مع الحسين (ع).. حوار مع سماحة آبة الله الأستاذ السيد عادل العلوي (حغظه الله)

مع الحسين (ع).. حوار مع سماحة آبة الله الأستاذ السيد عادل العلوي (حغظه الله)

حـوارٌ مع سماحة آية الله الأستاذ السيّد عادل العلوي~

حاوره: أسرة المجلة

كثيرة هي الأحداث التأريخية وكثيرون هم العظماء وقصصهم بقيت حبيسة الكتب -هذا إن بقي بعضها في الكتب-, لكن لم نرَ حادثة وثورة تأثرت لها البشرية قبل حدوثها وبعد حدوثها  بل حتى الحيوانات والجمادات وحتى السماوات ومن فيها, وزلزلت عروش الظالمين وسطرت شعاراً يكتب بماء الذهب أنّ الدم ينتصر على السيف، كيف لا تكون كذلك وصاحبها وقائدها سيد الشهداء× ضحى بكل شيء وهو فلذة كبد رسول الله| ونور الله, فإذا أصاب نور الله شيء تأثر له كل شيء, ولم تكن شهادة الحسين× وتضحياته إلا للإصلاح في هذه الأمة ولكي نستضيء بنوره, ففي كل عام من إحيائنا لعاشوراء ننهل من هذا النور الحسيني الرباني.

مقدمة

* كلمة -من القلب- يحب سماحة السيد قولها إلى كل شيعي تتعلق بأيام الحسين×.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله كما هو أهله ومستحقه بعدد ما أحاط به علمه وأحصاه كتابه، ربّ أنطقني بالهدى وألهمني التقوى.

قال الله تعالى في كتابه الكريم: {اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[1]، وقال رسول الله|: >كتب على عرش الله بلون أخضر -وهو لون المعرفة-: الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة<[2]، صدق الله العلي العظيم وصدق رسوله الكريم ونحن على ذلك من الشاكرين الشاهدين، والحمد لله رب العالمين.

أحسن الله لنا ولكم العزاء بهذا المصاب الجلل العظيم، هذه المصيبة الكبرى التي أبكت السماوات والأرض وحتى الحور في الجنان، هذه المصيبة في يوم عاشوراء وكربلاء إنّما كان من البلاء الذي لم يتحمّله لا ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا سيّد الشهداء× قد تحمّل هذه المصيبة وكما قال سليمان لربه أن يأتيه ملْكاً لم يكن لأحد من قبله ولا من بعد، كذلك الإمام الحسين× آتاه الله ملكاً لم يكن لأحد من قبله ولا من بعده، حتى يكون مقتدى يُقتدى ويُتأسّى به، إذ إنّ الأسوة الأولى في كل الكائنات هو الرسول الأعظم| وهذه الأسوة المحمدية تجلّت في الإمام الحسين× حيث إنّه قال: >حسين مني وأنا من حسين<[3]، فهذه الأسوة من مصاديق حسين مني وأنا من حسين.

سيد الشهداء× قد كرّمه الله بكرامات وكرائم ومكارم لم تكن لأحد، ومن ثم زين الله© عرشه بالإمام الحسين×، ووصفه بأنّه مصباح هدى وسفينة نجاة؛ وهذا يعني أنّ من أراد الهداية -سواء الهداية الابتدائية أو الهداية الجزائية، لأنّ الله تعالى هو الهادي ابتداء من رحمانيته كما هو الهادي جزاء من رحيميته، فإنّه رحمان للمؤمن والكافر، وبرحمانيته يهدي البشر بل يهدي الخلق فهو تعالى يهدي بهداية بدوية لكل البشر، وكما أنّ القرآن هدى للنّاس كذلك الإمام الحسين× هدى للناس فهو القرآن الناطق كما أنّ لله© هداية جزائية بمعنى أنّ من يقبل الهداية الأولى فيجازيه بالجزائية فيزيده هدى، هذه تسمى هداية جزائية وهي هداية المتقين كما أنّ القرآن هدى للمتقين فتارة القرآن هدى للناس وتارة هدى للمتقين, والأول من الكرم والهيبة والجلال, والثاني من الحب والأنس والجمال, فالله سبحانه له الأسماء الحسنى الجلالية والأسماء الحسنى الجمالية، وكل هذه الأسماء الإلهية تجلّت في الرسول الأعظم| عندما يسأله جابر الأنصاري: ما خلق الله أولا؟  فقال الرسول|: >إنّ أول ما خلق يا جابر نور نبيكم<[4]، فبدأ الله الخلق بالرسول الأعظم فإذا قال الرسول الأعظم| >حسين مني وأنا من حسين<، فعندها يكون الإمام الحسين× مع الرسول الأعظم| في بداية الخلق -طبعاً ما نعتقده في مذهب أهل البيت^ أنّ الحقيقة المحمدية وهي الرحمة الإلهية السارية في كل الخلائق وفي الكون قد تجلّت في أمير المؤمنين× إذ إنّ الرسول| قال: >خلقني الله من نوره، ومن نوري علياً، ومن نورينا فاطمة، ومن أنوارنا الحسن والحسين^، ومن الحسين التسعة الأئمة^<[5] تارة بالخلق النوري وتارة أخرى بغيره فلا منافات أن يكون الإمام الحسين× هو من رسول الله, فإذا كان أمير المؤمنين هو نفس رسول الله| بنص آية المباهلة, فكذلك الإمام الحسين× وكذلك بقية المعصومين هم من نفس رسول الله| إلا أنّ الإمام الحسين× من خصائصه وكراماته وكرائمه أنّ الله تعالى كرّمه بكرامات لم يكرم أحداً مثل ما كرّمه, فمن كراماته أنّه جعل يومه لا كأيام أنبياء الله وأوصيائهم كما قال الأئمة الأطهار^: >لا يوم كيومك يا أبا عبدالله<[6].

فسيد الشهداء× امتاز بهذا اليوم وهو يوم عاشوراء -وكما أعتقده- أنّ عاشوراء ليس حدثاً تأريخياً في عام 61 من الهجرة فحسب, وإنّما هو حدث تاريخي في عالم الإثبات يتعلق بتاريخ البشرية, بل هو حدث تكويني في عالم الثبوت -طبعاً هذا يحتاج إلى توضيح أكثر ببيان الفرق بين عالم الثبوت الذي هو في اللوح المحفوظ, فإنّ الوقائع التي تقع في عالم الإثبات كلها إنّما تكون في عالم الثبوت بدواً في علم الله الأزلي, وبعد ذلك يتحقق في الخارج, ويكون الخارج مطابقاً لما في الواقع ونفس الأمر, وما في علم الله تعالى.

فعاشوراء إنّما هو في عالم الثبوت وفي علم الله تعالى, وهذا يعني أنّ الكون كله يتفاعل مع قضية عاشوراء, إذ ورد في الحديث الشريف بعد شهادة الإمام الحسين× في سنة 61 من الهجرة في اليوم العاشر من المحرم الحرام في عالم الإثبات في الدنيا, أنّه بكته السماوات والأرض وما فيها ومن فيها، الخلق كلّه في عالم التكوين يبكي على سيد الشهداء×, وهذا يعني أنّ الخلق كله يتفاعل مع قضية عاشوراء, لذا فإنّ قضية عاشوراء هي قضية فوق التصور البشري, وهي من القضايا التي لا تدرك ولا توصف فالقضايا تقسم إلى أقسام ثلاثة: فمنها ما يدركه الإنسان بمدركاته العقلية كالعلم والظن والشك ثم بعد ذلك يمكنه أن يصفه، وهناك قضايا تدرَك ولكن لا يمكن أن توصف, لأنّ الكلمات تكون قاصرة عن توصيفها, ومن القضايا ما هي فوق التصور البشري والعقل البشري, وقضية سيد الشهداء× مما لا يدرك ولا يوصف, فعندما نرجع إلى الروايات الصحيحة التي وردت في قضية سيد الشهداء منذ ولادته, وأنّه كيف أخذ إلى عرش الله, وبعد حياته وسيرته العرشية الملكوتية, ثم عند رحلته وشهادته وأنّ الله© يخاطبه كما في سورة الفجر المعروفة أنّها سورة الإمام الحسين× فإنّ الله سبحانه يخاطبه:

{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً}[7], فالإمام الحسين× في بدايته ونهايته في عرش الله.

