عالميّة الإسلام:
عندما نتحدّث عن عالميّة الإسلام فإنّا نتحدّث عن الإيمان برسالة النبي(e) اللازمة الاتّباع على كلّ البشر حتى أولئك الذين يؤمنون برسالات سماوية أخرى، وهذا يرجع -بكلّ بساطة- إلى أنّ حكمة الله تعالى اقتضت أن تكون الرسالات لأقوامٍ محدّدين -ولذا قد يتعدد الأنبياء في الزمن الواحد- وبصورة متوالية فتأتي اللاحقة لتنسخ السابقة حتى يقف النسخ عند الرسالة الخاتمة وهي رسالة النبيe.
ورسالة النبي الأعظم| هي شريعة مهِّد لها بأن تكون آخر الشرائع على يد آخر الأنبياء، وهكذا كان، فلم يأتِ دين آخر أو شريعة بعد الإسلام ولن يكون ذلك، بل إنّ الشرائع السابقة كانت تبشّر بهذه الرسالة الخاتمة وتنصّ على عدم اقتصارها على منطقة جغرافيّة محدّدة مع خاتميتها.
أضف إلى هذا ما فعله النبيّ| من دعوة عامة لم تقتصر على قبيلة قريش بل كانت الدعوة لأقوام آخرين من دون لحاظ العِرق أو المنطقة الجغرافية أو الدول الفقيرة دون الغنيّة...، بـل كانت الـدعوة للجميع بلا استـثـناء مع
لحاظ الوسائل الممكنة -آنذاك- في التوسّع في الـدعوى إذ لـو أتاحت الوسائل الطبيعية الانتقال لأقصى الأرض لما تردد النبيe في إرسال رسائل الدعوة إلى الإسلام إلى تلك الأصقاع.
ولا يخفى على قارئٍ للقرآن الكريم -فضلاً عن المتدبّر- أنّ القرآن مليء بالآيات التي تتحدّث عن عمومية الدعوة وعالميّتها فالآيات التي تخاطب الناس بـ: {يا أيّها الناس} كثيرةٌ وفي غالبها نجد التركيز على اللجوء إلى الله تعالى وأنّ النبيe هو رسوله الذي جاء بالهداية وأنّه صاحب الأدلّة وصاحب الحق المبين[1]، كما توجد بعض النداءات لأهل الكتاب على نحو الخصوص تدعوهم إلى الالتزام بالإسلام الحنيف -الذي في حقيقته هو المكمّل للرسالات السابقة- وإظهار الحق الذي في كتبهم الدال على خاتمة الرسالة وإبراز ما عندهم من علامات النبي الأعظم فهم أولى من غيرهم في اتباع الإسلام[2].
وهذه الدعوة إلى العالميّة لا تتنافى مع ما ورد في بعض الآيات من الدعوة الخاصة إلى البعض من قبيل طلب إنذار الأقارب[3] لأنّ هذا الطلب كان في بداية دعوة النبيe أيْ ما قبل التوسّع في الدعوة ولك أن تقول بأنّ المرحلة الأولى من الدعوة كانت على الأقربين عشيرة ثم قبيلة ثم المجاورين لمكّة ثم العالميّة، فهذه الآيات تبيّن التدرّج في عالميّة الدعوة إلى الإسلام، لا أنّ الدعوة مختصّة بقبيلة قريش![4].
ومع ذلك فمن أبى الالتزام بالدين فإنّ الدين لا يكرهه على ترك عقيدته والالتزام بالإسلام بل ترك له دينه ووضع له مجموعة من الضوابط في ممارسة معتقداته، وهذا واضح جليّ أنْ ليس فيه إمضاء وقبول لمحتوى تلك المعتقدات السماوية بل إنّما هو إظهار لسماحة الإسلام في التعامل مع أصحاب الديانات الأخرى[5].
