بحوث موضوعية في العقيدة الإسلاميّة - شرح تفصيلى لشرح الباب الحادي عشر بصيغة سؤال وجواب (القسم الأول)

بحوث موضوعية في العقيدة الإسلاميّة - شرح تفصيلى لشرح الباب الحادي عشر بصيغة سؤال وجواب (القسم الأول)

نصدر بحثنا المتواضع الذي يكون بطريقة سؤال وجواب بالمقدمة التي كتبها الشارح وهو مقداد بن عبداللَّه محمد بن الحسين بن محمد الأسدي السيوري الحلي‏المتوفى سنة 826 هـ، ولأن في هذه المقدمة بعض النكات التي ترتبط بالبحوث المقبلة التي سنتعرض لها بعد ذلك.

الفقرة الأولى:

قوله: الحمد للَّه الذي دل على وجوب وجوده افتقار الممكنات، وعلى قدرته وعلمه إحكام المصنوعات ‏المتعالي عن مشابهة الجسمانيّات، المنزه بجلال قدسه عن ‏مناسبة الناقصات، نحمده حمدًا يملأ أقطار الأرض‏ والسّماوات، ونشكره شكراً على نِعَمه المتظاهرات‏ المتواترات، ونستعينه على دفع البأساء وكشف الضّراءِ في جميع الحالات.

والآن نستعرض هذه الفقرة المباركة بالتحليل الميسر أي: بطريقة سؤال ثم ‏نردفه بجوابه كما يلي:

 

س 1: ماذا يعني السيوري من افتقار الممكنات؟

ج: طبعاً سيأتي في الأبحاث القادمة إن شاء اللَّه تعالى أن أحد الأدلة على إثبات‏ وجوب الوجود للواجب سبحانه وتعالى أن الممكنات فقيرةٌ، وإذا ثبت أنها فقيرة، فهذا يعني أنها تحتاج إلى الغني، إلى الواجب سبحانه وتعالى، إذاً نعرف من هذا ان ‏أحد أدلة إثبات واجب‏الوجود هو افتقارُ عالم الإمكان وانه فقيرٌ إلى اللَّه سبحانه‏وتعالى وهذا لعلّه إشارة إلى الآية المباركة.

{يأيُّهَا النَّاسُ أنْتُمُ الْفُقَرآءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيد}(1).

حيث يؤكد ديننا هذه الحقيقة، وقد تسأل - عزيزى القارئ: بلماذا؟

لأنه سبحانه يستطيع بأقل من لحظةٍ واحدةٍ أن يفني كل شيء عن آخره كما لو حدث زلزال مدمر، وينشئ سبحانه وتعالى مكان ما دمر و هلك مجموعة بشريةً جديدة، وهل هناك فقرٌ أكبر من هذا الفقر؟ فالإنسان في وجوده وفي استمرار بقائه‏يحتاج إلى ربه، وهل هناك غَنى أكبر من غنى الرب؟ الذي لو شاء أذهبكم، وأتى‏بخلقٍ جديد؟ وهذا هيّن عليه ويسير.

ومَن أشد فقراً منّا، وقد أركزنا الربّ في العجز والضعف والمسكنة، لأنّ كلّ شيء عندنا منه سبحانه، يقول الإمام الحسين‏(ع)  في تضرعه المخصوص بيوم عرفة.

((الهي... أنا الفقير في غناي فكيف لا أكون فقيراً في فقري))

{وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}(2)

الغنى عادة ما يكون مع اللؤم، ولكنَّ اللَّه غنىٌ حميد، فهو غني ويعطي من غناه‏للآخرين، وهو غنىٌ لا يبخل على الآخرين، بل...{لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ}(3).

فلو كان الإنسان يملك خزائن اللَّه، وخزائن رحمته التي وسعت كل شيء لقبض ‏يده خشية الإنفاق، ولكن اللَّه سبحانه وتعالى حميدٌ يحمد على غناه.

فاللَّه يفيض نور الوجود من ينبوع رحمته الواسعة لحظة بلحظةً، ولو توقَّف هذا الفيض لحظةً واحدة لتوقف كلُّ شيء، فهل نحن أغنياء أم ربنا الحميد؟!

فلهذا يقول الشارح: الحمد للَّه الذي دل على وجوب وجوده افتقار الممكنات.

 

س 2: ما المراد من قوله: وعلى قدرته وعلمه إحكام المصنوعات؟

ج: طبعاً الواو التي دخلت على حرف الجر (على) هذه واو عاطفة على (دل)فتكون العبارة هكذا: ودل على قدرته وعلمه إحكام المصنوعات، أي: إن إحكام ‏المصنوعات، هذه الحكمة، هذا الإتقان، هذا النظام الذي نجده في عالم الوجود وفي‏عالم الطبيعة لهو دليلٌ على أن الخالق هو قديرٌ وهو عليم، أي: له قدرةٌ، وله علم، إذ لو لم يكن له علمٌ لما استطاع أن يَخْلُق وان يُوجِدَ العالم لا من شي.

 

س 3: إلى ماذا يريد السيوري أن يشير في قوله: المتعالي عن مشابهة الجسمانيات، المنزه بجلال قدسه عن مناسبة الناقصات؟

ج: لعله يريد الإشارة إلى الآية المباركة:

{لَيْسَ كَمِثْلِه شيء}(4).

ونتساءل: لماذا أضيف كاف التشبيه على (مثل)، في‏الوقت الذي كان يكفي أن‏يقال: ليس مثله شي؟ هل الكاف هنا زائدة كما قال المفسّرون؟ أم في المعنى لطفا بديعاً! نحن نميل إلى ألاّ ننسب الزيادة إلى كلام ربّنا، اللّهمّ إلاّ الّتي تكون للتأكيد، ولا معنى ظاهر للتأكيد هنا، فنعود ونتساءل: إذًا ما معنى الكاف؟ التفت بعض‏المفسرين إلى معنى المثل الذي يختلف ظلاله عن كلمة (ند) أو شبه أو مساوي أ‏و شكل، حيث أنّ ظلال كلمة المثل توحيى بجانب القيم والصفات والأسماء، بينما ظلال الند توحي بالتشابه في الجوهر، وظلال الشبه توحي بالتماثل في الكيفية، أما كلمة المساوي فتوحي بالتشابه في الكميّة، وإيحاء الشكل هو التماثل في‏المساحة(5).

فإذا قلنا: (ليس كمثله) أي لا يشابه صفاته وأسماءه أحد، فالكاف بمعنى‏التشبيه، والمثل بمعنى مجمل الصفات والأسماء.

وبتعبير آخر: أن كل ما في العالم أي: عالم الإمكان من الماديات من الجسمانيات‏وغير ذلك فهي ناقصة إلا الواجب سبحانه وتعالى فهو الكمال المطلق اللامتناهي، فلهذا قال: المتعالى عن مشابهة الجسمانيات المنزه بجلال قدسه عن مناسبة الناقصات.

 

س 4: عندما يقول: نحمده حمدًا يملأ أقطار الأرض والسماوات ونشكره شكرًا على‏نعمه المتظاهرات المتواترات، ماذا يريد من قوله هذا؟

ج: يريد أن يقول: نحمده حمدًا غير متناه كما ورد في الرواية انه أحمدك حمدًا بعدد علمك، وحيث أن علم الحق لا متناهي إذًا الحمد أيضاً يكون غير متناهي، وقد تسأل: بلماذا؟ فنقول: لان الحمد والشكر يكون على النعم الواردة منه سبحانه‏وحيث أن نعمه لا تحصى: { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا}(6)

فلماذا لا نشكر ربنا وهو الذي خلق السماوات والأرض، ثم خلق الإنسان من ‏نطفة، وأعطاه النطق ثم خلق الأنعام، والخيل والبغال والحمير، وانزل من السماء ماء على الأرض فأخرج لنا بواسطته أنواعا من الثمرات تحفها بركاته الكريمة على عباده، ولكن المتفكرين من الناس هم الذين يهتدون بهذه الآيات وسخر سبحانه الليل‏والنهار للإنسان، وأكثر من هذا سخر الشمس والقمر يعملان باستمرار، وجعل‏اللَّه ‏البحر بحيث يستفيد منه الإنسان في مواصلاته وسفراته وان يستفيد منه لحماً طرياً، كما أودع في قاعه أنواع الزينة ولو خرجت إلى البر رأيت الجبال التي تحافظ على‏تعادل الأرض وتمنع ميلانها، وأودع فيها مخازن المياه التي تتفجر انهارًا، كما جعل‏فيها طرقاً يسلكها البشر ويهتدي فيها بعلمه، ولعله يهتدي إلى ربه بذلك العلم.

انظر عزيزي‏القارئ إلى الطبيعة المخلوقة نظرًا جديدًا وعبريًا، فهل ترى غير نعم اللَّه تحيط بك؟ لماذا لا يهز ضميرك منظر المطر يهبط لك من السماء نعماء ورحمة، من الذي دفع ملايين الأطنان من مياه البحر بعد تصفيتها بالتبخير، ومزجها بأكسجين الفضاء، وبنتروجين الرعود، ونشره في كل جهة، من الذي جعل في‏الأرض الأملاح والخصوبة والبذور لتتحول الأمطار فيها إلى ثمرات مختلفة؟!

وآلاف بل ملايين النعم التي لا نحصيها لو أردنا تعدادها، وأنى ألقينا بنظرنا وجدنا آية عظيمة من آيات اللَّه وهي نعم عظيمة تحيط بنا، إن كل سنة الهية نعمة، وكل موهبة نعمة، وكل قدرة نعمة، وكل عضو بل كل جزء من عضو، بل خلية في بلايين الخلايا التي تشكل جسمي نعمة كبرى يعجز القلم عن‏ الإحاطة بها، فأي نعمة نحصيها؟

فالحمد للَّه الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصى نعماءه، العادون، كما قال‏أمير المؤمنين (ع) (7).

ولذلك علينا ان نشكر اللَّه على نعمه لأن الشكر يزيد النعمة وهذا يقتضى من‏البشر الاتصال بالمنعم وهو اللَّه سبحانه وتعالى لأنه لو لم يتصل به سبحانه، ويستعد استعدادًا كاملاً، لأحاط به مكر الشيطان وأرداه وأهلكه، فلا يصبح شاكرًا لأنعم اللَّه‏وجميل فضله.

وإذ وجد أن أكثر الناس غير شاكرين للَّه تعالى لأنهم في الواقع وقعوا فريسة لأساليب الشيطان الخبيثة حيث يربط النعم بنفسه، أو بالأولياء من دون اللَّه، فلهذا قال السيوري محترزًا عن الوقوع في الشباك الخبيثة للشيطان. ونشكره‏شكرًا على نعمه المتظاهرات المتواترات، ونستعينه على دفع البأساء وكشف الضراء في جميع الحالات.

 

الفقرة الثانية:

قوله: والصلاة على نبيه محمّد (ص) صاحب‏الآيات والبينات، المكمِّل بطريقته وشريعته سائر الكمالات وعلى آله الهادين من الشُّبه والضلالات، الذين اذهب اللَّه عنهم الرجس وطهرهم من الزلات، صلاةً تتعاقب عليهم، كتعاقبُ الآنات.

 

س 5: لماذا قال: أن النبي ‏(ص) مكملاً بطريقته وشريعته سائر الكمالات؟

ج: إن المراحل التأريخية شهدت ابتعاث عشرات الآلاف من الأنبياء الإلهيين في كثير من مناطق العالم، وقاموا بمهامهم خير قيام في هداية البشر وتربيتهم، وخلفوا آثارًا و معطيات مشرقة ومؤثرة في الشعوب، وقد قام كلٌ منهم بتربية جماعة على أساس المعتقدات الصحيحة والقيم العليا، وكان لهم تأثيرهم غير المباشر في الآخرين ووُفق بعضهم إلى إقامة مجتمع توحيديّ قائم على دعائم التوحيد والقسط والعدلِ وتولوا مهمةِ قيادته.

وقد تميّز من بين هؤلاء نوح وإبراهيم‏(ص) وموسى وعيسى‏(ص) بأن أنزل اللَّه‏عليهم كتباً سماوية مشتملة على الأحكام والقوانين الفرديّة والاجتماعية، والتعاليم‏والوظائف الأخلاقية والقانونية، الملائمة لظروفهم الزمانية والمكانيَّة، فوضعوها في‏متناول أيدي البشر، من أجل هدايتهم لما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة.

ولكن هذه الكتب إمّا أنّها اختفت تماماً، أو تعرّضت لتحريفات لفظيّة ومعنوية، ونتيجةً لذلك كلّه شوِّهت الأديان والشرائع السماويّة، كما تعرّضت توراة موسى‏(ع) ‏إلى تحريفات عديدة، ولم يبق من انجيل عيسى‏(ع) شيء إلّا ما كتبه بعض أتباعه من‏كتابات جُمِعت باسم (الكتاب المقدس).

ولو ألقى أيُّ منصف نظره على كتابي (التوراة والإنجيل) المتداولين ‏اليوم، فسوف يدرك بأنَّهما ليسا من الكتب النازلة على موسى وعيسى (ص).

فالتوراة اضافة إلى أنَّها صوَّرت اللَّه تعالى بصورة بشريَّة لأنَّه يجهل الكثير من‏الأمور والقضايا (انظر التوراة / سفر التكوين / الباب الثالث / الرقم 12 - 8 )وانه يندم على ما عمله كثيراً (انظر نفس المصدر / الباب السادس / الرقم 6 ) وانه‏يصارع أحد عبيده وهو يعقوب‏(ع) ولا يتمكن من أن يصرعه، وأخيرًا يتوسَّل‏إليه أن يكفَّ عنه حتى لا يرى الناس إلاههم في هذه الحالة المزرية (انظر نفس‏المصدر الباب 32 / الرقم 32 - 24 ) كما انّها تنسب الكثير من الأعمال ‏المنحرفة والبشعة لأنبياء اللَّه، فتنسب الزنا بالمحصَّنة - والعياذ باللَّه - لداود(ع) (انظر العهد القديم / كتاب صموئيل الثاني / الباب 11 ) وشرب الخمر والزنا بالمحارم ‏للوط(ع) (انظر التوراة / سفر التكوين / الباب 19 / الرقم 38 - 30 ) إضافة لذلك‏كلِّه فانَّ التوراة تذكر - بالتفصيل - حكاية موسى‏(ع) وكيفيَّة وفاته ومكانها (انظر التوراة / سفر التثنية / الباب 34). علمًا أنَّ التوراة نزلت على موسى نفسه!! ألا تكفي هذه النقطة وحدها لكي ندرك عدم صحة انتساب هذا الكتاب ‏لموسى (ع) ؟!

وأمّا الإنجيل فهو أسوأ حالًا من التوراة، إذ لا يوجد اليوم أيّ كتاب نزل على‏ عيسى‏(ع) وحتّى المسيحيِّين أنفسهم لا يدَّعون بأنَّ الإنجيل الموجود فعلاً هو الكتاب الذي أنزله اللَّه على عيسى (ع) بل إنَّ هذا الكتاب المتداول اليوم يشتمل‏ على بعض الكتابات المنسوبة إلى بعض أتباعه‏(ع) وهو بالإضافة إلى تجويزه ‏شرب ‏الخمر، فانَّه يعتبر صنع الخمر من معاجز عيسى‏(ع) ! (انظر انجيل يوحنا /الباب الثاني).

وبإيجاز... فانَّ ما نزل من وحي على موسى وعيسى (ع) قد تعرَّض ‏للتحريف، ولا يمكنه أن يقوم بدوره المنشود في هداية البشر.

وأما لماذا وكيف تمَّ هذا التحريف فله حكاية طويلة ليس هنا مكانًا للبحث‏عنها (انظر راه سعادت بالفارسية / للعلامة الشعراني ).

أجل... في القرن السادس بعد الميلاد للسيد المسيح‏(ع) وفي فترة طبَق فيها العالم كلَّه ظلام الجهل والظلم، وخمدت مشاعل الهداية الإلهيَّة في كلِّ أنحاء العالم، بعث ‏اللَّه خاتم أنبيائه وأفضلهم في أكثر المناطق تخلُّفًا وانحطاطًا وظلمة، ليشعل –وإلى ‏الأبد - مشعل الوحي الساطع لكلِّ الناس، وليحمل للبشر الكتاب الإلهيَّ الخالد المصون من التحريف والنسخ، مكملاً للرسالات السابقة قبل أن يمسها التحريف‏ والنسخ، وليعلِّم الناس المعارف الحقيقة والحكمة السماوية، والأحكام والقوانين‏الإلهيَّة، وليقود البشريَّة جمعاء باتجاه السعادة الدنيوية والاُخروية(8).

تصف أو عبرت فاطمة بنت محمّد (ص) عن المحيط الذي بعث فيه‏الرسول‏(ص) بقولها عن ابيها: (ابتعثه اللَّه إتمامًا لأمره، وعزيمةً على إمضاء حكمه، وإنقاذًا لمقادير حكمته، فرأى الأُمم فرقًا في أديانها، عكّفًا على نيرانها، عابدةً لأوثانها، منكرة للَّه مع عرفانها، فأنار اللَّه بأبي محمّد (ص) ظلمها، وكشف عن‏القلوب بُهمتها، وجلى عن الأبصار غِمَمَها، قام في الناس بالهداية، فأنقذهم‏من الغواية، وبصّرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى‏الصراط المستقيم«(9).

فعن طريقه‏(ص) وصلت الشريعة إلى جميع الكمالات، باعتبار انه ورد في الرواية انه مثل الأنبياء قبلي بهذا الشكل: انهم ‏(ع) بنوا بناءً فبقيت لبنة أو لبنتين كان من‏وظيفتي ان أُكمِل هذه اللبنة أو اللبنتين في هذا البناء الضخم، أي: الذي هو بناء الرسالة، فلهذا ورد عنه‏(ص) : (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) باعتبار أن ‏الأنبياء الذين سبقوه أيضا جاؤوا بمكارم الأخلاق ولكن تمام هذه المكارم، وكمالها إنما كان على يده‏(ص) وعلى يد أهل بيته عليهم أفضل الصلاة والسلام، فلهذا قال:المكمل بطريقته وشريعته سائر الكمالات، باعتبار ان تلك الكمالات وتلك المكارم لو لم يأت هو (ص) لم تكن لتكمل ولتتم.

 

س 6: كلمة (من) متعلق بماذا في قوله: وعلى آله الهادين من الشبه والضلالات؟

ج: متعلق بالهادين أي: الذين يهدون من الشبه والضلالات.

 

س 7: إلى ماذا يشير في قوله: الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهرهم من‏الزّلات؟

ج: يشير إلى الآية المباركة:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}(10).

 

س 8: ما هو التفسير لهذه الآية الشريفة بمقدار ما نريده؟

ج: أي: ان اللَّه سبحانه وتعالى يذهب الرجس عن أهل البيت‏ (ع) إذا كانوا ممن انتمى إلى الرسالة قلبًا وقالبًا، أما من إنتمى ظاهرًا بنسبه أو بسبب دون العمل ‏فهو غير طاهر لأن ما يطهر الإنسان هو الرسالة والعمل الصالح بِما يغيرانه من ‏سجايا الإنسان الباطنة والظاهرة فدخولك في هذا البيت أو خروجك منه لا يؤثر الا بقدر ما تستوعب من قيم هذا البيت ورسالته وسلوكه أو بالعكس، من هنا فإن‏لهذه الآية المباركة علاقة خاصة بقوله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(11)، فالسورة كلها تدور حول قضية القيادة الرسالية، المتجسدة أيام ‏الرسول ‏(ص) في شخصه، ومن بعده فيمن يمثل امتدادًا حقيقيًا لقيمه وقيادته، لاقتدائه به وهم أهل بيته الذين طهرهم اللَّه عن الرجس.

 

س 9: اذكر حديثًا لأمير المؤمنين‏(ع) يؤيد هذا الأمر؟

ج: قال الإمام علي بن أبي ‏طالب‏(ع) :(وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضر، وقد علمتم موضعي من‏رسول‏اللَّه‏(ص) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خلطة في فعل، ولقد قرن اللَّه به‏(ص) من لدن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك‏ به طريق المكارم، ومحاسن اخلاق العالم، ليله ونهاره، ولقد كنت اتبعه‏ إتباع الفصيل اثر امه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علمًا، ويأمرني ‏بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري، ولم‏يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول‏اللَّه‏(ص) وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، واشم ريح النبوة«(12).

ولم يكن هذا الحديث كلامًا كتبه الإمام (ع) في كتاب وأبقاه لتقرأه الأجيال، إنما هي خطبة القاها أمام عامة المسلمين، وصدقوه جميعًا، ولم يرد في التاريخ أن أحدا قد كذبه في ذلك.

 

س 10: ما هي العلاقة بين آية التأسي وآية التطهير؟

ج: العلاقة بينهما إنه كما تجب طاعة اللَّه والرسول على نساء النبي والمسلمين، تجب كذلك طاعة أهل ‏بيته الذين تعنيهم الآية وهم الأئمة (ع) الذين اذهب اللَّه‏عنهم الرجس، وطهرهم بالعلم والتقوى والعصمة.

 

س 11: ما المراد من الصلاة على النبي‏ (ص) وآله‏(ع) ؟

ج: المراد هو ما دعانا القرآن الكريم إليه للصلاة على النبي ‏(ص) الذي يصلي عليه اللَّه وملائكته حيث قال:{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(13).

لعل أصل معنى الصلاة هو التعطف والترؤف، أما الصلاة على النبي(ص) فهي الدعاء إلى ‏اللَّه بأن يرحمه، ويرفع درجته، ويبلغه المقام المحمود الذي وعده.

فصلاة المؤمنين التي وجبها الرب علينا في صلواتنا، وندب إليها في كل وقت، وبالذات عند ذكره‏(ص) فهي تعني الدعاء له، والتقرب إلى مقامه الكريم.

 

س 12: ما هي الحكم التي نحصل عليها من خلال الصلاة على النبي‏(ص) ؟

ج: إن الحكم التي نحصل عليها كثيرة - كما في التفاسير - وأبرزها:

أولاً: تصحيح عقيدة المسلم، ففي الوقت الذي يجب أن يعظم المسلم نبيه‏(ص) ‏لا يجوز أن يغلو فيه - كجعله آلهة تعبد من دون اللَّه فيمرق من الدين، نعم، يكرمه من‏خلال الدعاء إلى ‏اللَّه سبحانه لتبقى صلته الأولى بربه، ومن خلال توحيد اللَّه، وحبه‏الشديد يكرم المسلم الرسول ويحبه، وفي ذات الوقت تبقى علاقته بالرسول وسيلته‏للتقرب إلى اللَّه، ومن دون التسليم له‏(ص) ولمن أمر الرسول باتباعه، ومن دون‏حب‏الرسول وحب من أمر بحبهم لا يمكن أن يتقرب المسلم إلى ربه، هكذا تحمل ‏كلمات الصلاة على الرسول وآله إطار العقيدة الإسلامية وتعني المزيد من التقرب ‏ إلى ‏اللَّه ولكن بالرسول، والمزيد من حب‏الرسول، ولكن في‏اللَّه.

ثانيا: إن ذلك حق علينا تجاه الرسول الذي أجهد نفسه من أجل البشرية، وتحمل الأذى في سبيل هدايتها، حتى قال‏(ص) :

(ما أُوذيَ نبيٌّ قط بمثل ما أُوذيت).

وأبرز شكر نقدمه للنبي‏(ص) على ما نملك اليوم من الهداية والخير، اللذان كانا بسببه، يكون بالصلاة عليه و الدعاء له.

ثالثا: ان صلاتنا عليه تعود علينا بالنفع والخير، كما جاء في الدعاء للمؤمن، ففي‏الحديث قال الإمام الصادق‏(ع) :

(دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب يسوق الرزق، ويصرف عنه البلاء، ويقول له الملك: لك مثلاه)(14).

وحينما ندعوا اللَّه ان يرفع درجة عبده ورسوله من الناحية المعنوية والمادية فنحن أيضًا ترتفع درجاتنا كتابعين له.

جاء في الحديث المأثور عن الرسول‏(ص) :

(من صلى عليّ صلى اللَّه عليه وملائكته، فمن شاء فليقل ومن شاء فليكثر)(15).

ان الرسول هو قائدنا في الدنيا والآخرة، فكلما ارتفعت درجته، وعلا مقامه، فإن درجات المؤمنين به ترتفع وتعلوا.

رابعا: ان الصلاة على النبي‏(ص) من وسائل استجابة الدعاء، وقد يدعوا العبد ربه ألف مرة فلا يستجيب له حتى يصلي على محمدٍ (ص) يبدأ بها ويختم.

قال الإمام علي(ع) :

(لا يزال الدعاء محجوبًا حتى يصلّى على محمد وآل محمد)

فصلوات اللَّه عليك يا رسول اللَّه وعلى آل بيتك المعصومين صلاةً لاحد لها.

 

الفقرة الثالثة:

قوله: أما بعد، فانّ اللَّه تعالى لم يخلق العالم عبثًا فيكون من اللاعبين بل لغاية وحكمة متحقّقة للناظرين، وقد نصّ على تلك الغاية بالتعيين فقال:

{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(16).

 

س 13: ما المقصود من قوله هنا: فيكون من اللاعبين؟

ج: طبعًا هذه إشارة إلى قوله تعالى في القرآن الكريم؛

{ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ}(17).

ومن هذه الآية يتضح لنا هدفية الخلق.

لهذا ينظر المؤمن إلى الحياة نظرة عقلائية تنعكس على سلوكه الشخصي‏الاجتماعي وعلى تعامله الطبيعي، فهو يؤمن بالعدالة الالهية التي تحكم الخلق جميعًا، ويرى أنّ لكل شي هدفًا خلق من أجله، فللسماء هدف، وللأرض هدف، ولكل‏مخلوق هدف.

وانّ سنة الجزاء التي تتجلى في جميع أبعاد حياة البشر مظهر لتلك الهدفية، التي ‏يشير إليها ربّنا الكريم، وإنها ليست أمرًا شاذًا عن طبيعة الحياة، إنما هي نابعة من‏صميم الخلق، ذلك أن اللَّه خلق السموات والأرض لغاية سامية، الأمر الذي يقتضي‏الجزاء ويحتمه.

{ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ}

 إنما خلق اللَّه كل شي لهدف محدد، مهما كان ذلك الشيء صغيرًا وتافهًا في نظر الإنسان، وقد تقرر في علم الفسيولوجيا -وظائف الأعضاء- أنّ كل شي في الإنسان ‏يؤدى دورًا معينًا، ولا يكون الإنسان كاملًا إلّا به، حتى الشعرة الواحدة، بل حتى‏جزيء الخلية المتناهية في الصغر، فهل يعقل إذن أن يكون ربّنا قد خلق الإنسان ‏بأكمله عبثًا؟! كلّا... إنّ له هدفًا في الحياة، وهو مسؤول عن كل شي‏ء أمام ربه، ولكن‏هذه الحقيقة الواضحة تبقى غامضةً لدى الجاهلين والضالين.

{ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}

وعدم علمهم ليس لأنهم لا يرون الآيات الهادية إلى هذه الحقيقة، وإنّما لأنّ‏هذه الآيات لا تتحول في ضمائرهم وأذهانهم إلى بصيرة، ذلك أنّ نظرتهم إلى الحياة نظرة قشرية مجرّدة، وإنّما الذين ينظرون إليها ببصيرة الإيمان يهتدون إلى لبابها الحق.

 

س 14: هل نص اللَّه تعالى على تلك الهدفية والغاية بالتعيين؟

ج: نعم لقد نص سبحانه وتعالى على تلك الغاية بالتعيين فقال:

{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(18).

 

س 15: ما هو تفسير هذه الآية المباركة وماذا يستفاد منها؟

ج: طبعًا هذه الآية الشريفة تقع في سورة الذاريات التي محورها: أن الهدف‏ الأساسي من خلقة الجن والإنس هو عبادة اللَّه فان خاتمة السورة تبين ذلك بعد أن‏تمهد له بتوجيهنا إلى السماء كيف بناها ربنا بقوة، ولا يزال يوسعها، وإلى الأرض‏كيف فرشها، ومهدها لنا أفضل تمهيد، إلى سنة الزوجية في كل شي مخلوق، تذكرنا بالخالق الغني المقتدر.

فما هي الغاية الأسمى لخلق الجن والإنس؟

الخليقة سخرت للإنسان، الشمس والقمر، والسحاب والرياح، والسهل‏والجبل، والأنعام والطيور والأسماك و... و... كلها مسخرات للإنسان، أولا نتفكر ؟هل الممكن أن تكون خلقة البشر بلا هدف؟

كل شيء يخدم هدفًا، بل لكل جزئية من جزئيات وجود كل شيء غاية، أفيمكن‏ألّا تكون لوجود الإنسان - سيد مخلوقات كوكبنا - أية غاية؟!

أو يتخذ رب السماوات والأرض من الخلق لعبًا - سبحانه - وهو الغني الحميد، العليم الحكيم؟!

تعالوا إذًا نتفكر: هل خلق أي عضو من أعضاء أجسادنا عبثًا، حتى ولو كانت‏ قطعة من المصران، أو غدّة صغيرة، أو حتى خلية واحدة، وإذا كان الجواب بالنفي‏حسب كل معلومات الطب والفسلجة، فكيف يكون مجمل خلق الإنسان بلاهدف؟!

فما هو الهدف اذن؟

أو يكفي أن نجعل الهدف الطعام والشراب، دعنا نستنطق عقولنا، ووجدان‏قلوبنا؟! أو نقتنع من أنفسنا أن نأكل، ونشرب، ونتمتع، أو لأنّا نجد فراغا كبيرًا لابد أن نملأه بغير اللذات العاجلة.

إننا نسعى جميعًا نحو العلم والفضيلة، ونعطي لهما قيمة أسمى من قيمة الثروة والقوة، ونتسائل: ما هي أعلى درجات العلم؟ أو ليست معرفة اللَّه الذي نعرف به‏حقيقة أنفسنا، والواقع المحيط بنا، فمن دون معرفة اللَّه تبقى كل الأسئلة حائرة.

كذلك أسمى درجات الفضيلة تقوى اللَّه، وابتغاء مرضاته، والقرب منه.

وتتلخص معرفة اللَّه وتقواه في كلمة العبادة، التي يجعلها القرآن الكريم غاية خلقة البشر فيقول:

{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }

فما هي العبادة؟

قالوا: أصل العبودية الخضوع والذل، والتعبيد، التذليل، يقال: طريق معبّد(19).

ويبدو. لبعض المفسرين أن أصل معنى العبودية ليس التذلل والخضوع – كما قيل - بالرغم من أن ذلك من لوازمها، بل صلاح الشيء بحيث يكون مهيأ للاستفادة أو بتعبير آخر، عدم وجود ما يمنع الانتفاع منه، ولذلك قيل سفينة معبّدة وإنما سمي‏الطريق معبدًا لأنه خال من الثغرات والعثرات، وإلا فان كل الطرق وكل الاراضي ‏خاضعة وذليلة، وإنما سمي الرقيق عبدًا لأنه لا يمتنع عن‏طاعة مولاه، وهكذا يكون أصل الكلمة الطاعة والتسليم.

فما معنى عبادة اللَّه وما هي أبعادها؟

هنالك حقائق لابد أن نعرفها لكي نعرف شيئاً عن عبادة اللَّه:

أولا: اولئك الذين يخضعون لغير اللَّه، ويتخذون أهواءهم إلاههم من دون‏اللَّه، أو يعبدون الطغاة والمترفين، أو يقدسون التراث والتقاليد إنهم بعيدون عن هدف‏الخلق، لأن عبادة اللَّه تعني تحرير الإنسان من الشركاء من دونه، وعبادة اللَّه تعني‏القبول بمناهجه وقيمه، وتعني نبذ المسلّمات الثقافية التي يؤلهها الناس، ويعتبرونها مقدّسة لا يحوم حولها ريب، ولا يقترب إليها التفكير، ولا يتناولها النقاش، تلك‏المقدسات الموجودة في كتب الكهنة، والتي يحكم على من يخالفها بالخروج عن المجتمع، ويجازى بأشد العقاب.

وعبادة اللَّه تعني بالتالي رفض سلطة رؤساء العشائر ووجهاء البلد، وأصحاب‏ الثروة والقوة، لذلك كانت ردود الفعل التي ينبغي للمسلمين اتخاذها هي: الرفض‏المطلق خصوصًا وان المستكبرين والمفسدين يوهمون الناس أبدًا بأن التقدم والرفاه‏ والأمن والإزدهار وحتى الرزق الطبيعي الذي يوفر لهم كل ذلك جاء نتيجة الكيان‏الاجتماعي والنظام السياسي والإقتصادي الذي يشرفون على تسييره، فلو تزلزل‏الكيان وانهدم النظام فان كل الخيرات مهددة بالزوال هي الأخرى، من هنا: حينما أُهلكت عاد، وبنَت ثمود مدينتها فبعث اللَّه إليهم واحدًا منهم (صالحًا) ودعاهم إلى ‏توحيد اللَّه ونبذ الشركاء من دونه، وبين لهم ان مدينتهم ليست من عمل الشركاء بل‏من نعم اللَّه، فهو الذي انشأهم واستعمرهم في الأرض، وان عليهم ان يستغفروه، ويصلحوا أخطائهم الماضية، وان يتوبوا إليه فيعملوا في المستقبل بهداه فإنه قريبٌ ‏يسمع استغفارهم و مجيب يحقق طلباتهم، ولكنهم رفضوا رسالة صالح لا لأنهم‏شكوا فيه وفي امانته واخلاقه، ولا لأنهم لم يفقهوا أبعاد الرسالة، بل لأنهم تعصبوا لآبائهم، وقال صالح، انه على بينة واضحة، وان اللَّه سبحانه قد منح له فضلًا منه‏ورحمة فهو لا يترك ربه ليسمع كلام قومه الذين لا يزيدونه غير خسارة وضرر.

لذلك ذكرهم رسولهم صالح‏(ع) بأن الخيرات إنما هي من اللَّه الذي أنشأئهم، وجعلهم قادرين على عمارة الأرض.

{ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا }

فاللَّه هو الذي أودع في البشر الطموح وأعطاه القدرة، وطوّع له ما في الأرض، وتلك هي شروط عمارة الأرض وبناء المدينة، وليس النظام الفاسد سوى سارق‏لخيرات الناس، وهادٍ لهم إلى الهلكة، ولولا رفض الناس للنظام الفاسد، وعودتهم‏ إلى الطريق المستقيم فإن المدينة مهددة بالفناء.

{ فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ}(20).

فمن أسماء اللَّه الحسنى، وكذلك من نعمه الكبرى هي انه سبحانه وتعالى فتح أمام‏ الناس باب الإستغفار والتوبة، واعطى الناس القدرة على تصحيح مسيرتهم الضالة، وتطهير آثار الماضي الفاسد، كما أعطاهم الفرصة لفتح صفحة جديدة مع اللَّه، ومع‏سنن‏اللَّه.

جاء في الحديث المأثور عن الإمام الصادق‏(ع) :(إن اللَّه عز وجل ما خلق‏العباد إلّا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فاذا عبدوه استغنوا بعبادته عن‏عبادة من سواه) فقال له رجل: يا ابن رسول‏اللَّه! بأبي أنت وأمي فما معرفة اللَّه؟قال:(معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي تجب عليهم طاعته)(21).

وبحسب هذا الحديث يكون تحرّر الإنسان عن عبادة غير اللَّه الغاية الأسمى ‏للخلق، كذلك نجد توحيد اللَّه المحور الرئيسي لكل سور الذكر وآياته.

ثانيًا: ان عبادة اللَّه لاتتم إلّا بمعرفته، وان معرفته لا تكتمل إلا بعبادته، لأن في‏معرفته التزلف إليه، والتقرب من رضاه، ولذلك جعلت معرفة اللَّه أو معرفة آياته‏هدفًا من أهداف الخلق حسبما قرأنا في القرآن الكريم، كقوله تعالى:{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}(22).

ولكن كيف يمكن بلوغ كمال المعرفة الالهية، من دون التسليم له، وطاعته، وعبادته، علمًا بأن معرفته لاتكون إلّا به، وكيف يكون غيره دالاً عليه، وبنوره‏أشرقت السماوات والأرض، أو يكون لغيره من الظهور ما ليس له حتى يكون هو المظهر له سبحانه؟!

وهو لا يمنح معرفته إلّا لمن سلم له، وعبده وحده، وهكذا تكون العبادة هدفًا للخلق لأنها السبيل إلى المعرفة.

لذلك تجد - عزيزى القارئ - رسالات السماء تؤكد أولًا وقبل كل شي‏ء على‏الوصية بعبادة اللَّه، ففي القصص التي سبقت قصة شعيب بدأ كل نبي حديثه مع قومه‏بهذه الكلمة، إعبدوااللَّه.

{ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}(23).

فماذا تعني عبادة اللَّه؟

عبادة اللَّه لا تعني مجرد التسليم النفسي له، بل ويجب التعبير عن صدق هذا التسليم عمليًا في صورة الكفر بالطاغوت والتمرد ضد النظام السلطوي الذي يتّخذ من القوة أداة للسيطرة والقهر، وبالتالي الانتفاضة ضد كل حكم لا شرعي.

إن أنبياء اللَّه‏(ع) كانوا يهدفون إلى تغيير النظام السياسي في المجتمع، من‏نظام شركي قائم على أساس الحاكم والمحكوم، إلى نظام توحيدي يقوم على‏أساس رفض الحاكميات جميعًا سوى حاكمية اللَّه الحي القيوم.

ورفض أيّ نظام سياسي باطل لا يعني الفوضوية بل إقامة كيان سياسي صحيح‏مكانه، ذلك هو كيان التوحيد القائم على رسالة بينة ينتفع بها المجتمع، يؤمنون بها ويخضعون لها.

ولكي يحصل المسلم على أعلى مراتب القرب والزلفى لابد أن يصل إلى درجة اليقين باللَّه سبحانه وتعالى عن طريق إدامة العبادة لهذا قال تعالى:

{ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}(24).

إذ لا غاية للعبادة إلا لقاء اللَّه، وأفضل تطلع للإنسان المسلم أن يختم حياته بخير وقد وصّى يعقوب بنيه قائلا:{وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} وسمى الموت باليقين‏، لأنه يكشف للبشر الحقائق العادية حتى يحصل منها على يقين كامل، والخطاب ليس ‏فقط للرسول بل لكلّ قارئ، أولم ينزل القرآن على لغة(إياك أعني واسمعي ‏ياجارة).

وكلما عرف الإنسان ربه بالتقرب إليه من خلال العبادة، كلما عرف نفسه‏بصورة أكمل، فهاتان معرفتان متقابلتان، وسبب المقابلة إن‏اللَّه هو خالق الإنسان، فإيمانه بالإله الخالق يدعوه للإيمان بالعبد المخلوق، مما يجعله عارفاً بهدي عبوديته ‏وضعفه، أو محدوديته وضيق أفقه، وبين الأمرين (معرفة اللَّه، ومعرفة النفس)تتنامى نحو التكامل الشخصية الايمانية لدى الإنسان المؤمن.

 

الفقرة الرابعة:

قوله: فوجب على كل من هو في زمرة العاقلين‏ إجابة رب‏العالمين، ولما كان ذلك متعذِّرًا بدون معرفته ‏باليقين، وجب على كل عارف مكلّفٍ تنبيه الغافلين، وإرشاد الضّالّين، بتقرير مقدمات ذوات افهام وتبيين.

 

س 16: ماذا يريد السيوري من قوله: فوجب على كل من هو في زمرة العاقلين‏اجابة رب‏العالمين؟

ج: أي؛ المخاطب بقوله: انه من الجن والإنس إذا كان من الغافلين فإنه يجب‏عليه ان يجيب رب‏العالمين حيث قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(25) فإذا كان يجب عبادة اللَّه سبحانه وتعالى لأنه الغاية، إذًا لابد أن يعبد.

 

س 17: هل يمكن ان تتحقق العبادة بلا معرفة؟

ج: طبعًا لا يمكن القيام بالعبادة لموجود لا يُعرف، لان معرفة اللَّه سبحانه‏وتعالى حكمة الوجود الإنساني والخلقة البشرية، وعلة ذلك عروج الإنسان بهذه‏المعرفة إلى معارج الكمال والجمال.

قال الإمام علي‏(ع) :

(معرفة اللَّه سبحانه وتعالى أعلى المعارف)(26).

وقال‏(ع) :(ثمرة العلم معرفة اللَّه)(27).

وتشكل هذه الحقيقة بالنسبة إلى المؤمن ثمرة عقله، لأنه يستفيد من كل حدث ‏جديد وحالة متغيرة في ذاته معرفه متجددة بربه، فكلما أشرقت الشمس سبح‏ اللَّه ‏على تسخيره هذه الكرة الملتهبة لمصلحة الإنسان، وإذا غربت واستوى الظلام فوق‏الكوكب حمد اللَّه الذي آوى الخلائق في ضمير الليل الساكن: فقد جاء في قوله تعالى:

{ وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ، لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ}(28).

يذكرنا السياق في هذه الآيات بأنّ ما أوتينا من نعم الحياة لابدّ أنّ يهدينا إلى ‏معرفة ربنا والتقرب إليه، فنعمة الزوجية وسيلة لمعرفة اللَّه، كيف؟ فلقد خلق ربّنا من‏كلّ شي‏ءٍ زوجين أثنين ليعرّف كل شي بعجزه وحاجته، حتى لا يشعر أيّ مخلوقٍ ‏بالإستغناء فيطغى، وليبيّن له أنّه مخلوق يحتاج إلى قرينٍ يكمّله، وكما حاجة الإنسان‏ إلى الزوج كذلك حاجة الإنسان إلى الأشياء وأن لا حياة من دونه، فالإنسان بحاجةٍ إلى دابةِ وسفينة إذا أراد قطع الفيافي والبحار، وحاجته دليل عجزه، وشاهدة على‏غنى ربّه، ولكن بدل أن يعطي اللَّه للإنسان جناحين يطير بهما، أو أرجل سريعة يسابق بهما الريح، أو أُذنَين حادّتين كما أذني الحصان بدل كل ذلك زوده بهبة العقل ‏يستطيع أن يسخّر بها الأشياء فتراه يصنع السفينة، ويمتطي صهوة الطيارة والصاروخ بل ويسخّر حتى الأحياء من حوله لخدمته، كالأنعام، والكلاب، والدلافين و... و...

ولولا هبة العقل هل كان يستطيع ذلك؟ كلّا ألم تر كيف يقود طفلٌ قطيعاً من‏ الإبل ؟

لذلك عندما يمتطي الإنسان صهوة فرسه، أو يستقلّ متن سفينةً، عليه أنّ‏يذكر اللَّه فيقول:

(سُبْحانَ اللَّه الَّذِى سَخَّرَ لَنا هذا، وَما كانَ لَنا أَن نَسخَرَها إلاّ بِإِذْنِهِ‏سُبْحانَه).

والإسلام ربطنا بالطبيعة من حولنا، فهناك دعاء لركوب الدّابة، ودعاء لظهور الهلال، ودعاء إذا سمعت الرعود، و... و...، وقد كان رسول‏اللَّه‏(ص) يتعبّد للَّه، وينظر إلى النجوم متفكرًا فيها، ويتلو هذه الآيات:{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(29).

أن أول ما يستفيده الإنسان المؤمن معرفة الحكمة والهدف من الحياة وهي‏معرفة الخالق والسلطان العظيم الذي لانفاذ لسلطانه ولا أمد لملكه ولاحدّ لقدرته، أما الدنيا فزائلة فانية.

وحين يصبح قلب المؤمن خشوعًا منيبًا ببركة الاتصال باللَّه، آنئذ يتضح له بان‏ نعم الدنيا الزائلة على عظمتها تصبح لا شي مقابل معرفة اللَّه الباقية، لان القلب‏المعمور بحب ‏اللَّه يبقى على شاكلته في القبر والبرزخ والمعاد وفي الجنة، إضاقة إلى أن ‏أعظم نعمة يسبغها الرب على أهل الجنان هي نعمة معرفته سبحانه وتعالى، فقد جاء في حديث شريف عن الإمام الرضا (ع) :

(لو يعلم الناس ما في فضل معرفة اللَّه عزّ وجلّ مامدوا أعينهم إلى ما متع اللَّه به الاعداء من زهرة الحياة الدنيا وتعميمها وكانت دنياهم أقل‏عندهم مما يطؤونه بأرجلهم، ولنعموا بمعرفة اللَّه جلّ وعزّ وتلذّذوا بها تلذّذ من لم يزل في روضات ‏الجنان مع أولياء اللَّه.

إن معرفة اللَّه عزّ وجلّ آنس من كلّ وحشة، وصاحب من كلّ وحدة، ونور من كلّ ظلمة، وقوة من كلّ ضعف، وشفاء من كلّ سقم)(30).

 

س 18: متى تتحقق العبادة، وبأية درجة؟

ج: طبعًا من الواضح أن العبادة لا تتحقق إلا بمعرفة رب‏العالمين، إلا بمعرفة اللَّه‏سبحانه وتعالى فلهذا قال: ولما كان ذلك يعني إجابة رب ‏العالمين بالعبادة متعذرًا بدون معرفته أي: بدون معرفة الواجب باليقين.

 

س 19: كيف يمكن الوصول أو الحصول على درجة علم اليقين؟

ج: إذا أسلمت النفس البشرية لهدى اللَّه آمنت، وإذا طهرت من الشكوك‏والظنون أوتيت اليقين، ولليقين درجات، وما أوتي الإنسان أشرف من اليقين، هكذا جاء في الحديث المأثور عن الإمام الباقر (ع) حيث قال:

(إنما هو الإسلام، والإيمان فوقه بدرجة، والتقوى فوق الإيمان بدرجة، واليقين فوق التقوى بدرجة، ولم يقسم بين الناس شي أقل من اليقين) قال‏الراوي ‏قلب: فأي شي اليقين؟ قال:(التوكل على اللَّه، والتسليم للَّه، والرضا بقضاء اللَّه، والتفويض إلى ‏اللَّه)(31).

هكذا جعل الإمام أسمى درجات الإيمان وأشرفها اليقين، مما يدلّ على أن اليقين‏هو: طهارة القلب من دنس الشرك والشك والظنون، وسائر وساوس إبليس‏وهمزاته.

وجاء في حديث آخر تفسيرُ اليقين بالتغلب على خوف المخلوق، قال الإمام الصادق‏(ع) :(ليس شي إلّا وله حدّ) فقال الراوي: فما حدّ التوكل؟ قال ‏الإمام ‏(ع) : (اليقين) فقال السائل: فما حدّ اليقين؟ قال الإمام‏(ع) : (ألاّتخاف مع‏اللَّه شيئًا)(32).

واليقين يجعل عمل المؤمن مقبولًا، بل ويعظم ثوابه، يقول الإمام الصادق‏(ع) :(إن العمل الدائم القليل مع اليقين أفضل عند اللَّه من العمل الكثير على‏غير اليقين)(33).

أرأيت الذي يصلي وقلبه متصل بنور اللَّه، ونفسه طاهرة من الرياء، والعجب، والاستكبار، ويجاهد، ونيته للَّه وحده، كمن يصلي وقلبه ملي بالوسواس، ويزكي‏رياءً، ويجاهد للاستعلاء في الأرض؟!

لذلك كان أئمة الهدى (ع) يجأرون إلى ‏اللَّه في طلب الزيادة من اليقين، ويحثّون‏ أتباعهم على مثل ذلك، هكذا جاء في الحديث، كان علي بن الحسين (الإمام ‏زين‏العابدين‏(ع) ) يطيل القعود بعد المغرب يسأل اللَّه اليقين(34).

ولا يبلغ الإنسان درجة اليقين إلا بعد العروج في درجات التسليم والإيمان ‏والتقوى وكلها تقتضي المزيد من العمل الصالح والخالص لوجه‏اللَّه والمنبث على‏سائر جوارح البدن، وجوانح النفس، وحتى بعد الحصول على اليقين عليه أن يسعى جاهدًا حتّى يتجاوز عقد الشّك والارتياب بالتفكر والتعلم والدعاء.

ألا ترى كيف سعى ابراهيم نحو اليقين حين سأله ربه سبحانه قائلا:

{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} فلما قال له ربه {أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} ولم يكن في قلبه ذرة شك ولكنه حسب حديث مأثور عن الإمام ‏الرضا (ع) (أراد من اللَّه الزيادة في يقينه)(35).

وعلامة صدق اليقين دوام الاستقامة على صراط الحق، وألا يتخذ الإنسان ‏وليجة من دون اللَّه ورسوله، ويكون مستعدًّا لكل تضحيةٍ وفي كل موقع.

 

س 20: ما هي أقسام درجات اليقين؟

ج: قسم بعضهم درجات اليقين إلى ثلاث.

الف: علم‏اليقين، وضرب مثلًا له كمن يعلم بوجود النار لما يراه من ضوئها أو دخانها.

باء: حق‏اليقين ومثله كمن يرى النار بعينه مشاهدة.

ج: عين اليقين مثل الذي يلامس النار فيحس حرارتها.

وهذه الدرجات إذا وصلها الإنسان فإنه يبلغ حدًا يجعله يعايش الغيب بكل‏جوارحه، كما هو أمير المؤمنين (ع) وحق له ان يقول ‏(ع)

(واللَّه لو كشف لىَّ الغطاء ما ازددت يقينًا)(36).

أو كقوله‏(ع) :

(ما رأيت شيئًا قط إلا ورأيت اللَّه قبله ومعه وبعده)

أو كقوله‏(ع) :

(الهي ما عبدتك خوفًا من نارك، ولا طمعًا في جنتك، وانما وجدتك‏أهلًا للعبادة فعبدتك)

ويقول‏(ع) في وصفه للمؤمنين:

(فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذّبون)(37).

جاء في الكافي، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، وعليُّ، عن أبيه، عن ابن‏محبوب، عن أبي‏محمّد الوابشي وإبراهيم بن مهزم، عن إسحاق بن عمّار قال: سمعت‏أبا عبداللَّه‏(ع) يقول:

(إن رسول‏اللَّه‏ (ص) صلّى بالناس الصبّح فنظر إلى شاب في المسجد وهو يخفق ويهوي برأسه، مصفرًا لونه، قد نحف جسمه، وغارت عيناه في‏رأسه، فقال له رسول‏اللَّه‏(ص) كيف أصبحت يا فلان؟ قال: أصبحت يا رسول‏اللَّه! موقنًا، فعجب رسول‏اللَّه من قوله: وقال له: إنَّ لكلِّ يقين حقيقة فما حقيقة يقينك؟

فقال: إنَّ يقيني يا رسول‏اللَّه هو الَّذي أحزنني، وأسهر ليلي وأظمأ هواجري، فعزفت نفسي عن الدُّنيا وما فيها حتّى كأنّي أنظر إلى عرش ربّي‏وقد نصب للحساب، وحشر الخلايق لذلك، وأنافيهم، وكأنّي أنظر إلى أهل ‏الجنّة يتنعّمون في‏الجنّة ويتعارفون على الأرائك متّكئون، وكأنّي انظر إلى ‏أهل النار وهم فيها معذَّبون مصطرخون، وكأني الآن أسمع زفير النار يدور في مسامعي.

فقال رسول‏اللَّه‏ (ص) هذا عبد نورَّ اللَّه قلبه بالايمان، ثم قال له: الزم ما أنت عليه، فقال الشاب، ادع‏اللَّه ليَّ يا رسول‏اللَّه أن أُرزق الشهادة معك، فدعا له رسول‏اللَّه‏(ص) فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبي‏(ص) ‏فاستشهد بعد تسعة نفر و كان هو العاشر«(38).

 

* الهوامش:

(1)  سورة فاطر آية 15.

(2) سورة فاطر: 15.

(3)  سورة الاسراء آية 100.

(4)  سورة الشورى آية 11.

(5) تفسير نمونة ح 20 ص 372.

(6)  سورة ابراهيم آية 34.

(7)  نهج ‏البلاغة خطبة 1.

(8)  دروس في العقيدة الاسلامية ج 2 ص 111.

(9)  الاحتجاج / ج 1 ص 99.

(10)  سورة الأحزاب آية 33.

(11) سورة الأحزاب: 21.

(12)  نهج ‏البلاغة / خ 134 / ص 200.

(13)  سورة الاحزاب آية 56.

(14)  بحار الأنوار / ج 93 / ص 388.

(15)  تفسير البصائر / ج 32 / ص 628.

(16) سورة الذاريات: 56.

(17)  سورة الدخان آية 38.

(18)  سورة الذاريات آية 56.

(19)  القرطبي ج 17 ص 56.

(20)  سورة هود آية 61.

(21)  تفسير البصائر ح 41 ص 134 نقلًا عن علل الشرائع.

(22)  سورة الطلاق آية 12.

(23)  سورة الاعراف آية 85.

(24)  سورة الحجر آية 99.

(25) سورة الذاريات: 56.

(26)  غرر الحكم.

(27)  غرر الحكم.

(28)  سورة الزخرف الآيات 14 - 12.

(29)  سورة آل عمران آية 191 - 190.

(30)  ميزان ‏الحكمة ج 6 ح رقم 11937.

(31)  بحار الأنوار ج 6 ص 218.

(32)  نفس‏ المصدر ح 70 ص 142.

(33)  نفس‏ المصدر، ص 147.

(34) نفس المصدر ص 176.

(35)  نفس ‏المصدر ص 177.

(36)  ميزان ‏الحكمة ج 10 حديث رقم 2230.

(37)  نهج‏ البلاغة خ 193 ص 303.

(38)  بحار الأنوار ج 70 ص 159.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا