين الجانبين ينتج أموراً مهمّة جداً من أهمّها:
التسليم لأمرهم والانقياد لهم في السلوك العملي كي يكون الفرد صادقاً إذا ما قال في زيارتهم: >وقلبي لأمركم سلم، وأمري لأمركم متّبع..<[3].
والاتّباع لأمرهم وهذا ما يستدعي اقتفاء آثارهم والأخذ عنهم لا عن غيرهم، والسعي لمعرفة منهاجهم كي يمتزج حبّهم ومعرفتهم ومعرفة الإسلام عنهم ليشكّل ذلك منهاجاً يُسار عليه. {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[4].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] عيون أخبار الرضاg، الشيخ الصدوق، ج1، ح69، في مسألة رجل أوصى بجزء ماله.
[2] سورة الشورى: 23.
[3] مقطع من الزيارة المعروفة بزيارة وارث.
[4] سورة آل عمران: 31.
0 التعليق
ارسال التعليق