بسم الله الرحمن الرحيم، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.
تحتاج الأمةُ الإسلاميةُ أنْ تجيبَ على هذا السؤال بنحوٍ جادٍّ وملحّ؛ لكي تلتفتَ إلى الأهدافِ الحقيقية للرسالةِ المحمديةِ الخالدة، ولكي تتأكدَ من صحّةِ مسيرِها ومنهجِها في الحياة، وهل أنَّها فعلاً على الصّراط المستقيم الذي رسمه لها النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) أم أنّها (والعياذ بالله) في خطّ أعداءِ اللهِ تعالى؟
فلماذا إذنْ بعَثَ اللهُ أحبَّ خلقِه بهذه الرّسالةِ الخاتِمة؟ ولماذا أعطاه القرآنَ الذي هو مهيمن على كلّ الكتب السماوية؟
لا شكَّ أنَّ الهدفَ عظيمٌ بعُظْمِ الرسالةِ وبعظمةِ الرسول (صلّى الله عليه وآله).
نعمْ الهدفُ الأساس، والغايةُ الأسمى هي عبادةُ اللهِ تعالى وتركُ عبادةِ النّفس أو عبادةِ البّشر لبعضِهم البعض، الهدفُ هو توحيدُ الله، تعظيمُه، تقديسُه، طاعتُه، التعلّقُ به، الالتجاءُ إليه، وتركُ منْ سواه لأنّهم كلَّهم محتاجون إليه.
ولو تحقّق هذا الهدفُ المقدّس والعظيم في كلِّ تفاصيلِ حياة المسلمين، لرأيتَهم سادةَ الدّنيا بلا منازع، ولرأيتَ المسلمَ يُشارُ إليه بالبنان، ولرأيتَ الكافرَ يندبُ نفسَه لأنّه غيرُ مسلم.
وتوحيدُ الله تعالى يعني رفضَ كلّ طاغوت، وتعظيمُ الله يعني صغر كلّ من عداه في عينِ الإنسان إلا من اكتسب عظمتَه من الله، وتقديسُه يعني الإسراع إلى ما يوجبُ محبتَه، وطاعتُه تعني مخالفة الهوى والنفس والشيطان وتقديمُ إرادتِه على إرادة غيره سبحانه، والتعلّقُ به يعني ترك حبّ الدنيا ومغرياتها، والالتجاءُ إليه يعني قطع الأمل ممن سواه والاعتماد عليه.
فلنتصور هذه الصفات كلَّها متحققة في كلّ أفراد المسلمين (الذين يقاربون أو يزيدون عن المليار ونصف المليار نسمة)، هل يمكن حينئذ أنْ يتسلطَ عليهم متسلّط؟ أو يذَّلهم متكبّر؟ أو يستخفَّ بأمرهم أحدٌ؟
وما يعيشه أكثر المسلمين في الزمنِ الحاضر من ذلٍّ وهوان يدلُّ على عدم اتصافهم بهذه الصفات وأولها وأهمّها هي العبودية المطلقة لله، وترك عبادة البشر، فإنّ المعلول لا يتخلّف عن علته، {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ}(1).
فماذا يفعلُ المسلمُ والحالُ هذه؟ وما هي وظيفتُه؟ وظيفتُه تحقيقُ هذه الصفات، وتحقيقُ هدفِ الأنبياء (عليهم السلام) وإنْ لم يكنْ معه أحدٌ غيره: «أيّها النّاس، لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلةِ أهلِه»(2).
نعم لقد بُعِثَ النّبي الأكرمُ (صلّى الله عليه وآله) لنتحرر من عبوديةِ غيرِ الله تعالى، وبُعِث لكي يخرجنا من ظلماتِ الجّهلِ والتخلّف إلى نورِ العلم والإيمان، وبُعِث لنكون أعزّاء كرماء أقوياء، وبُعِث ليبيّن لنا أنْ قيمتَنا الحقيقية تكمنُ في عبوديتِنا لله وحده. والحمد لله رب العالمين.
* الهوامش:
(1) المائدة: 66.
(2) نهج البلاغة، ج2، ص181.
0 التعليق
ارسال التعليق