بسم الله الرحمن الرحيم، وصلّى الله وسلّم على محمّد وآله.
(1) إجزاء الصدقة عما فات الميت من الصوم:
المشهور وجوب قضاء ما فات الميّت من الصوم على وليّه، بل عن الخلاف والسرائر الإجماع عليه(1)، وعن المنتهى نسبته إلى علمائنا(2). و لم يحكَ فيه خلاف إلا من ابن أبي عقيل فأوجب التصدق عنه، وادّعى تواتر الاخبار به، ونسب القول بقضاء الصوم إلى الشذوذ(3). ثمّ إنّ ظاهر المعظم عدم التفرقة بين ما إذا ترك الميت ما يمكن التصدّق به عنه وعدمه، كما في الجواهر(4)، وعن السرائر: الإجماع منعقد من أصحابنا على ذلك(5)، وعن السيد المرتضى (قدّس سرّه) اشتراط عدم تركه ما يمكن التصدّق به(6). والمتّبع روايات الباب، وهي على طوائف:
الطائفة الأولى: ما دلّ على لزوم القضاء عنه، وهي روايات كثيرة مستفيضة، بل ادّعي قربها من التواتر(7)، ومن تلك الروايات:
1- صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (صلَّى الله عليه وآله) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ، وَهُوَ مَرِيضٌ، فَتُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَبْرَأ،َ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَكِنْ يُقْضَى عَنِ الَّذِي يَبْرَأُ ثُمَّ يَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ(8).
2- ومكاتبة الصَّفَّارَ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى الأَخِيرِ (عليه السلام) رَجُلٌ مَاتَ وَعَلَيْهِ قَضَاءٌ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَلَهُ وَلِيَّانِ، هَلْ يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَقْضِيَا عَنْهُ جَمِيعاً خَمْسَةَ أَيَّامٍ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ الآخَرُ؟ فَوَقَّعَ (عليه السلام): يَقْضِي عَنْهُ أَكْبَرُ وَلِيَّيْهِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وِلاءً إِنْ شَاءَ اللَّهُ(9).
3- وصحيحة أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ امْرَأَةٍ مَرِضَتْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ طَمِثَتْ أَوْ سَافَرَتْ فَمَاتَتْ قَبْلَ خُرُوجِ شَهْرِ رَمَضَانَ، هَلْ يُقْضَى عَنْهَا؟ قَالَ: أَمَّا الطَّمْثُ وَالْمَرَضُ فَلا، وَأَمَّا السَّفَرُ فَنَعَمْ(10).
4- وصحيحة حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ وَعَلَيْهِ صَلاةٌ أَوْ صِيَامٌ، قَالَ: يَقْضِي عَنْهُ أَوْلَى النَّاسِ بِمِيرَاثِهِ، قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ امْرَأَةً، فَقَالَ: لا إِلا الرِّجَالُ(11).
5- وموثّقة أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ رَجُلٍ سَافَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهُ، قَالَ: يَقْضِيهِ أَفْضَلُ أَهْلِ بَيْتِهِ(12). وغيرها.
الطائفة الثانية: ما دلّ على لزوم الصدقة عن الميّت في الجملة، وهي رواية واحدة، وليس كما حكي عن ابن أبي عقيل من دعواه تواتر الأخبار به، وهي صحيحة أبي مريم الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: إِذَا صَامَ الرَّجُلُ شَيْئاً مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ مَرِيضاً حَتَّى مَاتَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ(قَضاء)، وَإِنْ صَحَّ ثُمَّ مَرِضَ ثُمَّ مَاتَ وَكَانَ لَهُ مَالٌ تُصُدِّقَ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ بِمُدٍّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ صَامَ(تصدّق) عَنْهُ وَلِيُّهُ(13).
الطائفة الثالثة: ما دلّ على التخيير بين الصوم والصدقة عن الميّت، وهي ما رواه الصدوق في الفقيه بقوله: وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي (عليه السلام)قَالَ: قُلْتُ لَهُ: رَجُلٌ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ، يُصَامُ عَنْهُ أَوْ يُتَصَدَّقُ؟ قَالَ: يُتَصَدَّقُ عَنْهُ؛ فَإِنَّهُ أَفْضَل(14). ولم يخرِّج الشيخ الحر (رحمه الله) هذه الرواية في ضمن روايات المقام، أعني في الباب الثالث والعشرين من أبواب أحكام صوم شهر رمضان، ولا في غيره من الأبواب.
أقول: بعد عدم نهوض قول ابن أبي عقيل (رحمه الله) بتعيّن الصدقة عن الميّت، وإن دلّ عليه ظاهر صحيحة أبي مريم؛ لما عرفت من استفاضة الأخبار بكفاية الصوم عنه، وبعد عدم تماميّة قول السيّد (رحمه الله) باشتراط عدم تركه مالاً في وجوب الصوم عنه؛ نظراً لاختلاف نقل ذيل الصحيحة كما عرفت، ولا مرجّح لأحد النقلين على الآخر، وإن تفرّد الشيخ (رحمه الله) بأحد النقلين؛ إذ أن ما نقله قد رواه بسندٍ آخر يختلف عن سند نقلي الكليني والصدوق، فلا محلّ لترجيح نقليهما للصحيحة على نقل الشيخ، على أن ترجيح نقليهما أو نقل أحدهما في غير هذا الموضع لمجرد الأضبطيّة غير بيّن؛ إذ أن الأضبطية وإن كانت مورثةً للظن، إلا أنها بمجردها ليست حجة معتبرة. ثمّ إنه لو لم يختلف نقل الصحيحة، وكان بهذا النحو(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّه) فلا يمكن الجمع بينه وبين المستفيض الدالّ على تعيّن الصوم بأن يقيّد إطلاقه ويحمل على فرض عدم التمكّن من التصدّق عن الميت؛ لأنه حملٌ على الفرد النادر جدّاً، لبُعد فرض ميّت لا مال له يتصدّق به عنه، ولو لم يكن إلا ثياب بدنه.
نعم بعد كلّ هذا، وبعد وهن المصير إلى الجمع الواوي بينهما؛ إذ لم يعرف قائلٌ به، وإن كان ذلك مقتضى الصناعة، حيث إنّا لا نقطع بكون المطلوب واحداً، فالمتّجه هو حمل الطائفة الأولى المستفيضة الدالّة بإطلاقها على تعيُّن القضاء عن الميّت (حملها) على ذكر أحد فردي الوجوب التخييري؛ وذلك لدلالة معتبرة ابن بزيع على التخيير بين الصوم والتصدّق عن الميّت فيما إذا كان عليه صوم واجب، والنتيجة هي كون الولي مخيّراً بين القضاء والصدقة عن ميّته، ولا يرد عليه ما سبق على الجمع بين المستفيضة وصحيحة أبي مريم بالواو؛ فإن التخيير قولٌ للشيخ (قدّس سرّه) في المبسوط(15)، والاقتصاد(16)، والجُمَل(17).
وأمّا قوله (عليه السلام) في صحيحة أبي مريم (وَإِنْ صَحَّ ثُمَّ مَرِضَ ثُمَّ مَاتَ وَكَانَ لَهُ مَالٌ تُصُدِّقَ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ بِمُدٍّ) -وهذا المقطع غير معارَض- فلا يمكن الجمع بينه وبين المستفيضة، وإن كان أخصَّ منها، بحملها على فرض ما إذا لم يكن للميّت مال؛ إذ أنه حمل للإطلاقات على الفرد النادر، وهو مستهجنٌ عرفاً. ثمّ إنه لا تعارض بين هذا المقطع من صحيحة أبي مريم وبين معتبرة ابن بزيع فيما يخصّ الصدقة عنه؛ إذ أن منظور المقطع المذكور الصدقة عن الميّت من ماله، بينما ظاهر المعتبرة كون الصدقة لا من ماله.
وأما ما ذكره أحد الأعاظم (قدّس سرّه) من أنه لم يفرض في المعتبرة أنّ القاضي عن الميّت وليّه أو ولده، كي يكون السؤال عمّا يجب عليه، بل استظهر (قدّس سرّه) منها أنّ الميّت رجل أجنبي، فالسؤال عن أمر استحبابي، وهو التبرّع عنه وأنّ أيّاً من التبرّعين والعبادتين المستحبّتين أفضل، هل الصيام عنه أو الصدقة؟(18).
فيردّ الشق الأول من كلامه إطلاق المعتبرة، بل أوضح أفراد هذا الإطلاق هو وليّ الميّت، فهو المعنيّ بالصوم عنه. وأما استظهار كون الميّت أجنبيّاً، فالسؤال وإن كان يشي بذلك، ولكنه لا يتجاوز الإشعار، ولا يصل إلى حدّ الظهور، فلا يمكن أن يستفاد من المعتبرة أن السؤال عن أمر استحبابي، بل ظاهر السؤال فيها نظرها إلى مسألة تفريغ ذمّة الميّت لا إلى أمر الإحسان إليه، بقرينة قوله: (ولم يصم).
ثمّ إنه من المحتمل قريباً كون منشأ السؤال عن إجزاء الصدقة عن الميت المشغول الذمة بالصوم الواجب هو معروفيّة الإجزاء لدى العامّة(19)، فالسؤال عنه لا عن التبرّع.
وأما ما أورده (قدّس سرّه) على سندها من أن طريق الصدوق (رحمه الله) إلى ابن بزيع وإن كان صحيحاً، إلا أنه لا يعمّ مطلق الرواية عنه ولو لم يسندها إليه، كما هو الحال في هذه الرواية؛ إذ أوردها الصدوق (رحمه الله) بقوله: (وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ)، وقد علل (قدّس سرّه) إيراده بقوله (قدّس سرّه): (إذ لا يكاد يساعده التعبير في المشيخة بقوله: فقد رويته عن فلان كما لا يخفى، فهو ملحق بالمرسل)، فالقدر المتيقّن إرادته من قوله (رحمه الله) في مشيخة الفقيه: (وما كان فيه عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع فقد رويته عن..) هو ما يرويه بنفسه عنه، بأن يقول مثلاً: (روى ابن بزيع)(20).
فيرد عليه بأن التعبير بـ (فقد رويته عن فلان) أجنبيٌّ عما نحن بصدده، كما لا يخفى، وأن قوله (رحمه الله): (وما كان فيه عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع) شاملٌ لمطلق الرواية عنه، ولو لم يسندها إليه. ثم إن في بعض نسخ الفقيه: (وروى محمّد بن إسماعيل بن بزيع..)(21).
فالمتحصّل إن رواية ابن بزيع تامّة سنداً ودلالة على التخيير بين الصوم والصدقة عن الميّت إذا كان عليه صوم، وفاقاً للشيخ (قدّس سرّه) في جملة من كتبه، كما عرفت، ولأحد أعلام العصر (دام ظله)(22).
(2) في تحديد ولي الميّت الذي يقضي عنه صلاته وصومه:
المشهور شهرةّ عظيمة-على ما في بعض الكلمات(23)- أن المراد به الولد الأكبر، ولكن الخلاف قائم رغم عظم الشهرة، وعلى كلّ تقدير فالمرجع هو روايات الباب، وهي كالآتي:-
الأولى: صحيحة حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ وَعَلَيْهِ صَلاةٌ أَوْ صِيَامٌ، قَالَ: يَقْضِي عَنْهُ أَوْلَى النَّاسِ بِمِيرَاثِهِ، قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ امْرَأَةً، فَقَالَ: لا إِلا الرِّجَال(24).
الثانية: مكاتبة الصفّار (رحمه الله)- التي رواها المحمّدون الثلاثة(قدّست أسرارهم)- قَالَ كَتَبْتُ إِلَى الأَخِيرِ (عليه السلام) رَجُلٌ مَاتَ وَعَلَيْهِ قَضَاءٌ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَلَهُ وَلِيَّانِ، هَلْ يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَقْضِيَا عَنْهُ جَمِيعاً خَمْسَةَ أَيَّامٍ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ الآخَرُ؟ فَوَقَّعَ (عليه السلام): يَقْضِي عَنْهُ أَكْبَرُ وَلِيَّيْهِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وِلاءً إِنْ شَاءَ اللَّهُ(25). قَالَ الصَّدُوقُ: وَهَذَا التَّوْقِيعُ عِنْدِي مَعَ تَوْقِيعَاتِهِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ بِخَطِّهِ (عليه السلام)(26).
فبضم تلك الصحيحة التي مفادها أنه يقضي عنه أولى الرجال بميراثه إلى هذه المكاتبة نستخلص هذه النتيجة، وهي أن الذي يجب عليه القضاء عن الميّت ليس مطلق الولي، وإنما هو خصوص الولي الأكبر، وفي جميع طبقات الميراث؛ لظهور صدر الصحيحة في أن الذي يجب عليه قضاء ما فات الميّت هو الأولى به ميراثاً، وهي ظاهرة أيضاً في أن الأولى به ميراثاً من يرثه مطلقاً بلا فرق بين كونه ولداً أو أباً أو أخاً أو غير ذلك، سيما عند ضم الذيل (لا إِلا الرِّجَال)، نعم بضم هذا الذيل إلى الصدر تخرج المرأة فيما إذا كانت هي ولي الميّت.
وأما القول بأن خصوص الولد الأكبر هو الولي؛ لأنه الأولى بميراث الميّت من جميع البشر، حتّى ممّن هو في طبقته في الإرث، كالأبوين؛ فإنّ لكلّ واحد منهما السدس، وكالبنات؛ لأنّ للذكر مثل حظّ الأُنثيين، وكسائر الأولاد الذكور؛ لمكان اختصاص الأكبر بالحبوة، بناءً على ما هو الصحيح من عدم احتسابها من الإرث، فهو الأوفر نصيباً من الكلّ، ولأجله كان هو الأولى بالميراث من جميع الناس بتمام معنى الكلمة(27). كما عن السيّد الخوئي (قدّس سرّه) في المستند.
ففيه أولاً: أن الأولى بالميراث أعم من الولد الأكبر؛ إذ المراد به من له الميراث مطلقاً على ما هو ظاهر الصحيحة كما تقدّم، فمع عدمه وعدم مطلق البنين والبنات والأبوين يكون الأولى به هم الطبقة الثانية، خصوصاً إذا لاحظنا جواب الذيل (لا إِلا الرِّجَال)، فإنه لو كان منحصراً فيه لقال مثلاً: (لا إلا الرجل)، ويؤيِّد ذلك ما عن أحد الأعاظم (قدّس سرّه) من أن إرادة الولد الأكبر من التعبير بالأولى ميراثاً عدولٌ عن التعبير بالولد الأكبر بلا وجه ظاهر(28).
وأما ثانياً: فالولد الكبر على فرض تسليم كونه أولى من الأبوين والبنات-على ما مرّ- لكنّه ليس أولى من سائر الأولاد بالميراث، وإنما هو أولى منهم بالحبوة، وهي خارجة عن الميراث، كما اعترف بذلك نفس السيّد الخوئي (قدّس سرّه)، نعم الظاهر أن المراد بالميراث الميراث العرفي، وهو التركة، لا الميراث الاصطلاحي، وبموجب ذلك سيكون الولد الأكبر هو الأولى والأوفر ميراثاً من سائر الأولاد، هذا وقد يكون نصيب الأبوين أوفر من نصيب الولد الأكبر وإن أخذ الحبوة، وذلك في فرض كون الأولاد كثيرين، فإن لكل من الأبوين أو الأب خاصّة السدس موفّراً، ويقتسم الأولاد الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا يكون نصيب الولد الأكبر مع الحبوة بقدر السدس، فيكون الأب أولى بالميراث منه؛ لكونه الأوفر ميراثاً.
الرواية الثالثة: موثّقة أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ رَجُلٍ سَافَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهُ، قَالَ: يَقْضِيهِ أَفْضَلُ أَهْلِ بَيْتِه(29).
وهي غير قابلة للحمل على الأفضل ميراثاً بلحاظ الحباء؛ إذ هو خلاف الظاهر بلا قرينة عليه(30)، ولكن يمكن أن يكون المراد منها مطلق الأفضل في الكمالات المعنويّة، فلا بدّ من حمله على رجحان اختياره للقضاء؛ لأن عباداته أقرب إلى القبول من غيره(31)، وإنما يتحتم حمله على رجحان اختيار الأفضل معنوياً للقضاء؛ لأنّا لا نحتمل أن يتعيّن الأفضل معنوياً للقضاء عن الميّت، فتغدو الموثّقة أجنبيّة عمّا نحن بصدده من الحكم الإلزامي بقضاء صلاة وصوم الميّت في عهدة بعض أوليائه، على أن النسبة بين الأفضل معنوياً وبين الولد الأكبر هي العموم من وجه، خصوصاً وأن مورد الموثّقة من لم يتنجّز عليه وجوب القضاء في حياته.
وأما بقيّة روايات الباب فكلّها ضعاف إما بالإرسال أو بضعف أو مجهوليّة من في طرقها.
فالمتحصّل أن الذي يجب عليه قضاء ما فات الميّت من صلاته وصومه هو أولى الناس بميراثه من الذكور، فإن تعدد الأولى بميراثه من الذكور فالذي يلزمه القضاء هو أكبرهم سنّاً، ولا يختصّ بالولد الأكبر، ولا يختصّ الميّت الذي يجب القضاء عنه بالأبوين.
وقد فرغت من كتابة هذه السطور في أحد أيام سنة 1414هـ، وقد اطّلعت في 8 من ربيع المولود سنة 1426هـ على من يتبنّى نفس هذه النتيجة، قال الشيخ علي بن الشيخ باقر بن الشيخ محمّد حسن الجواهري (قدّس سرّه) في تعليقته على قول السيد (قدّس سرّه) في العروة: "والمراد به الولد الأكبر، فلا يجب على البنت وإن لم يكن هناك ولد ذكر، ولا على غير الأكبر من الذكور، ولا على غير الولد من الأب والأخ والعم والخال ونحوهم من الأقارب، وإن كان الأحوط مع فقد الولد الأكبر قضاء المذكورين على ترتيب الطبقات وأحوط منه قضاء الأكبر فالأكبر من الذكور، ثم الإناث في كل طبقة حتى الزوجين والمعتق وضامن الجريرة" قال:- عند قوله: (وإن كان الأحوط مع فقد الولد الأكبر قضاء المذكورين على ترتيب الطبقات)- "بل لا يخلو عن قوة في الذكور"(32).
وقال الشيخ الأمين (قدّس سرّه): "المسألة 977: ولي الميت الذي يجب عليه قضاء ما فات من صلاته هو أولى الناس بميراثه من الذكور، فإذا تعدد الذكور الذين هم أولى بالميت و بميراثه، فالولي هو أكبرهم سنا، ولا يختص بالولد الأكبر على الأقوى، ولا يختص الميت الذي يجب القضاء عنه بالأبوين."(33).
والحمد لله أولاً وآخراً، وصلّى الله على محمّد وآله.
* الهوامش:
(1) الخلاف 2: 208، السرائر 1: 395.
(2) منتهى المطلب 2: 604.
(3) حكاه عنه في المختلف: 241.
(4) جواهر الكلام17: 39.
(5) السرائر1: 408- 409.
(6) الانتصار: 71.
(7) رياض المسائل5: 438، مستمسك العروة الوثقى8: 508.
(8) وسائل الشيعة10: 329- 330 ب23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح2.
(9) وسائل الشيعة10: 330 ب23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح3
(10) وسائل الشيعة10: 330 ب23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح4.
(11) وسائل الشيعة10: 331 ب23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح5.
(12) وسائل الشيعة10: 332 ب23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح11.
(13) وسائل الشيعة10: 332 ب23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح7.
(14) من لا يحضره الفقيه3: 376 ح4322، وعنه في الوافي11: 349- 350 ب55 من مات وفاته صيام ح10، جامع أحاديث الشيعة9: 348 ب24 من أبواب من يجب عليه الصوم..ح12.
(15) المبسوط1: 286.
(16) الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد: 294.
(17) الجمل والعقود: 220.
(18) مستند العروة الوثقى(ك الصوم)= موسوعة الإمام الخوئي (قدّس سرّه)22: 207.
(19) قال ابن قدامة في المغني (3:82): "( الحال الثاني) أن يموت بعد إمكان القضاء فالواجب أن يُطعَم عنه لكلّ يوم مسكين، وهذا قول أكثر أهل العلم، روي ذلك عن عائشة وابن عباس، وبه قال مالك والليث والأوزاعي والثوري والشافعي والخزرجي وابن علية وأبو عبيد في الصحيح عنهم"، وفي فقه السنة للشيخ سيد سابق (1: 471): "فإن مات وعليه صيام وكان قد تمكّن من صيامه قبل موته فقد اختلف الفقهاء في حكمه، فذهب جمهور العلماء، منهم أبو حنيفة ومالك والمشهور عن الشافعي إلى أن وليه لا يصوم عنه ويطعم عنه مداً عن كلّ يوم".
(20) مستند العروة الوثقى(ك الصوم)= موسوعة الإمام الخوئي (قدّس سرّه)22: 206.
(21) جامع أحاديث الشيعة9: 348 ب24 من أبواب من يجب عليه الصوم..ح12، وهي التي اعتمدها، وجعل الأخرى نسخة.
(22) وهو سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله)، لاحظ تعليقته على العروة2: 466- 467 ح238.
(23) مستند العروة الوثقى(ك الصوم)= موسوعة الإمام الخوئي22: 215.
(24) وسائل الشيعة10: 330- 331 ب23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح5.
(25) وسائل الشيعة10: 330 ب23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح3.
(26) من لا يحضره الفقيه2: 154.
(27) مستند العروة الوثقى(ك الصوم)= موسوعة الإمام الخوئي22: 215.
(28) السيد الحكيم (قدّس سرّه) في مستمسك العروة الوثقى7: 143.
(29) وسائل الشيعة10: 332 ب23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح11.
(30) مستمسك العروة الوثقى7: 143.
(31) مهذّب الأحكام7: 371.
(32) العروة الوثقى3: 102- طبعة جماعة المدرسين مع تعليقات جمع من الأعلام(قدّست أسرارهم)-.
(33) كلمة التقوى1: 556.
0 التعليق
ارسال التعليق