تحقيق نسخ تفسير القمي ونسخ مختصراته (القسم الثاني)

تحقيق نسخ تفسير القمي ونسخ مختصراته (القسم الثاني)

مخطوطات التفسير المتداول وأفضل نسخه

مخطوط هام ونفيس لتفسير القمي المتداول

وهو من مخطوطات مكتبة مجلس شورى الجمهورية الإسلامية، تحت مسمَّى تفسير القمي، ورقم3880، كاتبها ميرزا محمد الركاوندي الناسخ المعروف لكتب الحديث، ومنها كتاب من لا يحضره الفقيه الذي اعتمد في إخراج النسخ المطبوعة الآن، وهو منسوخ سنة 1074هـ، ونسخ هذا التفسير سنة 1075هـ، وهذه صورة آخر ورقة منه وعليها اسمه وتاريخ نسخها:

 

وهو مخطوط متقن للغاية ومقدمته عين مقدمة المتداول، ويتضح للمطالع ما طال المطبوع اليوم من التشويه والسقط والخلل.ففي المطبوع قبل تفصيل أنواع الآي:" قال أبو الحسن علي بن إبراهيم الهاشمي القمي"(1)، ونقله السبط الجزائري عن طبعة إيران سنة 1313هـ.

وفي المخطوط هذا: "قال أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي مصنف هذا الكتاب"(2).

وصورته:

 وفيه تصريح باسم المصنف (رحمه الله) وأنَّه ابن هاشم لا الهاشمي.

وتتضح أهمية هذا المخطوط ودقته بما ذكره بعد المقدمة وقبل الدخول في تفسيرالبسملة، وهذا أمر قد يكون من أهم الأمور وأكثرها أثراً في البحوث الرجالية والفهرستية، وسيقلب كثيراً من الآراء التي أصرت على ما وجدته إشكالاً متيناً على نسبة التفسير، هذا بعد تجاوز مسألة اتحاد نسختنا المتداولة مع نسخ المشايخ كالحر والمجلسي، وبعد الاطمئنان بصحة هذه النسخة، التي لم أجد من نسبها لنفسه أو ذكر طريقه لها.

ففي الموضع المشار إليه من المتداول:

"أقول: تفسير بسم الله الرحمن الرحيم، حدثني أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر  (عليه السلام)، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي (رحمه الله) عن محمد بن أبي عمير عن حماد بن عيسى عن حريث عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: حدثني أبي عن حماد وعبد الرحمان بن أبي نجران وابن فضال عن علي بن عقبة، قال: وحدثني أبي عن النضر بن سويد وأحمد بن محمد بن أبي نصير عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي وهشام ابن سالم وعن كلثوم بن العدم عن عبد الله بن سنان وعبد الله بن مسكان وعن صفوان وسيف بن عميرة وأبي حمزة الثمالي وعن عبد الله بن جندب والحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: وحدثني أبي عن حنان وعبد الله بن ميمون القداح وأبان بن عثمان عن عبد الله بن شريك العامري عن مفضل بن عمر وأبي بصير عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام). تفسير (بسم الله الرحمن الرحيم) قال.."(3) إلى آخر ما ذكر.

أما في المخطوط فهو هكذا:

"قال أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي مصنف هذا الكتاب (رضي الله عنه): حدثنا أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر، قال: حدثنا أبو الحسن الجواني علي بن إبراهيم بن محمد، قال: حدثنا أبي (رحمه الله) عن محمد بن أبي عمير عن حماد بن عيسى عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: وحدثني أبي عن النضر بن سويد وأحمد بن محمد بن أبي نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر  (عليه السلام)، قال: وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي وهشام بن سالم وعن كلثوم بن الهِرَم عن عبد الله بن سنان وعبد الله بن مسكان، وعن صفوان وسيف بن عميرة وأبي حمزة الثمالي، وعن عبد الله بن جندب والحسين بن خالد جميعا عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: وحدثني أبي عن حنان وعبد الله بن ميمون القداح وأبان بن عثمان عن عبد الله بن شريك العامري وعن مفضل بن عمر وأبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام)، أنَّه قال في تفسير (بسم الله الرحمن الرحيم)، قال وحدثني أبي عن عمرو بن إبراهيم الراشدي وصالح بن سعيد ويحيى بن عمران الحلبي وإسماعيل بن مرار وأبي طالب عبد الله بن الصلت عن أبي يحيى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال.."(4) الحديث.

وصورته:

 وأنت خبير بأهمية ما يدل عليه قوله في المخطوط: "قال أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي مصنف هذا الكتاب (رضي الله عنه): حدثنا أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر (عليه السلام)، قال: حدثنا أبو الحسن الجواني علي بن إبراهيم بن محمد، قال: حدثنا أبي (رحمه الله) عن محمد بن أبي عمير عن.."، هذا، عدا ما في تمام السند المذكور من تفاوت كثير بينه وبين المطبوع.

راوي التفسير والمقصود من علي بن إبراهيم في السند الأول

فالتفسير مصدَّر بلسان مصنفه لا أحد تلامذته كما ادَّعى جلّ الأعلام المتأخرين، وأبو الحسن الثاني المذكور بعد هذا، هو الجواني الثقة من أصحاب الرضا (عليه السلام) لا علي بن إبراهيم القمي كما في المتداول، فلا يرد ما أشكل بأنَّ السند متهافت وأنَّ المقصود بعلي بن إبراهيم الذي روى عنه العباس هو القمي، وقد مرَّ عليك شأن أبي الفضل وطبقته، فقطع هذا المخطوط الشك وصوب الحق من كونه الجواني الثقة، الذي قال فيه الشيخ النجاشي:

"علي بن إبراهيم بن محمد بن الحسن بن محمد بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) أبو الحسن الجواني ثقة صحيح الحديث. له كتاب أخبار صاحب فخ، وكتاب أخبار يحيى بن عبد الله بن حسن (الحسن)، أخبرنا العباس بن عمر بن العباس قال: حدثنا أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني من كتابه وسماعه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بكتبه»(5).

ووقع اسمه في أسانيد الكافي، ويروي عنه سعد بن عبد الله، واشتبه الأمر على كثيرين فحسبوه ابن هاشم القمي، ذكره الشيخ الصدوق في العيون في حديث عن جماعة قالوا: "حدثنا محمد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) قال: حدثنا علي بن إبراهيم العلوي الجواني، عن موسى بن محمد المحاربي، عن رجل ذكر اسمه، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): أنَّ المأمون قال له هل رويت من الشعر شيئاً"(6) الحديث.

ويعرف ويميز بكون الخبر منقولاً عن كتاب الصفواني الذي نقل عن نسخته الكليني في الكافي، والصفواني المنقول عنه في الكافي غير محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة بن صفوان بن مهران الجمال المعروف بالصفواني -وكان حيا سنة352(7)- (شيخ الطائفة ثقة فقيه فاضل) تلميذ الكليني، الذي باهل قاضي الموصل ففلجت يد القاضي واسودت وهلك من غده(8)، فلاحظ(9).

قال السيد بدر الدين العاملي في حاشيته على الكافي: "قوله: (وفي نسخة الصفواني: علي بن إبراهيم)، هكذا فيما رأيناه من النسخ المصححة ولا بد من حمله على إرادة "وفي نسخة الصفواني بهذا السند والمتن"، فعلي بن إبراهيم يراد به علي بن إبراهيم بن محمد بن الحسن الجواني، فإنَّه من رجال الرضا (عليه السلام)، وحنان بن سدير من رجال الصادق والكاظم (عليهما السلام)، فروايته عن أبيه عن حنان ممكن، ويكون الراوي عن علي بن إبراهيم هذا الصفواني لا صاحب الكتاب(10)؛ لأنَّه ليس في مرتبته، وليس المراد بعلي هذا ابن هاشم؛ لأنَّ الراوي عن صاحب الكتاب وحمله عليه يوجب عدم تمامية الكلام؛ والله أعلم"(11) انتهى، وذكر في موضع آخر أنَّ الجواني من مشايخ أحمد بن محمد بن عيسى(12).

