الملخّص:
تطرّق الكاتب في مقالته لدور المرأة في عصريّ الغيبة والظهور، في خمس محاور، تضمّنت أهمّ مسؤوليات المرأة، ودورها الأساس في ربط الأسرة بالإمامl، وكذلك دورها في المجتمع والأمّة بشكل عام، وأثرها في التاريخ والحضارة الإنسانية سلباً وإيجاباً، وختم المقالة بذكر دورها في زمن الظهور من خلال روايتين أساسيتين.
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين..
يجسِّد (المجتمع المهدوي) جزءاً من الأمَّةٍ المنتمية إلى اللهaمن نبينا آدمg وإلى الخاتمe وتمتد بامتداد الأئمة والأوصياء الربانيين إلى الحقبة التي تسبق ظهور الإمام المنتظرl، ثمَّ تستمر معه في نهضته وقيامه لإظهار الدين على الدين كله دين الإسلام ولو كره المشركون.
فهنا مسؤولية عالية تقع على عاتق الجميع، تقع على عاتق الأفراد والجماعات، تقع على عاتق الرجال والنساء، الآباء والأمهات، الإخوة والأخوات وجميع أفراد المجتمع. هذه المسؤولية تكمن في تحمل المسؤولية الإلهية كما يقتضيه الوضع والظرف وكما يقتضيه انتماء هذه الأمة والمجتمع إلى الخط الذي يمثله الإمام الصاحبl.
نقف في هذا المقال مع مجموعةٍ من المحاور التي تبين جوانب من دور المرأة المسلمة المؤمنة في عصر غيبة الإمام المنتظرl كعنصر هام في المجتمع الإيماني الكريم وفي هذه الأمَّة الوسط التي ينبغي لها أن تكون خير الأمم، وبالأخص فيما يرتبط بصنع هذه المرأة لمجتمع منتمٍ ومرتبط بالإمام الحجةl ممهدٍ له، سائرٍ في ركب أنصاره وأصحابه إن شاء الله، ثمَّ نبين جانباً ممَّا يرتبط بنصرة المرأة للإمامl في زمن الظهور.
وذلك ضمن محاور:
المحور الأول: أهم وظائف المرأة في بيتها وعائلتها.
المحور الثاني: دورها في ربط أسرتها بالقضية المهدوية وبالمفاهيم الدينية بشكل عام.
وهذان الأمران ليسا أمرين منفصلين، بل ليست القضية المهدوية إلا شيئاً واحداً مع المفاهيم الدينية ويتكاملان، كما سنذكر إن شاء الله تعالى.
المحور الثالث: دور المرأة كعنصر فعال في المجتمع والأمة بشكل عام.
المحور الرابع: في أثر المرأة تاريخياً وحضارياً.
المحور الخامس: في تنوع أنصار الإمامl ونذكر بعض الأمور المتعلقة بذلك التنوع في مجموعة نقاط نستعرض فيها روايتين متعلقتين بحضور المرأة ضمن أصحاب الإمامlالرئيسيين.
المحور الأول: أهم وظائف المرأة في بيتها وعائلتها
سنركز هنا على الوظائف التي تمس موضوعنا بالدرجة الأولى، وقد تكون وظائف عامة لكنها بطبيعة الحال تمهد أرضية أساسية لكل فرد وعنصر في الأسرة والعائلة لأنْ يتلقى التربية المهدوية بشكلٍ صحيحٍ وسليم، ولأنْ تكون هذه التربية ضمن المنظومة التربوية العامة، متسقة معها ومتوجة لها في الواقع لتكون الأسرة والمجتمع مجتمعاً فعالاً على هذا الطريق.
فما هي أهم وظائف المرأة في بيتها وعائلتها؟
قبل البدء بسرد الوظائف لا بأس بالتأكيد على مسؤولية نقل هذه المعارف والطرق والأساليب إلى الأجيال والعمل بهذه الأساليب للتأثير في الأجيال فهو المأمول من أمثال النساء الجليلات العاملات في المجال الاجتماعي والإسلامي والديني.
الوظيفة الأولى: توفير السكن والطمأنينة
فتوفير السكن الروحي والطمأنينة العاطفية من أهم وظائف المرأة في بيتها وعائلتها وهو محور الأمومة والزوجية، الأرواح الموجودة في المنزل بدءً من روح المرأة والزوجة والأم نفسها وكذلك روح الأب والزوج والأبناء، هذه الأرواح تحتاج إلى سكنٍ تسكنُ إليه لما تواجهه في تفاصيل الحياة التي تعيشها من صعوبات ومشاق ومراحل تحتاج إلى صبر وتضحية، مراحل تحتاج إلى جد واجتهاد ومثابرة، كل ذلك يحتاج إلى ملجئ ساكن مطمئن ترجع إليه هذه القلوب في يومها وليلتها وشهورها وسنواتها لتكون دائماً في حصن حصينٍ روحيٍ، وفي بيئة مطمئنة مستقرة عاطفياً توفر لها أرضية التكامل والانطلاق المجدد لتحقيق الأهداف العالية في الحياة.
وعندما نتحدث عن حياة مهدوية فإننا نتحدث عن أفراد وعن مجتمع ذوي طموح عالٍ وأهداف متقدمة وهمٍّ كبير وشعور بالمسؤولية فريد، كلٌّ هذا لا بدَّ أن يرافقه جهدٌ وعملٌ وتفكير، إذا لم تتوفر بيئة الراحة والاستقرار والطمأنينة فلن يجد العامل في هذه الظروف ملجأ يلجأ إليه، يستقر فيه، يرتاح إليه، وأي ملجئ آمن وحصن الحصين وسكن المريح كسكن الأم وسكينتها وطمأنينتها، وكسكن الزوجة والارتياح الذي تبثه في المنزل.
وهذا لا يكون إلا بتربية الأمهات والبنات والأخوات على أن يكنَّ عنصر بث السكينة والطمأنينة والارتياح في منازلهن وبيوتهن وأسرهنّ بل والمجتمع المحيط.
المرونة في التعامل، البِشر في اللقاء، إشاعة الروح المتفائلة والمتعاونة، تسهيل ما يعتمل في النفس من استصعاب صعوبات الحياة، المسح على جراح القلب، وتفاصيل كثيرة تُبث في التعامل لا يقوم بها إلا الأم والزوجة.
الوظيفة الثانية: تنشئة الأجيال المتزنة القادرة على إدارة الحياة
فبعد أن اتزنت الروح والنفس واستقرت، يحتاج الفرد في الأسرة إلى من يوازن له مجموعة من العناصر التي تمكِّنهُ من إدارة حياته بالشكل المطلوب، يحتاج الفرد إلى التعلم والتثقف والتدرب على التكيف وغيرها من أمور وعليه أن يحصل على فرصة كبيرة في بيته لأن يقوم بذلك.
يحتاج إلى الاتزان النفسي وعدم الاضطراب، يحتاج إلى السلامة النفسية، يحتاج إلى القدرة على أن يتحكم في نفسه التحكم الصحيح وأن لا تُضعفه الحياة وأن لا تخور عزيمته نتيجة لضغوط الحياة، يحتاج إلى التحكم بغضبه، وأن يصرف عاطفته في المحل الصحيح، يحتاج الفرد أن يتعلم أخلاقيات التعامل مع الآخرين، ذلك يبدأ من المنزل من العائلة من الأسرة من الزوجة والأم والأخت حتى.
الاعتماد على النفس في الاهتمام بالشؤون الشخصية وفي أن يكون الشخص فعالاً مُنتجاً يبدأ من الاعتماد على النفس في المنزل، بأن يساعد الابن والبنت وكل أفراد المنزل بعضهم البعض ليقوموا بأعباء ومسؤوليات المنزل كلٌ بحسبه وبطاقته وبقدرته واهتماماته وما يناسب مزاجه إن كان ابناً أو بنتاً أو ما شابه، إدارة هذه الأمور وملاحظتها، ملاحظة ردات فعل الأولاد في تعاملهم مع بعضهم البعض، ترشيد ذلك، إنما يقع في جزء كبير منه على عاتق الأم والزوجة.
طبعاً كل المسؤوليات المذكورة هي مسؤوليات مشتركة بين الزوجين في التخطيط لها وفي تطبيقها وتنفيذها وفي مراقبتها إلا أن طبيعة قدرات المرأة واستعدادها ونفسية المرأة ومزاجها وعاطفتها وطريقة اهتمامها بالمنزل وكما نراه في جميع المجتمعات السليمة تجعل قسطاً كبيراً من هذه تحمل المسؤوليات من نصيب المرأة، فأي دور جليل للمرأة في تنشئة الأجيال المتزنة القادرة على إدارة الحياة.
الوظيفة الثالثة:
تحقيق النجاح والوصول إلى النتائج المطلوبة في الوظائف السابقة يحتاج إلى القيام بالكثير من المسؤوليات التفصيلية داخل المنزل، من تلبية الاحتياجات الأساسية للأفراد وللعائلة في المنزل، والحفاظ على الهيئة المناسبة له. حتى مع وجود خادمة مثلاً، حتى مع وجود بناتٍ، حتى مع بداية تقدم الأم في السن، نشاهد أنَّ هذه المسؤوليات لا يصلح أن تخرج عن عهدة المرأة تماماً فهي تُشرف على ذلك وتوجه كل ذلك.
ما علاقة هذا بالتربية والتنشئة والمجتمع المهدوي؟
هذه المسؤوليات إذا تُركت لن يقوم بها أحد، فستعاني العائلة من نقص شديد في توفير تلك الاحتياجات بالطريقة والخصائص والصفات التي سنذكرها الآن: فليس المراد من قيام الزوجة والأم بالمسؤوليات المنزلية مجرد تقديم خدمات يشعر معها الفرد في الأسرة من ابن و بنت وكأن هذه الخدمات هي حقٌ يطالب به الأم والأب ووظيفتهما أن يقوما بذلك، المسألة ليست كذلك.
كما أنَّه من المعلوم أنَّ هذه الاحتياجات ضرورية للأسرة، ومن المعلوم أن الرجل بطبيعته وصفاته وإن قدم شيئا من هذه الخدمات وساهم فيها إلا أنَّه لن يقوم بها كما تقوم بها الأم ولن يهتم بها كما تهتم بها الأم، ليس لأنه قليل اهتمام بل لتركيبته المزاجية والعاطفية والنفسية ولمسؤولياته الأخرى الجسيمة أيضاً التي ينبغي عليه أن يقوم عليه بها مع التأكيد على عدم خلو مسؤوليته من متابعة كل هذه الأمور في المنزل، لكن تبقى الأمور التفصيلية على عاتق الأم بلا شك، إمَّا بأن تباشرها وإمَّا بأن تشرف عليها كما أسلفنا، ومن أهم الشواهد على ذلك أنَّ هذه الصورة المذكورة هي القائمة في المجتمعات بشكل عام.
ما هو المطلوب من هذه الخدمات والمسؤوليات أن تقدمه للأسرة بالإضافة إلى تلبية الاحتياجات في نفسها كالمشرب والمأكل وطريقة الملبس والحفاظ على جو البيت نظيفاً؟
المطلوب أن تترافق هذه المسؤوليات والخدمات مع باقة متكاملة من العاطفة والحب والانسجام والتودد، والمطلوب للأم عندما تقوم بدورها أن تقوم بمسؤولياتها وتقدم خدماتها وهي مُلاحظة لكون هذه المسؤوليات معينةً لأفراد الأسرة لأن يتقدموا في الحياة بأن يحصلوا على السكن والاستقرار والبيئة المناسبة للانطلاق، معينةً لهم على أن ينشغلوا في التفكير بالأمور العالية المطلوبة منهم على مستوى التعليم والعمل والإنتاج، وعلى مستوى الدعوة إلى اللهa.
من شأن الأم ومن شأن الزوجة الصالحة أن تضخَّ كل هذه المعاني أثناء معاملتها لزوجها أمام الأبناء والبنات، أن تُشعرهم بأنَّها تقوم بذلك بحب وبود وبهادفية حتى يتربى الجيل على تحمل مسؤولياته متضمنة تلك المسؤوليات لكل هذه المعاني، فليست المسؤوليات هذه مجرَّد قشور، أو طقوس مجتمعية فارغة، كلا، بل هي حواضن للمحبة والعاطفة والود والاحترام، وأرضيات للقيام بالمسؤوليات العامة والحياتية وتحملها. وقد ورد عن رسول اللهa أنه قال: «أحبوا الصِّبيَان وارحموهم...»الحديث. وورد عن الإمام الصادقg قال: «أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم يُغْفَرْ لكم».
هكذا ينبغي أن تكون، فلنعلم أبناءنا وبناتنا الثوابات الجزيلة المحفزة على التعاون والتعاضد والإقبال على الخدمة مهما كانت صغيرة فضلاً عن الكبيرة كيف يقدِّر الإسلام مثل هذه الخدمة الصغيرة فما بالكَ وما بالكِ بالخدمات الكثيرة الجليلة التي يقدمها جميع أفراد البيت وبالأخص الأم والزوجة، تلك الثوابات الجزيلة تلك الحالة من البشر والإقبال والتفاني التي تقدمها لنا التعاليم الإسلامية ينبغي أن تنعكس على السلوك أثناء القيام بتلك المسؤوليات.
إذن، لحد الآن ذكرنا ثلاث وظائف للمرأة في بيتها وعائلتها: السكن والطمأنينة، تنشئة الأجيال المتزنة القادرة على إدارة الحياة، والقيام بالمسؤوليات المنزلية بالعمق الذي بيناه وذكرناه.
المحور الثاني: دور المرأة في ربط أسرتها بالقضية المهدوية والمفاهيم الدينية
بعد توفر بيئة كالبيئة التي ذكرناها، أسرة وبيت متعاون متكاتف منسجم مليء بالعاطفة السليمة وبالحب والتفاهم والتفاني وبتقدير القيم والمبادئ وبتقديم الخدمات للآخرين في المنزل على أساس عميق من المعرفة والمحبة وتوفير فرصة التكامل، نذكر أربعة محاور هامة في الدور الثاني.
النقطة الأولى: تقديم أسلوب الحياة الدينية
حتى تربط المرأة أسرتها بالقضية المهدوية وبالمفاهيم الدينية ينبغي عليها أن تُظهر مجموعة من معالم الأسلوب، أسلوب الحياة الدينية التي تقرب المجتمع لأن يكون مجتمعاً مهدوياً.
الأمر الأوّل، أن تقدم المرأة نموذجاً عبادياً، نموذجاً يهتم بعبادة اللهa، وينطلق في تفاصيل حياته من كونها عبادة للهa، كل ما تقدم ذكره من أدوار ينبغي أن تستشعر المرأة في نفسها أنَّها تقوم من خلالها بعبادة للهa عبر قيامها بهذه المسؤوليات الاجتماعية الجسيمة والكبيرة، وأن تُشعر أبنائها بأنَّها تقدِّم ذلك قربةً إلى اللهa وتقرباً إليه، وأنَّ العاطفة التي تقدمها إليهم حتى وإن كانت عاطفة زوجية وعاطفة أمومة لا تحتاج إلى توضيح أو تبرير زائد، لكن ربطها باللهa وبعبودية هذه المرأة الجليلة للهa يُكسبها العواطف قيمةً أعمق ومعنىً أسمى.
المرأة التي تقف للصلاة في أوقات الصلاة وأوائل الوقت، المرأة التي تسبح اللهa في آناء الليل وأطراف النهار، المرأة التي تهتم بالمواسم العبادية، المرأة التي تصوم المستحب، وتتنفل بالصلوات المستحبة إلى جانب قيامها الكامل بمسؤولياتها الأخرى ولا تُنقص شيئاً، المرأة التي تبكي الإمام الحسينg، المرأة التي تتشبه بالزهراء وزينبj في عبادتهما، هذه المرأة تقدم نموذجاً عبادياً مؤثراً جداً في الأجيال، يوفر عنصراً من العناصر الرئيسية في تكوين المجتمع المهدوي وهو عنصر العبودية للهa بتفاصيله.
فالنقطة الأولى في دور الربط بين القضية المهدوية والمفاهيم تقديم الزوجة نموذجاً عبادياً سامياً عملياً في الأسرة تقدمه لأسرتها فتكون قدوة في هذا المجال.
وكم منّا من يذكر كيف تتعبد أمه وجدته فيتأثر ويرتبط ويتعبد، هذه قصص ينبغي أن لا تنقطع نماذجها وأن لا تنتهي أبطالها، قصص الأمهات والجدات اللاتي يصمن أيام الاثنين والخميس مثلاً في طول السنة، واللاتي يصمن في أيام مواليد أهل البيتi في طول السنة، واللاتي يصمن في رجب وشعبان، -مع ملاحظة التفاصيل الفقهية من رضا الزوج ومع استقرار الأسرة..-، (هذه القصص نسمعها وعايشناها في جداتنا وفي مجتمعنا المؤمن) ينبغي أن لا تنقطع هذه السلسلة من الاهتمام العبادي وتقديم النموذج العبادي، هذا الدور يقع بشكل كبير على عاتق الأمهات، أنتن الحضن الأول الذي يوفر الاهتمام العبادي عند الطفل وعند الشاب والشابة.
النقطة الثانية: تهيئة الأجواء العبادية في المنزل
بالإضافة إلى تقديم المرأة للنموذج العبادي في نفسها بأن تكون عابدة للهa مهتمة بالتفاصيل العبادية، ينبغي عليها أن تساعد بشكل كبير على تهيئة الأجواء العبادية في المنزل، تهيئة الأجواء العبادية قبيل وقت الصلاة، وفي أوائل وقت الصلاة، تهيئة الأجواء العبادية لمساعدة الصائمين على سحرهم وفطرهم، تهيئة الأجواء العبادية عندما يريد الشاب أو الشابة الخروج إلى المسجد والمأتم أو العمل الإسلامي ليقوموا بأدوارهم.
وهنا نؤكد على الاهتمام بأوقات للإحياء، وتوفير الجو وصناعة الجو العبادي في المنزل بتهيئة الأدوات والأشياء التي يحتاجها الأفراد لأن يقوموا بعبادتهم، بالمحافظة على أن يكون للبيت توجهٌ عبادي، بالتذكير الدائم بالحاجة إلى التوجه العبادي، توفير هذه الأجواء دورٌ هام تستطيع المرأة أن تقوم به كما كانت تقوم به الزهراءj؛ حيث كانت تحرص على أن تكون النموذج العبادي، وكانت تحرص على أن تهيئ الظرف العبادي، وكما كان الرسولe أيضاً يحرص على ذلك، وكان أمير المؤمنينg يحرص على ذلك، لكن بطبيعة الرجل وعمله وتواجده لأوقات طويلة خارج المنزل ووجود المرأة في المنزل تكون مسؤولية خاصة على المرأة في هذا المجال.
النقطة الثالثة : اللسان اللهج بذكر الله وأوليائه
الجميع يلاحظ كيف أن لسان الجدات والأجداد وبالأخص الجدات لسانٌ لهجٌ بذكر الله، فهنّ لا يفترن عن ذكر الله في كل الظروف والأحوال، ولا يفترن عن ذكر أولياء الله في كل ظروفهنّ وأحوالهنّ، في الحركات والسكنات في القيام والجلوس «يا الله» عند القيام والجلوس، يذكرن أولياء اللهa، الإستعانة باللهa حتى في تفاصيل العمل المنزلي كالطبخ وغيره عندما تريد أن تحمل شيئاً وتقول يا لله وباسم الله، حتى في التفاصيل الجزئية جداً كما لو صدر صوت مفاجئ وصدرت منهن ردة فعل الخائف من شيء أول شيء يذكر على لسان تلك الأم «بسم الله الرحمن الرحيم»، مثل هذه التفاصيل ينبغي أن نحافظ عليها، وأن تكون موجودة في حياتنا، ولا بدَّ أن ننقلها، فعند التثاؤب نقول مثلاً «لا إله إلا الله»، وعندما يعطس أحد يقول «الحمد لله»، وأنت قل لأخيك «يرحمك الله»، وقولي لأختكِ «يرحمكِ الله»، وهكذا، لسان لهج بذكر الله دائماً، تسبيحات لا تفارق لسانهن.
الأهازيج، فلننقل لأبنائنا وبناتنا الأهازيج الشعبية التي فيها معرفة، وفيها ذكر للهa، قد تكون الأمثلة التي سأذكرها مضحكة عند البعض لكنها مؤثرة جداً في صناعة أجيال مرتبطة، تزرع فيهم هذه القيمة منذ الصغر مثل أهازيج (حمامة نودي نودي) التي تذكر فيها مراتب العلل والأسباب إلى أن تنتهي باللهa، آخر شيء والمطر من عند الله، هذا التفصيل والترتيب هذه الأهازيج ترتكز في ذهن الأطفال، (يا فاطمة بنت النبي) وهي تلعب مع الطفل، هذا شيء مؤثر في كيانه حتى الممات، أهازيجنا المملوءة بذكر اللهa وبالارتباط بالأولياء، أولياء اللهa ينبغي أن لا تنقطع من الأجيال، وكذلك قصص ما قبل النوم، فهناك ما شاء الله من القصص الدينية ممكن أن تُنقل للأبناء والأولاد.
التشويق اللساني الدائم للكون من أنصار الإمامl، يابني! تريد أن تكون من أنصار المهدي؟ أنت من أصحاب الإمام إن شاء الله، أنت من أنصار الإمام إن شاء الله، بارك الله فيك، هذا الترغيب والتشويق للكون من أنصار الإمامl وبيان المواصفات كذلك والحث على الالتزام بالأخلاق الحسنة والتعاليم الدينية من هذا المنطلق يخلق جيلاً مهدوياً حتماً.
النقطة الرابعة: تنويع الدعاء للأولاد
من دور الأم في ربط أسرتها بالقضية المهدوية والمفاهيم الدينية، تنويع الدعاء للأولاد: وهو من الأمور اللسانية أيضاً لكنَّه بالإضافة إلى الذكر اللساني يحمل عاطفة، ويحمل حناناً خاصاً من الزوجة للزوج من الأم للأولاد، خاصة تلك الأدعية التي تتضمن الدعاء بالحفظ والتوفيق والسلامة بأن يحفظ اللهa هذا الزوج على مسمع من الأبناء عندما يخرج من منزله -الله يوفقك إن شاء الله، ويفتح عليك، ويحفظك ويسلمك، ويردك سالم إن شاء الله، ويجعلك من أنصار الإمامl-، وتلك التي تتضمن الدعاء للبنات والأولاد إذا أرادوا الخروج إلى مدرستهم إلى مسجدهم ومأتمهم أو عملهم الإسلامي: "الله يوفقكم، ويحفظكم، ويحرسكم بالزهراء أم الحسنين، وبأمير المؤمنين وبالحجة المنتظر"، الدعاء لهم بأن يكونوا مشمولين لألطاف اللهa ولأهل البيت ولرسول الله وللإمام الصاحبl.
فلنثبت هذه الأدعية سواء المأثورة أو العفوية الموروثة التي عهدناها على لسان الأمهات والجدات، والتي يمكن أن تختلف من منطقة إلى منطقة، وتحتوي ربط لهذا الشاب والشابة بالإمامl، إكثار الدعاء للإمامl، التوسل به إلى اللهa، كل هذه أمور رابطة للأسرة بالإمامl.
المحور الثالث: دور المرأة كعنصر فعَّال في المجتمع والأمَّة بشكلٍ عام
من الشُّبهات التي كثر ترديدها في العقود الأخيرة، وهي في الواقع من الحيل التي يقوم بها أنصار الشَّيطان، ومن الخدع، ومن التَّجاوزات الكبيرة للحقيقة، شبهةُ أنَّ الإسلام يُغيِّب دورَ المرأة الاجتماعي.
عندما تحلِّل الشُّبهة تراهم يفترضون من عندهم ومن وحي فلسفاتهم المادية أدواراً للمرأة في المجتمع تنزع من المرأة عاطفتها الفطرية، تنزع من المرأة أنوثتها الأصلية، تنزع من المرأة إحساسها الفطري بالحياء والخجل، ورفض أن يتم الاستفادة من أنوثتها في أمور ترضي الشياطين، هذه الأمور يريدون نزعها من المجتمع، وعندئذ يقيمون المجتمعات على أساس خططهم وأفكارهم التي تصبُّ في مصلحتهم في آخر المطاف، فيرضون عن المجتمعات التي تتبع خطواتهم فيعطونها وسام (مجتمع يحترم المرأة) ويصمون من يخالفهم ويريد الحفاظ على المرأة في دورها الحقيقي بأنَّه خلاف ذلك.
كلا وأبداً، المجتمع الإسلامي والتعاليم الإسلامية منذ اليوم الأول تحترم المرأة كما تحترم الرجل، المرأة كانت منذ اليوم الأول تقف إلى صفِّ رسول اللهe متمثلة في سيدتنا وأمنا خديجة(رضوان الله تعالى وسلامه عليها)، خديجة مثال المرأة القوية المتمولة، صاحبة التفكير العميق، والخبرة الاجتماعية، والمنزلة الرفيعة.
نرى مثلاً كيف أنَّ النَّساء من المسلمات عندما يستشهدن يحصلن على مثل المرتبة واللقب الذي يحصل عليه الرجل بلا أدنى إحساس بالفرق في كيان المجتمع المؤمن بين الرجل والمرأة في ذلك، فالرجل شهيد والمرأة شهيدة.
والأثر الإيماني الذي أثرته المرأة الصابرة من آل ياسر هو مثل الأثر الإيماني الذي أثره الرجل الصابر من آل ياسر، أثرهما واحد وقد يكون أثر المرأة أعمق، فإنَّ صبر المرأة وجهادها يجران خلفهما صبراً وجهاداً واستعداداً عاماً في المجتمع، تقدم أبناءها وبناتها بل وحتى زوجها، هكذا كان، جاءت الزهراءj لتبين ذلك، فقد كانت إلى جانب الرسولe ومعه في مكة المكرمة، ثم المدينة المنورة.
كانت هناك نساء على طول الخط صبرنْ وثبتن وشاركن مع الرسولe في كل الميادين الاجتماعية، العبادية، والعلمية، والجهادية، وبناء الحضارة، والتمدن في المدينة المنورة، دائماً كانت النساء إلى جانب الرجال مع الضوابط الدينية والإسلامية التي تحفظ للمرأة كيانها العميق الشريف العفيف الطاهر والتي تحفظ لهنّ الأدوار المناسبة والأثر المطلوب.
وهنا عدة نقاط:
النقطة الأولى: ضرورة إبراز النموذج الإيماني للمرأة المسلمة القوية العفيفة
تستطعن أيتها النِّساء الجليلات، وكما كانت النِّساء على طول الخط الإيماني، وكما سمعنا عن زوجة فرعون وغيرها، تستطعن إبراز النموذج الإيماني للمرأة المسلمة القوية العفيفة، وهنا نداء إلى ضرورة أن يعرف المجتمع عن وجود الطاقات والقدرات العلمية والثقافية والتربوية وفي شتى مجالات الحياة، ضمن خط ومجتمع النساء العفيفات الملتزمات.
إذ ليس التَّقدم مرتبطاً بالتحرر من قيود الدين، وليس التقدم مرتبطاً بالتبرج، مجتمعنا يزخر بالكثير من الطاقات النسوية عالية الإنتاج وعالية الجودة في شتى المجالات.
من أهم الوظائف والأعمال على النساء العاملات أن يبرزن هذه الأمثلة والنماذج وتعريف أجيال الفتيات والنساء بهن، ولا يعني الإبراز إخراج هذه العناصر الكفوءة والعفيفة عن إطار العفة والشرف والكرامة والعياذ بالله، بل أن يعرف المجتمع وجود أمثال هؤلاء في عمقه وفي كيانه وفي تجربته وتاريخه.
النقطة الثانية: تعزيز قيمة الوظيفة الأساسية للمرأة
قيمة الوظيفة الأساسية للمرأة لا بدَّ أن تعزِّز، ما هي الوظيفة الأساسية للمرأة؟ الوظيفة الأساسية للمرأة والتي تعتمد -كما تمت الإشارة إليه سابقاً- على أن تعد المرأة نفسها إعداداً عالياً قوياً؛ بأن تتسم بالشخصية القوية المتعلمة، ذات الخبرة والتجربة، والقدرة، والاستقرار النفسي، والصحة النفسية والروحية وكلِّ ذلك، الوظيفة الأساسية هي تكوين عائلة مستقرة مربية منشئة للأجيال على الطريق السليم، وعلى طريق الحق، هذه الوظيفة لا يمكن لأحد غير المرأة أن يقوم بها، لا يمكن للرجل لوحده أن يقوم بها، وإذا تصدى لها في أسرة هنا وأسرة هناك قد ينجح، لكن نجاحه بمفرده منعزلاً عن المرأة لن يكون كنجاح وجود المرأة في ذلك عادةً، نعم لا بدَّ من التعاون، لكن أثر المرأة هو الأثر الأعلى والأسمى والأقوى والأعمق، هذا شيء ليس خاصاً بمجتمعنا الإسلامي كما أسلفنا بل هو طبيعة عامة.
المنصفون ممن يتكلمون عن المجتمعات يعلمون بهذه الحقيقة، وأنَّ المرأة هي الخط الأول للتربية، والأشرار والمغرضون يعلمون بهذه الحقيقة وهي أنَّ المراة هي الخط الأول للتربية، لذلك يعمل الجميع على أن يؤثِّر في المرأة التأثير الذي يقربه من أهدافه، هؤلاء الأشرار يسعون لذلك، فيحرفونها عن فطرتها يحاولون ذلك، لكن بوعي أمثالكن وبوقوف أمثالكن ومثابرة أمثالكن، وبإبراز النماذج الإيمانية العفيفة العالية التأثير على المستويات والمجالات المجتمعية وشتى المجالات لن يوفقوا إن شاء الله.
نعم، من المعلوم أيضاً أنَّه في كثير من الأزمنة والمناطق تقود الحاجةُ أو العادةُ أو التحوُّلُ الاجتماعي النساءَ إلى العمل، وكما في هذا الزمن، فإنَّ كثيراً من النساء يعملن ويخرجن إلى أعمالهن، يأخذن أوقاتاً طويلة خارج المنزل للقيام بأعمال التكسب وغيرها -ليس المقال معقوداً لمناقشة هذا الأمر- لكن مع ذلك ينبغي أن لا ينسى المجتمع أن الوظيفة الأساسية للمرأة ليست هي التكسب، بل الوظيفة الأساسية للمراة هي تنشئة هذه الأجيال.
النقطة الثالثة: المشاركة الواسعة للمرأة في الوظائف الاجتماعية العامة
على طول الخط، -وكما تقدَّم في مقدمة هذا المحور- كانت المرأة حاضرة، عندما نراجع سيرة الأئمةi، نجد أنَّ مكاناً للمرأة في عدد من الروايات التي تنقل مواقف الأئمةi في المجال الاجتماعي، وحتى العلمي، الفقهي، العقائدي، وغيرها، نقرأ كثيراً عن امرأة سألت، وامرأة أجابت، وامرأة قالت، تعرفن كثيراً من العالمات الأحياء فضلاً عن الأموات.
في الأحداث الاجتماعية الكبيرة التي مرَّت على الأمَّة الإسلامية في العقود الأخيرة وعلى مجتمعاتنا كان للمرأة حضور فاعل شريف مؤثر، ولو لم يكن للمرأة ذلك الحضور لما كان لهذا الوهج الإسلامي في العقود الأخيرة أن يبرز وأن يأخذ مجاله ويتسع.
من الأدوار الاجتماعية الهامة التي تقوم بها المرأة كعنصر فعَّال في المجتمع دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا دورٌ ووظيفةٌ إلهية، وتكليف إلهي ليس خاصاً بالرجال، بل هو متحدٌ تمام الاتحاد بين الرجال والنساء، فالمرأة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتحسِّن الحسن وتقبِّح القبيح.
ومن الوظائف الأساسية أيضاً تشكيل الخط المساند للعمل الإيماني، دائماً كانت المرأة وأبداً تشكل الخط المساند للعمل الإيماني العام، تساعد العاملين الاجتماعيين والمؤمنين، توفر لهم السكن والطمأنينة والاحتياجات الأساسية، ترفد أبناءها بكلِّ ذلك، ترفد زوجها، ترفد مجتمعها وقريتها بذلك.
أيضاً العمل الثقافي الاجتماعي، تسخير الأقلام الأدبية نثراً وشعراً وكتابةً ونشراً، شيء نحتاجه جداً، هو موجود لكنَّنا نحتاج لأنْ يُكثَّف بأنْ تنشط الأقلام الإسلامية النسوية النظيفة والمخلصة والأصيلة في مخاطبة المجتمع، وبالأخص مخاطبة النساء مع الحفاظ والتأكد من احتواء ما يُكتب على المضامين السليمة، والأصيلة، والصحيحة بالعرض على العلماء والمختصين وأهل النَّظر.
المحور الرابع: أثر المرأة تاريخياً وحضارياً
وفي هذا المحور نذكر عدة نقاط ترتبط بتأثير المرأة في التاريخ والحضارات السابقة.
النقطة الأولى: الحضور الفاعل في صنع الأحداث
المستعرض لتاريخ الحضارات والشعوب والقارئ لما مرَّ على الأمم من تغيُّرات وأحداث كبيرة وصغيرة، سوف يجد للمرأة حضوراً رئيسياً إلى جانب الرجل في صنع الأحداث والمفاصل التاريخية، قد يتنوع هذا الحضور لكنَّه يبقى موجوداً، في الحضارات وفي تاريخ الأديان سماويةً كانت تلك الأديان أو غير سماوية تجد ذلك الحضور، وقد كان للمرأة حضور بارز في تاريخ الأنبياء وما رافقه من أحداث ووقائع.
نجد حضور المرأة المؤثر في عدة نماذج في القرآن الكريم وفي طبقات مختلفة اجتماعية، فقد ذُكرت المرأة في عدة مواضع من القرآن الكريم كقديسةٍ مؤثرة في جو إيمانيّ عريق وهي مريمg، وذكرت كمؤمنة في جوٍ لم يكن مؤمناً، ولكنَّها كانت رمزاً إيمانياً، ورسمت نموذجاً للإيمان والصبر والتضحية والثبات، وكذلك يذكر القرآن الملكة لقيس كنموذج لامرأة كانت تملك نفوذاً واسعاً وسيطرة وحكماً، كانت ملكة لم تكن تعبد اللهa إلا أنَّ تنبهها قادها إلى أن تكون كذلك، دائماً كان هناك تأثير للمرأة في جانب الخير أو في جانب الشر.
النقطة الثانية: صور تأثير المرأة في دعم قيام الحضارات أو انهيارها
بالنظر الفاحص في التاريخ والحاضر يمكن استخلاص عدة صور لتأثير المرأة في المجتمع:
تأثيرها في التربية: سواء كان في معسكر الخير أو في معسكر الشر، نرى المرأة حاضرة في صناعة أجيال يعضدون المتحكمين في المشهد، والمؤثرين في المشهد، تصنع رجالاً، تربي أجيالاً، تخرج أبطالاً، تعضد أبطالاً، تقف خلفهم تدعمهم بالروحية وهكذا.
التأثير المالي والاقتصادي: فكم من نموذج لامرأة متمولة مقتدرة موَّلت ودعمت الخير أو الشَّر، هناك نموذج لأمنا خديجةA زوجة رسول اللهe، وكيف أثَّرت في دعم الخير والإيمان، ودعم حركة رسول اللهe ورسالته وصمودها بأموالها، وكذلك نماذج كثيرة على الطرف المقابل لنساء ذوات نفوذ، ومال دعمن معسكر الشر ومعسكر الباطل، وما زال للآن هذا النَّوع من النَّشاط والتأثير موجوداً، فهناك من النِّساء من يدعم معسكر الخير، وهناك من يدعم معسكر الباطل بواسطة الجانب المالي.
التأثير العلمي والأدبي والانتاجي: مازالت المرأة تترك بصماتها في الميادين العلمية والثقافية والفنية والأدبية، وفي مختلف الميادين الدينية والإنسانية. بل وحتى في الميادين الإنتاجية من زراعة وصناعة وهندسة وغيرها.
التأثير الخطابي: فإنَّ من نماذج تأثير المرأة أيضاً (القدرة الخطابية)، فكم من خطاب بليغ لنساء أثَّر في حركة التاريخ، وشكَّل حدثاً تاريخياً مفصلياً في وقته، تكفيك مثلاً نظرة لكتاب(بلاغات النساء)، والذي أُلِّفَ في القرن الرابع الهجري الذي يحمل مجموعةً من خطب النِّساء وكلماتهن في الجاهلية والإسلام، لتجد الكثير من ذلك، وحتماً تتذكرنَ جميعاً الخطبة المعروفة للسيدة الزهراءj بعد أن حدث ما حدث، وخرجت إلى المسجد، وخطبت تلك الخطبة، والتي بقي أثرُها إلى يومنا هذا، وتتذكرنَ أيضاً خطبة السيدة زينبj، بل مجموعة الخطب التي كانت لهاj، وكيف ما زال أثرها باقياً حتى الآن، وأنقذت وأبقت وحافظت على وهج تلك الثورة والحركة الحسينية المعصومة، إذن القدرة الخطابية، والقدرة البلاغية عند المرأة كان لها الأثر وبقي هذا الأثر إلى يومنا هذا.
الجانب الأنثوي: وهناك جملة من التأثيرات ألخصها في هذا الأمر: وهو الاعتماد على «الجانب الأنثوي» في شخصية المرأة؛ فإنَّ معسكر الخير يستثمر هذا الجانب في تقوية البناء الأسري، وفي تقوية البناء الحضاري الذي يعتمد على نشءٍ سليم العاطفة متكامل، وفي توفير مجموعة من الأمور التي أشرنا إليها في المحاور السابقة.
بينما يُستغل هذا الجانب بشكل كبير ودنيء من قبل معسكر الشرِّ والباطل، كما نراه واضحاً في واقعنا المعاش.
وبعد تعرفنا على مجموعة من أنواع التأثير الذي تقوم به المرأة ننتقل إلى المحور الخامس، وهو تنوع أنصار الإمامg.
المحور الخامس: تنوع أنصار الإمام الحجةl
المطالع للروايات الكثيرة الموجودة عن طبيعة أنصار الإمامg والداعي بالأدعية التي يدعو بها المؤمن ليكون من أنصار الإمامl، يقف على الكثير من الصِّفات الروحية والمعرفية والثقافية والشخصية في تكوين الشخصية لأنصار الإمامl، فلهم معرفة بالله كبيرة، ولهم عمقٌ في العقيدة، صلابةٌ في الدين، ولهم بصيرة، ولهم انتماء واضح إلى خطِّ الحقِّ وإلى الإمامl.
هذه صفات تجمعهم، لكنَّهم من بلدان مختلفة، وهذا مظهر من مظاهر التنوُّع، فنجد في الروايات أنَّهم من بلدان متفاوتة، نعم قد يتركزون في بعض البلدان دون أخرى لكنَّهم من شتَّى بقاع الأرض، فليست الجغرافيا شيئاً يحدهم، وليس التنوع العرقي شيئاً يحدهم، بل هم متنوعون في الأعراق أيضاً، هم متنوعون في المستويات الطبقية إنْ صحَّ التعبير، فمنهم الفقراء والأغنياء وغيرهم، وهم مختلفون في تفاوت الشهرة، فقد يكون منهم المشهور بين أهل زمانه وأهل مجتمعه ومكانه، وقد يكون منهم المغمور تماماً، بل قد يكون خُلَّصُهم ولبابُهم من المغمورين بين النَّاس، فهم يتفاوتون في شأن الشُّهرة.
أيضاً سيكون منهم الأحياء حال الظهور وسيكون منهم الأموات الذين يرجعون ليلتحقوا بالإمامl، وهو ما يعرف عندنا بعقيدة الرجعة.
وهناك مستويات فيهم في أنفسهم، من قربهم من الإمام، من عِظَمِ مسؤولياتهم، وأهم ما يشير إلى ذلك، ذلك التقسيم المعروف بالأنصار القريبين من الإمام وهم الـ(313)، فيهم خمسين امرأة كما سيأتي، وهم الحلقة القريبة من الإمامg، وتليهم حلقة أخرى وهي عشرة آلاف شخص.
ومن التنوعات أيضاً التنوع -والذي هو مورد بحثنا في هذا المقال- هو تنوعهم إلى رجال ونساء؛ فإنَّه يظهر ذلك من الروايات الشريفة، وبطبيعة الحال -خاصة فيما يرتبط بجانب تكوين الجيش وغيرها في ذلك الزمن الذي سيظهر فيه الإمامl- الأصحاب ومن تُعقد لهم الألوية والرايات في جُلهم وظاهرهم الأكثر الرجال، لكن هذا لا يعني أن ليس للنِّساء مساحةً حتى في تلك الدائرة القريبة والمقربة، فهناك روايات كثيرة تتحدث عن وجود النساء من أنصار الإمامl، انتخب منها الروايتين التاليتين:
الرواية الأولى: ما جاء في تفسير العياشي، -وروي في كتب أخرى أيضاً- عن جابر الجعفي عن أبي جعفر «ويجيء والله ثلاثمئة وبضعة عشر رجلاً فيهم خمسون امرأة، يجتمعون بمكة على غير ميعاد قزعاً كقزع الخريف، يتبع بعضهم بعضاً وهي الآية التي قال الله {أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}».
إذن يجيء ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فيهم خمسون امرأة، وهذه الخمسون امرأة ممن يجتمع بالإمامl في أوَّل ظهوره في مكة المكرمة، ويشكِّلون حامية رئيسية وعمدة كأصحاب بدر الذين توارث المسلمون عبر الأئمةi صفات أصحاب بدر، وفضل أصحاب بدر، ومدى قربهم من رسول اللهe، عدة هؤلاء كعدة أصحاب رسول اللهe في بدر، ولهذا فضل عظيم وعمق وارتباط تاريخي بالانتصارات الإسلامية والإيمانية على يد رسول اللهe وتحت رايته.
وهنا سؤال: هؤلاء الخمسين امرأة المذكورات هل هنَّ ضمن الثلاثمئة وثلاثة عشر أم الثلاثمئة وثلاثة عشر رجال وهناك خمسون امرأة غيرهم؟ هذا الأمر أمرٌ نتعرف عليه في زمنه، لكنَّ الظاهر أنَّ هذه الخمسين امرأة غير الثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً، وعلى كل حال فليس هذا أمراً يترتب عليه شيء عملي بالنسبة لنا، بل الأمر العملي المهم أن يعدَّ كلُّ شخصٍ منَّا رجلاً كان أو امرأة نفسَه لأنْ يكون قريباً من الإمامl مرضياً عنده، فلعلَّ اللطف الإلهي يشملنا لنكون من أنصاره وأصحابه وهذا رجاؤنا إن شاء الله.
الرواية الثانية: وفيها تعداد آخر، وهو ثلاث عشرة امرأة، وهذا ليس فيه تنافٍ مع الرواية الأولى، بل هي رواية أخرى تتحدَّث عن ثلاث عشرة امرأة، قد تكون من الخمسين أوغير الخمسين أيضاً، ففي دلائل الإمامة للطبري عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبداللهg يقول: «يكرُّ[يكون] مع القائمِg ثلاث عشرة امرأة». ولهذه الرواية ذيل سأذكره بعد ذلك بحسب بعض النقاط والإشارات، وقبل ذلك أؤكد على هذه الأمور:
إنَّ هذه الروايات منقولة في كتبنا الحديثية ومأخوذة بالقبول العام عند العلماء، هناك رجال وهناك نساء إلى جانب الإمامl، وهنّ محطُّ اعتمادٍ، ولهن فضل وفضيلة وموقعية هامة وإلا لم يذكرن؛ لأنَّه من الطبيعي أن يكون مع كلِّ جماعة بشرية في مكان من الأماكن ظهرٌ من النساء، فلماذا تذكر هذه النُّسوة، وأنَّهن يكن مع الإمام؟! في هذا تنبيه على تلك الموقعية الهامة، وفي هذا حثٌّ للنِّساء، وتنبيه لهنَّ على أن يعددن أنفسهن أيضاً، ليقمن بالمسؤوليات الجسيمة إلى جانب تلك المسؤوليات الأصلية الملقاة على عواتقهنَّ.
في هذه الرواية، ذكرٌ لوظيفةٍ رئيسية للنُّسوة الثلاثة عشر المذكورة فيها كما سيأتي، وهذا لا يحصر نوع المسؤوليات لهن فضلاً عن كونه تحديداً لمسؤوليات النسوة الخمسين المذكورات في الرواية الأولى، بل هو أعمُّ من ذلك، نعم قد تُحدد الوظيفة الرئيسية للثلاث عشرة امرأة بهذه الوظيفة التي سنذكرها، لكن هذا لا ينفي أن يكون لهنَّ وظائف أخرى أيضا عميقة ورئيسية، هذه الوظيفة التي سنذكرها وظيفة مهمَّة جداً، وليس لحركة بالطريقة التي سيتحرك بها الإمام إلا أن تكون معها هذه الوظيفة تسندها وتكون معها.
ففي الرواية بعد أن قال الإمامg «يكون مع القائم ثلاث عشرة امرأة»، قال الراوي: قلت أي الراوي: وما يصنع بهنَّ؟ قال: «يداوينَ الجرحى، ويقمن على المرضى كما كان مع رسول اللهeيداوين الجرحى، ويقمن على المرضى».
إذن مهنة التطبيب، والاعتناء بالجرحى والمرضى من أنصار الإمامl، تكون وظيفة هذه النُّسوة الثلاثة عشر كوظيفة رئيسية لهنَّ.
وهناك رواية عن رسول اللهe تبيّن ذلك، فعن عن أحدهما(الإمامين الباقر والصادقj) قال: «إنَّ رسول اللهe، خرج بالنِّساء في الحرب حتى يداوين الجرحى»، فهذه الوظيفة التي تشير إليها الرواية بقولها: وما يصنع بهن؟ قال: «يداوين الجرحى ويقمن على المرضى كما كان مع رسول اللهe».
وأمَّا، ما هي أسماء تلك النسوة المذكورات في الرواية؟ في تكملة الرواية ذكر لأسمائهنَّ، ولكن المذكورات أقل من ثلاث عشرة امرأة، وهذا لا ينافي أيضا العدد ثلاث عشرة، فقد ذكرت الرواية بعض الأسماء وبعض الأسماء مسكوت عنها.
وهؤلاء النسوة -حسب الرواية-:
القنواء بنت رشيد بنت رشيد الهجري الصاحب المعروف لأمير المؤمنينg: هذه القنواء سنتوقف شيئاً مع ذكر رواية عنها أيضاً.
أم أيمن المعروفة مرضعة الرسولe، والتي كان معها الرسول في شطر من عمره.
حبابة الوالبية، وهي ممَّن كان له شرف معاصرة أمير المؤمنينg، وكانت من رموز الولاية -بحسب الروايات- بمقدار ما كانت تظهره من شأن الارتباط بالأئمةi وما كانت تحرص به على الاطمئنان والتثبت من كون الذي تتبعه هو الإمام المحاط بالحجج الشرعية الإلهية، وعاشت وثبتت على الولاية إلى زمن الإمام الرضاg وسنذكر الوراية إن شاء الله.
سمية أم عمار بن ياسر، ويعرف الجميع كيف أنَّها صبرت جاهدت، وكيف وحدَّت اللهa في أحلك الظروف.
زبيدة، ولم أستطع تحديد المقصودة بهذا الاسم.
أم خالد الأحمسية.
أم سعيد الحنفية.
صُبانة الماشطة، وهي ماشطة بنت فرعون، وقيل: إنَّها امرأة حزقيل مؤمن آل فرعون والذي كان يكتم إيمانه وبعد ذلك ظهر إيمانه وكان نموذجاً من نماذج الإيمان، هذه صبانة الماشطة زوجته تسمى بالمشاطة لأنَّها كانت ماشطة لبنت فرعون كما في بعض النقولات.
وأم خالد الجهنية.
هذه تسعة أسماء، تبقى أربعة أسماء لم تنقل في الرواية من الثلاث عشرة.
أتوقف شيئاً ما مع شخصيتين شكلٍ سريع، لأنتقل إلى خاتمة مهمة.
حبابة الوالبية معروفة بأم البراء أو أم الندى، حبابة الوالبية، اسم تجده في رواة الأحاديث عن الأئمةi وكما قلت هي عاصرت أمير المؤمنينg وكانت إلى زمن الرضاg، وكما في النقل أنَّ الإمام الرضاg اهتم بدفنها اهتماماً خاصاً جداً؛ حيث خصها بقميص لهg حتى تُدفن به إكراماً لها، وحفظاً لمكانتها، وإعلاءً لشأنها وتخليداً لذكرها، وها نحن نجد اسمها بين أسماء من يكن مع الإمامl، نسأل الله جميعاً أن نكون من الثابتين، ومن يكون مع الإمامg. طبعاً حبابة الوالبية لها بنت من رواة الأحاديث أيضاً، اسمها فاطمة، وتُعرف باسم أمها بسبب شهرة أمها، تعرف بأنَّها فاطمة بنت حبابة الوالبية.
الشخصية الثانية التي سأنقل عنها رواية هي القنواء بنت رَشيد أو رُشيد الهجري، وأبوها من خلص أصحاب أمير المؤمنينg، وممن صبر واستمر وثبت وقُتِلَ في حب أمير المؤمنينg، وقد روت عن أبيها كما في كتاب الاختصاص للشيخ المفيد، قالت: "قال أبي: يا بُنية، أميتي الحديث بالكتمان، واجعلي القلب مسكن الأمانة"، فهو يوصيها بأن تكتم، وتكون أمينة على أسرارٍ معرفية، -فما الذي كان يسكن في قلبها؟ كانت أمانة، "واجعلي القلب مسكن الأمانة"، ما الذي كان يكتنزه ذلك الصدر من معارف؟ الله أعلم، حيث كان أبوها من أصحاب السرِّ أيضاً، ما تلك العظمة التي تُصيّرها من أصحاب الإمامl الله وحده أعلم، وقد قيل فيما نقل عنها أنَّها قالت لأبيها:
(انظروا إلى هذه التربية، وهذا البيت، وهذ الانتباه من هذه المرأة، ولعلَّها كانت بنتاً في وسط العمر أو في صغرها عندما قالت هذا الكلام لأبيها)
"قلت لأبي: ما أشدَّ اجتهادك -أنت مجتهد كثيراً في شأن العبادة والصبر والمثابرة في هذا الدرب وهذا الطريق، تتعب نفسك كثيراً، ما أشد اجتهادك؟ لماذا هذا العلو في الاجتهاد؟ قال يا بُنية"
(فمع كل ما يختزنه من أسرار، ومع كل ما تشكله شخصيته من عظمة وعلو وسمو بتواضعها للهa وبقربها من أمير المؤمنينg إلا أن له هذه الروحية وهذه النفسية، وأعطانا هذه الفائدة والدرة الثمينة التي سنسمعها الآن على لسان ابنته القنواء، ما هو الأمر؟)
قال: " يا بنية، يأتي قومٌ بعدنا بصائرهم في دينهم أفضل من اجتهادنا".
هنا نتسائل ونسأل أنفسنا هل نحن من أصحاب البصائر؟ وهل نحن من أصحاب الاجتهاد في الدين؟
نكتفي بهذا المقدار، ونسأل الله تعالى أن يعجل فرج مولانا صاحب الزمانl، وأن نكون من القوم من أهل البصائر في ديننا، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
0 التعليق
ارسال التعليق