روى محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الإسناد عن أبيه عن عبد الله بن الحسن العلوي عن جدّه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام)، قال علي: «وسألته عن رجل قدم مكة متمتعاً فأحلّ فيه، أله أن يرجع؟ قال: لا يرجع حتى يحرم بالحج، ولا يجاوز الطائف وشبهها مخافة أن لا يدرك الحج، فإن أحب أن يرجع إلى مكة رجع، وإن خاف أن يفوته الحج مضى على وجهه إلى عرفات»(2).
وهي المروية في الكتاب المطبوع المعروف بمسائل علي بن جعفر أيضاً(3).
وقد أخّرها الشيخ الحرّ في وسائله في الباب محلّ الشرح(4)؛ لما قيل من اضطراب نسختها كما عن ابن ادريس وهي النسخة المنسوبة له اليوم، وأقوائيّة ما تقدّمها من الأخبار سنداً وظهوراً.
حول قرب الإسناد
وقرب الإسناد الدائر اليوم منسوب لعبد الله بن جعفر الحميري، برواية ابنه محمّد مع بعض الزيادات التي نصّ عليها آخر الكتاب في إجازته التي كتبها بخطّه وأُثبتت في النسخ المخطوطة وأُهملت في المطبوعة اليوم، تاريخها صفر سنة 304هـ، وهي إجازة لأبي عمرو سعيد بن عمرو بأن يرويا الكتاب عن أبيه وحَدَّها بقوله: "تمام الكتاب، وما كان فيه عن بكر الأزدي وسعدان بن مسلم فاروه عن أحمد بن إسحاق بن سعد عنهما"(5)، والأزدي هو بكر بن محمد الأزدي، روى عنه كثيراً في هذا الكتاب.
نعم، نسخة الكتاب منقولة عن خطّ أحمد بن محمد بن يحيى الأوالي العاملي، نقلها عن خط ابن إدريس وقابلها ابن إدريس بنسخة الأصل، التي هي بخط ابن مهجنار البزاز، في آخرها أيضاً قبل الإجازة الآنفة: "حدثني بكتاب قرب الإسناد لأبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري أبو غالب أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان الزراري الكوفي رحمه الله، قال: حدثني عبد الله بن جعفر الحميري بهذا الكتاب وبجميع كتبه قراءة عليه وما لم أقرأه منها فإنه دخل في جملة ما أجازه لي، وقد أطلقت لأبي الغايم محمد بن علي بن الحسين بن مهجنار البزاز أدام الله عزه ونفعه بالعلم" وانقطعت الورقة بما فيها من كلام.
ولا يجعلنا هذا نتردد في راوي الكتاب المصرّح باسمه في أوّل كل كتاب ضمنه، وهو محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، وما الإجازة لابن مهجنار إلا في عرض إجازة عبد الله بن جعفر، بل هي مؤيّدة لكون الكتاب هو لعبد الله بن جعفر لا لابنه.
كتاب واحد أم كتب متعددة:
والمجلّد -أعني كتاب قرب الإسناد- ثلاثة كتب: قرب الإسناد إلى الإمام الصادق (عليه السلام)، وقرب الإسناد إلى الإمام الكاظم (عليه السلام)، وقرب الإسناد إلى الإمام الرضا (عليه السلام)، مع أنّ الشيخ في فهرسته قال: "له كتب منها: كتاب الدلائل كتاب الطبّ كتاب الإمامة كتاب التوحيد والاستطاعة والأفاعيل والبداء كتاب قرب الإسناد كتاب المسائل والتوقيعات كتاب الغيبة ومسائله عن محمد بن عثمان العمري وغير ذلك من رواياته ومصنفاته وفهرست كتبه. وزاد ابن بطّة كتاب الفترة والحيرة كتاب فضل العرب. أخبرنا برواياته أبو عبد الله عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه و محمد بن الحسن عن عبد الله بن جعفر. وأخبرنا ابن أبي جيّد عن ابن الوليد عن عبد الله بن جعفر"(6)، واقتصر على ذكر كتاب واحد سمّاه قرب الإسناد، كما وقع التصريح به في إجازة الزراري السابقة.
وعن النجاشيّ قال في عبد الله بن جعفر: "قدم الكوفة سنة نيف وتسعين ومائتين وسمع أهلها منه فأكثروا وصنف كتباً كثيرة يعرف منها: كتاب الإمامة كتاب الدلائل كتاب العظمة والتوحيد كتاب الغيبة والحيرة كتاب فضل العرب كتاب التوحيد والبداء والإرادة والاستطاعة والمعرفة كتاب قرب الإسناد إلى الرضا [عليه السلام] كتاب قرب الإسناد إلى أبي جعفر بن الرضا‘ كتاب ما بين هشام بن الحكم وهشام بن سالم والقياس والأرواح والجنة والنار والحديثين المختلفين مسائل الرجال ومكاتباتهم أبا الحسن الثالث (عليه السلام) مسائل لأبي محمد الحسن (عليه السلام) على يد محمد بن عثمان العمري كتاب قرب الإسناد إلى صاحب الأمر (عليه السلام) مسائل أبي محمد وتوقيعات كتاب الطب. أخبرنا عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار عنه بجميع كتبه"(7).
ولم يذكر قرب الإسناد مجرداً عن الإضافة، ولا قرب الإسناد إلى الصادق والكاظم‘، وهما الكتابان المضمنان في الكتاب الدائر، والقدر المشترك بين ما عدّده النجاشي والكتاب الدائر هو قرب الإسناد إلى الرضا (عليه السلام)، والمفترق هما قرب الإسناد إلى الجواد وصاحب الأمر‘.
وما ذكره النجاشيّ الأصل فيه الالتفات، وهو لا يعارض ما ذكره الشيخ (رحمه الله)؛ فإنّه قد يكون الكتاب في مجموعة فيسمّى (قرب الإسناد) وهو ما ذكره الشيخ والزراري، وقد يفرق كما فعله الشيخ النجاشي (رحمه الله)، حيث وقف على بعض الكتب وكتب أخرى؛ والذي يعزّز هذا رواية الحميري كثيراً عن الإمام الحجة (عليه السلام) من مكاتباته وأجوبته (عليه السلام) عليها، وما رواه الشيخ الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة والشيخ في غيبته والطبرسي في احتجاجه من روايات الحميري، وكذا يؤيّده نسق أخبار الحميريّ الثنائية والثلاثية الوسائط عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام)(8).
ويظهر من إجازة محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري في آخر النسخ المخطوطة نسبة الكتاب لأبيه بقوله: "أن تروي هذا الكتاب عني عن أبي"، وكل المجموعة في مجلد واحد، كما أنّ إجازة الزراري -المتقدّم نصّها- جاء فيها التصريح بنسبة الكتاب لعبد الله بن جعفر أيضاً، قال ابن مهجنار: "حدثني بكتاب قرب الإسناد لأبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري أبو غالب أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان الزراري الكوفي (رحمه الله)".
إلا أن يقال إنّ المقصود من الكتاب في إجازة الحميري هو قرب الإسناد إلى الرضا (عليه السلام) وهو الأخير ضمن الكتاب.
ويردّ هذا التوهم أنّ الإجازة قد تضمّنت زيادة رواية محمد بن عبد الله بن جعفر عن بكر بن محمد الأزدي وسعدان بن مسلم بتوسط أحمد بن إسحاق، والأوّل كل وقوعه في قرب الإسناد إلى الصادق (عليه السلام)(9) عدا مورد واحد في قرب الإسناد إلى الكاظم (عليه السلام)(10)، والثاني انحصرت أخباره في قرب الإسناد إلى الكاظم (عليه السلام)، وخلت أسانيد قرب الإسناد إلى الرضا (عليه السلام) عنهما، فكيف يكون الكتاب خصوص ما عن الرضا (عليه السلام)!.
ويظهر أنّ استثناء روايات بكر بن محمد الأزدي وسعدان بن مسلم لكون الراوي عنهما هو محمد بن عيسى العبيدي المتّهم عند كثير من العلماء، لذا نصّ في أربعة من خمسة أخبار سعدان أنّ الرواية عن محمد بن عيسى وأحمد بن إسحاق جميعاً، وقد روى عبد الله بن جعفر الحميري كتاب العبيدي المسمّى بـ (قرب الإسناد) كما نصّ عليه النجاشي والشيخ رحمهما الله، فأراد محمد بن عبد الله الحميري التخلّص شيئاً ما بضمّ طريق آخر لبعض الأخبار، ويلاحظ إكثار الحميري الرواية عن محمد بن عيسى وعن ابنه أحمد في هذا المصنّف، وروايته مبثوثة في الكتب الثلاثة التي تضمنها كتابه.
ومنه يظهر لك بُعدُ ما ذكره المحقّق الطهراني في الذريعة: "له على بعض مرويات أبيه في الكتاب شبهة احتمال سقوط الواسطة، فيحتاط لرفع الشبهة بأن ما يروى في الكتاب عنهما، فاروه بتوسط أحمد عنهما"(11).
فالكتاب بمجموع الكتب الثلاثة تصنيف عبدالله بن جعفر الحميري وهذه النسخة فيها زيادة رواية أحمد بن إسحاق على رواية محمد بن عبد الله الحميري عن أبيه مصنّف هذا الكتاب.
هذا في شأن الكتاب ومؤلّفه، وأمّا الاعتماد عليه فحاله حال بقية الكتب، والمدار على قيام ما يورث العلم بصدور آحاد أخباره، لكنّ نسخته مبتلاة ببياض متخلل بين عباراتها(12) سببه ما ذكره ابن إدريس من أنّه استنسخها من نسخة رديئة، وهو ما يقلّل درجة الاعتبار في المواضع التي يُحتمل فيها الخطأ.
مسائل علي بن جعفر
وأما مسائل علي بن جعفر فهو من الأصول المشهورة وفي هامش البحار بتعقيب المحقق: "يوجد من المسائل نسخة مصححة مستنسخة عن نسخة تاريخ كتابتها سنة 686"(13)، وهو الكتاب غير المبوب للمسائل، وأمّا المبوب فقد قيل أنّه النسخة الواصلة للمجلسي (رحمه الله) وأجاز معاصره الحرّ في روايتها، وأنّها ما رواه عبد الله بن جعفر في قرب الإسناد، هكذا ذكر شيخنا السيد الجلالي في مقدمة كتاب مسائل علي بن جعفر.
النسخة المبوّبة لكتاب مسائل علي بن جعفر:
وقد أشكل على السيد زيادة مائة رواية في قرب الإسناد وهي النسخة التي وصفها بالمبوبة لكتاب المسائل، بل إنّه دام عزه ذهب إلى أنّه لو جمع المؤتلف والمختلف في النسختين لحصلنا على كتاب المسائل الكامل.
وهذا كلّه قد بناه على أنّ كتاب قرب الإسناد إلى الكاظم (عليه السلام) هو النسخة المبوبة لكتاب مسائل علي بن جعفر، ولم يدعه أحد من أهل التراجم المتقدمين.
ومنشأ التوهم عبارة النجاشي (رحمه الله)، قال في ذكر علي بن جعفر قدس الله روحه ونور ضريحه: "له كتاب في الحلال والحرام يروي تارةً غير مبوب وتارة مبوباً. أخبرنا القاضي أبو عبد الله قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا جعفر بن عبد الله المحمدي قال: حدثنا علي بن أسباط بن سالم قال: حدثنا علي بن جعفر بن محمد قال: سألت أبا الحسن موسى [عليه السلام] و ذكر المبوب. وأخبرنا أبو عبد الله بن شاذان قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الله بن جعفر قال: حدثنا عبد الله بن الحسن بن علي بن جعفر بن محمد قال: حدثنا علي بن جعفر وذكر غير المبوب"(14).
قال السيد الجلالي دام عزه: "ما ذكره النجاشي من أنّ له نسختين: مبوبة، وغير مبوبة، لا يعني وجود كتابين له، وإنّما هو كتاب واحد رُوي بصورتين. وهذا واضح. لكن المطبوع في رجال النجاشي -وما نقل عنه في المراجع الرجاليّة المتأخّرة- في السند إلى الكتاب هكذا: "حدثنا علي بن إسباط بن سالم، قال: حدّثنا علي بن جعفر بن محمد، قال: سألت أبا الحسن موسى، وذكر المبوب.... عبد الله بن جعفر، قال: حدثنا عبد الله بن الحسن بن علي بن جعفر بن محمد، قال: حدثنا علي بن جعفر، وذكر غير المبوب" وهذا غير صحيح؛ لأنّ الموجود برواية عبد الله بن جعفر الحميري -وهو الذي أثبته في كتابه قرب الإسناد- قال: "حدثنا عبد الله بن الحسن العلوي، عن جده علي بن جعفر، قال: سألت أخي موسى بن جعفر (عليه السلام)، عن الرجل عليه الخاتم الضيّق"، إنّما هي النسخة المبوّبة على ترتيب الأبواب الفقهية من الطهارة والصلاة وبعنوان باب في كذا، فكيف يقول النّجاشي عنها بالذات: إنّها غير المبوبة؟! مع أنّ النجاشي ذكر أولاً قوله: "له كتاب في الحلال والحرام، يُروى تارةً غير مبوب، وتارةً مبوباً". ثم ذكر الطرق إلى كلٍّ من الروايتين، وترتيب اللف والنشر يقتضي أن يكون الطريق الأول -المنتهي إلى علي بن أسباط- إلى غير المبوب المذكور أولاً. وأن يكون الطريق الثاني -المنتهي إلى عبد الله بن الحسن- إلى المبوب المذكور ثانياً. هذا، ولم أجد من تنبّه إلى هذا التصحيح في كتاب النجاشي"(15).
ثمّ قال في الأمر الثالث: "أن ّكتاب (مسائل علي بن جعفر) موجود -ولله الحمد- بنسختيه المبوّبة، وغير المبوبة. أمّا المبوبة: فقد أوردها جميعها، راويها في سند النجاشي الثاني "عبد الله بن جعفر الحميري" -في كتاب قرب الإسناد- في بداية الجزء الثاني إلى نهايته. وأمّا غير المبوّبة: فقد تعدّدت نسخها المخطوطة".
وقال في الأمر الرابع: "الملاحظ وجود اختلاف كبير بين النسختين، المبوّبة وغير المبوّبة من حيث عدد المسائل الموجودة في كلٍّ منهما، فغير المبوّبة تحتوي على 429 حديثاً ومجموع ما في المبوّبة 533 حديثاً".
ثمّ زاد: "إنّا لو جعلنا أصل الكتاب ما تحتويه النسخة المبوبة وهو 533 حديثاً، وأمكننا أن نضيف إليها ما في النسخة غير المبوّبة ممّا لم يرد في المبوّبة، حصلت لدينا مجموعة أكبر من "المسائل" الثابتة في النسخ المسماة بكتاب المسائل. فلو جعلنا تلك المجموعة أساساً، وأضفنا عليها ما كان بعنوان "السؤال عن أخيه" حصلت لنا مجموعة أكبر من المسائل، بما يوجب الاطمئنان بحصولنا على كتاب " المسائل "الكامل"(16).
وليس خفيّاً على المحقّق السيد دام عزه أنّ النّجاشي قد التزم غالباً بما تعهّد به بذكر طريق واحد للكتب اختصاراً، ولذا لا نمنع من كون النجاشي يروي النسخة المبوّبة بغير طريق عبد الله بن جعفر، كما أنّنا أوقفناك على رواية كتاب علي بن جعفر بواسطة ابن مهجنار عن الزراري عنه، ولا نمنع أيضاً من تعدّد رواية النسخة غير المبوّبة، فتكون تارةً برواية الحميريّ وأخرى بغيره.
والحاصل: أنّ التوهم نشأ من تصوّر أنّ النّسخة المبوّبة لها طريق واحد، وأنّها بعينها ما ذكره في قرب الإسناد إلى الكاظم (عليه السلام).
وأمّا ما ذكره من زيادة روايات قرب الإسناد إلى الكاظم (عليه السلام) -وهي التي أسماها النّسخة المبوبة- فإنّه أمر لا غرابة فيه، أولاً: لما عرفت من مغايرة قرب الإسناد لكتاب مسائل علي بن جعفر المطبوع، وثانياً: لأنّ الزيادات في قرب الإسناد إلى الكاظم (عليه السلام) وقع بعضها عن الكاظم عن أبيه‘، وبعضها فيما رواه الحميريّ عن غير سؤالات علي بن جعفر رضوان الله تعالى عليه، ومثاله -غير الأوحد- ما نبهناك عليه سابقاً عند التكلّم في قرب الإسناد بأنّ علي بن جعفر روى في كتابه روايات محمد بن عيسى العبيديّ المحتمل قوياً أنّها من كتاب (قرب الإسناد) للعبيدي الذي يرويه الحميري نفسه، فكيف يكون الجمع بين كتابي قرب الإسناد إلى الكاظم (عليه السلام) وكتاب مسائل علي بن جعفر منتجاً لكتاب مسائل علي بن جعفر الكامل!.
النسخة المتداولة لكتاب مسائل علي بن جعفر:
ولسيدنا السيد الزنجانيّ (دام ظله) معارضة للكتاب المطبوع اليوم باسم مسائل علي بن جعفر سمعته منه مرتين على الأقل في محضر بحثه، وحاصله: أنّ هذا الكتاب المطبوع غير معلوم الانطباق مع مسائل علي بن جعفر المشهور ذي الطرق المعتبرة، وأنّ طريقه فيه مجاهيل لم يذكروا، وأنّ أخباره أقلّ من أخبار كتاب قرب الإسناد إلى الكاظم (عليه السلام) بنحو مائة رواية، وفي جملة الأخبار شذوذ، ومنها ما لم يروَ في كتاب قرب الإسناد ولا غيره من المصادر، بل شبه هذا الكتاب -المطبوع- بديوان حافظ من جهة إثبات روايات منسوبة لعلي بن جعفر عن أخيه على أنّها من كتاب مسائل علي بن جعفر، وخلص إلى عدم اعتبار هذه النسخة وأنّها لشخص مجهول حاول الجمع بين روايات مسائل علي بن جعفر التي توافق ما نقله الكليني عن العمركي عن علي بن جعفر، وروايات قرب الإسناد للحميري، وبعضها مطابق لهما وبعضها لا، وبعضها شاذّ لا وجود له في المصادر المتوافرة، فكل انفراد للكتاب لا يلبس ثوب الصحة والاعتبار(17).
وكيفما كان، فإنّ أغلب نسخ الكتب التي ادّعي العثور عليها في زمن المجلسيّين وكذا المحدث النوري قدس الله أسرارهم، قد ابتليت بالتشكيك؛ لأنّ أكثرها إنّما نسب لأصحابها المظنونين دون أن تقوم حجّة واضحة على صحّة النسبة؛ إذ كانت وجادة بغير قرينة صحة، وما هو إلا لعدم تعاهد سنّة القراءة والتناول والإجازة المعتبرة والاتّكال على نسخ الصحافين والسوقة، حاشا علماءنا الثقاة والمؤتمنين.
ترتيب مسائل علي بن جعفر:
ثمّ إنّ الكتاب قد رتّبه الشيخ ناصر الجارودي المجاز من الشيخ السماهيجي، وقد نبّه عليه المحقق الطهراني في الذريعة بقوله: "وهذا الترتيب للشيخ ناصر بن محمد الجارودي المعاصر للشيخ عبد الله السماهيجي والمجاز منه بالإجازة المدبجة في سنة ( 1128 )، وأشار السماهيجي في إجازته هذه إلى ما تنبّه إليه الشيخ ناصر المجاز من أنّ صريح السند الأوّل في هذه المسائل أنّه روى "علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: سألت أبي جعفر بن محمد عن كذا فقال كذا"، وبعد السند الأوّل لا يذكر سنداً آخر أصلاً، بل إنّما يقول: "وسألته عن كذا، فقال: كذا"، وظاهره أنّه عطف على سألت أبي جعفر المذكور قبله، فقائل سألته من أوّل المسائل إلى آخرها هو الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) وقد سألها من أبيه الإمام جعفر بن محمد (عليه السلام) وهو المجيب عنها، فالمدوّن لتلك السؤالات والجوابات هو الإمام الكاظم (عليه السلام)، وبما أنّ علي بن جعفر هو الراوي لها عنه فنسبت المسائل إليه.
أقول (والكلام للطهراني): لو كان سياق جميع المسائل بعنوان سألته لكان الأمر كما نبّه عليه، لكن في مسألة رفع اليدين بالتكبير ما لفظه: "قال علي بن جعفر: قال أخي (عليه السلام): على الإمام أن يرفع يديه في الصلاة وليس على غيره أن يرفع يديه في التكبير"، وفيه أيضاً: "قال علي بن جعفر: قال أخي: قال علي بن الحسين (عليه السلام): وضع الرجل" إلى آخره، فيظهر من هذه المواضع أن المدوّن للكتاب هو علي بن جعفر، جمع فيه مجموع رواياته عن أخيه، وهي على ثلاثة أصناف: 1- سؤالات أخيه من أبيه وجوابات أبيه عنها، 2- ما ذكره أخوه من نفسه، 3- ما رواه أخوه مرسلاً عن أجداده"(18).
والحقّ أنّ الجاروديّ كان متنبّهاً لتنوّع الأخبار عن الكاظم والصادق‘، وكان هذا هو الدّاعي لأن يقول الجارودي في أوّل كتابه (ترتيب مسائل علي بن جعفر): "فهذه نبذة تتضمن ترتيب المسائل الجعفريات والكاظميات على المجيب عنها أفضل الصلوات"(19)، كما أنّه ميّز بين ما انتهي فيه إلى الكاظم (عليه السلام) وبين التي إلى الصادق (عليه السلام)، بقوله في أول الثاني: "من الجعفريات"(20)، وفي بعض الأول: "من الكاظميات"(21).
لكن صريح السند الأوّل في الكتاب المطبوع من المسائل هو ما نصّه: "أخبرنا أحمد بن موسى بن جعفر بن أبي العباس قال: حدّثنا أبو جعفر بن يزيد بن النضر الخراساني من كتابه في جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانين ومائتين قال: حدّثنا علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، عن علي بن جعفر بن محمد، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: سألت [أخي موسى بن جعفر] عن رجلٍ واقع امرأته قبل طواف النساء متعمداً" الحديث.
وما بين المعقوفتين من تصويبات السيد الجلالي دام مجده، إذ قال في الهامش: (في " ق " و " م " و " ض ": سألت أبي جعفر بن محمد، وما في المتن من هامش " م "، والظاهر أنّه الصواب، قال المجلسي (قدّس سرّه) في بيانه على العبارة في البحار 10: 291: قوله (قال: سألت أبي) يدل على أنّ السائل في تلك المسؤولات الكاظم (عليه السلام)، والمسؤول أبوه (عليه السلام). وفي قرب الإسناد وسائر كتب الحديث السائل علي بن جعفر، والمسؤول أخوه الكاظم، وهو الصواب، ولعلّه اشتبه على النّساخ أو الرواة، ويدلّ عليه التّصريح بسؤال علي عن أخيه في أثناء الخبر مراراً)، وليس هذا العمل من السيّد بالصائب، فإنّ اتفاق النّسخ على رواية الكاظم عن أبيه (عليه السلام)، وما في هامش إحداها إن لم يكن تصحيحاً فهو كاستظهار المجلسي في البحار، لا ينصرف له ويترك الأصل.
إضافةً لكون الرواية المشار إليها والذي قال المجلسي أنّها مروية في كتب الحديث عن علي بن جعفر سائلاً أخاه الكاظم (عليه السلام)، قد رويت -كما ذكر رحمه الله- في قرب الإسناد والمسؤول فيها هو الكاظم (عليه السلام)(22)، ولم نقف على روايتها في كتب الخاصة الأخرى، كما أنّ الاستدلال على الخطأ المدعى -بالقول أنّ المسؤول هو الكاظم (عليه السلام) وقفاً عليه وأنّ ذكر أبيه الصادق (عليه السلام) خطأ- بكتاب قرب الإسناد غير سليم عن شائبة الإشكال؛ إذ قد عرفت المختار في ما انفردت به نسخة كتاب قرب الإسناد وأنّها لا توجب الاطمئنان؛ لما داخل نسختها الواصلة إلينا بنسخ ابن إدريس (رحمه الله) من البياض والمحو ورداءة الخط كما هو مفاد كلام ابن إدريس نفسه في المنقول من خطّه بنحو يمكن الميل إليه، هذا، ولا يخفى أنّه لو تمّ القول بسلامة نسخة المسائل وبأنّ كتاب قرب الإسناد إلى الكاظم (عليه السلام) هو النّسخة المبوّبة لمسائل علي بن جعفر، أو أنّه مغاير له لكن أكثره ترتيب لكتاب المسائل، صعد احتمال الخطأ في كتاب قرب الإسناد لا أصله وهو كتاب مسائل علي بن جعفر، فإنّ الخطأ في نسبة الرواية لأحد المعصومين المتقاربين أو المشتركين في الكنى أمر واقع كثيراً، خاصّةً في الكتّاب الناقلة من الأصول التي تكون غير المرتبة غالباً، وبهذا ينعكس التّصحيح، فيصحّح قرب الإسناد بالنظر لكتاب المسائل لا العكس.
تحقيق نسبة المؤلف:
تقدم أنّ صريح السند في المطبوع هو: "أخبرنا أحمد بن موسى بن جعفر بن أبي العباس قال: حدثنا أبو جعفر بن يزيد بن النضر الخراساني من كتابه في جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانين ومائتين قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، عن علي بن جعفر بن محمد، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: سألت [أخي موسى بن جعفر] عن رجل واقع امرأته قبل طواف النساء متعمداً" الحديث، وبان لك الصحيح في ما بين المعقوفتين.
والذي أشار إليه شيخنا المحقّق السيد الزنجاني أمد الله في عمره، أنّ سند هذه النّسخة فيه التّصريح بأنّها من حديث أبي جعفر بن يزيد بن النضر الخراساني «من كتابه» في جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانين ومائتين، فهي ممّا اختاره أبو جعفر الخراساني وضمّنه كتابه وحدّث به من حديث الكاظم (عليه السلام) برواية علي بن جعفر، فكيف يُقال بعدُ أنّ هذا هو كتاب مسائل علي بن جعفر غير المبوب ويُشار إليه ويُرجع له بهذه الصفة !.
السند وتصحيحه:
وأبو جعفر بن يزيد بن النضر الخراساني لم يذكروه.
ونحتمل الخطأ في السند؛ فقد نقل السيد إعجاز حسين في كشف الحجب سنداً فيه تغيير، قال:
"المسائل لعلي بن جعفر أخي موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب (عليهم السلام): قال العلامة المجلسي عند ذكره مآخذ البحار: "وكتاب المسائل المشتمل على جلّ ما سأله السيد الشريف الجليل النبيل علي بن الإمام الصادق جعفر بن محمد من أخيه الكاظم صلوات الله عليهم أجمعين". أولها أخبرنا أحمد بن موسى بن جعفر بن أبي إلياس قال: حدّثنا أبو جعفر أحمد بن يزيد بن نصر الخراساني من كتابه في الجمادى الأخرى سنة إحدى وثمانين ومائتين، قال: حدثنا علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن علي بن جعفر بن محمد عن أخيه موسى بن جعفر قال: سألت أبي جعفر بن محمد عن رجل وقع(23) امرأته قبل طواف النساء معتمداً ما عليه قال يطوف وعليه بذمة الخ"(24).
وهو المثبت أول مخطوط المكتبة الرضوية على صاحبها السلام والتحية، باسم (المسائل) ورقم: (۳۱۷۹۸ م) من نسخ القرن الثالث عشر الهجري كما في فهرست المكتبة، وأظنّها ممّا اشتراه السيّد الخامنائي حفظه الله وأيده من مخطوطات الهند، ولم تقع بيدي مصورتها حتى الآن.
وفي رجال الشيخ في إبراهيم بن يزيد من رجال أبي محمد العسكري روحي فداه ما يدل على وجوده، قال: «وأخوه أحمد بن يزيد»(25)، ومن هو في هذه الطبقة قد أدرك سنة 281 في كبره.
وروى النوري في مستدرك الوسائل ما يدلّ على تلقيبه بالخراساني، فقد روى عن جعفر بن أحمد بن علي القمي في كتابه المسلسلات حديثا فيه أحمد بن يزيد ولقبه بالخراساني وطبقته تناسب زمن العسكري (عليه السلام) أيضاً، قال: "حدّثنا أبو الفرج محمد بن سعيد بن علي بن سعيد الكوفي، قال: حدثني أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي، قال: حدثني أحمد بن يزيد(26) الخراساني، قال: حدثني محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: حدثني يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين‘، قال: حدثني محمد بن عبيد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: حدثني محمد بن عقيل بن أبي طالب، قال: حدثني عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، قال: رأيت النبي’ متختماً في يمينه -إلى أن قال- قال أحمد بن يزيد: ورأيت محمد بن جعفر، متختماً في يمينه"(27) الحديث.
ورواية أحمد بن محمد بن سعيد ابن عقدة المتوفى سنة 333هـ تناسب الرواية عن أحمد بن زيد.
صاحب الكتاب المعروف بمسائل علي بن جعفر:
فصاحب الكتاب هو أحمد بن يزيد الخراساني على الأرجح، وهو المذكور في التراجم والأسانيد، أخو إبراهيم بن يزيد من أصحاب أبي محمد العسكري (عليه السلام)، ويروي ابن عقدة عن أحمد بن يزيد هذا، و(النضر) في سند المطبوع من المسائل تصحيف (نصر) على احتمال.
ولا يبعد أن يكون (أحمد بن موسى بن جعفر بن أبي العباس) في سند المطبوع تصحيف (أحمد بن موسى بن جعفر بن أبي إلياس) كما نقل السيد إعجاز في كشف الحجب وأيدته مخطوطة المكتبة الرضوية؛ غير أن أحمد بن موسى لم أقف على ذكر له، وابن أبي إلياس لُقِّبَ به غيره، ووقوع الاشتباه في رسم (العباس) و(إلياس) متوقع جدا من النساخ.
وهذا الكتاب حاله كمجموع ما نسب لغيره، خصوصا ما ظفر به المجلسيان رحمهما الله، فقد أسرعا في تسمية الكتب الواصلة إليهما وإثبات مؤلفيها والإجازة بروايتها. فالكتاب ليس في اعتبار الأصول المعروفة والكتب المشهورة، لكنّه -بلا شك ولا ارتياب- صالح للقرينيّة والاستدلال به على نحو الشهادة والتأييد، بل لو انحصر الدليل فيه -وهو أمر نادر- واجتمعت عوامل الوثوق بخبره كان حجةً في العمل.
وتحقيق النسبة من الأمور الشاقة والتي تحتاج لتتبّع وسعة يد في توفر النّسخ والمخطوطات المختلفة، ولو وجدنا من يفتح لنا مكتباته الخاصة والعامة لقلَّبنا صفحات كتبها وغصنا في كنوزها، نسأل الله أن يقيّض لنا وللمؤمنين ما نأمله، كما سهّل بمنّه لنا الكثير ممّا لم نحتسبه، وكله بلطفه تعالى الحميد الكريم.
* الهوامش:
(1) مستلّ من بحثنا حول جواز خروج المتمتّع بالحج من مكة بعد عمرته وقبل الحج.
(2) قرب الإسناد: 243/ ح962.
(3) مسائل علي بن جعفر: 266/ ح643.
(4) الوسائل 11: 305/ ب 22 ح12.
(5) اُنظر صور مخطوطات الكتاب آخر مقدمة الكتاب المحقق بواسطة مؤسسة آل البيت عليهم السلام، الطبعة الأولى 1413هـ.
(6) الفهرست: 294/ ر440.
(7) النجاشي: 219/ ر573.
(8) منه ما في الْعِلَل، وَالْعُيُون، عَنْ أَبِيهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَطَّارِ وَأَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ جَمِيعاً عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ دَاوُدَ بْنِ قَاسِمٍ الْجَعْفَرِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الثَّانِي (عليه السلام) قَالَ: «أَقْبَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) ذَاتَ يَوْمٍ وَمَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام) وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ (رحمه الله)» الحديث.
(9) انظر للأزدي قرب الإسناد (إلى الصادق (عليه السلام)): 14/ ح43- 32/ ح104- 33/ ح106 و107 و108- 36/ ح118- 37/ ح120 و ح121.
ولسعدان: 315/ ح1223 و1224 - 316/ ح1225 و1226- 341/ ح1248، والأخير بواسطة محمد بن عيسى بن عبيد منفردا بدون أحمد بن إسحاق.
(10) قرب الإسناد: 314/ ح1219.
(11) الذريعة 17: 68.
(12) انظر مثالا: ص394 ح1382 و ح1383.
(13) بحار الأنوار 10: 249. ووجدت في الفهارس نسخة مسائل علي بن جعفر في مكتبة (مدرسة مروي) محررة على يد (محمد بن حسين بن علي بن حسين مازندراني) منسوخة عن نسخة بتاريخ 686، وهي برقم (479)، ولم تصلني صورتها.
(14) فهرست النجاشي: 251/ ر662.
(15) مقدمة محقق كتاب مسائل علي بن جعفر: 70-71.
(16) مقدمة المحقق في كتاب مسائل علي بن جعفر: 74.
(17) بحث السيد النجاني دام ظله يوم 14/7/1388 هـ ش.
(18) الذريعة 4: 68/ (282: ترتيب مسائل علي بن جعفر).
(19) ترتيب مسائل علي بن جعفر: 29.
(20) وأوّل هذه الموارد في ترتيب مسائل علي بن جعفر: 53/ الباب السابع (في موجبات الغسل) ح2.
(21) منها في ص 155/ ح2.
(22) قرب الإسناد (إلى الكاظم (عليه السلام)): 243/ ح963.
(23) هكذا في المصدر، والظاهر هو (واقع) راجع البحار، ج10، ص249.
(24) كشف الحجب: 510/ ر2868.
(25) رجال الشيخ: 397/ ر12 في أصحاب أبي محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا عليهم السلام (باب الهمزة).
(26) في بعض نسخ المسلسلات في هذا الموضع: «أحمد بن يحيى» والصحيح ما أثبتناه وهو الموجود في نسخ صحيحة طالعناها، انظر مخطوط مكتبة البروجردي رقم 288/ صورة 75 الجانب الأيسر.
(27) مستدرك الوسائل 3: 285/ ح3598.
0 التعليق
ارسال التعليق