أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الرَّجيم، بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، والحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلَين محمَّد وآله الطَّيبين الطَّاهرين، واللَّعن الدَّائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدِّين.
لقاء أُجري مع سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم بتاريخ 26-10-2009م بعد صلاة العشاء.
شغلني التفكير في طلب العلم الدِّيني منذ سنوات قبل الالتحاق بالحوزة، وظلَّ مخبوءاً لمكان اشتغالي بالدراسة الأكاديميَّة ومن بعدها الوظيفة، وبرز مرّةً أخرى بحال أشدَّ من الظهور الأوَّل بعد عقد الزَّواج، فأخذتُ أسأل وأستفسر إلى أنْ خطر في بالي أنْ أستشير سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم (أيَّده الله)، وكان طلب الموعد واللقاء في يوم واحد حيث سماحته استجاب سريعاً، وعلى ذلك كان مرتجلاً، فحصل التَّسجيل بجهاز الاتصال النقال، فلم يكن التسجيل واضحاً لدرجة كبيرة، وبقى ما سُجِّل محفوظاً في الجهاز لما يقارب الخمس سنوات إلى أنْ عزمت على تفريغ الصَّوت وتدوين ما دار في اللقاء ومن ثم نشره لتعميم الفائدة.
سماحة الشيخ في هذا الحوار يرسم الخطوط العامَّة لمن يرغب في دراسة العلوم الإسلاميَّة كطالب علم، فأدرج سماحته أفكاراً وعناوين مهمَّة لها أن تبصِّر مَن يريد سلك طريق طلب العلم، وأيضاً لها أن تَجعل من يتردَّد في ذلك أن يقف على المرسى المناسب له ويقطع أمره ويقرِّر إلى أيّ وجهة يسير، ولك أنْ تشعر من كلام سماحة الشَّيخ نضوج الفكرة وزبدة التَّجربة الممتدة لعقود.
حاولنا إجلاء ما ورد بعض الشيء بوضع العناوين وكتابة مقدمات لما يتكلَّم عنه سماحته، وبعض الأحيان ذكرنا المفهوم من الأفكار التي أتى بها.
طلب العلم الدِّينـي ومشكلة نقص المادَّة
مَن يغفل عن عظمة خدمة دين الإسلام، وواجب إقامة الدِّين بنشر أحكامه ومفاهيمه، ولا بديَّة نفرة فرقة ليتفقَّهوا في الدِّين، يعتَرض على الرَّاغب في طلب العلم للنقص المادِّي المتعاهَد ورودُه على سالك هذا الطريق، ويصف حياتَهم بالمزرية وشؤونهم الماليَّة بالمتدهورة وما إلى ذلك.
وهذا التصوُّر قد يقضي على رغبة طلب العلم ويدفنها، وقد يتجاوزها آخر ليصارع ويتغلَّب على الظروف الصعبة بالتوكُّل على الله© وطلب العلم بإخلاص وجديَّة، فلكثرة ما راودنِي ذلك وأخذ منِّي مأخذاً استهلَّيت اللقاء مع سماحة الشيخ بما يلي:
الكاتب: أرغب في دراسة طلب العلم الديني والأهل لا يؤيِّدون ذلك بسبب ما يُقال عن نقص المادَّة في طريق طلب العلم الديني، ما هو نظركم؟
الشيخ: الأرزاق بيد الله (جواب الشيخ كان بنبرة جازمة).
الهدف والمراد من الدراسة الدينيَّة
الكاتب: (لماذا؟) سؤال كبير يشكِّل محور ما يقوم به الإنسان في حياته، وهذا هو منطق العقلاء في أنْ يسألوا لماذا وما الهدف من كلِّ فعل؟ وانتخاب طريق العلم الديني بشَرفه وعظمته وثقل مسؤوليَّته يتحتَّم السؤال هنا بصورة أكبر، لماذا أنتخب طريقَ طلب العلم الديني على بقيَّة الطرق؟ ما الهدف من تحصيل العلوم الحوزويَّة؟ ما العمل المراد القيام به كطالب علم؟ أسئلة تبرز بمجرد هبوب رياح طلب العلم والانشغال به وبحيثيَّاته وتبعاته، وعلى هذا الأساس كانت الاستشارة من سماحته فكان الكلام:
الشيخ: إذا وُجد مَن عنده مستوى دراسي جيِّد وغيره فتُوجد مواقع تَطلبُه [فيستطع أن يعمل بما يملك من مستوى دراسي وأن يخدم في مجال العمل الإسلامي]، والأساس [في الدراسة الحوزوية] هو أنَّ الشخص يلاحظ ماذا يريد من الدِّراسة؟ هل يريد من الدِّراسة أن يثـقَّف دينيّاً؟، طبعاً كثقافة دينيَّة ومعرفة الأحكام الشرعيَّة التي يَبتلي بها يوميّاً وغيره هذا مستوى معيَّن، هذا بإمكانه أن يبقى في البحرين ويَجمع بين الدِّراسة [الأكاديمية] وطلب العلم، أمَّا إذا كان إرادته أن يكون اليوم طالب علم صاحب دور، أي طالب علم يتهيَّأ أنْ يكون صاحب دور دينيّ مؤثِّر نَافذ، فماذا هذا الدور؟
فإذا كان المراد هو الخطابة، فمن مقوّماتها الصوت والحفظ، ويكفي في الخطابة أن يدرس الطالب أربع أو خمس سنوات، ولكن اليوم نرى بعض الخطباء بلا فقه ولا دراسة وغيره، وهذه من الأمور التي تساهم في تضعيف جانب الخطابة.
(يُفهم من كلام الشيخ وبمعونة ما سيأتي لاحقاً أنَّ الخطابة هزيلة بلحاظ ضعف اللغة العلميَّة الخطابيَّة)
إذاً، قضيَّة مدرِّس حوزوي مطلوب أو كاتب إسلامي مطلوب، يعني يستطيع أن يكتب، ينبغي أن يكون ملمّاً إلماماً جيِّداً من النَّاحية الإسلاميَّة، يعني يستطيع أن يكتب، يستطيع أن يحاضر محاضرات نافعة وما إلى ذلك، وأمَّا مستوى الفقاهة فيحتاج لسنّ مبكِّر جداً، وصاحب ذهنيَّة لامعة، وأن يكون صبوراً، ويبذل جهداً هائلاً وكبيراً جداً عسى أنْ يصل لمستوى الفقاهة.
الصلاحيَّة والقابليَّة عند الفرد لدراسة العلوم الحوزويَّة
الكاتب: مستوى القدرات الذهنيَّة وغيرها متفاوتة لدى إنسان وآخر، والمناسب لكلِّ أحد أن ينظر لطبيعة ما عنده من قدرات وقابليَّات وإمكانيَّات ويضع نفسه مكاناً بما ينسجم مع ذلك، طبعاً مع العطاء والبذل، فالإنسان يكون راحماً لنفسه إذا عرف قيمة نفسه وتفاعل بما هو قدر حجمه، ويكون ظالماً لنفسه حين يهوي بنفسه إلى موضع في حال أنَّ غيره الأنسب والأوفر قدرةً أو ليس بأهل للدراسة، كذلك هي العلوم الحوزويَّة وطريقها بشكل عام ينبغي لمريدها أن يتفحَّص ويستكشف ما لديه، مدى صلاحيَّة القدرات وقابليَّة الأرضيَّة للتحصيل مع مشقَّته وعناءه، ويعرف حدَّ الصبر عنده، حول هذه النقطة تطرَّق سماحته:
الشيخ: الإنسان قد يكون عنده كما يُسمَّى (ذكاء عامّ)، ذكاء عام في رياض العِلم، في تلك الزاوية، في هذا الحقل، في الرياضيات يشتغل، في الهندسة، في الفقه، وفي اللغة، [يعني] تكامل، وقد يكون مع الذكاء العام توجد قدرات خاصَّة ذهنيَّة، وقد يكون شخص عنده مستوى جيِّد وعنده قدرة استيعابيَّة، لكن عنده ميل في حقل الرياضيات، يعني أنَّ ذهنه مركَّب هذا التَّركيب، باعتبار أنَّ الرياضيات يُراد لها فهم، فيستطيع أن يزيد من فهمه في الرياضيات، وأحياناً يوجد شخص عنده ميل نفسي وقدرة ذهنية خاصَّة في حقل التاريخ أو العلوم الإنسانية وما إلى ذلك.
فنسأل في أي مجال يجد الشخص قدرته؟ أيستطيع أن يعرف نفسه أم لا؟
أحياناً نجد البعض لا يوجد عنده (ذكاء نظري)، بل عنده (ذكاء عملي)، [مثلاً في] الصناعات وغيرها، وعلى ذلك لا يُعاتب مَن يُقال عنه أنَّه لا يصلح للحوزة، وهذا لا يعني أنَّه فاقد للكفاءات والقابليَّات، بل إنَّما قدراته في جانب آخر، مثلاً قد يكون شخص ماهر اليد في النجارة فلو جعلته في صناعة أخرى لا يفلح في عمله، فالإنسان لا بدَّ له من أن يكتشف نفسه، فهو سيذهب مثلاً إلى كليَّة رياضيات مثلاً، فيسأل أيوجد عندي قدرة ذهنية؟ قدراتي الذهنيَّة مركَّبة في هذا الجانب أو مركَّبة في جانب آخر؟.
أيضاً العلوم الحوزويَّة كذلك، هل عندي قدرات ذهنيَّة تناسب العلوم الحوزويَّة أو لا تناسب؟ فإذا وُجدت الذهنيَّة الكافية والقدرة الاستيعابيَّة وعلوم اللغة وبشَرط علوم الفقه -أي أنَّ علوم اللغة عنده لا تشكِّل عائقاً-، فعنده مثلاً قدرة على النَّحو والصرف، وغيرها من دروس المقدِّمات، [فالصلاحية متوفِّرة].
ينبغي للإنسان أن يختار الطريق على بصيرة، [وهذا الأمر يُعتبر] الخطوة الأولى قبل الدِّراسة، فلا يدرس ثلاث أو أربع سنوات في طريق ليس بطريقه، ولا أن يُتعب نفسه في هذا الجانب، أو في تخصُّص ليس بتخصُّصه، كذلك يا ولدي، فقد يوجد شخص يرى أنّ التَّخصُّص لا يناسبه، بل يناسبه تخصُّص آخر، وأحياناً تجد أنّ شخصاً عنده شوق إلى هذا التَّخصُّص لكن لا يوجد عنده قدرة ذهنيَّة، وأحياناً عنده قدرة ذهنيَّة لكن لا يوجد شوق إلى التخصص، فالتخصص أو الدراسة تحتاج إلى شَّيئين، (القدرة الذهنيَّة) و(الشوق)، وطبعاً والصبر وغيره.
مستوى شهادة البكالوريوس في العلوم الحوزويَّة
الكاتب: تحت هذا العنوان حثَّ سماحة الشيخ على السعي لتحصيل العلم إلى المراتب العالية بشكل ضِمني، وذلك عندما قارن بين مستوى البكالوريوس في الدراسة الأكاديـميَّة وبينها في العلوم الحوزويَّة من حيثيَّة حجم العطاء المترقَّب بعد التخرُّج، ولنا أن ننطلق من كلام سماحته ونقول أنَّ تحصيل العلم إلى أعلى الدرجات مطلوب فالمؤمن القوي خير من الضَّعيف، والقوَّة في العلم خير مصداق لذلك، بل نترقَّى لنقول إنَّ دين الإسلام لا يعلُو بضعاف بل بأقوياء، وكلمة الله هي عليا بعلِّو الهمم لأعلى مراتب العلم، فهذا مفهوم كلام الشيخ في السطرين التاليين:
الشيخ: الدِّراسة في الكليَّات والجامعَات تُنتج في أربع سنوات بكالوريوس، وهذا يفعل شيئاً، لكن البكالوريوس لا تفعل كثيراً في العلوم الدينيَّة، فصاحب هذه الشهادة يُعتبر طالب عادي؛ لأنَّ البكالوريوس بمدتها الأربع سنوات مثلاً لا تخرِّج طالباً قويّاً يستطيع أن يتكلَّم، بلحاظ أنّ العلوم في تلك المرحلة علوم أساسيَّة.
الجدير بالحوزة يتغلب على منع الأهل من الدِّراسة
الكاتب: بعد توفُّر الجدارة لطلب العلم، أي الأهليَّة النفسيَّة والذهنيَّة وغيرهما يصطدم البعض بعائق الأهل، ويرفض الوالدان أو أحدهما الدراسة الدينيَّة وهنا تعارض بين الرغبة الشخصيَّة وكلمة الأهل، فيحصل لدى البعض حيرة في كيفيَّة حلِّ هذه المعضلة، إنْ غدا في طلب العلم تألَّم وحزن أهله وقد يكون لشفقة، وإنْ بقى على حاله جنَى على نفسه بإجبارها على قَبول وضعه وهو غير مرتاح له، وهذه المعضلة وإنْ تصوَّرها أحدٌ كبيرةً إلا أنَّ سماحة الشيخ بكلمته القصيرة أقنع من يَـمنع من ذلك لارتباط الدراسة بالآخرة وهذه مقصد كلِّ أحد، كلٌّ يصنعها بيديه، ولكن لا ملازمة بين الحوزة والحال الحسن في الآخرة، فقال سماحته:
الشيخ: هل يوجد صبر؟ هل توجد ذهنيَّة متفاعلة في هذا الجانب؟ هل جرَّب نفسه في دراسة حوزويَّة؟ إذا حصل هذا الشَّيء فهو مؤهَّل للدِّراسة الدِّينيَّة، ولا يستطيع أحد أن يمنع من يرغب بالدراسة الحوزوية؛ لأنَّ فيها الآخرة، لكن الآخرة ليست دائماً موجودة في طريق الحوزة، حيث يوجد من الناس من يذهب للحوزة ويلعب بالدِّين، فهؤلاء ليسوا جديرين بالحوزة.
وقضية العلم تحتاج إلى الله©، فطريق العلم الدِّيني طريق شريف بلا أدنى إشكال، ويفتح الآفاق إلى معرفة الدِّين، وهو مصداق واضح لهذه الكلمة: كلَّما عَرف الإنسان دينَه عرَف قيمةَ نفسه ... وعَرف ربَّه.
وجود القابليَّة مع الهدف الدنيويّ و الأخرويّ
الكاتب: مَن يدرس بين هدفَين، دنيويّ وأخرويّ وكلٌّ منهما له درجات، طالب يرتجي الأمر الدنيوي وآخر يطلب الهدف الأخروي، قسم يستغلّ العلم والمكانة للاستزادة من ترف الدنيا بشكل فاحش، وينسى ما ينبغي القيام به من أمثالهم في هذا الموقع الشريف، على هذا أسهب الشيخ في الكلام فقال:
الشيخ: يا ولدي على الإنسان أنْ يَلتفت إلى نفسه جيِّداً، هل يوجد عنده قابليَّة في الدِّراسة العادية أو عنده قابليَّة في دراسات أخرى؟ أيوجد عنده شوق وصبر أو لا يوجد؟ وما هو الهدف؟ إذا كان الهدف دنيويّاً فطريق الحوزة لا يصلح لذلك، أمَّا إذا كان هدفه أخرويّاً فيستطيع أن يذهب للحوزة.
إذا كان مَن يدرس يتَطلَّع إلى بيتٍ شاهق وإلى سيارةٍ فخمة وغيره، يعني يوجد عنده ميل إلى الدُّنيا كثيراً ولو في الحلال، وأيضاً يريد أن يتوسَّع كثيراً فطريق الحوزة ليس طريق التَّوسُّع المادِّي حتَّى الحَلال منه، فإذا صار بناءه التَّوسُّع المادِّي حتَّى الحَلال وفي يومٍ من الأيَّام لا يوجد هذا في النَّاحية الدينيَّة وكطالب عِلم لا يستطيع تحصيل هذا الشَّيء، بعد ذلك سيذهب لِمَن؟ سيذهب لِمن عندهم دنيا، وذلك من أجل تلبية حاجته النفسيَّة.
إذا رأيت نفسي لا تستطيع أنْ تعيش المعيشة العاديَّة المتوسِّطة فليس بصحيح أن أسلك طريق الحوزة، وقد يكون طالب العلم الدِّيني أحسن من غَير الطَّالب من النَّاحية الماديَّة وقد يكون بالعَكس، لكن ينبغي أن لا يكون طالب العلم عنده شَرَه الدُّنيا حتَّى الحلال، بمعنى أن تكون نفسه لا تقنع بالشَّيء الذي يناسب ويقضي الحاجة وغيره، فيريد أثاثاً راقياً جداً، ويريد بيتاً راقياً جداً، ويريد كلَّ شيء راقٍ، فهذا إمَّا حصل على مال وسَرق ما هو مسؤول عنه لأجل تلبية حاجاته النفسيَّة، وإما حصل على ذلك فيبيع آخرته بدنياه، ويعطي الثمن من دين الله، فيصبح ظالماً وما إلى ذلك، والإنسان على نفسه بصيرة.
الدورات العقائديَّة والفقهيَّة مثلاً تلبِّـي حاجات بعض الأفراد
الكاتب: ليس الكلُّ عليه أن يكون طالب علم، بل بعض من الناس تكفيه الدورات ذات الآجال المختلفة لتلبية حاجاته العقائديَّة والفقهيَّة والأخلاقيَّة وغيرها، وليس الكلُّ مستعداً لسبر مشوار طويل في طلب العلم يتحمَّل فيه الصعاب، فيذهب لطريق أقصر ومن ثمَّ ينخرط في الخدمة الدينيَّة في أحد أبوابها المتعدَّدة، لذلك ضرب سماحة الشيخ مثالاً يوضِّح به أنَّ الحاجة قد تكون فقط في دورة وقال:
الشيخ: قد رسمتُ لك الخطوط العامَّة وأنت عليك أن تقرِّر، وأمَّا قضيَّة الجنَّة فقد يَطلبُها أحد عن طريق الحوزة، وقد تُطلب عَن طريق دراسَات أخرى، لكن القدر المطلوب هو معرفة مسائل الابتلاء لدفع الشُّبهات الدينيَّة عن النَّفس وما إلى ذلك، ولو عن طريق الدَّورات، فتُوجد دورات مرَّة في هذا العلم ومرَّة في هذا الحقل على حسب طلب المجموعات، فيُوجد مثلاً أشخاص من عُمَان وغيرها يذهبون في الصَّيف لدورة مدَّتها شهر أو غيره، يعني دورات ذات آجال مختلفة يحضرون فيها مسائل يحتاجونها من ناحية عقائديَّة، من ناحية فقهيَّة، وهذا المقدار يجب على الإنسان أن يحصّن به دينه.
خدمة الدِّين لا على أساس الإضرار بالنَّفس والدِّين
الكاتب: يحذِّر سماحة الشيخ من الانخراط في الخدمة الدينيَّة بطلب العلم إذا كان ذلك يضرُّ بالنَّفس والدِّين، وهذا يستلزم على الإنسان أن يختار طريقه على بصيرة، ويُغربل الفكرة مراراً ليتجنَّب ما يسوؤه ويضيِّع عليه أيَّام عمره الثَّمين، فكان حديث سماحته:
الشيخ: بقيَّة التخصُّصَات والانخراط في الخدمة الدينيَّة، من صلاة جماعة وكتَابات دينيَّة جيِّد بلا أدنى إشكال، لكن لا على أساس أنْ يضُرَّ بنفسه ويضرَّ بالدِّين؛ لأنَّ البعض يذهب وبعد سنتين، أو ثلاث سنوات مثلاً، فيرى البحر ليس ببحره، والجوَّ ليس بجوِّه، وأحياناً لا يقدر على الغربة، والبعض يريد أشياء ترفيَّة كثيرة فيَنصدم.
الكاتب: منذ فترة وأنا عندي رغبة للعلوم الإسلاميَّة ودرست مقداراً من الأحكام من الرِّسالة العمليَّة وغيرها، ولكنَّني أتتطلَّع لشيء أكبر وأوسَع.
الشيخ: هذا جيِّد، ولكن أيضاً أنظر لبقيَّة النقاط التي ذُكرت.
حاجة المذهب أو الدِّين في بلد البحرين
الكاتب: بالإضافة إلى ما ذُكر من الشروط المؤمَّل مراعاتها، يجد كلٌّ أحد منَّا لزوم النَّظر إلى الواقع المعاش في بلده ومحيطه، بأنْ يستقصي الحاجة ويتحسَّس النقص الموجود ليسعى لرفع الحاجة وإكمال الناقص بطلب العلم والتَّبليغ، فجاء السؤال التالي المهم لنعرف من سماحته حاجة البلد الدينيَّة وهو يَخبر حاله؛ لأنَّه قريب من المجتمع، يقابل الأفراد، المجموعات ومختلف شرائح الناس، فكان السؤال:
الكاتب: الشَّيء الذي أريد أنْ أصل إليه كوظيفة وأجدُ نفسي تـميل إليه هو خطيب أو مبلِّغ، فما هي حاجة المذهب أو الدِّين في البحرين؟
الشيخ: نحن نحتاج إلى الشَّخص المُجيد الكفوء، سواء في الخِطابة -والخطابة اليوم مغطَّاة بدرجة كبيرة جداً- أو التَّبليغ، فنحتاج إلى التبليغ القَائم على اللُّغة العلميَّة واللُّغة الخطابيَّة والدِّراسات وما إلى ذلك، هذا مجال نحتاج إليه، مثل المحاضرات في التلفزيون وغيره، بمعنى أن عنده إلمام على أنْ يقنع النَّاس بفكرة معيَّنة عن طريق علميّ، يستطيع أن يناقش و يردّ على نقاش الآخر.
محتاجون إلى الكتابات العلميَّة، ومحتاجون إلى العمل المؤسَّسي بحيث يوجَد كفاءة تَعتمد عليها، فلمَّا يقال تدريس، إدارة مشروع تدريس، يعنِى من يكون في ذلك المكان شخص كفوء يَحمل فكراً إسلامياً، فعلى سبيل المثال: مدرِّس علوم تفسير يملك درجة عالية من الإحكام ويستطيع أن يناقش الشُّبهات وما إلى ذلك.
الكاتب: هل تقصد التَّدريس في الحوزة بالدَّرجة الأُولى؟
الشيخ: نعم، تدريس في حوزة أو تدريس أطفال، أو حتَّى تدريس جامعيِّين مثلاً، يعني شخص كفوء يستطيع أن يركِّز عندهم الفكر الإسلامي الصَّحيح الدَّقيق.
الكاتب: أنظُر إلى التَّبليغ باللُّغة الانجليزيَّة، فهل هذا الباب مَطلوب وجيِّد؟
الشيخ: مطلوبٌ مطلوب ولكن يَحتاج إلى أمرَين، أولاً اللُّغة الانجليزيَّة، وثانياً إتقان المادَّة العلميَّة الإسلاميَّة.
بعد ذلك أقدَمَ سماحة الشيخ على توجيه بعض الأسئلة إلى الكاتب يقيس من خلالها القابليَّة لدراسة العلوم الحوزويَّة، وكما يأتي أنّ الشيخ ذكر الجانب الصحِّي وملائمة الفرد لجوِّ مكان الدراسة، وهذه نظرة مُمتازة، كأنَّه يحاول أن يذكِّرنا بلزوم استقصاء كلِّ الجوانب والجهات الدخيلة في أمر الدِّراسة.
الشيخ: حينما كنتَ تَدرُس الفقه أو الرسالة العمليَّة -طبعاً الفقه الاستدلالي يختلف عن فقه الرسالة العمليَّة- كيف كان تفاعلكم الفكري معها؟
الكاتب: جيِّد.
الشيخ: كيف هو مستواك في اللُّغة العربيَّة؟
الكاتب: أكثر من جيِّد.
الشيخ: عندما تقرأ في الثَّقافة العامَّة، أبحاث، مناقشات، مجلات إسلاميَّة وغير إسلاميَّة، لا الجرائد بل المجلات والنشريَّات والبُحوث، كيف مستواك أو تفاعلك الفكري معها؟
الكاتب: فهمي لا بأس به، وأحبُّ أنْ أقرأ ذلك.
الشيخ: هل الجو هناك يناسبك؟
الكاتب: نعم
الشيخ: كيف أنتَ من النَّاحية الصحيَّة؟
الكاتب: الحمد لله.
الشيخ: وفَّقكَ اللهُ لخَير الدُّنيا وأهداها وأرضَاها إلى الله§ وأفضَاها إلى قُربه.
والحمد له ربِّ العالمين.
0 التعليق
ارسال التعليق