بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم على محمد وآله.
وردت مجموعة من الروايات عُللت فيها حلية متعلَّقها والعنوان المسؤول عنه على تنوعه واختلافه بمثل (إنما الحرام ما حرم الله في كتابه)، وإليك جملة منها:
الأولى: صحيحة زرارة عن أحدهما‘ أنه قال: إن أكل الغراب ليس بحرام، إنما الحرام ما حرم الله في كتابه، ولكن الأنفس تتنزه عن كثير من ذلك تقززاً.(1)
الثانية: صحيحة محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر(ع) أنهما سألاه عن أكل لحوم الحمر الأهلية. فقال: نهى رسول الله عن أكلها يوم خيبر، وإنما نهى عن أكلها في ذلك الوقت، لأنها كانت حمولة الناس، وإنما الحرام ما حرم الله في القرآن.(2)
الثالثة: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر(ع) أنه سُئِلَ عن سباع الطير والوحش حتى ذكر له القنافذ والوطواط والحمير والبغال والخيل فقال: ليس الحرام إلا ما حرم الله في كتابه، وقد نهى رسول الله يوم خيبر عن أكل لحوم الحمير، [وإنما نهاهم من أجل ظهورهم أن يفنوه](3)، وليست الحمر بحرام ثم قال: اقرأ هذه الآية {قُلْ لاَ أَجِدُ فِيْمَاْ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاْعِمٍ يَّطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَّكُوْنَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوْحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيْرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ}(4).
الرابعة: صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن الجِرّي والمارماهي والزِمِّير، (وما ليس له قشر) من السمك أحرامٌ هو؟ فقال لي: «يا محمد اقرأ هذه الآية التي في الأنعام:{قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} قال: فقرأتها حتى فرغت منها، فقال: إنما الحرام ما حرم الله [ ورسوله](5) في كتابه، ولكنهم قد كانوا يعافون أشياء، فنحن نعافها» (6)
وهذه الروايات تؤذن باستفادة قاعدة سيَّالة في باب الأطعمة، مؤداها حــلـية تناول غير ما جاءت في الكتاب حرمته من الحيوان ـ كلاً أو جزءاً ـ.. إلا أنه لا قائل بحصر المحرمات فيما ذكر.
ولذا جرت للخروج عن هذا المشكل محاولات توفيقية تبقي لنا الأخذ بهذا المؤدَّى(7):
منها - ما ذكره الشيخ في التهذيب مذيِّلاً به الرواية الثالثة - من أن المقصود من فقرة (ليس الحرام إلا ما حرم الله في كتابه) " ليس الحرام المخصوص المغلَّظ الشديد الحظر إلا ما ذكره الله في القرآن،- مضيفاً - وإن كان في ما عداه محرمات كثيرة إلا أنه دونه في التغليظ "(8) واستدل لذلك برواية أبي بصير عن أبي عبد الله(ع) قال: كان يكره أن يؤكل من الدواب لحم الأرنب والضب والخيل والبغال، وليس بحرام كتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير... (9).
وتعقّبه في كفاية الأحكام بقوله: "وهذا التأويل لا يخلو عن بُعْدٍ"(10)وهو كذلك، فإن ظاهر فقرة (ليس الحرام إلا ما حرم الله في كتابه) نفي أصل الحرمة رأساً، وأما ما استدل به من رواية أبي بصير فهو واضح في نفي الرتبة الواحدة للحرمة في لحم الأرنب والضب والخيل والبغال، وفي الميتة والدم والخنزير، وأن حرمة الثلاثة الأخيرة أشد من سابقتها، إلا أنه لا موجب لأن يكون المراد من صحيحة ابن مسلم نفس المراد من رواية أبي بصير، بعد عدم نظر الثانية إلى الأولى. كما أنه يلزم من هذا التأويل رجوع النفي إلى القيد أعني التغليظ- على غرار ما في قوله سبحانه { هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً} - ومعه يثبت التحريم غير المغلَّظ- كما أفاده المقدس الأردبيلي(قده) - حيث قال: "بل الظاهر ثبوت التحريم الغير المغلَّظ بناءً على رجوع النفي إلى القيد"(11) وبموجبه يكون حكم لحم الحمر هو الحرمة، فقد كانت الحمر في ضمن المسؤول عن حكمها، وهذا ما يتنافى مع قوله(ع):"وليست الحمر بحرام".
ومنها - ما ذكره في المختلف مذيِّلاً به الرواية الأولى- من أن المراد من نفي تحريم الغراب نفي تحريمه المستند إلى كتاب الله تعالى - وأضاف - ولهذا قال(ع) "إنما الحرام ما حرم الله تعالى في كتابه"(12) ومعه فلا ينافي هذا النفي تحريمه بالسنة.
ويتوجَّه عليه ما توجَّه على المحاولة السابقة.
ومنها - ما ذكره الفاضل الهندي(قده)- من أن المراد بالحرام ما هو بمعنى الفريضة بأحد معانيها، وهو ما نُصَّ في الكتاب على تحريمه(13).
وقد دلَّت جملةٌ من الروايات على أنَّ للرسول ولايةً على النهي عن أشياء لم يحرِّمها الله في كتابه، وأنه إذا فعل أجاز الله له ذلك(14). وحينئذٍ فالحرام المستند للشارع هو ما حرَّم الله في كتابه، وأما ما صدر عن النبي فهو نهي نبوي أو معصومي لا حرام إلهي، فلا تنافيَ بين مفاد روايات مسألتنا في بيان أن الحرام هو ما في الكتاب، وبين النهي عن الفعل في أحاديثهم. وثمرة ذلك تظهر في فرض التزاحم، كما لو اضطر المكلَّف إلى أحد الفعلين الحرام أو المنهي عنه، فإنه يعتبر مضطراً للثاني من باب تقديم الفريضة على السنة.
وهذه المحاولة تلتقي مع سابقتها روحاً، فما توجَّه على السابقة يتوجَّه عليها.
ومنها - ما ذكره المحدث المجلسي(قده) مذيِّلاً به الرواية الثانية – من أن المقصود بـ(ما حرم الله في كتابه) الأعم من أن يكون في ظهر القرآن ونفهمه، أو في بطنه ويبينه الحجج(ع) لنا (15) وقريب منه في المستند(16) وجامع المدارك (17).
وقد يتوجَّه عليه بأن قضية وجود كل المحرمات في القرآن بطناً أو ظهراً وإن كانت أمراً لا شبهة فيه؛ بموجب كون القرآن تبياناً لكل شيء، وعدم التفريط فيه، إلا أن إلقاء (إنما الحرام ما حرم الله في كتابه) كضابطةٍ لغير المستحفَظين قد لا يتناسب وإرادة الأعم من الحرام في ظهر القرآن أو بطنه من قوله (ما حرم الله في كتابه).
والمتحصَّل مما تقدم هو إباء ظاهر المفاد عن التصرف في مفردة الحرام بما يلتقي مع تحريم أشياء في السنة.
ومنها محاولةٌ للمولى النراقي(قده) للجمع بين هذا المفاد وبين الأخبار المحرِّمة لجملة أشياء، بأن غاية هذا المفاد أن يكون عاماً مخصوصاً بالسنة، - ويضيف قائلاً - ومثله ليس بعزيز، ولا يلزم خروج الأكثر؛ لتصريح الكتاب بحرمة الخبائثِ الغير المحصورة أو المعلومة أنواعها، والرجسِ الشامل لجميع النجاسات المأمور باجتنابه الشامل للأكل، ومالِ الغير بدون التراضي، وما لم يُذكر اسم الله عليه، والمنخنقةِ وما تعقبها، ولم يُعلم كون ما عدا ذلك من المحرمات أكثر من هذه المذكورات. (18)
وفي فقه الصادق: " إن مقتضى إطلاقه ـ يعني (إنما الحرام ما حرم الله في كتابه) ـ عدم حرمة ما لم يُحَرَّم في القرآن مطلقاً، خرج عن عمومه ما دل الدليل بخصوصه على الحرمة.(19)
ويرد عليهما بأن مفاد (إنما الحرام ما حرم الله في كتابه) ونظائره آبٍ ـ بملاحظة سياقه ـ عن ارتكاب التضييق فيه من التخصيص أو التقييد.
المفاد في نصوص العامَّة:-
- وبعد هذا العرض ومناقشته – نلفت إلى ما ورد من طرق العامَّة مما يضاهي (إنما الحرام ما حرَّم الله في كتابه) – معنىً -، وإليك جملة منها: -
ففي السنن لأبي داوود بسنده عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذُّراً، فبعث الله نبيه وأنزل كتابه، وأحل حلاله وحرم حرامه، فما أحلَّ فهو حلالٌ، وما حرَّم فهو حرامٌ، وما سكت عنه فهو عفوٌ، وتلا {قُلْ لاَ أَجِدُ فِيْمَاْ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} إلى آخر الآية(20).
وفي المستدرك للحاكم النيسابوري بسنده عن عمرو بن دينار قال: قلت لجابر بن عبدالله: إنهم يزعمون أن رسول الله نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، قال: قد كان يقول ذلك الحكم بن عمر، وعن رسول الله ولكن أبى ذلك البحر - يعني ابن عباس (رض)- وقرأ {قُلْ لاَ أَجِدُ فِيْمَاْ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاْعِمٍ يَّطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَّكُوْنَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوْحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيْرٍ} - وقال الحاكم- هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة (21) ورواه البيهقي في السنن(22).
وفي المستدرك أيضاً بسنده عن أبي الدرداء(رض) - رفع الحديث – قال: ما أحلَّ الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله العافية، فإن الله لم يكن نسياً، ثم تلا هذه الآية{وَمَاْ كَاْنَ رَبُّكَ نَسِيّاً} - وقال الحاكم - حديث صحيح الأسناد ولم يخرجاه (23)ورواه البيهقي في السنن(24).
وفي كتاب فقه السنة: وعن سلمان الفارسي أن الرسول سئل عن السمن والجبن والفراء فقال: الحلال ما أحله الله في كتابه، والحرام ما حرمه الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنكم. أخرجه ابن ماجة والترمذي وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ورواه أيضاً الحاكم في المستدرك شاهداً. (25)
المختار:-
وهنا قد يقال: بأن هذه النصوص قرينة على ظهور قوله(ع) (إنما الحرام ما حرَّم الله في كتابه) في مقام الاحتجاج على العامَّة بما يروونه في دعواهم تحريم الحمر الأهلية والغراب ونحوها - وإن كانت حرمة بعضها ثابتة عندنا -، وليست في مقام بيان الحليَّة الفعلية كي تكون معارضةً لروايات التحريم.
وعلى فرض استقرار التعارض بين نصوص حصر التحريم في الكتاب ونصوص التحريم في رواياتهم - كما في الأرنب مثلاً - فالمرجع الآية {قُلْ لاَ أَجِدُ فِيْمَاْ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاْعِمٍ يَّطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَّكُوْنَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوْحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيْرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ}، أو أصالة الحلّ إن لم يتم عموم للآية المباركة؛ لما أفيد من أن الحصر فيها لا يمكن أن يكون حقيقياً، لاستلزامه تخصيص الأكثر المستهجن؛ لوضوح أن المحرمات غير منحصرة في تلك الأمور، فإن منها السباع ومنها المسوخ...ومنها غير ذلك مما يحرم أكله شرعاً، فلا محيص من تأويله إما بحمله على الحصر الإضافي بدعوى أن المحرّمات - بالإضافة إلى ما جعلته العرب محرَّماً على أنفسها في ذلك العصر - منحصرة في تلك الأمور، وإما بحمله على زمان نزول الآية، وانحصار المحرَّمات فيها في ذلك الزمان؛ للتدرُّج في بيان الأحكام.(26)
والنتيجة:-
أنه لم يتم لنا مفاد (إنما الحرام ما حرَّم الله في كتابه) كقاعدةٍ في بابها يحكم بموجبها بحلّية ما لم يحرِّمه القرآن حلّيةً واقعية. ولوتمَّ هذا المفاد لزاد عن حديث الرفع وسائر أدلة البراءة؛ إذ لا تنهض هذه الأدلة إلا لإثبات الحلية الظاهرية لا الواقعية في مورد جريانها.
العناصر الخاصَّة في الروايات الأربع:-
ويحسن بنا في خاتمة هذا البحث أن نتناول العناصر الخاصة في الروايات الأربع التي كان مفاد القاعدة فيها مداراً للبحث فأقول:-
أما الرواية الأولى فلا يسعنا حملها على التقية إلا في فرضٍ بعيد، فإن حرمة أكل الغراب هو المعروف من مذهب العامة، ما عدا أبي حنيفة فإنه يحلل الغراب الأسود دون الأبقع، كما أن ما يصدر تقيةً من حكمٍ لا موجب لتعليله، هذا والظاهر من الرواية أنها كلام مبتدأ من الإمام(ع)، ولا مبرر واضحاً لأن يورد ابتداءً حكماً تقوياً فضلاً عن أن يردفه بتعليل له. ثم على تقدير أن تكون الرواية صادرة عن الباقر(ع) فلا مخالف من العامة في حرمة الغراب في زمنه(ع)، فإن أبا حنيفة لاحقٌ له وتلميذ للصادق(ع). نعم لو كانت الرواية عن الصادق(ع) فإنه لو أمكن حمل صدرها على التقية، ولو لرأي أبي حنيفة في الغراب الأسود – وهذا هو الفرض البعيد المشار إليه – إلا أن المبِّعدات الأُخَر من البيان المبتدأ والتعليل واحتمال كون المروي عنه هو الباقر(ع) تبقى قائمة.
وأما الرواية الثانية فإنها قد اشتملت على حلية لحوم الحمر الأهلية ولما كانت مذاهب العامة أجمع على حرمتها فلا محل لحمل هذه الحلية على التقية، وأما تذييلها بـ(إنما الحرام ما حرم الله في القرآن) فمن الجائز أن يكون قد صدر إلزاماً للخصم لا تعليلاً للحكم وهو الحلية.
وأما الرواية الثالثة فيمكن أن يُقال - كما أفاد المقدس الأردبيلي(قده) - بأنها لا تدل على نفي التحريم عن العناوين المسئول عنها؛ إذ ما قال (إنها ليست بحرام) بل قال(إنما الحرام ما حرم الله) فانظر إن كان شيء حرَّمه فهو حرام وإلا فحلال، وحينئذٍ قد تكون العناوين المسئول عنها من السباع وغيرها حراماً في القرآن بقوله {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}، وليس كلها كذلك، ولهذا أفرد بعد ذلك ذكر الحمر بنفي التحريم.
وأما الرواية الرابعة فهي - بعد معارضتها للمستفيض الدال على حرمة الجرِّي والمارماهي والزمّير وما لا قشر له من السمك(27) - موافقة للعامة، فتحمل على التقيَّة، لا لأن النوبة قد وصلت إلى الترجيح بمخالفة العامَّة، بل لأن لحنها مما يستشم منه رائحة التقية؛ إذ أن الإمام (ع) لم يجب عن سؤال الراوي بنحو مباشر وبالصراحة مؤذناً بوجود طفرة عن الجواب، كما أنه(ع) قد عقَّب الآية {قُلْ لاَ أَجِدُ فِيْمَاْ أُوْحِيَ إِلَيَّ....} بذكر مفادها وهو (إنما الحرام ما حرّم الله في كتابه) وقد تقدَّم أن الحصر في الآية ليس حقيقياً، ثم إنه(ع) قال: (ولكنهم قد كانوا يعافون أشياء)، ولم يتقدّم منه ذكر من يعاف تلك الأشياء، ليكون مرجعاً للضمير، وكأنه يتقي عليهم.
العشرون من ذي القعدة سنة 1427هـ، روجع وزيد عليه في العشرين من جمادى الأولى 1428هـ قم المقدسة.
* الهوامش:
(1) الوسائل 24:125 ب 7 من أبواب الأطعمة المحرمة ح1.
(2) الوسائل 24:117 ب 4 من أبواب الأطعمة المحرمة ح1.
(3) وفي العلل(وإنما نهى عنها من أجل ظهورها مخافة أن يفنوها)، الوسائل 24: 119 ب4 من أبواب الأطعمة المحرمة ح6.
(4) الوسائل 24:123 ب 5 من أبواب الأطعمة المحرمة ح6.
(5) كما في التهذيب والاستبصار، وفي تفسير العياشي وكتاب عاصم بن حميد بدونها، لاحظ المستدرك 16: 178
(6) الوسائل 24: 136 ب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة ح20.
(7) ولا ينبغي أن يفهم من مفاد (إنما الحرام ما حرم الله في كتابه ) معنىً يتسع بسعة أبواب الفقه ؛ إذ أن هذا المفاد وإن كان مطلقاً إلا أن إطلاقه نسبي وبسعة باب الأطعمة، وأما سعته الإطلاقية للأعم منه فغير محرزة ـ على الأقل ـ لو لم نقل بأنا نحرز عدمها؛ لعدم كون تلك الروايات بصدد البيان من هذه الجهة بهذه السعة الوسيعة، وبعبارة فنيَّة: إن قوله (إنما الحرام...) محتف بما يصلح للقرينية على تقييده، وما هو كذلك مجمل، سيما إذا التفتنا إلى أن هذا المفاد قد سيق على أنه نتيجة ومحصَّلة آية { قل لا أجد..}، أي أن اللام في (الحرام) عهدية - لا جنسية – للإشارة إلى ما حُرِّم في الآية، ولا أقل من احتمال ذلك، ولعل سيد الرياض(قده) قد فهم ما ذكرناه أولاً من أن مفاد الجملة معنىً يتسع بسعة أبواب الفقه، ولذا سجَّل على هذا المفاد بأنه فاسد إجماعاً ـ الرياض 12:161 ـ وعلى كلٍ فقد تعقَّبه في المستند15:84 بأنه « فاسد جداً ؛ إذ كل ما يحكم بحرمته في غير القرآن لابد أن يكون في القرآن أيضاً وإن لم نعرفه؛ لأن فيه تبيان كل شيء وما فرَّطنا فيه من شيء، ولكن علمه عند الراسخين فيه».
(8) تهذيب الأحكام9:42.
(9) تهذيب الأحكام 9:42 ح 178.
(10) كفاية الأحكام 2: 598.
(11) مجمع الفائدة والبرهان11: 163.
(12) مختلف الشيعة 8: 289.
(13) كشف اللثام 9: 246.
(14) ومن روايات الولاية المذكورة معتبرة فضيل بن يسار سمعت أبا عبد الله(ع) يقول - في حديث -: إن الله عز وجل فرض الصلاة ركعتين ركعتين عشر ركعات، فأضاف رسول الله(ص) إلى الركعتين ركعتين، وإلى المغرب ركعة، فصارت عديل الفريضة، لا يجوز تركهن إلا في سفر، وأفرد الركعة في المغرب، فتركها قائمةً في السفر والحضر، فأجاز الله له ذلك كله، فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة، ثم سن رسول الله(ص) النوافل أربعاً وثلاثين ركعة مثلي الفريضة، فأجاز الله عز وجل له ذلك، والفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة، منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعد بركعة مكان الوتر - إلى أن قال : - ولم يرخص رسول الله(ص) لأحد تقصير الركعتين اللتين ضمهما إلى ما فرض الله عز وجل، بل ألزمهم ذلك إلزاماً واجباً، ولم يرخص لأحد في شيء من ذلك إلا للمسافر، وليس لأحد أن يرخص ما لم يرخصه رسول الله(ص)، فوافق أمر رسول الله أمر الله، ونهيه نهي الله، ووجب على العباد التسليم له كالتسليم لله. الوسائل4: 45 ب13 من أبواب أعداد الفرائض ح2.
ومنها رواية محمد بن الحسن الميثمي. الوسائل27: 113 ب9 من أبواب صفات الراوي ح21.
(15) بحار الأنوار 62: 176.
(16) مستند الشيعة 15: 84.
(17) جامع المدارك 5: 151.
(18) مستند الشيعة 15: 84-85.
(19) فقه الصادق 24: 152.
(20) سنن أبي داوود2: 208 (31) باب ما لم يذكر تحريمه ح 2800.
(21) المستدرك للحاكم 2: 317، 4: 115.
(22) سنن البيهقي 9: 330.
(23) المستدرك 3: 375.
(24) سنن البيهقي 10: 12.
(25) فقه السنة للسيد سابق 3: 287-288.
(26) التنقيح في شرح العروة الوثقى 3: 15، مستمسك العروة الوثقى1: 353، دراسات في العروة الوثقى5: 37-38.
(27) الوسائل24: 130-137 ب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة، وفيه 23 رواية.
0 التعليق
ارسال التعليق