في حديثٍ أنّ أمّ سلمة رأت الرسول| في عالم الرؤيا وقد جمع الدم الذي أراد أن يسقط، جمعها في قارورة[8] وأخذها في عرش الله فاقشعر وتزلزل من هذا الدم الزكي الطاهر, وهذ[9] ما ورد في زيارة الإمام الحسين حيث إنّ الشيخ الصدوق+ في كتابه من لا يحضره الفقيه في زيارة ينقلها -وهو القائل: إنّ هذه الزيارة هي أصحّ زيارة عنده, وورد فيها أنّه لقد سكن دم الحسين× الخلد, وأنه اقشعرت له أظلّة العرش, وبكته الخلائق, وهذا يعني أنّ الخلق والخلائق قد اقشعرت بدمائهم الزكية وبكاهم ما يُرى وما لا يُرى, فالكل قد بكى الحسين× لذا تجد قضية سيد الشهداء× قد تفاعل الكون معها.

ومن ثم المطلوب من كل مسلم ومسلمة وبالأخص من كل شيعي وشيعية وموالٍ وموالية لسيد الشهداء× ولزينب الكبرى÷, أنّ يدركوا -بحسب الطاقة البشرية- ما وراء عاشوراء من أسرار إلهية ومعارف ربانية فعلى الشيعة أن يتفاعلوا أكثر فأكثر في كل عام في مثل محرم الحرام.

ورد في الحديث الشريف عن زين العابدين×: >إنّ الله§ علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون فأنزل الله تعالى: {قُلْ هو اللهُ أَحَدٌ} والآيات من سورة الحديد إلى قوله: {وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ} فمن رام وراء ذلك فقد هلك<[10]، وهذا يعني أنّه كلما يتقدم الزمن ونتقدم في التكنلوجيا فلا بدّ من التقدم والازدهار في المعارف العقائدية كذلك, ولا بد من أنّ ندرك -وإن كان مما لا يدرك ولا يوصف- فبحسب الطاقة البشرية لا بدّ من دراسة قضيّة سيد الشهداء ورسالة سيد الشهداء×, فعلى الجميع أن يدخل في عمق عاشوراء وقضية سيد الشهداء×, لأنّها ليست قضية شهادة وحسب, وليست قضية بكاء وثواب وحسب, وإن كان لا بدّ من ذلك وهو الأصل فإنّ البكاء والمنابر من الشعائر الحسينية, ولا بد منها بكل مظاهرها المشروعة، فنحن لا زلنا مقصّرين في قضية سيد الشهداء مهما بذلنا من الغالي والنفيس, لأنّ سيد الشهداء× أعطى كلّ ما يملك لله، وهو القائل:

 

تركت الخلق طراً في هواكا              وأيتمت العيال لكي أراكا

فلو قطعتني في الحب إرباً               لما مال الفؤاد إلى سواكا

 

فحينئذٍ يلزم علينا تجديد العهد مع سيد الشهداء× في كل عام وفي عاشوراء وفي كربلاء، معنى ذلك أنّي كل يوم عليّ أن أكون عاشورائياً, فأحمل فكر وعمل وعقيدة وسيرة الإمام الحسين×, وإنّي ليكن شعاري كما هو شعار صاحب الأمر#: (يا لثارات الحسين). و ألبّي داعي الله فأقول: لبيك يا حسين، وألبّي داعية الله فأقول: لبيكِ يا زينب في كل يوم؛ إذ إنه كل يوم عاشوراء و كل أرض كربلاء, و معناه أنّ الثورة الحسينية تتجلّى في كل شيعي وشيعية, وذلك بأنّ كل من يرى الشيعي يرى ثورة الإمام الحسين× في حياته وسلوكه وأخلاقه وسيرته الفردية والاجتماعية وغيرها.., وهذا يعني أنّ الحسين مصباح هدى, فنستصبح بهذا المصباح الحسيني, ونركب سفينته إذ سفينته هي سفينة الرسول الأعظم| وسفينة أهل البيت^ >مثَل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق<[11].

إلا أنّه من خصائصه أنّه كما أنّ لا يوم كيومك يا أبا عبدالله كذلك فإنّ سفينته لا كبقية السفن كما ورد هذا المضمون: (كلنا سفن النجاة ولكن سفينة الحسين أوسع وأسرع...) وأكثر من يقيمون هذه الشعائر الحسينية إنّ الله تعالى ببركة سيد الشهداء× وكرامة له يدخلهم الجنّة, إذا كان من زاره يوم عاشوراء كمن زار الله فوق عرشه, فالإمام الحسين× فوق عرش الله, فهذه الروايات العرشية إنّما تكون للإمام الحسين×.

