يرى المبصر عياناً قول رسول الله(ص): «ما أوذي نبيٌّ مثل ما أوذيت» فلا يتحرّق قلبه لما يلاقيه (ص) من أذىً وتوهينٍ وإسقاطٍ من قِبَلِ من لا يؤمن به أساساً بقدر الألم الذي يعتصره من توهين من انبرى للدفاع عن حريمه(ص) وهو لا يعلم أنّه يدكّ راية الرسالة دكاًّ.
فهما فريقان إذن، فريقٌ كافرٌ تمثّله الدنمارك في هذا العصر، وفريقٌ يتجاسر على مقام الخاتم(ص) باسم الدين، وهنا رسالتان، رسالةٌ للدنمارك وللعالم الكافر، ورسالةٌ للمسلمين المسيئين.
أمّا الرسالة الأولى فإنّ من الأحرى بمن يمتلك ذرّةً من الإنصاف والموضوعيّة، والأكاديميّة، والحياديّة في إصدار التقييمات أن يقف وقفة تأمّلٍ أمام هذه الشخصيّة الّتي يدّعي المسلمون أنّ لها شأناً في أقصى قمم الرفعة، وقفةً لقراءة سيرته العطرة، وتصفّح تاريخه الزاكي(ص)، فهي دعوةٌ لقليلٍ من التريّث والتوقّف، واستيفاء كلّ مقدّمات اليقين الموضوعيّة قبل النزول إلى الشارع، وهتْك الحرمات، وحرْق كتاب الله، فهل يُكتفى من العاقل أن يقطع بأيّ معلومةٍ فيحرق الأخضر واليابس بدعوى العلم؟! مع ملاحظة أنّ العاقل لا يرتّب أثر هذا العلم، بل يحتاط في مثل هذه الموارد؛ بمعنى أن يتّهم نفسه، ومقدّماته، وقطعه، واطمئنانه، بل بمعنى أنّ علمه ليس بعلمٍ، فأنّى له الاطمئنان بسوء الرسول، والرسالة، والقرآن وهو بعدُ لم يتأمّل آياته آيةً آيةً؟!! ولم يطّلع على دعاوى المسلمين والّتي هي أدلّةٌ دامغةٌ على خطر الرسول(ص)، بل على عدم تناهي عظمته، وعظمة كلّ نشأةٍ من نشآت وجوده المبارك(ص)؟!! فهل يُكتفى من المزارع أن يقطع بأنّ المريض لا يُعافى إلا إذا قُطِعَتْ قدمه؟! أو أنّ عليه أن يكون بحجم المقطوع فيه؟ ولا كلام لنا عن محرّكيّة قطعه، فإنّ المجنون يركض إذا تصوّر ما يحبّه، وإنّما وظيفتنا التنبيه، فتنبيه الغافلين جزءٌ أساسٌ في رسالة الدين، فإذا فُهِمت بعض دعاوى المسلمين، وصارت مورداً للتّأمّل عَلِم العاقلُ أنّ سقوط هذه الراية هو سقوطٌ لكلّ فضيلةٍ، وكلّ خيرٍ، وكلّ كمالٍ، بل كلّ وجودٍ أو كمالٍ وجوديٍّ، فهي تمثّل وجه الله، وحبله، وصراطه المستقيم، ومصدر فيضه، والفلك الذي يدور عليه التكوين.
وأمّا الرسالة الثانية فللدّاخل الإسلاميّ نقول بأنّ مشكلتنا لا تزال مع القطع، وما أدراك ما خطورة القطّاعين؟!! فذاك يقاتل علياًّ(ع) وقد طعن بالرمح في صدره وهو يقول: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}، وهذا يقطع رأس المسلم ويرجو بذلك الدرجات العالية، فإذا صودر علينا الكلام بدعوى هذا العلم وهذا القطع، فليس من حقّنا أن نسكت، بل يحتّم علينا تكليفُنا أن نصرخ في آذانهم بما تمتلكه حناجرنا من صوتٍ فنقول لهم: «أنتم لستم قاطعون، أنتم جهلةٌ، وما تحسبونه هيّنا هو عند الله عظيمٌ، ولقد منَّ الله على كلّ إنسانٍ بطاقة فكرٍ محدودةٍ، فدونكم المواعظ والقصص والأمثال، ودعوا غير ذلك لغيركم» فعسى أن يتزلزل هذا القطع.»
وليس قطع الرؤوس هو آخر إساءةٍ لسمعة الدين ولسيّد المرسلين(ص)، فالإساءة المباشرة لشخصه ـ روحي فداه ـ تطفح بها كتب المسلمين، فالحريّ بنا أن نطهّر كتبنا من مثل أنّه(ص) يهجر، أو أنّه غلب عليه الوجع، أو أنّه كان يبول واقفاً، أو أنّه كان يشكّ في نبوّته، أو أنّه كان يحمل عائشة على كتفه لمشاهدة لعب الحبشة وخدّها على خدّه، أو نومه على فخذها حتى يطلع الفجر، أو أنّه كان يغمزها برجله وهو في حالة الصلاة، أو أنّه كان يحضر ضرب الدفوف في منى، أو أنّ المغنّيات كنّ يغنّين بحضرته... وغير ذلك كثيرٌ.
فتصحيح كتبنا صار أكبر همّنا حتّى قدّمناه على تصحيح عمل رسول الله(ص)، ثمّ إذا قام مستشرقٌ يصف رسولنا بأنّه رسول المجون والحرب والنساء وُلِدَتْ فينا الغيرة بنحوٍ فجائيٍّ!
0 التعليق
ارسال التعليق