تجلي البلاغة عند شعراء الحسين(ع)

تجلي البلاغة عند شعراء الحسين(ع)

كما أن واقعة كربلاء تعد نبعاً لكل مفاهيم ومواقف الإباء والتضحية والصمود، فهي كذلك واحةٌ يغترف الفنانون والمبدعون من معينها الزلال كلٌّ بحسب وسعه وطاقته الفنية والإبداعية، على طريقة: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}، وإذا ما قارنّا شعراء الحسين(ع) بغيرهم من المبدعين المحدقين بهذا المعين الحسيني والنبع الفياض وجدنا أن لشعراء سيد الشهداء قدم سبق عنده(ع) وعند أصحابه الكرام من الناحية الفنية والإبداعية، فها هي المجالس الحسينية بمستمعيها على امتداد العالم خير شاهد على هذا التفوق الفني، فأنت هنا تنظر إلى عالم يموج بدموعه وزفراته وأنّاته ونبضاته على تلك التصويرات البليغة التي يرسمها شاعر الإمام الحسين(ع)، فهم أبلغ البلغاء وأفصح الفصحاء، وهم من تربّوا على كلمات من قالوا: «وإنا لأمراء الكلام، وفينا تنشّبت عروقه، وعلينا تهدّلت غصونه».

حينما نوجه وجهنا شطر الفن التمثيلي نرى أن فنّ أكابر الممثلين يكبو على أرض كربلاء، ولا تسعفه رجلاه على السير، فهو مهما أبدع لن يتجاوز النهلة من معين الطف، والذي سبقته نهلات ونهلات من شعراء الحسين(ع)، كيف وهم يشربون من كف أبيه في عالم الملكوت كأساً رويّاً كوثراً سائغاً لا ظمأ بعده؟!

ولقد فاق شعراء الحسين(ع) كبار الممثلين في توظيف الإمكانات المهيئة، فالممثلون مع ما لديهم من وسائل حية من صوت وصورة وخطاب مباشر إلا أنهم لم يحركوا هذه الإمكانات على الأرض بالشكل الكافي، بينما حرك شعراء الحسين(ع) كل الإمكانات، فأنت تسمع في شعرهم رأسا يتلو القرآن، ونشيج فتاة على صدر أبيها في ظلمة الليل، وصوت زينب(ع) تندب جدها الرسول(ص)، وصوت الزهراء(ع) في قبرها، وخطاب الحسين(ع) مع أرض كربلاء، وتسمع السيف يتكلم، والرمح يتكلم، والدمع يتكلم، وقد أودع شعراؤه(ع) في كل جماد روحاً، وترى المشاهد العجيبة التي لا يسع المقام الإلماح إليها وإنما تحتاج لبحث أدبي مستقل يستعرض جماليات تلك الصور الحسينية، فالشعر الحسيني يستثمر الصوت والمحاورة والحركة والفعل والانفعال بأحسن صورة، ويخاطب العاطفة بلغة يفهمها القلب؛ ولهذا فهو يأخذ بسمع وبصر وقلب ودمع مستمعيه، ولازال أثر الشعر الحسيني في النفوس أبلغ، فلكل بيت من أبياته رنّة في وجدان مستمعه يسكر عليها، ويقوم لها كما يقوم لصلاته.

 


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا