الملخّص:
[ذكر الكاتب -فيما يرتبط بهذه القاعدة وبعد بيان معناها ومفرداتها- ستة من الأدلة النقلية والعقلية، وبين أنها تكاد تكون من الضروريات، والاختلاف إنما في بعض الشروط والحدود فيها، ثم ذكر بعض التطبيقات في مختلف الأبواب الفقهية ، مع بعض المسائل الاستثنائية للقاعدة]
بسمه تعالى: البحث حول حكم إعانة الغير على الإتيان بالمعصية والإثم، وما يستفاد من الآية الشريفة وهي قوله سبحانه و تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}([1]).
معنى القاعدة
بعد وضوح المعاني اللغوية للمفردات: الإعانة، الإثم، العدوان، وظهور النهي في التحريم، فالآية الشريفة بنهيها عن الإعانة ظاهرة في تحريم هذا الفعل، وإنَّما الكلام في الحدود المرادة من الإعانة، وكذلك في حدود الإثم والعدوان إن كانت في الآية والشريعة، وإلا فبالرجوع إلى العرف بعد الفراغ عن أصل الدلالة اللغوية.
الإعانة:
الإعانة هي المساعدة، أمَّا ما هي الأمور المشترطة عرفا لتحقُّق هذا المفهوم؟ فهذا ما يحتاج للبحث.
يقول المرحوم الفاضل اللنكراني: >وأمَّا الإعانة التي هي العُمدة، فهي لغة بمعنى المساعدة، يقال: أعانه على ذلك، أي: ساعده عليه، وعليه فالمعين للإنسان هو المساعد له في جهة خاصة أو سائر الجهات، ولكنَّ الظاهر عدم اختصاص المساعدة بالمساعدة العملية، بل تعمُّ المساعدة الفكرية، وإراءة الطريق والإرشاد إلى ما هو مطلوبه ومقصده، وعليه فالإعانة على الإثم معناها مساعدة الآثم وإعانته في جهة تحقُّق الإثم وصدور المعصية، سواء كانت مساعدة عملية أم مساعدة فكرية إرشاديّة<([2]).
وفي عوائد الأيام: >وإنَّما الكلام في تعيين ما يكون مساعدة ومعاونة على الإثم والعدوان، وتحقيقه: أنَّه لا شكَّ ولا خفاء في أنَّه يشترط في تحقُّق الإعانة والمساعدة على الشيء، صدور عمل وفعل من المعاون، له مدخلية في تحقُّق المعاون عليه وحصوله، أو في كماله وتماميته، ونحو ذلك<([3]).
إشكال:
إذا كان المراد من الإعانة كلّ ما له مدخلية في صدور فعل الغير وتتميمه، فإنَّ الله سبحانه و تعالى سيكون حينئذ معيناً على الإثم والعدوان!! لأنَّ كلَّ أفعال الإنسان لا يمكن تحقُّقها ولا صدورها إلا بحول من الله سبحانه و تعالى!!
الجواب:
هناك فرق بين الأفعال القريبة والعلل المباشرة المقصود من خلالها تحقيق الإثم والعدوان، وبين الأفعال والعلل البعيدة التي تكون غايتها إقدار الإنسان على الفعل والحركة والاختيار، فالعلة البعيدة ليس لها حكم العلة المباشرة، وإن شئت فقل: الفرق بين القصد الملازم للعلتين، فأحد القصدين داخل في تحقيق الإثم، والآخر ليس كذلك. وأمَّا الحديث عن توقُّف عنوان الإعانة على النِّية والقصد فهو بحثٌ آخر سيأتي الحديث عنه.
قال في العناوين الفقهية: >وإنَّما البحث في معناه، فإنَّ ارتباط أفعال المكلَّفين بعضهم ببعض مما لا يخفى، وتقوم ظلم الظالمين ومعصية العاصين إنما هو بأسباب وأمور لا تتحقُّق إلا بأفعال المكلفين، ولا وجه لعدِّ كل ما له مدخلية في تحقُّق الظُّلم والإثم إعانة عليه، ولا يصدق في العرف أيضاً عليه، وإلا للزم أن يكون الواجب تعالى معاوناً على الإثم والعدوان، فإنَّ الآلات والأسباب كلّها من الله تبارك وتعالى، وليس من العبد إلا العزم والقصد والعمل...
والضابط في ذلك أحد أمرين: أحدهما: القصد والنية، فكلُّ من عمل أو باع أو آجر أو قام أو قعد أو صدر عنه فعل من الأفعال بقصد ترتب ظلم أو معصية عليه بحيث بنى نيته عليه سواء شرط ذلك بلسانه أم لا، يعد إعانة للإثم ولو كان بواسطة أو وسائط، وذلك أمر في العرف واضح. فمن بنى لنفسه دكاناً بعنوان أنَّه لو احتاج إلى ذلك الخمارون يؤجره إياهم حتى لا يكون سبباً لتعطيل شغلهم، كان أصل بنائه إعانة للإثم وإن كان لا ينتهي إلى المعصية إلا بوسائط. وكذلك من صيَّر نفسه خادما لسلطان بقصد أنَّه لو أمره بالظلم يفعله أو بقصد أن يصير سبباً لشوكة سلطانه وكثرة سواده وقوة أمره، فقد أعان على الإثم وإن لم يصدر من الخادم فعل بعد ذلك.
وثانيهما: قرب العمل من الإعانة وتمحضه لذلك بحيث يعد إعانة وإن لم يكن قاصدا، كما مرَّ نظيره في التعظيم والإهانة، وليس كما توهمه بعضهم: أنَّ الإعانة تابعة للقصد مطلقاً، نعم، يعتبر ذلك في المشتركات..
وقد يكون العمل بحيث يعدُّ ذلك معاونة للظلم وإن لم يكن قاصداً لذلك، كما لو كان مثل الوزراء والعمال والكتاب والجنود، فإنَّ هذه الجماعة وإن لم يكونوا قاصدين من وزارتهم وجنديتهم الإعانة على المعاصي والظلم، لكن هذه الصنعة وهذه المناصب تعد معاونة لقيام الشوكة بهم، وكذلك قد يكون ذهاب شخص إلى عاص أو ظالم يكون سببا لجرأته وشوكته من جهة كون مسيره إليه سببا لبعض قوة له في عمله، فإن هذا المسير إذا كان بهذه المثابة يصير إعانة على المحرم وإن لم يكن بهذا القصد، ونحو ذلك المكاتبة إلى شخص كذلك، كما لا يخفى على المتأمل. وبالجملة: ليس الأمر منحصرا بالقصد، بل قد يكون نفس ذلك العمل يعد إعانة وإن لم يكن فاعله قاصدا لذلك<([4]).
سؤال: هل يشترط في تحقُّق الإعانة على الإثم أن يعلم الشخص بأنَّ الحرام سوف يقع خارجا؟ فلا تحرم الإعانة إذا علم بأنَّ الفعل لن يتحقَّق؟ أو أنَّ الإعانة حرام مطلقاً، سواء علمت بأن الفعل سيتحقُّق أم لم أعلم؟
هذا ما وقع محلاً للخلاف عند الأعلام، ومنشأ هذا الاختلاف التحليل لحقيقة المفهوم بنظر العرف، إذ القائل بعدم الحرمة مع عدم ترتب الفعل خارجاً يقول بأنَّ التحريم منصبٌّ على الإعانة على الفعل الصادر، فلا يجوز تهيئة مقدماته، أمَّا مع انتفاء الفعل موضوع الحرمة فكيف تحرم المقدمات التي تكون في نفسها مباحة، فهي حينئذ ليست مقدمات لذلك الفعل، إذ هي ليست مقدمات موصلة، فلا تكون إعانة على الإثم والعدوان.
يقول المرحوم الإيرواني في حاشيته على المكاسب: >فيكون الحرام ممَّا اختاره المعين باختيار ما يعلم ترتّبه عليه والقصد بكلا معنييه غير معتبر في تحقُّق عنوان الإعانة فإنَّ الحقَّ أنَّ الإعانة عنوان واقعيّ غير دائر مدار القصد فنفس الإتيان بمقدمات فعل الغير إعانة للغير على الفعل، نعم مع عدم العلم بترتّب الحرام لا يعلم كون الفعل إعانة على الحرام<([5])، ويقولO: >الإعانة ليست هي مطلق إيجاد مقدّمة فعل الغير وإلّا حرم توليد الفاسق والإنسان عادة يعلم أن في نسله يحصل مرتكب ذنب فيلزمه أن يجتنب النِّكاح، وأيضا حرم بذل الطَّعام والشَّراب لمن يعلم أنَّه يرتكب الذَّنب، بل الإعانة عبارة عن مساعدة الغير بالإتيان بالمقدّمات الفاعليّة لفعله دون مطلق المقدمات الشَّاملة للماديَّة فضلاً عن إيجاد نفس الفاعل أو حفظ حياته، فتهيئة موضوع فعل الغير والإتيان بالمفعول به لفعلَّه ليس إعانة له على الحرام، ومن ذلك مسير الحاج، وتجارة التّجار، وفعل ما يغتاب الشخص على فعله، نعم ربما يحرم لكن لا بعنوان الإعانة<([6]).
الإثم والعدوان:
الإثم والمعصية بمعنى واحد، وأمَّا العدوان فهو أخصُّ من الإثم، إذ من الآثام ما يكون خاصاً وفردياً، وأمَّا العدوان ففيه طرف مقابل يقع حيف هذا الإثم عليه، فهو إثم يتضمن معنى التجاوز على طرف ثان.
يقول الفاضل: >ثمَّ إنَّ الظاهر أن الإثم بمعنى مطلق المعصية، والعدوان بمعنى الظلم.... وعليه فالإثم والعدوان كلاهما بمعنى العصيان، غاية الأمر أنَّ الأوّل عدمي والثاني وجودي<([7]). ويقول في مورد آخر من نفس القواعد: >الجهة الثانية- في المراد من القاعدة: فنقول: أمّا الإثم فهو في القاعدة بمعنى مطلق المخالفة والمعصية، سواء كان في التكليف الوجوبي أو التحريمي، وإن كان المراد به في الآية بلحاظ عطف العدوان عليه معصية خاصة، على ما عرفت من مجمع البيان، إلّا أنَّه لا مجال للإشكال في أنَّ المراد به في القاعدة هو مطلق المخالفة<([8]).
مدرك القاعدة
تكاد قاعدة "حرمة الإعانة على الإثم" أن تكون من الضرورات الواضحة لدى عموم المسلمين، فهي في الارتكاز لديهم بمثابة الضرورة الدينية المفروغ عن ثبوتها، غاية الأمر أن الاستدلال عليها صناعياً ينبغي أن يكون بإرجاع هذا الارتكاز لديهم إلى إحدى الكبريات أو الأدلة المبرهنة، والاستدلال عليها كالتالي:
الدليل الأول: الإجماع
نقل الإجماع مثل الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف: "دليلنا: إجماع الطائفة وأخبارهم، لأنَّهم ما رووا خلافاً لما بيناه، وروي عن النبيe أنَّه قال: >يقتل القاتل ويصبر الصابر<، قال أبو عبيد معناه: يحبس الحابس، فإنَّ المصبور المحبوس"([9])، ونقل الإجماع غير الشيخ أيضا([10]).
الجواب:
أولا: قد يناقش في أصل الإجماعات التي يدعيها الشيخ الطوسيO في كتاب الخلاف باعتباره كتاباً يستعرض آراء الإمامية في مقابل مخالفيهم فكأنَّهOكان في مقام التحدي والمكاثرة وبيان وضوح المسألة لدى الإمامية، بينما هي بحسب الصنعة العلمية في عصرنا لا تتعدَّى نقل المشهور، أو أقل من ذلك.
ثانيا: يمكن المناقشة في الإجماع على فرض كونه محصلاً لا منقولاً بأنَّه محتمل المدركية، إذ أكثر من استدلَّ من المسلمين على القاعدة فهو إنما ينطلق في أوَّل الأمر من فهمه للآية الشريفة: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}. فليكن الاستدلال حينئذ بظهور الآية لا بالإجماع.
الدليل الثاني: ضرورة الدين
يمكن أن يدعي بعضُهم كون الإعانة على الإثم من الضَّرورات الدينية الواضحة، فلا تقف على الإجماع عند الإمامية، بل إنَّها فاقت إجماع المسلمين وكانت لديهم مسلمة وضرورة واضحة: >ولهم وجوه منها ظهور الاتفاق عليه، بل ربما يدَّعى أنَّه مجمعٌ عليه بين المسلمين، بل ضروري الدين، ومنها تصريح المقدَّس الأردبيلي في مجمع الفائدة، والسيِّد الأستاذ في بعض مصنفاته، والوالد العلّامةO في ض بدعوى الإجماع على ذلك وصرَّح في المنتهى بنفي الخلاف فيه<([11]).
الدليل الثالث: حكم العقل
وتصويره على أنحاء؛ فمثلاً: قال في تذكرة الفقهاء: >لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما فعل في الصيد فعلاً محرّما لا يشاركه الآخر فيه، فالدالُّ فعلَ الدلالة، والقاتلُ القتلَ، فوجب على كلٍّ منهما عقوبة كاملة، ولأنَّ كلَّ واحدٍ منهما فعل فعلا يستحقّ به العقوبة الكاملة لو انفرد، فكذا لو انضمَّ، لأنَّ المقتضي لا يخرج بالانضمام عن مقتضاه<([12]).
هذا الدليل العقلي يمكن تصويره بأحد تصويرين كما ذكرO:
التصوير الأول:
- كل واحد من المتعاونين فعل فعلا خاصا لا يشاركه الآخر فيه.
- كل فعل من هذين الفعلين هو بنفسه محل للعقوبة.
إذن فالمساعدة على الإثم حرام، وبذلك تثبت القاعدة.
الجواب: لا شكَّ في المقدمة الأولى، وأمَّا المقدمة الثانية وهي أنَّ كلَّ فعل فهو محل للعقوبة في نفسه فهو عين الدعوى، وإنما أردنا إثبات ذلك بواسطة القاعدة؛ أي إثبات أن الإعانة (وهي الفعل المستقل من الفاعل الآخر) حرامٌ ولها عقوبة مستقلة! فهذا هو عين الدعوى محل البحث، فلا يتم الدليل العقلي بهذا التصوير.
التصوير الثاني:
- فعل المعين فعل يستحقُّ عليه العقوبة الكاملة لو جاء به منفرداً وبعيداً عن كونه إعانة.
- كل مقتض لا يخرج بانضمامه عن اقتضائه.
- فعل المعين الذي فيه اقتضاء العقوبة إذا انضم إلى فعل آخر فيه اقتضاء عقوبة أخرى يبقى على اقتضائه، ولا يخرج بالانضمام عن اقتضاء التحريم والإثم والعقوبة.
إذن يثبت بذلك أنَّ الفعل الذي يأتي به إعانة للغير على الإثم فهو حرام.
الجواب: الكلام فيه كالكلام في سابقه، إذ محلُّ النزاع هو كون الفعل الصادر من المعين محرماً في نفسه، فمن أين علم(رح) بأنَّ الدلالة على الصيد حرام في نفسها وفيها اقتضاء العقوبة؟! إمَّا أن يأتي بدليل خاص، فيكون حينها خاصا بصيد المحرم ولا ينفع دليلا لهذا الكبرى وهي أنَّ كلَّ فعل يأتي به المعين ففيه اقتضاء الإثم والتحريم. وإما أن يستند إلى هذه الكبرى المستفادة من قاعدة "حرمة الإعانة على الإثم" وهذا هو عين الاستدلال بالدعوى المراد إثباتها.
التصوير الثالث:
>حكم العقل بقبح الإعانة على الإثم: لأنَّها مساعدة على إتيان ما هو مبغوض للمولىٰ، كحكمه بقبح نفس المخالفة والمعصية؛ لكونها مبغوضة للمولى ومشتملة على المفسدة اللازمة الترك، غاية الأمر أنَّ دائرة الإعانة والمساعدة لا تشمل ما إذا هيّأ له مقدمات بعيدة، لا بقصد ترتب المعصية وصدور ما هو المبغوض، بل كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى في معنى الإعانة ومفهومها اختصاص ذلك بالمقدمات القريبة، أو البعيدة التي تكون مقرونة بقصد ترتّب المعصية وتحققها، فانتظر، وفي هذه الدائرة لا مجال لإنكار حكم العقل بالقبح، الكاشف عن الحرمة الشرعية؛ لقاعدة الملازمة، وإن كان حكمه بقبح نفس المعصية والمخالفة ليس كاشفاً عن ثبوت الحرمة الشرعية لها، كما لا يخفى وجهه<([13]).
هذا التصوير للمرحوم الفاضل اللنكراني لا يخلو من قرب، فالاستناد فيه ليس لقبح ذات فعل المعين بقطع النظر عن فعل المعان كما فعل في التذكرة، بل الاستناد إلى نفس فعل المعان، ففعل المعان مفروغ عن كونه إثما قبيحا يستحق العقوبة، ومن خلال النظر إلى ذات فعل المعان (الإثم) فلا شكَّ أن كل عمل اختياري يكون سببا لتحقيق الإثم والمعصية في الخارج فإنه سيكتسب القبح والمذمومية من غايته التي وجد من أجلها، فما كان غايته المعصية والإثم والعدوان وكان سبباً في تحقيق ذلك فلا شكَّ لدى العرف في انطباق ملاك القبح عليه، ومتى ما توفَّر على ملاك الفعل الحرام وشاركه فيه فهو حرام حتى وإن بقي عنوانا مغايرا لعنوان الفعل، بل هو فعل آخر، لكنَّه يشترك مع ذلك الفعل في النكتة والملاك، والعلة تعمم وتخصص، فدور العقل هو استكشاف الحرمة من النَّظر إلى ملاكها، ولو الملاك إجمالا المستكشف من وجود الحرام وطلبه والإعانة عليه.
الدليل الرابع: الآية الشريفة
فإنَّ ظاهر قولهسبحانه و تعالى: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} هو التحريم، فكل ما يعد إعانة على الإثم والعدوان فهو منهي عنه بصراحة الآية الشريفة.
التعليق:
هناك أكثر من إشكال يمكن أن يشكل به بدوا على الاستدلال بالآية الشريفة لإثبات القاعدة:
الإشكال الأول (إشكال المرحوم الإيرواني):
- بالنظر إلى سياق الآية فهي ليست ظاهرة في الإلزام، بقرينة {وتعاونوا على البر والتقوى} فالسياق غير دال على إرادة الإلزام.
- بالإمكان حمل النهي على التنزيه فهو ليس نصا في التحريم، وإنما نص في النهي، والنهي يمكن التصرف في ظهوره الأولي في الإلزام بقرينة السياق.
قالO: >يمكن أن يقال إنَّ آية لا تعاونوا مؤداها الحكم التّنزيهي دون التحريمي، وذلك بقرينة مقابلته بالأمر بالإعانة على البرّ والتقوى الذي ليس للإلزام قطعا، كما يمكن أن يقال إن قضيّة باب التفاعل هو الاجتماع على إتيان الإثم والعدوان كان يجتمعوا على قتل النّفوس ونهب الأموال لا إعانة الغير على إتيان المنكر على أن يكون الغير مستقلا في إتيان المنكر وهذا معينا له بالإتيان ببعض مقدماته<([14]).
جواب الفاضل عن الإشكال
أجاب المرحوم اللنكراني عن مثل هذا الإشكال بالتفريق من ناحية السياق، فالسياق هنا ليس كمثل السياق في حديث الرفع؛ إذ الحكم في حديث الرفع واحد وهو ما يستفاد من الفعل الواحد >رفع عن أمتي< وأما الموضوع فهو (ما) الموصولة، فلا بدَّ أن يكون الحكم في جميع مصاديق الحكم واحداً، فالرفع بمعنى واحد في جميع مصاديق (ما). وأمَّا حينما يتعدد الحكم تبعا لتعدد الأفعال المستخدمة في الجملة: يجب، يحرم، لا تفعل، وهكذا، وكذلك حينما يتعدد الموضوع: الصوم، شرب الخمر، الأكل في الطريق، وهكذا، فإنَّ السياق لا يكون له ذلك الظهور الذي يمكن تحكيمه في توحيد المعاني في جمل هذا الدليل، ولا يكفي أن تأتي الأحكام متعاقبة حتى نقول بوحدة السياق، بل حتى مع التعاقب فسياق التحريم شيء يختلف عن سياق الكراهة.
والآية تتكلَّم هنا عن حكمين مستقلين: استحباب التعاون على البر والتقوى، وحرمة التعاون على الإثم والعدوان، قالO: >قال الله تعالى في سورة المائدة في ضمن الآية الثانية {تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ والتَّقْوىٰ ولٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ والْعُدْوٰانِ} ولولا كون الجملة الثانية واقعة عقيب الجملة الأولى معطوفة عليها، لكانت دلالتها على حرمة التعاون على الإثم والعدوان ممّا لا مناقشة فيه؛ لظهور النهي في التحريم على ما هو المحقق في الأصول، ولكن لوقوعها عقيبها وعطفها عليها صارت موجبة لتوهّم لزوم حمل النهي على الكراهة؛ نظراً إلى أنَّه يعلم من الخارج عدم وجوب مطلق التعاون على البرّ والتقوى...
ولكن الظّاهر بعد تسلم لزوم حمل الأمر على الاستحباب أنَّه لا وجه لحمل النهي على الكراهة، بعد كون الآية مشتملة على حكمين مستقلين، سيّما بعد كون أحدهما أمراً والآخر نهياً، ومجرد تتابع الجملتين في الذكر لا يقتضي وحدة السّياق، وهذا غير ما ذكروه في مثل حديث الرفع من كون وحدة السياق مقتضية لحمل ما الموصولة على الموضوع؛ لكون معناها في بعض الفقرات ذلك، فيجب أن يكون في الجميع كذلك، وذلك مضافاً إلى منع الاقتضاء في الحديث أيضاً، والتحقيق في محلِّه لأجل الفرق بين المقام وبين الحديث، من جهة أنَّ الأشياء والأمور التسعة المذكورة كلّها مرفوعة بعبارة واحدة وبرفع واحد، ولم يستعمل في الجميع إلّا كلمة رفع واحدة، فهي مشتركة في المرفوعية، وفي إسناد الرفع إليها، وهذا بخلاف المقام الذي يشتمل على حكمين مستقلين غير مرتبطين، أحدهما أمر والآخر نهي، ولا ارتباط لأحدهما بالآخر أصلًا، فلا مجال فيه لدعوى وحدة السياق كما لا يخفى<([15]).
الإشكال الثاني (إشكال السيد الخوئي):
عند تحرير محلّ النِّزاع فإنَّ الآية لم تتحدَّث عن الإعانة على الإثم حتى يتسنَّى لنا الاستفادة منها في تنقيح القاعدة: "حرمة الإعانة على الإثم"، وإنما تحدثت عن التعاون على الإثم، وهو يختلف عن التعاون، فالتعاون فيه تفاعل من الطرفين، كلُّ طرف يتمِّم فعل الطرف الآخر، وأمَّا الإعانة فأحد الطرفين يتمِّم فعل الطرف الثاني دون العكس، وبهذا تخرج الآية عن محلِّ البحث، قال: >وأمّا بناءً على ما هو الأصحّ من عدم الحرمة لعدم وفاء الأدلّة، وإنّما الثابت بمقتضى قوله تعالى {وَلٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ والْعُدْوٰانِ} هو حرمة التعاون القائم بالطرفين أو الأكثر، أي الاشتراك في مباشرة الإثم وتحقيقه، لا الإعانة القائمة بطرف واحد من دون مباشرة المعين في فعل الإثم وارتكابه<([16]).
ويمكن توجيه هذا الاستدلال من خلال:
1. عدم ثبوت أصل تحريم الإعانة، فالأصل فيها الجواز، إذ لا يمكن التمسك لتحريمه بنفس القاعدة المراد إثباتها.
2. أنَّ الثابت حرمته هو إيجاد الفعل المحرم، لا إعانة من يقوم بإيجاده.
3. أنَّ الآية تتكلَّم عن التعاون لا الإعانة.
إذن فلا طريق لدينا لتعميم الحرمة للإعانة فالأصل فيها الجواز، وأمَّا تحريم التعاون فلأنَّ التعاون يعني صدور الفعل منهما معاً، فيصحُّ نسبة إيجاد الفعل المحرَّم إلى الأوَّل كما يصحُّ نسبته إلى الثاني أيضا، والحرمة تدور مدار إيجاد المحرم قطعا.
جواب الفاضل عن إشكال السيد الخوئي
أجاب الفاضل عن إشكال السيد الخوئيO القائل بعدم حديث الآية عن الإعانة، بأنَّ الآية وإن تكلَّمت عن التعاون، ولكن من أين لنا أن نحصر التعاون في المراد من الآية بالتعاون على فعل واحد يشتركان فيه؟! فالآية مطلقة تشمل الفعل الواحد الذي يجتمعان عليه ويتعاونان، وتشمل الفعل الذي يعين أحد الطرفين فيه الآخر، وإنما يشمله وينطبق عليه بلحاظ حديث الشريعة عن عموم أفعال النَّاس، فبملاحظة عموم أفعال النَّاس يصدق عنوان التعاون حتى على هذا المورد، قالO: >وأجيب عن ذلك بأنَّ أمره تبارك وتعالى بالتعاون على البرّ والتقوى، وكذلك نهيه عن التعاون على الإثم والعدوان، ليس باعتبار فعل واحد وقضية واحدة وفي واقعة واحدة، بل الخطاب إلى عموم المؤمنين والمسلمين بأن يكون كلُّ واحدٍ منهم عوناً للآخر في البرّ والتقوى، ولا يكون عوناً لأحد في الإثم والعدوان، فإطلاق لفظ التعاون باعتبار مجموع القضايا لا باعتبار قضية واحدة وفعل واحد، فالمأمور به في الآية الشريفة إعانة كلِّ مسلم لكل مسلم في ما يصدر عنه من فعل الخير والبرّ والتقوى، والمنهى عنه إعانة كل شخص في فعله الذي هو إثم أو عدوان، فينطبق الدليل على المدّعى<([17]).
هذا ويمكن للسيد الخوئيO أن يتفصَّى عن هذا الجواب بأنَّ حمل التعاون على إرادة مجموع القضايا تجوّزٌ، والتجوز يحتاج إلى قرينة؛ لأنَّ الأصل في النظر إلى العناوين هو النظر لها بما هي هي، لا بلحاظ انضمام غيرها، فإذا وضعنا يدنا على تقديم السوط للظالم لكي يجلد شخصا بريئا فهل هو حرام أم حلال؟ هنا نلجأ إلى تطبيق عنوان التحريم في الآية (التعاون) وهذا ليس تعاونا. نعم هو عند الشيخ الفاضل تعاون لكن بتتميم وإضافة من قبل الغير، وهذا شيء يختلف عن التمسك بالإطلاق الذي يستوعب مصاديقه بما هي هي من دون حاجة إلى تتميم لحاظها مجتمعة.
جواب آخر لبعض أساتذتناD
أجاب بعض أساتذتناD([18]) عن إشكال السيد الخوئي بما حاصله: أنَّنا ببركة التمسك بالفهم العرفي للآية الشريفة فالعرف يرى النهي عن الإعانة لنكتة ارتكازية واضحة وهي مبغوضية الفعل الحرام، وهذه المبغوضية للحرام تنسحب على كلِّ مقدماته الاختيارية، فكلُّ عمل اختياري يكون محلاً للتكليف، والعمل الاختياري الذي يراد به التوصل لإصدار الحرام فهو منهي عنه بنفس نكتة النهي في الآية الشريفة، سواء احتاج إلى طرفين يستند إليهما (تعاون) أو كان مستندا إلى طرف واحد يعينه غيرُه (إعانة)، فالنكتة هي النكتة وهي مبغوضية صدور الحرام والإثم لاسيما عندما يكون تعديا وعدوانا.
الدليل الخامس: الإعانة ركون للظالم
استدلَّ بعضهم بالآية الشريفة: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}([19])، بتقريب أنَّ الإعانة نحو واضح من أنحاء الركون إلى الظالمين، فالركون هو الميل القلبي أو ما شاكل وهو دون الإعانة بمراتب، فإذا كان محرماً بهذه الآية الشريفة فالإعانة محرمة بطريق أولى. لذلك يمكن عد هذا الاستدلال (الاستدلال بالأولوية) استدلالاً عقلياً ويضاف إلى ما تقدَّم، كما فعله بعضهم من جعله واحداً من الأدلة العقلية، قال في كتاب المناهل:
>ومنها ما تمسَّك به في مجمع الفائدة وض وغيرهما من قوله تعالى: {ولٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ} وذلك إمَّا لكون الإعانة فرداً من أفراد الركون لأنَّها ميل إليهم، وقد فسِّر الركون بالميل القليل، أو لاستلزام الركون المنهى عنه وهو السكون إلى أقوالهم والاطمينان بهم، وإظهار الرضا بأفعالهم ومصاحبتهم ومداهنتهم كما عن مجمع البحرين حرمة الإعانة بطريق الأولى كما صرَّح به بعض الأجلة، وأشار إليه في مجمع الفائدة<([20]).
الدليل السادس: الروايات
يمكن الاستدلال على القاعدة بما يستنتج من جملة كثيرة من الروايات في مختلف الأبواب الفقهية، وهي روايات تنهى عن الإعانة عن مصاديق مختلفة يجمعها كلها عنوان الإثم والعدوان، فمن تلك الروايات ما رواه صاحب الوسائل في الإعانة على الظلم، والإعانة على قتل النفس المحترمة، ونقل السلاح للأعداء، وهكذا، ونحن نقتصر على ذكر بعض النماذج بعيدا عن التوقف عند سندها لتواتر مضمونها إجمالاً ولو بلحاظ الأبواب والتطبيقات المختلفة:
1/ -بَابُ تَحْرِيمِ الْمَعُونَةِ عَلَى قَتْلِ الْمُؤْمِنِ وأَذَاهُ ولَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِg أَوْ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْهُ قَالَ: >يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ إِلَى رَجُلٍ حَتَّى يُلَطِّخَهُ بِدَمِهِ -والنَّاسُ فِي الْحِسَابِ- فَيَقُولُ يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا لِي ولَكَ، فَيَقُولُ: أَعَنْتَ عَلَيَّ يَوْمَ كَذَا وكَذَا فَقُتِلْتُ<([21]).
2/ -عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِg قَالَ: >مَنْ أَعَانَ عَلَى مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ وبَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ<([22]).
3/ >عَنْ أَبِي جَعْفَرٍg قَالَ: >إِنَّ الْعَبْدَ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ومَا أَدْمَى دَماً، فَيُدْفَعُ إِلَيْهِ شِبْهُ الْمِحْجَمَةِ أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا سَهْمُكَ مِنْ دَمِ فُلَانٍ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّكَ قَبَضْتَنِي ومَا سَفَكْتُ دَماً، قَالَ: بَلَى، ومَا سَمِعْتَ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ كَذَا وكَذَا، فَرَوَيْتَهَا عَنْهُ، فَنُقِلَتْ حَتَّى صَارَ إِلَى فُلَانٍ فَقَتَلَهُ عَلَيْهَا، فَهَذَا سَهْمُكَ مِنْ دَمِهِ<([23]).
4/ >بَابُ تَحْرِيمِ الرِّضَا بِالظُّلْمِ والْمَعُونَةِ لِلظَّالِمِ وإِقَامَةِ عُذْرِهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِg قَالَ: >الْعَامِلُ بِالظُّلْمِ، والْمُعِينُ لَهُ، والرَّاضِي بِهِ شُرَكَاءُ ثَلَاثَتُهُمْ<([24]).
5/ >عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِg فِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّe لِعَلِيٍّg قَالَ: >يَا عَلِيُّ، شَرُّ النَّاسِ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ، وشَرٌّ مِنْهُ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ<([25]).
6/ >عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِg يَقُولُ: >مَنْ أَعَانَ ظَالِماً عَلَى مَظْلُومٍ، لَمْ يَزَلِ اللَّهُ عَلَيْهِ سَاخِطاً حَتَّى يَنْزِعَ عَنْ مَعُونَتِهِ<([26]).
هذا ولا شكَّ أنَّ تتميم الاستدلال بالروايات يحتاج إلى إلغاء الخصوصية في أبوابها ومواردها الخاصَّة، وجعلها تطبيقاً من تطبيقات الإعانة على الظُّلم، وهذا قد لا يتمُّ في بعض الروايات، ولهذا أشكل اللنكراني على الاستدلال برواية الوعيد على القتل: “منها قولهe: ”من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة، جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه: آيس من رحمة اللّه<، ولا شبهة في أنَّ الإيعاد سيَّما بهذا النَّحو، يكشف عن الحرمة، إنَّما الكلام في أنَّ المستفاد منه هل هو كون الإعانة على القتل خصوصاً مع أهميِّته حرام، أو أنَّ الملاك مطلق الإعانة على الإثم؟ لا يبعد الأوّل، وذلك لأنَّه لو كان المحمول هي الحرمة، لأمكن أن يقال بعدم الخصوصية، ولكنَّ المحمول هو الإيعاد الخاصّ، الذي لا يثبت في غير القتل ظاهراً؛ فإنَّ مطلق الإعانة على الحرام لا يكون موضوعاً لمثل هذا الوعيد"([27]).
فيصار حينئذ إلى ما ذكرهO من تتميم الاستدلال بضمِّ الآية الشريفة إلى هذه الروايات الخاصة، فالروايات المتوعدة إذ تتوعد من يعين الظالمين فإنَّها أخص دائرة من القاعدة التي نريد إثباتها وهي حرمة الإعانة على مطلق الإثم ولو لم يكن ظلماً للآخرين، فيتمم الاستدلال حينئذ بعدم تفريق الآية بين العدوان وبين الإثم، بل جعلها إياهما من باب واحد، قالO: "ومن جملة الروايات التي أوردها ما عن كتاب الشيخ ورّام بن أبي فراس قال: قالg: >من مشى إلى ظالم ليعينه، وهو يعلم أنَّه ظالم، فقد خرج عن الإسلام<، قال: وقالg: «إذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ: أين الظلمة؟ أين أعوان الظلمة؟ أين أشباه الظلمة؟ حتى من برى لهم قلماً أو لاق لهم دواة، فيجتمعون في تابوت من حديد، ثمَّ يرمى به في جهنم<، وفي النَّبوي: من علَّق سوطاً بين يدي سلطان جائر جعلها اللّه حية طولها سبعون ألف ذراع فيسلّطها اللّه عليه في نار جهنم خالداً مخلّداً<.
وهذه الروايات وإن وردت في إعانة الظالم في ظلمه، ولا دلالة لها في نفسها على كون حرمة هذه الإعانة لأجل كونه من مصاديق الإعانة على الإثم، حتى يستفاد منها العموم، إلّا أنه يمكن أن يقال: إنَّ ضمَّ الآية المتقدمة إليها، لعلَّه يوجب دلالتها على التعميم أيضاً، وذلك لدلالة الآية على تساوي الإثم والعدوان من هذه الجهة، فإذا كان المراد بالعدوان هو الظلم كما هو المحتمل، يكون مقتضى مساواته مع الإثم ثبوت هذا الحكم في مطلق الإثم أيضاً، فتدبّر...
ومنها: ما رواه الكليني بإسناده عن جابر عن أبي جعفرg قال: >لعن رسولُ اللّهe في الخمر عشرة: غارسها وحارسها وعاصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمولة إليه وبايعها ومشتريها وآكل ثمنها<، مع أنَّ ما عدا الشارب لا ينطبق عليه إلّا عنوان الإعانة والمعين على الإثم وتحقُّق المعصية، نعم قد عرفت في الرواية المتقدمة أنَّ حرمة أكل الثمن إنَّما هي من أجل بطلان المعاملة؛ لإلغاء الشارع مالية الخمر، فأكل الثمن أكل للمال بالباطل<([28]).
حدود القاعدة
قد لا نتصور الخلاف في القاعدة بالنظرة البدوية، فمصاديق الإعانة وإن كانت متفاوتة في الشدة والضعف إلا أنَّها هي ذات موضوع التحريم، سواء كانت قتلاً أو ظلماً للغير أو أقل من ذلك كمطلق الإعانة على الآثام.
لكن الاختلاف إنما ينشأ بعد التحليل والتدقيق في معنى الإعانة، فهل المقصود من قولنا: أعانه على القتل أنَّ القدرة الإضافية التي مكَّنه منها قد استفاد منها في نفس عملية القتل؟ أو يكفي أن يقويه وهو في معرض الإقدام على القتل وإن كان قد قتله من دون حاجة إلى هذه القدرة الإضافية؟ كذلك هل يشترط القصد من المعين إلى تحقيق الفعل المعان عليه؟ وغير هذه التساؤلات ممَّا يحتمل أن يضيق موضوع القاعدة، قال النراقيO: >وإنَّما الخفاء في اشتراط القصد إلى تحقُّق المعاون عليه من ذلك العمل، وكونه مقصودا ومطلوبا منه انفرادا، أو مع اشتراك شيء آخر، وفي اشتراط تحقُّق المعاون عليه وعدمه، أي ترتبه على فعله، وفي اشتراط العلم بتحقُّق المعاون عليه أو الظن أم لا، وفي اشتراط العلم بمدخلية فعله في تحققه.
أما الأول: فالظاهر اشتراطه، ومعناه: أن يكون مقصود المعاون من فعله ترتّب المعاون عليه وحصوله في الخارج، ويكون ذلك منظورة من فعله (سواء كان على سبيل الانفراد، أم على الاشتراك، أي كان هو المقصود والمنظور مع غيره أيضا)... وقد صرَّح بذلك الفاضل الأردبيلي في آيات الأحكام، قال في كتاب الحج منه عند بيان هذه الآية: والظاهر أنَّ المراد الإعانة على المعاصي مع القصد، أو على الوجه الذي يقال عرفا: إنه كذلك.
مثل أن يطلب الظالم العصا من شخص لضرب مظلوم، فيعطيه إياها. أو يطلب منه القلم لكتابة ظلم، فيعطيه إياه، ونحو ذلك مما يعدّ معاونة عرفا.
فلا يصدق على التاجر الذي يتجر ليحصل غرضه، أنّه معاون للظالم العاشر في أخذ العشور، ولا على الحاج الذي يؤخذ منه بعض المال في طريقه ظلما، وغير ذلك مما لا يحصى.
فلا يعلم صدقها على شراء من لم يحرم عليه شراء السّلعة من الذي يحرم عليه البيع، ولا على بيع العنب ممن يعمل خمرا، أو الخشب ممن يعمل صنما، ولهذا ورد في الروايات الكثيرة الصحيحة جوازه، وعليه الأكثر، ونحو ذلك مما لا يحصى. انتهى كلامه رفع مقامه..
وأما الثاني: فالظاهر أيضا اشتراطه، فإذا فعل أحد عملا قد يترتب عليه أمر، ويكون له مدخلية في تحقُّق ذلك الأمر، ولم يترتب عليه ذلك الأمر، فلا يقال: إنّه أعانه على ذلك الأمر، وإن كان مقصوده منه إعانة شخص آخر في تحقُّق ذلك الأمر وحصوله..
وأما الثالث: وهو العلم بتحقُّق المعاون عليه وبترتبه على عمله، فهو لا يشترط، فإنه لو غرس كرما بقصد أنَّه لو أراد أحد شرب الخمر كان حاضرا، فأثمر، وأخذ منه الخمر، وشرب، يكون عمله معاونة على الإثم، وإن لم يؤخذ منه الخمر، لا يكون معاونة وإن أثم في غرسه بهذا القصد.
فالمناط في الإثم والحرمة مطلقا: هو العمل مع القصد، سواء ترتَّب عليه ما قصد ترتبه عليه أم لا، وسواء علم أنّه تتحقُّق النية، أو فعله بقصد أنّه لعلّه يتحقق..
ومن هذا يظهر حال الرابع أيضا، أي اشتراط العلم بمدخلية عمله في تحقُّق المعاون عليه أم لا، وذلك كما إذا علم أنَّ زيدا الظالم يقتل اليوم عمرا ظلما، فأرسل إليه سيفا لذلك، مع عدم علمه بأنَّه هل يحتاج إلى هذا السيف في قتله، وله مدخلية في تحقُّق القتل أم لا؟ فإنه يكون آثما في الإرسال قطعاً، فإنْ اتفق احتياجه إليه، وترتب القتل عليه، يكون معاونا على الإثم أيضا، وإلّا فلا<([29]).
والمتحصل ممَّا تقدم أنَّ لدينا أربعة أمور يمكن أن تقع محلاً للبحث في تحرير محلِّ النِّزاع:
1- قصد المعين تحقيق الفعل المعان عليه بهذه الإعانة، والظاهر اشتراط هذا القصد.
2- تحقُّق الفعل المعان عليه بعد الإعانة، والظاهر أيضاً اشتراطه.
3- العلم أو الظن بتحقُّق الفعل المعان عليه، فلا يشترط، بل يكفي تحقُّق الفعل خارجاً مع مدخلية الإعانة فهذا أمر واقعي صدر خارجا بتبع صدور الإعانة، فيتحقُّق بذلك موضوع القاعدة بلا شك.
4- العلم بمدخلية فعله وإعانته في تحقُّق المعان عليه، ولا يشترط.
هذا هو المتحصل من كلام المولى النراقيO، وهو أنَّ الإعانة تتوقف على تحقُّق الأمرين الأولين، ولا تتوقف على الأمرين الأخيرين، فكلما تحقُّق قصد المعين للإعانة، وتحقُّق الفعل المعان عليه خارجا فإن الإعانة واقعا موجودة فتحرم.
إلا أنَّ هناك من خالف في هذه الشروط لا سيَّما شرط تحقُّق المعان عليه في الخارج وعدم تحققه، قال السيد المراغي في عناوينه الفقهية: >وهل يشترط في تحريم ذلك ترتب المعصية المقصودة عليه، فلو نوى الإعانة وفعل فلم يترتب المعصية لعروض مانع عنه كمن أعطى سيفا لقتل مظلوم فلم يقتله الظالم، أو آجر دارا للخمار بهذا القصد فلم يتمكن من جعله فيه لا يعد هذا معصية؟ الحق عدم الاشتراط، فإنه محرم وإن لم يترتب عليه. لكنه هل تحريمه لأنه إعانة، أو تحريم آخر من جهة أن الإعانة على الإثم لا يصدق إلا بحصوله؟ لا أستبعد صدق الإعانة على المحرم بمجرد قصد ذلك عرفاً وإن لم يوجد في الخارج، فإنَّ الإعانة عبارة عن تهيئة المقدمات للمحرم، وهي لا تستلزم حصوله وإن كان ظاهر بعض المدققين عدم كونه إعانة، والله العالم. نعم، يشترط العلم أو الظن بحصول المعصية، إذ لا يتحقُّق القصد إلى الإعانة إلا بذلك.. ويشترط أيضاً علمه أو ظنه أو احتماله بمدخلية عمله في الإثم المقصود<([30]).
والمتحصل ممَّا أفاده خلافاً للنراقي أنَّه يشترط الشرط الأول والثالث دون الشرط الثاني: فالإعانة لديه هي ما كان فيها ناوياً وقاصداً تحقيق الفعل المحرم، هذا الفعل الذي يعلم أو يظن بتحققه، لا أن يقصد الإعانة ولو على الأفعال المعلوم عدم تحققها، أو المشكوك تحققها دون أن تبلغ درجة الظن.
الإشكال على عدم اشتراط التحقق
أشكل الفاضل اللنكراني على دعوى تحقُّق الإعانة من دون تحقُّق المعان عليه خارجا، قالO: >وجه التعجب أنَّ كون المعان عليه إثماً ومعصية لا يوجب التغيير في معنى الإعانة، ومن الواضح أنَّه مع عدم تحقُّق المعان عليه في الخارج كيف يعقل تحقُّق الإعانة عليه؟ فإذا لم يتحقُّق التزويج مثلًا لمانع، هل يجوز دعوى أنَّ زيداً أعان عمراً على التزويج، ولو كان هناك إطلاق فهو مبني على التسامح، وإلا فالإطلاق الحقيقي لا يكون له وجه أصلًا<([31]).
تعليق
الإنصاف أنَّ العرف يفرق في الأفعال: ففي كثير من الأحيان لا يرى تحقُّق الإعانة من دون تحقُّق الفعل المعان عليه خارجاً، بينما يحكم في بعض الأحيان الأخرى بتحقُّق الإعانة ولو من دون تحقُّق الفعل المعان عليه (الحرام)، ومدار الحكم مدار تحقُّق موضوعه، والعرف متى ما حكم بتحقُّق الموضوع فالحكم ثابت وإن كان منشأ تحقيق العرف للموضوع عدم تدقيقه في الحيثيات في بعض الأحيان، فلا يحاكم العرف بالدِّقة العقلية، وعليه متى ما حكم في فعل بتحقُّق الإعانة حرمت ولو لم يتحقُّق المعان عليه. وإلا عاد الإشكال إلى الإعانة المحرمة بناء على أنها لا تحرم إلا بعد تحقُّق الفعل المعان عليه، فالسؤال أن الإعانة في ظرفها السابق لظرف تحقُّق الفعل الحرام هل هي خالية من الحكم الشرعي والخطاب؟ فالمعين لو سأل عن جواز فعله الآن فما هو جوابه؟! لا شكَّ أنَّ هناك شروطا مفروغا عنها في تحقُّق الموضوع وهي القصد إلى الإعانة والظن بتحقُّق الفعل المعان عليه، ومتى ما تحقَّق الشرطان حرمت الإعانة في ظرفها بغض النظر عن تحقُّق المعان عليه بعد ذلك، وأمَّا دعوى الانكشاف المتأخر فكأن العرف لا يلتفت إليها في بعض الأفعال المعقدة وإن تمت في بعض آخر.
تطبيقات القاعدة
تحرم مجموعة كبيرة من الأمور بعنوان أنَّها إعانة على الإثم والعدوان، بينما تختل في مجموعة أخرى بعض الشروط التي أخذناها في تحرير محل النزاع وبيان حدود الموضوع فلا تحرم، ونحن نذكر ما يحرم كتطبيقات للقاعدة، وما تختل فيه بعض الشروط نذكره تحت عنوان المستثنيات من القاعدة تجوّزاً، فأما أمثلة ما يحرم:
1/ بيع السلاح إلى العدو لإعانته على حرب المسلمين.
2/ إجارة السكن والحمولات للمحرمات.
4/ بيع العنب ليعمل خمرا، أي بقصد أن يعمل خمرا.
5/ بيع الخشب ليعمل صنما.. وهكذا.
قال في كشف الرموز تحت عنوان ما يقصد به المساعدة على المحرم: "(الثالث) ما يقصد به المساعدة على المحرّم كبيع السلاح لأعداء الدين في حال الحرب.
وقيل: مطلقا، وإجارة المساكن والحمولات للمحرّمات، وبيع العنب ليعمل خمرا، والخشب ليعمل صنما، ويكره بيعه ممّن يعمله"([32]).
6/ بيع الخمر ومثلها، قال في هداية الأمة: "العاشر: في بيع الخمر ونحوها وشرائها والمساعدة على شربها وقد مر: "وَقَالَ الْبَاقِرُg: >لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِe فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً: غَارِسَهَا، وحَارِسَهَا، وعَاصِرَهَا، وشَارِبَهَا، وسَاقِيَهَا، وحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وبَائِعَهَا، ومُشْتَرِيَهَا، وآكِلَ ثَمَنِهَا<، ورُوِيَ: >وعَاصِرَهَا، ومُعْتَصِرَهَا<، وَقَالَg: >شَارِبَهَا وعَاصِرَهَا ومُعْتَصِرَهَا فِي النَّارِ، وبَائِعَهَا، ومُبْتَاعُهَا، وحَامِلَهَا، والْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وآكِلَ ثَمَنِهَا سَوَاءٌ فِي عَارِهَا وإِثْمِهَا، أَلَا ومَنْ بَاعَهَا، أَوِ اشْتَرَاهَا لِغَيْرِهِ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ صَلَاةً ولَا صِيَاماً ولَا حَجّاً ولَا اعْتِمَاراً حَتَّى يَتُوبَ مِنْهَا<"([33]).
7/ معونة الظَّالمين على الظُّلم، وهو من أوضح المصاديق وأجلاها، روى ابْنُ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ بَشِيرٍ عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: "كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِg إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فَقَالَ لَهُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، إِنَّهُ رُبَّمَا أَصَابَ الرَّجُلَ مِنَّا الضَّيْقُ أَوِ الشِّدَّةُ فَيُدْعَى إِلَى الْبِنَاءِ يَبْنِيهِ أَوِ النَّهَرِ يَكْرِيهِ([34]) أَوِ الْمُسَنَّاةِ يُصْلِحُهَا فَمَا تَقُولُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِg: >مَا أُحِبُّ أَنِّي عَقَدْتُ لَهُمْ عُقْدَةً أَوْ وَكَيْتُ لَهُمْ وِكَاءً([35]، وَإِنَّ لِي مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا، لَا ولَا مَدَّةً بِقَلَمٍ، إِنَّ أَعْوَانَ الظَّلَمَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي سُرَادِقٍ مِنْ نَارٍ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَ الْعِبَادِ<([36]).
8/ الإعانة على القتل، في الخلاف: "مسألة 36 [المعاونة على القتل بالإمساك]: روى أصحابنا أنَّ من أمسك إنساناً حتى جاء آخر فقتله، أن على القاتل القود، وعلى الممسك أن يحبس أبداً حتى يموت، وقال الشافعي: إن كان أمسكه متلاعباً مازحاً فلا شيء عليه، وإن كان أمسكه عليه للقتل أو ليضربه ولم يعلم أنه يقتله فقد عصى وأثم، وعليه التعزير، وروي ذلك عن عليg، وإليه ذهب أهل العراق: أبو حنيفة وأصحابه، وقال مالك: إن كان متلاعبا لا شيء عليه، وإن كان للقتل فعليهما القود معا، كما لو اشتركا في قتله"([37]).
9/ الإذن للعاصي بسفر المعصية، بل وغير ذلك ممَّا يصدق معه الإعانة على سفر المعصية كتسهيل بعض المقدمات، قال في المعتبر: >ولا يترخص العاصي بسفره كالآبق، وقاطع الطريق، وتابع الجائر، والعادي والتاجر بالمحرمات، وبه قال الشافعي، وأحمد، وقال أبو حنيفة: يترخص لأنه مسافر فيترخص كالمطيع. لنا: إنَّ الرخصة إعانة على السفر ورفق لتحصيل غرض السفر، فالإذن له إعانة على المعصية"([38]).
10/ أن يدلَّ المحرم على الصيد ليقتله، قال في التذكرة: "مسألة 202: لو دلَّ محرم محرما على صيد فقتله، وجب على كلِّ واحد منهما فداء كامل عند علمائنا، وبه قال الشعبي وسعيد بن جبير وأصحاب الرأي"([39]).
11/ إعطاء الأجرة من أجل صنع التماثيل الحرام، قال في عوائد الأيام: "وأمَّا مثل عمل الصور المجسمة الذي ثبتت حرمته، فيكون إعطاء الأجرة لعملها حراما، لكونه معاونة على الإثم، وكذا كل عمل يكون أصل العمل حراما، يكون الاستئجار له معاونة على الإثم ومحرما. واللّه العالم"([40]).
12/ وضع السوط بيد الظالم ليجلد البريء.
13/ المعاونة الفكرية؛ كاختراع أسلحة الدمار الشامل.. وهكذا.
الحرمة لا تقتضي البطلان
ذكر المرحوم الفاضل اللنكراني مسألة لها ارتباط وثيق بمحل حديثنا، وهي أن الإعانة على الإثم متى ما حرمت فهل يبطل بذلك الفعل الذي أعان بواسطته؟ كبيع العنب لصنع الخمر، فهل البيع باطل أيضا لمكان بطلان المعاملة المنهي عنها؟ أجاب عن ذلك صغرى وكبرى: أما الصغرى فإن البيع ليس منهيا عنه، وإنما المنهي عنه هو الإعانة، وأما الكبرى فلا يسلم بكون النهي موجبا لفساد المعاملة، قالO في قواعده: >الجهة الرّابعة: في أنَّه إذا صارت معاملة محرمة لأجل الإعانة على الإثم، كبيع العنب لأجل صرفه في التخمير، لا يوجب ذلك بطلان المعاملة، وإن قلنا بأنَّ النهي والتحريم المتعلق بالمعاملة يوجب فسادها، على خلاف ما هو مقتضى التحقيق، كما بيّن في محلّه؛ وذلك لأنَّ التحريم بمقتضى النصوص والفتاوى إنّما تعلّق بعنوان الإعانة على الإثم والعدوان، وقد حقق في محلّه أنَّه لا يعقل أن يسري الحكم من متعلَّقه إلى شيء آخر، ولو كان بينهما اتّحاد في الخارج، وعلى هذا المبنى قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي في المسألة الأصولية، وفي المقام بيع العنب في المثال المذكور، وإن كان منطبقاً عليه عنوان الإعانة على الإثم، إلّا أنَّه لا يكاد يسري الحكم من عنوان الإعانة إلى عنوان البيع، فالمحرَّم في جميع الحالات وفي جميع المقامات هو نفس هذا العنوان، وأمَّا عنوان البيع فهو محكوم بحكمه الأوّلي وهو الجواز، فلا مجال لأن يصير باطلًا لأجل الحرمة، بعد كون متعلَّقها هو عنوان الإعانة دون المعاملة"([41]).
مستثنيات القاعدة
بناء على اختلال بعض الشروط في موضوع الإعانة فإنَّا نسمِّيها مستثنيات تجوُّزاً، ونوردها معاً كنماذج مهمَّة وموضع ابتلاء في الأحكام الفقهية:
1/ جواز بيع العنب ممَّن يصنعه خمراً والخشب ممَّن يصنعه بربطا([42]) إذا لم يكن قاصداً إعانته في ذلك.
2/ إجارة السفينة لمن يحمل الخمر والخنزير.
3/ بيع المتنجِّس على الذمي.
4/ بيع الميتة لمن يستحلُّها.
5/ بيع الحرير على الرِّجال.
6/ بيع أواني الذهب والفضة أو صنعها لمن يعلم أنَّه يستعملها في الأكل والشرب، أو إعطاء الأجرة على صنعها.
ولا شكَّ أنَّ التَّحليل في كلِّ هذه الأمور في حال عدم قصد الإعانة على إتيان الحرام والقيام بهذا الفعل، فإنَّه ما لم يقصد ذلك فلا مانع من بيعه حال عدم قصد الإعانة، قال في عوائد الأيام: "ثمَّ إذا أحطت بما ذكرنا تعلم وجه ما ذهب إليه الأكثر: من جواز بيع العنب ممن يعلم أنّه يجعله خمرا ما لم يتفق عليه، وحرمته مع الاتفاق عليه.
أما الأول: فلأنَّ المقصود من البيع، وغرض البائع منه، ليس جعل ذلك خمرا، فلا يكون إعانة على الإثم وإن علم أنّه يجعله كذلك. وذلك مثل حمل التاجر المتاع إلى بلد للتجارة، مع علمه بأنَّ العاشر يأخذ منه العشور، أو بناء شخص دارا لزيد، مع علمه بأنّه يشرب فيه الخمر.
وأما الثاني: فلأنَّه مع الاتفاق عليه أو شرطه، يكون البائع بائعا بقصد الحرام، فيكون آثما وإن لم يكن لأجل المعاونة على الإثم إن لم يتحقُّق جعله خمرا. ومن هذا أيضا يظهر: عدم الحاجة إلى التأويلات البعيدة في الروايات المصرّحة بجواز بيع العنب لمن يعلم أنّه يجعله خمرا، أو الخشب لمن يجعله بربطا، وإجارة السفينة لمن يحمل الخمر والخنزير، بل تبقى على ظاهرها، ولا ضير فيه، لعدم كون ذلك إعانة على الإثم، ولا محرّما ما لم يقصد البائع ببيعه ذلك..
ومن ذلك أيضا يظهر: سرّ ما ورد في روايات كثيرة من جواز بيع المتنجس من الذمي، والميتة لمستحلّ الميتة، مع كون الكفّار مكلّفين بالفروع، فإنه لا ضير في ذلك، لأنَّ البائع لم يفعل حراما.
ويظهر من ذلك أيضا: عدم حرمة بيع الحرير للرجال، وإن علم أنّهم يلبسونه، إلّا إذا كان مقصوده من بيعه منهم لبسهم، فإنَّ المشتري مأمور بعدم اللبس، فإن لبسه يكون عاصياً، ولا إثم على البائع.
وكذلك من يصنع أواني الذهب والفضة، أو يبيعها لمن يعلم أنّه يستعملها.
وكذلك من يعطي الأجرة على صنعها، إلّا إذا قصد به الاستعمال، فيكون آثما لأجل هذا القصد<([43]).
7/ بيع السلاح على أعداء الدين ما لم ينو إعانتهم على قتال المسلمين وما لم يكونوا في حرب مع المسلمين، وأما إذا كانوا يحاربون المسلمين فلا يجوز بيع السلاح ولا حمله إليهم([44]). جاء في الرواية عن أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ رِبَاطٍ عَنْ أَبِي سَارَةَ عَنْ هِنْدٍ السَّرَّاجِ قَالَ: "قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍg: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، إِنِّي كُنْتُ أَحْمِلُ السِّلَاحَ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ فَأَبِيعُهُ مِنْهُمْ، فَلَمَّا أَنْ عَرَّفَنِيَ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ ضِقْتُ بِذَلِكَ، وقُلْتُ لَا أَحْمِلُ إِلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ، فَقَالَ: احْمِلْ إِلَيْهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ بِهِمْ عَدُوَّنَا وعَدُوَّكُمْ -يَعْنِي الرُّومَ- وبِعْهُمْ، فَإِذَا كَانَتِ الْحَرْبُ بَيْنَنَا فَلَا تَحْمِلُوا، فَمَنْ حَمَلَ إِلَى عَدُوِّنَا سِلَاحاً يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَيْنَا فَهُوَ مُشْرِكٌ"([45]).
8/ إجارة المساكن والسفن وغيرها مما يستفاد منها في المحرمات ما لم يشترطوه في العقد أو يتوافقوا عليه.
هذا والكلام في كثير من المصاديق يحتاج إلى تنقيح النَّظرة العرفية، فإن انطبق على المورد عنوان الإعانة بنظره حرمت حتى لو كانت خالية من القصد، والله العالم.
ومن هنا قد يختلف الفقهاء في تشخيص بيع الدروع على الكفار فهل هي إعانة؟ فبين من يخص الإعانة ببيع السلاح لنكتة أنَّ حماية الكافر نفسه ليست إعانة على المسلم، ومنهم من قد يميل إلى كونها إعانة من باب أنَّها تقوية للكافر وتمكين له في حرب المسلم، وهكذا، ولعلَّ التفريق في بعض الروايات بين بعض المصاديق تحليلاً وتحريماً راجع إلى النَّظرة العرفية إليها آنذاك، حيث جعلت بعض المصاديق إعانة والبعض الآخر ليس كذلك، مع أنَّ المادة المصنوع منها (الخشب) واحدة، ونية الإعانة منتفية في كلا الموردين، ففي رواية مُحَمَّد بْن يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ قَالَ: "كَتَبْتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِg أَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ لَهُ خَشَبٌ فَبَاعَهُ مِمَّنْ يَتَّخِذُ مِنْهُ بَرَابِطَ؟ فَقَالَ: >لَا بَأْسَ بِهِ<، وعَنْ رَجُلٍ لَهُ خَشَبٌ فَبَاعَهُ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ صُلْبَاناً؟ فَقَالَ: >لَا<"([46]).
الخاتمة
من خلال هذا البحث توصلنا إلى تحريم الإعانة على الإثم، واستفدناها كقاعدة وكبرى يمكن تطبيقها على مواردها المختلفة، وذلك بعد التوقف عند معاني مفردات القاعدة، وبعد الفراغ عن تنقيح محل النزاع وبيان حدود القاعدة، وهي تعتمد بشكل أساسي على تحقيق شرطين: الأول: قصد الإعانة على تحقيق الفعل المحرم، والثاني: الظن بتحقُّق هذا الفعل خارجا. بينما لم نشترط بقية الشروط الأخرى من تحقُّق الحرام خارجا، أو اشتراط العلم بتحقُّق الحرام، أو اشتراط العلم باستناد التحقُّق إلى الإعانة. ومع ذلك ظهر أن المعيار الأساسي والركن الهام في تحديد حدود الإعانة هو العرف، وهو مرن يقبل التضييق والتوسعة تبعا للملابسات المختلفة.
كما ذكرنا عدة أدلة ومناقشات في بيان مدرك القاعدة ومستندها، وتوقفنا مع الآراء الفقهية للأعلام نقضا وإبراما، ثم ذكرنا تطبيقات مختلفة للقاعدة وختمنا بذكر المستثنيات.
والحمد لله رب العالمين.
([1]) سورة المائدة 2.
([2]) القواعد الفقهية (للفاضل)، ص: 450. وهذا بحث والتفاتة هامة جداُ، لما لها من أثرٍ فقهي خطير يترتَّب عليها، فمن يتصوَّر انحصار الإعانة على الفعل المادي الخارجي فإنه لن يتمكن من تحريم الكثير من الموارد المتفق على تحريمها بعنوان القاعدة، وإنما سيقتصر على الأدلة المباشرة على هذا العنوان أو ذاك، فنشر كتب الضلال المؤدية لفعل الآثام مثلا إعانة فكرية يمكن تحريمها بالقاعدة حال ثبوتها وإن لم يرد دليل خاص في كتب الضلال أو لم يكن تاما، كذلك سيكون حكم النظريات والإبداعات العلمية إن كانت تؤدي إلى تحقيق الآثام والشرور كما هو حال اختراع القنبلة النووية أو غيرها من أسلحة الدمار الشامل، فهذا العلم الذي يكون غرضه الفساد في الأرض سيكون موردا وتطبيقا للقاعدة.
([3]) عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام، المولى النراقي، ص: 75.
([4]) العناوين الفقهية؛ ج1، السيد مير حسيني المراغي، ص563-567.
([5]) حاشية المكاسب (للإيرواني)؛ ج1، الشيخ علي الإيرواني، ص: 15.
([6]) حاشية المكاسب (للإيرواني)، ج1، الشيخ علي الإيرواني، ص: 16.
([7]) القواعد الفقهية (للفاضل)، الفاضل اللنكراني، ص: 446.
([8]) القواعد الفقهية (للفاضل)، ص: 450.
([9]) الخلاف، ج5، الشيخ الطوسي، ص: 174.
([10]) نقل في شرح الشيخ جعفر على قواعد العلامة ابن المطهر الإجماع على تحريم بيع العنب ليعمل خمرا، والخشب ليعمل صنما، راجع الشرح ص: 23، وقال في عوائد الأيام: "قال اللّه سبحانه في سورة المائدة {ولٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ والْعُدْوٰانِ}، وهذه الآية الكريمة تدل على حرمة المعاونة على كلِّ ما كان إثما وعدوانا. واستفاضت على تحريمها الروايات، وانعقد عليها إجماع العلماء كافة، واستدل بها الفقهاء في موارد كثيرة على أحكام عديدة، ولا كلام في ثبوت تحريمها والنهي عنها"، [عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام، المولى النراقي، ص: 75]، ونقله المرحوم اللنكراني: >هذا الأمر مفروغ عنه عندهم ويرسلونه إرسال المسلّمات< [القواعد الفقهية (للفاضل)، ص: 450] ومع هذا قال: >و لكنا قد ذكرنا مراراً إنه لا أصالة لمثل هذا الإجماع، بعد دلالة الكتاب والسنة، بل وحكم العقل على ما عرفت، فلا يكون دليلًا مستقلا في مقابلها< [المصدر نفسه].
([11]) كتاب المناهل، السيد محمد مجاهد الحائري، ص: 314.
([12]) تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)، ج7، العلامة الحلي، ص: 268.
([13]) القواعد الفقهية (للفاضل)، ص: 449.
([14]) حاشية المكاسب (للإيرواني)؛ ج1، ص: 15.
([15]) القواعد الفقهية (للفاضل)؛ ص: 443-444.
([16]) موسوعة الإمام الخوئي؛ ج24، السيد الخوئي، ص: 151.
([17]) القواعد الفقهية (للفاضل)، ص: 445.
([18]) لم أذكره بالاسم خشية أن تخونني الذاكرة في هذا المطلب المأخوذ سماعا.
([19]) سورة هود 113.
([20]) كتاب المناهل، السيد محمد مجاهد الحائري، ص: 314.
([21]) وسائل الشيعة؛ ج12، الحر العاملي، ص: 304.
([22]) وسائل الشيعة؛ ج12، الحر العاملي، ص: 304.
([23]) وسائل الشيعة، ج12، الحر العاملي، ص: 305.
([24]) وسائل الشيعة؛ ج16، الحر العاملي، ص: 55-56.
([25]) وسائل الشيعة، ج16، الحر العاملي، ص: 56.
([26]) وسائل الشيعة، ج16، الحر العاملي، ص: 57.
([27]) القواعد الفقهية (للفاضل)، ص: 447.
([28]) القواعد الفقهية (للفاضل)، ص: 448-449.
([29]) عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام، المولى النراقي، ص: 75-79.
([30]) العناوين الفقهية، ج1، السيد مير حسيني المراغي، ص: 567-568.
([31]) القواعد الفقهية (للفاضل)، ص: 453.
([32]) كشف الرموز في شرح مختصر النافع؛ ج1، الفاضل الآبي، ص: 438.
([33]) هداية الأمة إلى أحكام الأئمة - منتخب المسائل؛ ج-8، الحر العاملي، ص: 239-240.
([34]) في القاموس: كرى النهر: استحدث حفره. من المصدر.
([35]) الوكاء- بالكسر-: الخيط الذي يشد به الصرة والكيس وغيرهما.( النهاية)، من المصدر.
([36]) الكافي (ط- الإسلامية) ج5، الشيخ الكليني، ص107، ح7.
([37]) الخلاف؛ ج5، شيخ الطائفة الطوسي، ص: 173-174.
([38]) المعتبر في شرح المختصر؛ ج2، المحقق الحلي، ص: 470.
([39]) تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)؛ ج7، العلامة الحلي، ص: 267-268.
([40]) عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام، المولى النراقي، ص: 81.
([41]) القواعد الفقهية (للفاضل)، الفاضل اللنكراني، ص: 458-459.
([42]) قالَ اللَّيْثُ: هو العُودُ مِنْ آلاتِ المَلاهِي [تاج العروس ج10، الحسيني الزبيدي، ص191].
([43]) عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام، المولى النراقي، ص: 80-81.
([44]) وهذا يعني أن ما ذكروه في شروط تحرير محل النزاع وتحديد الإعانة المحرمة يمكن النقاش فيه، ففي الغالب يكون القصد إلى الإعانة شرطا في تحقيق موضوع القاعدة، ولكن لما ادعينا سابقا كون تحقيق هذا العنوان (الإعانة) بيد العرف، فلا ضير في أن تختل بعض الشروط أحيانا بنظر العرف، وفي موردنا هذا يرى العرف أن حمل السلاح للأعداء حال محاربتهم للمسلمين إعانة على الإثم والعدوان بلا شك ولا ريب، وإن لم ينو الإعانة أو يقصدها، فالإعانة عنوان له حيثيات متعددة يمكن أن يتحقق من خلالها بحسب الملابسات، فتارة يكون بالقصد وأخرى بالانطباق. ولذلك قد يختلفون في بعض هذه المصاديق حتى مع عدم قصد الإعانة على تحقيق الفعل المحرم، قال في كفاية الأحكام: >وفي تحريم إجارة البيت والسفينة لمن يعلم أنّه يفعل المحرّمات خلاف، فقيل بالتحريم نظراً إلى الآية ورواية صابر. والأقرب الجواز، لحسنة ابن أُذينة ومنع كون ذلك معاونة. وفي بيع العنب لمن يعلم أنّه يعمله خمراً خلاف، والأقرب الجواز، لصحيحتي ابن أبي نصر ومحمّد الحلبي، وحسنة عمر بن أُذينة، وصحيحة رفاعة بن موسى، وصحيحة الحلبي، ورواية أبي كهمس وغيرها< [كفاية الأحكام، ج1، المحقق السبزواري، ص: 426].
([45]) الكافي (ط - الإسلامية) ج5 الشيخ الكليني؛ ص112.
([46]) تهذيب الأحكام (تحقيق خرسان) ج6، الشيخ الطوسي، ص373.
0 التعليق
ارسال التعليق