بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين...
نحاول في هذه الأسطر الإجابة على سؤال قد يتبادر إلى أذهان بعض الناس، وخصوصا حينما تكثر الحوادث الطبيعية.
يقول هذا السؤال: لماذا يسلط الله سبحانه وتعالى على المخلوقات كل هذه المصائب، أمثال الزلازل والعواصف والسيول وما شاكل ذلك؟
حينما نتذكر الزلزال الذي حصل في مدينة (بم)، وغيرها من المدن الإيرانية، أو الزلزال الذي هزّ (المحيط الهندي)، ونرى الخسائر التي تكبدتها عدة دول مثل الهند وماليزيا، أو يمكن لنا حينها أن نرضى بذهاب أرواح الأبرياء؟ ألا نتسائل: لماذا يفعل الله هذا بالناس مع أن فيهم الأطفال والأجنة والنساء وغيرهم من الأبرياء الذين لا ذنب لهم؟ ألا يعتبر هذا ظلم من الله جلّ وعلا؟
والجواب على هذا التساؤل يمكن أن يكون بعدة أنحاء نكتفي في مقامنا بذكر جوابين:
الأول:
من الواضح والبين أن كل مالك له الحق في التصرف في ما يملك فهذا الإنسان مختار في صرف ماله في الطريق الذي يشاء، والغرض الذي يحب.. بإمكانه أن يشتري بماله كتاباً، بإمكانه أن يهديه إلى صديقه، وبإمكانه أن يدخره، فهو حرّ في ماله يتصرف فيه كما يشاء. فهل من الإنصاف والموضوعية بمكان أن نجيز لأذهاننا تصور الظلم لله جل وعلا ولا نتصورها للعبد حينما يبذر أمواله؟!
الله جل وعلا مالك حقيقي؛ أي أن له أن يفعل في أملاكه ما يشاء من غير قيد أو شرط أو نبس شفة... هو الذي خلق، وهو الذي أعطى وهو الذي تفضل، فله أن يسترد ما أعطى متى ما شاء. أما الإنسان فهو مالك، ولكن ملكه اعتباري؛ أي أنه غير حقيقي، ومعنى ذلك أن الإنسان من حقه التصرف في ماله في أمور محدودة، وفي نطاق معين، فهو إن خرج عن هذا النطاق أصبح تصرفه في أملاكه حراماً، فكيف يكون ذلك؟!
يقول الفقهاء، بل يقول القرآن بأن الإسراف حرام: {وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}(1) ومن المعروف أصوليا أن النهي في معناه الحقيقي يفيد الحرمة.
وكذلك فإن الإنسان حينما يتصرف في أمواله تصرفا داخلا ضمن مؤونة سنته، فإن هذا المال لا يجب فيه الخمس، ولكن حينما يفضل المال ويزيد عن مؤونة السنة فإن ما زاد على مؤونة السنة يجب تخميسه، ولهذا فإن الإنسان لو بذر ماله؛ أحرقه، ألقاه في البحر استخدم الهاتف في اتصالات لا مبرر لها عرفا، أخذ يرمي الطعام في القمامة وما شاكل من هذه الأمور فإن هذه التصرفات حينها إن لم تعد من أمور مؤونته ــ أي حاجته العرفية ــ فإنه يجب عليه حينها أن يخمس كل هذا المال لأنه مجاز في استخدامه في المؤونة، أما إن كان في غير المؤونة فإن الخمس لا يسقط منها.
فالخلاصة أن الله جلّ وعلا: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}(2) ولذلك ترى القرآن الكريم يذكر في عدة مواضع مثل هذا المضمون:
1ــ يفعل ما يريد.. البقرة:253.
2ــ يفعل ما يشاء.. آل عمران:40.
الثاني:
بعد ما ثبت لنا أن الله سبحانه وتعالى له أن يفعل ما يشاء ويقتل من يريد، وأن كل ذلك من قبيل التصرف في الممتلكات الشخصية وليس هناك الحق لأحد الاعتراض على ذلك، نقول أنه علاوة على هذا الأمر فإن إله اللطف، ورب الرحمة تبارك وتعالى، ومن منطلق رحمته، يسلط على الخلق مثل هذه الحوادث الطبيعية كالزلازل وما شاكل فكيف يكون العقاب رحمةً؟
نقول: إن الناس إما أن يكونوا مطيعين لله وإما أن يكونوا عاصين له ومخالفين لأوامره، فالله سبحانه وتعالى يختبر عباده المطيعين ويثيبهم على صبرهم على هذا الامتحان فيعوضهم يوم القيامة ما لا يمكن مقايسة الدنيا بما فيها معه، وأما الذين يتمردون على أمر الله ويعصونه فالله سبحانه وتعالى، وبسبب شمول وعموم رحمته، يسلط عليهم هذا العقاب حتى يرتدعوا ويكفوا ولا يتمادوا في معاصيهم وفي أعمالهم الشريرة، ونتيجة لذلك يكون عقابهم يوم القيامة محدوداً خلافا لمن يستكبر على الله ولا يرتدع فإن الله يمده في طغيانه حتى يتبين مدى تكبره فيكون عقابه يوم القيامة بمقداره، {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ}(3)
وقد ورد في الأحاديث الشريفة بالنسبة للسقط من أمة الرسول الأكرم (ص) الذي مات ولم يرتكب جرماً، أنه يوم القيامة يكون شفيعا لوالديه فيدخلان بسببه الجنة.
ورد في الحديث: (أما علمتم أني أباهي بكم الأمم يوم القيامة حتى بالسقط يظل محبنطئاً على باب الجنة فيقول الله عزّ وجلّ: أدخل الجنّة، فيقول: لا أدخل حتى يدخل أبواي قبلي، فيقول الله تبارك وتعالى لملك من الملائكة: ايتني بأبويه، فيأمر بهما إلى الجنة فيقول: هذا بفضل رحمتي لك) (4).
وفي النهاية نقول: إن الله سبحانه وتعالى باعتبار تكفله بتربية عباده فهو يعطي كلاً بحسبه، وتبعاً لمصلحته، فكما أن الأب يعاقب ولده على أعماله السيئة كأحد أساليب التربية ويشجعه في موضع آخر عند إتيانه بالأعمال الحسنة، فكذلك الله جلّ وعلا يدعو ويرغب الخلق في حسن ثوابه، ولكن إذا لم يستجب بعض الناس لذلك الترغيب فهو يؤدبهم بالمقدار الذي يصلحهم، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}(5).
* الهوامش:
1ــ الأعراف: 31.
2ــ الأنبياء: 23.
3ــ آل عمران: 178.
4ــ الكافي 5: 334، باب فضل الأبكار.
5ــ الروم: 41.
0 التعليق
ارسال التعليق