مسألتان في الصلاة: 1- أفضلية صلاة المرأة في بيتها على صلاتها في المسجد؟! 2- الأذكار من تعقيبات السِّوَر والآيات

مسألتان في الصلاة: 1- أفضلية صلاة المرأة في بيتها على صلاتها في المسجد؟! 2- الأذكار من تعقيبات السِّوَر والآيات

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلّى الله وسلّم على محمّد وآله.

(1) أفضلية صلاة المرأة في بيتها على صلاتها في المسجد؟!

قال المحقِّق النراقي (قدّس سرّه) في المستند: "وأمّا النساء فصلاتهن في بيتهنّ أفضل، ونسبه بعض المتأخِّرين إلى فتوى الأصحاب(كما في مجمع الفائدة2: 159)، وفي الذخيرة نسبتها إليهم أيضاً"(1).

واستدل لذلك برواية ابن ظبيان وإحدى مرسلتي الفقيه، ثم جعل صحيحة هشام بن سالم-التي سماها رواية- مؤيِّدة.

هذا وقد ذهب بعض المعاصرين إلى فضيلة صلاة المرأة في المسجد(2)، وترقّى بعضهم إلى الأفضلية(3).

فلنعد إلى أخبار المسألة متعرِّفين لمن تنتصر.

الرواية الأولى: صحيحة ابن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في الدار(4).

الروايتان الثانية والثالثة: مرسلتا الفقيه: أولاهما: قال الصادق (عليه السلام): خير مساجد نسائكم البيوت(5). وثانيتهما: روي أنّ خير مساجد النساء البيوت، فصلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في صفّتها، وصلاتها في صفّتها أفضل من صلاتها في صحن دارها، وصلاتها في صحن دارها أفضل من صلاتها في سطح بيتها، ويكره للمرأة الصلاة في سطح غير محجّر(6). وقد أورد صاحب الوسائل خصوص الفقرة الأولى من هذه الرواية.

الرواية الرابعة: رواية يونس بن ظبيان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): خير مساجد نسائكم البيوت(7).

وهذه الروايات الأربع لا يستفاد منها أفضلية صلاة المرأة في بيتها على صلاتها في المسجد، أما الصحيحة فالمفاضلة فيها بين صلاتها في مخدعها وصلاتها في بيتها، وبين صلاتها في بيتها وصلاتها في الدار بلا لحاظ للنسبة بين أيٍّ من المذكورات وبين المسجد.

وأما الثلاث الأخيرات فيحتمل فيها دلالة -مضافاً إلى ضعف سندها أجمع إما للإرسال أو ضعف الراوي- أن تكون الأفضليّة بالاضافة الى صلاتهن في الدور، لا بالإضافة إلى صلاتهن في المساجد، فتتحد مضموناً مع الصحيحة المتقدّمة. فلا يمكن -والحال هذه- الاستدلال بشيء من هذه الروايات الأربع على كون صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد.

الرواية الخامسة: مرسلة مكارم الأخلاق، قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): صلاة المرأة وحدها في بيتها تفضل صلاتها في الجمع خمساً وعشرين درجة(8). وهذه الرواية -مضافاً إلى ضعفها بالإرسال- لا تُمايز بين صلاتها في البيت وصلاتها في المسجد، بل تُمايز بين صلاتها في بيتها وصلاتها جماعةً، فهي إذن خارجة عن حريم البحث.

الرواية السادسة: صحيحة أبي همّام عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: إذا صلّت المرأة في المسجد مع الإمام يوم الجمعةِ الجمعةَ ركعتين فقد نقصت صلاتها، وإن صلّت في المسجد أربعاً نقصت صلاتها، لتصلّ في بيتها أربعاً أفضل(9).

