حقيقة المرأة والرجل

حقيقة المرأة والرجل

بسم الله الرحمن الرحيم، الصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

مقدمة:

ليس فهم الإسلام حكراً على فئةٍ دون أخرى، لكنه أيضاً ليس شرعةً لكل وارد، دعوة القرآن للتدبر والفهم ليس لفئةٍ خاصةٍ، بل لكل من يملك فطرةً إنسانيةً، ولكن البعض يأتي ليتدبر القرآن بالطريق الصحيح، وآخر يقول حسبنا كتاب الله!(1) والبعض يأتي خالياً من كل غذاء ليجلس على مأدبة الله المملوءة بالطعام، وآخر يأتي بطعامه ليضعه على تلك المأدبة وكأن المأدبة ناقصةٌ محتاجةٌ.

الطريقة الصحيحة لفهم الإسلام الأصيل أن يأتي الإنسان متتلمذاً ليجلس على مأدبة الله، ويأخذ منها بقدره، وعليه أن يجعل عيناً على الآية وأخرى على الرواية المعصومة، فالتمسك بأحدهما دون الآخر ضلالٌ مبينٌ.

نعم الأصل الذي يُرَدُّ إليه كل فرع هو القرآن الكريم، فلا بد من عرض الرواية على القرآن الكريم، وما باين القرآن منها فهو زخرفٌ لم يقله أهل البيت(ع)، بل هو من وضع الكذبة الذين كثروا.

والمسألة التي نريد الولوج فيها من المسائل الشائكة في المباحث الفكرية، وقد كانت مثار جدل واسع بين المفكرين من علماء الأديان وغيرهم، ولكي نلج البحث بحذر ودقة علينا أن نجعل القرآن الكريم هو المحور في ما نصل إليه من أفكار أولاً، وثانياً أن نسلك الطريق السليم لفهم القرآن الكريم.

أهمية البحث:

يعتبر هذا البحث من أهم البحوث الفكرية لعدة أمور:

1) أنه يبين للمرأة مكانتها الحقيقة في الإسلام، ويجعلها تعتز وتشعر بانتمائها إلى دين ومبدأ يحترمها ويراها إنساناً كاملاً، وهذا عاملٌ قويٌّ لربط المرأة بإسلامها وتعلقها به.

2) يبين قدرة الإسلام على حل المسائل الفكرية المستعصية، بصورةٍ واضحةٍ ووافيةٍ مقنعة، وبنحوٍ يتلاءم مع الفطرة والعقل السليم، وهذا عاملٌ آخر لبيان أحقية الإسلام وصدقه، ولربط البشرية به.

3) يدفع الشبهات المتتالية حول مكانة المرأة وحقوقها في الإسلام، سيما في مثل هذا العصر الذي كثرت فيه التشكيكات في الدين الإسلامي.

ما المراد بالحقيقة؟

أول مسألة لا بد من بيانها لكي يتضح محل البحث، هي أن المراد بالحقيقة التي ننشد الوصول إلى معرفتها، هي الحقيقة المعنوية، وليست المادية، فليس بحثنا عن الفوارق المادية والجسدية بين الرجل والمرأة، فليس هذا البحث محل جدل إلا في بعض جزئياته، وإنما الكلام عن روح الرجل والمرأة، الروح التي تمثل حقيقة الإنسان، فالإنسان حقيقته بروحه التي لا تبلى، فهل هناك فرق بين روح المرأة والرجل؟ وإذا كان ثمة فرق بينها فما هو؟ وهل يعطي أفضلية لأحدهما على الآخر عند الله؟ هذا ما نريد البحث عنه بنحو مختصر بإذن الله تعالى.

يوجد فرق:

قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}(2)، في هذه الآية المباركة الله تبارك وتعالى يصرح بأن هناك فرقاً بين الرجل والمرأة، وهذا الفرق والمائز هو الذي جعل القيمومة للرجل دون المرأة، من هنا نسأل ما هو هذا الفارق؟ وهل يجعل من الرجل أفضل من المرأة؟

الفرق في القوة العقلية والعاطفية:

يقول السيد العلامة(ره) في تفسير الآية المباركة: «والمراد بما فضل الله بعضهم على بعض هو ما يفضل ويزيد فيه الرجال بحسب الطبع على النساء، وهو زيادة التعقل فيهم وما يتفرع عليه من شدة البأس والقوة والطاقة على الشدائد من الأعمال ونحوها، فإن حياة النساء حياةٌ إحساسيةٌ عاطفيةٌ مبنيةٌ على الرقة واللطافة»، إذن هناك فارقٌ بين الرجل والمرأة، وهو أن القوة التعقلية عند الرجل أقوى منها عند المرأة، وهذه هي العلة التي جعلت القيمومة للرجل دونها، إذ أن إدارة شؤون الحياة تحتاج إلى هذه القوة بشكل أكبر من حاجتها إلى العاطفة.

فالعلة في جعل القيمومة للرجل هي هذه الميزة التي بينه وبين المرأة، من هنا نفهم أن هذه العلة هي الموجبة لجعل قيمومة المجتمع بيد الرجل أيضاً، فالقيادة والحكومة في الإسلام لابد أن تكون بيد الرجل، والسبب في ذلك هو هذه الميزة التي عند الرجل، «وعموم هذه العلة يعطي أن الحكم المبني عليها، أعني قوله {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} غير مقصور على الأزواج بأن يختص القوامية بالرجل على زوجته بل الحكم مجعول لقبيل الرجال على قبيل النساء في الجهات العامة الاجتماعية التي ترتبط بها حياة القبيلين جميعاً، فالجهات العامة الاجتماعية التي ترتبط بفضل الرجال كجهتي الحكومة والقضاء مثلاً الذين يتوقف عليهما حياة المجتمع وإنما يقومان بالتعقل الذي هو في الرجال بالطبع أزيد منه في النساء».

فكل من الرجل والمرأة يملك العاطفة والعقل والتعقل، وكل له حياة إحساسية وتعقلية، أي أنهما «حيوان ناطق»، أو بتعبير بعض العلماء: «حيوان أخلاقي»، أي أن نوعهما واحد، إلا أن القوة العقلية في الرجل أقوى من المرأة، والقوة العاطفية في المرأة أقوى من الرجل، وعلى هذا الأساس جاءت الفروق في الأحكام مراعاةً لهذا الفرق التكويني.

هل هذا الفرق يوجب التفاضل عند الله؟

هذا هو السؤال المهم الذي لا بد من الوقوف عنده جيداً، فهل هذه الميزة التي تميز بها الرجل من قوة التعقل تجله أفضل عند الله من المرأة؟ أو العكس مثلاً؟ أم ماذا؟ ولكي يتضح الجواب جيداً لابد من ذكر هذه المقدمة(3): وهي أن الوصول إلى الله يحتاج إلى أمرين أساسيين، الأول هو العقل والمعرفة، والثاني هو التعلق والإحساس بحب الله وعشقه والخوف منه ومن عذابه، فلا يكفي العقل من دون عشق، ولا يكفي العشق على الجهل، فكلما ازداد الإنسان معرفةً بالله لا بد أن يتفاعل قلباً مع هذه المعرفة ويعشق الله سبحانه وتعالى ويخشاه، وإلا فلن ينفعه علمه شيئاً، بل سوف يكون وبالاً عليه يوم القيامة كما يقول أمير المؤمنين(ع)، فالعقل والقلب هما القدمان للسير إلى الله، ولا يكفي أحدهما دون الآخر، يقول الشيخ المصباح: «من الواضح جداً أن للمعرفة تأثيراً كبيراً في سلوكنا، ولكنها ليست العامل الوحيد، بل هناك عوامل أخرى لعل تأثيرها في سلوكنا أكبر من عامل المعرفة، وتسمى هذه العوامل بالدوافع والأحاسيس والعواطف»(4).

إذا اتضحت هذه المقدمة نقول: إن الرجل في سيره إلى الله يتفوق على المرأة في الجنبة التعقلية فيكون أسرع وأقدر منها في ذلك، ولكن المرأة في الجنبة الإحساسية القلبية أقوى وأشد تفاعلاً منه، فهي أسرع في البكاء عند المناجاة، وهي أقدر على خلق علاقة الحب والعاطفة والعشق مع الله، وأخوف من الله منه، فيحصل بذلك التوازن في القدرة على السير إلى الله، وليس أحدهما أكمل من الآخر في هذه الجهة، ثم إن هذا الفرق بين الوجودين هو الذي يمكن كلا منهما من أداء واجباته بالشكل المطلوب، فالأم بهذه العاطفة تربي وتتحمل وتعطف على أولادها، والرجل بهذا التعقل يحافظ على نظم الأسرة و المجتمع بصورة صحيحة، وهو الذي يجعله يملك الجرأة على القضاء وإقامة الحدود.

إذن فهذا الفارق بين الرجل والمرأة ـ والذي أثبته القرآن الكريم ـ لا يجعل من أحدهما أفضل من الآخر عند الله، وتبقى القاعدة {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} حتى بين المرأة والرجل، فكما أن العقل بقوته يساعد على التقوى فكذلك القلب والعاطفة بقوتها تساعد على التقوى أيضاً، وكما أن الرجل قادرٌ على أن يجسد أسماء الله، فكذلك المرأة، فالزهراء(ع) اسم الله الأعظم كما أن أمير المؤمنين(ع) مظهرٌ لاسم الله الأعظم، وهذا الفارق بينهما إنما هو لنظم هذه الحياة الدنيا، وتمكين كل منهما على أداء ما عليه بشكل أكمل.

وصية للمرأة:

أما وقد علمتي أيتها المرأة المؤمنة بالكنز الثمنين الذي أعطاك إياه الباري سبحانه وتعالى ـ حتى قال بعض أهل المعرفة: «إن المرأة تملك قلباً شفافاً أقدر على السير إلى الله من قلب الرجل» ـ فعليك أن لا تكفري بهذه النعمة، {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}، وأي نعمة أكبر من قلب شفاف سريع البكاء والأنين، شديد الخوف والوجل من الله؟! هذه النعمة إذا وظفتها المرأة في علاقتها بالله وعشقها له، فسوف تكون ممن امتثل قوله تعالى {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}، وأما إذا وظفتها في التعلق بتوافه الدنيا من جمال منزل وسيارة وهاتف وملبس فسوف تكون ممن كفر بـأنعم الله، والعياذ بالله.

اللهم بحق الزهراء البتول وفِّق نساءنا وفتياتنا لحب الله وعشقه والتعلق به، والخشية منه والوجل، إنك على كل شيء قدير.

والحمد لله رب العالمين.

 

* الهوامش:

(1) لا تمثل هذه العبارة رؤيةً خاصةً بمذهب دون آخر أو أنها مختصةٌ بزمن دون غيره، بل كل من جاء ليفهم القرآن منفصلاً عن العترة الطاهرة(ع)، فهو في الواقع يجسد معنى هذه المقولة.

(2) سورة النساء، الآية: 34.

(3) هذه المقدمة مأخوذة مضموناً من كتاب جلال وجمال المرأة للشيخ الجوادي الآملي حفظه الله.

(4) بارقة في سماء كربلاء، ص11.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا