مدرسة الصّالحين

مدرسة الصّالحين

 بسم الله الرحمن الرحيم، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.

نضحك إن قال لنا طفلٌ إنّه يتمنّى أن يغمض عينيه ليفتحهما وقد صار طبيباً مثلاً... وذلك لحضور الجواب عندنا، وهو أنّه حتى يصل هذا الطفل إلى مراده فإنّه بحاجة إلى الوقت والجهد المناسبين لما يطلب...

إلا أنّا لا نضحك من أنفسنا حينما نطلب مطلباً على طريقة الطفل الصغير...

الكثير منّا يرى مميزات الصّالحين ومقامهم عند الله تعالى، فيطلب عندئذٍ الدخول في دائرة الصّالحين بصلاةٍ ما أو بصيامٍ ما... غير مكترث بعامل الوقت والجهد.

حالةُ الصّلاح ينشدها كلّ مسلم لمناسبتها طبعَ الإنسان السويّ، لذا تجد التحبيب الوارد في القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة؛ فنجدها في القرآن قد وقعت في دعاء ثلاثة من أنبياء الله تعالى {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصّالحين}(1)، {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصّالحين}(2)، {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصّالحين}(3)، ونجدها واقعة في صورة الجزاء؛ أي لأنّهم صالحون فهم يستحقّون الدخول في رحمة الله تعالى{وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصّالحين}، ومِن إضـافة الرّحمة إليه عزّ اسمه نستفيد تخصيصهم وإكرامهم برحمة خاصّة، فتأمّل!

ومَن دخل في دائرة الصّالحين فقد حصل على ميزة أخرى وهي أنّ الله (عزَّ وجلَّ) يتولّى أمره، وحقّ للعبد أن يتفاخر بذلك {إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصّالحين}(4).

ونجدها في السنّة الشريفة إذا ما قُورِنَتْ بغيرها فإنّها تكون الأرقى والأرفع، ففي حديثٍ طويلٍ عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يذكر فيه الجنّة وأوصافها وأبوابها المخصّصة لأصناف مختلفة من المؤمنين، فلكلٍ من الصابرين والشاكرين وغيرهم باب يدخلون منه، وأعظم تلك الأبواب إنّما يكون للصالحين، فيقول الرسول (صلَّى الله عليه وآله): «أمّا الباب الأعظم فيدخل منه الصالحون»(5).

وإن طلبتَ -أيّها المهذِّب نفسه- علامات الصّالحين، فقد ذكرها الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) في تتمّة الحديث السّابق، فيقول (صلَّى الله عليه وآله): «وهم أهل الزّهد والورع والرَّاغبون إلى الله عزّ وجلّ المستأنسون به»، فمَن زهد رغب عن الدنيا وحاسب نفسه بنفسه، وعمل بلا يأس ولا كلل أو ملل، فتثقل موازينه بالصالحات والخيرات، فيتمتّع بأنواع النّعيم في الجنّة.

فالدخول في دائرة الصّالحين يتطلّب الجهد والوقت، وليس ذلك بعزيز بعد وجود موسم عباديّ متكامل يُعَدّ في الواقع مدرسة لتخريج الصّالحين، فتِسعونَ يوماً من الصّيام والقيام مشفوعةً بالتوسّل والدعاء كفيلةٌ بأن يصل العبد إلى الدرجات العالية والمراتب الرفيعة ويحافظ عليها طوال العام، ليكون مؤهلاً للدخول في دائرة الصّالحين، فالوقت متوفّر في أشهر العبادة -رجب، شعبان، رمضان-، والجهد كذلك؛ إذ بالصيام يتعامل الصائم مع الطعام لا معاملة المفترس مع فريسـته بل يأكل ما يكفي، وهذا مُعِين على توفير الجهد الكافي للعبادات. وهناك عامل ثالث لا يمكن اغفاله وهو التوفيق من الله (عزَّ وجلَّ) لذلك فلا بد من طلبه.

اللهمّ برحمتك في الصّالحين فأدخلنا، وفي علّيين فأرفعنا(6)... اللهم اجعلني فيه من المستغفرين، واجعلني فيه من عبادك الصّالحين القانتين(7).

 

* الهوامش:

(1) سورة يوسف/101.

(2) سورة الشعراء/83.

(3) سورة النمل/19.

(4) سورة الأعراف/196.

(5) من لا يحضره الفقيه ج1، باب الأذان والإقامة ح39، ص296.

(6) من أدعية شهر رمضان (الثاني عشر من القسم الثاني ما يستحب إتيانه في ليالي شهر رمضان).

(7) من أدعية شهر رمضان(دعوات الأيام).


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا