بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الهداة المهديين.
ما هو حكم المسبوق إذا لم يمهله الإمام لإكمال الفاتحة؟
الأقوال في المسألة:
اختلفت كلمات الأعلام في المسألة على أقوال:
القول الأول: قطع الحمد والركوع مع الإمام أو قصد الانفراد. وفي صورة القطع لا تجب إعادة الصلاة، وإليه ذهب السيد الفيروز آبادي في تعليقته على العروة[1].
القول الثاني: جواز الإتمام والّلحوق به بالسجود ويجوز قصد الانفراد، واختاره السيد الإمام الخمينيS [2].
القول الثالث: الاحتياط بالاقتصار على الإتمام والأحوط منه إعادة الصلاة، وهو ما اختاره السيد الگلبايگانيO [3].
القول الرابع: الاحتياط في الانفراد، واختاره السيد البروجرديO[4]، وجعله الآغا ضياءO [5] هو المتعين والميرزاO[6]، ووافقهما السيد الخوئيI[7].
القول الخامس: الاستشكال في قطع الفاتحة.
قال السيدI في العروة الوثقى في المسألة رقم (18) في أحكام الجماعة: "... وإذا لم يدرك الأوليتين مع الإمام وجب عليه القراءة فيهما لأنّهما أوَّلتا صلاته، وإن لم يمهله الإمام لإتمامها اقتصر على الحمد وترك السورة وركع معه، أمّا إذا أعجله عن الحمد أيضاً فالأحوط إتمامها والّلحوق به في السجود أو قصد الانفراد، ويجوز له قطع الحمد والركوع معه لكن في هذه لا يُترَك الاحتياط بإعادة الصلاة"[8].
منشأ الخلاف في المسألة وسبب تعدد الأقوال
الأمر الأول: التعارض بين الأدلّة
التعارض بين أدلّة وجوب القراءة وبين دليل وجوب المتابعة أو الدليل الخاص وهو النّص.
قال في الحدائق:"قد عرفت ممّا قدّمنا من الأخبار وجوب القراءة على المسبوق في أُولَتَيْه، فلو اتّفق أنّ الوقت ضاق عن القراءة كملا على وجه يدرك الإمام في الركوع، فهل يقرأ وإن فاته إدراك الركوع فيقرأ ويلحقه في السجود أو يترك القراءة ويتابعه في الركوع؟ إشكال ينشأ من وجوب القراءة كما عرفت ومن وجوب المتابعة وانفساخ القدوة بالإخلال بها في ركن ... إلخ"[9].
وعلى هذا يُبتَنى الخلاف فمن قدَّم دليل وجوب القراءة على المتابعة قال بلزوم القراءة أو إتمامها ثم الالتحاق بالإمام في أيّ موضع مثل السجود، ومن قدّم دليل وجوب المتابعة قال بقطع القراءة.
ولكنّ تقديم أحد الدليلين على الآخر يحتاج إلى دليل، فتقديم دليل القراءة ورفع اليد عن إطلاق المتابعة يحتاج إلى دليل، وكذا تقديم إطلاق دليل المتابعة على إطلاق دليل القراءة يحتاج إلى دليل، فكلّ منهما مطلق يجب العمل به، ولا مبرّر لتقديم أحدهما على الآخر، فيحتاج إلى دليل خاص.
الأمر الثاني: النّص الخاص
وقد يستدلّ على رفع اليد عن إطلاق دليل المتابعة بما جاء في صلاة الجمعة وهو ما رواه الصدوقO في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسنg: >في رجلٍ صلّى جماعةً يوم الجمعة، فلمَّا ركع الإمام ألجأه الناس إلى جدار أو أسطوانة، فلم يقدر على أن يركع ولا يسجد حتى رفع القوم رؤوسهم، أيركع ثم يسجد ثم يقوم في الصف؟ ، قال: لا بأس<[10].
ولكنّ التعدي عن مورد صلاة الجمعة إلى غيرها يتوقّف على الجزم بإلغاء الخصوصية، ويكفي في دفعها احتمال الخصوصية لصلاة الجمعة.
وبما أنّه لا يمكن تقديم أحد الدليلين على الآخر فلا يمكن رفع اليد عن إطلاق دليل القراءة، وكما لا يمكن رفع اليد عن إطلاق دليل وجوب المتابعة.
فيكون المورد من موارد تعذّر امتثال الأمر بالجماعة، نظير ما لو مات الإمام أو حدث له حدث فتنقلب الصلاة إلى فرادى قهراً من دون حاجة إلى نيّة الانفراد فيسقط الأمر بالجماعة في المقام، وهذا الوجه الفنّي لفتوى جماعة من الأساطين كالمرحوم الميرزاS، وتلميذه المرحوم السيد الخوئيO، وغيرهما من انقلابها فرادى أو قصد الفرادى.
هذا ولكن يمكن أن يقال إنّ الأوجَه هو القول الأول وهو قطع الحمد والالتحاق بالإمام في الركوع، ووجهه صحيحة معاوية بن وهب قال: "سألت أبا عبد اللهg عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام وهي أو صلاة الرجل فلا يمهله حتى يقرأ فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ ، قال: >نعم<"[11].
ودلالتها على سقوط القراءة واضحة من حيث إنّ الإمام قرّر الراوي على ترك القراءة عند عدم إمهال الإمام، وتضمّن الرواية لتعين القراءة في آخر الصلاة بعنوان القضاء أو حتى لا تخلو الصلاة من قراءة الفاتحة إذ >لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب<[12] لا يضر بالاستدلال بها.
هذا ولكن السيد الخوئيO أشكل على الاستدلال بالصحيحة من جهة حمل المراد من آخر صلاة الإمام على إدراكه حال فوات محلّ القراءة أي أدركه وهو راكع، ومن الواضح سقوط القراءة حينئذٍ وعدم تكليف المأموم بها فلا دلالة للصحيحة على المدعى[13].
وجوابه:
أولاً: إنّ للرواية إطلاق يشمل صورة ما إذا أدركه حال قيامه قبل الركوع، فإنّه يصدق أيضاً آخر صلاة الإمام، وحمْله على خصوص إدراكه حال الركوع بلا وجه، وبعبارة أخرى قوله: >عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام< بلحاظ الحالة التي يمكن الالتحاق فيها بالإمام وهي إما حالة قيامه أو حالة ركوعه.
ثانياً: إنّ الذي يناسب تعبير الراوي وهو قوله: >فلا يمهله حتى يقرأ< هو إدراكه حالة قيامه لا حالة الركوع، لوضوح أن لو أدركه وهو راكع لا معنى لقوله: >لا يمهله حتى يقرأ< لفوات محلّ القراءة ضرورةً والدخول في الركوع مع الإمام.
ثالثاً: إنّ ما أفاده مخالف لظاهر الرواية جداً.
ويؤيّد صحيحة معاوية بن وهب ما روي في كتاب الدعائم عن أمير المؤمنينg أنّه قال: >إذا سبق أحدكم الإمام بشيء من الصلاة، فليجعل ما يدرك مع الإمام أوّل صلاته، وليقرأ فيما بينه وبين نفسه إن أمهله الإمام، فإن لم يمكنه قرأ فيما يقضي...<[14]، فتدل بمفهومها على عدم لزوم قراءة الفاتحة على تقدير عدم إمهال الإمام.
فالإنصاف أنّ الصحيحة ظاهرة الدلالة على تقديم دليل وجوب المتابعة على إطلاق دليل وجوب القراءة.
دلالة الرواية على لزوم قطع الحمد ومتابعة الإمام في الركوع أو جوازه
ويبقى هل الصحيحة تدلّ على لزوم قطع الحمد ومتابعة الإمام في الركوع أو الجواز؟
عبَّر جملة من الفقهاء بالجواز كالسيدين الإمام الخمينيS والسيد السيستانيF، ويستدلّ لهما بأنّ غاية ما دلّت عليه الرواية من خلال إقرار الإمامg على ترك القراءة هو الجواز، إذ لا يوجد لفظ حتى نستفيد منه الوجوب، بل غاية ما يدلّ عليه تقرير الإمامg هو الجواز.
ولكن هناك من الفقهاء -وهو المرحوم السيد الفيروزبآديO[15]- ظاهر عبارته في التعليقة في العروة هو لزوم القطع، ولعلّه عملاً بظاهر ما دل ّعلى وجوب المتابعة.
أمّا القول بالتخيير بين قطع الحمد أو إكمالها أو قصد الانفراد، فوجهه واضح بعد تعارض دليل القراءة مع دليل وجوب المتابعة، وعدم إمكان الجمع بينهما، وعدم وجه ترجيح أحدهما على الآخر فيتخيّر بين ذلك، وفيه أنّه مع ملاحظة صحيحة معاوية بن وهب على قطع الحمد والّلحوق بالإمام في الركوع، فلا وجه لذلك.
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] العروة الوثقى، أحكام الجماعة، م 18، ج3، ص165.
[2] نفس المصدر.
[3] نفس المصدر.
[4] نفس المصدر، وتعليقه على قول المصنف: "أو قصد الانفراد" هكذا: "هذا عندي أقرب الوجوه، ولكن لا ينبغي معه الاحتياط بالإعادة أيضاً".
[5] العروة الوثقى، أحكام الجماعة، م 18، ج3، ص165.
[6] نفس المصدر.
[7] نفس المصدر.
[8] نفس المصدر.
[9] الحدائق الناضرة، المحقق البحراني، ج ١١، ص ٢٤٨.
[10] وسائل الشيعة، الباب 17 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح1.
[11] وسائل الشيعة، الباب 30 من أبواب القراءة في الصلاة، ح5.
[12] عوالي اللئالي، ابن أبي جمهور الأحسائي، ج1، ص196.
[13] شرح العروة الوثقى، الصلاة، (موسوعة الإمام الخوئي) ص266.
[14] دعائم الإسلام، ص191، باب ذكر صلاة المسبوق ببعض الصلاة، ومستدرك الوسائل، الباب 38 من أبواب صلاة الجمعة، ح1.
[15] قالS: "بل الأقوى قطع الحمد، والركوع معه، أو قصد الانفراد ولا يجب في الأول إعادة الصلاة". العروة الوثقى، ج3، ص165.
0 التعليق
ارسال التعليق