في زمن تموت فيه الكلمة، وتدفن في مقبرة النفاق، تتجلى كلمة الحق التي لا تخشى في الله لومة لائم، فتتصاغر حينها كل الكلمات المجانبة للحق والحقيقة. إن كلمة الحق إذا تلجلجت على أطراف اللسان، فحبسها صاحبها في غير رضا الله تعالى، لم يبق له إيمان. هكذا هي كلمة الحق، وهكذا هم رجالاتها، رحمة من الرحمن على المستضعفين، وغضب من الجبار على المستكبرين. وكم هو جميل أن يقف المرء بكله مع معسكر الحق ورجالاته، وها نحن مع واحد من رجالات الحق، وبين يديه..
المراسم الحسينية بين الماضي والحاضر والمستقبل
■ الملحمة الحسينية، ملحمة قديمة متجددة ضاربة الجذور، تتنوع الأساليب في التعاطي معها بما ينسجم مع محتواها المقدس، عاشها أبناء الماضي ويعيشها أبناء الحاضر، وسوف يعيشها بإذن الله أبناء المستقبل، سماحة الشيخ، حبذا لو نعيش معكم أجواء المراسم العاشورائية قديما، ولو من خلال الكلمات؟ بمعنى آخر.. كيف كانت المراسم الحسينية في تلك الحقبة الزمنية الغابرة؟
● كان الحس الرسالي، والولاء للدين ولأهل بيت العصمة والرسالة صلوات الله وسلامه عليهم، ولازال بصورة لا تخفى وراء الاهتمام الكبير بالمراسم الحسينية التي تمثل إحياءً لأمر الدين وشعائره المقدسة وإن كانت الشوائب قد تعرض بعض الممارسات هنا وهناك بدرجات مختلفة، الشيء الذي يلازم تجربة الإنسان الضعيف على الأرض، ويحرمه من عطاءات جمة لروح الإخلاص والعبادة.
والأسلوب المبكر جدّاً للإحياء قد تمثل في إقامة المأتم الحسيني، ثم انضم إليه تسيير المواكب والعرض المسرحي الشعبي العام في الشوارع والساحات المكشوفة وهو ما كانت تغنى من الفاصلة الزمنية التي أشرتم إليها.
ودخل المأتم الحسيني العرض التاريخي لأحداث الطف، ومآثر أهل البيت(ع)، وذكر أمجادهم وبطولاتهم وتضحياتهم، ومساوىء الظلم التي ووجهوا بها ودخل الذكرى في مآتمها قدر وآخر من الثقافة الإسلامية بصورة عامة.
وذهب الموكب العزائي يركز في الأكثر على التعبير عن المأساة، ولا يغفل البطولة والفداء واستثارة همة الإيمان، وحس التضحية، ويلتفت إلى معاناة الواقع ومستوى تحدياته، ويعيش بدرجة وأخرى همَّ الحاضر، وينتبه إلى بُعد المستقبل.
ولابد أن تختلف الرؤية سعة وضيقاً، والوعي تعمقاً وتسطحاً، والهم والمعاناة شدة وضعفاً، والطرح قدرة وكفاءة باختلاف التطورات العارضة على العقلية، والنفسية، والإرادة، والخبرة وحسب مدى التجربة التي تخوضها المجتمعات والجماعات في مراحلها المتلاحقة.
وبفرض التفاوت، الثقافات المتجددة، والمشاكل المعاشة لكل جيل، ونوع التحديات حيث يكون لذلك كله انعكاسه الخاص على مستوى الطرح في مضمونه، ومستوى أدائه، وأسلوب إخراجه، وتوجهات الاهتمام ونوع الإثارة، والقدرة على استشفاف الرؤى والدروس، والتوفر على نوع العطاءات وكمها مما تزخر من ثورة كربلاء والمخزون الهائل لتجربة أهل البيت(ع) على الأرض والمهيئة لتموين مسيرة كل الأجيال بالصالح المفيد البناء.
وكان لعرض الجانب المأساوي لواقعة الطف المترتب على استشهاد أبي عبدالله(ع) من هجمة علوج أمية على خيام بنات الرسالة وترويعهن وعملية السبي والأسر والتسيير إلى الكوفة والشام على مستوى التمثيل الحي في الشوارع والساحات حضوره المؤثر في تعميق الشعور بالمأساة وتغلغل روح الإنكار والاستبشاع لفظاظة الحكم الأموي وجاهلية ممارساته الوقحة.
وتحفز الإرادة الإيمانية، والاتسام بالجدية الصارمة، والاتشاح بروح المأساة، وتنبه روح الفداء والعطاء للدين، ووضوح طابع العبادية والإيمان بالمثوبة، وتأجج العشق الحار لأهل البيت(ع)، والانصهار بالأجواء الكربلائية، والرحلة القلبية الى أيام الحسين(ع) وأرض معركته الباسلة، ومصرع استشهاده الكريم، أمور كلها كانت تلوّن كل الممارسة وأجواءها وتحكمها، وتملأ كل الزوايا والجنبات وتفرض نفسها عليها، وتنفذ الى الأعماق بقوة، وتغذي الروح، وتصوغ الشخصية، وتشحن الإرادة، وتكافح عوامل الاهتراء والجهل والاستكانة وتنتصر عليها.
■ ما هي قراءتكم للمراسم الحسينية في موسم عاشوراء في الوقت الحاضر بمختلف أساليبها ؟
● تقدم نوعي في المضامين المطروحة، وأسلوبها الأدائي، ويأتي ذلك نتيجة حتمية لتقدم المستوى الثقافي، وتراكمات التجربة.
ولكن ربما لوحظ على أجوائنا الحاضرة في مناسباتنا الكريمة تأخراً في التفاعل الروحي المطلوب، والقدرة على معايشة الحدث بما يتطلبه من انصهار في أخلاقيته وأهدافه ورؤاه ومشاعره وآفاقه، والاسترفاد منه بما يتناسب مع قدرته على العطاء والإثراء الضخم المتواصل.
ولك أن تقول إن تقدم الآليات، والتطور الحاصل في طرق الأداء، وحتى نوع الطرح سعة وعمقا لا تواكبه حركة روحية موازية، وتفاعل في الأعماق بالمستوى المطلوب والمناسب لحجم ذلك التقدم والتطور.
ويقلل من أهمية التقدم الذي أحرزته التجربة في المضمون والأداء، ويحول في الكثير بينه وبين تحقيق أهدافه في التربية الناجحة ما تنعكس به الأجواء المضادة والممارسات المعاشة (العادية)، والسلبيات المصاحبة التي تقتحم بتأثيرها السيء أجواء المناسبة، وتدخل بدرجة وأخرى في أداء هذا الخطيب أو ذاك الرادود وذلك المعزي، وتتحول بالقلوب والمشاعر والاهتمامات من خطها الرسالي إلى خط آخر، وتجعل العملية – ولو أحياناً – عملية استعراض أكثر منها عملية تربوية هادفة منسجمة مع المدرسة الإيمانية الرسالية الكبرى لكربلاء الحسين(ع)، وتوجهات قيادتها المعصومة، والصفوة المؤمنة التي استرخصت أرواحها الطاهرة على طريق الله العظيم بين يدي أبي عبد الله الحسين(ع).
■ ماذا يراد من المراسم الحسينية في موسم عاشوراء ؟ المأتم الحسيني على مستوى الخطيب والمستمع، والموكب الحسيني على مستوى الرادود والمعزي، إضافة إلى بقية الفعاليات ؟
● موسم عاشوراء وما يضمه من فاعليات وأنشطة، وما يشارك في ذلك من عناصر متعددة له أهدافه التي تلتقي على خط واحد من أهداف ثورة الحسين(ع)، وتصب في صالحها، وتشارك في تحقيقها. وليس شيء من ذلك إلا ويتخذ قيمته ومدى نجاحه من التقائه بتلك الأهداف، ودوره في تحقيقها.
وعملية الإصلاح والتغيير النافع الشامل الناهض بمستوى الإنسان في هداه وإيمانه، وزكاة نفسه، وسلامة ضميره، ونقاء وجدانه، وصحة إرادته، وسمو قصده، واستقامة حياته، والناهض كذلك بأوضاعه السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والأمنية وبكل أوضاع وجوده، وقبل ذلك تعيد الإنسان فرده ومجتمعه لربه الذي لا يتم خيره إلا به، ولا يهتدي سبيلا إلى رقيه إلا عن طريقه، هو الهدف الكبير الذي انصبت جهود الأنبياء والمرسلين والأوصياء والأولياء والمصلحين على تحقيقه، وانتظمت كلها متناسقة متضافرة من أجله.
محرم من أجل أن يقترب فكرنا من فكر أهل البيت(ع)، ورؤيتنا من رؤيتهم، وهدفنا من هدفهم، وطموحنا من طموحهم، وإرادتنا من إرادتهم، ورضانا من رضاهم، وغضبنا من غضبهم، وسرورنا من سرورهم، وحزننا من حزنهم، وشخصيتنا من شخصيتهم، وحياتنا بكل ما فيها من حياتهم، وفي ذلك تقدم على الطريق المرضي لله العلي العظيم.
وإن تقدم الأساليب، وتطور الآليات، والتفنن في الطرح والإخراج لا شيء، وجهد بلا طائل إذا لم يحقق لنا ذلك النوع من الاقتراب، وقد يكون مأساة ومصيبة فادحة، وذلك أن يساعد على السقوط، ويكون عونا على الإنحراف.
وعلى المستوى الخارجي يمكن القول بأن التقدم المذكور صار ينفع من جهة، ويضر من أخرى، ويتحول هدفا في نفسه في بعض الفروض، وذلك واضح من ملاحظة الآثار في الساحة.
إنه ليراد للمراسم الحسينية أن تطَّرد حركتها الصاعدة من حيث المضمون والأداء على الخط الشرعي المنضبط، وأن تتجه بحركة الفرد داخله وخارجه، وحركة المجتمع في مختلف الصعد إلى الله سبحانه مخلصة له، مهتدية بهداه، غير مفارقة لأحكامه، متأدبة بأدب دينه، مستنة بسنة نبيه والأئمة المعصومين من آله.
وهذه مسؤوليتنا جميعا، وكل الطاقات الصالحة، وكل الفئات الواعية، وكل الشرائح الهادفة الرشيدة تتحمل قسطها المناسب من تحمل هذه المسؤولية، والقيام بعبء هذا الهم.
والصورة القائمة فيها كثير من القصور والتقصير والارتباك والتذبذب والميل والتسيب فلابد من إصلاح.
■ هل بإمكانكم أن تتفضلوا وتقترحوا نمطاً معيناً من حيث الأساليب المساهمة في إحياء ذكرى عاشوراء الحسين(ع)، إضافة لما هو موجود ؟
● العقلية الجديدة التي تتمتع بالإبداع قادرة إن شاء الله على العطاء في هذا المجال، ويرتقب لها أن تتفتق عن جديد جيد مفيد يلتقي مع الرسالية والأصالة، ويتأطر بإطار الحكم الشرعي. ويساعده على ذلك حركة الأساليب المنطلقة في عالم اليوم بسرعة هائلة في كل الساحات في مجالات التوصيل وفي الخطاب بألوانه المتعددة.
ولا يمكن لي أن أدعي القدرة على تقديم الجديد في هذا المضمار، وإذا ذكرت شيئا فمن باب التنبيه إلى أهمية بعض ما هو موجود على نطاق غير واسع أو بدون تخطيط كافٍ، وتحفيزاً للقادرين على الإبداع والعطاء الجديد في هذا الحقل.
1) بطاقات للتوزيع اليدوي تزينها كلمات مختارة ومصممة تصميما رسالياً واعيا مراعيا مقتضيات الزمان والمكان يفوق في روعته ورقيه تصميمها الفني الأخاذ، وملتفتا إلى الحاجات التربوية القائمة، والفراغات الفكرية والنفسية المعاشة.
2) كلمات من الوزن المعنوي نفسه، اختصارها لا يصل إلى اختصار سابقتها تلقى صوتيا بفنية وكفاءة بين الحين والآخر لتركيز مفاهيم محددة وقيم مقصودة تغذي الواقع الرسالي، وتعالج بعض الملابسات.
3) المطويات التي تركز على موضوع واحد، أو مفهوم واحد، أو شخصية معينة، أو موقف خاص مربٍ مما تغنى به كربلاء.
4) المقابلات الإذاعية والتلفزيونية المختارة والواقعة تحت السيطرة التامة والتوجيه والتحكم، وكذلك الندوات المعد لها إعداداً جيداً بحيث لا يؤثر شيء من ذلك على الحشد الجماهيري الهائل في تواجداته الحسينية في مجالس التعزية والموكب، ولا يفصل النخبة عن الجمهور، ولا يحوّل الإحياء إلى مسألة نظرية ترفية.
وفي العشرة يتوقع للإذاعات والتلفزيونات المملوكة لمحرم أن تنشط في التحشيد لإحياء المناسبة وترشيد أساليب الإحياء، وتهذيب الممارسة وتوجيهها، وأن تركز على لفتات مهمة من المحتوى الضخم للمناسبة، وإنارات كاشفة، ودروس سريعة مربية، وتدفع للبذل السخي للمال والوقت والجهد المتنوع لخدمة الإسلام العظيم، والأنشطة المرتبطة بالإحياء لذكرى الإمام الشهيد، وتشارك في خلق أجواء العزاء، وإبراز مشاعر الأسى والحزن لمصارع الكرام في هاجرة الطف الشاهدة على هدى فئة وضلال أخرى.
وإنه لمهم أن تغذي الإذاعة و التلفزيون روح المشاركة في الحسينية والموكب، وضار أن تستقطب جماهيرهما ليذهب المظهر الجماعي المؤثر لعملية الإحياء وتتحول إلى متابعات فردية باردة وسلبية قابعة في البيوت والزوايا المنكفئة.
وبصدد الحديث عن ضمانة لاستمرارية تطور الأساليب وتقدمها وانضباطها كذلك على خط الحكم الشرعي، وضمان جدوائية أكبر لها وتناسبها مع المكان والزمان ينبغي التنبيه على لزوم اعتماد لجان للإعداد والتحضير الكافي لكل موسم مستجد.
بذلك نضمن حركة الأسلوب المستمرة، والمراجعة الدائمة لمستوى عملية الإحياء، وانضباط مسار التجدد في الصيغ وحمايته من التأثيرات السلبية للرغبة العارمة في التجديد مما قد ينحرف بعملية الإحياء عن خطها الشرعي الثابت.
الوحدة الإسلامية وموسم عاشوراء
■ هناك من يدعي بأن إحياء موسم عاشوراء يكرس الطائفية في المجتمع الإسلامي، كيف تنظرون إلى هذه الدعوى ؟
● واقع الثورة الحسينية المباركة كان حرباً على من استهدفوا تمزيق الأمة وتفتيت وحدتها، والتقوِّي بفرقتها للسيطرة الظالمة عليها، وإحياء ذكرى الحسين(ع) وهو ينطلق من أهداف ثورته الرسالية المخلصة مجافٍ بطبيعته وتوجهه وأخلاقيته لاستهداف الفرقة بين صفوف الأمة.
وما كانت ثورة كربلاء إلا ضد المنكر والفسق والظلم والطغيان والتخلي عن قيم الرسالة، وهي بذلك إسلامية عامة شيعية وسنية، وينبغي أن يتوحد وراء لوائها لواء الحق والعدل لجميع المسلمين، وأي تحسس منها ومن إحيائها لابد أن يتسم بالغرابة، كما أن أي توظيف طائفي لها يعادي بين المسلمين، وينال من وحدتهم، وينسى حقوقهم، غريب كل الغرابة ولا يلتقي مع خط كربلاء وأهدافها الرسالية الواضحة.
فليس شيعيا ولا سنيا أن يتحسس من إحياء ذكرى الشهادة الكريمة لسبط الرسول(ص)، و ليس شيعيا ولا سنيا أن يستهدف من إحياء هذه الذكرى المؤلمة المشرفة الملهمة القائدة ما يتنافى ووحدة المسلمين.
ولا أرى مسلما واعيا يقف مع يزيد في خندق واحد مقابل الحسين(ع)، وأن يساوي بين رجل الهوى ورجل المقدسات.
وأي مسلم يرى من يزيد مصداقا مقبولا للحاكم في الإسلام؟! وأي مسلم يشكك في كون الحسين(ع) مصداقاً حقيقياً للحاكم الذي ارتضاه الله؟!
ومن يتمنى للمسلمين اليوم أن يسودهم حكم يزيد، ويسوؤه أن يحكم فيهم الحسين(ع)؟! وهل أشفق من أبي عبد الله على الأمة، وأضمن لوحدتها، وأكثر إدراكا لإسلامها، وأشد أمانة على دين الله ومصلحة الأمة والإنسان؟!
■ كيف تساهم قضية الإمام الحسين(ع) في تحقيق الوحدة الإسلامية ؟
● قضية الإمام الحسين(ع) كانت من أجل الله الواحد الأحد الذي تؤمن به الأمة، ومن أجل الإسلام الجامع بين الناس على التقوى، ومن أجل وحدة الأمة وسد أبواب الفتنة والفرقة بينها، ومن أجل عزتها وكرامتها، وفي مواجهة واقع الذل والهوان الذي كان يريد يزيد أن يفرضه عليها.
وينبغي لإحيائها أن يلتزم أهدافها وخطها، ولا يعدل عنه أبداً مجتنباً ما قد يتوهم أنه لأمر آخر، ملتزماً بأمانة الحق غير مائل عنه، وصدق الكلمة غير خارج عليه، وصفاء الإخلاص للإسلام غير متساهل فيه، والوفاء للأهل بيت الرسالة غير جائر عنه، محسناً الاختيار فيما يطرح، ويحمله خطابه للآخرين.
كما ينبغي أن لا يستاء مسلم من ذكر أهل بيت الرسالة بما هم أهله، والتحدث عن مكانتهم الرفيعة ومنزلتهم الشامخة التي بوأهم الله إياها، وميزهم بها لخالص عبوديتهم له، وصدق تفانيهم في سبيله.
ومن طرح يستهدف الوحدة لا الفرقة، ويحاول في حق لم شمل الأمة، ومن التفات إلى شأن أهل البيت (عليهم السلام)، وحقهم على الأمة، وتضحياتهم الهائلة للإسلام، وتركيز القرآن الكريم والسنة المطهرة على منزلتهم الكريمة ربطاً للأمة بهم فكراً وشعوراً وعملاً يستطيع إحياء عاشوراء والذكريات الأخرى للأئمة(ع) أن تسهم إسهاماً كبيراً في تلاحم صفوف الأمة، وبناء وحدتها، والخروج بها من حالة الشتات والتمزق، والنزاع والاحتراب.
ولست تجد في أي كلمة من كلمات أبي عبد الله الحسين(ع)، ولا موقف من مواقفه، ولا كلمات ومواقف أصحابه ما يصح أن يكون مادة خلاف بين طلاب الحق وعاشقي الحقيقة، أو سبب فرقة بين المسلمين إذا كانوا لا يصدرون فيما يحبون ويكرهون، ويأخذون ويدعون إلا عن الإسلام وهو الحق المبين.
فلنحسن التحدث عن الحسين وقضية الحسين(ع)، ولنأخذ من حكمة الحسين وخلق الحسين(ع)، ولنتعلم من سعة رؤية الحسين، ونرتفع إلى الأفق العالي الذي يعيشه الحسين(ع)، ولنستلهم من شفقة الحسين على الأمة وحرصه على وحدتها، ثم لنقبل ما ثبت عن الحسين(ع)، وما دعا إليه، وعندئذٍ لن نختلف على إحياء ذكرى شهادته العطرة، وسيقودنا هذا الإحياء في اتجاه وحدتنا وعزتنا وكرامتنا، وفي اتجاه عودة حقيقية للإسلام العظيم.
تساؤلات من الواقع
■ تعدد المآتم والمواكب في المنطقة الواحدة، من وجهة نظركم، مسألة إيجابية أم سلبية؟
● لا إفراط ولا تفريط ففي كل منهما ضرر وخسارة، إذا كان التعدد مما تقتضيه تغطية حاجة المنطقة لاتساع دائرة المكان، والكثافة البشرية، وكان خاضعا للتنسيق عند الحاجة، ولا يسبب إرباكات مخلة، ولا يدخل في التنافس على الدنيا، ولا يبدد الإمكانات من مختلف أنواعها بما يفقدها أثرها النافع مجتمعة ويقلل من المردود البناء لعملية الإحياء وعطاءاتها الكريمة، فهو أمر مقبول، ونافع، ولابد منه في بعض الفروض. ومن فوائده توفير فرص المشاركة النخبوية والجماهيرية المستوعبة التي تحرك كل الطاقات، وتستفيد من الإمكانات كلها، وتدفع الجميع على طريق الإحياء للمناسبة، تربية لكل المستويات بالانصهار في أجواء الذكرى، ومن خلال البناء والعطاء الهادف.
■ كيف تنظرون إلى مسألة جلب الخطباء والرواديد من خارج البحرين؟
● مسألة التبليغ لا تخضع للحدود الجغرافية. وهناك ظروف موضوعية وملابسات خاصة منها ما يرتبط بالقضية المعاشية، ومنها عدم انفتاح الفرص لتبادل ساحاتنا الإيمانية للخطباء والمبلغين مما قد يفرض لونا من التنسيق والموازنة، ومنها أن يتعطل الداخل التبليغي لساحة ما تماماً بسبب تدفق التبليغ من الخارج، وفي هذا تخلف كبير لهذه الساحة في حركتها الثقافية والتبليغية وركود خطير في المستوى، ومنها أن تنغلق ساحاتنا كل واحدة على نفسها، وتسد الأبواب أمام أي تبليغ من الخارج، وفي هذا شذوذ عن الحالة الإسلامية وقطيعة بين إخوة الإيمان.
ويمكن أن تتم الموازنة بصورة تلقائية وذلك من خلال انفتاح المآتم في أي قطر على خصوص الكفاءات المتميزة من خارج الحد الجغرافي والتي يمكن لها الإسهام في تنوع الطرح وإثراء التجربة، وليس أن تستقبل كفاءات أقل مستوى من أحد أقطارنا لتتعطل كفاءات أجدر في القطر المستضيف.
أما طلب التدخل الرسمي في هذا المجال، ومحاربة الخطابة من خارج الحد الجغرافي، وإقامة الفواصل الحديدية بين جماعات المؤمنين وصفوفهم فما لا يمكن المساعدة عليه.
■ ما هو تقييمكم للخطيب والرادود المحليين ؟
● لا يقاس الحاضر بالماضي في كثير من الأمثلة، وعملية التطوير لا تقف عند حد، والكثير من الخطباء محتاجون إلى جدية أكبر وإلى كفاءات طبيعية متميزة مما قد يكون البعض غير متوفر عليها.
والساحة محتاجة إلى مشاريع تعليم وتربية لإعداد خطيب الحاضر والمستقبل ومنشد الموكب الحسيني إعداداً يرتفع بهما إلى مستوى قضية كربلاء والإسلام عموماً هدفاً عالياً، وقصداً طاهراً، وشعوراً كريماً، علماً جمّاً نافعاً، وخلقا سامياً، ورشداً كثيراً، وأسلوباً ناجحاً.
إنه يراد للجميع أن يستلهموا أهداف الحسين(ع)، ورساليته، وتقواه وورعه، وإيثاره وتضحيته، وأن يرتقوا إلى آفاقه الإيمانية الواعية الرحبة الرفيعة، وأن تواقع عقولهم ونفوسهم، أبعاد ثورته، الثرة المعطاءة المباركة.
وإذا كان تطوير الأداء، والتقدم بأسلوب الإخراج مطلوباً لكل من الخطيب والمادح فإنما يطلب ذلك من أجل إيصال المضمون الصحيح النافع، لأن المضمون حيث يكون صحيحاً نافعاً مربياً هو المطلوب بالذات، والمنظور إليه في نفسه، وهو الغاية، وفيه القيمة النهائية لعملية الإحياء كلها.
ومن هنا لا يقبل لخطيب أو مادح أن تنتهي به العناية بوظيفة الصوت إلى تضييع المضمون وتغييبه، أو الخروج به عن أهدافه وتشويهها، واغتيال قدسيته في ميوعة النغم، واستفزازية اللحن لمشاعر الهبوط.
أهداف ثورة الحسين(ع) وأخلاقيتها وآفاقها الرسالية إنما تتطلب إيماناً ووعياً، ومعرفة وعلماً، ورجولة وجدية، وعزيمة قوية، واستقامة سلوك، وعفة، وعواطف كريمة، ووجدانيات طاهرة راقية. ولا قيمة لمضمون ولا أداء لا يأخذان بهذا التوجه.
■ هل ترجحون طرح الملفات السياسية المحلية، وبعض القضايا الإسلامية، في الموكب والمأتم ؟ كالملف الدستوري محليا، ومحنة الشعب العراقي كقضية إسلامية ؟
● ثورة كربلاء لله، للإسلام، للإنسان، لقضايا الدين والدنيا كما هو الإسلام تماماً. والإسلام وكربلاء لا يغرقان في الدنيا، ولا يهملانها، وينظران للدنيا، ولا يقفان بنظرتهما عندها. المنظور لهما صلاح الإنسان، ورقيه وكماله، وفلاحه. ولا يرقى الإنسان ويكمل وهو أسير الأوضاع المنحرفة، وقليل جداً من لا تحاصر الظروف المنحرفة رحلته إلى الله.
والمنظور الكبير لهما الآخرة، وفساد الدنيا كثيراً ما يفسد على الإنسان آخرته، وثورة كربلاء - وهي دينية بكل صدق وتأكيد - كان مما فجرها الفساد السياسي والأمني والاقتصادي الذي خيف منه على سلامة الدين وإنسانية الإنسان، وكان مما استهدفته الثورة المباركة بوضوح تصحيح تلك الأوضاع، وردّ الأمة إلى المسار الصحيح.
فإصلاح الأوضاع الحياتية لمجتمع الإنسان وفرده واقع لا محالة في دائرة الاهتمام الكبير لحركة الإمام(ع)، وإن كان المنظور الأول لها أن يستقيم الإنسان ويكون على طريق النمو الطبيعي لإنسانيته وكماله، وأن تصلح آخرته الذي هو أهم من صلاح دنياه.
وما وقع في دائرة الاهتمام لثورة كربلاء يقع في دائرة الاهتمام لإحيائها مع كون المنظور الأول هناك هو المنظور الأول هنا، فلابد للإحياء من التفاته للأوضاع الحياتية الحاضرة واستهداف إصلاحها من إنشداده إلى الهدف الرئيس، إصراره على التزام خطى الإسلام، وأخذه بوعي كربلاء، وأخلاقيتها وإخلاصها، وشفقتها على الأمة، وحرصها على وحدتها، وتقديرها الدقيق لأمور التزاحم والأولوية، وتقييم الظروف، ومعالجة الشأن بالحكمة حتى في أشد المضائق مع الاستعداد الكامل للبذل والعطاء والإيثار و التضحية والفداء، الشيء الذي لا يعني التعدي و الظلم والطيش و التهور.
واختيار الشعارات في كل الأزمان والأماكن وتوقيتها وإخراجها يحتاج إلى نباهة موضوعية، وإدراك سياسي، وتقدير دقيق من نظر ثاقب. ولا يكفي لأن تقول ما تقول أن ما تريد قوله حق، بل علينا مع ذلك أن نتعرف مدى خدمته للحق أو إضراره به، وأن نتعرف كيف نقول ما فيه خدمة الحق ليخدمه بالفعل.
■ هل ترجحون حضور العلماء وطلاب العلوم الدينية في المأتم و الموكب؟
● العلماء وطلاب العلوم الدينية شريحة من شرائح المجتمع الإسلامي المسؤول بكامله عن الحفاظ على الإسلام، وتعزيز موقعه في الناس وأخذهم به عن رضى وإعجاب. ومن شرف أي فئة وأي فرد أن يوفق لخدمة الإسلام والتمكين له في النفوس والعقول والأفئدة والأرواح والسلوك، وأن تكون حياته لحياة الإسلام وانتشاره. وقد تتفاوت الممارسات التي تسهم في خدمة الإسلام بتفاوت الفئات والأفراد موقعاً وطاقة وخبرة وكفاءة. ولكلٍ دور قد يكون أكثر تناسباً مع قدرته على العطاء في هذا الموقع أو ذاك.
وحضور العلماء وطلاب العلوم الدينية مجالس التعزية لأهل البيت(ع) ومواكب ذكرياتهم الإيمانية العبقة إلى جنب ما يمثله من دور المشاركة يؤدي دوراً في مقام القدوة الحسنة على أن تلتزم ممارسة الموكب مقتضيات الحكم الشرعي وأدب الرسالة.
وقد تقتضي الضرورة أحياناً من العالم أو طالب العلم حضور الحسينية والموكب، وعليه أن يتحمل مسؤوليته بأمانة، وقد تقصيه اشتغالاته الأخرى في صالح الإسلام عن التواجد المكثف أحياناً أخرى. وهناك أبطال في المجتمع لهذا الميدان قد لا يكون بينهم عالم، أو طالب علم. ولحسابات المصلحة الإسلامية، والملابسات الخارجية مقتضاها وحكمها في الموضوع.
■ كيف لنا أن نطرح قضيةالإمام الحسين(ع)للآخر-المذهبي والديني-؟
● علينا أن نطرح قضية الإمام الحسين(ع) وثورته المباركة كما هي في صورتها الأصلية المشعة منطلقاً وهدفاً ومضموناً ومنهجاً وأخلاقية وشعاراً، بلا إضافات عندية من وحي الأنا والظرف الضيق والمعاناة الخانقة مما تضغط به على الفكرة والشعور والكلمة والحركة بعيداً عن المديات الممتدة والآفاق الشاسعة الرفيعة للثورة فنَسب لأننا نُسَب، ونَشتِم لأننا نُشتَم، ونظلِم لأننا نُظلَم.
فكثيراً ما تشوه هذه العنديات الصورة الإسلامية الشفافة لثورة كربلاء ولخط الأئمة المعصومين(ع)، وتسيئ إلى كرامته، وتكدر صفاءه، وتهبط به عن مستواه، وتقزم حجمه، وتغتال روعته، وتطرد عنه الناس وإن كانوا من الباحثين عن الحقيقة.
مذهبياً من الظلم الفاحش أن توضع ثورة الإمام الحسين(ع)، في قفص بعنوان أنها مذهبية أي لا تمثل إلا اتجاهاً خاصاً في الإسلام من بين اتجاهات متعددة له تقف على صعيد واحد، وينظر إليها بقيمة واحدة إن لم يكن هذا الاتجاه أقل قيمة أو بدون قيمة إسلامية على الإطلاق.
إنه ظلم فاحش لأن المسلمين ليس لأحد منهم أن يحتمل إسلاما آخر يرضاه الله، ولا يفهمه الحسين(ع)، أو يفهمه ولا يأخذ به، والحسين من أهل آية التطهير، وآية المباهلة، وآية المودة، وحديث الثقلين، وهو أحد سيدي شباب أهل الجنة وسفينة النجاة ومصباح الهدى، والحسين هو الحسين الإمام القدوة في كتاب الله، وسنة رسوله(ص)، والحسين(ع) أجلّ من أن يتهم في دينه فهماً وعلماً وتقوى وورعاً وعملاً.
نعم لا يلتقي كل المسلمين مع التشيع في كل أفكاره وأحكامه()، ولكن لا يسهل على مسلم أن يكون الحسين(ع) في خندق، ويختار خندقاً آخر يعادي الحسين. ولقد كان للحسين(ع) يوم كربلاء خندق، وليزيد خندق آخر، وكان الإمام جبهة، ويزيد جبهة أخرى استباحت من سبط رسول الله دمه الشريف، ونفسه الطارهة، وأسر حريمه ويتاماه.
ومن الصعب أن يتصور من مسلم واع أن يغضبه الانتصار للحسين(ع) على يزيد، وأن يشاد بالحسين وحركته وتضحيته وإيثاره وفدائه وإخلاصه لله ولرسوله (ص) وللمؤمنين، وأن يندد بيزيد وطاغوتيته وظلمه وعدوانيته واستهتاره.
وإذا كانت الثورة الحسينية المباركة ثورة إيمان على جاهلية، وتقوى على فسق، وعدل على ظلم، وحرية على عبودية، ومعروف على منكر، وشرعية على طاغوتية، ومن أجل بقاء الدين، وصفائه وحاكميته، وإنقاذ الأمة وعزتها وكرامتها وسؤددها، وإصلاح دينها ودنياها، فالتزام الخطاب في إحياء الذكرى بنفس ما التزمت به الثورة لا يتوقع فيه بحسب طبيعته أن يستفز أحداً من المسلمين أو يعاديه.
إن خطاباً هذا محتواه من غير شوائب من هنا وهناك لهو الخطاب الذي يفهمه المسلمون جميعاً ويقبلون عليه، ويتفاعلون معه، ويتقبلونه.
ثم إن خطاب الثورة الحسينية الهادية بما كان فيه من مواجهة للطاغوتية والدكتاتورية، وشجب لحاكم بلا مؤهلات، ورفض للاستغلال والاستعباد للأمة، ونهب لثرواتها، واستئثار بخيراتها، وتحد لحالة التنكيل بأحرارها، وخنق الصوت الحر فيها لهو خطاب إنساني عام، وهو اللغة التي تتحدث بها كل شعوب العالم المضطهدة اليوم وهي تتطلع إلى مبدأ صادق أصيل يعترف لها حقاً بلغتها ويدفعها على هذا الطريق دفعاً لنيل حقوقها.
إن لغة كربلاء - وهي لغة إحيائها فيما ينبغي - لغة محتضنة عالميا وهي تتحدث عن عالم بأسره، وتلامس جراحه، وتلتقي مع طموحاته وأمانيه التي تتلخص في تبدل الجور إنصافاً، والظلم عدلاً، والباطل حقاً، والخوف أمناً، وانسحاق الإنسان كرامة، وإنها الطموحات التي لا يحققها إلا دين الإسلام، ولا تتم إلا بقيادة من نوع قيادة الحسين(ع).
علينا في إحياء عاشوراء أن نجاري خطاب ثورة الحسين(ع)، ومؤشراته، وإضاءاته، ودلالاته، ونأخذ بهداياته وأخلاقياته، ورشده، وحكمته، ودقته، ورساليته، ونظافته، وهادفيته، وأحكامه، وذكائه، ونزاهته، وعلميته، وفنيته، وخبرته، ودرايته.
وإذا فعلنا ولم نشوه خطاب الثورة فلن يعادي هذا الخطاب منصف من المسلمين ومن خارج الإسلام، وسيكون الخطاب القادر على التوحيد داخل الأمة، والاستقطاب من خارجها.
الحالة الأخلاقية في موسم عاشوراء
■ كيف تقيمون الحالة الأخلاقية في موسم عاشوراء ؟
● حالة تحتاج إلى معالجة جادة وحازمة، وهي تعمل باستمرار على تلويث الجو الروحاني للمناسبة بل تخلق أجواء مضادة دنيئة منافسة.
أن يبقى الشكل وتخسر المضمون، بل أن يكون الشكل والممارسة في خدمة أهداف مضادة. غباء أو تفريط كل منهما لا يليق بالمؤمنين، الكل يضج من الأجواء الفاسدة الموبوءة الشيطانية التي تقتحم نقاء المناسبة وتستولي على مساحات من سمائها للتتشبع بالسموم والجراثيم الفتاكة، والعملية أصبحت عملية مكشوفة في بعض المناطق وهي آخذة في الاتساع إن لم يوقف المد السيء.
وأنتم تجدون أن الصوم باقٍ، والحج باقٍ، والأعياد باقية ولكن كل ذلك يتعرض إلى سياسة التمييع والخروج بالمواسم العبادية والشريفة عن خطها وتحويلها إلى مواسم نزهة أو ترف أو تبذل ومساحات زمنية صارخة بما يهدم الدين.
وهناك نابهون، وهناك غيارى، وهناك جادون ومخلصون لدين الله، وينبغي للجهود المؤمنة أن تجتمع منتظمة متكاتفة مثابرة جاهدة من أجل حماية المواسم العبادية وشعائر الدين من استمرار العبث بها وتحويلها في صالح الكفر والفسق والميوعة والرذيلة آخذة (هذه الجهود) في سعيها الكريم بمقتضى الدين والحكمة وعزم وحزم وصلابة بعيداً عن حالات التهور والانفلات والعدوانية.
■ كيف تنظرون إلى مسألة تواجد النساء والفتيات للتفرج على المواكب الحسينية الرجالية ؟
● قوام الموكب عنصر مشارك بفاعلية إيجابية تتناسب وطبيعة الموكب ورسالته النابعة من رسالة الذكرى المحتضنة له... عنصر متأدب بأدب الحسين(ع)، غني بالشعور بالمسؤولية، متشح بوشاح السكينة والوقار، ظاهر عليه التأثر بالمصاب الجلل، ودرك لدور المشاركة في شد العقول والأرواح والأفئدة لأجواء كربلاء وإشارتها وإيحاءاتها ودروسها وإلهاماتها المربية، ومشاعرها الملتهبة، وعطاءاتها الإيمانية الثرة.
وتأتي من بعد ذلك مرتبة العنصر المتلقي المنفعل بالمحتوى الكريم للذكرى، المنتفع بزادها الطيب والهنيئ من فكر نير، وشعور زكي، ورسالية واعية، وحس بالكرامة، ويقظة في الضمير، ونصرة للحق، ومناهضة للباطل، ورؤى سديدة، وعواطف حميدة رشيدة.
أما العنصر المتفرج الذي لا هم له إلا التفرج بلا قصد إفادة، ولا استفادة، فضلاً عن عناصر الإضرار فلا مكان له في الموكب فيما تقتضيه جدية الموكب ورساليته.
والنساء المتواجدات في الموكب وفي أجوائه لسن على حد واحد، فمن ثبت أن وجودها للإضرار فلابد من العمل على إقصائها، ومن كانت تتخذ من الموكب فرصة للتفرج فأولى بها أن تبحث عن التفرج في أجواء أعدت لذلك وليس منها الموكب بجديته ورساليته وهادفيته.
ويبقى أن تمازج الرجال والنساء في الموكب بمظهره المعاش غير المحتشم، البعيد عن التحرز والتوقي وغض البصر والباعث على الفتنة، وكذلك اصطفاف النساء في حالة استعراضية فاتنة مما يفسد أجواء الموكب، ويسقط فاعليته المربية، ويخرجه من وضعه الرسالي الهادي إلى وضع تخريبي مفسد محارب.
■ كيف نعالج هذه المسألة ؟
● لا ضرورة أصلا تحتم تواجد العنصر النسوي في أجواء الموكب الرجالي، ولا مصلحة في ذلك توازي المضار المحتملة خاصة في ظل الأوضاع القائمة، ثم لا انحصار لإحياء النساء المناسبة في هذا الأسلوب، ولو انحصر الأمر فيه وأدى إلى هتك حرمة الموكب، والإضرار برسالته لتعين الاستغناء عن مشاركتهن في الإحياء بهذا الأسلوب.
ويمكن للنساء إذا أردن تسيير مواكب عزائية بأسلوب فيه حفاظ على الوقار والسكينة والالتزام بالحشمة في أجواء خاصة بهن لا تكون محل تفرج للرجال.
ختاما
■ كلمة ختامية توجهونها للحسينيين والزينبيات في هذا الموسم العاشورائي ؟
● موسم انطلق من رحم ثورة الحسين(ع) ويراد له أن يكون امتداداً لخط الثورة المباركة لابد أن يكون حسينيا بحق، والحسين(ع) كله إسلام، وكله من أجل الإسلام، فمن مسؤوليتنا أن يكون الموكب واقعا كما هو شأنا وطبيعة إسلاميا خالصا، ورساليا هادفا، ومربيا واعيا، ودعوة إلهية هادية، وأن يكون لوحدة الأمة وانبعاثها، وعودتها لدينها وكتاب ربها وسنة نبيها(ص)، والاستظلال ببيت النبوة والرسالة والأمانة.
وكربلاء جادة فكل إحيائها يجب أن يكون جاداً، كربلاء هادفة فيجب أن تكون كل امتداداتها هادفة، وكربلاء واعية فينبغي أن تكون أيام مناسباتها مشحونة بالوعي، وكربلاء للمعروف، وفي مواجهة المنكر فيتحتم أن تتسم الممارسات المنتمية لها بالمعروف، وتتنزه عن المنكر، وأن تكون في نصرة المعروف وهزيمة المنكر.
0 التعليق
ارسال التعليق