ومُورِد هذه الرواية هو الشيخ في التهذيب، وطريقه إلى محمد بن عليّ بن محبوب الراوي لها عن يعقوب بن يزيد عن أبي همّام وإن كان ضعيفاً في المشيخة، إلا أنّه صحيح في الفهرست، كما أنّ الرواة بعد محمد بن علي ثقاة. ولم يورد هذه الرواية صاحب الوسائل (رحمه الله) في الباب الذي عقده للمسألة كما لم يُحل بجملة: (يأتي ما يدلّ على ذلك) عليها، نعم أحال إليها  المحشّي فلاحظ.

هذا والصحيحة واضحة الدلالة على أفضلية صلاة المرأة في بيتها على صلاتها في المسجد ولو في جمعة، بل يستفاد منها عدم الفضيلة لصلاتها في المسجد؛ إذ لا يجتمع نقص الصلاة مع الفضيلة.

فالنتيجة في ظل هذه الصحيحة في نصرة المشهور.

ثمّ لا ينافي هذه النتيجة تقرير النبي (صلّى الله عليه وآله) صلاة النساء معه جماعةً، ففي الفقيه، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): كان النساء يصلِّين مع النبي (صلّى الله عليه وآله)، فكنّ يؤمرن أن لا يرفعن رؤوسهن قبل الرجال؛ لضيق الأزر(10). نعم لا ينافيها؛ لأن التقرير لا يفيد الأفضلية، بل التقرير لا يفيد أصل الفضيلة والاستحباب كما هو واضح. على أنّ التقرير قد يكون لأجل إدراك فضيلة جماعة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) التي هي من أفضل الفضائل، فلا يعارض التقرير النتيجة المزبورة، كما أفاد ذلك المحقق النراقي (قدّس سرّه).

نعم يظهر من بعض ما تقدّم من الروايات أنّ أفضليّة صلاة المرأة في بيتها بملاك الإبقاء على التحفّظ الكامل من الأجنبي، وأن العبرة في أفضليّة مكان صلاة المرأة بكونها فيه أبعد عن نظر الأجانب، فمعه قد يستوي البيت في حقّها والمسجد، وذلك حينما يكون كلٌّ منهما بالمزيّة المذكورة، أو يفضل الثاني على الأول، حينما يكون الواجد لها حسب.

والحمد لله أولاً وآخرا، وصلّى الله على محمّد وآله.

(2) الأذكار من تعقيبات السِّوَر والآيات

مما اتّفقت عليه كلمة علمائنا مسألة مبطليّة التكلّم عمداً للصلاة، قال في المستند: "الرابع (من منافيات الصلاة ومبطلاتها) التكلّم عمداً بغير أجزاء الصلاة الواجبة أو المستحبة... إجماعاً محقّقاً ومحكيّاً في كلام جماعة، منهم الخلاف والتذكرة والمنتّهى والذكرى وغيرها"(11).

والنصوص على ذلك واضحة، منها صحيحة الفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام): ابنِ على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمداً، وإن تكلّمت ناسياً فلا شيء عليك(12).

وقد استُثني من إطلاق ذلك عناوين، وهي ما كان قرآناً أو دعاءً أو ذكراً؛ لانصراف نصوص المنع إلى ما كان من سنخ كلام الآدميين غير الصادق على مثل القرآن أو الدعاء أو الذكر، وللنصوص، منها صحيحة علي بن مهزيار، قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يتكلّم في صلاة الفريضة بكلّ شيء يناجي به ربه. قال: نعم(13)، ومنها صحيحة الحلبيّ قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): كلّ ما ذكرت الله عزّ وجلّ به والنبيّ (صلّى الله عليه وآله) فهو من الصلاة(14).

هذا وقد نصّت جملة من الروايات على رجحان بعض التلفّظات بعد قراءة بعض السور أو آياتها أو أبعاضها، ومقتضى إطلاق هذه الروايات رجحان ذلك حتى إذا قرئت في الصلاة، والملاحظ أن بعض هذه التلفظات ما هو ذكر لله سبحانه، ومنها ما ليس ذكراً، فالإتيان بما ليس ذكراً في الصلاة يتوقف على ثبوت أصل رجحانه فيها بمستند شرعي.

ضابطة الذكر:

ولا بدّ من تقديم مسألة بين يدى استعراض تلك الروايات الناصّة على رجحان بعض التلفّظات، وهذه المسألة هي ضابط ما هو ذكرٌ المستثنى من ما دلّ على مبطليّة الكلام للصلاة عمداً. وبصياغة أكثر سعةً ما هو ضابط الكلام غير المبطل للصلاة مما هو ليس قرآناً أو دعاءً؟

والجواب: إن مفاد صحيحة ابن مهزيار المتقدّمة -وكذا مفاد مرسلتي حمّاد بن عيسى(15)، والصدوق في الفقيه(16)- عدم ضائريّة ما خاطب به المصلّي ربّه وناجاه أو كلّمه به، ولكنّ مفاد صحيحة الحلبيّ المتقدّمة أوسع من هذا، فهي تدلّ على عدم منافاة كلّ ما ذكر المصلِّي به ربّه(عدم منافاته) للصلاة، وإن لم يكن بهيئة الخطاب للّه والتكليم والمناجاة له.

بل الواضح من هذه الصحيحة أن ما يأتي به المصلّي ذكراً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) لا ينافي الصلاة، وأنّه ليس من كلام الآدميين، بل من الصلاة، ومن هذا يتّضح جواز التسليم على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بعد التشهّد الأخير وإن لم يقم دليل خاصّ على جواز أو استحباب التسليم على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في هذا الموضع(17)، بل مما ذكرنا يتّجه جوازُ التسليم على النبيّ (عليه السلام) في غير هذا الموضع من الصلاة وجوازُ الإطراء عليه، وقد يشهد لهذا أيضاً صحيحة أبي بصير الواردة في كيفية التشهد والمشتملة على إطراء وثناء على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ففيها (أشهد..وأن محمّداً نعم الرسول)(18).

استعراض الروايات:

إذا تمهّد هذا فلنستعرض الروايات الناصّة على رجحان بعض التلفظّات بعد بعض السور أو الآيات أو أبعاضها لافتين إلى ما هو ذكر منها في ضوء الضابطة وما ليس بذكر.

الرواية الأولى: حديث زرارة برواية الصدوق (رحمه الله) في العلل لكيفيّة الصلاة عن أبي جعفر (عليه السلام): ولا تقولن إذا فرغت من قراءتك: آمِين، فإن شئت قلت: الحمد لله ربّ العالمين(19).

الرواية الثانية: صحيحة جميل عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا كنت خلف إمامٍ فقرأ الحمد، وفرغ من قراءتها فقل أنت: الحمد لله ربّ العالمين، ولا تقل: آمِين(20).

ومورد هذه الصحيحة خصوص المأموم، ومورد الرواية الأولى وإن كان يشمل الإمام والمنفرد إلا أن في سندها محمد بن علي ماجيلويه، وهو مجهول، وبناءً على هذا فالإتيان بهذا الذكر من باب الرجاء مما لا بأس به، بل لو أتى به بعنوان الذكر العام فلا بأس به ما دام المصلِّي يقصد بالتلفّظ به الإقرار بأنّ الله سبحانه كما وصف نفسه، اللهم إلا أن يقال أن محمد بن علي ماجيلويه لما كان أحد مشايخ الصدوق (رحمه الله) وقد أكثر الرواية عنه في الفقيه وغيره كما أكثر الترضِّي والترحُّم عليه، وهذا ما قد يوجب الوثوق بوثاقته، فتغدو الرواية حسنةً.

الرواية الثالثة: مرسلة مجمع البيان عن فضيل بن يسار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا قرأت الفاتحة ففرغت من قراءتها(وأنت في الصلاة) فقل: الحمد للّه ربّ العالمين(21). ويعرف الكلام فيها مما مرّ.

الرواية الرابعة: مرسلة أبي عبدالله البرقي ومحمد بن أبي عمير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ينبغي للعبد إذا صلّى أن يرتّل في قراءته..وإذا مرّ بأيّها (بيا أيّها) الناس، ويا أيها الذين آمنوا يقول: لبّيك ربَّنا(22).

ونظراً لضعف الرواية بالإرسال فلا بأس بالإتيان بهذا الذكر رجاءً أو بقصد الذكر العام.

الرواية الخامسة: صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن القراءة في الوتر. فقال: كان بيني وبين أبي بابٌ، فكان إذا صلّى يقرأ في الوتر بـ {قل هو الله أحد} في ثلاثتهن، وكان يقرأ {قل هو الله أحد}، فإذا فرغ منها قال: كذلك (كذاك) الله ربِّي(23).

الرواية السادسة: مرسلة مجمع البيان عن الفضيل بن يسار قال: أمرني أبو جعفر (عليه السلام) أن أقرأ {قل هو الله أحد}، وأقول إذا فرغت منها: كذلك الله ربِّي ثلاثاً(24).

الرواية السابعة: رواية عبد العزيز بن المهتدي المرفوعة عنه بطريق الكليني، والضعيفة بسند الصدوق قال سألت الرضا (عليه السلام) عن التوحيد فقال: كلّ من قرأ {قل هو الله أحد} وآمن بها فقد عرف التوحيد، قلت: كيف يقرؤها؟ قال: كما يقرأ الناس، وزاد فيها: كذلك الله ربِّي، كذلك الله ربِّي(25).

الرواية الثامنة: رواية رجاء بن أبي الضّحاك عن الرضا (عليه السلام) -في حديث- أنّه كان إذا قرأ {قل هو الله أحد} قال سرّاً {هو الله أحد}، فإذا فرغ منها قال: كذلك الله ربّنا ثلاثاً..(26).

ورغم اختلاف هذه الروايات من حيث صيغة الذِكر، وأنّها بالجمع أو الإفراد، ومن حيث التوحّد أو التعدد بمرتين أو ثلاث- إلا أن الإتيان به رجاءً أو من باب الذكر العامّ مما لا بأس به، بل استحباب الإتيان به بالنحو الذي اشتملت عليه صحيحة ابن الحجّاج وبقصد الورود عنهم (عليهم السلام) ثابت؛ لصحّة الرواية، وموردها الصلاة.

الرواية التاسعة: صحيحة حمّاد بن عثمان قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: يستحبّ أن يقرأ في دبر الغداة يوم الجمعة الرحمن، ثمّ تقول كلما قلت: {فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان} قلت: لا بشيءٍ من آلائك ربّ أكذّب(27). ومورد هذه الرواية وإن كان غير الصلاة إلا أن ما ندبت إليه لما كان ذكراً، فيسوغ الإتيان به في الصلاة رجاءً أو بقصد الذكر المطلق؛ لتخالف المورد.

الرواية العاشرة: موثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبدالله (عليه السلام) -في حديث- قال: الرجل إذا قرأ {والشمس وضحاها} فيختمها يقول: صدق الله وصدق رسوله، والرجل إذا قرأ {ءالله خيرٌ أمّا يشركون} يقول: الله خير، الله خير، الله أكبر، وإذا قرأ {ثم الذين كفروا بربّهم يعدلون} أن يقول: كذب العادلون بالله، والرجل إذا قرأ {الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له وليّ من الذلّ وكبّره تكبيراً} أن يقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، قلت: فإن لم يقل الرجل شيئاً من هذا إذا قرأ؟ قال: ليس عليه شيء(28). ومقتضى إطلاق هذه الرواية استحباب هذه التلفّظات حتى حال الصلاة، ولا مانع من شمول الإطلاق لحال الصلاة؛ إذ أن جملة (صدق الله) ذكرٌ، وكذا (وصدق رسوله)؛ لما مرّ في ضابطة الذكر من أن ذكر النبي (صلّى الله عليه وآله) في الصلاة من الصلاة، كما أن جمل(الله خير، الله خير، الله أكبر)، وكذا(الله أكبر) ثلاثاً من الذكر. وبالجملة فالإتيان بهذه الأذكار في الصلاة بقصد الورود مستحبّ؛ للإطلاق المشار إليه، وسيأتي الحديث عن جملة(كذب العادلون بالله) بعد الرواية الرابعة عشر.

الرواية الحادية عشر: مرسلة مجمع البيان روي عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) لما نزلت هذه الآية {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): سبحانك اللهمّ وبلى(29). والإتيان بهذا الذكر لا بقصد الورود والخصوصية للصلاة بل بقصد الذكر المطلق أو رجاء مطلوبيته بعد كونه ذكراً مما لا بأس به.

الرواية الثانية عشر: ما في حديث الأربعمائة عن علي (عليه السلام) قال: إذا فرغتم(قرأتم) من المسبّحات الأخيرة فقولوا: سبحان الله الأعلى، إذا قرأتم {إنّ الله وملائكته يصلّون على النبيّ} فصلّوا عليه في الصلاة كنتم أو في غيرها، إذا قرأتم {والتين} فقولوا في آخرها: ونحن على ذلك من الشاهدين، وإذا قرأتم {قولوا آمنّا بالله} فقولوا: آمنّا بالله حتى تبلغوا إلى قوله {مسلمون}(30). وطريق هذا الحديث مشتمل على القاسم بن يحيى، ولم يوثّق. نعم حكم الصدوق بصحّة روايةٍ، وأنّها أصحّ روايات الباب الذي هي فيه، والقاسم في طريق تلك الرواية.

هذا ومقتضى إطلاق الحديث رجحان تلك الكلمات حتى للمصلّي، ولا مانع من الأخذ بهذا الإطلاق فيما اشتمل عليه، حتى في الإتيان بـ(ونحن على ذلك من الشاهدين) بعد سورة التين؛ فإنّها شهادة بأن الله سبحانه أحكم الحاكمين، وهو ذكر له تعالى.

الرواية الثالثة عشر: مرسلة مجمع البيان عن داود بن الحصين عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا قرأت {قل يا أيّها الكافرون} فقل: يا أيّها الكافرون، وإذا قلت: {لا أعبد ما تعبدون} فقل: أعبد الله وحده، وإذا قلت: {لكم دينكم ولي دين} فقل: ربّي الله، وديني الإسلام(31).

الرواية الرابعة عشر: تتمّة رواية رجاء بن أبي الضحّاك عن الرضا (عليه السلام) -في حديث- وكان إذا قرأ سورة الجحد قال في نفسه سراً:{يا أيّها الكافرون}، فإذا فرغ منها قال: الله ربّي، وديني الإسلام ثلاثاً، وكان إذا قرأ{والتين والزيتون} قال عند الفراغ منها: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين، وكان إذا قرأ{لا أقسم بيوم القيامة} قال عند الفراغ منها: سبحانك اللهمّ وبلى- إلى أن قال- وكان إذا فرغ من الفاتحة قال: الحمد لله رب العالمين، وإذا قرأ{سبّح اسم ربّك الأعلى} قال سرّاً: سبحان ربّي الأعلى، وإذا قرأ{يا أيّها الذين آمنوا} قال: لبّيك اللهمّ لبّيك سرّاً، الحديث(32).

وهاتان الروايتان ضعيفتان الأولى بالإرسال والأخيرة بوجود المجاهيل في طريقها، ورغم الضعف إلا أن بعض ما اشتملتا عليه لما كان من الذكر غير المنافي لصحّة الصلاة فلا بأس بالإتيان به رجاءً أو بقصد الذكر المطلق، وذلك البعض هو (أعبد الله وحده)، و(ربّي الله)، و(الله ربّي)، و(بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين)، و(سبحانك اللهمّ وبلى)، و(الحمد لله ربّ العالمين)، و(سبحان ربّي الأعلى)، و(لبّيك اللهمّ لبّيك).

وأما ما ليس بذكر وهو (ديني الإسلام)، و(كذب العادلون بالله)، وكذا (يا أيها الكافرون) -بعد قراءة الآية الأولى من الجحد- إذا لم تكن بقصد القرآنيّة -فهذه لمّا لم تكن داخلة تحت ضابطة الذكر المستثنى من دليل مبطليّة الكلام متعمداً للصلاة، ولمّا لم تكن الروايات الدالّة على رجحانها نقية الإسناد- فلا يسوغ الإتيان بها في الصلاة؛ لإطلاق ما دل على مبطليّة التكلّم متعمداً للصلاة.

لا يقال بأن لقاعدة التسامح مسرحاً فيما نحن فيه وهو مورد لها؛ فلا بأس بالإتيان بهذه التلفّظات رجاءً.

لأنا نقول: إن المسألة هنا حدّية؛ وذلك لأن السائغ في الصلاة من التلفّظات هو خصوص ما كان قرآناً أو دعاءً ومسألةً ومناجاةً أو ذكراً لا مطلق الكلام الشامل لما يصطلح عليه بـ «كلام الآدميين»، فإن التلفظ به عمداً مبطل للصلاة.

بل لو كانت الأخبار الدالة على رجحان هذه التلفظات نقية الإسناد -كما هو الحال بالإضافة إلى ما اشتمل على رجحان (كذب العادلون بالله) وهو موثقة عمار المتقدمة- فلا يسوغ الإتيان بها في الصلاة، وذلك للتنافي بينها وبين ما دل على منافاة التكلم عمداً للصلاة، والنسبة بينهما هي نسبة العموم والخصوص من وجه، وحالة الصلاة مادة الاجتماع، فلا يجوز والنسبة هذه التمسك بتلك الأخبار لإثبات جواز فضلا عن رجحان تلك التلفظات حال الصلاة(33).

والكلام هو الكلام لو قلنا في صورة عدم صحّة الروايات سنداً باستفادة الرجحان والاستحباب الشرعي من قاعدة التسامح(34) فلا يكون ما نحن فيه سائغاً في الصلاة؛ لمنافاة القاعدة لما دلّ على بطلان التكلّم عمداً للصلاة، والنسبة بينهما هي النسبة السابقة، والنتيجة هي النتيجة.

اللهمّ إلا أن يكون مورد الرواية هو حالة الصلاة -مع نقاء سند الرواية أو تبنّي استفادة الاستحباب الشرعي من أخبار (من بلغ)- فيجوز الإتيان بهذه التلفّظات وإن لم تكن أذكاراً، ويكون المستثنى آنذاك من منافاة التكّلم عمداً للصلاة- أربعة عناوين: ما كان ذكراً أو قرآناً أو دعاءً أو ما دلّ الدليل على رجحانه في الصلاة وإن لم يكن من الثلاثة الأُول.

والحمد لله أولا وآخرا،ً وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.

 

* الهوامش:

(1) مستند الشيعة4: 475.

(2) منهم السيّد السيستاني (دام ظله)، (انظر: منهاجه1: 187 م561)، والسيّد الخامنائي (دام ظله)، (انظر: أجوبته1: 119 م42)، وصار إليها السيّد محمّد الشاهرودي (دام ظله) معلقاً إياها على التحفّظ الكامل للمرأة من الأجنبي عند حضورها المسجد (انظر: ذخيرة المؤمنين:150 م764).

(3) منهم الشيخ ناصر مكارم الشيرازي (دام ظله)، (انظر: توضيح المسائل: 148 م817)، والشيخ المنتّظري (رحمه الله)، (انظر: الأحكام الشرعية: 163 م908) شريطة التحفّظ الكامل من الأجنبي عند حضورها المسجد.

(4) من لا يحضره الفقيه1: 159 ح 1178، وسائل الشيعة5: 236 ب30 من أبواب أحكام المساجد ح1.

(5) من لا يحضره الفقيه1: 154 ح719، وسائل الشيعة5: 237 ب30 من أبواب أحكام المساجد ح2.

(6) من لا يحضره الفقيه1: 244 ح1088، وسائل الشيعة5: 237 ب30 من أبواب أحكام المساجد ح3.

(7) وسائل الشيعة5: 237 ب30 من أبواب أحكام المساجد ح4.

(8) وسائل الشيعة5: 237 ب30 من أبواب أحكام المساجد ح5.

(9) وسائل الشيعة7: 340 ب22 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح1.

(10) من لا يحضره الفقيه1: 259 ح1175، وسائل الشيعة8: 343 ب23 من أبواب صلاة الجماعة ح8.

(11) مستند الشيعة 7: 28.

(12) وسائل الشيعة7: 282 ب25 من أبواب قواطع الصلاة ح5.

(13) وسائل الشيعة7: 263 ب13 من أبواب قواطع الصلاة ح1.

(14) وسائل الشيعة7: 263 ب13 من أبواب قواطع الصلاة ح2.

(15) وسائل الشيعة7: 263 ب13 من أبواب قواطع الصلاة ح3.

(16) وسائل الشيعة6: 289 ب19 من أبواب القنوت ح4.

(17) ومنه تظهر الخدشة فيما أفاده السيد الخوئي (قدّس سرّه) في مستند العروة الوثقى(الصلاة)4: 412.

(18) وسائل الشيعة6: 393 ب3 من أبواب التشهّد ح2.

(19) وسائل الشيعة5: 464 ب1 من أبواب أفعال الصلاة ح6.

(20) وسائل الشيعة6: 67 ب17 من أبواب القراءة في الصلاة ح1.

(21) وسائل الشيعة6: 68 ب17 من أبواب القراءة في الصلاة ح6.

(22) وسائل الشيعة6: 68 ب18 من أبواب القراءة في الصلاة ح1.

(23) وسائل الشيعة6: 131 ب56 من أبواب القراءة في الصلاة ح2.

(24) وسائل الشيعة6: 70 ب20 من أبواب القراءة في الصلاة ح9.

(25) وسائل الشيعة6: 70 ب20 من أبواب القراءة في الصلاة ح1.

(26) وسائل الشيعة6: 70 ب20 من أبواب القراءة في الصلاة ح8.

(27) وسائل الشيعة6: 72 ب20 من أبواب القراءة في الصلاة ح4.

(28) وسائل الشيعة6: 71 ب20 من أبواب القراءة في الصلاة ح3.

(29) وسائل الشيعة6: 74 ب20 من أبواب القراءة في الصلاة ح11.

(30) وسائل الشيعة6: 72 ب20 من أبواب القراءة في الصلاة ح5.

(31) وسائل الشيعة6: 73 ب20 من أبواب القراءة في الصلاة ح10.

(32) وسائل الشيعة6: 73 ب20 من أبواب القراءة في الصلاة ح8.

(33) ومنه يظهر النظر فيما أختاره الشيخ الأمين في كلمة التقوى2: 145 (المسألة 489) من استحباب أن يقول المصلي إذا فرغ من سورة الجحد: «الله ربّي، وديني الإسلام» ثلاثا أو «ربّي الله، وديني الإسلام».

(34) ولكنّ أخبار (من بلغ) قاصرة عن إفادة الاستحباب الشرعي، بل غايتها ترتّب الثواب على الإتيان بمتعلّق الندب في الروايات، وهو لا يساوق الاستحباب، وإن كان لا يعانده.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا