ثورة كربلاء منبعٌ متدفّق لمعاني الإسلام العظيم ومبادئه التي لا بد من أن يحتوي عليها كل فرد مسلم ولا يحيد عنها مهما تقلّبت عليه الظروف وتكالبت عليه الهموم وآلام الدنيا.
منذ أول يوم عزم الإمام الحسين (عليه السلام) فيه على المسير في هذه الثورة الإلهية المباركة أعلن في خطاباته المتعددة أنّ ثورته جاءت لعزة الفرد والمجتمع... مركّزاً على أنّ الفرد لا بد من أن لا يفارق هذا المبدأ الأول في حياته وهو أن يكون عزيزاً؛ أي أن يكون صلباً لا يُقهر في دينه، لأنّ الفرد المسلم عزّته يكتسبها من إيمانه بما أنزل من العزيز الجبار ليعتزّ بعزّه -وأولياؤه بعزّه يعتزون- فلا يحيد قيد أنملة عن إيمانه ومبادئه التي آمن بها حتى لو أُذِلّ جسده بصنوف الإذلال ضرباً أو غير ذلك، وحتى لو تعدّى عليه بعض جهلة الدنيا بالسب والاستهزاء وما شاكل، فهو عزيز أمام نفسه وأمام كل من يرى موقفه...
وهذا ما قد تجلّى في ثورة كربلاء حيث كانت مبادئ الإسلام في كل الخطابات مضمّنة، وفي كل السلوكيات متمثلة.
وهذا قائد الثورة في أول خطاب أمام سلطان جائر يقف بعزة ويقول: «مثلي لا يبايع مثله»؛ أي أن مبايعة من هو في مقام الإمامة لمن كان ممثلاً للشيطان على الأرض فيه إذلال لهذا المقام العالي الذي أراد الله (عزَّ وجلَّ) له العزة، ومنه نستلهم لزوم التمسك بهذا المبدأ في كل أمورنا، فمن يتّبع العزيز لا بد من أن يكون مشاكلاً له في عزته، وعزة الفرد في تصلّبه في إيمانه أينما وُجِد فليس له أن يتهاون في إيمانه فيكون ذليلاً، فعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «إن الله عزّ وجلّ فوّض إلى المؤمن أموره كلها، ولم يفوّض إليه أن يكون ذليلاً، أما تسمع قول الله (عزَّ وجلَّ) يقول: {وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ}، فالمؤمن يكون عزيزاً ولا يكون ذليلاً، ثم قال: إنّ المؤمن أعزّ من الجبل. إنّ الجبل يُستقل منه بالمعاول والمؤمن لا يستقلّ من دينه شيء»(1).
وفي آخر «... فالمؤمن ينبغي أن يكون عزيزاً ولا يكون ذليلاً، يعزه الله بالإيمان والإسلام»(2).
واستمرّ هذا التجلّي حتى ليلة العاشر عندما عرض على الإمام الحسين (عليه السلام) أن ينزل على حكم يزيد أجابهم قائلاً: «لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفر فرار العبيد»(3)، بل تجاوز ليلة العاشر مروراً بالسبي وما جرى فيه من شتم وتقييد وضرب لتلك الأبدان العزيزة حتى مجلس ابن زياد وما جرى فيه... يكفي الوقوف عند قول الإمام زين العابدين (عليه السلام) والقيود تحيط جسمه الطاهر والحبل يمتد من عنقه إلى أعناق النساء والأطفال، فقال: «أبالقتل تهدّدني يابن زياد، أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة»(4)، وكذا قول السيدة زينب مع ما بها من مصاب وثكل والأطفال والنساء يحيطون بها في جوّ من الرعب والخوف مخاطبة اللعين يزيد «فكد كيدك واسع سعيك، وناصب جهدك، فو الله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا...»(5).
وهنا لا بد من أن أقف مع نفسي وأضع مواقف العزّة أمام ناظرَي حتى لا أكون في حياتي إلا عزيزاً ولا أرضى لنفسي الذلّ والهوان بترك القيم والمبادئ الإيمانية حتى لو كنت محاطاً بالأعداء وفي أشدّ حالات الإذلال المادّي، فالذليل -مادّياً- بين أعدائه المحافظ على مبادئ إيمانه هو إنسان عزيز.
***
* الهوامش:
(1) الكافي للكليني ج ٥ - ص٦٣ - باب كراهة التعرض لما لا يطيق ح1.
(2) نفس المصدر- ح2.
(3) الإرشاد - الشيخ المفيد - ج ٢ - الصفحة ٩٨.
(4) الملهوف على قتلى الطفوف –الشيخ علي بن طاووس- الصفحة 202.
(5) نفس المصدر- الصفحة 218.
0 التعليق
ارسال التعليق