المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم. قد دعاني فضولي العلمي لأن أبحث عن شخصية من الشخصيات العملاقة التي كثر وأن مررتُ على ذكرها خلال دراستي للعديد من الكتب النحوية ولم أجد آنذاك من البحوث ما يشفي غليلي ويسد حاجتي التي أريد، هذه الشخصية التي كانت النقطة الفارقة في تحديد مسار اللغة العربية النحوي، وكان لها الفضل الكبير في صياغة
وجمع قواعد اللغة العربية بعدما كانت متفرقة في قصاصات بعض العلماء أو في أدمغة بعضهم، سيبويه هو الشخصية العظيمة التي حفظت قواعد اللغة وجمعتها في كتاب سمي بـ(الكتاب)، وقد حوى الكتاب أكثر القواعد العربية والشواهد النحوية، وبقي خالداً إلى يومنا هذا حتى سمي بعدها بـ: (قرآن النحو)، وقد عزمت على كتابة نزر قليل عن هذه الشخصية الفذة، علَّ الصورة تتضح.
وقد حاولت تسليط الضوء على عدة جوانب كانت معتمة لي في حياته، حيث بدأت البحث عن تعريفه وذكر نسبه وولادته، ثم تكلمت عن لقبه وما أثير عنه، ثم تطرقت إلى نشأته وحياته، ثم عرجت بالحديث عن خطئه في الحديث الذي كان البداية لانخراطه في تعلم اللغة، ثم أوردت ذكر شيوخه ومن أخذ عنهم، ثم تعرضت لذكر بعض مناظراته وبعض الحوادث التي تُنبأ عن علمه، ثم أخذت الكلام إلى ذكر تلاميذه، وأنهيت البحث بالكلام عن وفاته وما يرتبط بها.
من هو سيبويه؟ ومتى ولد؟
هو إمام أئمة النحو "عمرو بن عثمان بن قنبر مولى بني الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن خالد بن مالك بن أدد"(1). وقيل كما ورد في المنتظم للتاريخ أنه: مولى الربيع بن زياد الحارث البصري(2). وقال أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي في كتاب الألقاب إن اسم سيبويه هو: (نشر بنسعيد)(3)، لكن هذا القول شاذ غريب. ويكنى "أبا بشر"، وهي الكنية المشهورة له في أغلب الكتب والتراجم، وقيل أنه يكنى بـ: "أبا الحسن"(4). وهو فارسي الأصل ولد في مدينة البيضاء وهي أكبر مدينة في كورة اصطخر ببلاد فارس في حدود عام أربعين ومائة من الهجرة، أي في سنة ستة وخمسين وسبعمائة من الميلاد،وتقع البيضاء على بعد ثمانية فراسخ من شيراز. وقيل إنه ولد في مدينة سارة في بلاد فارس أيضا. وقيل في الأهواز.
لماذا لقب عمرو بن عثمان بـ: (سيبويه)؟ وهل لقب أحد قبله بهذا الاسم؟
اشتهر إمام العربية وحجة النحاة عمرو بن عثمان بلقبه (سيبويه) حتى صار لا يعرف إلا به؛ لكثرة استعماله، بالقدر الذي جعله يغطي على اسمه وكنيته. حيث ذكر المحققون والمؤرخون في كتبهم أقوالا كثيرة وعديدة لسبب تسميته بـ (سيبويه) فمن قائل قال سمي بذلك لأن أمه كانت ترقصه به دائما في صغره. وقيل سمي بذلك لرائحة طيب كانت تُشَم منه، وقيل لأنه كان يعتاد شم التفاح، وقيل للطافته؛ لأن التفاح من ألطف الفواكه، وقيل سمي بذلك لكون وجنتيه كأنهما تفاحتان(5)، يذكر أن سيبويه كلمة فارسية مركبة من (سيب) وهو: التفاح، و(بويه)(6) وهي: الرائحة، فيكون المعنى رائحة التفاح، وقد ذكر الشيخ عبد السلام هارون في مقدمة تحقيقه "للكتاب" أنه بحث كثيرا عن معنى اسم سيبويه فلم يجد معناه -رائحة التفاح- كما هو مشاع. ولكن الظاهر أنه بحث عنه في إطار اللغة العربية، والحق أنها كلمة فارسية كما تقدم، ولها من النظائر كـ:
(نفطويه)، و(عمرويه)، و(خالويه). وقيل أن سيبويه كلمة مركبة من (سي) وهي ثلاثون بالفارسية، و(بويه) ومعناها الرائحة، فيكون معنى سيبويه كأنه بمعنى ثلاثون رائحة(7)، ولكن هذا القول بعيد؛ باعتبار أنه ليس له وجه واضح للتلقيب بالإضافة إلى أنه شاذ، بخلاف القول بأنه رائحة التفاح فأكثر النقول تشير إلى ذلك.
وادعى الجوهري في كتابه "الصحاح" أن: "سيبويه ونحوه من الأسماء، اسم بُني مع صوت فجعلا اسما واحدا"(8).
والعجم كما يقول ابن خلكان يقولون: "سيبُوْيَه، بضم الباء، وسكون الواو، وفتح الياء، لأنهم يكرهون أن يقع في آخر الكلمة: ويه، فإنها للندبة"(9).
ولم يلقب أحد بـ (سيبويه) قبله قط، نعم عرف بهذا اللقب بعد المترجم له ثلاثة من النحاة(10).
نشأته وحياته
بعد أن يفع سيبويه وصار شابا خرج من مدينته البيضاء قاصدا البصرة حيث العلماء والفقهاء؛ حيث كانت البصرة حاضرة الثقافة والعلم والأدب حينذاك، علما أن ذلك الوقت كان يشهد تقلبات سياسيه كبيرة داخل الدولة العباسية على مستوى التصدي لزمام الخلافة، فمع تسلم أي خليفة من الخلفاء يتغير الوضع العام بالنسبة للدولة بحسب ميل الخليفة وانتمائه، فمن حسن حظ سيبويه أنه قدم البصرة وكان ذلك في عصر هارون الرشيد(11) حيث فسحت الدولة آنذاك للفرس لتولي أرقى المناصب وأعلاها، وبدأت تقربهم أكثر فأكثر للبلاط.
وكان عمره آنذاك بعدُ لم يتجاوز الرابعة عشر ربيعا، فترعرع بين أحضان العلماء والمحدثين وبدأ يحضر حلقاتهم ومجالسهم لينهل ويغرف مما شاء له الله من العلوم، وقد كان جميلا نظيفا مفرط الذكاء حذقا إلا أن له حبسة في لسانه، وكان له من كل علم سبب كما قال ابن عائشة في صدد ذكر سيبويه: "كنّا نجلس مع سيبويه النحوي في المسجد -مسجد البصرة-، وكان شابا نظيفا جميلا، قد تعلق من كل علم بسبب، وضرب من كل أدب بسهم، مع حداثة سنه وبراعته في النحو"(12).
خطأه في الحديث كان البداية
كان سيبويه وقتها يلازم مجالس العلماء وأهل الحديث وكان يأخذ الحديث عن حماد بن سلمة؛ ليكتبه ويرويه، فجاء سيبويه لحماد ذات يوم وقال: أحدثَّك هشام عن أبيه، في رجل رعُف -بضم العين-. فقال له: أخطأت، إنما هو "رَعَف"- بفتح العين-، فانصرف للخليل ليسأله عن ذلك، فقال له الخليل: صدق حماد(13)، ومثله يقول هذا، ورعُف بضم العين لغة ضعيفة.
كما روي أنه كان في حلقة لحماد بن سلمة يتلقى الحديث ويدونه، فاستملى منه حماد قول النبي (صلّى الله عليه وآله): (ليس أحد من أصحابي إلا لو شئتُ أخذت عليه، ليس أبا الدرداء)، فقال سيبويه: "ليس أبو الدرداء" بالرفع وظنه أنه اسم ليس. فقال له حماد: لحنت يا سيبويه، ليس هذا ما ذهبت إليه، "ليس" هنا استثناء. فقال سيبويه مقولته المشهورة:
"لا جرم، والله لأطلبن علما لا تلحنني فيه أبدا"(14). ومن هنا كانت البداية لسيبويه حيث صار بعدها إمام العربية ومرجع النحاة، فتسيد علم النحو وارتقى أعلى هرمه، فلم يعلو على نحوه أحد، فكانت البداية هي النهاية!.
شيوخه ومعلموه
بعدما ألحن سيبويهَ حمادُ بن سلمة وبعد أن أخذ على نفسه عهدا أن يطلب علما لا يلحنه فيه أحد، لازم الخليل بن أحمد الفراهيدي فصاحبه مصاحبة الظل للشيء، فأخذ ينهل من علمه ويرتوي من فراته، فلم يمل سيبويه منه، وكانت له خصوصية عند الخليل، حيث يقول النطاح: "كنت عند الخليل يوماً، فأقبل سيبويه، فقال الخليل: مرحباً بزائرٍ لا يُمَلُّ"(15).
وقال المخزومي: "كان كثير المجالسة للخليل: ما سمعته يقول: مرحباً بزائرٍ لا يُمَلُّ إلا لسيبويه". وما هذا إلا لخصوصية يختص بها سيبويه عند الخليل، وما الغريب في ذلك فقد روي أنه روى عن أستاذه في (الكتاب) اثنين وعشرين وخمسمائة مرة، وهو قدر لم يرو به عن غيره، بل حتى ما يقاربه، وهو ما يبين أيضا خصوصية الأستاذية التي تميز بها الخليل عن غيره.
و لنا هنا بذكر بعض أساتذته وشيوخه وبعض ما ورد عنهم فكما يقولون "اعرف الأستاذ تعرف تلميذه":
1. الخليل الفراهيدي: هو الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم أبو عبد الرحمن الفراهيدي، ويقال الفرهودي الأزدي، أخذ عنه سيبويه، والنضر بن شميل، وأبو فيد مؤرج العجلي، وعلي بن نصر الجهضمي وكان سيبويه أبرعهم في النحو.
وهو الذي اخترع علم العروض وفرّعه إلى خمسة عشر بحرا، وهو أول مبتكر للمعاجم العربية، وله معرفة بعلم النغم وله فيه تصنيف أيضا، وله كتاب في اللغة يعرف بكتاب"العين".وله مؤلفات أخرى. وقد كان صالحا وقورا زاهدا صابرا على قساوة العيش ومرارته، فقد كان يقول: "لا يجاوز همي ما وراء بابي"(16).
ولد في البصرة في سنة مائة من الهجرة، وتوفي في البصرة سنة سبعين ومائة على المشهور.
2. الأخفش الكبير: هو عبد الحميد بن عبد المجيد الهجري، فهو من أهل هجر المكنى بأبي الخطّاب، مولى قيس بن ثعلبة، لقبه "الأخفش الكبير"، وهو من أساتذة سيبويه. قال السيرافي: "قد أخذ سيبويه اللغات عن أبي الخطاب الأخفش"، وهذا يبين مدى استفادة سيبويه منه، ومن تلامذته أيضا يونس وأبي عبيدة والكسائي وغيرهم، وينقل أنه كان ورعا ثقة وكان يلتقي الأعراب ويأخذ منهم، وأخذ عن أبي عمرو بن العلاء كذلك.
وينقل أن له بعض الألفاظ اللغوية التي تفرد بها عن العرب، حيث ذكر عنه في معرفة الأفراد في المزهر في علوم اللغة وأنواعها أنه قال: الخفخوف: وهو طائر.
والأخفش هو أول من فسر الشعر تحت كل بيت بمفرده، وإنما كانوا إذا فرغوا من القصيدة فسروها، واُخُتلف في وفاته فادعى البعض أن وقت وفاته مجهول(17)، وقال بعض آخر أنه توفي في عام سبعة وسبعين ومائة من الهجرة.
3. عيسى بن عمرو: هو عيسى بن عمرو الثقفي البصري المكنى بأبي عمرو، وهو من موالي آل خالد بن الوليد نزل في ثقيف فنسب إليهم، كان عالما بالنحو والعربية والقراءة والنسب، وهو أهم تلاميذ عبد الله بن أبي إسحاق، وقد أخذ من عبيد الله بن كثير، وابن المحيص، وسمع الحسن البصري وغيرهم، وهو من طبقة أبي عمرو بن العلاء ومن الآخذين عنه أيضا، وعنه أخذ الخليل، والأصمعي، وسيبويه وغيرهم.
له العديد من المصنفات أشهرها مصنفا (الجامع والإكمال)، ويقال أن سيبويه لما أحضر الجامع ليقرأه على الخليل أنشد الخليل قائلا:
ذهـب النـحـو جمـيـعـاً كـله
غير ما أحدث عيسى بن عمـر
ذاك إكمــال وهـذا جـامـع
وهمـا للنــاس شمــس وقـمــر(18)
وقد كان كثير التقعير في الكلام، ومما ورد عن تقعيره للكلام قوله: "ما لكم تكأكأتم علي تكأكؤكم على ذي جنة، افرنقعوا عني"(19)، وورد عنه الكثير من هذا القبيل ولكنا لسنا بصدد ذكر كل ذلك.
وكان أبو عمرو ضريرا، وتوفي في سنة تسع وأربعين ومائة وقيل في سنة خمسين ومائة.
4. أبو زيد النحوي: هو سعيد بن أوس بن ثابت الخزرجي الأنصاري، المعروف بـ: أبو زيد النحوي، كان عالما في النحو واللغة والأشعار ومذاهب العرب ومشاربهم، روى عن أبي عمرو بن العلاء ورؤبة بن الحجاج وعمرو بن عبيد وغيرهم. له مصنفات كثيرة وقد غلبت عليه اللغة والنوادر، من مصنفاته: لغات القران، الجمع والتثنية، غريب الأسماء، المقتضب، النوادر في اللغة.
وكان أبو زيد بعد وفاة سيبويه كثيرا ما يفتخر ويقول: "كلما حكى سيبويه في كتابه بقوله أخبرني الثقة فأنا أخبرته"(20).
وقيل إنه كان يأخذ عن أهل الكوفة من علم العرب، قال أبو سعيد: "ولا نعلم أحدا من علماء البصريين في النحو واللغة أخذ من أهل الكوفة شيئا من علم العرب إلا أبا زيد، فإنه روى عن المفضل الضبي"(21).
ولد في سنة تسعة عشر ومائة من الهجرة، وتوفي في سنة خمسة عشر ومائتين من الهجرة، وقيل إنه توفي بعد سيبويه بنيف وثلاثين سنة.
وقد أخذ سيبويه العلم عن غيرهم أمثال يونس بن حبيب، فقد أخذ عنه النحو وروى عنه، ويذكر أنه توفي في سنة ثلاث وثمانين ومائة، وقد زاد عمره على مائة سنة وقد أخذ عن غيره من علماء وشيوخ البصرة أيضا.
ويذكر كثير من المؤرخين أن واضع علم النحو هو أبو الأسود الدؤلي، وقد وضعه بإمرة من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد أخذه عن أبي الأسود (عنبسة الفيل، ثم أخذه عن عنبسة ميمون الأقرن، ثم أخذه عن ميمون عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، ثم أخذه عنه عيسى بن عمر، وأخذه عن عيسى الخليل بن أحمد الفراهيدي، ثم أخذه عن الخليل سيبويه)(22).
علمه ومناظراته
منذ أن قدم سيبويه البصرة واشتد عوده فيها كان دائم التفوق على أقرانه وأترابه فكان ماسكا بقصب السبق دائما حيثما كان، إلى أن تربع على كرسي إمامة البصريين وبزغ نجمه وذاع سيطه في كل مكان؛ فكانت شهرته أجلى من علم فوقه نار، ومما يروى عمَّا جاء في علمه، قال ابن سلام في (كتابه): "كنت جالساً في حلقة سيبويه في مسجد البصرة، فتذاكرنا شيئاً من حديث قتادة، فذكر حديثا غريباً، وقال: لم يرو هذا إلا سعيد بن أبي العروبة، فقال بعض ولد جعفر بن سليمان: ما هاتان الزائدتان يا أبا بشر؟ فقال: هكذا؛ لأن العروبة الجمعة، ومن قال: عروبة فقد أخطأ، قال ابن سلام: فذكرت ذلك ليونس، فقال: صدق، لله درُّه"(23).
ومما ورد في هذا المجال أيضا ما حدث به المازني بقوله: "قال الأخفش: كنت عند يونس فقيل له: قد أقبل سيبويه فقال: أعوذ بالله منه، قال: فجاء فسأله فقال: كيف تقول: مررت به المسكين، فقال: جائز أن أجره على البدل من الهاء. قالوا: فقال له: فمررت به المسكين على معنى: المسكينُ مررت به، فقال: هذا خطأ؛ لأن المضمر قبل الظاهر. قال: فقال له: إن الخليل أجاز ذلك وأنشد فيها أبياتا، فقال: هو خطأ، فغمني ذلك، قال: فمررت به المسكين؟- بالنصب- فقال: جائز، فقال: على أي شيء ينصب؟ فقال: على الحال. فقال سيبويه: أليس أنت أخبرتني أن الحال لا تكون بالألف واللام؟ فقال له: صدقت. ثم قال لسيبويه: فما قال صاحبك فيه؟ يعني الخليل، فقال سيبويه: قال لي: إنه ينصب على الترحم، فقال: ما أحسن هذا! ورأيته مغموما بقوله: نصبته على الحال"(24).
وليس من المناسب بمكان ونحن في صدد ذكر علمه ومناظراته ان لا نورد ذكر مناظرته مع الكسائي المعروفة بـ (المسألة الزنبورية)، حيث عندما قدم سيبويه بغداد حاضرة الخلافة آنذاك عزم يحيى بن خالد بن برمك -وهو وزير من وزراء البلاط- على الجمع بينه -وكان حينذاك إمام للبصريين- وبين الكسائي(24) إمام الكوفيين في مناظرة في دار الرشيد، قال الفراء: "قدم سيبويه على البرامكة، فعزم يحيى على الجمع بينه وبين الكسائي، فجعل لذلك يوماً، فلما حضر تقدمت أنا والأحمر، فدخلنا، فإذا بمثال في صدر المجلس، فقعد عليه، ومعه إلى جانب المثال جعفر والفضل، ومن حضر بحضورهم، قال: وحضر سيبويه، فأقبل عليه الأحمر، فسأله عن مسألة، فأجاب فيها سيبويه، فأقبل عليه الأحمر، فقال: أخطأت. ثم سأله عن ثانية، فأجاب فيها. فقال الأحمر: أخطأت. ثم سأله عن ثالثة، فأجابه فيها. فقال له: أخطأت. فقال سيبويه: هذا سوء أدب. قال الفراء: فأقبلت عليه، فقلت: إن في هذا الرجل حدَّة وعجلة، ولكن ما تقول فيمن قال: هؤلاء أبون. ومررت بأبين، كيف تقول على مثال ذلك من وأيت وأويت. فقدَّر، فأخطأ. فقلت: أعد النظر. فقدَّر، فأخطأ. فقلت: أعد النظر. ثلاث مرات، ولا يصيب. فلما كثر ذلك عليه، قال: لست أُكلمكما حتى يحضر صاحبكما، حتى أُناظره. فحضر الكسائي، فأقبل على سيبويه، فقال: تسألني أو أسألك؟ فقال: بل سلني أنت. فأقبل عليه الكسائي، فقال: كيف تقول: (كنت أظن أن العقرب أشدُّ لسعة من الزنبور، فإذا هو هي، أو فإذا هو إياها؟) فقال سيبويه: فإذا هو هي. ولا يجوز النصب، فقال له الكسائي: لحنت، ثم سأله عن مسائل من هذا النحو: خرجت فإذا عبد الله القائمُ والْقائِمَ، فقال سيبويه: ذلك كله بالرفع دون النصب، فقال الكسائي: ليس هذا كلام العرب، ترفع ذلك وتنصبه، فدفع سيبويه قوله، فقال يحيى بن خالد: فقد اختلفتما، وأنتما رئيسا بلديكما فمن ذا يحكم بينكما؟ فقال له الكسائي: هذه العرب ببابكم قد اجتمعت من كل أوب، ووفدت عليك من كل صقع، وهم فصحاء الناس، وقد قنع بهم أهل المصرين، وسمع أهل الكوفة وأهل البصرة منهم، فيحضرون ويسألون، قال يحيى وجعفر: قد أنصفت، وأمر بإحضارهم، فدخلوا، وفيهم أبو فقعس، وأبو ثروان، وأبو الجرَّاح، وأبو زياد، فسُئلُوا عن المسائل التي جرت بين الكسائي وسيبويه، فتابعوا الكسائي وقالوا بقوله، فأقبل يحيى على سيبويه، وقال له: قد تسمع أيها الرجل؟ فاستكان سيبويه، فأقبل الكسائي على يحيى، وقال له: أصلح الله الوزير، إنه قد وفد عليك من بلده مؤملاً، فإن رأيت أن لا تردَّه خائباً، فأمر له بعشرة آلاف درهم"(26).
وعما دار في المناظرة بين الكسائي وسيبويه، قال أبو الحسين علي بن سليمان الأخفش(27): "وأصحاب سيبويه إلى هذه الغاية لا اختلاف بينهم أن الجواب كما قال سيبويه، وهو: فإذا هو هي، أي فإذا هو مثلها، وهذا موضع رفع وليس بموضع نصب.فإن قال قائل: فأنت تقول: خرجت فإذا زيد قائم وقائماً فتنصب قائماً، فلِمَ لمْ يجز فإذا هو إياها؟ لأن إيا للمنصوب وهي للمرفوع؟
والجواب في هذا أن قائماً انتصب على الحال وهو نكرة، وإيا مع ما بعدها مما أضيفت إليه معرفة، والحال لا تكون إلا نكرة فبطل إياها، ولم يكن إلا هي وهو خبر الابتداء، وخبر الابتداء يكون معرفة لا نكرة، والحال لا يكون إلا نكرة، فكيف تقع إياها وهي معرفة في موضع ما لا يكون إلا نكرة؟ وهذا موضع الرفع"(28).
يذكر أن أصحاب سيبويه يقولون إن الأعراب الذين شهدوا للكسائي هم من أعراب "الحطمية" وهم ممن يأخذ عنهم الكسائي.
تلامذته
برز ممن أخذ العلم عن سيبويه اثنين من العلماء، وكانا علمين من علماء عصرهما، وهما الأخفش الأوسط وقطرب النحوي، وقد أكثرت التنقيب في الكتب، وحاولت جاهدا العثور على ذكر غيرهما ممن أخذ عن سيبويه، ولكني لم أجد أحدا يذكر في المساحة الواسعة التي بحثت فيها على أقل تقدير، فلنا هنا بذكر اليسير مما ورد في ذكرهما:
1. الأخفش الأوسط: هو سعيد بن مسعدة المجاشعي البلخي -نسبة إلى بلخ- البصري، المكنى بأبي الحسن، المعروف بـ (الأخفش الأوسط)، والأخفش: من له عينان صغيرتان مع ضعف بصرهما، وكان أجلعا: وهو الذي لا تنضم شفتاه، ولا تنطبق على أسنانه، سكن البصرة وأخذ النحو عن سيبويه وقام بتدريسه، وقيل إن الكسائي قرأ عليه الكتاب سرا.
وهو الذي زاد في العروض بحرا وهو (الخبب)، وكان معتزليا عالما بالكلام، وله الكثير من المصنفات أبرزها كتاب المقاييس في النحو، والأوسط في النحو، والاشتقاق، والعروض والقوافي، وغريب القرآن، وتفسير معاني القرآن وغيرها.
"قال أبو العباس كان الأخفش أكبر سناً من سيبويه وكانا جميعاً يطلبان، قال فجاءه الأخفش يناظره بعد أن برع فقال له الأخفش: إنما ناظرتك لأستفيد لا لغيره، أتراني أشك في هذا"(29).
وكان يقول: "كان يعرض عليَّ ما يعمل من كتابه -يقصد سيبويه-، وكان أعلم مني، وأنا اليوم أعلم منه.
قال القاضي أبو المحاسن: ما كنت أستحب لسعيد أن يقول ذلك، لأنه يتعرض لقول الشاعر:
اعلمه الرماية كل يوم
فلما اشتد ساعده رماني"(30)
وتوفي الأخفش سنة عشر ومائتين، أو إحدى وعشرين ومائتين، أو خمس عشرة ومائتين.
2. قطرب: هو محمد(31) بن المستنير بن أحمد اللغوي البصري، مولى سالم بن زياد، المكنى بأبي علي، المعروف بقطرب، ومن سمّاه بذلك سيبويه؛ حيث كان يبكر له في الحضور قبل أحد من تلامذته: فقال له: "ما أنت إلا قطرب ليل، فبقي عليه هذا اللقب، وقطرب: اسم دويبة لا تزال تدب ولا تفتر، وهو بضم القاف وسكون الطاء المهملة وضم الراء وبعدها باء موحدة"(32)، أخذ النحو عن سيبويه وعن غيره من علماء البصرة، وكان عالما بالنحو واللغة والأدب والكلام وكان معتزليا.
كان مؤدبا لأولاد أبي دلف العجلي، وهو أول من وضع المثلث(33) في اللغة، وله الكثير من المصنفات منها: النوادر، الأضداد، الأزمنة، تفسير القرآن على مذهب المعتزلة، كتاب الهمزة، الاشتقاق، الأصوات، القوافي، العلل في النحو، المثلث في اللغة وغيرها.
ولد في البصرة وكانت وفاته في سنة ست ومائتين.
ومما لا شك ولا ريب فيه أن لسيبويه تلاميذ غير ما ذكرنا، وهذا الإدعاء له ما يفسره من القرائن الدالة على ذلك من خلال النصوص الواردة التي بين أيدينا(34)، ناهيك عن القول بأن تلاميذه لم تحدّهم حلقاته التي كان يلقي فيها دروسه، فكتابه هو المدرس الأول والأوسع لكل نحوي أراد النحو، وهو يغني عن حضور حلقة غيره من النحاة لما حواه عن العربية من القواعد والشواهد.
يقول الزمخشري:
ألا صلى الإله صلاة صدق
على عمرو بن عثمان بن قنبر
فـإن كتــابه لـم يغــن عنــه
بنـــو قلـــم ولا أبنــــاء منــبر(35)
وفاته
بعد أن تناظر سيبويه مع الكسائي وبعدما شهد الأعراب لقول الكسائي، انصرف سيبويه كمِدا وقد حمل في نفسه شيئا ظنا منه أنهم تحاملوا عليه، فقرر الرحيل عن بغداد، وتوجه إلى خراسان قاصدا طلحة بن طاهر حيث كان يحب النحو وهو من ملوكها، وبعد أن وصل إلى ساوة مرض مرضه الذي مات فيه، وقيل إن معدته قد ذريت فمات.
وقيل إن إبراهيم النظام دخل على سيبويه في مرضه، فقال: "كيف تجدك يا أبا بشر؟ قال: أجدني ترحل عني العافية بانتقال، وأجد الداء يخامرني بحلول، غير أني قد وجدت الراحة منذ البارحة. قلت: فتشتهي شيء؟ قال: لا، ولكن أشتهي أن أشتهي. فلما كان من غذ ذلك اليوم، دخلت إليه وأخوه يبكي، وقد قطرت دمعة من دموعه على خده، فقلت كيف تجدك؟ فقال: يسر الفتى ما قد تقدم من بقا إذا عرف الداء الذي هو قاتله. قال النظام: ثم مات من يومه"(36).
يذكر أن سيبويه مات قبل جماعة ممن أخذ عنهم كيونس بن حبيب وأبو زيد النحوي وغيرهما، وقد أُختلف كثير في مكان وزمان وفاته،" قال ابن القانع: مات بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة، وقال أبو الفرج ابن الجوزي توفي سيبويه في سنة أربع وتسعين ومائة وعمره اثنتان وثلاثون سنة، وإنه توفي بمدينة ساوة"(37)، وذكر خطيب بغـداد عـن ابـن دريـد أن سيبويه مات بشيراز وقبره بها، وقيل إنه توفي في سنة سبع وسبعين، وقيل تسع وسبعين، وقيل ثمان وثمانين، وقيل إحدى وتسعين ومائة، وقيل بأن وفاته كانت بالبيضاء بشيراز وأن قبره هناك، قال الأصمعي: " قرأت على قبر سيبويه بشيراز: هذا قبر سيبويه. وعليه مكتوب هذه الأبيات:
ذب الأحبــة بعـــــد طـــول تــــزاور
ونـأى المزار فأسلموك وأقشعوا
تركـوك أوحــش ما يكـــــون بقفـــرة
لـم يؤنسـوك وكربــة لـم يدفعـوا
قضي القضاء وصرت صاحب حفرة عنك الأحبة اعرضوا وتصدعوا"(38).
وقد يكون رأي أبو المحاسن التنوخي في كتابه تاريخ العلماء النحويين الأصوب، حيث يقول: "وتُوفي سيبويه رحمه الله، بعد منصرفه من بغداد، سنة ثمانين ومائة، وعمره على ما أوجبه التأمل والتقريب خمسون سنة، وذلك لأنه قد روى عن عيسى بن عمر، يقول: أخبرني عيسى. في غير موضع من " الكتاب "، ولا اختلاف في التواريخ أن عيسى بن عمر تُوفي سنة تسع وأربعين ومائة، فينبغي أن يكون سمع عنه وهو ابن تسع عشرة، وما زاد عليها.
وليس قول من قال عمره ثلاثون سنة بشيء، هذا مُحال لا يلتفت إليه، ولا يعول عليه، لأنه على غير تأمل ولا معرفة"(39).
الخاتمة
لقد كانت حياة سيبويه على رغم قصرها مليئة بالدروس وزاخرة بالعبر، فقد زان نجمه في الأفق وهو في ريعان شبابه بعد أن استفاد من الخطأ الذي ارتكبه عند حماد، لقد كانت مواقفه وتصرفاته مثالا يحتذى به لكل طالب علم أراد الوصول إلى مصاف العظماء، لقد سطر سيبويه اسمه على صفحات التأريخ كأحد أهم الشخصيات التي أحدثت نقلة نوعية في تأريخ النحو العربي، فقد كرّس كل عمره للنحو، وبدأ يؤسس لمدرسة بنا أركانها مما حصّله من أصول النحو ممن أخذ عنهم، وكان للخليل حصة الأسد في ذلك، وبعدها أفرغ كل ذلك في كتابه الذي توارثته أيدي العلماء بعده، وبدأوا بعدها ببسطه وشرحه.
وفي الحقيقة إن هذا البحث البسيط ليس شاملا لكل التفاصيل المتعلقة بسيبويه، ولذلك فأقترح لمن أراد إكمال المسير في البحث، البحث في بعض العناوين المتعلقة بالكتاب، وهي:
1. لماذا سمي بـ (الكتاب)؟
2. هل أكمل سيبويه الكتاب؟
3. هل هو مؤلفه؟
4. منهج الكتاب.
5. مكانة الكتاب وأهميته.
6. ذكر بعض شرّاح الكتاب.
* الهوامش:
(1) أخبار النحويين ص 6.
(2) ورد هذا القيل في البداية والنهاية وغيره أيضا في الجزء الحادي عشر، لكن السيوطي في بغية الوعاة ذكر أنه كان "مولى بني الحارث ثم مولى بني الربيع"، وبهذا لا يكون هناك تعارض بين القولين. والظاهر أن أكثر النقول صورت كونه إما مولى بني الحارث أو مولى بني الربيع، فحصلت شبهة المعارضة لهذا السبب. أما القول الذي نقله السيوطي فيبدو أنه الأصوب لما فيه من التراتب.
(3) نقلا عن كتاب البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة /ص 53.
(4) ورد هذا القيل في أبجد العلوم. المجلد الثالث.
(5) ذكرت هذه الأقوال في أبجد العلوم / الجزء الثالث، وفي بغية الوعاة وغيرهما.
(6) يوجد خطأ شائع في أكثر الكتب أن (ويه) معناها الرائحة، ولكن الصحيح أن (بو) هي التي بمعنى الرائحة، وحاصل هذا الخطأ أن سيبويه كلمة مركبه والفرس لا يوجد في لغتهم التشديد فالتقت باءان، باء (سيب)، وباء (بويه) فحذفت باء (بويه) ومن هنا حصل الاشتباه.
(7) هذا القول منسوب للعسكري / تاريخ العلماء والنحويين.
(8) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان/ج3 ص487.
(9) المصدر السابق.
(10) ذُكرت هذه المعلومة في حاشية كتاب "لغات القران المأخوذة من مجمع البيان"، وقد أكمل العبارة بقوله "وأشار إليهم السيوطي في نهاية البغية". وقد راجعت بغية الوعاة للسيوطي وذكرهم هناك، وهم:
1. علي بن عبد الله بن إبراهيم، أبو الحسن المغربي المالكي النحوي.
2. محمد بن عبد العزيز بن محمد بن محمود بن سهل أبو نصر التيمي الأصبهاني النحوي القاضي.
3. محمد بن موسى بن عبد العزيز الكندي المصري أبو بكر، وقيل أبو عمران الصيرفي ويعرف بابن الجبى.
وكثر بعد ذلك تلقيب بعض العلماء بـ (سيبويه زمانه) للدلالة على غزارة علمه ومعرفته، وللإشارة إلى تسيده علماء عصره.
(11) علما أن هارون الرشيد له زوجتان إحداهما فارسية وهي أم المأمون.
(12) المنتظم في التاريخ / الجزء السابع.
(13) تاريخ العلماء والنحويين ص8.
(14) بغية الوعاة ج1 ص548.
(15) تاريخ العلماء والنحويين ص8.
(16) البداية والنهاية/ج10ص173.
(17) من ادعى ذلك هو أبو محمد عبد الله اليافعي في مؤلفه مرآة الجنان وعبرة اليقظان.
(18) البداية والنهاية/ج10ص173.
(19) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان /ج3 ص487. وفي بعض الكتب، "ما لكم تكأكأتم علي كتأكئكم على ذي جنة، افرنقعوا عني"، من كتاب دروس في البلاغة للشيخ معين دقيق/ص20.
(20) المزهر في علوم اللغة وأنواعها ج1 ص 111.
(21) أخبار النحويين ص 8.
(22) المنتظم في التاريخ /الجزء السابع.
(23) تاريخ العلماء النحويين ص8.
(24) أخذت هذا الخبر من بحث بعنوان سيبويه/ الانترنت.
(25) هو إمام نحاة الكوفة واسمه علي بن حمزة بن عبد الله الكسائي الأسدي، ويكنى بأبي الحسن، وهو معلم الأمين ابن الرشيد.
(26) تاريخ العلماء والنحويين ص9.
(27) وهو الأخفش الصغير، علما أن هناك ثلاثة أخافش مشهورون، وهم:
1. الأخفش الأكبر: أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد، وهو الذي ذكره سيبويه في كتابه.
2. الأخفش الأوسط: سعيد بن مسْعَدة أبو الحسن ، الذي يروى عنه كتاب سيبويه، وهو صاحبه.
3. الأخفش الأصغر: أبو الحسن علي بن سليمان ، صاحب أبوي العباس النحويين: أحمد بن يحيى الملقب بثعلب، ومحمد بن يزيد الملقب بالُمبرِّد. وقد ذُكروا في مقدمة ابن صلاح في معرفة ألقاب المحدثين. وقد وجدت ذكر أخفش آخر في المزهر في علوم اللغة وأنواعها وهو أبو الحسن علي بن المبارك الأخفش الكوفي. وهناك أخافش أخر أيضا. وقيل إنهم أحد عشر أخفشا.
(28) هذا الجواب ورد في بحث بعنوان سيبويه/ الانترنت.
(29) أخبار النحويين ص7.
(30) تاريخ العلماء والنحويين ص8.
(31) وقيل إنه الحسن بن محمد، وردّ هذا القيل في وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان/ج4 ص313.
(32) الأعيان وأنباء أبناء الزمان/ج4، ص312.
(33) المقصود بذلك أنه جمع أسماء ثلاثية يأتي أولها مفتوحا ومكسورا ومضموما، فيدل على معاني مختلفة.
(34) من القرائن الدالة على ذلك، هو ما تعرضنا له في الكلام عن قطرب من أنه كان يبكر الحضور لسيبويه قبل أحد من تلامذته، وهذا ما ينقله أكثر المؤرخين في كتبهم، وما هذا إلا إشارة لوجود تلامذة يأخذون عن سيبويه، وإنما كان قطرب يسبقهم لذلك، ومن غير المعقول أن عالما قد تسيد علماء عصره لا يكون له من التلامذة إلا اثنين كما تقدم ذكرهما!؟
(35) البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة /ص 53.
(36) تاريخ العلماء النحويين ص10.
(37) مرآة الجنان وعبرة اليقظان.
(38) تاريخ العلماء والنحويين ص10.
(39) المصدر السابق.
0 التعليق
ارسال التعليق