بحوث موضوعية في العقيدة الإسلامية - شرحٌ تفصيليٌّ لشرح الباب الحادي عشر بصيغة سؤالٍ وجوابٍ (القسم الثالث)

بحوث موضوعية في العقيدة الإسلامية - شرحٌ تفصيليٌّ لشرح الباب الحادي عشر بصيغة سؤالٍ وجوابٍ (القسم الثالث)

س 41: ما هي نظرة البشر إلى الدين والكفر؟

ج: نظرتهم أن الدّين والكفر قديمان، فكما كان منذ القدم رجالٌ صالحون ‏ملتزمون بالدّين كان آخرون يكفرون به، فإذا كان كلّ قديمٍ رجعيةً فإنّ الكفر هو الآخر قديمٌ! وهذه الأفكار التي يروّجها الجاهليّون باسم التقدّمية موغلةٌ في‏الرجعية، إذ أنّها تدعو إلى حالة البدائية، حيث لم يكن لدى أهلها التزامٌ بالقيم ‏والعادات الصالحة، وهذا الذي يكفر بالبعث ويدّعي أنّه من أساطير الأوّلين سوف‏ يحشر مع أولئك الكفار من الأوّلين، حتى يتبيّن له أن الكفر -وليس الدّين- هو من‏أساطير الأولين.

س 42: لماذا سُمي هذا الفن بأصول ‏الدين؟

ج: طبعًا الجواب واضحٌ باعتبار أنه إذا فرضنا أن هذه المعارف هي الأساس ‏وأن الشريعة هي البناء، فلا شك أن البناء -أي الشريعة- سيقع على الأساس   -وهي‏المعارف- فالدين والشريعة بمنزلة الفروع وهذه المعارف بمنزلة الأصول فلهذا تسمى هذه الأصول بأصول‏الدين، وتسمى تلك ‏المعارف المرتبطة بالشريعة والطريقة بفروع الدين، لهذا قال: (وسُمّي هذا الفن) وهو الباحث عن معرفة اللَّه،عن صفاته سبحانه، عن النبوة، عن الإمامة، عن المعاد، بـ (أصول‏الدين، لأنّ‏سائر العلوم الدينيّة) الأخرى (من الحديث والفقه والتفسير واللغة وغير ذلك من العلوم التي توجد في دين من الأديان، ولا أقل في ديننا هذا كلها (مبتنيةٌ عليه) أي: على هذا الفنّ الذي هو فن أصول‏الدين، (فإنّها) يعني: سائر العلوم ‏الدينية (متوقفةٌ على صدق الرسول، وصدق الرسول متوقفٌ على ثُبُوتِ ‏الْمُرْسِل وصفاته وعدله وامتناع القُبح عليه).

س 43: ماذا يريد السيوري هنا مِن التوقف على صدق الرسول وأن صدقه متوقفٌ ‏على ثبوت المرسِل وعلى صفاته وعدله وامتناع القبح عليه؟

ج: يتضح مراده هذا من خلال التوضيح التالي:

إذا أردنا الرجوع إلى كلام الإمام الصادق (ع) لابد وأن ‏يَثْبُتَ أنه إمامٌ معصومٌ، والإمام المعصوم متى يثبت؟ لا بد وأن يثبتَ أنه منصوبٌ من ‏قِبَلِ النبي‏(ص)، ومتى تثبت نبوة هذا النبي؟ طبعاً لا بد وأن يثبت عندنا بدليل من‏ خلال العقل وببرهان من العقل، وإلا لا يمكن أن تعتمد على القرآن الكريم لإثبات ‏النبوة في النبي ‏(ص)، وقد يسأل شخص لماذا؟ باعتبار أن القرآن جاء به هذا النبي‏ (ص) وقال: إن هذا كتاب الله، فلعله كما يتصور البعض -معاذ الله- أنه ليس ‏بكتاب ‏الله، إذن، لا بد من أجل إثبات أنه نبي نحتاج إلى طريقٍ آخر غير الكتاب الكريم‏ و هو ما يُبحث هنا، أي: ما يبحث في فن أصول‏ الدين.

وهكذا الواجب سبحانه وتعالى كيف نثبته؟

هل نثبته بالكتاب؟ طبعاً لا يمكن.

ومتى يثبت هذا الكتاب الكريم؟

إذا ثبت أن هناك واجبٌ، ولا يمكن أن نثبت الواجب بهذا الكتاب لأنه دورٌ واضحٌ.

فإذا كان هناك واجب ‏الوجود هو الله سبحانه وتعالى وأرسل إلينا عن طريق ‏نبيه كتاباً يسمى القرآن الكريم.

وإذا أردنا إثبات وجود الواجب بما يقول القرآن الكريم.

إذن لابد من إثبات واجب ‏الوجود أولاً وبعد إثباته، يأتي دور إثبات نبوة النبي،وإن من لطف ‏الله على عباده أن يرسل نبياً، هذا ثانياً.

وإذا أرسل نبياً فلا بد وأن يعطيه معجزةً، فإذا أثبتنا إعطاءه معجزةً، فما هي‏المعجزة؟ ثم نحتاج إلى حافظٍ لهذه ‏الرسالة وهو المعصوم (ع).

ثم نحتاج إلى أن الله تعالى يُجازي هذا المكلف بأعماله وحيث أنها ليست في‏الدنيا، إذن لابد وأن تكون في الآخرة، لهذا لابد من إثبات المعاد كما يجب إثبات ‏ما تقدم، وهذه هي المعارف الأساسية عند الإمامية.

قال السيوري: (فإنها) أي: فإن سائر العلوم الدينية (متوقفةٌ على ‏صدق ‏الرسول) وصدق ‏الرسول متوقفٌ على ماذا؟ قال: (وصدق الرسول‏متوقفٌ على ثبوتِ الْمُرْسِل) وهو الله سبحانه وتعالى، فلهذا تجدون السيد الشهيد الصدر(قده) كتب كراساً في مقدمة الفتاوى الواضحة بعنوان  المُرْسِل والرسول ‏والرسالة، أي أنه (قده) أثبت أولاً المُرْسِل ثم قال: إن لهذا المُرسِل ‏رسولٌ وهو النبي، وبعد إثبات النبي، قال: إن هذا النبي له رسالة لابد من تبليغها إلى‏ الناس.

طبعًا الإمامة من توابع النبوة (يعني إذا ثبتت النبوة فإنه بتبعها تثبت ‏الإمامة، وإذا ثبتت الرسالة فإنه بتبعها أيضاً يثبت المعاد، لأن الرسالة تأتي ‏إليها، فالفوز لمن اتبعها والخسران لمن عاقها، وهذا يعني وجود ثوابٍ ‏وعقابٍ، وحيث أن الثواب والعقاب ليس في الدنيا، إذن يلزم أن يكون في‏عالمٍ آخر وهو عالم الآخرة، ففيها يتحدد المصير الذي يستحقه العبد -سيأتي‏التفصيل إن شاء الله تعالى-)

فصدق الرسول متوقفٌ على ثبوت المُرسِل (و) متوقف على (صفاته) أي: على‏ صفات المُرسِل، (و) متوقف على (عدله) أي: على عدلِ المُرسِل (وامتناع القُبح‏ عليه) أي: على المُرسِل، هذه هي التي سنبحثها إن شاء الله بعد ذلك.

س 44: ما هو المراد من علم الأصول هنا؟

ج: يعني هذا الفن الذي يبحث في أصول ‏الدين، وليس المراد منه - أي ليس ‏المراد من علم الأصول هنا - يعني: علم أصول الفقه الذي يُبحثُ في مقابل علم الفقه،وإنما نريد هنا من علم الأصول يعني: هذا العلم الذي يُبحث فيه أصول ‏الدين، يعني:يُبحث فيه ذلك الأساس الذي تبتني عليه كلُ معارف ‏الدين.

لهذا يقول السيوري:

(وعلم الأصول) ما هو؟ قال: (وهو ما) أي: وهو الذي (يُبْحَثُ فيه) أي: في‏ذلك العلم الذي عبر عنه قبل ذلك بالفن، وهو ما يبحث فيه (عن وحدانية الله تعالى وصفاته وعدله، ونبوة الأنبياء (ع)، والإقرار بما جاء به النبي‏(ص)‏ وإمامة الأئمة (ع)، والمعاد).

وهذه هي الأصول الخمسة المعروفة في عقائد الإمامية.

الفقرة السادسة:

وهي في الأمر الثاني ويقع في بيان دليل العقل ‏والنقل على وجوب معرفة أصول ‏الدين قال: أي الماتن ‏وهو العلامة (قده):

(أجمع العلماء كافةً على وجوب معرفة الله تعالى، وهو الأصل الأول، ووجوب معرفة صفاته الثبوتية ‏والسلبية وما يصح عليه وما يمتنع عنه والنبوة والإمامة والمعاد.)

فيما يرتبط بمعرفة الله وصفاته دخل الأصل الأول والأصل الثاني وهو: التوحيد والعدل، والثلاثة الباقية هي النبوة والإمامة والمعاد فالمجموع خمسة.

هنا أيضاً بعض المباحث التي لابد من الإشارة إليها.

س 45: ما هو المراد من الإجماع هنا أي في قوله: أجمع العلماء كافةً؟

ثم ما هو مراده من العلماء كافةً، هل يعني مطلق علماء الإسلام؟ أو أن مراده هو علماء الإمامية خاصةً؟

ج: طبعاً لا يمكن أن يكون مراده هو مطلق علماء الإسلام، باعتبار أن الأشاعرة مثلاً لا يقبلون جملةً من هذه الأصول كالعدل، والمعتزلة وإن كانوا يثبتون العدل إلا أنهم لا يقبلون الإمامة مثلاً.

فإذا كان مراده من العلماء كافةً يعني: العامي والخاصي، أي: الإمامي وغير الإمامي كالمعتزلي الذي لا يقبل الإمامة، والأشعري الذي لا يقبل العدل فهذا غير تامٍّ، إذن كيف يمكن أن يقال بأن المراد من العلماء كافةً هنا يعني علماء الإسلام، ومن هنا ذكر بعض المعلقين والمحشين بأن المراد من العلماء هنا يعني: علماء الإمامية، يعني: أجمعت الفرقة الناجية على هذه الأصول الخمسة، -وكما تعلمون- أن الإجماع حجة على مذهبنا، وتعلمون أنه على مذهب العامة من خلال تصحيحهم للكثير من‏مسائلهم السياسية وغير السياسية بواسطة الإجماع، أي بواسطة هذا الحديث ‏المجعول الذي يقول: (لا تجتمع أمتي على خطأ)، ووصفنا هذا الحديث بأنه مجعول ‏باعتباره من الأحاديث المجعولة التي لا واقع لها، المهم أنهم يقبلون هذا الحديث، إذن فالإجماع عندنا حجةٌ، والإجماع عندهم أيضاً حجةٌ، ونحن قد أجمعنا على هذه ‏الأصول الخاصة، أي: الأصول الخمسة يقول العلامة:(أجمع العلماء كافةً) وهم ‏الإمامية (على وجوب معرفة الله تعالى وصفاته الثبوتية والسلبية وما يصح ‏عليه وما يمتنع عنه والنبوة والإمامة والمعاد). والمراد من صفاته الثبوتية أي ‏من قبيل العلم والقدرة، ومن صفاته السلبية أي من قبيل: إن الحق ليس بجسم‏ وليس بجاهل وليس بجوهر وليس بعرض و... وهكذا، سيأتي بحثها إن شاء الله بعد ذلك.

س 46: إلى ماذا يريد المصنف أن يشير من قوله: والسلبية وما يصح عليه وما يمتنع ‏عنه؟

ج: هذا إشارة إلى أصل العدل، يعني: هذا الفعل الحكيم يصدر من الحق لأنه‏ حسنٌ، وهذا الفعل الحكيم لا يصدر منه يعني قبيحٌ، إِذن ما هو حسنٌ وما هو قبيحٌ، يعني: إن الله سبحانه وتعالى هل يُدْخِل الأنبياء (ع) جميعاً إلى النار؟ طبعاً لا يُدْخِل، أما لماذا؟ فنقول: لأن هذا فعلٌ قبيحٌ وهو تعالى كتب على نفسه أنه لا يدخل هؤلاء إلى ‏النار، فهذه هي صفة العدل، والأشعري ينكر هذه الصفة فيقول لله سبحانه تعالى أن يُدْخِل جميع الأنبياء (ع) إلى ‏النار، وأن يُدْخِل جميع الفاسقين والكفار والعاصين إلى‏الجنة، ثم يستدلون بقوله: (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (1).

طبعاً هذا المعنى ليس لهذه الآية الشريفة وإنما شيءٌ آخر ولكنهم -للأسف-يستدلون بها!!!

فلهذا محل ‏الكلام وما يصح عليه وما يمتنع عنه إشارة إلى الأصل الثاني من‏أصول العقائد وهو العدل وأنه ما هو الحسن الذي يصح أن يُنسب إليه، وما هو القبيح الذي لا يمكن أن ينسب إليه ولا يمكن حمله وصدوره من الحق سبحانه‏وتعالى: ثم قال: (والنبوة) أي: على وجوب معرفة النبوة (و) معرفة (الإمامة) (و) وجوب معرفة (المعاد).

س 47: بعد الاستدلال السيء للأشعرية حول قوله تعالى: (لا يُسئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ‏ يُسْئَلُونَ)، فما هو التفسير الصحيح لهذه الآية؟

ج: لا شبهة ولا إشكال أنه تعالى قد نظم العالم بحكمة لا مجال فيها للإشكال‏ والانتقاص (لا يُسئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ‏ يُسْئَلُونَ).

وتوضيح ذلك: أن لدينا نوعين من الأسئلة:

الأول: السؤال التوضيحي، وهو أن يكون الإنسان جاهلاً ببعض المسائل، ويرغب في أن يدرك حقيقتها، وحتى إذا علم وآمن بأن هذا العمل الذي تم كان ‏صحيحاً، فإنه يريد أن يعلم النقطة الأصلية والهدف الحقيقي منه، ومثل هذا السؤال ‏جائزٌ حتى حول أفعال‏ الله، بل إن هذا السؤال يعتبر أساس ومصدر الفحص ‏والتحقيق في عالم الخلقة والمسائل العلمية، وقد كان لأصحاب النبي(ص) والأئمة (ع)كثيرٌ من ‏هذه الأسئلة سواءً فيما يتعلق بعالم التكوين أم التشريع.

أما النوع الثاني: فهو السؤال الاعتراضي، والذي يعني أن ‏العمل الذي تم كان ‏خطأً، كأن ينقض إنسان عهده بلا سبب، فنقول: لماذا نقضت عهدك؟ فليس الهدف ‏طلب التوضيح، بل الهدف أن نعترض.

من المسلم أن هذا النوع من السؤال لا معنى له إذا كان حول أفعال ‏الله الحكيم، وإذا ما اعترض أحد أحياناً فلجهله، إلا أن مجال هذا السؤال حول أفعال الآخرين‏ واسع.

وفي حديثٍ عن الإمام الباقر (ع) في جواب سؤال جابر الجعفي عن هذه الآية أنه قال:(لأنه لا يفعل إلا ما كان حكمةً وصواباً)

ويمكن أن تُستخلص نتيجة من هذا الكلام، وهي: إن أحداً إذا سأل سؤالاً من‏النوع الثاني، فهو دليلٌ على أنه لم يعرف ‏الله معرفةً صحيحةً لحد الآن، وهو جاهلٌ ‏بكونه حكيماً (2).

هذا هو التفسير الصحيح للآية الشريفة كما اتضح والله العالم، وليس التفسير السيء الذي استند إليه الأشعري.

س 48:  ما هو التوضيح لشرح السيوري على ما تقدم؟

ج: قال السيوري: (أقول: اتفق أهل الحلّ والعقد من أمة محمدٍ -ص-) طبعاً هنا أيضاً لا يمكن أن نقول أن مراده من أمة محمدٍ (ص) يعني جميع الملل‏والفرق الإسلامية، وإنما كان باعتبار أن الوارث الحقيقي للنبي ‏(ص) والممثل الحقيقي ‏لطريقة النبي‏ (ص) هم أهل‏ البيت‏ (ع) وشيعة أهل ‏البيت‏ (ع) فلهذا قال: أهل الحل ‏والعقد أي: هؤلاء هم ورثة النبي‏(ص) هؤلاء هم ورثة الرسالة الحقيقية لأن ‏الإسلام الحقيقي هو عند أهل ‏البيت‏ (ع) فلهذا ورد عن الإمام الباقر (ع) أنه ذكر لتلميذيه، سليمة بن كهيل والحكم بن عتيبة:(شرقا وغربا لن تجدا علماً صحيحاً إلاّ شيئاً يخرج من عندنا أهل‏البيت) (3).

أي: إن العلم الحقيقي والصحيح الذي ورثناه عن جَدنا، وجدُّنا أخذه عن‏ جبرئيل(ع)، و جبرئيل(ع) أخذه عن الله سبحانه وتعالى، هو عندنا.

لهذا قال أمير المؤمنين‏ (ع):

(نحن شجرة النبوّة، ومحطّ الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم،وينابيع الحكم) (4).

وقال‏(ع):( انظروا أهل بيت نبيكم، فالزموا سمتهم، واتَّبعوا أثرهم، فلن يخرجوكم‏من هدىً، ولن يعيدوكم في ردىً، فإن لبدوا فالبدوا، وإن نهضوا فانهضوا) (5).

فلهذا يعبر السيوري: اتَّفق أهل الحل والعقد من أمة محمّدٍ (ص) (على وجوب‏هذه المعارف) التي ذكرناها، (وإجماعهم) يعني: وإجماع أهل الحل والعقد (حجةٌ اتفاقاً).

س 49: ما المراد من حجية إجماع أهل الحل والعقد وأنه حجةٌ اتفاقاً؟

ج: قبل الإجابة عن هذا السؤال أود - عزيزي القارئ - التمهيد له ببيان آراء الفقهاء في الإجماع ومدى حجيته، لابد من التذكير بأن الإجماع قسمان:

الأول: ما يكون في ثوابت الشريعة، فمعناه - كما يرى أحد العلماء - هو اتفاق‏ عددٍ من الفقهاء يكشف اتفاقهم عن حكم الشريعة، وهو أمارة من الأمارات، وحجيته قائمةٌ على أساس إفادته للاطمئنان عند العقلاء، ولأنه طريقٌ عقلائيٌّ، ويتحدد بشروط سائر الأمارات التي ذكرت في كتب علم أصول الفقه.

الثاني: هو الذي يكون في المتغيرات، أي في شؤون المسلمين المختلفة، فمعنى الإجماع آنئذٍ أكثرية الآراء، وحجيته بعد إمضاء ولي ‏الأمر، تعتمد على حجية الشورى.

بعد هذه المقدمة نقول:

حكى العلامة الشيخ الأنصاري عن علماء السنة أن الإجماع هو: اتفاق‏ جميع ‏العلماء في عصر، أما علماء الشيعة فحكى قول البعض بأنه اتفاق أمة محمدٍ(ص) على وجهٍ يشمل قول المعصوم‏ (ع) ثم قال: فظاهر إطلاقهم - أي ‏إطلاق علماء الشيعة - إرادة دخول قول الإمام‏ (ع) وهذا هو الذي يدل عليه كلام ‏المفيد، والمرتضى، وابن زهرة، والمحقق، والعلامة، والشهيدين، ومن تأخر عنهم.

وأما اتفاق من عدا الإمام بحيث يكشف عن صدور الحكم عن الإمام بقاعدة اللطف كما عن الشيخ الأنصاري‏ (قده) أو التقرير عن بعض المتأخرين، أو بحكم ‏العادة القاضية باستحالة توافقهم على الخطأ مع كمال بذل الوسع في فهم الحكم ‏الصادر عن الإمام‏ (ع) فهذا ليس إجماعاً اصطلاحياً إلا أن ينضم قول الإمام ‏المكشوف عنه باتفاق هؤلاء إلى أقوالهم  (6).

وجرياناً على هذه المقدمة نقول في محل بحثنا: أي: ما هو المراد من قول ‏السيوري: إن إجماع أهل الحل والعقد حجةً اتفاقاً، طبعاً المراد من الاتفاق يعني بيننا نحن الإمامية وبين العامة لا فرق، وإجماعهم حجةٌ اتفاقاً يعني: حجية الإجماع متفقةٌ بيننا وبين العامة، وهذا قرينة على أن المراد من الاتفاق عندنا وعندهم، (أما عندنا فلدخول المعصوم‏ (ع) فيهم)، وهذا ما يسمى بالإجماع الدخولي باعتبار أنهم ‏ذكروا في محله: أنه إذا وجد إجماعٌ من الفرقة الناجية، أي من العصابة المحقة والمعصوم‏ لا يرضى بذلك كان أن يذكر خلافاً وبعنوان مجهول النسب، يعني: نجد أن هناك من يخالف وهو مجهول النسب من أجل أن يُوقع الخلاف في هذه الطائفة حتى لا يتحقق ‏الإجماع، وحيث أنه لا يُوجد خلافٌ في مسألة بحثنا نستكشف من هذا أن ‏المعصوم‏ (ع) راضٍ بهذا الإجماع، و إلا لو لم يكن راضياً به لأفهم الخلاف فيهم ولو بعنوان مجهول النسب.

قال: أما عندنا فلدخول المعصوم‏ (ع) فيهم، أي: في هؤلاء المجمعين (و أمّا عند الغير) يعني: عند العامة فلقوله‏ (ص) (لا تجتمعُ أمتي على خطأٍ) (7).

س 50: لقائل أن يقول: ما هو الدليل على معرفةِ هذه المعارف والأصول الخمسة؟

ج: قال: (والدليل على وجوب المعرفة سنداً للإجماع) باعتبار أن الدليل‏ الأول كان عندنا هو إجماع الطائفة.

وأما الدليل يقول: تأييداً وسنداً لهذا الإجماع فإما أن يكون عقلياً وإما سمعياً،فالدليل ما هو؟ خبره كما يقول: (على وجهين: عقليٌّ وسمعيٌّ).

س 51: متى يكون الدليل العقلي سنداً للإجماع؟

ج: يكون الدليل العقلي سنداً للإجماع على وجوب معرفة الله سبحانه وتعالى على هاتين المقدمتين، أو حسب قول السيوري: (أمّا الدليل العقلي) يكون موجباً لمعرفة الحق سبحانه (فلوجهين) اثنين:

أولاً: لوجوب دفع الخوف، لأنه ألمٌ نفسانيٌّ.

ثانياً: لوجوب شكر المنعم.

س 52: ما هو التوضيح للوجه الأول؟

ج: يتضح ذلك من خلال ضرب المثال التالي:

إن أخبرك طفلٌ بدخول عقرب بين طيات لباسك فإنك ستنتفض من مكانك‏ وتنزع ثيابك بسرعة و تبحث بكل دقةٍ في زواياها وحناياها حتى تعثر على‏العقرب أو تطمئن إلى عدم وجودها فيها.

وهكذا لو سمعت قبل القيام بسفرةٍ ليليةٍ بأن هناك كميناً لمجموعةٍ من قطاع ‏الطرق تتصدى للمسافرين على هذا الطريق فإنك لن ترفع قدماً عن قدم حتى تتأكد من خلو الطريق منهم.

إن المثالين السابقين يوضحان تماماً أن الاحتياط والتحسب من الخطر المحتمل‏ ضروري بحكم العقل.

ومن الطبيعي أن نلتفت إلى أن بعض الأضرار قد تكون غير مهمةٍ ولذا لا يهتم‏ لها البعض، ولكن لو كان خطرها يتوجه إلى النفس وينتهي بالقضاء على الحياة فإنه لا يمكن أن لا يحسب لها حسابها.

ولكن ما هي أعظم الأضرار؟

طبعاً إننا نعلم في تاريخ البشرية بوجود أشخاصٍ عرفوا بالصدق والاستقامة، وعرَّفوا أنفسهم بأنهم رسل ‏الله، ودعوا الناس للاعتقاد بذلك والقيام بالنظم المبتنية عليه، وعلى أثر جهودهم وسعيهم الحثيث في دعوتهم في أنحاء العالم، آمنت مجاميع‏ من ‏الناس بهم بحيث أن يوم ولادة عيسى (ع) أصبح مبدأً لتاريخ المسيحيين ويوم ‏هجرة النبي محمّدٍ (ص) أصبح مبدأً لتاريخ المسلمين.

ونحن نسأل أنفسنا الآن:

ترى أليس لأقوال هؤلاء الأنبياء (ع) الذين دعوا الناس إلى ‏الدين وإلى اتباع ‏أوامر خاصة وحذروهم من جزاء أعمالهم السيئة وأن المحاكمة في محكمةٍ عظيمةٍ أمام ‏حاكمٍ عالمٍ وعادلٍ أمرٌ حتميٌّ، وكذلك فإنهم كانوا يئنون ويضجون من شدة أهوال ‏القيامة وعذابها ويحذرون الناس منها. أليس لأقوال هؤلاء ما لإخبار ذلك الطفل‏ من توليد احتمال خطر صار متوجهاً إلى وجودنا؟!

وهل أنه من الصحيح أن نتغاضى عن أقوال وأفعال المتدينين الحقيقين في العالم، في حين أنهم صمدوا وثبتوا على عقيدتهم وإيمانهم إلى النفس الأخير ولم يبخلوا بأي ‏غالٍ أو نفيسٍ في سبيل التضحية والفداء له؟

إنه لمن الواضح أن أقوال الأنبياء الطاهرين (ع) إن لم توجِد اليقين للإنسان فإنها على الأقل تدعو للتساؤل بأنه (من الممكن أن يكونوا صادقين).

نعم، إن كان الأمر واقعاً كما يقول الأنبياء (ع) فما هي مسؤوليتنا؟ وما جوابنا في ‏محكمة العدل الإلهي؟

وهنا بالضبط يفرض العقل ما أسميناه بالتحسب والإعداد لدفع الضرر الذي ‏هو محتمل على الأقل كما يعبر عنه علماء العقائد، ويدفعنا للبحث عن الدين ‏ومعرفته.

هذا بالإضافة إلى أنهم دعوا الناس إلى حياةٍ إنسانيةٍ سليمةٍ وأنهم أكدوا كذلك‏ على وجود عالمٍ وسيعٍ ونعمٍ خالدةٍ للمطيعين بعد موتهم ووجود عالمٍ آخر هناك‏ يفيض بالطمأنينة والسكينة الروحية، ولا مجال فيه للمرض والحزن والقلق والخوف ‏مطلقاً.

فهل تجيز لنا عقولنا أن نتغاضى ونتعامى عن كل هذه الأخبار المهمة؟ ترى ألا يجب علينا بعد هذا أن نفكر في تهديدات الأنبياء (ع) و وعيدهم، إذ يحذرون بأن الذنب ‏والعصيان يستتبع الجزاء؟

ألا يجب السعي لمعرفة الدين والتفكر فيه برويّة وعمق؟!

وبهذا نعلم أن عقولنا وفطرتنا هي التي تدفعنا لمعرفة الواقع الكوني واكتشاف ‏الحقيقة الكبرى (8).

س 53: هل من مصداق يكون مَبعثاً لرفع الخوف؟

ج: من أكبر المصاديق هو النبي إبراهيم ‏(ع) والذي كان يمثل قدوةً، وكان صديقاً، أي: صدَّقَ بكل ما أنزله ‏الله تعالى، من هدىً وبرامج برغم كل الضغوط والصعوبات، وكان نبياً مرسلاً من قبل ‏الله تعالى: فهو (ع) بطل التوحيد، يقول ‏تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً).

ثم تتطرق الآية إلى شرح محاورته مع أبيه آزر -والأب هنا إشارة إلى العم، فإن‏ كلمة الأب، ترد أحياناً في لغة العرب بمعنى الأب، وأحياناً بمعنى العم- فتقول: (إِذْ قَالَ لأَبِيِهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَالا يَسْمَعُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) (9).

إن هذا البيان القصير القاطع من أحسن أدلة نفي الشرك وعبادة الأوثان، لأن ‏أحد بواعث الإنسان في معرفة الرب هو باعث الربح والخسارة، والضر والنفع، والذي يعبر عنه علماء العقائد - كما تقدم - بمسألة (دفع الضرر المحتمل).

فهو يقول: لماذا تتجه إلى معبودٍ ليس عاجزاً عن حل مشكلةٍ من مشاكلك ‏وحسب، بل إنه لا يملك أصلاً القدرة على السمع والبصر، وبتعبيرٍ آخر: إن العبادة يجب أن تكون لمن له القدرة على حل المشاكل، ويدرك عباده وحاجاتهم، سميعٌ بصيرٌ، إلا أن هذه الأصنام فاقدةٌ لكل ذلك (10).

نعم لقد وصل إبراهيم‏ (ع) بفطرته وبهدى ربه إلى نتيجةٍ وهي: إن عبادة الآلهة الحجرية خطأٌ لأنها لا تبصر ولا تسمع ولا تستطيع أن تفعل شيئاً.

وهنا نكتةٌ أحب الإشارة إليها وهي:

إنه في كثير من الأوقات يصل أبناء البشر إلى نقطةٍ محوريةٍ فطريةٍ واضحةٍ ولكنهم بعدئذٍ يتركون الأمر، ولا يفكرون تفكيراً، جدياً في متابعة ما توصلوا إليه، بل كل إنسانٍ يعيش في مجتمعٍ فاسدٍ تبرق له بعض الأحيان من هدى ربه بارقة هدىً، لو سار وراءها لاهتدى، ولذلك نرى أن هؤلاء الذين يعيشون في أقاصي ‏الأرض بعيدون عن هدى الرسالات الإلهية، تبقى لله عليهم حجةٌ تتمثل في أنهم في‏ بعض لحظات حياتهم يصلون إلى بعض النتائج الأولية، ويجب أن تكون لديهم‏ الشجاعة الكافية للاستمرار في الأخذ بها والبحث عمّا وراءها، أما إذا كانوا جبناء فللّه عليهم حجة، لماذا جبنوا ولماذا لم يهتدوا بنور عقلهم حين أضاء لهم الطريق؟

بعد رحلةٍ قفل أبو ذر الغفاري راجعاً إلى قبيلته، واتجه إلى صنمها يتبرك به‏ كعادتهم حين يعودون من سفرٍ يبدؤون بأصنامهم فبرقت في نفسه بارقة هدىً؟! فسأل نفسه: إن الصنم ليس إلا صخرةً صمّاء، فلماذا أعبد الحجرَ الأصم؟ وما عساه أن‏ يفعل بي؟ فقرر أن يجربه، ففكر في خطةٍ بأن يضع أمام الصنم شيئاً من الطعام‏ والشراب فإذا أكل وشرب فلابد أنه على حق وهكذا فعل، فوضع أمامه قدحاً من ‏اللبن وجلس عنده ناحيةً يراقب، فلم يطعم الصنم شيئاً فقال: ربما يخجل مني، فذهب واختبأ وراء صخرةٍ وأخذ يراقبه، وبعد فترةٍ إذا بثعلبان يأتيان ويشربان ‏اللبن، ثم يتبولان على الصنم ويغادران المكان دون أن يمسهما الصنم بأذىً فأنشد أبو ذر يقول:

أربٌّ يبول الثعلبان برأسه

                        لقد هان من بالت عليه الثعالب

 

فترك عبادة الأصنام لأنها تولد الخوف لدى الإنسان وعلى الإنسان أن يجنب نفسه هذا الخوف تنزلاً للعقل وللتفكير الحر، هكذا نجد إبراهيم‏ (ع) يقول لوالده: ( يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَالا يَسْمَعُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً).

ومن هذه القصة نحصل على دليل اتباع العالِم.

قرأنا في الآيات -محل البحث- أن إبراهيم (ع) قد دعا عمه آزر لاتباعه، مع كبر سنه وشهرته في المجتمع، ويذكر دليله على دعوته هذه فيقول:(إِنِّي قَدْ جَاءَنِي ‏مِنَ ‏الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأتِكَ).

إن هذا قانونٌ عامٌّ في أن الذين لا يعلمون مسألةً ما يتبعون العالمين فيما يجهلونه، وهذا في الواقع منهج الرجوع إلى المتخصصين في كل فنٍّ، ومن جملة ما يبينه هذا المنهج مسألة تقليد المجتهد في فروع الأحكام الإسلامية.

من الواضح أن بحث إبراهيم (ع) لم يكن في المسائل المرتبطة بفروع ‏الدين، بل كان ‏يتحدث عن أهم أصل من أصول ‏الدين، ولكن حتى في مثل هذه المسائل أيضًا يجب ‏الاستعانة والاستفادة من إرشادات العالم، لتحصل الهداية إلى الصراط السوي، الذي هو الصراط المستقيم (11).

ومن هنا يأتي التأكيد على وجوب المعرفة لدفعها الخوف عن نفس الإنسان، حيث إنه إذا عرف الحق فإنه سيعرف بتبع ذلك أن الحق سبحانه متى يعاقب؟ لأنه‏ يرتكب مثلاً ما لا يرضاه، أو يترك ما هو واجبٌ عليه ونحو ذلك، ومتى لا يُعاقِب، وهذه هي المقدمة الأولى للوجه الأول.

أما المقدمة الثانية للوجه الأول.

فهي أن دفع الخوف واجبٌ باعتباره ألمٌ نفسانيٌّ ودفعه يتم بدفع منشئه، والخوف ‏من أي شي ينشأ؟ طبعاً ينشأ من عدم المعرفة.

وبما أن المعرفة شيءٌ ممكنٌ، فإذن يمكن بها دفع الخوف ورفعه وبالتالي يرتفع الألم ‏النفساني.

إذن فالمعرفة تكون واجبة.

والمحصل من هذا الدليل: إن معرفة الحق سبحانه وتعالى دافعةٌ للخوف، ودفع ‏الخوف واجبٌ إذن معرفة الحق سبحانه وتعالى واجبة.

س 54: ماذا قال السيوري بالنسبة للوجه الأول ولمقدمتيه؟

ج: قال: (الوجه الأول: إنّها) أي إن المعرفة (دافعةٌ للخوفِ الحاصلِ‏ للإنسان من الاختلاف) هذه هي المقدمة الأولى في هذا الدليل وهي أن المعرفة تدفع الخوف، والذي يحصل -أي هذا الخوف- للإنسان من أي شيء؟ طبعاً يحصل‏ من هذا الاختلاف الموجود في الواجب سبحانه وتعالى أنه موجود، أو ليس بموجود أنه يعاقب أو لا يعاقب، أنه يثيب أو لا يثيب، وكيف يعاقب، فهذه كلها لو لم يتعرف ‏عليها فإنها ستكون منشأً لخوف الإنسان، وهذه هي المقدمة الأولى.

المقدمة الثانية: (ودفعُ الخوفِ واجبٌ) ولقائلٍ أن يقول لماذا إنّ دفع الخوف ‏واجبٌ؟ قال: (لأنه) أي: لأن الخوف (ألمٌ نفسانيٌّ) وهل كلُ ألمٍ نفسانيٍّ يجب دفعه؟ يقول: لا، وإنما هذا الألم النفساني بما أنه مقدورٌ عليه فيجب دفعه لأن الوجوب ‏لا يتعلق بغير المقدور، فلو كان هذا الألم النفساني منشؤه غير مقدورٍ عليه لا يجب ‏حينئذٍ دفعه، لأن الوجوب لا يتعلق بغير المقدور، ولكن حيث إن هذا الخوف منشؤه‏ عدم المعرفة، وعدم المعرفة يمكن رفعها بالتعرف على‏ الله سبحانه وتعالى، إذن يجب أن ‏يدفع هذا الألم النفساني.

قال: لأن الخوف ألمٌ نفسانيٌّ (يمكن دفعه) وقيده بهذا القيد لأنه إذا كان ألماً ‏نفسانياً ولا يمكن دفعه فلا معنى لأن يكون واجباً، إذن (فيحكم العقل بوجوب ‏دفعه) إذن (فيجب دفعه) وكيف يدفعه؟ طبعاً يدفعه بالتعرف، لأن هذا الألم منشؤه‏ الخوف، والخوف منشؤه عدم المعرفة، ويمكن دفع هذا الخوف وذلك بالتعرف على ‏الله ‏سبحانه وتعالى.

هذا هو الدليل الأول لوجوب المعرفة.

س 55: ما هو الوجه الثاني الذي يكون موجباً لمعرفة الحق سبحانه وتعالى من خلال ‏الدليل العقلي؟

ج: يتضح لنا هذا الوجه من خلال بعض التمهيدات المتعلقة بالنعم الإلهية وما يقتضي بالتالي تجاهها ما يلزم للمنعم عليه:

قال تعالى في محكم كتابه الكريم:

(اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَاَلأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فأَخْرَجَ بِهِ ‏مِنَ الَّثمَراتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأنْهَارَ وَسَخَّر لَكُمُ اَلشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَاَلنَّهَارَ وَ ءَاتاكُم مِّنْ كُلِّ مَا سَألتمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ‏اللهِ لَا تُحْصُوهَا إنَّ الْإِنسَانَ‏ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (12).

تتطرق الآيات إلى معرفة الله عن طريق نعمهِ معرفةً تؤدي إلى إحياء ذكره في ‏القلوب، وتحث الإنسان على تعظيمه في مقابل لطفه وقدرته، لأن ذلك من الأمور الفطرية التي يجد الإنسان فيها حباً وتعلقاً بالنسبة للذي يساعده ويرحمه بلطفه.

وكما أن ربنا يثبت الذين آمنوا بما آمنوا، فإن ضلالة الظالمين تبدو منهم، ألا ترى كيف أنهم يبدلون نعمة التوحيد ونعمة الرسالة وسائر النعم الإلهية المعنوية والمادية إلى نقمةٍ بسبب كفرهم بها، وترك شكرها، وهم يقودون قومهم إلى دار الهلاك في ‏الآخرة، أي في جهنم حين يحترقون بنارها، ويستقرون منها مكاناً سيئاً وهم ‏يبدلون النعمة كفراً حين يفتشون عن أندادٍ لهم من سلطات جور وعلماء سوءٍ، فيضلون بهم الناس عن ‏الله، وإن مصيرهم إلى النار.

لهذا لابد للمؤمنين من شكر الله على ما أنعم، فهو الذي خلق السماوات والأرض، وأنزل من السماء ماءً فأخرج به هذه الثمرات المتنوعة رزقاً مباركاً لنا، كما سخر الرياح لتجري الفلك في البحر، وسخر الأنهار، وأكثر من هذا سخر الشمس والقمر يعملان باستمرار لو أردنا تعدادها، كل ذلك من أجل رفاهنا وتكاملنا، وإن ‏الإنسان لظلوم يطغى في الأرض، ويكفر بنعم ‏الله، ولذلك يكون مثله، مثل شجرةٍ خبيثةٍ اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار.

من هنا نعرف أن الغاية من نعم ‏الله على البشر أن تنعكس في حياتهم المادية شكراً في صورة الوصول بها إلى أهدافها، وفي حياتهم المعنوية تكاملاً وهدىً وخلقاً رفيعاً، بينما ترى بعض كبراء الكفر يسعون في الأرض فساداً، فبدل أن يطعموا الطعام‏ يتلفونه، وبدل أن يطعموا منه البائس والفقير يتخذونه وسيلةً لاستعباد الناس ‏وتذليلهم، وبدل أن تبعث النعمة في أنفسهم الرضا والسكينة يزدادون بها طغياناً وحرصاً وإسرافاً، وبالتالي قلقاً وتوتراً، وهكذا يبدلون نعمة الله إلى كفر.

قال تعالى: (ألَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ بَدَّلُوْا نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً)

أظهر أمثلة نعمة الله هي نعمة الرسالة التي كفروا بها، ولا يزال الكبراء وأشياعهم من خدمة الكفر يكفرون بهذه النعمة ولا يشكرون.

ولكن هذه النعمة ليست الوحيدة التي لا يشكرونها بل هناك نِعَمٌ أخرى كذلك يتخذونها وسيلة للكفر مثل نعمة السلطة والرفاه والسلامة والأمن.

وهؤلاء يجعلون قومهم في منزل الهلاك بسبب كفرهم بالنعم، فيقودون الضعفاء في حربٍ ضد أصحاب الرسالة.

أما المؤمنون بالرسالة فإنهم يشكرون هذه النعمة وذلك:

أولاً: بإقامة الصلاة وتنمية روح الإيمان بالله، لكي يزدادوا ثباتاً واستقامةً.

ثانياً: بالإنفاق الذي هو بدوره يزيد النعم.

فإنفاق العلم بتعليمه، وإنفاق الجاه ببذله، وإنفاق القوة بالتعاون مع البؤساء، كل ‏ذلك يزيد النعم، وليكن الإنفاق سراً لضمان الإخلاص، وعلانيةً لتحدي الكفار.

ولنلقي الآن نظرةً على توالي بعض النعم:

إن أعظم النعم هي نعمة الخلقة الأولى، ثم نعمة تسخير السماوات والأرض لنا بحيث نقدر على الاستفادة منها، ولو كانتا ممتنعتان عنا أو كنا عاجزين عن ‏الانتفاع منها بجهل أو بضعف فمن الذي كان يسخرها لنا؟

( اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَاَلأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فأَخْرَجَ بِهِ‏ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ )

نعم أخي الكريم انظر إلى الطبيعة المخلوقة نظراً جديداً بعبرةٍ و تفكرٍ، فهل ترى غير نعم‏ الله تحيط بك ؟

لماذا لا يهز ضميرك منظر المطر يهبط لك من السماء نعمةً ورحمةً، من الذي رفع‏ ملايين الأطنان من مياه البحر بعد تصفيتها بالتبخير، ومزجها بأكسجين الفضاء، بنتروجين الرعود، ونشره في كل جهةٍ، من الذي جعل في الأرض الأملاح‏ والخصوبة والبذور لتتحول الأمطار فيها إلى ثمراتٍ مختلفةٍ ؟!

(وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ في الْبَحْرِ بِأمْرِهِ)

أو تزعم أن السفن تبحر في البحر بأمرك، فلو أن الرياح ركدت أو أن الأمواج ‏تصاعدت، فهل جرت السفن حيث تشتهي.

(وَ سَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ)

كي تسقوا من مائها زرعكم، وتشربوا أنتم وأنعامكم، وفي كثير من الأحيان ‏تكون طريقاً للسفن والقوارب، وتستفيدون منها في صيد الأسماك.

وليست موجودات الأرض -فقط- مسخرةً لكم، بل:

(وَسَخَّر لَكُمُ اَلشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَاَلنَّهَارَ)

فالشمس التي هي أكبر من أرضنا بكثير، والقمر الذي هو أصغر من أرضنا كلٌّ ‏يجري في فلكٍ ونظامٍ بحيث ينفع الحياة فوق كوكبنا بضوئها وبجاذبيتهما وطريقة دورانهما، مَن الذي سخرهما أفلا نشكره؟!

وعندما يعم الظلام الأرجاء تخلد إلى النوم براحةٍ نفسيةٍ، وعندما ينبعث‏ضياء النهار، تنبعث حيويةً وهمةً.

وبالرغم من أن طموحات البشر لا تتحقق عادةً جميعها، ولكن هناك تناسب ‏بين هذه الطموحات وبين عطاء الله سبحانه، فبقدر أملك في الله وسؤالك منه ينشر عليك نعمه.

( وَ ءَاتَاكُمْ مِّنْ كُلِّ مَا سَألْتُمُوهُ)

ففي ضيق الشدائد، وعند المدلهمات تجد فرج ‏الله وروحه  (أمَّنْ يُّجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ) وعندما تتعب سفينة آمالك ترسو على شاطئ رحمة الله الذي يقول لك: (وَ إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)، وهناك تجد تحقيق آمالك وتخاطب ربك قائلاً، (إلهي طموح الآمال قد خابت إلا لديك، و معاكف الهمم قد تعطلت إلا عليك، ومذاهب العقول قد سمت إلا إليك، فأنت الرجاء وإليك الملتجأ) (13).

وأي نعمةٍ تحصيها عدداً، لأن النعم المادية والمعنوية للخالق شملت جميع‏ وجودك وهي غير قابلةٍ للإحصاء، وعلاوةً على ذلك فإن ما تعلمونه من النعم أقل ‏بكثير مما لا تعلمونه.

إن كل خلية في بلايين الخلايا التي تشكل الجسم نعمةٌ كبرى يعجز القلم عن ‏الإِحاطة بها، -فأي نعمة تحصيها- وكيف، ولكن أنت ترى الإنسان كيف يظلم نفسه ‏بالكفر بنعم ‏الله، بالرغم من كل هذه الألطاف والنعم.

(إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ).

فلو كان الإنسان يستفيد من هذِه النعم بشكلها الصحيح لاستطاع أن يجعل‏الدنيا حديقةً غناء ولَنفّذ مشروع المدينة الفاضلة، ولكن على أثر عدم الاستفادة الصحيحة لها أصبحت حياته مظلمةً، وأهدافه غير ساميةٍ ومشاكلها الصعبة قيدته ‏بالسلاسل والأغلال.

ولهذا ترى أن أكثر الناس يظلمون أنفسهم والآخرين بالنعم فيتخذون من نعمة اللسان وسيلة التشهير والبهتان، ومن نعمة اليد البطش والاعتداء، ومن نعمة المال‏ البخل والترف والاستعلاء، ومن نعمة القوة الاستكبار والقهر والديكتاتورية، وهكذا يكفرون بنعم ‏الله، ولا يحققون بها أهدافها النبيلة ولو فعلوا لكان ذلك شكراً عملياً منهم (14).

س 56: هل يمكن أن يتحقق الشكر بلا معرفة؟

ج: طبعًا لا يمكن، لهذا نقول، اعرفوا واهب النعم.

قال تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَّنْ إِلَهٌ‏ غَيْرُ اللهِ يَأتِيكُمْ بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) (15).

هذه الآية الشريفة فيها حثٌّ استدلاليٌّ على إيقاظ الغافلين ببيانٍ يعتمد غريزة دفع الضرر، فيبدأ بالقول، إنّه إذا سلب منكم الله النعم الثمينة التي وهبها لكم، مثل ‏السمع والبصر، وأغلق على قلوبكم أبواب التمييز بين الحسن والسيء، والحق ‏والباطل، فمن يا ترى يستطيع أن يعيد إليكم تلك النعم؟

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَّنْ إِلَهٌ‏غَيْرُ اللهِ يَأتِيكُمْ بِهِ) فما يسمعه البشر وينقل إليه من تجارب الآخرين وعلومهم، أو ما يراه بنفسه ‏ويحصل عليه من علمٍ وخبرةٍ بصورةٍ مباشرةٍ، فإنهما نافذتان إلى القلب أو الدماغ‏ فلو ختم‏ الله على قلب البشر، وأزال عنه مقاييسه العقلية، ومسبّقاته الفطرية، فماذا يبقى عنده؟ لا شك أنه سوف يفقد القدرة على تعقل الأحاسيس، ويتجمد على ما يسمعه أو يراه دون أن يستنبط منهما حقائق جديدة، أو يستدل بهما إلى ما وراءهما من حقائق وواقعيات.

إنه آنئذٍ يرى شعلة النار دون أن يعقل أن الشعلة نذير الحرارة، والحرارة سبيل الاحتراق والانتشار، وأنها لا تنشأ بلا سبب، وأن الذي ‏أشعل‏ النار كانت له دوافعه وأهدافه، كلا، إنه يرى الشعلة فقط، وقد يقع فيها ويحترق، كذلك الذي يختم على قلبه، يقف في فهم الحقائق عند حدٍ معينٍ دون أن ‏يصل إلى الجذور البعيدة لها، يرى الفقر دون أن يعرف أن النظام الاقتصادي هو وراء الفقر، يرى المرض دون أن يعرف أن اللامبالاة في الوقاية هي السبب، يرى العجز الحضاري دون أن يهتدي إلى أن الطاغوت هو السبب المباشر أو غير المباشر له، وهكذا يبقى في العذاب أبداً.

ثم تقول الآية: انظر إلى هؤلاء الذين نشرح لهم ونبين الآيات بصورةٍ تفصيليةٍ وواضحةٍ.

(انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ)

ولكنهم مع ذلك يعرضون عنها:

(ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ)

أي أنهم بعد تصريف الآيات وبيانها تراهم يعرضون عنها كأنها لا تهمهم.

بينما لو فكروا قليلاً لأدركوا أن الإله الذي يتضرعون إليه عندما تضرب ‏سفينتهم الأمواج العاتية التي تحمل في طياتها الموت، أو عندما يلفهم التيه في ‏الصحراء ويستبد بهم خوف الموت، أن هذا الإله هو الذي وفر لهم هذه الحياة الآمنة، وأنه لو شاء لسلب الأمان من حياتهم، بل إن كلّ لحظةٍ تمر بهم هي لحظة رعبٍ، و لو لا أمان ‏الله القادر لسلب منهم رحمته، و آنئذٍ يكون أبسط شيءٍ في الحياة سبباً في هلاكهم، ‏فلماذا لا يتضرعون إلى ربهم في هذه الأوقات التي يزعمون أنها عاديةٌ؟!

أوَ تكون للإنسان أوقاتٌ عاديةٌ، وأخرى استثنائيةٌ؟ أوَ لا يحتمل البشر في كل ‏لحظة أن يأتيه الموت أو يُنَزّل عليه عذاب المرض أو المسكنة ؟! و لماذا لا ؟ أوَ ليست الحياة مليئةٌ بهذه المفاجآت، كم لحظةٍ حملت معها رعباً ودماراً، ونحن لم ‏نكن نحسب لها حساباً، أو كنا نعرفها ولكن دون أن نستطيع مقاومتها، فلماذا الغرور إذن؟

وإذا تأملنا قليلاً في النعم الإلهية كنعمة البيان، وخلق الإنسان، والحساب المنظم‏ للزمان، وخلق النباتات ومختلف الأشجار، وحاكمية السماء والسنن والقوانين، وخلق الأرض بخصوصياتها المتعددة، وخلق الفاكهة والنخل والحبوب والورود والنباتات المعطرة مع جميع جزئياتها والأسرار الخفية في كل واحدٍة منها لكانت ‏كافيةً لأن تبعث الإحساس بالشكر في الإنسان وتدفعه إلى معرفة مبدئ هذه النعم‏ والذي هو الله سبحانه (16).

إذن لابد من شكر المنعم الذي أنعم على الإنسان، فلو ترك الإنسان شكر المنعم‏ فإنه سيكون مذمةً للعقلاء على تركه الشكر، ومن هذا نفهم أن شكر المنعم واجبٌ.

وهل يمكن أن تشكر المنعم من غير أن تتعرف عليه؟

إن الهدف الأسمى لنعم ‏الله على البشر ليس التكامل الجسدي والمادي، بل ‏المعنوي والروحي، والتعرف على النعم وعلى أهميتها، وعلى الفوائد الكبيرة لها، والانتفاع بها فيما أمر الله، وفيما خصصت النعم لها، والتعرف من خلالها بالتالي إلى‏ ينبوع الخير ومعدن الرحمة، إلى الرفيق الأعلى، كل ذلك أسمى من الاستفادة الجزئية لهذه النعم حسب الحاجات العاجلة، وكل ذلك يجمعه معنى الشكر.

من هنا على الإنسان أن يسخر ما أنعم ‏الله به عليه في طاعته وإعلاء كلمته، فإن‏ الهدف الأعظم لنعم ‏الله تعالى أن يهتدي بها الإنسان إلى المزيد من المعرفة بربه، وربُّنا في سورة النحل يقول وقد تعرض لذكر جانب من نعمه في الآية الخامسة عشر (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَعَلاَمَاتٍ‏ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ أَفَمَنْ يَّخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ وَإِنْ تَعُدُّوْا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) (17).

إذن فالأهم من الاهتداء بالسبل في الأرض وبالنجوم إلى معرفة الطرق والوصول إلى الأهداف المحدودة، والأهمّ من معرفة عدد النعم، أن يهتدي الإنسان‏ بذلك كله إلى ربه عز وجل.

من هنا يلزم على الإنسان أن يسخر ما أنعم ‏الله به عليه في طاعته وإعلاء كلمته، بأن يجعل وجوده وكيانه في طاعته وخدمة الحق وأهله، ومحاربة الباطل وأعداء الله، فيستمع بأذنه علوم الحق ومواعظ الصدق، ويوظف بصره في النظر إلى آيات ربه‏ وكتابه، ويصيّر فؤاده وسيلةً لمعرفة الحق والتفكر فيما ينفع به رسالته ونفسه والناس، وهكذا سائر النعم والهبات الإلهية.

وإذا فعل الإنسان ذلك يكون شاكراً، ولا يتم الشكر إلا بمعرفة المنعم والتوجه ‏إليه به، فإن الإنسان عرضةٌ للشرك في الشكر أيضاً، وكم يكون البشر ظلوماً وجهولاً إذا أشرك بربه، أو كفر به وهو في هذه البحبوحة من النعم.

ولك أن تدرك‏ مدى ضلال أولئك الذين أنكروا على الله أظهر أسمائه إذ قالوا: وما الرحمن؟!! وأنا وأنت قد لا نقول ذلك، ولا نكذب بآلاء الله بألسنتنا، ولكنّنا كثيراً ما نكذّب بها بأعمالنا وسلوكنا، وبغفلتنا عن الشكر.

الخليقة كلّها تجلياتٌ لرحمة الله، فهي وجهه (وَللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوْا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلَيمٌ )(18).

ولكنّ الإنسان حينما يضل ليس فقط لا يهتدي بالآثار إلى معرفة رحمة ربّه‏ وشكره، بل ويتخذ النعم مطيّةً للمزيد من التكذيب، فإذا أصبح غنيّاً ووجب عليه‏ الشكر تراه يبطر معيشته، ويزداد ترفاً وفساداً في الأرض، أو حين يمنّ عليه بالمُلك ‏تراه يستعلي على الناس ويطغى ويستبد، ولعلّنا نجد إشارةً إلى ذلك كما في ‏سورة الرحمن عند قوله تعالى: ( فَبِأَيِّ آلاءِ) إذا اعتبرنا الباء سببيةً.

إنّ الحياة وهي وجه ‏الله بكل مفرداتها السلبية والإيجابية تدعونا إلى الإيمان‏ بالله والتصديق بآياته، والتسليم بالطاعة لأوامره، فما هو تبريرنا ونحن نكذّب ‏بآلائه؟! لماذا ندخل في سجن ذواتنا أكثر فأكثر عند كل نعمةٍ، بدل أن ننطلق منها إلى ‏آفاق الإيمان بربّنا وربّها عز وجل؟! إنّنا عوض ذلك يجب أن نقول كلّما تذكرنا النعمة، وكلّما انتفعنا بها، بل وكلّما قرأنا آيةً تذكرنا بآلاء ربّنا، ومن بينها وأهمّها الآية الكريمة ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (، يجب أن نقول: لا بشيءٍ من آلائك ربّنا نكذّب، وذلك زيادةً في الهدى والشكر والفضل من ‏الله، ولا ريب أن الشكر لا يُقبل إلا من ‏العارف، فالأهم من تصديق اللسان بالنعمة هو تصديق القلب والجوارح، فالذي ‏يصدّق بآلاء الله هو الذي يؤدي واجب الشكر له عز وجل، (ولا يعرف النّعمة إلا الشّاكر، ولا يشكر النّعمة إلا العارف) كما قال الإمام العسكري‏ (ع)(19).

وأوحى اللَّه تعالى إلى موسى (ع) (يا موسى اشكرني حق شكري، فقال: يا ربّ كيف أشكرك حقّ‏ شكرك وليس من شكرٍ أشكر به إلا وأنتَ أنعمتَ به عليّ؟! فقال يا موسى شكرتني حق شكري حين علمتَ أن ذلك مني) (20).

إذن، وحيثُ أن شكر المنعم واجبٌ، وشكر المنعم يتوقف على معرفة الواجب، أي‏ يتوقف على معرف الحق، إذن تكون معرفة الحق أيضاً واجبةً لأنها مقدمةٌ لشكر المنعم.

س 57: ماذا قال السيوري بالنسبة للوجه الثاني؟ مع التوضيح.

ج: قال: أما دليل (الوجه الثاني: إنَّ شكر المُنْعِم واجبٌ) وهذا واضحٌ ‏لا يحتاج إلى دليل ويُذم تاركه (ولا يتمُّ) أي: شكر المنعم (إلا بالمعرفة) فإن قال ‏قائل نحن لا نقبل الكبرى، فمَن قال لكم أن شكر المنعم واجبٌ ؟! يقول: (أمّا أنه) يعني: شكر المنعم (واجبٌ، فلاستحقاق الذّمّ عند العقلاء بتركه) أي: بترك ‏شُكر ِالمنعم، فإن قال قائل: مِن أين تثبتون الملازمة؟ ومَن قال لكم أن شكر المنعم ‏لا يتم إلا بالمعرفة؟ قال: (وأما أنه) أي: وأما أن شكر المنعم (لا يتم إلا بالمعرفة) لماذا؟ (فلأن الشكر إنما يكون بما يناسب حال المشكور، فهو مسبوقٌ ‏بمعرفته) يعني: شكر المنعم مسبوقٌ بمعرفة ذلك المنعم، وإلا لعله لم يكن شكراً، بل ‏كان كفراً لنعمته ولنعمه، (وإلا لم يكن شكراً والباري تعالى مُنْعِمٌ) إذن (فيجب ‏شكره) وإذا وجب شكره (فيجب معرفته).

هذا بالنسبة إلى ما يرتبطُ بإثبات الواجب سبحانه وتعالى، لأنه نحن قلنا بأنه‏ يجب التعرف على الواجب سبحانه وتعالى وعلى صفاته الإيجابية والثبوتية والسلبية وما يصح عليه وما يمتنع عليه، هذا ما يرتبط بمعرفة الله سبحانه وتعالى وصفاته‏ الثبوتية، وقد ثبت هنا -أي بهذا الدليل العقلي-، والآن نسأل هذا السؤال التالي.

س 58: ما هو الدليل العقلي على وجوب معرفة الإمام، ووجوب معرفة النبي ‏ووجوب معرفة المعاد، وأن هناك إمامٌ وأن هناك نبيٌّ؟

ج: طبعاً لا ندخل -الآن- في هذا البحث باعتبار أنه سيأتي الكلام عنه ‏بعد ذلك، بأنه من مقتضى حكمة الله سبحانه وتعالى أن يبعث وأن يكلف الإنسان ‏وأن يبين له ما هو الجائز له وما هو الحرام عليه، وما هو الواجب عليه ونحو ذلك، باعتبار أن العقل الذي زود به الإنسان، لا يولد عنده هذه القدرة التي بها يستطيع أن‏ يشخص مصلحته من مفسدته، إذن يحتاج إلى رسالةٍ وإلى من يبلغه التكليف من‏ الله‏ سبحانه وتعالى، وحيث أن مقتضى الحكمة الإلهية هو إيصال كلّ مخلوقٍ إلى كماله ‏الخاص به، إذن لابد من بعث رسولٍ و لا بد من بعث تكليفٍ، فلهذا قال السيوري:

(ولمّا كان التكليف واجباً في الحكمة) باعتبار أن الله سبحانه هو الحكيم‏ المطلق، ومن حكمته لابد من تكليف العباد لكي يوصلهم إلى الكمال المطلوب لهم،(كما سيأتي) في محله إن شاء الله إذن (وجب معرفة مبلغه) أي: مبلغ هذا التكليف، ومن هو الذي يبلغ هذا التكليف الإلهي؟ (و) المبلغ (هو النبي‏(ص) و) وجب ‏أيضًا معرفةُ (حافظه) أي: حافظ هذا التكليف لأنك تعلم  -عزيزي القارئ- أن الأئمة (ع) هم الذين حفظوا الشريعة وأداموا بقاءها، فحافظ التكليف من هو؟ (وهو الإمام‏ (ع) و) وجب كذلك (معرفة المعاد).

وقد تسأل -قارئي الكريم - لماذا تجب معرفة المعاد؟ فنقول: إن هذا التكليف لابد وأن يترتب عليه الثواب ‏والعقاب، ويترتب عليه الجزاء، وحيث أن الجزاء ليس في هذا العالم، إذن لابد أن ‏يكون في عالمٍ آخر، لهذا فمعرفة المعاد واجبةٌ وذلك (لاستلزام التكليف وجوب ‏الجزاء)، باعتبار أن التكليف يستلزم أن يكون هناك جزاءٌ و إلا إذا كان هناك تكليفٌ‏ بالوجوب والحرمة ولا جزاء فلماذا يلتزم الإنسان؟! نعم من كان مثل أمير المؤمنين‏ (ع) يقول: (إلهي ما عبدتك خوفاً من عقابك ولا طمعاً في ثوابك ولكن وجدتك ‏أهلاً للعبادة فعبدتك) (21).

نعم لقد عظم المعبود عز وجل في نفس الإمام ‏(ع) فصارت عبادته تعبيراً عن‏ الحب له والشوق إليه، و استشعاراً لأهليته للعبادة دون سواه، و من أجل ذلك كان‏ علي (ع) لا يعبد الله خوفاً من عذابه، ولا طمعاً في جنته ولا فيما أعده من نعيمٍ للمتقين، وإنما سما الإمام‏ (ع) في علاقته بالله تعالى إلى أعلى الدرجات أسوةً بأستاذه ‏الرسول‏ (ص).

نعم لقد كشف الإمام‏ (ع) بمقولته عن جوهر علاقته بالله تعالى وطبيعتها، فأعظم به من يقين، وأكرم به من إيمان!!

ولقد حدد الإمام‏(ع) ألوان العبادة في كلمةٍ خالدةٍ:

(إن قوماً عبدوا الله رغبةً فتلك عبادة التجار، وإن قوماً عبدوا الله ‏رهبةً فتلك عبادة العبيد، وإن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار) (22).

وكانت عبادته ‏(ع) من النوع الأخير، حيث تصدر كحصيلة للشعور بأهلية المعبود واستحقاقه لها.

أما إيقاف العبادة على حصول الثواب فحسب، فهي عبادة من وصفهم ‏الإمام‏(ع) بالتجار، الذين يبتغون الثمن وينتظرون التعويض، وشتان بين هدف‏ الشاكرين، وهدف التجار في ميزان‏ الله تعالى وحسابه (23).

والمحصل من كلامنا في بحثنا:

أنه إذا لم يكن هناك لا جنةٌ ولا نارٌ ولم يكن هناك جزاءٌ فلا إشكال ولا شبهة أنه‏ لا محل لامتثال الواجبات ولا اجتناب المحرمات، هذا تمام الكلام في الدليل العقلي.

س 59: متى يكون الدليل السمعي سنداً للإجماع؟

ج: يقول السيوري: (وأمّا الدليل السمعي فلوجهين) اثنين كذلك:

أما (الوجه الأول) وهو واضح حيث قال: (قوله تعالى: (فَاعْلَمْ إنّهُ لاَ إلَهَ‏ إِلاَّ اللهَ )  (24)

أي: اعلم أيها الإنسان أن أفضل وسيلةٍ للنجاة هو التوحيد، فهو الدواء الشافي، فالتجئ إليه، ولا تطلب حل معضلاتك إلا منه، ولا تخف سيل المشاكل، ولا تخش‏كثرة الأعداء.

(فَلَهُ أَسْلِمُوْا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ) (25).

المخبتون في الآية الشريفة هم الذين سلّموا لأوامر الله سبحانه وتعالى، وسلّموا لوحدانيته.

أما اليهود والنصارى أسلموا للأحبار والرهبان وقبلوا تشريعاتهم دون أن‏ يخضعوا لله ويعملوا بشرائعه.

قال القرآن الكريم: (اتَّخَذُوا أحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أرْباباً مِّنْ دُونِ ‏اللهِ ‏وَ الْمَسَيحَ ابنَ مَرْيَمَ).

الأحبار: جمع حبر ومعناه: العالم الذي يقوم ببيان العلم وهو عالم النصارى واليهود.

والرهبان: جمع الراهب وهو: الذي يخشى الله، ويلبس مسوح العبادة، وهو عند اليهود والنصارى المتفرغ للعبادة فترك دنياه وسكن الدير، فهو الزاهد في الدنيا والمكب على العبادة.

ومما لا شك فيه أن اليهود والنصارى لم يسجدوا لأحبارهم ورهبانهم، ولم‏ يصلوا لهم، ولم يصوموا، ولم يؤدوا أية عبادة لهم أبداً، لكن لما كانوا منقادين لهم‏ بالطاعة دون قيدٍ أو شرطٍ، بحيث كانوا يعتقدون بوجوب تنفيذ حتى ‏الأحكام ‏المخالفة لحكم ‏الله من قِبَلِهم، فالقرآن عبّر عن هذا التقليد الأعمى بالعبادة.

وهذا المعنى واردٌ في رواية عن الإمامين الباقر والصادق ‏(ع) إذ قالا: (أما والله ما صاموا لهم ولا صلّوا، ولكنهم أحلوا لهم حراماً وحرّموا عليهم حلالاً، فاتبعوهم وعبدوهم من حيث لا يشعرون) (26).

وفي حديث آخر: إنّ عدي بن حاتم قال: (وفدت على رسول ‏الله‏ (ص) وكان في‏ رقبتي صليبٌ من الذهب، فقال لي ‏(ص): يا عدي ألق هذا الصنم عن رقبتك، ففعلت ذلك، ثم دنوت منه فسمعته يتلو الآية: (اتَّخَذُوا أحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أرْبَاباً) فلمّا أتم الآية قلت له: نحن لا نتخذ أئمتنا أرباباً أبداً: فقال: ألم يحرموا حلال ‏الله‏ و يحلوا حرامه فتتبعوهم؟ فقلت: بلى، فقال‏ (ص): فهذه عبادتهم) (27).

والدليل على هذا الموضوع واضحٌ، لأن التقنين خاصٌّ بالله، وليس لأحدٍ سواه ‏أن يحل أو يحرم للناس، أو يجعل قانوناً، والشيء الوحيد الذي يستطيع الإنسان أن ‏يفعله هو أن يكتشف قوانين الله و يطبق عليها مصاديق الأمور مورد الحاجة.

فبناءً على ذلك لو أقدم أحدٌ على وضع قانونٍ يخالف قانون ‏الله، و قبله إنسانٌ ‏آخر دون قيدٍ أو اعتراضٍ بقوله: لِمَ وعلامَ ؟ - مثلاً - فقد عبد غير الله ؟ وهذا بنفسه ‏نوعٌ من أنواع الشرك العملي، و بتعبيرٍ آخر: هو عبادة غير الله.

و يظهر من القرائن أن اليهود والنصارى يرون مثل هذا الاختيار لزعمائهم، بحيث لهم أن يغيروا ما يرونه صالحاً بحسب نظرهم، و ما يزال بعض المسيحيّين يطلب ‏العفو من القس فيقول له القسّ: عفوت عنك! وكان - منذ زمن- موضوع صكوك ‏الغفران رائجاً.

و في ختام الآية تأكيدٌ على هذه المسألة، وهي أن جميع هذه العبادات للبشر بدعةٌ، وهي من العبادات الموضوعة.

(وَمَا أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا إلهً وَاحِداً لا إلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)  (28) (29)

لهذا نرى أن الوجه الأول يقول: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَاْ إِلَهَ إِلَّا اللهَ ( يعني يجب عليك) فَاعْلَمْ ) صيغة فعل ‏الأمر موجودةٌ، فيجب عليك أن تعلم أن ‏الله سبحانه وتعالى: لا إله -في هذا العالم يعني التوحيد- إلا الله سبحانه وتعالى، طبعاً هناك مراتب ‏للتوحيد سيأتي بيانها في محلها إن شاء الله تعالى.

(والأمر) في قوله: فاعلم، لماذا جاء؟ طبعاً (للوجوب) كما درستم في محله من‏ علم الأصول، باعتبار أن مادة الأمر من الألفاظ الظاهرة في الوجوب والدالة عليه، وذلك لأن (العقل يستقل بلزوم الانبعاث عن بعث المولى و الانزجار عن ‏زجره قضاءً لحق المولوية و العبودية) (30).

س 60: ما هو الوجه الثاني للدليل السمعي لوجوب المعرفة؟

ج: لهذا الدليل عندنا طريقان:

الطريق الأول من خلال القرآن الكريم وذلك لما نزل من قوله تعالى: (إِنَّ فِي‏خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَاَلنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُوْلِى‏الْأَلْبَابِ) (31).

وهذه الآية الشريفة تعتبر من أوضح السبل لمعرفة الله تعالى ولهذا أولتها الأحاديث والأخبار المروية أهميةً خاصةً ومكانةً ساميةً بين غيرها من الآيات.

(عن عطاء بن رباح قال قلت لعائشة: أخبريني بأعجب ما رأيتِ من ‏رسول ‏اللَّه‏ (ص) قالت: أي شأنٍ لم يكن عجباً، إنه أتاني ليلةً فدخل معي في لحافي ثم ‏قال: ذريني أتعبد لربي، فقام فتوضأ ثم قام يصلي، فبكى حتى سالت دموعه على‏ صدره فركع فبكى، ثم سجد فبكى، ثم رفع رأسه فبكى فلم يزل كذلك حتى جاء بلال فأذنه بالصلاة، فقلت: يا رسول ‏الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك ‏وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً؟ ولم لا أفعل وقد أنزل عليَّ هذه الليلة: (إِنَّ فِي‏ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَاَلنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُوْلِي ‏الْأَلْبَابِ -إلى قوله- سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ثم قال: ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها) (32).

والعبارة الأخيرة التي تأمر الجميع -بتأكيدٍ كبيرٍ- بأن يفكروا في هذه ‏الآيات، رويت روايات عديدة بعباراتٍ مختلفةٍ تحث على هذا الأمر.

وفي روايةٍ منقولةٍ عن أمير المؤمنين‏ (ع) إن رسول ‏الله‏ (ص) كان إذا قام لصلاة الليل يسوك ثم ينظر إلى السماء ثم يقول: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ... -إلى ‏قوله تعالى- فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) (33).

وورد عن الأئمة (ع) من أهل‏ البيت الأمر بقراءة هذه الآيات الخمس‏ وقت ‏القيام بالليل للصلاة (34).

ولا شك -عزيزي القارئ- أن آيات القرآن الكريم ليست للقراءة والتلاوة فقط، بل هي نزلت لكي يفهم الناس مقاصدها ويدركوا معانيها، وما التلاوة والقراءة إلا مقدمة لتحقيق هذا الهدف أي التفكر والتدبر والفهم، ولهذا جاء القرآن في ‏الآية الأولى من الآيات الحاضرة يشير إلى عظمة خلق السماوات والأرض، ويقول: (إِنَّ فِي ‏خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَاَلنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُوْلِي ‏الْأَلْبَابِ)

 

 * الهوامش:

(1) سورة الأنبياء(ع)، الآية 23.

(2) تفسير الأمثل ج 10 ص 132.

(3) ميزان ‏الحكمة ج 6 ص 534 ح رقم 13867.

(4) ميزان الحكمة ج 1 ص 192 ح رقم 920.

(5) نفس ‏المصدر رقم ح 918.

(6) انظر فرائد الأصول ص 49.

(7) انظر نهج‏ الفصاحة، حرف اللام.

(8) نقلاً عن دروس في أصول الدين من منشورات في طريق الحق.

(9) سورة مريم(ع)، الآية 41 - 42.

(10) تفسير الأمثل بتصرف ج 9 ص 404.

(11) انظر التفسير الأمثل ج 9 ص 406.

(12) سورة إبراهيم(ع)، الآية 34 - 32.

(13) من أدعية ليلة الجمعة مفاتيح ‏الجنان قسم أعمال ليلة الجمعة.

(14) تفسير الأمثل بتصرف.

(15) سورة الأنعام، الآية 46.

(16) تفسير الأمثل بتصرف ج 5 و ح 23.

(17) سورة النحل، الآيات 18-17-16-15.

(18) سورة البقرة، الآية 115.

(19) ميزان ‏الحكمة ج 5 ح رقم 9586.

(20) بحار الأنوار، ج 78 ص 378.

(21) بحار الأنوار ج 41 ص 14.

(22) نفس المصدر.

(23) سلسلة حياة النبي محمد(ص) وأهل بيته(ع) ج 2 ص 106.

(24) سورة محمد(ص)، الآية 19.

(25) سورة الحج، الآية 34.

(26) مجمع ‏البيان ذيل الآية.

(27) مجمع‏ البيان ذيل الآية.

(28) سورة التوبة، الآية 31.

(29) تفسير الأمثل ج 6 بتصرف.

(30) أصول الفقه للمظفر ج 1 ص 56.

(31) سورة آل عمران، الآية 190.

(32) تفسير الدر المنثور ج 2 ص 111، وتفسير الرازي في ذيل الآية.

(33) تفسير نور الثقلين ومجمع ‏البيان.

(34) نفس المصدر.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا