دراسة أدوار أئمة أهل البيت(ع)

دراسة أدوار أئمة أهل البيت(ع)

مقدمة:

تمثّل دراسة أدوار أئمة أهل البيت (ع) منطلقاً هاماً في رسم حركة واقعنا الإسلامي والشيعي - على وجه الخصوص - ومعرفة الأسس التي انطلق منها أئمة أهل البيت (ع) في حياتهم الاجتماعية والسياسية، إضافة لذلك ما يحتم عليه انتمائنا إلى مدرسة أهل البيت (ع) مدرسة الإسلام الحقيقي والمتجسد..

دراسة حياة أهل البيت (ع)- كما نعلم- أخذت أشكالاً متعددة وصيغاً مختلفة.. منها الدراسة التجزيئية والتي تدرس حياة كل إمام على حدة، ومنها الدراسة الكلية (الموضوعية) والتي يقصد بها (دراسة حياة الأئمة (ع) ككل بمجموعهم بما يمثلون من وحدة مترابطة الأجزاء يواصل كل جزء من تلك الأجزاء دور الجزء الآخر )، وهنا لا نقاش في أهمية كلا الدراستين، ولكن إذا أردنا أن نفسر مواقف وأدوار الأئمة (ع) المتابينة والمختلفة، قد نرى بأن الدراسة التجزيئية لا تفسر هذا المعنى بشكل واضح بخلاف الدراسة الكلية التي ترى بأن الإمامة في الجميع واحدة بمسؤوليتها وشروطها، لذا فيجب أن تنعكس انعكاساً واحداً في سلوك الأئمة وأدوراهم مهما اختلفت أشكالها الظاهرية بسبب الظروف والملابسات، لذا هذه الدراسة (الكلية) يمكن أن تفسر أدوار الأئمة (ع) المختلفة بشكل جلي وواضح.

الإطار العام لفهم أدوار الأئمة (ع):

الهداية الإلهية للبشرية مرت من خلال عنصرين ومرحلتين هامتين - كما نعلم- :

المرحلة الأولى : (النبوة )

وهي مرحلة (التنزيل والتأسيس ) تنزيل الرسالة السماوية وتأسيس الأمة والمجتمع الذي يؤمن بها، وهذه المسؤولية قام على عاتقها الأنبياء والرسل، والهدف الذي خلقوا من أجله إنما هو تأسيس أصل الرسالة وتنزيلها من السماء وإيصالها إلى الناس، هذه المرحلة الأولى.

المرحلة الثانية : (الإمامة)

وهي التي تأتي بعد التأسيس للرسالة السماوية، جاءت مرحلة (الصيانة ) صيانة الرسالة وتحصين الأمة التي أوجدتها الرسالة، فبعد أن تأسست الرسالة ونزلت وشُرعت واكتملت وصنعت أمة على أساسها وإن كان مجتمعاً بشرياً صغيراً قام بهذه الرسالة المشرعة، تحتاج الرسالة إلى مرحلة أخطر وأكثر صعوبة من المرحلة الأولى، وهي المرحلة الثانية (مرحلة صيانة الرسالة) والتي هي صيانة للشريعة وللأمة المجسدة لها، ولا تكتمل المرحلة الأولى إلا بالمرحلة الثانية، والتي قام بها الأئمة الأطهار (ع) أوصياء الرسالة.

من خلال هذه الرؤية ينكشف الإطار العام لمواقف وأدوار الأئمة (ع) والقاسم المشترك لجميع مواقفهم وأعمالهم وهو(صيانة الرسالة وتحصين الأمة ) التي آمنوا بها، والتي عاشوا من أجلها واستشهدوا من أجلها.

الأدوار المشتركة للأئمة (ع):

بعد البحث النظري، نحاول استعراض البحث التاريخي عن (الأدوار المشتركة ) في حياتهم (ع) :

بعد رحيل الرسول الأكرم  (ص) وقع تعدي كبير وانحراف خطير على الرسالة، فلم يكن إقصاء لإمامة علي (ع) فحسب، بل إقصاء للرسالة الكاملة التي بها محمد (ص)، فموقع الإمامة والعصمة الذي خلفه رسول الله (ص) والذي يصون الرسالة من التحريف والانحراف ويحصّن الأمة التي تجسد الرسالة من الانهيار، لم يترك لأئمة أهل البيت (ع) أن يأخذوا موقعهم الإلهي والطبيعي وهو(دور الإمامة )، وتسلم هذا المنصب الإلهي من يحملون رواسب الجاهلية في عقولهم والروح القبلية التي عاشوها، إذ لم يستوعبوا حتى أبسط الأحكام الشرعية من رسول الله(ص) بل فتحوا باب البدع والتضليل على الرسالة والأمة، حتى صار خليفة المسلمين شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلناً بالفسق؟!..

أمام هذا الانحراف الخطير والكبير، كيف مارس الأئمة (ع) دورهم القيادي أمام التغيير الطارئ على الرسالة؟؟ والذي يؤدي بالضرورة إلى تحريف الرسالة وانهيار الأمة التي قامت عليها.

هنا عمل الأئمة (ع) طوال مسيرة حياتهم على خطين وأصلين متلازمين :

الخط الأول : استعادة دورهم القيادي (الإمامة)

وهو السعي المتواصل لمحاولة مسك زمام الأمور والحكم وقيادة الأمة، و إرجاع موقع الإمامة والولاية إلى موضعه الشرعي ومساره الطبيعي.

الخط الثاني : صيانة الرسالة وتحصين الأمة

حيث بعد انحراف موقع العصمة والقيادة، أدى الانحراف إلى أن يتغلغل إلى تفاصيل الرسالة وعقول الأمة التي لم تدرك حجم هذا الانحراف الكبير إلا القلة منها، لذا عمل أئمة أهل البيت (ع) -إضافةً للدور الأول بعد أن واجهت الرسالة عِدَّةَ تحريفات-على أن يصونوا الرسالة ويعطوا النموذج الصحيح لتعاليم الرسالة ويحفظون وجود الأمة من الانهيار لأنها الأمة الشاهدة.

إذن كيف نفسر المواقف والأدوار المختلفة والمتباينة بين الأئمة(ع)؟

حياة الأئمة (ع) وأدوارهم كما ذكرنا كانت من أجل تحقيق (مبدأ الصيانة ) نتج عن هذا المبدأ مواقف وأدوار خاصة، حيث رأينا إماماً يصالح وإماماً يثور وإماماً يدعو وإماماً يدرس..هذه (الاختلافات) وإن كانت ظاهرية في السطح والشكل، إلا أنها في الواقع لا يوجد فرق بينها وبين غيرها من حيث (المبدأ )..

وذلك لأن (طبيعة الصيانة ) تختلف من مكان إلى آخر ومن زمان إلى آخر ومن طاغوت إلى آخر ومن نوعية الخطر المحدث بالرسالة والأمة إلى نوعية أخرى...

هذا (الخطر ) لم يكن ذا صيغة ثابتة واحدة، بل تعددت أشكاله وتغيرت ظروفه وأوضاعه الاجتماعية والسياسية واختلفت صيغ المجابهة العقائدية والفكرية وتعددت الطواغيت وأساليب المجابهة والتحدي والتحريف، والتي كانوا يهدفون إلى تحريف الرسالة برمتها ويقفوا حجرة عثرة أمام حركة واستمرار الرسالة..

اختلاف هذه الخصوصيات كانت تستوجب (موقفاً خاصاً ) لكل إمام وكانت هي الأساس في اختلاف نوع الموقف والعمل والمواجهة والذي اتخذه كل إمام لكن (الجوهر واحد ) والمحتوى في كل المواقف رغم اختلاف الشكل والمظهر واحد.. وهو صيانة الرسالة كشريعة وكأمة تجسد تعاليمها..

كيف كان موقف الأمة أمام الأدوار القيادية المختلفة للأئمة (ع) ؟

يذكر سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله ) في خطبة له (بأن قسماً تابع أهل البيت (ع) في موقف (السلم) وليس معهم في موقف الحرب، وهذا الموقف قد يكون ورائه صفة الجبن أو أي صفة أخرى، وقد يكون الطمع أو الجشع من باب الرعاية لخاطر قوم آخرين.. إلى آخر ما هنالك.

وقسم تابع أهل البيت (ع) في موقف (الحرب) وهو معهم لأن تركيبتهم النفسية أقرب إلى اختيار الحرب والمواجهة...

وقسم ثالث كان يتشيّع لأهل البيت (ع) ويتبعهم (متابعة مطلقة ) ومنهم من ليس له هوى غير هوى أهل البيت (ع) لقرب نفسيته من نفسيتهم ورؤيته من رؤيتهم وتقواه من تقواهم وتشخيصه السياسي من تشخيصهم، ومن أولئك الذي تابعوا أهل البيت (ع) على الحرب والسلم من كان له (هوى ونظر ) غير رأي أهل البيت (ع) في الموقف ولكن له من الإيمان ما كان يجعله يتعبّد برأي أهل البيت (ع) ويستسلم رغم كونه على خلاف تشخيصهم وما كان يتمناه من مجيئه على غير ما جاء عليه..

أمَّا الفئة الأخرى (المنافقون ) كانوا يظهرون المودة ويبطنون العداوة، وقد يكونون مع السلم دون الحرب وقد يكونون مع الحرب دون السلم، ولكن الدافع دائماً هو الإضرار، يأتون للإمام (ع) يحفزونه على الحرب، أو يثبطونه عن الحرب وهم في كلا الموقفين ليسوا مع الإمام (ع) وإنما عليه.. من هم الشيعة حقاً؟ إنهم هم (الفئة الثالثة )..)

كيف مارس الأئمة (ع) دورهم القيادي في صيانة الرسالة وتحصين الأمة ؟

يقسم الشهيد الصدر(قده) تاريخ الأئمة (ع) من حيث ممارسة دورهم القيادي إلى ثلاث مراحل بعد وفاة الرسول الأكرم (ص):

المرحلة الأولى : وهي التي عاش فيها أئمة أهل البيت (ع) (مرارة الانحراف وآثاره وفجائعه) والتي كان من الممكن أن تمتد فتقضي على الإسلام بكامله وعلى الأمة، حيث عمل الأئمة (ع) ما بوسعهم من أجل الحفاظ على معالم الرسالة وعلى الأمة ويحصنوها ضد الانحراف القائم، حتى خرج (التشيع ) يمثل الصورة الحية للإسلام الحقيقي والمحمدي، وصار (الشيعة ) الأمة الحية التي تجسد الرسالة بمعالمها الكاملة، هذه المرحلة هي المرحلة التي تبدأ من بعد وفاة الرسول الأكرم(ص) (الإمام علي – الإمام الحسن – الإمام الحسين – الإمام زين العابدين(ع)).

المرحلة الثانية : اتجهت جهود الأئمة (ع) إلى إبراز و(تحديد الإطار التفصيلي) الخاص بالتشيع بعد أن تم في المرحلة السابقة تثبيت أصل وجوده وموقعه من الرسالة بوصفه الخط الحقيقي والممثل لإسلام محمد (ص)، لأن الانحراف الكبير أسس لمدارس فقهيه وعقائدية منحرفة، أخذ الأئمة (ع) (الإمام الباقر – الإمام الصادق – الإمام الكاظم (ع)) يبنون معالم مدرسة أهل البيت (ع) (التشيع) بحيث استكمل كل جوانبه النظرية وبناءه العقائدي، وبلغت درجة من الاتساع الفكري بحيث شكلت خطراً حقيقياً للزعامات المنحرفة في المجتمع الإسلامي.

 

المرحلة الثالثة : أخذت قيادة أئمة أهل البيت (ع) تتسع وتنمو بحيث أصبح لها (حضور شعبي واسع) يهدد موقع الزعامة المنحرفة، وأخذ التشيع يقرب من تسلم زمام الأمور والحكم وممارسة الدور السياسي والمرجعي للمسلمين والشيعة- على وجه الخصوص - بحيث أخذت الزعامة المنحرفة التقرب من قيادة أهل البيت (ع) لسلبها الشرعية من الناس وتقليل نفوذها الواسع بحيث جعلت تراقب تحركاتها، هنا الأئمة (ع) (الإمام الرضا – الإمام الجواد – الإمام الهادي – الإمام العسكري – الإمام الحجة (ع)) أخذوا يحصنون شيعتهم ويوسعوا دائرة التشيع الممثل الحقيقي للإسلام، بحيث وصل إلى مستوى قادر على الاستمرار والديمومة وملأ الفراغ القيادي بعد الأئمة المعصومين (ع).

لا شك أن لهذا الموضوع أهمية في إعطائنا التصور والموقف الإسلامي اتجاه أهدافنا وقضايانا، إذ من الخطأ أن نجمد أمام أسلوب أو دور معين أمام (مصلحة الإسلام وحفظ الأمة )، هذا الأصل والمقياس جعله أئمتنا (ع) نصب أعينهم أمَّا الأساليب والأدوار الزمانية و المكانية فيحدد مقتضياتها وزمانها الفقهاء العدول والموالون بحق لهذا الخط.

 

*المصادر المساعدة:

-أئمة أهل البيت..، الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قده).

-الدروس العظيمة من حياة الأئمة..، السيد القائد الخامنئي.

-بحث حول آية المودة، السيد محمود الهاشمي.

-خطبة (228)، للشيخ عيسى أحمد قاسم.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا