إن من أخطر المناصب وأ كبرها مسؤولية قيادة المجتمع البشري وهدايته وإرشاده إلى سبل السعادة، ومسألة مصونية هذا القائد ومن يُلقى عليه هذا الأمر لا يختلف فيها اثنان من حيث إقباله على خلاف ما يدعوا ويرشد إليه بل أعم من ذلك بكثير، إذ لابد أن يكون منزه عن كل ما ينفر الناس من حوله.
هذا وبطبيعة النوع البشري أنه لا يميل لمن لا يرى منه تطبيق و تفعيل ما يأمر به، وليس أكبر من أن يُنصب الإنسانُ لهداية الخلق من قبل خالقهم فتُخالف هذه الطبيعة، وذلك كله لما في مخالفة القول للعمل من عدم تأثير فيهم، بل قد يكون هو الداعي والمشجع على الانحراف والسقوط والإتيان بما يخالف ما يأمر به.
ومن هذه المقدمة ننطلق في حديث حول (العصمة) التي تعتبر أولى المؤهلات لشخصية هذا المبعوث بالدعوة وكيفية نشوء هذا الوازع المؤدي لها.
● ما هي العصمة ؟
أ- لغة: (العصمة في كلام العرب: المنع وعصمة الله لعبده أن يعصمه مما يوبقه، عَصَمه يعصمه عصماً: منعه و وقاه. )(1)(العَصمُ: الإمساك. )(2) (عَصَمَ، يعصمُ: اكتسب، ومنع، و وقى... والعِصمة بالكسر: المنع... واعتصم بالله:امتنع بلطفه من المعصية...)(3) (.. منع وهذا هو الأصل في كلام العرب وعصم يعصم عصماً وقى...)(4) ( عَصَمَ: أصل واحد صحيح يدل على إمساك ومنع وملازمة والمعنى في ذلك كله واحد... )(5) ونرى بأن التعاريف اللغوية لا تخرج عن حيز المنع والوقاية من شيء ما؛ ولا كلام لنا فيما توسعوا فيه من استخدامات متعددة للكلمة.
ب- اصطلاحا: وللمتكلمين أقوال فيها: ( امتنع عن الوقوع فيما يكره...التوفيق الذي يسلم به الإنسان مما يكره إذا أتى بالطاعة...وكذلك سبيل اللطف، أن الإنسان إذا أطاع سُمي توفيقا وعصمة، وإن لم يطع لم يُسم توفيقا ولا عصمة..)(6) (لطفٌ خفي يفعلُ الله تعالى بالمكلف بحيث لا يكون له داع إلى ترك الطاعة و ارتكاب المعصية مع قدرته على ذلك)(7).
يظهر من خلال أخذ قيدي المنع والوقاية في كلا نوعي التعريف هو وجود قوة مانعة عن المعصية مع وجود مقتضي لها و هو إنسانية المعصوم ولكن المانع من وقوعها هو اللطف وهو ما كان فصل لتعريف الشيخ المفيد و نوع في تعريف العلامة.
ويمكننا من خلال الجمع بين جميع ما تقدم وغيره،أن نقول بأن العصمة هي (( كيف نفساني يمتنع به الإنسان عن مخالفة الأوامر المولوية، مُفاض بلطفٍ من الله تعالى عليه مع بقاء قدرته على ارتكابه ))
● تحليل التعريف:
1- كيف نفساني: فهي كسائر الملكات والكيفيات النفسانية الراسخة في نفس الإنسان والعصمة هي الموصلة للإنسان إلى حد لا يرى في حياته أثر من العصيان والطغيان والتمرد و التجري وتصير ساحته نقية عن المعصية.
2- يمتنع به الإنسان عن مخالفة الأوامر المولوية: وخصصت الامتناع عن مخالفة الأوامر المولوية لما جوزوه من وقوع المعصوم في مخالفة الأوامر الإرشادية(8).
3- مُفاض بلطفٍ من الله تعالى عليه مع بقاء قدرته على ارتكابه: سيأتي إن شاء الله توضيحه في طيات البحث.
ولا نتعرض لتعاريف باقي المتكلمين من فرق المسلمين خوفاً من الإطالة.
● أقسام العصمة:
تنقسم العصمة باعتبار من تلقاها إلى قسمين:
أ- نسبية: وهي التي تمنع الإنسان من الوقوع في المعاصي في الجملة.
ب- مطلقة: وهي التي تمنع الإنسان من الوقوع في المعاصي بالجملة.
وقد تعم النسبية كثيراً من الناس بشكل مشكك من غير فرق بين أولياء الله وغيرهم من الناس، لأننا نرى بأن من يمتلك شيئاً من الشرف والذي لا يقل وجوده في أوساطنا و إن كان يقترف بعض المعاصي، لكنه يمتنع عن بعضها ويجتنبها اجتنابا تاما بحيث قد تصل حتى إلى امتناعه عن التفكير بها فضلاً عن الإتيان بها.
ومثال ذلك أنه قد يمتنع أن يخرج أحدهم إلى الشارع عرياناً وإن عرضت عليه المكافآت والحوافز الداعية لهذا الفعل.
وهذه العصمة النسبية قد تقرب حقيقة العصمة المطلقة للأذهان فهي لا تختلف عن النسبية في مفادها ومضمونها إلا أنها تختلف في سعة دائرة العصمة وضيقها.
وليعلم بأن العصمة المطلقة – محل بحثنا – لا تختص كذلك بالمرسلين والأوصياء فقط بل تتجاوزهم وتعم كل من نور الله تعالى قلبه بنور العلم والتقوى واصطفاه وعصمه(9).
فليس كل معصوم هو نبي بالضرورة و لا توجد ملازمة ذاتية بين العصمة والنبوة أو الإمامة.
● لماذا العصمة ؟
كما أسلفنا في المقدمة بأن من يكون في مرتبة قيادة المجتمع وهدايته لا بد أن يتوفر على شروط من أهمها العصمة – نسبية أو مطلقة – وتتفاقم هذه الأهمية بحسب موقعية هذه القيادة ومستواها لكي يحقق هدفه. ونخصص البحث الآن حول من اجتباهم الله تعالى لهداية و إرشاد المجتمع الإنساني بإرسالهم لهم، والذي ندعي فيهم العصمة المطلقة، فنقول بأن أهمية عصمتهم هو في توقف نجاح دعوتهم و انقياد الناس وإطاعتهم لأوامرهم ومتابعتهم في أفعالهم تستدعي بالضرورة أن يثقوا بهم إلى حد اليقين بأن كل ما يصدر عنهم من قول أو فعل تشريعي هو عين ما يريده مرسلهم سبحانه وتعالى و لا يتخطاه قيد أنملة وهذا الإتباع مما لا يمكن وقوعه إلا بعصمتهم المطلقة القطعية في جميع جنبات حياتهم و إلا لزم منه نقض غاية البعثة وفعل القبيح بإرسال من هم ليسوا في مستوى تأهيل الناس أي وضع الشيء في غير موضعه الصحيح، و كذلك الإغراء بالقبيح والتشجيع على الخطأ، وبديهي بطلان هذه الثلاثة لما ثبت في محله من حكمته تعالى.
● عوامل العصمة.
سبر المتكلمون بحر الأدلة العقلية لإثبات عصمتهم عليهم السلام مما أوصلها لما يقارب العشرة(10) براهين ويزيد، على أن الكلام لدينا يقع حول دليل العلم الذي هو عمدة في إثبات العصمة من خلال نفس المعصوم لا من خلال لوازم عدم بعثة المعصوم العائدة على الله تعالى ومنافاة حكمته، فمثلاً برهان نقض الغرض لا يرجع لنفس المعصوم و إنما هو راجع لله تعالى فلمنافاة حكمته مع نقض الغرض أثبتنا العصمة.
فالبحث إذن يقع في بيان علاقة العلم بالعمل الكاشف عن العصمة، وهذا الجانب هو ما نحاول التركيز عليه والإجابة عن الإشكالات الواردة عليه.
لماذا أخذتم العلم-النظرية الإسلامية للسلوك- دون غيره من الدوافع –النظريات الأخرى- ؟ فلماذا لا نقول مثلاً بأن عصمتهم نابعة من البيئة التي عاشوها أو غيرها من النظريات؟
تطفح كتب علم النفس بالآراء المفسرة للظاهرة السلوكية للإنسان وتحديد ماهية ذلك المحرك والدافع الكامن وراء السلوك وسبب تفاوت أعمال البشر خيراً وشراً.
عرف علماء النفس والتحليل الإجتماعي الدافع بأنه: ( طاقة كامنة أو استعداد داخلي يوجِد لدى الفرد حالة من التوتر تستثير السلوك وتوجهه إلى هدف معين)(11) وذهبوا مذاهب في بيان تلك الطاقة الكامنة أو الاستعداد الداخلي المحرك والمثير للإنسان ونستعرض في المقام ثلاث نظريات منها هي الأكثر شياعاً بينهم :
1- الإتجاه السلوكي: يعتمد هذا الإتجاه على النظر والدراسة في المثيرات البيئية التي تسبق سلوك الإنسان إذ يرون بأنها هي الممهدة لظهور ذلك السلوك فيحاولون تفسير سلوك الإنسان عن طريق ما يجري خارج الجسم من مثيرات بيئية ويستدلون بأن البيئة هي الظاهرة فقط من حيث هي مادة واضحة يُتمكن من ملاحظتها، ويصب هذا الإتجاه الاهتمام الأكبر على مسألة العقاب والثواب الذي يخلقه عرف تلك البيئة ويرون بأنه أساس قوي للحث والردع في سلوك إنسانها.
ويردُ عليه:
أن الإنسان ليس مستجيباً بالفطرة إلى بيئته فضلاً عن استجابته لكل ما تفرضه عليه من مثيرات، وكيف نفسر الاستجابة المختلفة لنفس التأثير من قبل فردين مختلفين لمؤثر واحد أو من قبل نفس الفرد في مناسبات متعددة ؟.
هذا و التاريخ ينقل لنا الكثير من القصص المبجلة لأشخاص خرجوا على نظام بيئاتهم إلى حد التباين الكلي كأصحاب الكهف و الأخدود وحبيب النجار ومؤمن آل فرعون.. وغيرهم الكثير ممن رفضوا التقيد بالمجموع السلوكي لمجتمعهم رغم ما لاقوا من صعوبات، هذا وإنه لو التزمنا بالقول بأن المحيط البيئي هو المُنشأ للعصمة يأتي السؤال بأنه لماذا عُصم هذا الفرد من دون باقي أفراد بيئته؟
2- الإتجاه العصبي: يرى أصحاب هذا الإتجاه أن معرفة سلوك الإنسان متوقفة على معرفة حركات دماغ الإنسان وخلاياها التي تتكون من 12 بليون خلية وعدد لا متناهي من الوصلات العصبية وهو أعقد نظام موجود على وجه الكون.
ويردُ عليه:
التعقيد الكبير للدماغ والصعوبات المتعلقة بدراسة الأدمغة وإمكانية توفرها تشكل حائل كبير في إعطاء أي نتيجة دقيقة في السلوك فضلاً عن تأسيس نظرية متكاملة على أساس عصبي، ولو إعتمدناها كيف يمكننا تفسير كفر بعض من كبار العلماء ذوي الأدمغة الكبيرة المتحركة؟
3- الإتجاه الإنساني: جاء هذا الإتجاه كثورة على الإتجاهات الجبرية لحركة الإنسان التي أوقفت سلوك الإنسان على البيئة أو الوراثة وغيرها، ومفاد نظريتهم بأن الإنسان يتحرك وفق إرادته وعزيمته وهذا ما يميزه عن باقي بني جنسه الحيواني فهو نشط وفاعل وقادر على ضبط مصيره وتغيير بيئته المحيطة به. فلا مجال لأن يلوم الإنسان بيئته أو أبويه أو الظروف المحيطة وما شابههم.
ويردُ عليه:
رغم مقاربة هذه النظرية للنظرية الإسلامية من خلال إشتراكهما في أن الإنسان هو الفاعل في سلوكه، إلا أنها أغفلت أهم جانب للنظرية وهو تحديد ماهية ذلك الشيء الذي يخرج الإنسان من الحالة الجبرية ويحدد سلوكه، والحال بأنه حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد فإذا كان كل الإنسان يتمتع بنفس الإرادة والعزيمة فلماذا نرى التباين الكبير بين سلوك فردين من أفراده؟
وهناك غير هذه الإتجاهات مثل ( التحليلي، المعرفي... ) تركنا الكلام عنها لما فيها من الإطالة وقليل الفائدة وكلها ليست بشيء(12).
إما تحليل الإسلاميين لهذه الظاهرة فقد أتفق المتكلمون الشيعة على أن الدافع هو العلم وهو ما يظهر لكل مطلع على التراث الكلامي لهم في مباحث العصمة.
4- الإتجاه الإسلامي: يرى هذا الإتجاه بأن سلوك الإنسان وليد علمه وأنه كلما تسامى في مراحل اليقين(13) تسامت معه مراتب العصمة وضبط السلوك، يقول العلامة الطباطبائي: (اختلاف أفعالنا طاعة ومعصية لاختلاف علمنا الذي يصدر عنه الفعل، و لو دام أحد العلمين أعني الحكم بوجوب الجري على العبودية و امتثال الأمر الإلهي لما صدر إلا الطاعة، ولو دام العلم الآخر الصادر عنه المعصية والعياذ بالله لم يتحقق إلا المعصية)(14) والمقصود بالعلم لديهم هو العلم الحضوري لا الحصولي، وبهذا يفسرون علم الإنسان بشيء والعمل بخلافه فيرجعونه إلى الاختلاف في نوعية العلم لدينا فهو إن كان حصولياً فلا يتعدى كونه صوراً ومفاهيم عقلية سرعان ما تتلاشى من الوجود الذهني و لا يعود لها أثر، وقد يغفل الإنسان عنها فتراه يخالف علمه عمله، بخلاف ما لو كان العلم حضورياً فهو مرتبط بالنفس أشد ارتباط، ومتضامن معها و لا يعقل غيابه عنها حالة وجوده فيها، فهو بمجرد طرق أبواب النفس تفزع إليه وتسعى نحوه وتعمل بما يمليه عليها، وهذا ما نراه واضحا في حال إحساسنا بالخوف مثلاً، فهل تتأخر ردة فعلنا عن الإحساس به ؟
● إشكال ورد:
كيف تجمعون بين قولكم هذا والآية القرآنية ( وجحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ظلما وعدوانا ) فالآية تقر بأن هناك من لديهم مرتبة اليقين ومع ذلك جحدوا بما استيقنوا به، وكذلك قولكم بأن إبليس كان من أكبر العلماء ومع ذلك نرى منه العناد لله تعالى.
والجواب:
إن هذا الجحود قسم من أقسام الكفر وهو بتعبير الإمام الصادق(ع) : (هو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنه حق قد أستقر عنده)(15) فهو إذن ليس من صنف العلم الحقيقي الذي فصله الإذعان والتسليم في الباطن والظاهر والذي لا يمكن تأخر مفعوله عنه و أما ما سوى ذلك فكله ليس من كلامنا، وكذلك يفسر عصيان إبليس لأمر الله تعالى مع كونه عالم بل من أكابر العلماء.
فيتضح من ذلك كله بأن المنشأ الرئيسي لعصمة الأنبياء في سلوكهم وامتناعهم من ارتكاب المعاصي هو العلم الذي زودوا به و ليس هو البيئة أو الاستعداد النفسي و ما شابههما. وليعلم بأن هذا العلم لا يؤتى إلا من المواهب الربانية التي يهبها الله إلى من يشاء من عباده المخلَصين وليس هو من سنخ بقية العلوم التي يكتسبها الإنسان، ومن هنا يعرف معنى ( مفاض بلطف من الله عليه) الذي جاء في التعريف وإن كان كلا العلمين يلتقيان في أنهما يصنعان الخشية لدى الإنسان من الله تعالى، وهذا التسديد واللطف يرافق المعصوم من حين تكونه في عوالم الذر(16) ولا يزال يرافقه في كل العوالم.
● إشكال ورد:
كيف يكون معصوماً بالعلم منذ ولادته وهو بعد لم يتلقى أي نوع من أنواع المعارف ؟ وألا يستلزم هذا القول الالتزام بجبر المعصوم لأنه أُفيض عليه هذا اللطف وهو بعدُ لم تتهيأ له فرصة اختياره أو رفضه ؟
للإجابة على هذا السؤال-الأول- نحتاج لتقديم مقدمات:
1- ثبت في محله أن الله تعالى عالم بالأشياء قبل وبعد إيجادها وذلك لكونه مجرد عن حدود الزمان والمكان فهو فوق كل قيد زماني و مكاني، والذي يتصف بهذا لا يحده شيء ولا يحصره حاصر، فلا يغيب عنه شيء ولا يحيطه شيء بل هو يحيط بكل شيء، و لكونه هو العلة والسبب لكل معلول ومسبب، و ثبت كذلك بأنه عالم بذاته والعلم بالعلة يستلزم العلم بمعلولها. فيثبت من كل ذلك بأنه عالم بالأشياء قبل وجودها، ولازم هذا الإثبات أنه يعلم بمن سيكون صالحاً مؤهلاً لتلقي هذا اللطف وهذه المهمة –الهداية-.
2- ثبت كذلك بأن قدرته تعالى تشمل كل شيء وان ليس لقدرته أي حدود وفق براهين عقلية تراجع في مضانها(17).
3- إن كل من يدعي هداية الناس وقيادتهم لا يتبعه الناس ولا ينقادون له إن كان في ماضيه سالكاً مسلكاً غير الذي يدعوا إليه، بل يتوقف ذلك حتى على النظر في نسبه وكل ما يوجب نفرة الناس عنه، وكل ذلك يرجع للأصل المتقدم، وهو تقبل المجتمع لقيادتهم.
بعد هذه المقدمات نقول بأن ارتفاع المانع - الجهل والضعف- و وجود المقتضي –هداية الناس- لا يُبقي لهذا الإشكال أي صدى، ويعرف بأنه سبحانه وتعالى إنما عصمهم قبل وجودهم الحسي لعلمه الأزلي بأنهم أولى مخلوقاته بهذا اللطف و المفخرة، هذا و إن المتطلع في سير الأنبياء والأئمة عليهم السلام، يعرف مدى نبوغهم و تفوقهم في قابليتهم العلمية والروحية منذ صغرهم فهذا عيسى (ع) يكلم الناس وهو في المهد صبيا و يحيى(ع) أوتي الحكمة صبيا وكذا الإمام أبو الحسن الهادي (ع) تولى منصب الإمامة الذي هو أرقى المناصب الإلهية وهو بعد لم يبلغ الحلم في سن التاسعة من عمره الشريف، والكثير الكثير من الشواهد التي تدل على العناية الإلهية بهم وهم في عوالم الأصلاب، كولادة الإمام علي(ع) في جوف أقدس بقاع الأرض الكعبة المشرفة.
وأما الشطر الثاني من السؤال فهو غير وارد أبداً لما تقدم في تعريف العصمة (مع بقاء قدرته على ارتكابه ) " فلم يكن هناك أي قوة حذفت منهم القدرة على المعصية أو الجبر على الطاعة بل كل ذلك حصل بما أوتي المعصوم من فضل و إمكانات علمية، وما كان لديه من قدرة فائقة على إعمال إرادته وفق المنهج الإلهي بحيث صار يستحيل عليه صدور المعصية وقوعا مع كمال قدرته عليه وتمكنه منها"(18)
● إشكال آخر:
كيف تدعون بأنهم عصموا بعلمهم وأن هذا العلم موجود معهم منذ صغرهم وهناك تصريح في عدة آيات من القرآن بأنهم كانوا يطلبون العلم {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}(19) أو {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}(20) بل هناك ما يدل على أن بعضهم لم يرزق العلم إلا بعد{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا}(21) وقد جاءت هذه الآية في سورتي يوسف والقصص حكاية عن النبي يوسف والنبي موسى(ص).
سبق أن قلنا بأن مراتب العصمة نابعة من مرتبة العلم لدى المعصوم، وهي بمراتب مشككة لديهم(ع) فلا ضير في كون هذه الآيات حاكية عن حالة التكامل فيهم(ع) فمهما بلغوا من العلم تبقى القاعدة القرآنية حاكمة ( فوق كل ذي علم عليم ).
ما الفائدة من بحث العصمة؟
*يمكننا تلخيص الفائدة من بحثنا في العصمة في نقاط أهمها:
- إتباع المعصوم في كل ما صدر منه من قول أو فعل أو تقرير والتصديق المحض له.
- معرفة مقامهم عند الله الذي جعله يختصهم بلطفه.
- معرفة أفضليتهم على سائر المخلوقات والتي لولاها لما قُدموا عليهم.
* الهوامش:
(1) لسان العرب ج 12 ص 403.
(2) المفردات للإصفهاني ص569.
(3) القاموس المحيط ج 4 ص 212.
(4) تاج العروس ج 8 ص 398.
(5) المقاييس ج 4 ص 331.
(6) أوائل المقالات للشيخ المفيد ص 156.
(7) الباب الحادي عشر للعلامة الحلي ص90.
(8) ينقسم النهي إلى قسمين : مولوي وإرشادي والفرق بينهما بأن الأول صادر من موقع المولوية والسلطة والأمر الواجب إطاعته فيوجب المولى هنا الإطاعة وعلى إثر العمل بهذا النهي أو تركه يترتب الثواب والعقاب، والثاني ما يكون صادر على نحو النصح والإرشاد من دون أخذ قيد الأمر الواجب إطاعته ويترتب على العمل به أو تركه آثار خاصة غير العقاب والثواب كفقد نعيم دنيوي وما شابهه.
(9) كسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(ع) والسيدة مريم(ع) اللتان اصطفاهما الله.
(10) الأدلة العقلية على عصمتهم:
1- العوامل النفسية. 2- دليل الإعتماد.
3- نقض الغرض. 4- الإغراء بالجهل.
5- عدم لياقة غير المعصوم لتلقي الوحي. 6- اجتماع الضدين.
7- مقام النبوة. 8- صدق عنوان الظالم.
9- كون المعصوم من المخلَصين. 10- رد الشهادة.
وغيرها من الأدلة التي أستدلوا بها على وجوب العصمة.
(11) أسس علم النفس الإجتماعي. د.احمد محمد الزعبي.
(12) لمزيد من الإطلاع على هذه النظريات يراجع كتاب المدخل إلى علم النفس لعبد الرحمن عدس ومحي الدين توق ص 10-15 علماً بأنه قد نقلتها من الكتاب ولكن بتصرف كبير. لا يعني عدم ذكر باقي النظريات المصادرة وإنما تركتها خوف الإطالة.
(13) مراتب اليقين:
1- علم اليقين. 2- عين اليقين. 3- حق اليقين.
(14) الميزان ج2 ص 139.
(15) الكافي ج2 ص 287 نقلاً عن الأمثل في تفسير القرآن ج12 ص 18.
(16) إن كل إنسان جاء إلى عالم الدنيا لا بد وأن يجتاز ست مراحل:
1- عالم الذر. 2- عالم الأصلاب. 3- عالم الرحم.
4- عالم الدنيا. 5- عالم البرزخ. 6- المعاد
(17) لمزيد من المراجعة الإلهيات ج1 ص 113.
(18) بتصرف من كتاب العصمة في ضوء المنهج القرآني للسيد كمال الحيدري ص130.
(19) سورة طه: 114.
(20) سورة الكهف: 66.
(21) سورة يوسف: 22.
0 التعليق
ارسال التعليق