لقد حظي أهلُ الإيمان برعاية ربانية فريدة تقضي بجمعهم على التقوى، مهما كان التشظّي، ومهما كانت الرؤى والمواقف، فهذه الحياطة والرعاية وقد استمدت جدارتَها من يوم المؤاخاة في مدينة الرسول(ص)، وتعاليم الأئمة الأطهار(ع)، وسيرتهم المباركة، ونور تلك الغُرّة الآسر للألباب، كلها كانت الضمانةَ للعودة، وكانت الرهان على اللقاء، وهذا ما تذعن به حنايا أهلِ الإيمان ممن يرون وحدة أهل التقوى شاخصةً للعيان في روح الشريعة، فكان ذكرهم آناء الليل وأطراف النهار: (أين جامعُ الكلمة على التقوى؟).
وعلى ما تقدم فالجمع للكلمة على التقوى نوعان: جمعٌ تشريعيٌ لهجت به نصوص الشريعة، وبالغت في حق الأخوة الإيمانية بنحوٍ منقطعِ النظير. وجمعٌ تكوينيٌ قائمٌ ومنتظر، قائم بقيام العالم بالحجة التي لو ارتفعت لساخت الأرض بأهلها، ومنتظرٌ مرتقب في النظر لطلعة المهدي الغراء، فكما حدثنا التاريخ وعلى لسان الأعداء أن لأهل هذا البيت نوراً يسطع بالحقيقة بين أعينهم، وأنهم كانوا كالأقمار المنيرة إذا برزوا للنزال، وأن من رآهم عرف أنهم على الحق، وغير ذلك مما يفصح عن هذا النور المحيّر، ولهذا -وكما يقول بعضهم- فإنا لسنا بحاجة لعلامات نميّز بها صاحبَنا عن غيره حينما نراه، بل نفسُ وقوفه بين أيدي الناس مستنداً إلى بيت الله، ونورُ فاطمة بين عينيه يدُلّكَ على أنه هو هو، ولسان حالك يقول: بك عرفتك، وأنت دللتني عليك. فليس لقلبٍ خالط دمَه الإيمانُ أن يتجافى عن هذا المنتظر، فهو السراجُ المنير وتلك القلوب فراشاتُه المحدقة به، تطوف عليه وتسبّح الله، وحينها يكمل الجمع لكلمة أهل الإيمان على التقوى.
وإذا كان في أهل الضلال من يتْقِنُ تحويلَ الهزائم لانتصارات، وتقديمَ الهروب على طبق المبادرة والسلام، فأهل الإيمان أجدر بتحويل الصعاب إلى محطات تزوّدهم بالمحبة وتفديةِ بعضهم للآخر، وهم مع ذلك لا ينتظرون مثل هذه المجامع الاضطرارية والجمعُ الإلهي يحدو بهم لِلِّقاء تكليفاً وخلقاً، ويحوطهم بجمعَيْه التكوينيِ والتشريعيِ، فليس تكتيكاً، ولا مقايضةً، ولا محلاّ للمنّة، بل سلوكٌ راسخ رسوخ الحق وعلى امتداد الطريق، لا يتأثر بسلوك طرف من أطراف أهل الإيمان مهما شطَّ أو اختلّ، ولا يلقي بالمنّة في أدائه لقسطه من هذا الجمع، ولا يرجو من ذلك جزاء ولا شكوراً، كيف لا؟! وجمعه تكليف كفائي يسقط بأدائه عن نفسه أولاً، وعن الآخرين ثانياً.
وسيبقى عُود أهل الإيمان أصلبَ من أن تنال منه يدُ الفتنة، مهما تباعدت الرؤى، وفي اليوم الذي نتنازل فيه عن أضعف الإيمان هذا ندرك أنّا لسنا على دين ذلك الإمام، فذلك الإمام إمام جمع، يجمع الكلمة على التقوى، والقلوبَ على المحبّة والهداية، فهو المهديُّ وهو الهادي وبظهوره تتم الهداية.
0 التعليق
ارسال التعليق