شمولية الإسلام:
قد تستخدم الشمولية للإسلام ويراد بها العالمية، كما أنّ الشمولية لا تقف على الزمان فهو دين لكلّ الأزمان حتى قيام الساعة، ولا تقف على المكان فهو دين لكل بقاع الأرض، ولا يقف على جنبة في الحياة دون أخرى فهو دين فيه كلّ شيء.
أما شموليّة الإسلام لكلّ وقائع الحياة فيكفي -كمثال على الشمولية- أن ينظر المنصف إلى النظام الحقوقي في الإسلام من خلال النظر في كتاب المعاملات الشامل لكلّ أنواع المعاملات التي تحصل بين الناس على اختلاف أنواعها فلكلّ أحد الحق في أن يتملّك ويبيع ويُضمن له أن لا يزاحمه أحد فيما يملك وضمان ما أُتلف منه أو سُرق منه أو جناية وقعت عليه، ومن لم يقدر على المطالبة بحقوقه فإنّ الإسلام ضمنها له[6] وما إلى ذلك مـمّا يتعلّق بحقوق الآخرين وكفالة كلّ ما يضمن عيش الفرد عيشة الإنسان بكلّ عزّة وكرامة وبلا تمييز بين فرد وآخر.
وكذا الحقوق العامّة الشاملة لفضاء ملك للفرد[7] والجماعة أو الآبار النفطية والثروات البحرية والبرية وأمثالها وغير ذلك[8] ولم يهمل الحيوان والطبيعة فقد ذكر لها حقوقاً أيضاً، فالإسلام لم يترك شاردة ولا واردة إلا وقد أوجد لها ما يدلّ على حكمها والوظيفة بإزائها[9].
وكذا ما بات يعرف بأحكام العقوبات فتجدها في أبواب الحدود والديات والقِصاص. وكذا ما يتعلّق بالنظام القضائي وغيره فضلاً عن النظام الحاكم الذي يكون مسؤولاً عن تطبيق هذه الأحكام وإدارتها.
ومن هذا يتّضح أن الإسلام ليس موقعه العباديّات فقط بل هو شامل لكلّ وقائع الحياة صغيرها وكبيرها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] سورة البقرة: 21، سورة النساء: 170 و174، سورة الأعراف: 158، سورة يونس: 108، سورة الحج: 5، وغيرها.
[2] سورة آل عمران: 64 و70 و98و 99 و110، سورة المائدة: 19و 77.
[3] سورة الشعراء: 214.
[4] إلى هنا نكتفي بذكر بهذه الأدلّة الثلاثة على عالميّة الإسلام وخلاصتها: "إنّ الشرائع السابقة نصّت على عالميّة رسالة النبيّ|، فعل النبيّ بالدعوة إلى الإسلام لعموم الناس، وصراحة القرآن في نداءاته إلى عموم الناس أيضاً".
[5] وهذا الكلام يشمل حتى من لا دين سماويّ يرجع إليه.
[6] كما هو الحال في حقوق القصّر والمجانين والمحجور عليهم وغيرهم.
[7] راجع كتاب إحياء الموات وما فيه من أحكام تضمن حق الفرد في التصرف فيما يملك دون أن يزاحمه أحد في حريم داره سواء على سطح الأرص أو أسفلها أو في فضاء ملكه مما كان تابعاً لمنزله عرفاً وغيرها من الحقوق التي من هذا القبيل والتي لا تقف عند حق الفرد فقط.
[8] وكلّ ما ورد في حقل الحقوق التي نراها في عالمنا اليوم فهو مأخوذ من الأنبياء على مرّ العصور تنكّر الغير لهذا أم لم يتنكّر فإن هذه الحقيقة ثابته لا يضرّ ثبوتها إنكارهم لها، وهذا لا يعني أنّ العقل غير قادر على الالتفات إلى بعض الحقوق وإلا لم يكنّ حجّة باطنة احتجّ بها الله تعالى على الإنسان.
[9] من قبيل قوله تعالى في سورة الأنعام: 38: {ما فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾.
0 التعليق
ارسال التعليق