نحن الآن لسنا بحاجة إلى أدلة إثبات وجود الله بقدر ما نحن بحاجة إلى صياغة جديدة تؤصل العلاقة مع الله وتؤدي إلى تفعيل العقيدة واستجلاء كوامن الفطرة الإنسانية في حركة الإنسان، أي أن السؤال يتلخص في أنه ماذا يمثل وجود الله من معنى في نفسي وماذا يمكن لهذا الإيمان أن ينفعني في هذه الحياة؟ وما هي العلاقة التي تربطني به غير كونه خالقا لي؟
إن من الملاحظ أن نوعية الأسئلة المطروحة فيما يتعلق بعلاقة الإنسان بالله تعالى على مستوى علم الكلام والفلسفة، أسئلة لا نجد لها صدى في وعي الإنسان المعاصر، ولا تمتد إلى الواقع العملي للفرد والسؤال المطروح في تراثنا الفلسفي أو الكلامي هو: من هو ربك؟ وهل لهذا الكون من خالق؟ و ما هي صفاته؟ واليوم لا احد يسأل مثل هذه الأسئلة التي تجول في مدارات العقل فقط ولا تتجسد في الواقع فمعظم أفراد البشر تقريبا يؤمنون بوجود الله سبحانه وتعالى بل جميع أبناء البشر يؤمنون بالله سبحانه وتعالى كما سيتضح إن شاء الله في السطور القادمة.
ولكن إذا لم تتضح نوعية الرابطة التي تربط الإنسان بهذا الإله ولم يعرف الفرد موقعه ومكانته ونسبته من خالقه فما فائدة ركام الأدلة والبراهين العقلية على وجود الله سبحانه وتعالى إذا لم يعرف الفرد ما مدى أهمية وجود الباري تعالى في حياته وفي حياة المجتمع الذي يعيش فيه، وإذا كان يعتقد بأن أهمية الإيمان بالله سبحانه وتعالى تتمثل في النجاة من النار فقط، فما قيمة وجود الله عز وجل بالنسبة للفرد في هذه الحياة؟.ألا تحد هذه الفكرة من قيمة وجود الله سبحانه وتعالى ودور الإيمان به في تكامل الفرد والمجتمع؟، ولسان حال هذه الفكرة يقول: (لو لم يتوعد الله سبحانه وتعالى منكريه وجاحديه بالنار لما كان هناك فائدة وقيمة للإيمان بوجوده عز وجل).
يجب على كل فرد مؤمن أن لا ينتابه شك بأن للإيمان بالله سبحانه وتعالى اثر كبير على حياة الفرد والمجتمع، بل الإيمان بالله سبحانه وتعالى وحده الحل لجميع مشاكل البشرية.
الإيمان بالله والفطرة:
يقول عز من قائل: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}.
الفطرة في اللغة تعني الخلقة (بكسر الخاء)، والخلقة تعني الخلق على كيفية وحال ما، والمقصود بها هنا هي الحالة والكيفية التي خلق الله سبحانه وتعالى الناس وهم متصفون بها والتي تعد من لوازم وجودهم، ولابد أن نعرف بان أحكام الفطرة لا يمكن أن يختلف عليها اثنان من ناحية أنها من لوازم وجودهم، فالجميع من الجاهل والعالم والمدني والبدوي والديني واللاديني مجمعون على ذلك، وليس ثمة منفذ للعادات والمذاهب والطرق المختلفة للتسلل إليها والإخلال بها. إن اختلاف البلاد والأهواء والمأنوسات والآراء والعادات لا توجب وتسبب الخلاف والاختلاف.
الدين هو فطرة الله، فالدين ليس مجرد تشريع ومجرد قرار من أعلى وإنما الدين فطرة للناس ليس كما يدعي البعض بان الدين مجرد أمر اعتباري لو لم يأمرنا الله به لما كان له قيمة في حياتنا، الدين ليس مقولة حضارية مكتسبة على مر التاريخ يمكن إعطاؤها ويمكن الاستغناء عنها. لا، أبداً، لأنها في هذه الحالة لا تكون فطرة الله التي فطر الناس عليها ولا تكون خلق الله الذي لا تبديل له، فالإيمان سنة كونية سنة تاريخية ولكنها ليست صارمة على مستوى قانون الغليان سنة تقبل التحدي على الشوط القصير، بمعنى أن من الممكن للإنسان أن يخالف وجدانه ويعارض فطرته بالتنكر للدين وللإيمان بالله عز وجل لكن هذا التحدي لا يمكن أن يستمر وسرعان ما يزول. ومما يثير الدهشة والعجب انه على الرغم من عدم وجود أي خلاف بشأن الأمور الفطرية، فان الناس يكادون أن يكونوا غافلين عن انهم متفقون ويظنون أنهم يختلفون وهذا ما تشير إليه الجملة الأخيرة من الآية الشريفة:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}.
وهكذا يتضح بعد التنبيه على المقدمة هي: أن من الأمور الفطرية التي جبلت عليها سلسلة بني البشر بأكملها بحيث انك لا تجد فردا واحدا يخالفها وأنها فطرة حب الكمال فأنت إن استقرأت البشرية على طول امتدادها في التاريخ واستنطقت كل فرد من الأفراد وكل شعب من الشعوب وكل ثقافة من الثقافات وكل ملة من الملل، تجد هذا العشق والحب قد جبل في طينة كل هؤلاء وتجد قلب كل فرد من هؤلاء متوجها نحو الكمال، بل إن ما يحدد الإنسان ويدفعه في سكناته وتحركاته وكل العناء والجهود المضنية التي يبذلها كل فرد في مجال عمله وتخصصه إنما هو نابع من حب الكمال وعلى الرغم من وجود منتهى الخلاف بين الناس في ما يرونه من الكمال وأين يوجد الحبيب ويشاهد المعشوق. ومنشأ هذا الاختلاف هو النظام الثقافي والتربوي والخبرات العقلية والنفسية لدى الفرد مضافا إلى الأهداف والتطلعات التي تصوغ وجدانه و طريقة تفكيره.
فالكل متفق على حب الكمال والكل يسعى نحو الكمال لكن الخلاف والاختلاف في المصداق. إن البعض يرى الكمال في الثروة والبعض يرى الكمال في السلطان وهناك من يرى الكمال في جمال القدود فكل يرى الكمال بحسبه. إذن نور الفطرة قد هدانا إلى أن نعرف أن قلوب جميع أبناء البشر تتوجه بالفطرة نحو الكمال الذي لا نقص فيه فيعشقون الكمال الذي لا عيب فيه ولا كمال بعده، والعلم الذي لا جهل فيه والقدرة التي لا تعجز عن شي والحياة التي لا موت فيها. إن الكمال المطلق هو معشوق الجميع فهل هناك من جميع الموجودات كمال وجمال مطلق سوى الله تقدست أسماؤه؟! فسبحانه غاية سؤل السائلين وأقصى طلبة الطالبين كما ورد في الدعاء، وحقيقة وجود هذه الفطرة من الأمور التي أكدتها بحوث علم النفس الحديث من أن هناك أمور فطرية تدفع الإنسان وتحرك سلوكه وهي ما تسمى عندهم بالدوافع.
الإيمان بالله منطلق لبناء الإنسان والمجتمع:
إن حركة الإنسان تتميز عن غيرها من الحركات الكونية بأنها حركة تتسم ــ بصورة واضحة ـ بأنها غائية لا سببية فحسب فهي ليست مشدودة إلى سببها المؤثر في وجودها والى ماضيها، بل هي مشدودة
ــ أيضاــ إلى الغاية فيها، لأنها حركة هادفة لها علة غائية متطلعة إلى المستقبل. فالغاية والهدف هي المحرك إلى أي نشاط من النشاطات الإنسانية. وإذا اتضح ذلك نقول: إن المحتوى الذي يمثل البناء الداخلي للإنسان هو المثل الأعلى والغاية العليا. والمثل الأعلى وهو الذي يحدد الغايات التفصيلية وينبثق عن هذه الأهداف الجزئية، فالغايات بأنفسها محركات للتاريخ وللنشاط الإنساني وهي بدورها نتاج لقاعدة أعمق منها في المحتوى الداخلي للإنسان وهو المثل الأعلى الذي تتمحور فيه كل الغايات وتعود إليه كل تكل الأهداف، فبقدر ما يكون المثل الأعلى والهدف الأسمى للجماعة البشرية صالحا وعاليا وممتدا تكون الغايات صالحة وممتدة، وإذا علمنا أن الله هو الكمال المطلق وان الفطرة تدعو إلى النزوع تجاه الكمال المطلق فلا يستحق أي شي غير الله سبحانه وتعالى أن يكون مثل أعلى وغاية عليا: {الَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَار}(1)
فالإيمان بالله كمبدأ أعلى وهدف أسمى له آثار على مسيرة الفرد بشكل خاص وعلى مسيرة البشرية بشكل عام ومن هذه الآثار:
1ــ إن المطلق الذي يقدمه الإيمان بالله للإنسان لم يكن من نسيج مرحلة من مراحل الذهن الإنساني، ليصبح في مرحلة رشد ذهني جديد قيداً على الذهن الذي صنعه. ولم يكن وليد حاجة محدودة لفرد أو لفئة، ليتحول بانتصابه مطلقاً إلى سلاح بيد الفرد أو الفئة لضمان استمرار مصالحها غير المشروعة.إن المشكلة تنشأ من تحويل المحدود والنسبي إلى مطلق خلال عملية تصعيد ذهني، وتجريد للنسبي من ظروفه وحدوده، والله سبحانه وتعالى مطلق لا حدود له، ويستوعب بصفاته الثبوتية كل المثل العليا، للإنسان الخليفة على الأرض، من إدراك، وعلم، وقدرة وقوة، وعدل، وغنى. وهذا يعني إن الطريق إليه لا حدّ له. فالسير نحوه يفرض التحرك باستمرار، وتدرج النسبي نحو المطلق بدون توقف: {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه}(2)، ويعطي لهذا التحرك مثله العليا المنتزعة من الإدراك والعلم والقدرة والعدل، وغيرها من صفات ذلك المطلق، الذي تكدح المسيرة نحوه، فالسير نحو مطلق، كله علم، وكله قدرة، وكله عدل وكله غنى يعني أن تكون المسيرة الإنسانية كفاحاً متواصلاً باستمرار ضد كل جهل، وعجز، وظلم، وفقر. إن الطريق إلى الله سبحانه وتعالى غير منقطع وغير منتهى، فالسير إلى الله عز و جل غير محدود لا ينتهي بأجل، إبداع دائم، نمو دائم، إنتاج دائم، فمسيرة العطاء لا تتوقف ولا تنتهي لأننا في سير تجاه المطلق، تجاه الكمال، وهذه هي العبادة التي قال الله سبحانه وتعالى بأنها غاية الخليقة: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(3)
2ـ إن الإنسان من خلال إيمانه بالله سبحانه وتعالى كمثل أعلى وهدف أسمى ووعيه على طريقه بحدوده الكونية الواقعية ينشأ لديه شعور معمق بالمسؤولية تجاه هذا المثل الأعلى وهو الحل الوحيد لجدل الإنسان، والتناقض الداخلي لدى الإنسان، يقول علماء النفس بان الاتجاهات المختلفة لسلوك الإنسان من أنماط سلوكية وعادات ورغبات، كرغبته أن يصبح طبيبا أو محاميا أو تاجرا أو لصاً، تصدر عن دافع مركزي تتفرع عنه دوافع أخرى ومحركات أخرى، فنحن نقول كلما كان الدافع المركزي والهدف الأعلى ساميا عاليا كانت حركة الإنسان وسلوكياته حتى أدق التفاصيل عالية سامية منضبطة
الإيمان بالله منطلق لبناء المعرفة:
يمثل التوحيد حجر الزاوية في تكوين وبناء الرؤية الكلية عن الكون والحياة والإنسان والمجتمع والتوحيد، يوضح حدود وأبعاد الدور الإنساني، والإنسان الذي لا يؤمن بوجود الله سبحانه وتعالى ولم يكن الله سبحانه وتعالى المبدأ والمنطلق الذي انطلق منه لفهم ما عداه لن تكون لديه رؤية واضحة عن الكون والإنسان والمجتمع وهذه الرؤية هي التي تصوغ فهم الإنسان وطبيعة إدراكه للأمور، فكل رؤية كونية ينبثق عنها نظام أخلاقي ومنظومة حقوقية وينبثق عن هذا نظام اجتماعي وتربوي ونفسي، وبدورها هذه العوامل والأنظمة تصوغ إدراك الإنسان ووجدانه ومن ثم تشكل شخصيته. فالإنسان الذي لا يؤمن بالله سبحانه وتعالى ليس لديه مشكلة مثلا في القول بأن البشر يتفاوتون في الإنسانية فهناك طبقة نبلاء وهناك طبقة أراذل كما آمن به بعض فلاسفة الغرب ومن قبلهم فلاسفة الرومان والإغريق(4) ولا يوجد من الناحية النظرية مشكلة في هذه النظرة، إذ يرى الإنسان في نفسه انه أفضل من بعض فئات بني البشر فلابد أن يكون أرقى منهم في الإنسانية ولابد أن يكونوا مسخرين له ولرغباته، أما الإنسان الذي يؤمن بالله وأسمائه الحسنى من علم وقدرة وحكمة وعدل ورحمة و إحسان وانه خالق كل شي ويؤمن بان صفات الله عز وجل الذاتية عين ذاته وليست بزائدة عنها، لا يمكن له إلا أن يكون عادلا ورحيما وحكيما ومحسنا ولا يمكن إلا أن ينظر إلى غيره من أبناء البشر نظرة مساواة فليس له من الخلق والأمر شي، ومن هنا تتضح لنا أهمية رؤية أهل البيت عليهم السلام عن صفات الذات وأنها عين الذات وغير زائدة عنها وأن الذات المقدسة تحوي جميع الكمالات الممكنة وأنها منشأ كل كمال في مقابل من ذهب إلى أن الصفات زائدة أو أن الذات تنوب عن الصفات.
ومن جهة أخرى إن الإنسان الذي لا يؤمن بالله وبصفاته يتأثر بأهدافه وتطلعاته ورغباته، فمن يسعى لطلب الجاه والرئاسة والقيادة تتأثر طريقة إدراكه للأمور بهذه النزعة فيظلم الإنسان غيره من بني البشر ويعتقد بأنه لابد من أن يكون أعلى شأناً منهم تأثراَ منه بنزعته تجاه طلب الجاه والرئاسة(سواء كان ذلك عن إدراك شعوري لسبب اعتقاده أولا). أما الإنسان الذي يؤمن بالله تقدست أسماؤه فهو في سير وكدح مستمر تجاه الكمال المطلق: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}(5) فهو في سير تجاه العدل وتجاه الرحمة وتجاه العلم والإحسان، وبذلك يكون هذا الإنسان بعيداً عن تأطر أفكاره برغباته الشخصية التي تبرر له التنظير إلى مفاهيم الظلم والتفاوت العنصري و ما شابه ذلك. فالتوحيد قبل ذلك وبعده يبني للإنسان المنهج العلمي والنظام المعرفي ويحدد له كل ما يتعلق بالمعرفة بدءاً بالمنهج والغاية وفلسفة المعرفة وانتهاءً بوظائف العلم والمعرفة في حياة الإنسان والمجتمع. والتوحيد يمثل المكون الأساسي للموروث المعرفي الذي يقرأ به الإنسان المؤمن الكون والإنسان والمجتمع والتاريخ. ومن ذلك نستطيع أن ندعي بان تأصيل التوحيد في المجتمع كمبدأ ومنطلق يبني عليه الإنسان النظام المعرفي وكهدف أسمى وغاية عليا يسعى إليها تجنب الإنسان الوقوع في الأخطاء المعرفية والمنهجية وتبني له نظرة معرفية دقيقة وصحيحة عن الكون والحياة والإنسان والمجتمع.
الإيمان بالله منطلق لبناء الصحة النفسية:
إن الأمراض النفسية تنشأ غالبا من عدم إشباع الإنسان إلى حاجاته وتحقيق رغباته والوصول إلى أهدافه أو لعدم التوافق (سواء كان نفسي أم اجتماعي) في إشباع حاجاته أو تحقيق رغباته أو بلوغ أهدافه. إذا اتضح ذلك نقول: إن إشباع الإنسان إلى حاجاته وتحقيق رغباته وبلوغ أهدافه يحقق للإنسان حالة من الراحة والطمأنينة والفرح، وإخفاق الإنسان في ذلك يسبب له حالة من الحزن والإحباط والكآبة، وكذلك لو استطاع الإنسان أن يشبع حاجاته لكنه لم يستطع إشباعها بطريقة متوافقة أما لتضارب حاجات الفرد نفسه أو لتضارب حاجاته مع حاجات غيره من بني جلدته، سيؤدي ذلك إلى الاضطراب النفسي وسلب الطمأنينة.
ويكاد يكون من المتفق عليه أن ليست كل رغبات الإنسان وأهدافه في متناول يده، بل لا تخلو حياة كل إنسان من كثير من الرغبات والأهداف التي لا يستطع تحقيقها، ومعنى هذا أن يكون الإنسان في غم وكرب دائم إذا كانت هذه الرغبات هي المطلوبة بالذات وهدف الإنسان النهائي. أما إذا كانت هذه الرغبات أهداف متوسطة مطلوبة بالعرض وكان المطلوب بالذات والهدف الأسمى هو وجه الله سبحانه وتعالى ورضاه فلن يشعر الإنسان بالأسى والحزن والإحباط لأنه لا يبالي أحقق رغباته أم لا فالمهم هو رضا الله ولقائه: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَالله لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} {أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
وخير دليل على ذلك ما يعانيه الغرب من أمراض نفسية بعدما سادت قيم المادة فزادت نسبة الانتحار وكثرت نسبة المصابين بأمراض الكآبة وشيزوفرنيا (العصاب) والذهان وغيرها من الأمراض، حتى قال أحد علماء النفس الغربيين بأن 60% من الأمراض الفسيولوجية في الغرب منشؤها نفسي. ولقد طغت أمراض النفس والشخصية إلى حد جعل من الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنة1945 أن تقلب نصف أسرة المستشفيات العامة بها لاستقبال المرضى النفسيين. و قد ورد عن أمير المؤمنين وسيد الموحدين (ع) من لهج قلبه بحب الدنيا التاظ قلبه منها بثلاث: هم لا يغبه، وحرص لا يتركه، وأمل لا يدركه.
* المراجع:
1ــ الأربعون حديث، الإمام الخميني.
2ــ المدرسة القرآنية، السيد الشهيد الصدر.
3ــ علم النفس ودراسة التوافق، د. كمال دسوقي.
4ــ الله والإنسان، أحمد القبانجي.
5ــ التوحيد والتزكية والعمران، د. طه جابر العلواني.
6ــ المجتمع الإنساني في القرآن الكريم، الشهيد سيد محمد باقر الحكيم
7ــ علم النفس (دراسة التكيف البشري)، د. فاخر عاقل.
* الهوامش:
1ــ إبراهيم.
2ــ الانشقاق: 6.
3ــ الذاريات: 56.
4ــ قد يقول قائل بان فلاسفة الإغريق أمثال أفلاطون وأرسطو كانوا موحدين وبرغم من ذلك كانوا يؤمنون بتفاوت البشر في الإنسانية. أقول هذا إن دل على شي إنما يدل على أن تصورات هؤلاء الفلاسفة عن التوحيد ناقصة وغير مكتملة لا انه يدل على عدم صحة هذه الفكرة.
5ــ الانشقاق: 6.
0 التعليق
ارسال التعليق