فالإمام الحسين× بدايته عرشية, ونهايته عرشية في عاشوراء يكون عرشياً, زائره يكون عرشياً ملكوتياً، فإذا كان الزائر بزيارة عاشوراء يصعد بروحه الملكوتيّة إلى أن يكون في العرش. فما بالك بالمزور، فلا بدّ حينئذٍ من أن ندرك حقائق الإمام الحسين× وقضية عاشوراء أكثر فأكثر, لنمهّد لظهور صاحب الأمر# لنكون من الممهدين له#, لأنّه هو المصلح الحقيقي كما أنّ الإمام الحسين× هو المصلح الحقيقي, فهو الذي خرج لإصلاح الأمّة, أي البشرية جميعاً, لأنّ الإسلام لهم, وهذا الإصلاح الحسيني في كل زمان ومكان وجيل فلا بدّ من الإصلاح الحسيني حتى ظهور الإمام×.

مع الحسين

*ترتفع شعارات الحب والولاء للحسين× ويتمظهر المؤمنون بمظاهر الحزن على سيد الشهداء ويقدّم كلٌ ما يملك من مال وجهد ووقت في سبيل إحياء هذه الأيام المباركة، لكن هل هذا كافٍ لتنطلق الأصوات بالانتماء إلى الحسين×، أم أنّه يوجد ما ينبغي فعله أكثر من هذا؟

* كما ذكرت أنّه كلّما نقدم من أجل سيد الشهداء×, العالم بعلمه والخطيب بخطابه الشاعر بشعره والمرأة بجهادها وعفتها, الكل من الرجال والنساء حتى الطفل الرضيع فإنّه يتفاعل مع قضية سيد الشهداء× عندما تأخذه أمه إلى مجالس الحسين×, فيطرق سمعه كل ما يتعلق بالحسين× وهو في المهد >واطلبوا العلم من المهد إلى اللحد< فيكون هذا العلم إنّما هو من مصباح الهدى, يعني أنّ الطفل يستصبح بمصباح الحسين× فكلّ ما عندنا لو قدمناه فإنّه يعتبر من التفريط والتقصير, فلا بدّ من أن نبذل أكثر وأكثر, ليس النفس فحسب, بل أقول لسيد الشهداء× بأبي أنت وأمي ونفسي ومالي وأهلي وعشيرتي وأقربائي وأولادي وإخوتي وأخواتي, كلنا فداء لك، معنى ذلك أن نضحّي بكل شيء لأجل الإمام الحسين×, لأنّه ضحى بكلّ شيء وقدّم كلّ شيء لأجل هدايتنا, لأنّه مصباح الهدى ولأجل نجاتنا, لأنّه سفينة النجاة, فإذا أردنا أن نكون بالمستوى المطلوب فإنّه يستدعي أن نقدّم كل ما عندنا, لكن لا بدّ أن يكون بضوابط شرعية, ويكون خالياً من البدع وما يشين بسمعة المذهب, وهذا يعني لزوم الرجوع في ذلك كله إلى مراجع التقليد, كما أنّا نرجع إليهم في أعمالنا فكذلك في شعائرنا الحسينية فلا بدّ من أن تكون على ضوء الفتاوى.

* هناك من يرى الحسين× أنّه قائد شجاع، وآخر أنّه مغامر، وثالث يراه مضحّياً وهكذا كلٌ يراه بما يحب... بنظركم سماحة السيد كيف ينبغي أن تكون نظرتنا إلى الحسين×؟

* مثل هذه النظرات إنّما هي نظرات واطية وعامّية, فعوام الناس ومن لم يعرف الإمام الحسين× ينظر إليه بهذه النظرة، كان شخص أعرفه وهو من القياديين في الحزب الشيوعي فكان يقول: إنّي لأحبّ الإمام الحسين× لأنّه رجل حارب الظلم ودعى الناس إلى العدل، وباعتباره يدعو إلى العدالة الاجتماعية في دعوة الشيوعيين الشريفة فكان يراها في سيد الشهداء×، والعجيب أنّه كان يقول: إنّي بمقدار ما أحب الحسين أبغض الله... فهذه نظرة من نظرات البشر, فكل واحد بالمنظار الذي يلبسه, فإنّه إذا كان يلبس النظارة الحمراء يرى الأشياء حمراء وهكذا, فكل بحسب رؤيته الكونية يرى الحسين× لكن العمدة أنّ الحسين× هو للجميع وفوق الجميع من أحزاب وتيارات, فلا يمكن لأحد أن يخصص الحسين× لنفسه...حتى غاندي فهو يرى أنّ الحسين قدوته في نظاله السلمي.

فغاندي وأمثاله كمانديلا وانطوان وغيرهم قد تأثروا بفكر الحسين× وجعلوه قدوة لهم.. فالنّاس كلهم على اختلاف مذاهبهم وأديانهم لا شك وأنّهم يتأثرون بقضية سيد الشهداء×, وأنّه كيف قدم حتى الطفل الرضيع في سبيل مبادئه, وهذا يعني أنّ الإنسان إن كان مبدئياً عليه أن يقتدي بسيد الشهداء فيقرأ سيد الشهداء بما عنده من رؤية وخلفية ثقافية واجتماعية.

ولكن نحن إذا أردنا أن نقرأ الإمام الحسين× لا بدّ من أن نقرأه على أنّه هو المثل الأعلى لله تعالى, وتتجلى فيه الأسماء الإلهية والصفات الإلهية... لذا ننظر إلى الإمام الحسين× بأنّه يذكرنا بالله تعالى ويقربنا إليه تعالى, وأنّه المصباح الذي نستصبح به, والنور الذي نتنور به في حياتنا الدنيوية والأخروية, فهو مصباح في الدنيا, بل في كل العوالم في القوس النزولي والقوس الصعودي.. من عالم العقول المجردة والأشباح وعالم الذر إلى أن وصلت إلى هذه الدنيا الدنية, وإلى السير في البرزخ قوس الصعود, ثم المحشر, فالقيامة, ففي هذا السير في كل حال أنا أستصبح بنور الحسين× بل حتى دخولي الجنة أستصبح بنور الحسين× لأنّ الجنّة قد خلقت من نور الإمام الحسين× فعندما أدخل الجنّة وأكون من السعداء, وأسعد سعادة أبدية بنور الحسين×.

وهذا ما أحصل عليه في هذه الدنيا, لذا لا بدّ من أن أكون حسينياً بتمام المعنى, فأعرف الإمام الحسين× بحقيقة المعرفة بحسب الطاقة البشرية, وأزداد في معرفته ومعرفة القرآن الكريم ومعرفة الله تعالى.

ولا بدّ من أن لا نكتفي بما يفعله عامة الناس من التفاعل من خلال الحضور في مجالس العزاء واللطم والإطعام ولبس السواد وما شاكل, فلا بدّ من أن نكون من الخواص الذين يأخذون معاني الحسين× وثورته المباركة, وهناك الأخص فهم يأخذون اللطائف والإشارات التي في عاشوراء, وهناك الأخص وهم الأولياء المقربون وهم الذين يعرفون الحقائق الحسينية ويقفون عليها... فالمطلوب منّا أن نصل إلى أقصى مرتبة ممكنة من المعارف الحسينية والإلاهية, وعلى المرء أن يسعى... فكلما ازددنا معرفة ازددنا قرباً منه ومن جده وبقية المعصومين^ وازددنا قرباً من الله تعالى.

وإذا كان مولانا الحجة#, يبكيه ليلاً ونهاراً, وبدل الدموع دماً. فعلى كل الموالين أن يتفاعلوا في كل يوم مع قضية سيد الشهداء×.. لماذا يقال: كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء؟ لأنّ الحجة× أينما يكون وفي أيّ زمان فهو يبكي على سيد الشهداء×.

* هناك جملة من المكتسبات يحصل عليها المؤمن خلال إحياء هذه الذكرى ومع تصرمها قد يرى من نفسه حالة من التراجع، فقد يفقد شيئاً من هذه المكتسبات، فكيف يحافظ على هذه المكتسبات؟

* طوبى لمن عرف قدر نفسه... الطفل عندما يعطى بيده جوهرة فهو ما دام طفلاً ولم يعرف قدرها وقيمتها, فإنّه يلعب بها إلى أن تضيع, لأنّه طفل جاهل, أمّا لو أعطيتها لصاحبها كبائع الذهب والمجوهرات فتجده يحافظ عليها, لأنّه يعرفها ويعرف قيمتها.. وكذلك الإنسان في معارفه لو عرف قيمة ما بيده, فإنّه لن يضيّعه, فإذا أردنا أن نكون رجالاً لا أطفالاً فحينئذٍ ما نأخذه من المكتسبات الجوهرية والدررية, لو عرفنا قيمتها لحافظنا عليها, وهذا يعني ضرورة أن نزداد معرفة, وأن نستصبح بنور الحسين× ولا يكفي أن نحضر المجالس للثواب وللبكاء وأن تُغفر لنا ذنوبنا والإمام الحسين× يشفع لنا وحسب، ونحن لا نشك في ذلك كله, ولكن ليست المسألة منحصرة في الغفران, فالرسول| يقول: >سلوا الله الفردوس، فإنها سُرّة الجنة<[12] , وعنه|: >الفردوس سيد الجنان<[13], المؤمن همّته عالية فهو ينظر إلى قِمّة الجبل ينظر إلى أقصى القوم, فحينئذٍ المؤمن ينظر إلى النهاية والقِمة, إنّ الله يحبّ معالي الأمور ويبغض سفاسفها, والمؤمن يتخلق بأخلاق الله, لذا يحبّ معالي الأمور, ومن ثم عندما يكتسب هذه المكتسبات ويعرف قيمتها, فإنّه يحافظ عليها, ففي الحديث الشريف بالنسبة إلى الحاج أنّ الله تعالى ينوّر قلبه ويبقى هذا النور في وجهه إلى أربعة أشهر ما دام لم يعص الله، ولكن إذا عصى الله يذهب هذا النور منه, كذلك سيد الشهداء× فمن يستصبح بنور الإمام الحسين× ويكون نورانياً فإنّه لا بدّ من أن يبقى النور معه, فإذا فقد النور عاش في الظلام, أي: عاش في الظلم, وإذا عاش الظلم فإنّه سيعيش في الذنوب والمعاصي, وبعدها سيعيش الشقاء, ثم يعيش النار لأنّ الذين شقوا في النار هم فيها خالدون.

فإذا أردت أن أبقي على سعادتي من خلال سيد الشهداء× والبكاء عليه, وحصلت على هذه المكتسبات الحسينية ببركة الله©, لا بدّ من أن أحافظ عليها حتى أنّه من جاء بالحسنة فله عشر... فلا بدّ من المجيء بالحسنة, لأنّ السيئات يذهبن الحسنات ويحرقنها, كما الحسنات يذهبن السيئات... فالبكاء على الإمام الحسين× يذهب السيئات والذنوب, ولكن لو أذنبت مرة أخرى, فإنّ هذه الحسنة تذهب حينئذٍ, فلا بدّ من المجاهدة للنفس الأمارة بالسوء, وأن لا أعصي الله سبحانه وأكون مطيعاً له, فإذا كنت كذلك فأنا فزت بخير الدنيا والآخرة ولمثل هذا فليعمل العاملون وليتنافس المتنافسون وختامه مسك.

هذا الذي يختم بالسعادة الحسينية هو الذي يحافظ على مكتسبات عاشوراء وكلّ يوم عاشوراء وكلّ أرض كربلاء.

- >ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه، لِيَرْغَبَ المؤمن في لقاء ربّه مُحقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً<، هذه إحدى كلمات الإمام الحسين× مخاطباً بها أصحابه، وفيها ذكر شيئاً من تعليل خروجه وثورته أنّ الحق لا يعمل به، وهنا نسأل كيف يمكن للجميع -وفيهم البسطاء والمضللون- معرفة الحق خصوصاً على مستوى تحديد المنهج الحق الذي ينبغي أن يسار عليه؟

* على الجاهل أن يتبع العالِم, وهذا ما عليه الوجدان والبرهان والقرآن, وهذا ما لا شك فيه, وإذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه, وهذا من تكليف العالم, وأما تكليف الجاهل فهو أن يحضر مجالس العلم، إمامنا الحسين يقول: إنّ من أتانا -أي أنّ من جاء إلى المأتم والحسينية والموكب وهذه دعوة لمن يقيم عليها أن يحافظوا على أن لا تخلو من هذه الخصال الأربع -أي لا بدّ من الحصول على واحد من هذه الخصال على أقل تقدير-: الخصلة الأولى: آية محكمة، أي: العقائد الصحيحة فلا بدّ من تقوية العقائد ورفع الشبهات التي توجّه وأنّه يزداد برهاناً محكماً على ذلك، الخصلة الثانية: وقال× قضية عادلة، أي أنّه عندما يأتي مجالسنا يصل إلى العدالة الفردية والاجتماعية فمن يأتينا لا يحرم ولا يعدم من هذه الخصلة من أنّه يرى العدالة فيكون مع نفسه وربه وأسرته ومجتمعه عادلاً، والعدالة هي الفضيلة التي تكون بين الإفراط والتفريط لا غلو ولا تقصير إنّما الحد الوسط, فحينئذٍ من يأتينا يصل إلى هذه الخصلة فلا يعدم هذه الخصلة وهي العدالة فإنّ من يأتي مجالسنا لا بدّ من أن يتخذ أصحاباً ويكتسب أناساً وهذا يكون ببركة أهل البيت^ ولو فتّشنا لوجدنا أنّ الكثير من الصداقات نشأت من خلال هذه الأماكن، والخصلة الثالثة: مجالسة العلماء، وهذا الحضور مهم جداً ويكفي ما ورد في دعاء أبي حمزة الثمالي عندما يقول: >مالي كلّما أقول قد  صلحت سريرتي وقرب من مجالس التوابين مجلسي عرضت عليّ بليّة أزالت قدمي.. إلى أن يقول: لعلّك من بابك طردتني<، فيذكر أربعة عشر عاملاً من عوامل الخذلان في حالة السير إلى الله ومما ذكر منها: >أو لعلك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتي< وهذا يعني الشقاء، لذا ورد زاحم العلماء ولو بركبتيك فلا بدّ من طرق باب العالم, النظر إلى باب العالم عبادة فضلاً عن وجهه لأنّه يذكّرك بالله تعالى, وهذا يكون للعالم الرباني فهو يزيدك في العلم منطقه ويرغبكم في الآخرة عمله[14],>ولا تجلسوا إلا عند كل عالم يدعوكم من خمس إلى خمس: من الشك إلى اليقين، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الرغبة إلى الرهبة، من الكبر إلى التواضع، ومن الغش إلى النصيحة<[15].

كلمة أخيرة

* هي كالكلمة الأولى فكلّ ما ذكرته هو من الكلمات الأخيرة... أسأل الله تعالى لي ولكم التوفيق ولكلّ من يقرأ ما تكتبونه في مجلّتكم الموقّرة مجلة "رسالة القلم".

أسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما فيه الخير والسعادة وأن نكون في حضرة الله من المستغفرين التائبين المصلّين الشاكرين على نعمائه وأن نكون بالمستوى المطلوب عند سيد الشهداء× ويقبلنا بقبول حسن وينبتنا نباتاً حسناً لنكون كما كان علي الأكبر لسيد الشهداء حينما قال: أولسنا على الحق؟ قال: بلى، قال: فحينئذٍ ما دمنا على الحق لا نبالي بالموت وقعنا عليه, أو وقع علينا، ونطلب من الله الشهادة, فإنّها من الكرامة.

فيكتب لنا الشهادة مع وليه الأعظم, وقد فتح الله الجهاد لخاصة أوليائه, كما أنّ الشهداء عند ربهم يرزقون.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المؤمنين والمؤمنات، والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

*****

وختاماً نشكر سماحة السيد على قبوله هذا الحوار ونرجوا له دوام التوفيق والسداد، ونسأل الله أن يطيل في عمره في خير وعافية لخدمة الدين وأن لا يحرمنا من إفاضاته وإفاداته.

 ------------------------------------ 

[1] سورة النور: 35.

[2] فرائد السمطين، ج2، ص151، ح446.

[3] الإرشاد، الشيخ المفيد، ج1 ، ص 249.

[4] كشف الخفاء، العجلوني، ج١ ، ص ٢٦٥.

[5] الصراط المستقيم، للنباطي العاملي، ج2، ص143.

[6] الأمالي، الشيخ الصدوق، ص177.

[7] سورة الفجر: 27.

[8] الإرشاد، ج2، ص133.

[9] يقصد مسألة الاقشعرار.

[10] الكافي، للكليني، ج1، ص91.

[11] بحار الأنوار، ج23، ص131.

[12] كنز العمال, ج2, ح3184.

[13] بحار الأنوار, ج40, ح89.

[14] أصول الكافي، ج1، ص88.

[15] مستدرك الوسائل، الشيخ النوري، ج8، ص327.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا