بسم الله الرحمن الرحيم، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.
لا غرابة إن عاش عظيم من العظماء مدّة مديدة من الزمن، وعُرف فيها بتميّزه عن أقرانه في علمه وقدرته وغير ذلك مما يُعدّ مائزاً عند العقلاء، وقد يصل إلى درجة يتميّز بها عن أهل عصره من العظماء، فيكون الأوحد من بينهم، وتمرّ به الدهور ليُكتب عنه وعن فكره وابداعه ومواقفه ليكون مثالاً يُحتذى به، ويكون أنموذجاً أمام الأجيال يسيرون على نهجه.
ولكنّ الغرابة كل الغرابة أن يعيش فرد عمراً قصيراً لا يكاد يخرج به عن عمر الأطفال ويُحدث انعطافاً في التأريخ، ويترك أثراً في نفوس الناس حتى تؤلّف فيه الكتب والأبحاث والدراسات المعمّقة بشتّى أنواعها ليبقى مخلداً لا في طيّات الكتب وحسب، بل يبقى مخلداً في حياة النّاس صغيرهم وكبيرهم يعيشونه في كل مفاصل حياتهم... ولعلّ ما يزيد في الغرابة أنّ هذا الفرد ليس من جنس الرجال... بل هي امرأة عاشت مسطّرة كل المفاهيم الراقية في حياة الإنسان، وفي كل جنباته، قد كتبتها بكل حرص وإخلاص، وكان مدادها أضلاعها، وحبرها دمها النّازف، وورقها خدّها الطاهر...
وتـرتفـع هـذه الغرابـة إن علمنا بأنّ هذه العظيمة هي ابنة أعظم إنسان عرفه الوجود، فعاشت تحت رعايته، فأدّبها بأدبه، وعلّمها علومه حتّى أمره الله تعالى أن يزوجها بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ليثمر زواجهما درّتين هما سيّدا شباب أهل الجنّة الحسن والحسين (عليهما السلام).
فاطمة الزّهراء.. عظيمة دون العشرين... إلى يومنا هذا تثير في أقلام الباحثين عن الحقيقة أموراً يستحيل تجاوزها وإغفالها بأيّ دين دانوا، وبأيّ نـحلة انتحلوا، وأوّل ما تثيره هذا السؤال، وهو أنّ عظيمة بهذا الوزن، قريبة العهد منّا، ولها هذا الأثر البالغ في الأمّة، أين قبرها؟! أفي خفاءه لعنة على أحد، أم أنّ خفاءه قربان أخير تقدّمه في سبيل إحياء هذه الأمه.
0 التعليق
ارسال التعليق