والصفواني صاحب النسخة المذكورة، هو أبو أحمد عبد الله بن عبد الرحمن المعروف، الرواي لكرامات ومعاجز الرضا (عليه السلام)، أورد الشيخ الصدوق خبراً عنه في العيون(13)، وذكره آخرون، ولم يعرف بهذا اللقب غيره في طبقته، كما لم يعرف بهذا اللقب غير محمد بن أحمد في طبقته، بل لم يشتهر بهذا اللقب غيرهما في الكتب والأخبار الحاضرة.

ولا يتوهم أنَّه إذا كان "قول أبي الحسن الجواني في أول السند: "قال: حدثنا أبي (رحمه الله) عن محمد بن أبي عمير عن حماد بن عيسى عن حريز" فإنَّ قول: "قال: وحدثني أبي عن النضر بن سويد.."هو للجواني أيضاً؛ إذ جاء بعد الأخيرة: "قال: وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي وهشام بن سالم وعن كلثوم بن الهِرَم"، ولو كان من كلام الجواني لما ناسب أن يذكر سنداً آخر منفصلاً عن أبيه عن أبي عمير عن حماد، بل يكفيه أن يعطف على حماد من روى عنه، فقائل: "حدثني أبي" بعدها هو القمي لا الجواني.

وأمّا الرواي عن القمي في الأسانيد المتعاقبة، فهو من احتملنا أنَّه ملخص الكتاب ومضمنه تفسير أبي الجارود، وقد تقدم الكلام فيه.

وقد اتضح لنا أنَّها نفس النسخة المتداولة اليوم، المضمنة لتفسير أبي الجارود، بتفاوت واضح في كثير من المواضع، وأنَّ هذا المخطوط أولى بالاعتماد من المتداول؛ فإنَّه أكثر إتقاناً وضبطاً وترتيباً.

نسخة أخرى للتفسير المتداول

وهي نسخة مكتبة المجلس كذلك، تحت رقم14395، محشاة ببيان المعاني ومقابلة بنسخ أخرى ومصححة، نسخها الشيخ عباس بن خضر النجفي سنة 1091هـ، الذي ذكره الطهراني (رحمه الله) في الذريعة فيمن نسخوا كتاب التهذيب سنة 1095هـ(14)، وصورة خاتمة ورقته الأخيرة:

 

وفي هذا المخطوط لم يأت على ذكر تلك الجملة التي صدرنا بها الكلام في النسخة السابقة وذكرت بتفاوت في النسخة المتداولة، أعني قوله: "قال أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي مصنف هذا الكتاب"، كما أنَّ هذه النسخة أقل جودة وترتيباً من سابقتها.

وكذا حذف الموضع الثاني الذي ذكرناه في النسخة الأولى، فوافق المتداول، وهذه صورته:

 

وهذه النسخة قريبة جداً من النسخة المتداولة، مع بعض التفاوت والفوارق.

والنَّاظر في المخطوطتين يرجح لديه الأخذ بالأدقّ والأضبط قليلة الخطأ والمؤيدة بالشواهد، وهي الأولى، وعليك بالنظر فيهما ليتبيَّن لك ما اخترناه ورجحناه، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار ما قرَّرناه وتلوناه عليك من أنَّ نسخ التفسير غير حاضرة، وما بين أيدينا هي نسخ مختصرة محورة ومزيدة على الأصل، وأن الكلام هنا في أفضل نسخ المتداول لا في نسخ التفسير نفسه.

نسخ مختصرات تفسير القمي

مختصر تفسير القمي للشيخ عبد الرحمن بن العتايقي

وهي كثيرة ذكرتها فهارس الكتب والمخطوطات، ولم ير النور منها إلا ما نشره السيد الجلالي (حفظه الله) من مختصر التفسير للشيخ كمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن العتايقي (رحمه الله)، ممَّن رأى العلامة وزامل أو تتلمذ تحت فخر المحققين-رحمهم الله-، أنهى مختصره في غرة ذي الحجة سنة 767هـ، ونشره السيد مشكوراً كصورة للنسخة الخطية بقلم المؤلف، المودعة في خزانة مخطوطات السيد المرعشي (رحمه الله) تحت رقم282، ضمن مجموعة من مختصرات ابن العتايقي، قدم السيد الجلالي لها مقدمة نافعة، ولكونها ناقصة الأول ضم إليها صفحات من التفسير المتداول؛ وأظنّه كان يحسب عندها أن العتايقي قد اختصر هذا التفسير المتداول؛ وقد ذكرنا لك أنَّ نسخة التفسير المتداول ما هي إلا مختصر آخر من مختصرات التفسير الأصل مع إضافات وتغييرات عديدة.

ونسخة ابن العتايقي هذه أقدم المختصرات للتفسير المعروف، المقطوع كونها عن أصل تفسير علي بن إبراهيم القمي، وهي بهذا تنال رتبة من الأهمية تفوق المختصرات الأخر.

ونحمد الله أن وقفنا على نسخة كاملة توافق ما ذكره الشيخ الطهراني في ذريعته -عند تعريف مختصر ابن العتايقي(15)- المنقولة عن نسخة صاحب الروضات (رحمه الله)، وهي نسخة مجلس الشورى في الجمهورية الإسلامية تحت رقم12216، ناسخها حسام بن ناصر الدين بن محمد العلوي -ولم أجد ترجمة له حتى هذا الوقت- أنهى نسخها في يوم الثلاثاء الثاني من شهر صفر لسنة 984هـ، وهذه صورة ختامها من النسخة التي بخط المؤلف:

 

وهذه صورة ختامها من النسخة الكاملة لمجلس الشورى:

 

وجاء في أولها:

"بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلواته على سيدنا وآله الطاهرين، وبعد؛ فإني وقفت على كتاب الأستاذ الفاضل علي بن إبراهيم بن هاشم القمي -رضي الله عنه وأرضاه- فوجدته كتابا ضخماً قابلاً للاختصار، فأحببت أن أختصره بإسقاط الأسانيد والمكررات وحذف بعض لفظ القرآن الكريم لشهرته، إلا ما لا بدّ منه وبحذف ما [فائدته] قليلة، وربما أضيف إلى الكتاب ما يليق به"(16).

وما ذكره (رحمه الله) من كونه مؤلفاً ضخماً -من سبعة أجزاء كما في خاتمة هذا المختصر- يعضدها ما ذكره السيد ابن طاووس في سعد السعود من أنَّه كان في أربعة أجزاء ضمن مجلدين، وصله برواية حفيد علي بن إبراهيم، وقال أنَّ الكتاب لديه في أربعة أجزاء في مجلدين، وهذا شاهد على أنَّ للتفسير المتداول أصلاً أكبر منه.

  وقال في آخره "هذا آخر ما احتويناه ونقحناه من سبعة أجزاء من كتاب علي بن إبراهيم بن هاشم القمي وأضفنا إليه ما خطر بالبال مما يناسبه ورددنا ما جاء ظاهره في عدم العصمة بالأنبياء والأولياء فإنَّ مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ليس ما يقوله هذا الرجل فليتأمّل، فإنّ مذهبهم تنزيه الأنبياء والأئمة عن جميع القبايح، واعلم أنَّ لنا في كثير من هذا الكتاب نظراً فإنَّه لا يوافق مذهب الذي هو الآن مجمع عليه. وكتب عبد الرحمان ابن محمد بن إبراهيم بن العتايقي منقح الكتاب ومختصره. وذلك في غرة ذي الحجة 767 والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين".

وهذه صورته لمقدمته من النسخة الكاملة:

 

ما يمتاز به مختصر ابن العتايقي

في هذا المختصر الكثير ممّا ليس في المتداول، وأغلبه منقول بنصه إلا ما اختاره ابن العتايقي من الروايات واقتصر عليه دون أن يورد تمامه، وتعهد أول الكتاب أن يذكر أمام كل رواية رمزاً للإمام القائل، فرمز (ب) للباقر ورمز (ص) للصادق (عليهما السلام)، لكنه لم ينهج هذا الأسلوب دائماً، كما أنَّ هذا المختصر قد خلا تماماً من روايات أبي الجارود وتفسيره المعروف عن الباقر (عليه السلام)، وزاد فيه مصنفه الشيخ عبد الرحمن ابن العتايقي بعض التعاليق ممّا لا يخل بالرواية ويتضح بأدنى تأمل، وغالباً ما يسبقها بلفظ (أقول)، وقد لاحظنا بعض الاختلاف في ترتيب بعض السور وفي أسمائها التي صارت معروفة بغيرها اليوم.

كما أنَّه رمى القمي بالقول الشاذ والتقصير في معرفة مقامات المعصومين (عليهم السلام)، بيَّن هذا في عدّة مواضع، وختم الكتاب بالتأكيد عليها، ومضت صورة الخاتمة التي حوت ذلك، ومن ذلك قوله:

"قوله: (إنَّك لا تهدي من أحببت)، عن أبي عباس قال: قال الصادق (عليه السلام): نزلت في أبي طالب، وكان النبي (صلّى الله عليه وآله) يحبه، ويقول له: يا عم، أشهد أن لا إله إلا الله أنفعك بها يوم القيامة، فيقول: يا ابن أخي، أنا أعلم بنفسي، فلمَّا مات شهد العباس عند النبي (صلّى الله عليه وآله) أنَّه تكلَّم بها قبل الموت، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): أمَّا أنا فلم أسمعها، وإنَّي أرجو أن تنفعه يوم القيامة(17). أقول: الإجماع من الإمامية منعقد على أنَّ أبا طالب أسلم وكان من أولياء الله، وروي عن أهل البيت في ذلك، وما ذهب إليه المصنّف شأن لا يعمل عليه؛ فإنَّ المشهور خلافه، ومن يتتبّع سيرة أبي طالب وأقاويله وذوده عن النبي (صلّى الله عليه وآله) وأشعاره التي تدل على إيمانه.."(18)، إلى آخر ما قاله ابن العتايقي (رحمه الله)، وهذه صورته:

 

مخالفات التفسير المتداول لمختصر ابن العتايقي

ومخالفاته للمتداول بدأت من أول صفحة منه إلى أواخره، من ذلك:

من أوله ما صورته:

 

ولفظ الخبر الثاني -وهو قوله: "وقال: معنى الألف"- مروي في عدَّة مصادر معتبرة، منها التوحيد للشيخ الصدوق رواه بسنده عن صفوان عمّن حدثه، وساقه بمثل ما رواه ابن العتايقي، واقتصر في المتداول على الحديث الأول ببعض التفاوت.

 وهذا المختصر فيه موافقات كثيرة لما ذكره ورواه المتقدمون ممن ذكرناهم، وما رواه الشيخ حسن بن سليمان الحلي في مختصر بصائر الدرجات لسعد بن عبد الله، والسيد شرف الدين الحسيني في تأويل الآيات، كما مرّ عليك، ونذكره مفصلاً في مطوَّل هذا المقال إن شاء الله تعالى.

ومما ذكره موافقاً للبصائر ومخالفاً للمتداول ووعدنا بذكره عن التكلم عن نسخ تفسير ما بعد القرن الثامن هو ما صورته(19):

 

ومما افترق مختصر تفسير ابن العتايقي بذكره عن التفسير ولا وجود له في المتداول:

قول العتائقي في مختصر التفسير:

"قوله: { وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً }، قال: نزلت في قاتل الحسين (عليه السلام)"(20).

وهذه صورتها:

 

ورواها السيد شرف الدين الحسيني مسندة عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) في تأويل الآيات بعينها(21).

ورواها في البرهان عن التفسير(22)، والذي سبق منَّا القول أنَّ السيد التوبلاني (قدّس سرّه) نسخته هي هذه النسخة المتداولة اليوم وينقل عنها في غير موضع، والتتبع والنظر قاض بأنَّه لا نسخة لديه غيرها، وكل ما رواه ممَّا ليس في المتداول تجده بعينه في كتاب تأويل الآيات للسيد شرف الدين الحسيني (رحمه الله)، وهذا متكرر منه (رحمه الله) في أكثر من رواية ونسبتها، وهو من سهو قلمه الشريف. ورواها العياشي في تفسيره عن جابر(23) كذلك.

وممّا ليس في المتداول أيضاً تفسير قوله تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة}(24)، ففي مختصر ابن العتايقي:

"قوله: { وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ }، فقال: الحسنة التقية، والسيئة الإذاعة"(25).

وصورته من المخطوط:

 

وفي تأويل الآيات عن التفسير موافقاً لابن العتايقي:

"وقال علي بن إبراهيم (رحمه الله)  في تفسيره: قال أبو جعفر (عليه السلام) في قول الله (عزّ وجلّ) «{ولا تستوي الحسنة ولا السيئة} إنَّ الحسنة التقية، والسيئة الإذاعة"(26).

ورواها في الكافي -بعبارة تظهر في النقل عن التفسير- عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عمن أخبره، عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله (عزّ وجلّ): {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ}، قال: «الحسنة التقية، والسيئة الإذاعة»، وقوله (عزّ وجلّ): {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةُ}، قال: «التي هي أحسن التقية، { فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }»(27).

وليس في المتداول إلا قوله: «ثم أدب الله نبيه (صلّى الله عليه وآله) فقال: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، قال: ادفع سيئة من أساء إليك بحسنتك حتى يكون الذي بينك وبينه عداوة كأنّه ولي حميم»(28).

إلى غيرها من الموارد التي يطول ذكرها، نرجئها إلى التحقيق المطول لهذا المقال الموجز.

بعض النتائج والتوصيات

1- التفسير المتداول هو مختصر -مع زيادة- لإحدى نسخ تفسير علي بن إبراهيم القمي.

2- ليس هناك من أثر لأصل تفسير القمي في مكتبات وخزائن المخطوطات.

3- توصية: نحتمل قوياً وجوده ضمن الكتب المخطوطة في المكتبات الكبرى، فإن كثيراً ممّا قيل بضياعه قد عثر عليه وسط التراث المتراكم غير المفهرس بدقة.

4- الاختصار طال المقدمة ومتن التفسير مع إضافة أخبار كثيرة من تفسير أبي الجارود عن الباقر (عليه السلام).

5- المختصر من مؤلفات أحد علمائنا المحيطين بأسانيد الأخبار التي هي مراسيل في الكتب الأخرى مسندات في هذا التفسير المتداول، ونسخته من التفسير فيها مخالفات عديدة في الأسانيد مع ما هو موجود في غير مصدر ينقل عن تفسير القمي.

6- مُختصر هذا التفسير هو العالم الجليل محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني (رحمه الله) صاحب تفسير النعماني وكتاب الغيبة، من تلامذة الكليني وابن عقدة، على احتمال قوي.

7- نسخة هذا التفسير المتداول لم تشتهر إلا بعد نهاية القرن الثامن، وبقيت نسخ من التفسير الكامل عند بعض علمائنا ونقلوا عنها.

8- للتفسير المتداول عدّة نسخ، أنفسها وأضبطها النسخة الموجودة في مكتبة مجلس الشورى في الجمهورية الإسلامية تحت مسمى تفسير القمي، برقم3880، كاتبها ميرزا محمد الركاوندي الناسخ المعروف لكتب الحديث.

9- في نسخة الركاوندي أثبت اسم علي بن إبراهيم صدر التفسير بعد المقدمة على أنّه راوٍ عن أبي الفضل العباس العلوي عن علي بن إبراهيم العلوي الجواني، لا عن علي بن إبراهيم بن هاشم.

10- توصية: نسخة الركاوندي جديرة بالتحقيق والطباعة لتكون بديلاً عن النسخة المتداولة، بعد مقابلتها بالنسخ الأخرى.

11- أقدم أثر كامل وقفنا عليه من مختصرات تفسير القمي، هو ما اختصره الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن العتايقي، عثرنا على نسختين منه، أحدهما بخط المصنف في مكتبة السيد المرعشي (رحمه الله)، ناقصة من أولها، والأخرى نسخة كاملة منه، في مكتبة مجلس الشورى في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بخط حسام بن ناصر الدين بن محمد العلوي.

12- بين مختصر التفسير والتفسير المتداول فروق ومخالفات كثيرة، أثبت العتايقي في تفسيره ما أسقط أو اختصر في التفسير المتداول.

13- توصية: تحقيق وطباعة هذا الأثر الهام، مع مقابلته بنسخه الموجودة، وتمييز كلام الرواية من كلام القمي والعتايقي، وهذا ما نعمل عليه الآن.

14- أكثر الكتب المطبوعة الحاضرة نقلاً عن أصل تفسير القمي وبألفاظه هو كتاب تأويل الآيات للسيد شرف الدين الحسيني.

15- توصية: جمع ما ينقله السيد شرف الدين الحسيني والشيح حسن بن سليمان الحلي في بصائر الدرجات والسيد بن طاووس في كتبه الكثيرة وما تفرق من مخطوطاته وكراساته في مكتبات العالم، وإضافتها لتفسير ابن العتايقي وما صح من تفسير القمي بعد المقابلة والمقارنة.

وهذا آخر هذا الموجز، نحمده تعالى على إتمامه، وصلاة الله على سيد خلقه وأنامه، محمد وآله الأطهار المرتقين للشرف أعلى سنامه.

 

* الهوامش:

(1) تفسير القمي 1: 5.

(2) المخطوط: 2.

(3) تفسير القمي المتداول: 27-28.

(4) التفسير المخطوط: 11.

(5) النجاشي: 262-263/ ر687.

(6) عيون أخبار الرضا 1: 187/ ح1 ب43.

(7) انظر ترجمة الحسن بن سعيد بن حماد الأهوازي في النجاشي: 59/ ر59.

(8) النجاشي: 393/ ر1050، وترجم له قبلها في رقم935.

(9) في هامش النسخة المطبوعة من الكافي أنه ما في الكافي من عبارة (وفي نسخة الصفواني) هي لمن راجع الكافي وصححه كالشيخ المفيد وغيرهم، والصفواني هو محمد بن أحمد ممن روى الكافي، فلا يمكن أن يروي الكليني عن نسخته، وقد عرفت آنفاً ما في هذه الدعوى وأنَّ الصفواني من مشايخ الكليني وليس هو محمد بن أحمد، وأظن أنَّ الشبهة دخلت من كلام للمجلسي في البحار 53: 271، قال: (قلت: والنعمانية بلد بين واسط وبغداد، والظاهر أنَّ منه الشيخ أبا عبد الله محمد بن محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب الشهير بالنعماني المعروف بابن أبي زينب تلميذ الكليني وهو صاحب الغيبة والتفسير، وهو والشيخ الصفواني المعاصر له، قد ضبط كل واحد منهما نسخة الكافي ولذا ترى أنه قد يقع في الكافي كثيراً: وفي نسخة النعماني كذا، وفي نسخة الصفواني كذا)، لكن ليس في نسخ الكافي المطبوعة وما اطلعنا عليها وجود لنقل عن نسخة النعماني، ولعلَّه في نسخ عليها زيادات بعض العلماء النسّاخ، كنسخ النعماني والصفواني الآخر رواي الكافي.

(10) يعني الشيخ الكليني.

(11) الحاشية على الكافي: 202، وكذا ذكر المازندراني في شرحه 1: 304.

(12) الحاشية على الكافي: 196.

(13) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 228/ ح16 ب47.

(14) الذريعة 5: 40.

(15) الذريعة 25: 41.

(16) المخطوط: الورقة الأولى.

(17) تفسير القمي المتداول 2: 142 من سورة القصص، بتفاوت.

(18) مخطوط ابن العتايقي (نسخة الشورى): ورقة 104.

(19) مخطوط تفسير ابن العتايقي (نسخة مجلس الشورى): 41.

(20) مخطوط تفسير ابن العتايقي (المرعشي): 195.

(21) تأويل الآيات 1: 279-280.

(22) تفسير البرهان 3: 528.

(23) تفسير العياشي 2: 290/ ح65 سورة الإسراء.

(24) فصلت (السجدة): 34.

(25) مخطوط مختصر ابن العتايقي (مرعشي): 143 س20-21.

(26) تأويل الآيات 2: 540/ ح15.

(27) الكافي 2: 218/ ح6.

(28) التفسير المتداول 2: 266.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا