تنقسم أدلّة المعتزلة ـ على عدم شمول الشفاعة لأصحاب الكبائر إذا لم يتوبوا ـ إلى أدلّةٍ عقليّةٍ وأدلّةٍ سمعيّةٍ قرآنيّةٍ وروائيّةٍ، وتقدّم الكلام في القسم الأوّل حول الأدلّة العقليّة، ومقدارٍ من الأدلّة القرآنيّة مع ما فيها من مناقشاتٍ، ولازال الكلام في الأدلّة القرآنيّة.
الآية الرابعة:
قوله تعالى: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}(1).
أخبر تعالى عن ملائكته أنّهم لا يشفعون لكلّ شخصٍ إلاّ أن يرتضيه الله (عزَّ وجلَّ)، والفاسق ليس بمرتضى عند الله تعالى، وإذا لم تشفع الملائكة له فكذا الأنبياء والأولياء (عليهم السلام)؛ لأنّه لا قائل بالفرق(2)، والفاسق غير مرضيٍّ عند الله تعالى، فلا يشفع الرسول (صلَّى الله عليه وآله) له، ولا الأولياء (عليهم السلام)، وقال مجاهد: لا يشفعون إلاّ لمن رضي الله عنه(3).
وعن ابن عبّاس في تفسير قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}(4) معناها: لا تشفع الملائكة إلا لمن رضي الله عنه، كما قال: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}(5).
المناقشة الأولى:
للفخر الرازيّ، ومحصّلها: إنّ الآية الكريمة تثبت الشفاعة لكلّ من صدق عليه بأنّ الله راضٍ عنه، وصاحب الكبيرة مرتضى عند الله تعالى؛ لأنّ الله تعالى راضٍ عن إيمانه، وعن توحيده، فتشمله الشفاعة، وعن ابن عبّاس والضحّاك أنّ معنى: {إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} أي: لمن قال: لا إله إلا الله(6). وعدم ارتضاء الله تعالى عن الفاسق من حيث فسقه لا يعني صدق عدم ارتضاء الله تعالى عنه بشكلٍ مطلقٍ، وثبت في العلوم المنطقيّة أنّ القضيّتين المهملتين لا تتناقضان، فقولنا: (زيدٌ عالمٌ.) على نحو القضيّة المهملة لا تتناقض مع: (زيدٌ ليس بعالمٍ.) إذا كانت مهملةً أيضاً، وإذا ثبت هذا فكذا قولنا: (صاحب الكبيرة مرتضى.)، و:(صاحب الكبيرة ليس بمرتضى.)، لا يتناقضان؛ لاحتمال أن يُقال: إنّه مرتضى بحسب دينه، ليس بمرتضى بحسب فسقه. وأيضاً فمتى ثبت أنّه مرتضى بحسب إسلامه صدق عليه عنوان مرتضى، فتشمله الشفاعة، فوجب دخوله تحت الاستثناء، وخروجه عن المستثنى منه، فثبت أنّه من أهل الشفاعة(7).
جواب المناقشة:
إنّ تخصيص الشفاعة لمن يرتضيه الله تعالى ليست قضيّةً مهملةً ـ بحسب الظاهرـ حتّى يُقال بأنّها لا تناقض عدم ارتضاء الله تعالى عن عبدٍ من جهة فسقه، بل ظاهرها - بحسب الانصراف عند الإطلاق - إلى كون العبد مرضيّاً عند الله من خلال عقيدته وطاعته، والمرتكب للكبيرة - مع عدم توبته عنها - ليس كذلك، نظير عدم رضا الأب عن الابن، والأمّ عنه، والسلطان عن رعيته، فإنّ الملحوظ في الرضا العقيدة والعمل، ومجرّد الإسلام - والتلفّظ من غير عملٍ - لا يعني تحقّق الرضا، وما أكثر الذنوب الّتي توجب سخط الله تعالى.
نعم ولو قامت قرينةٌ على أنّ المراد رضا الله من حيث العقيدة والتلفظ بالشهادتين، لأمكن صرف المعنى عن الظاهر، وعمّا تنصرف إليه من المعنى.
المناقشة الثانية:
وهي للعلاّمة الطباطبائيّ (قدِّس سرُّه)(8)، ومحصّلها أنّ المراد لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى الله دينه، وتعلّق الرضا بالدين - لا بالعمل - في الآية لثلاثة قرائن:
الأولى: إطلاق الارتضاء ولم يقيّده بعملٍ أو نحوه، ولو كان مقيّداً بالعمل لقيّده به، كما قيّد الرضا بالقول في قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً}(9)، حيث لم يقيّد في: (لمن ارتضى) عُرف بأنّ المراد من: (ارتضى) ارتضاء أنفسهم، أي: ارتضاء دينهم، لا ارتضاء عملهم.
الثانية: قوله تعالى:{يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إلى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إلى جَهَنَّمَ وِرْدًا * لاَ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}(10)، إنّ من اتخّذ عند الرحمن عهداً، يُملّك الشفاعة، ومن المجرمين من كان على دين الحقّ، لكنّه لم يعمل صالحاً، وهو الّذي اتخّذ عند الرحمن عهداً، ويدلّ على أنّ اتخّاذ العهد عند الرحمن هو كونه على دين الحقّ، قوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}(11)، فإنّ قوله: {وَأَنِ اعْبُدُونِي} عهدٌ بمعنى: (الأمر)، وقوله: {هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} عهدٌ بمعنى: (الالتزام)؛ لاشتمال الصراط المستقيم على الهداية إلى السعادة والنجاة، فيفهم أنّ اتخّاذ العهد عند الله هو اتخّاذ الدين الحقّ، فهؤلاء قومٌ من أهل الإيمان يدخلون النار؛ لسوء أعمالهم، ثمّ ينجون منها بالشفاعة، ويستشعر هذا المعنى من قوله تعالى: {قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا}(12)، فبين استفهامٍ استنكاريٍّ - فهل هؤلاء اليهود المحرّفين على دين الحقّ حتّى يقولوا: «لن تمسّنا النار إلاّ أيّاماً معدودةً، ثمّ نخرج منها بالشفاعة.»؟!-، ومفهوم الآية أنّ من اتخّذ عند الله عهداً - أي: كان على دين الحق - لا تمسّه النار إلاّ مجرّد أيّامٍ معدودةٍ، فجميع الآيات الآنفة تدلّ على مورد الشفاعة، أعني المشفوع لهم يوم القيامة هم: الدائنون بدين الحقّ من أصحاب الكبائر، وهم الّذين ارتضى الله دينهم(13).
القرينة الثالثة: ما رواه الفريقان من طرقٍ متعدّدةٍ عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) أنّه قال: «إنمّا شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي»، ولو لم يثبت هذا عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) فإنّا قد أثبتناه عن طريق الآيات المتقدّمة(14).
التأمّل في المناقشة:
القرائن الّتي ذكرها السيّد العلاّمة لا تخلو من نظرٍ، ما عدا الثالثة، وسيأتي الحديث فيها، فأمّا القرينة الأولى: فلما تقدم من ردّ المناقشة الأولى، من أنّ ظاهر الارتضاء يتعلّق بالعقيدة والعمل معاً، كما يظهر من عدّة آياتٍ من القرآن الكريم، مثل:
1) {قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(15)، رضي الله عنهم بما فعلوا(16).
2) وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}(17)، فظاهر الآية الشريفة أنّ الاتّباع بالإحسان له مدخليّةٌ في حصول الرضا، وقال الشيخ الطوسيّ في تفسير الآية:
(ثمّ أخبر أنّ الله رضي عنهم، ورضي أفعالهم، ورضوا هم أيضاً عن الله؛ لما أجزل لهم من الثواب على طاعتهم، وإيمانهم...)(18).
فالعطف في قوله: (ورضي أفعالهم) عطفٌ تفسيريٌّ؛ إذ لا يوجد إلاّ رضا واحدٌ من الله تعالى في الآية الشريفة، وقال الشيخ الطبرسيّ: (أخبر سبحانه أنّه رضي عنهم أفعالهم)(19).
3) وقال تعالى: {وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(20)، رضي الله عنهم بإخلاصهم الطاعة له(21).
4) {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّه}(22)، رضي أفعالهم، وبما قدّموه من طاعاتٍ(23).
وفي روايةٍ عن الإمام الصادق (عليه السلام) تدلّ أنّ الرضا لا ينحصر بالرضا بالدين دون العمل، يرويها الكلينيّ، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حفص المؤذن، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رسالته إلى أصحابه، قال: «واعلموا أنّه ليس يغني عنكم من الله أحدٌ من خلقه شيئاً، لا ملكٌ مقرّبٌ، ولا نبيٌّ مرسلٌ، ولا من دون ذلك، فمن سرّه أن ينفعه شفاعة الشافعين عند الله، فليطلب إلى الله أن يرضى عنه»(24).
فإنّ الإمام (عليه السلام) يخاطب أصحابه، ولا شكّ أن دينهم مرضيٌّ، فلم يبقَ معنى لطلب الرضا إلا في العمل.
وأما القرينة الثانية: فإنّ نفس العلاّمة (قدِّس سرُّه) - عند تفسيره لقوله: {لاَ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} - بيَّن أنّ المراد من: {مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} هو: أنّ الشفيع يملك الشفاعة بعهدٍ من الله تعالى، وهذا لا يكون إلاّ إلى صفوة أوليائه، ونصّ عبارته عند تفسيره للآية في محلّها هو:
(هذا جوابٌ ثان عن اتخّاذهم الآلهة للشفاعة، وهو أنّ ليس كلّ من يهوى الإنسان شفاعته فاتخّذه إلهاً - ليشفع له - يكون شفيعاً، بل إنمّا يملك الشفاعة بعهدٍ من الله، ولا عهد إلاّ لآحادٍ من مقرّبي حضرته، قال تعالى: {وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ})(25).
وأمّا كون معنى: {مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} هو أنّ المُشفع لهم لا يملكون الشفاعة إلاّ من اتخّذ عند الرحمن عهداً، والعهد هو: الإيمان بالله، والتصديق بالنبوّة، ـ فإنمّا ذكره قولاً مشعراً بتضعيفه، وصرّح بترجيح المعنى الأوّل الّذي اختاره، وقال: هو الأوجه، وهو بالسياق أنسب(26).
مضافاً إلى أنّه قد ورد من الأخبار ما يفسّر العهد في قوله: {مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}، فعن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديثٍ جاء فيه سؤال الراوي عن هذه الآية:
«قلتُ: قوله: {لاَ يمَلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} قال: إلاّ من دان بولاية أمير المؤمنين، والأئمّة من بعده، هو العهد عند الله»(27).
تدلّ على أنّ اتخّاذ العهد ليس مجرّد الشهادتين.
وفي روايةٍ أخرى تطبّق وصيّة الميت بنحوٍ خاصٍّ على عهد الله في الآية الشريفة، يرويها المحمّدون الثلاثة(28) بسندٍ متّصلٍ عن سليمان بن جعفر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «من لم يحسن وصيّته عند الموت كان نقصاً في مروءته، وعقله. قيل: يا رسول الله، وكيف يوصي الميت؟ قال: إذا حضرته وفاته، واجتمع الناس إليه، قال: اللّهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، اللّهم إنيّ أعهد إليك في دار الدنيا أنيّ أشهد أن لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأنّ محمّداً عبدك، ورسولك، وأنّ الجنّة حقٌّ، وأنّ النار حقٌّ، وأنّ البعث حقٌّ، وأنّ الحساب حقٌّ، والقدر والميزان حقٌّ، وأنّ الدين كما وصفت، وأنّ الإسلام كما شرعت، وأنّ القول كما حدَّثت، وأنّ القرآن كما أنـزلت، وأنّك أنت الله الحقّ المبين، جزى الله محمّداً (صلَّى الله عليه وآله) خير الجزاء، وحيّا الله محمّداً وآل محمّدٍ بالسلام، اللّهم يا عدّتي عند كربتي، ويا صاحبي عند شدّتي، ويا وليّ نعمتي، إلهي وإله آبائي، لا تكلني إلى نفسي طرفة عينٍ أبداً؛ فإنّك إن تكلني إلى نفسي طرفة عينٍ أقرُبُ من الشرّ، وأبعُدُ من الخير، فآنِسْ في القبر وحشتي، اجعل لي عهداً يوم ألقاك منشوراً. ثمّ يوصي بحاجته، وتصديق هذه الوصية في القرآن في السورة الّتي يذكر فيها مريم في قوله (عزَّ وجلَّ): {لاَ يمَلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}، فهذا عهد الميت، والوصيّة حقٌّ على كلّ مسلمٍ أن يحفظ هذه الوصيّة، ويعلمها، وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): علّمنيها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): علّمنيها جبرئيل (عليه السلام)»(29).
وهذه الرواية تشعر بالمعنى الّذي يذهب إليه الطباطبائيّ من العهد، وإن كان التطبيق لحالةٍ خاصّةٍ.
وأما القرينة الثالثة فهي العمدة في المقام، وسوف يأتي الحديث في حدودها إن شاء الله تعالى.
المناقشة الثالثة:
وهي للشيخ الطوسيّ (قدِّس سرُّه)، ومفادها أنّ الآية ليست ظاهرةً في كون ارتضاء الله تعالى عن العبد من حيث العمل، بل يمكن أن يكون المراد: لا يشفعون إلاّ لمن رضي الله أن يُشفع فيه، قال:
(وهذا الّذي ذكروه ليس في الظاهر، بل لا يمتنع أن يكون المراد: لا يشفعون إلاّ لمن رضي الله أن يُشفع فيه، كما قال تعالى: {مَنْ ذَا الّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}، والمراد: أنّهم لا يشفعون إلاّ من بعد إذن الله لهم، فيمن يشفعون فيه)(30).
ونظير هذه المناقشة نقلها الفخر عن بعض المفسّرين، فقال ما مفاده: (إذا قلنا: إنّ المراد من الآية الكريمة هو أنّ الملائكة لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله منه شفاعته. فلا تدلّ إلاّ على أنّ تحقّق الشفاعة لشخصٍ مشروطةٌ بأن تكون ممّن يرضى الله عن شفاعته، وليس فيها نظرٌ إلى من يكون الله راضياً عن شفاعته)(31).
فبناءً على هذه المناقشة: إنّ الآية الكريمة لا تدلّ على عدم شمول الشفاعة لمرتكبي الكبائر إذا لم يتوبوا، كما أنّها لا تدلّ على شمول الشفاعة لهم، وإنمّا تدلّ على أنّ الشفاعة يمكن أن تتحقّق إذا كان الله راضياً بتحقّقها، وليس فيها نظرٌ إلى من تتعلّق به الشفاعة، فلا تدلّ على ما هي صفات الأشخاص الّذين يرضى الله بتحقّق الشفاعة لهم.
التأمّل في المناقشة:
إنّ حمل {إِلاَّ لمَِنِ ارْتَضَى} على: (إلاّ من ارتضى الله تحقق الشفاعة فيه من الشفعاء) - تحتاج إلى تقدير أكثر من معنى لمن ارتضى الله عنه.
وكما أنّ هذه المناقشة لا يقبلها من يرى دلالة الآية على عدم شمول الشفاعة لمرتكبي الكبائر، كذلك لا يرتضيها من يرى أنّ الآية تدلّ على شمولها لهم، كالفخر الرازيّ، حيث أجاب عن هذه المناقشة فقال ما مفاده: (إنّ حمل الآية على أنّ المراد: (لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى الله بشفاعته)، فلا داعي له، ولا فائدة فيه، بخلاف حملها على معنى: (لا يشفعون إلاّ لمن ارتضاه الله)، حيث إنّ الآية تفيد الترغيب والتحريض على طلب مرضاة الله (عزَّ وجلَّ)، والاحتراز عن معصيته، وتفسير كلام الله على ما يكون أكثر فائدةً أَوْلى من غيره من التفسير)(32).
المناقشة الرابعة:
وهي للشيخ الطوسيّ أيضاً، ومفادها أنّه على فرض التنـزّل على كون المراد من: {إِلاَّ لمَِنِ ارْتَضَى} هو: (إلاّ لمن ارتضى عمله)، فإنّ المعنى: ارتضى إيمانه، وكثيراً من طاعاته(33).
فإذا كانت الطاعة غالبةً من العبد على المعاصي فيصحّ تعلّق الرضا بالأعمال، فيكون إطلاق الرضا عليها من باب الغلبة، فتشمل الشفاعة من ارتكب الكبائر إذا غلبت عليها الطاعات.
لكنْ قد يُقال: بأنّ هذه المناقشة أخصّ من المدّعى.
الآية الخامسة:
قوله (عزَّ وجلَّ): {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}(34).
ولو كان الله سبحانه يغفر للفاسق - الّذي لم يتبْ - بتوسّط الشفاعة، لما كان معنى لتقييد المُستغفر إليهم في دعاء استغفار الملائكة للمؤمنين بالّذين تابوا، واتّبعوا السبيل(35).
قال الزمخشريّ: فإن قلتَ: ما الفائدة في استغفارهم لهم، وهم تائبون، صالحون، موعودون المغفرة، والله لا يخلف الميعاد؟!
قلتُ: هذا بمنـزلة الشفاعة، وفائدته زيادة الكرامة والثواب(36).
المناقشة الأولى:
مناقشة الفخر الرازيّ، ومفادها أنّ نفس الآية تدلّ على أنّ شفاعة الملائكة تحصل للمذنبين الّذين لم يتوبوا، ويستفاد ذلك منها من ثلاثة وجوهٍ:
الأوّل: في قوله في صدر الآية: {بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا}، فكلّ من صدق عليه عنوان المؤمن، فإنّ الملائكة تستغفر له، وصاحب الكبيرة من جملة المؤمنين، فوجب دخوله في جملة من تستغفر الملائكة لهم، أقصى ما في الباب أنّه ورد بعد ذلك قوله: {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ}، إلاّ أنّ هذا لا يقتضي تخصيص ذلك العام؛ لما ثبت في أصول الفقه أنّ اللفظ العامّ إذا ذكر بعده بعض أقسامه، فإنّ ذلك لا يوجب تخصيص ذلك العامّ بذلك الخاصّ، أو إثبات شيءٍ لبعض الأفراد لا ينفي ثبوته لبعضٍ آخر(37).
الثاني: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا}، والاستغفار طلب المغفرة، والمغفرة لا تذكر إلاّ في إسقاط العقاب، أمّا طلب النفع الزائد فإنّه لا يسمّى استغفاراً.
الثالث: قوله تعالى: {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا}، طلب المغفرة للّذين تابوا، ولا يجوز أن يكون المراد إسقاط عقوبة الكبيرة بعد التوبة؛ لأنّ ذلك واجبٌ على الله عند المعتزلة، وما كان فعله واجباً كان طلبه بالدعاء قبيحاً، ولا يجوز أيضاً أن يكون المراد إسقاط عقوبة الصغائر؛ لأنّ ذلك أيضاً واجبٌ، فلا يحسن طلبه بالدعاء، ولا يجوز أن يكون المراد طلب زيادة منفعةٍ على الثواب؛ لأنّ ذلك لا يسمّى مغفرةً، فثبت أنّه لا يمكن حمل قوله: {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا} إلاّ على إسقاط عقاب الكبيرة قبل التوبة.
وإذا ثبت تحقّق شفاعة الملائكة للمذنبين، فكذلك تثبت شفاعة الأنبياء؛ للإجماع على عدم الفرق(38).
جواب المناقشة:
أوّلاً: ظاهر سياق الآية الكريمة يفيد بأنّ الخاصّ الّذي جاء بعد العامّ يفسّر العامَّ، فهما في سياقٍ واحدٍ، فقول الملائكة: {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا}، يفسّر قوله: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}، فاستغفار الملائكة للمؤمنين هو بهذا الدعاء، ولا يفهم من الآية أنّ للملائكة استغفارين، أحدهما لمطلق من أسلم، والآخر لخصوص من تاب.
ثانياً: قول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}(39) - يصلح ردّاً على دعوى لغْويّة الاستغفار للتائب.
ثالثاً: على فرض تحقّق التوبة الّتي ترتّب عليها المغفرة لا مانع من استغفار الملائكة لهم، بناءً على ما أفاد الشيخ الطوسيّ، والشيخ الطبرسيّ من أنّ إسقاط العذاب من الله تعالى عن التائب تفضّلٌ منه(40).
رابعاً: إنّ التوبة لها مراتب ومستوياتٌ، ولا تلازم بين تحقّق المغفرة وتحقّق صرْف التوبة، ومن أيّ مستوى كانت.
المناقشة الثانية:
وهي تُفهم من كلام العلاّمة الطباطبائيّ(41)، أنّ التوبة هنا ليست التوبة عن المعصية الّتي هي فرع الإيمان، وإنمّا التوبة هي الرجوع إلى الله تعالى بالإيمان، قال في تفسير: {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ}: والمعنى: فاغفر للّذين رجعوا إليك بالإيمان بوحدانيّتك، وسلوك سبيلك الّذي هو الإسلام، وقِهِمْ عذاب الجحيم، وهو: غاية المغفرة(42).
وأفاد في مورد تفسير: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ}(43)، أنّ المراد من التوبة أصل الإيمان، واستشهد بالآية الّتي هي محلّ البحث، قال:
والمراد بمن تاب مع النبيّ: المؤمنون؛ الّذين رجعوا إلى الله بالإيمان، وإطلاق التوبة على أصل الإيمان - وهو رجوعٌ من الشرك - كثير الورود في القرآن، كقوله تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعت كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ}(44)، إلى غير ذلك(45).
التأمّل في المناقشة:
أوّلاً: حمل التوبة على الإيمان خلاف الظاهر، ولا يصار إليه إلاّ بقرينةٍ صارفةٍ واضحة المعالم، وإطلاق استغفار الملائكة لمن في الأرض - من غير تخصيصٍ بالمؤمنين في قوله تعالى: {وَالْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ}(46) - يمكن أن يخصّص بالآية الّتي هي محلّ البحث، كما فعل ذلك الشيخ مكارم الشيرازيّ(47).
ثانياً: ما ورد من مرسلة ابن أبي عميرٍ، عن بعض أصحابنا، من أنّ استغفار الملائكة خاصٌّ للتائبين من الذنوب، الرواية يرويها الشيخ الكلينيّ، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عميرٍ، عن بعض أصحابنا، رفعه قال:
«إنّ الله (عزَّ وجلَّ) أعطى التائبين ثلاث خصالٍ، لو أعطى خصلةً منها جميع أهل السماوات والأرض لنجوا بها، قوله (عزَّ وجلَّ): {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ}(48)، فمن أحبّه الله لم يعذّبه، وقوله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، وقوله (عزَّ وجلَّ): {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا}(49).
ثالثاً: ما ورد مستفيضاً - إن لم يكن متواتراً - من اختصاص استغفار الملائكة للمؤمنين بالمعنى الخاصّ(50)، حيث إنّ المستفاد استغفار الذنوب الّتي هي فرع الإسلام والإيمان.
وهذا الوجه الأخير - وسابقه - يصلحان ردّاً على مناقشة الرازيّ أيضاً.
الآية السادسة:
قوله (عزَّ وجلَّ): {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}(51).
احتجّ المعتزلة(52) بهذه الآية أيضاً؛ لعدم شمول الشفاعة لمرتكب الكبيرة؛ حيث إنّ المجرمين اقترفوا ما أوجب دخلوهم النار، فلا تنفعهم شفاعة الشافعين.
قال الزمخشريّ:
لو شفع لهم الشافعون جميعاً - من الملائكة، والنبيّين، وغيرهم - لم تنفعهم شفاعتهم؛ لأنّ الشفاعة لمن ارتضاه الله، وهم مسخوطٌ عليهم، وفيه دليلٌ على أنّ الشفاعة تنفع يومئذٍ؛ لأنهّا تزيد في درجات المرتضين(53).
المناقشة:
ما أطبق عليه المفسّرون من كون الآية خاصّةً بالكافرين، ولربما يُقال: إنّ استدلال الرازيّ بها على وقوع الشفاعة يصلح مناقشةً للمعتزلة، ودلالتها على ثبوت الشفاعة للمسلمين بناءً على مفهوم اللقب، أو بتعبيره: دليل الخطاب، فالكافرون لا تنفعهم شفاعة الشافعين، يعني بالمفهوم: أنّ شفاعة الشافعين تنفع المسلمين(54).
وكذا العلاّمة الطباطبائيّ يرى دلالتها على وقوع الشفاعة بقرائن ثلاثٍ:
الأولى: أنهّا تنفي الانتفاع عن طائفةٍ خاصّةٍ من المجرمين الّذين ذكرت الآية صفاتهم، لا عن جميع المجرمين.
الثانية: الشفاعة في الآية الكريمة مضافةٌ، لا مقطوعةٌ عن الإضافة، ونفي المصدر المضاف يشعر بوقوع الفعل في الخارج، ففرقٌ بين جملة: (لا تنفعهم الشفاعة.)، وبين جملة: (فلا تنفعهم شفاعة الشافعين.).
الثالثة: كون المضاف إليه بصيغة الجمع يدلّ على وقوع الشفاعة، ولو لم تقع كان الإتيان بصيغة الجمع لغوٌ؛ لأنّ صيغة الفرد تقوم مقامها، فلا معنى للإتيان بصيغة الجمع(55).
لكنّ مجرّد كون الآية تثبت الشفاعة لا يصلح ردّاً للمعتزلة؛ لأنّ المعتزلة لا تنكر أصل وقوع الشفاعة، وقد تقدّم عن الزمخشريّ أنّ الآية تدلّ على أنّ الشفاعة تنفع في زيادة النفع.
نعم، ظاهر العلامة بأنّ من اتّصف بالصفات الّتي ذكرتها الآية الكريمة - من أنّ المجرمين لا تشملهم الشفاعة - يفيد بأنّ من لم يتّصف بتلك الصفات من المجرمين فإنّ الشفاعة تنفعه، وقد وضَّحَ كلامَه أكثر في موردٍ آخر، ومحصّل ما أفاد: أنّ قوله تعالى:
{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ}(56).
تبيّن الآيات أنَّ كلّ نفسٍ مرهونةٌ بعملها، مؤاخذةٌ على ما ارتكبتْ من الذنوب، إلاّ أصحاب اليمين، وأمّا المجرمون الّذين سلكوا سقر فإنّهم مرهونون بأعمالهم، لكن ليس كلّ المجرمين، بل المجرمون الّذين يتّصفون بما وصفتهم به الآيات الكريمة، وأمّا من لم يتّصف بتلك الصفات فهو من أصحاب اليمين، وإن كان من المجرمين، لكنّ الله سبحانه فكَّ نفوسهم عن رهان الذنوب والآثام بواسطة الشفاعة، فأصحاب اليمين هم المشفَّعون بالشفاعة، وبيان ذلك:
إنّ الآيات تُعرِّف أصحاب اليمين بانتفاء الأوصاف المذكورة في الآية الكريمة، والآيات من سورة المدّثر، وهي مكّيّةٌ، نـزلتْ في بدايات البعثة النبويّة، ولم يشرّع الله في ذلك الوقت الصلاة - والزكاة - بالكيفيّة التفصيليّة في الأحكام الفقهيّة، فالمراد من الصلاة - وهي الصفة الأولى- في قوله: {لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ} هو: التوجّه إلى الله تعالى بالخضوع إلى عبادته عمّن سواه، والمراد من الصفة الثانية (إطعام المسكين): مطلق الإنفاق على المحتاجين في سبيل الله، دون الصلاة والزكاة المعهودتين في الشريعة الإسلاميّة، والصفة الثالثة هي: الخوض، وهو الغور في ملاهي الحياة، وزخارف الدنيا، الّتي تصرف الإنسان عن الإقبال على الآخرة، وذكر يوم الحساب، والصفة الرابعة: التعمّق في الطعن في آيات الله، الّتي تذكّر يوم الحساب، وتنذر به، والّتي تبشّر بالجنّة للموحّدين.
وهذه الصفات الأربع أركانٌ للدين؛ لأنّ الدين - بحسب الاعتقاد والعمل - يقوم بهذه الخصال الأربع، وأمّا بقيّة أركان الدين - كالنبوّة - فهي لازمةٌ لهذه الأركان الأربعة، وأصحاب اليمين من لا يتّصف بهذه الصفات، فهم المرضيّ عنهم في الدين والاعتقاد، سواء كانتْ أعمالهم مرضيّةً فلا يحتاجون إلى الشفاعة يوم القيامة، أو لم تكن أعمالهم مرضيّةً فهم المحتاجون إلى الشفاعة، وهم الّذين لم يجتنبوا الكبائر، وأمّا الّذين اجتنبوا الكبائر - ولم يجتنبوا الصغائر - فإنهّم غير محتاجين للشفاعة؛ لأنّ الله يقول: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا}(57)، فثبت أنّ الشفاعة لأهل الكبائر من أصحاب اليمين(58).
وإنمّا أُطلق عليهم لقب: (أصحاب اليمين) في مقابل: (أصحاب الشمال)، وقد يُطلق عليهم: (أصحاب الميمنة) مقابل: (أصحاب المشأمة)، وهي مأخوذةٌ ممّا اصطلح عليه القرآن من إيتاء الإنسان يوم القيامة كتابه بيمينه(59).
الآية السابعة:
وهي قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}(60)، وكذا قوله: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}(61)، وكذا بقيّة الآيات النافية لوجود أنصارٍ للظالمين يوم القيامة، ولو كان الرسول (صلَّى الله عليه وآله) يشفع للفاسق من أمّته لوصفوا بأنهّم منصورون؛ لأنّه إذا تخلّص بسبب شفاعة الرسول (صلَّى الله عليه وآله) عن العذاب فقد بلَغَ الرسولُ النهايةَ في نصرته(62).
وقال الزمخشريّ في مورد الآية الثانية: {وَمَا لِلظَّالمِيِنَ}: اللام إشارةٌ إلى من يدخل النار، وإعلامٌ بأنّ من يدخل النار فلا ناصر له بشفاعةٍ، ولا غيرها(63).
المناقشة الأولى:
وهي للشيخ الطوسيّ (قدِّس سرُّه)، ومفادها: أنّ حقيقة الشفاعة تختلف عن حقيقة النصرة، قال في مورد الآية الأولى:
والنصير: هو المعين على العدوّ، فعلى هذا لا تدلّ الآية على أنّه لا شفاعة لمرتكبي الكبائر؛ لأنّ لا أحدَ يقول: إنّ لهم معيناً على عدوّهم في مورد الشفاعة، بل إنمّا نقول: لهم من يسأل في بابهم على وجه التضرّع، ولا يسمّى ذلك نصراً على حالٍ(64).
وقال في مورد الآية الثانية: معناه: ليس للظالمين من يدفع عنهم على وجه المغالبة والقهر؛ لأنّ الناصر هو: الّذي يدفع عن المنصور على وجه المغالبة، ولا ينافي ذلك الشفاعة في أهل الكبائر؛ لأنّ الشفاعة هي: مسألةٌ، وخضوعٌ، وتضرّعٌ إلى الله تعالى، وليستْ من النصرة في شيءٍ، وقوله (صلَّى الله عليه وآله): «يخرجون من النار بعد ما يصيرون حمماً وفحماً.»، صريحٌ بوقوع العفو عن مرتكبي الكبائر(65).
وتبع الشيخ الطبرسيّ الشيخ الأنصاريّ في هذه المناقشة(66)، والفخر الرازيّ تمسّك بالمتبادر العرفيّ؛ لاختلاف أحدهما عن الآخر، قال:
إنّ العرف لا يسمّي الشفيع ناصراً، بدليل قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ}(67)، ففرّق تعالى بين الشفيع والناصر، فلا يلزم من نفي الأنصار نفي الشفعاء(68).
المناقشة الثانية:
للفخر الرازيّ، مفادها: أنّ مدلول {مَا لِلظَّالمِيِنَ مِنْ أَنْصَارٍ} سلب العموم، لا عموم السلب، وتقدّم نظير هذه المناقشة له(69).
المناقشة الثالثة:
له أيضاً، قال: إنّ هذا الدليل النافي للشفاعة عامٌّ في حقّ الكلّ، وفي كلّ الأوقات، والدليل المثبت للشفاعة خاصٌّ في حقّ البعض، وفي بعض الأوقات، والخاصّ مقدّمٌ على العامّ(70).
المناقشة الرابعة:
له أيضاً، ومفادها: أنّ دلالة العموم إنمّا تدلّ على الاستغراق بالظهور الظنيّ، والمسألة ليست ظنّيّةً، ولا بدّ فيها من العلم(71).
المناقشة الخامسة:
العلاّمة الطباطبائيّ يرى في الآية الأولى عدم النصير، وعدم الشفيع؛ وذلك لخصوصيّة ترك العمل بوجوب الإنفاق، وليس كذلك باقي المعاصي الكبيرة(72).
الآية الثامنة:
قوله (عزَّ وجلَّ): {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ}(73)، يدلّ على أنّ كلّ الفجّار يدخلون النار، وعنوان الفاجر يشمل الفاسق من المسلمين، وتدل على أنّهم لا يغيبون عن النار، وإذا ثبت أنّهم لا يغيبون عنها ثبت أنّهم لا يخرجون منها، وإذا كان كذلك فليس هناك من يشفع لهم، فليس لهم نصيب من الشفاعة، لا في العفو عن العقاب، ولا في الإخراج من النار بعد أن أدخلهم الله فيها(74).
وربما يؤيّد هذا المعنى بما يُظنّ من تصديق الإمام الصادق (عليه السلام) لخبر أبي ذرّ الّذي يرويه الشيخ الكلينيّ بسندٍ إلى عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
«جاء رجلٌ إلى أبي ذرّ، فقال: يا أبا ذرّ، ما لنا نكره الموت؟! فقال: لأنّكم عمرتم الدنيا، وأخربتم الآخرة، فتكرهون أن تُنقلوا من عمرانٍ إلى خرابٍ. فقال له: فكيف ترى قدومنا على الله؟ فقال: أمّا المحسن منكم فكالغائب يقدم على أهله، وأمّا المسيء منكم فكالآبق يَرِدُ على مولاه. قال: فكيف ترى حالنا عند الله؟ قال: اعرضوا أعمالكم على الكتاب، إنّ الله يقول: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ}...الخ»(75).
فإنّ نقل الإمام الصادق (عليه السلام) لكلام أبي ذرّ فيه لمسة تصديقٍ وإمضاءٍ له، والرجل الّذي جاء إلى أبي ذرّ من المسلمين.
ونقل الرازيّ عن الجبائيّ أنّه قال: لو خَصَّصْنا قولَه: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} لكان بعض الفجّار يصيرون إلى الجنّة، ولو صاروا إليها لكانوا من الأبرار، وهذا يقتضي أن لا يتميّز الفجّار عن الأبرار، وذلك باطلٌ؛ لأنّ الله تعالى ميَّزَ بين الأمرين، فإذن يجب أن لا يدخل الفجّار الجنّة، كما لا يدخل الأبرار النار(76).
المناقشة الأولى:
للشيخ الطوسيّ، ومفادها:
أوّلا: أنّ الآية مختصّةٌ بالكافرين.
وثانياً: أنّ المؤمنين لهم ثوابٌ دائمٌ على إيمانهم، فلا يكونون ملازمين للنار، فإذا دخلوا النار فإنّهم يخرجون؛ حتّى يوافوا ثوابهم(77).
وقال الشيخ الطبرسيّ في وجه اختصاصها بالكافرين: وقد دلّ الدليل على أنّ أهل الكبيرة من المسلمين لا يخلدون في النار؛ ولأنّه سبحانه قد ذكر المكذّبين بالدين فيما قبل هذه الآية، فالأولى أن تكون لفظة الفجّار مخصوصةً بهم(78).
المناقشة الثانية:
للفخر الرازيّ، ومحصّلها: أنّه مع التسليم أنّ العموم يفيد القطع، فإنّه لا يُسلَّم بأنّ عنوان الفاجر يشمل الفاسق في الآية، بدليل قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ}(79)؛ لأنّ المراد لا يخلو من أحد معنيين:
الأوّل: أولئك هم الكفرة من الفجرة، فتكون الفجرة قيداً للكفرة.
والثاني: أولئك هم الكفرة، وهم الفجرة.
والأوّل ليس صحيحاً؛ لأنّ كلّ كافرٍ فاجرٌ بالإجماع، فتقييد الكافر بالفاجر عبثٌ، وإذا بطل المعنى الأوّل تعيّن المعنى الثاني، ويفيد حصر الفاجر بالكافر، إذا ثبت أنّ الكافر هو الفاجر لا غير، ثبت أنّ الفاسق من المسلمين ليس فاجراً.
وعلى فرض شمول عنوان الفاجر للمسلم، فإنّ قوله: {وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ} بحاجةٍ إلى تقديرٍ؛ لأنّ ظاهرها أنّهم في الحال غير غائبين عنها، وتقدير المعتزلة هو: أنهّم بعد أن يدخلوها فإنّهم لا يغيبون عنها، ولكنّ التقدير عندنا هو: أنّهم في الحال ليسوا غائبين عن استحقاق الكون في الجحيم، وثبوت الاستحقاق لا ينافي العفو.
وعلى فرض أنّ تقديرهم هو الصحيح، فإنّ الآية تعارض ما دلّ على ثبوت الشفاعة، وهو أقوى دلالةً، فيخصّصُ هذه الآية بالكافرين(80).
الآية التاسعة:
قوله تعالى: {َفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ}(81).
قال القاضي عبد الجبّار في تقريب ما يراه من عدم شمول الشفاعة لمرتكب الكبيرة إذا لم يتب بهذه الآية:
تدلّ الآية على أنّ من أخبر الله تعالى أنّه يعذّبه لا يخرج من النار، فإذا صحّ أنّه أخبر بذلك في الفجّار والفسّاق، فيجب فيهم، ويدلّ أيضاً على أنّه لا يشفع النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) لهم؛ لأنّه لو شفع لهم لوجب أن يكون منقذِاً من النار، وقد نفى الله تعالى عنه ذلك(82).
والزمخشريّ وإنْ لم يصرّح باستفادة نفي الشفاعة للمذنبين من الآية، إلاّ أنّه يستشعر منه ذلك، قال في مورد تفسيره للآية: وقوله: {أَفَأَنتَ تُنقِذُ} يفيد أنّ الله تعالى هو الّذي يقدر على الإنقاذ من النار وحده، لا يقدر على ذلك أحدٌ غيره، فكما لا تقدر أنت أن تنقذ الداخل في النار من النار، لا تقدر أن تخلّصه ممّا هو فيه من استحقاق العذاب بتحصيل الإيمان فيه(83).
المناقشة:
وأجاب الفخر الرازيّ بقوله: لا نسلّم أنّ أهل الكبائر قد حقّ عليهم العذاب، وكيف يحقّ العذاب عليهم مع أنّ الله تعالى قال: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}(84)؟! ومع قوله: {إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً}(85)؟! والله أعلم(86).
ويمكن أن يُقال: بأنّ شفاعة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) - والأولياء - إنمّا تكون بإذن الله تعالى، وأصل الشفاعة لله تعالى، كما قال: {قُلْ للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}(87)، فالمنقذ من النار هو الله تعالى، وإن كان بشفاعة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، ولا أحد غير الله ينقذ من في النار.
النتيجة: والحقّ أنّ تنقيح النقاش مع المعتزلة من خلال الروايات الواردة عن طريق بيت العصمة والطهارة، بعد التعرض إلى بعض روايات العامّة، ولو أنّهم تمسّكوا بها لما وقعوا في الّذي وقعوا فيه، وأمّا استظهار دلالة شمول الشفاعة لأهل الكبائر - حتّى ولو لم يتوبوا - من الآيات في نفسها فمشكلٌ جدّاً، بل لو لم تكن أدلّةٌ أخرى سوى الآيات الكريمة لما كان رأي المعتزلة ببعيدٍ.
ثانيا: الروايات:
أولاً: روايات العامّة:
ما ينقله الفخر عن المعتزلة أربع رواياتٍ، استدلّ بها المعتزلة على عدم شمول الشفاعة لأصحاب الكبائر إذا لم يتوبوا(88):
الأولى: عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أتى المقبرة، فقال: «السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون، وددتُ أنَّا قد رأينا إخواننا. قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟! قال: أنتم أصحابي، وإخواننا الّذين لم يأتوا بعد. فقالوا: كيف تعرف من لم يأتِ بعد من أمّتك يا رسول الله؟ فقال: أرأيت لو أنّ رجلاً له خيلٌ غرٌّ محجّلةٌ بين ظهري خيلٍ دهم بهم، ألا يعرف خيله؟! قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فإنّهم يأتون غرّاً محجّلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليذادنّ رجالٌ عن حوضي كما يذاد البعير الضالّ، أناديهم: ألا هلمّ. فيُقال: إنّهم قد بدّلوا بعدك، فأقول: سحقاً، سحقاً(89).
ومحلّ الشاهد أنّ الرسول (صلَّى الله عليه وآله) لو كان شافعاً لهؤلاء لما قال لهم: سحقاً، سحقاً. وكيف يكون شافعاً لهم في تخليصهم من العذاب الدائم وهو يمنعهم شربة ماءٍ؟!
الثانية: عن جابر بن عبد الله (رضيَّ الله عنه) أنّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) قال لكعب بن عجرة: أعاذك الله - يا كعب بن عجرة - من إمارة السفهاء. قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: أمراءٌ يكونون من بعدي، لا يهتدون بهديي، ولا يستنّون بسنّتي، فمن صدّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا منّي، ولستُ منهم، ولا يردون عليَّ حوضي، ومن لم يصدّقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك منّي، وأنا منهم، وسيردون على حوضي، يا كعب بن عجرة، إنّه لا يدخل الجنّة لحمٌ نبت من سحتٍ، النار أولى به، يا كعب بن عجرة، الصوم جُنّةٌ، والصدقة تطفئ الخطيئة، والصلاة قربانٌ، - أو قال: - برهانٌ»..الخ(90).
والاستدلال بهذا الحديث من ثلاثة وجوهٍ:
الأوّل: عدم كونهم من النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، والنبيّ (صلَّى الله عليه وآله) ليس منهم، كنايةً عن براءة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) منهم، وإذا كان النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) متبرّئٌ منهم، فكيف يشفع لهم؟!
الثاني: منع الرسول (صلَّى الله عليه وآله) أن يصلوا إليه الحوض، فامتناعه عن الشفاعة لهم أولى.
الثالث: قوله (صلَّى الله عليه وآله): «لا يدخل الجنّة لحمٌ نبت من سحتٍ» صريحٌ في أنّه لا أثر للشفاعة في حقّ صاحب الكبيرة.
الرواية الثالثة: عن أبي هريرة، قال: قام فينا النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، فذكر الغلول، فعظّمه، وعظّم أمره، قال: «لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته شاةٌ لها ثغاءٌ، على رقبته فرسٌ لها حمحمةٌ، يقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً، قد أبلغتُك. أو على رقبته بعيرٌ له رغاءٌ، يقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتُك. أو على رقبته صامتٌ، فيقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتُك. أو على رقبته رقاعٌ تخفق، فيقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتُك. وقال أيّوب، عن أبي حيّان: فرسٌ له حمحمةٌ»(91).
وهذا الحديث صريحٌ في المطلوب، فإذا كان الرسول لا يملك له من الله شيئاً، فليس له في الشفاعة نصيبٌ؛ لأنّ الشفاعة الّتي يملكها النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) تكون في غير ذلك، أي: في زيادة الفضل.
لكنّ هذا الحديث غريبٌ في معناه، ولا يستبعد وضعه.
الرواية الرابعة: عن أبي هريرة، عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، قال: «قال الله: ثلاثةٌ أنا خصمهم يوم القيامة؛ رجلٌ أعطى بي ثمّ غدر، ورجلٌ باع حرّاً فأكل ثمنه، ورجلٌ استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطِ أجرَه»(92).
والاستدلال بأن يُقال: إذا كان النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) خصيمٌ لهؤلاء، فكيف يكون شفيعهم؟!
المناقشة:
أجاب الفخر الرازيّ على الاستلال ما محصّله بأنّ الأحاديث أخصّ من المدّعى، قال: وأمّا الأحاديث فهي دالّةٌ على أنّ محمّداً (صلَّى الله عليه وآله) لا يشفع لبعض الناس، ولا يشفع في بعض مواطن القيامة، وذلك لا يدلّ على أنّه لا يشفع لأحدٍ - البتة - من أصحاب الكبائر، ولا أنّه يمتنع من الشفاعة في جميع المواطن(93).
وتقدّمت الإشارة إلى أحاديث تدلّ على عدم نيل الشفاعة لمن لم يكن مؤمناً بالمعنى الخاصّ، ويبيّن الفخر بأنّ الروايات الدالّة على شمول الشفاعة لأهل الكبائر بمجموعها يثبت ذلك(94).
ردّ المناقشة:
لكنْ يبدو أنّ الأحاديث الّتي تدلّ على أنّ من ارتكب بعض الكبائر يخلّد في النار من طرق العامّة ليست دالّةً على أنّ من ارتكب قليلاً من الكبائر يخلّد في النار، بل كثيرٌ منها، كما نقل القاضي عبد الجبّار بعضاً من تلك الأخبار، بل لربما يُقال: بأنّ كونها مستثنياتٍ من الكبائر الّتي لا تنافي الشفاعة أمرٌ مستهجنٌ.
وبعض الأفعال في الأحاديث المتقدّمة الّتي توجب عدم دخول الجنّة - وتوجب الخلود في النار - يبدو أنهّا لا تصدق عليها الكبائر، فضلاً عن كونها توجب الخلود في النار.
وأمّا الحديث النبويّ: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي» فأجابتْ المعتزلة على الاستدلال به بوجوهٍ، قال القاضي عبد الجبّار:
الجواب: أنّ هذا الخبر لم تثبت صحّته أوّلاً، ولو صحَّ فإنّه منقولٌ بطريق الآحاد عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، ومسألتنا طريقها العلم، فلا يصحّ الاحتجاج به، ثمّ إنّه معارَضٌ بأخبارٍ رُويتْ عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، نحو قوله: «لا يدخل الجنّة نمّامٌ، ولا مدمن خمرٍ، ولا عاقٌّ..»(95)، وقوله (صلَّى الله عليه وآله): «من قتل نفسه بحديدةٍ فحديدتُه في يده، يجأ بها في بطنه في نار جهنّم خالدا مخلّداً»(96)، إلى غير ذلك، فليس يوجد بما أوردوه أولى بما رويناه، فيجب أن يطرحا جميعاً، أو حمل أحدهما على الآخر، فنحمل ما يقتضيه كتاب الله وسنّة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، ونقول به، وهو: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي إذا تابوا»(97).
ثانياً: روايات الخاصّة:
إنّ الحديث المرويّ عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله): «ادّخرتُ شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي» مع انضمامه إلى الأحاديث الأخرى في شفاعة الأئمّة (عليهم السلام)، وسيّدتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام)، الدالّة على شمول الشفاعة للمذنبين، فإنها تثبت ذلك، وقال السيّد العلاّمة الطباطبائيّ: الأخبار الدالّة على وقوع شفاعة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) يوم القيامة من طرق أئمّة أهل البيت - وكذا من طرق أهل السنّة والجماعة - بالغةٌ حدّ التواتر، وهي من حيث المجموع إنمّا تدلّ على معنى واحدٍ، وهو: الشفاعة على المذنبين من أهل الإيمان بالتخليص من دخول النار، وإمّا بالإخراج منها بعد الدخول فيها، والمتيقّن منها عدم خلود المذنبين من أهل الإيمان في النار(98).
وحتّى يتّضح ما يثبت التواتر الإجماليّ في الروايات لشمول الشفاعة للمذنبين، أستعرض بعض الروايات؛ للتأمّل فيها:
* الحديث النبويّ المشتمل على مضمون: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي» جاء في رواياتٍ متعدّدةٍ، جاء في الخصال في ضمن حديثٍ عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، جاء فيه:
«جاء نفرٌ من اليهود إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، فسأله أعلمهم عن أشياءٍ، فكان فيما سأله: أخبرْنا عن سبع خصالٍ أعطاك الله من بين النبيّين، وأعطى أمّتك من بين الأمم. فقال النبيّ: أعطاني الله (عزَّ وجلَّ) فاتحة الكتاب، والأذان، والجماعة في المسجد، ويوم الجمعة، والصلاة على الجنائز، والإجهار في ثلاث صلواتٍ، والرخصة لأمّتي عند الأمراض والسفر، والشفاعة لأصحاب الكبائر من أمّتي(99).
* وفي من لا يحضره الفقيه، قال: وقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «إنمّا شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي»(100).
* وفي تفسير عليّ بن إبراهيم: حدّثني أبي، عن ابن محبوب، عن أبي أسامة، عن أبي عبد الله وأبي جعفر (عليهما السلام) قالا: «والله لنشفعنّ في المذنبين من شيعتنا، حتّى تقول أعداؤنا إذا رأوا ذلك: فما لنا من شافعين، ولا صديقٍ حميمٍ، فلو أنّ لنا كرّةً فنكون من المؤمنين»(101).
* وفي الفقيه: وسُئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لمَِنْ يَشَاءُ}، هل تدخل الكبائر في مشيئة الله؟ قال: «نعم، ذاك إليه (عزَّ وجلَّ)، إن شاء عذّب عليها، وإن شاء عفا»(102).
* وفي الخصال: ماجيلويه، عن عمّه، عن البرقيّ، عن عليّ بن الحسين الرقّي، عن عبد الله بن جبلة، عن الحسن بن عبد الله، عن آبائه، عن جدّه الحسن بن عليٍّ (عليه السلام) في حديث طويل: «إنّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) قال في جواب نفرٍ من اليهود سألوه عن مسائل: «وأمّا شفاعتي ففي أصحاب الكبائر، ما خلا أهل الشرك، والظلم»(103). والمراد من الظلم هو: التعدّي على حقوق المؤمنين.
* وروى الفتَّال النيسابوريّ مرسلاً عن الرسول (صلَّى الله عليه وآله) أنّه قال: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي، ما خلا الشرك، والظلم»(104).
* وبعض الروايات تدلّ على عدم شمول الشفاعة لمن استخفّ بالصلاة، مثل معتبرة أبي بصير، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «إنّه لمّا احتضر أبي (عليه السلام) قال لي: يا بنيّ، إنّه لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة، ولا يرد علينا الحوض من أدمن هذه الأشربة. فقلتُ: يا أبه، وأيّ الأشربة؟ فقال: كلّ مسكرٍ»(105).
* روى الشيخ الصدوق بسندٍ إلى الحسين بن خالد، عن الإمام الرضا (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي، ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي، ثمّ قال (صلَّى الله عليه وآله): إنمّا شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي، فأمّا المحسنون فما عليهم من سبيلٍ».
* قال الحسين بن خالد: فقلتُ للرضا (عليه السلام) يا ابن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، فما معنى قول الله (عزَّ وجلَّ): {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لمَِنِ ارْتَضَى}؟ قال (عليه السلام): لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى الله دينه(106).
* وقال الصدوق: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل (رضيَّ الله عنه)، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، قال: حدّثنا النضر بن شعيب، عن خالد القلانسيّ، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «إذا قمتُ المقام المحمود تشفّعت في أصحاب الكبائر من أمّتي، فيشفّعني الله فيهم، والله لا تشفّعتُ في من آذى ذرّيّتي»(107).
* ورُوي عن محمّد الباقر (عليه السلام) مرسلاً، عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أنّه قال: «إنمّا شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي»(108).
* وفي الخصال عن الأعمش، عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام)، قال: «هذه شرائع الدين.. ـ إلى أن قال: ـ وأصحاب الحدود فسّاقٌ، لا مؤمنون، ولا كافرون، لا يخلّدون في النار، ويخرجون منها يوماً، والشفاعة جائزةٌ لهم، وللمستضعفين، إذا ارتضى الله دينهم(109).
فيُستفاد من هذه الروايات شمول الشفاعة - وعمومها - لمرتكبي الكبائر إجمالاً، سواء تابوا أم لم يتوبوا، لكنّ الّذي يضعّف هذا العموم ما عقّب به الصدوق الحديث توضيحاً لمعنى ارتضى الله دينه، قال: المؤمن هو الّذي تسرّه حسنته، وتسوؤه سيّئته؛ لقول النبيّ (صلَّى الله عليه وآله): «من سرّته حسنته، وساءته سيّئته فهو مؤمنٌ.»، ومن ساءته سيّئته ندم عليها، والندم توبةٌ، والتائب مستحقٌّ للشفاعة، والغفران، ومن لم تسؤه سيّئته فليس بمؤمنٍ، وإذا لم يكن مؤمناً لم يستحقّ الشفاعة؛ لأنّ الله (عزَّ وجلَّ) غير مرتضٍ لدينه(110).
فيدلّ على أنّه لابدّ من الندم حتّى يمكن شموله للشفاعة، واستشهاد الصدوق بقوله أنّ الحديث رواه في التوحيد بسندٍ له اعتبارٌ، قال (رحمه الله): حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ (رضيَّ الله عنه)، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، قال: سمعتُ موسى بن جعفر (عليهما السلام) يقول: «لا يخلّد الله في النار إلاّ أهل الكفر، والجحود، وأهل الضلال، و الشرك، ومن اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يُسأل عن الصغائر، قال الله تبارك وتعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا}. قال: فقلتُ له: يا ابن رسول الله، فالشفاعة لمن تجب من المذنبين؟ قال: حدّثني أبي، عن آبائه، عن عليٍّ (عليه السلام) قال: سمعتُ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يقول: «إنمّا شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي، فأمّا المحسنون منهم فما عليهم من سبيلٍ». قال ابن أبي عمير: فقلتُ له: يا ابن رسول الله، فكيف تكون الشفاعة لأهل الكبائر والله - تعالى ذكره - يقول: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لمَِنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}، ومن يرتكب الكبائر لا يكون مرتضى؟! فقال: يا أبا أحمد، ما من مؤمنٍ يرتكب ذنباً إلاّ ساءه ذلك، وندم عليه، وقد قال النبيّ (صلَّى الله عليه وآله): «كفى بالندم توبةً»، وقال (عليه السلام): «من سرّته حسنته، وساءته سيّئة فهو مؤمنٌ، فمن لم يندم على ذنبٍ يرتكبه فليس بمؤمنٍ، ولم تجب له الشفاعة، وكان ظالماً، والله - تعالى ذكره - يقول: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَّلاَ شَفِيعٍ يُّطَاعُ}. فقلتُ له: يا ابن رسول الله، وكيف لا يكون مؤمناً من لم يندم على ذنبٍ يرتكبه؟ فقال: يا أبا أحمد، ما من أحدٍ يرتكب كبيرةً من المعاصي - وهو يعلم أنّه سيُعاقَب عليها - إلاّ ندم على ما ارتكب، ومتى ندم كان تائباً، مستحقّاً للشفاعة، ومتى لم يندم عليها كان مصرّاً، والمصرُّ لا يغفر له؛ لأنّه غير مؤمنٍ بعقوبة ما ارتكب، ولو كان مؤمناً بالعقوبة لندم، وقد قال النبيّ (صلَّى الله عليه وآله): «لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار.»، وأمّا قول الله (عزَّ وجلَّ): {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لمَِنِ ارْتَضَى} فإنّهم لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى الله دينه، والدين الإقرار بالجزاء على الحسنات والسيّئات، فمن ارتضى الله دينه ندم على ما ارتكبه من الذنوب؛ لمعرفته بعاقبته في القيامة»(111).
وهذا الحديث حاكمٌ على عموم – وإطلاق - الشفاعة لأهل الكبائر بوضوحٍ؛ لأنّه ناظرٌ إليه، فيُستفاد منه أنّ صاحب الكبيرة لا بدّ من أن يستاء ممّا فعل (الندم) حتّى يمكن شمول الشفاعة له، وأمّا إذا لم يستأْ - بل يفعل الكبيرة ويبقى راضياً بفعله - فهذا ليس بمؤمنٍ، ولا يستحقّ الشفاعة.
ويؤكّد ذلك حديثٌ آخر يرويه الشيخ الكلينيّ عن حفص المؤذّن، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رسالته إلى أصحابه قال (عليه السلام): «واعلموا أنّه ليس يغني عنكم من الله أحدٌ من خلقه، لا ملكٌ مقرّبٌ، ولا نبيٌّ مرسلٌ، ولا من دون ذلك، من سرّه أن ينفعه شفاعة الشافعين عند الله فليطلب إلى الله أن يرضى عنه»(112).
ويمكن أن يفرّق بين من يرتكب الكبيرة وهو يعلم أنّه يرتكب كبيرة على ما جاءت به الشريعة، وبين من يرتكبها من باب الشبهة، فالأوّل إذا بقي راضياً بفعله لا تشمله الشفاعة، بخلاف الثاني، وعدم شمول الشفاعة لمن كان مصرّاً على الذنب من غير تأسّفٍ حتّى موته لا يعني أنّه يخلّد في النار، بل يلقى جزاءه بمقدار ما يستحقّه من العذاب بجرمه، وممّا يؤيّد أنّه لابدّ من حصول الاستياء من الذنب حتّى تشمله الشفاعة ما دلّ على أنّ الشفاعة تتأخّر عمّن فجر بجارية الغير (أمة غيره) على رغم توبته، حتّى يذوق عذابا يألمه، فعن صالح بن عقبة، عن أبي شبل قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجلٌ مسلمٌ ابتُلي، ففجر بجارية أخيه، فما توبته؟ قال: «يأتيه، فيخبره، ويسأله أن يجعل من ذلك في حلٍّ، ولا يعود. قال: قلتُ: فإن لم يجعله من ذلك في حلٍّ؟ قال: قد لقي الله (عزَّ وجلَّ) وهو زانٍ خائنٌ. قال: قلتُ: فالنار مصيره؟ قال: شفاعة محمّدٍ (صلَّى الله عليه وآله) - وشفاعتنا - تحبط بذنوبكم يا معشر الشيعة، فلا تعودون وتتّكلون على شفاعتنا، فوالله ما ينال شفاعتنا إذا ركب هذا حتّى يصيبه ألم العذاب، ويرى هول جهنّم»(113).
لكنّ حديث ابن أبي عمير المتقدم يعارض على ما يُفهم من ظاهر ما رواه الصدوق في كتاب الفقيه قال: وقال الصادق (عليه السلام): «شفاعتنا لأهل الكبائر من شيعتنا، وأمّا التائبون فإنّ الله (عزَّ وجلَّ) يقول: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}(114)، فإنّه يبيّن أنّ التائب هو: المحسن، الّذي لا يشمله هذا النوع من الشفاعة.
وربما يجمع بأنّ التائب الّذي تحقّقتْ توبته - وقد عُرفتْ عند الناس معصيته، وتأذّى بذلك، وعمل صالحاً - فهو من المحسنين، وأمّا الّذي أساءه عمله - ولو قبل أن يموت - وندم على فعله، وكان مستوراً على فعله، فإنّه المشار في رواية ابن أبي عمير.
ولربما أشار إلى ذلك ما يرويه الكلينيّ عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن حمّاد، عن بعض أصحابه، رفعه، قال: صعد أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكوفة المنبرَ، فحمد الله، وأثنى عليه، ثمّ قال: «أيّها الناس، إنّ الذنوب ثلاثةٌ. ثمّ أمسك، فقال له حبّة العرنيّ: يا أمير المؤمنين، قلتَ: الذنوب ثلاثةٌ. ثمّ أمسكت؟! فقال: ما ذكرتها إلاّ وأنا أريد أن أفسّرها، ولكن عرض لي بُهْرٌ حال بيني وبين الكلام، نعم، الذنوب ثلاثةٌ: فذنبٌ مغفورٌ، وذنبٌ غير مغفورٍ، وذنبٌ نرجو لصاحبه، ونخاف عليه، قال: يا أمير المؤمنين، فبيّنها لنا. قال: نعم، أمّا الذنب المغفور فعبدٌ عاقبه الله على ذنبه في الدنيا، فالله أحلم – وأكرم - من أن يعاقب عبده مرّتين، وأمّا الذنب الّذي لا يُغفر فمظالم العباد بعضهم لبعضٍ، إنّ الله تبارك وتعالى إذا برز لخلقه أقسم قسماً على نفسه، فقال: وعزّتي، وجلالي، لا يجوزني ظلم ظالمٍ، ولو كفّ بكفٍّ، ولو مسحةً بكفٍّ، ولو نطحةً ما بين القرناء إلى الجماء، فيقتصّ للعباد بعضهم من بعضٍ، حتّى لا تبقى لأحدٍ على أحدٍ مظلمةٌ، ثمّ يبعثهم للحساب، وأمّا الذنب الثالث: فذنبٌ ستره الله على خلقه، ورزقه التوبة منه، فأصبح خائفاً من ذنبه، راجياً لربّه، فنحن له كما هو لنفسه، نرجو له الرحمة، ونخاف عليه العذاب»(115).
ويُفهم من الحديث بأنّ الله (سبحانه وتعالى) إذا عاقب عبده في الحياة الدنيا على ذنبٍ ارتكبه، فإنّه يعفو عنه في الآخرة، من غير حاجةٍ إلى شفاعةٍ.
وما تقدّم من الروايات يدلّ على شمول الشفاعة للمذنبين، وتوجد بعض الروايات تدلّ على شفاعةٍ أخرى في زيادة المنافع للخلائق، منها ما عن عليّ بن إبراهيم، قال: حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي العباس المكبر، قال: دخل مولى لامرأة عليّ بن الحسين «صلوات الله عليهما» على أبي جعفر (عليه السلام) - يُقال له: أبو أيمن -، فقال: يا أبا جعفر، تغرّون الناس، وتقولون: شفاعة محمّدٍ، شفاعة محمّدٍ! فغضب أبو جعفر (عليه السلام) حتّى تربّد وجهه، ثمّ قال: ويحك يا أبا أيمن، أغرّك أن عفّ بطنُك وفرجُك؟! أما لو قد رأيت أفزاع القيامة لقد احتجت إلى شفاعة محمّدٍ (صلَّى الله عليه وآله)، ويلك، فهل يشفع إلاّ لمن وجبت له النار؟! ثمّ قال: ما أحدٌ من الأوّلين والآخرين إلاّ وهو محتاجٌ إلى شفاعة محمّدٍ (صلَّى الله عليه وآله) يوم القيامة. ثمّ قال أبو جعفر (عليه السلام): إنّ لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله) الشفاعة في أمته، ولنا شفاعةٌ في شيعتنا، ولشيعتنا شفاعةٌ في أهاليهم. ثمّ قال: وإنّ المؤمن ليشفع في مثل ربيعة، ومضر، وإنّ المؤمن ليشفع حتّى لخادمه، ويقول: يا ربّ، حقّ خدمتي، كان يقيني الحرّ والبرد»(116).
وفي المحاسن: أبي، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، قال: قال رجلٌ لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّ لنا جاراً من الخوارج يقول: إنّ محمّداً يوم القيامة همّه نفسه، فكيف يشفع؟! فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ما أحدٌ من الأوّلين والآخرين إلاّ وهو يحتاج إلى شفاعة محمّدٍ (عليه السلام) يوم القيامة»(117).
النتيجة النهائيّة:
أوّلاً: إنّ استظهار شمول الشفاعة للمذنبين من القرآن الكريم - مع غضّ النظر عن الأحاديث - صعبٌ.
ثانياً: الأحاديث تدلّ على شمول الشفاعة للمذنبين، لأهل الكبائر وغيرهم، وعلى الإجمال نستفيد من مجموع الأحاديث المتقدّمة عدّة أمورٍ:
الأوّل: إنّ أهل الكبائر مشمولين لشفاعة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، وهو القدر المتيقّن مع حصول الاستياء من العبد ممّا ارتكبه، ولو قبل موته.
الثاني: إنّ المحسنين لا تشملهم الشفاعة الّتي تكون للمذنبين.
الثالث: إنّ من أشرك لا تشمله الشفاعة.
الرابع: الظالم لا تناله الشفاعة.
الخامس: إنّ المستخفّ بالصلاة لا تناله الشفاعة.
السادس: نيل الشفاعة للمؤمن بالمعنى الخاصّ.
السابع: إنّ من آذى أهل البيت (عليهم السلام) - وذرّيّة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)- لا تناله الشفاعة.
الثامن: إنّ المستضعفين - وأصحاب الحدود - يمكن أن تشملهم الشفاعة إذا ارتضى الله دينهم.
التاسع: إنّ الشفاعة لا تختصّ بالنبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، بل تشمل الأئمّة (عليهم السلام)، والأولياء (عليهم السلام)، والشيعة الصالحين أيضاً.
العاشر: إنّ الشفاعة قد تتأخّر فتصل بعد النيل من العذاب، ويختلف ذلك باختلاف الجرم وحجمه.
الحادي عشر: إنّ جميع الخلق يحتاجون لشفاعة النبيّ محمّدٍ (صلَّى الله عليه وآله) في يوم القيامة، أي: أنّ الشفاعة تكون على قسمين؛ قسمٌ خاصٌّ للمذنبين، وقسمٌ عامٌّ، فتشمل الشفاعة رفع الدرجات.
هذا والله العالم، والله سبحانه رؤوفٌ بالعباد، حليمٌ، كريمٌ، فنسأل الله تعالى التوفيق لنيل شفاعة أوليائه، وأحبّائه، وصفوته، وخاصّته «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين»، والحمد لله ربّ العالمين.
* الهوامش:
(1) الأنبياء (عليهم السلام): 28.
(2) نقل الاستدلال الفخر الرازيّ، ج3، ص57، وما نقله الشيخ الطوسيّ عن قول أهل الوعيد، التبيان، ج7، ص241.
(3) انظر ما قاله القاضي عبد الجبّار في متشابه القرآن، ج2، ص499، والزمخشريّ، ج3، ص421، وتفسير الفخر الرازيّ، ج3، ص57، وج22، ص160.
(4) سورة النجم، آية: 26.
(5) نقل قول ابن عباس الطبرسيّ في تفسير مجمع البيان، ج9، ص296.
(6) تفسير الفخر الرازيّ، ج22، ص160.
(7) لاحظ كلام الفخر الرازيّ، ج3، ص60، والنقل بتصرّفٍ.
(8) وإن لم يكن العلاّمة في صدد الردّ على المعتزلة، لكن يصلح كلامه لمناقشة المعتزلة.
(9) طه: 109.
(10) مريم: الآيات: 85 - 87.
(11) يس: الآيتان 60- 61.
(12) البقرة: 80.
(13) انظر تفسير الميزان، للقرينة الأولى والثانية ج1، ص171، بتصرّفٍ؛ للتوضيح.
(14) تفسير الميزان، ج1، ص175.
(15) المائدة: 119.
(16) مجمع البيان، ج3، ص462.
(17) التوبة: 100.
(18) التبيان، ج5، ص287.
(19) مجمع البيان، ج5، ص112.
(20) المجادلة: 22.
(21) التبيان للشيخ الطوسيّ، ج9، ص557، ومجمع البيان للطبرسيّ، ج9، ص422.
(22) البيّنة: 7-8.
(23) التبيان، ج10، ص391، مجمع البيان، ج10، ص415.
(24) الكافي، ج8، ص11، بحار الأنوار، ج8، ص53.
(25) الزخرف: 86، تفسير الميزان، ج14، ص111.
(26) تفسير الميزان، ج14، ص111.
(27) أصول الكافي، ج1، ص431.
(28) الشيخ الكلينيّ محمّد بن يعقوب، والشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن الحسين، والشيخ الطوسيّ محمّد بن الحسن.
(29) الكافي، ج7، ص2، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص188، تهذيب الأحكام، ج9، ص175.
(30) التبيان، ج7، ص241.
(31) انظر مناقشة الفخر الرازيّ للمعتزلة، التفسير الكبير، ج3، ص60.
(32) المصدر السابق مع التصرّف.
(33) تفسير التبيان، ج7، ص242.
(34) سورة غافر، الآيات: 7 إلى 9.
(35) نقل هذه المناقشة عن المعتزلة الفخرُ الرازيّ، ج3، ص58.
(36) الكشّاف، ج4، ص153 نشر البلاغة، وج ص153 نشر البلاغة، وج4، ص158 نشر أحياء التراث العربيّ.
(37) التفسير الكبير، ج3، ص62.
(38) تفسير الزمخشريّ، ج27، ص33- 34.
(39) النساء: 64.
(40) التبيان، ج9، ص57، مجمع البيان، ج8، ص428.
(41) وإن لم يكن العلاّمة الطباطبائيّ في صدد نقاش المعتزلة.
(42) تفسير الميزان، ج17، ص309.
(43) هود: 112.
(44) المؤمن (غافر): 7
(45) تفسير الميزان، ج11، ص49.
(46) الشورى: 5.
(47) تفسير الأمثل، ج15، ص469. ولاحظ ما أفاده العلاّمة الطباطبائيّ (قدِّس سرُّه) في الميزان، ج18، ص11.
(48) البقرة: 222.
(49) الفرقان: 68 -70، والحديث في أصول الكافي ج2، ص432- 433 باب التوبة، ح رقم: 5.
(50) الكافي، ج8، ص34، وفي نفس الجزء ص304، علل الشرائع، ص5، عيون أخبار الإمام الرضا (عليه السلام)، ج2، ص237، فضائل الشيعة للشيخ الصدوق، ص22، كمال الدين وتمام النعمة، ص254، شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربيّ ج3، ص465.
(51) المدثر: 48.
(52) نقل احتجاج المعتزلة بهذه الآية ابن حزمٍ الظاهريّ في الفصل في الملل، ج4، ص53، والفخر الرازيّ في التفسير الكبير، ج3، ص57، القرطبيّ في تفسيره ج1، ص378، والنسفيّ في تفسيره ج1، ص42، وابن حجر العسقلانيّ في فتح الباري، ج11، ص426، وبدر الدين العينيّ في عمدة القاري، ج2، ص127، والمباركفوري في تحفة الأحوذيّ، ج7، ص108؛ وشمس الحقّ العظيم آبادي في عون المعبود، ج13، ص52، والقاري في مرقاة المفاتيح، ج10، ص270، وغيرهم.
(53) تفسير الكشّاف، ج4، ص187، نشر مصطفى البابيّ ط 1966م.
(54) تفسير الفخر الرازيّ، ج3، ص61.
(55) انظر تفسير الميزان، ج1، ص167، العلاّمة الطباطبائي، والفخر الرازيّ لم يوردا كلامهما ردّاً على المعتزلة، ولكن لربما قائلٌ يقول ذلك.
(56) سورة المدثر آيات 39- 47.
(57) النساء:31.
(58) هذا ما أفاده العلاّمة الطباطبائيّ (قدِّس سرُّه) في تفسير الميزان، ج1، ص169- 170.
(59) تفسير الميزان، ج1، ص170.
(60) البقرة: 270.
(61) آل عمران: 192.
(62) عرض الفخر الرازيّ استدلال المعتزلة بهذه الآية الكريمة، التفسير الكبير، ج3، ص57، وج7، ص75، وصرّح الزمخشريّ بالاستدلال بها في الكشّاف ج3، ص421.
(63) تفسير الكشّاف، ج1، ص489، نشر مصطفى البابيّ.
(64) تفسير التبيان، ج2، ص350.
(65) التبيان، ج3، ص83.
(66) مجمع البيان، ج2، ص474.
(67) البقرة: 48.
(68) التفسير الكبير، ج7، ص75.
(69) تفسير الفخر الرازيّ، ج3، ص65.
(70) التفسير الكبير، ج7، ص75.
(71) التفسير الكبير، ج7، ص75.
(72) تفسير الميزان، ج2، ص396.
(73) الانفطار: 14-16.
(74) هذا ما نقله الفخر الرازيّ من تقريب المعتزلة لدلالة الآية على ما يرون، نقلتُه بتصرّفٍ يسير، وانظر تفسيره ج3، ص147، وج31، ص84.
(75) أصول الكافي، ج2، ص458.
(76) التفسير الكبير، ج31، ص84.
(77) التبيان، ج10، ص293.
(78) تفسير مجمع البيان، ج10، ص288.
(79) عبس: 42.
(80) التفسير الكبير، ج31، ص85.
(81) الزمر: 19.
(82) متشابه القرآن، ج2، ص592.
(83) الكشاف ج4ـ ص123 نشر إحياء التراث العربيّ، وج3، ص393، نشر مصطفى البابيّ.
(84) النساء: 48.
(85) الزمر: 53.
(86) التفسير الكبير، ج26، ص228، نشر دار الكتب العلميّة.
(87) الزمر: 44.
(88) ينقل مناقشتهم بها الفخر الرازيّ في تفسيره ج3، ص55، نشر دار الكتب العلميّة.
(89) صحيح مسلم، ج1 باب إطالة الغرّة والتحجيل في الوضوء، ص218 ح رقم: 249، صحيح ابن خزيمة، ج1، ص6، ح6، سنن ابن ماجة، ج2، ص1439، ح4306....الخ.
(90) مسند أحمد بن حنبل، ج3 مسند جابر، ص321 رقم14481، المستدرك على الصحيحين، كتاب الأطعمة، ج4، ص141 رقم 7163، وفيه في كتاب الفتن والملاحم ج4، ص468، رقم 8302؛ صحيح ابن حبان، ج5، ص9، رقم 1723؛ سنن الترمذيّ، ج2 باب ما ذكر في فضل الصلاة، ص513 رقم 614؛ موارد الظمآن، باب: فيمن يدخل على الأمراء السفهاء ج1، ص378، رقم 1569؛ مصنّف عبد الرزاق، باب الأمراء ج11، ص346 رقم 20719، المعجم الأوسط، باب: من اسمه عبد الله ج4، ص378، رقم 4480، المعجم الكبير، ج19، ص105، رقم212.
(91) صحيح البخاريّ، باب: الغلول ج3، ص1118، رقم 2908، صحيح مسلم، وهو حديثٌ فيه موارد أكثر ممّا في حديث البخاريّ، باب: غلظ تحريم الغلول، ج3، ص1461، رقم1831، صحيح ابن حبان، ج11، ص182، رقم4847، وص184 رقم 4848، مسند أحمد بن حنبل، باب: مسند أبي هريرة، ج2، ص426، رقم 9499، تفسير الطبريّ، ج4، ص158.
(92) صحيح البخاريّ، باب: إثم من باع حرّاً، ج2، ص776، رقم 2114، وفي باب الإجارة إلى صلاة العصر، ج2، ص792، رقم 2150، صحيح بن حبان، باب: ذكر أوصاف قومٍ يكون خصمهم يوم القيامة، ج16، ص333، رقم: 7339، سنن ابن ماجة، باب: الرهن مركوبٌ ومحلوبٌ، ج2، ص816، رقم 2442، مسند أحمد بن حنبل، ج2، ص358 رقم: 8677، سنن البيهقيّ الكبرى، ج6، ص14 رقم 10836، وسننه الصغرى ج5، ص413، رقم 2132.
(93) التفسير الكبير، ج3، ص66، وج3، ص62 وفق نشر دار الكتب العلميّة.
(94) التفسير الكبير، ج3، ص60.
(95) «لا يدخل الجنّة نمّامٌ». رواه مسلم، باب: بيان غلظ تحريم النميمة، ج1، ص101 رقم: 105، ومسند أحمد بن حنبل، ج5، ص391 رقم 23373، ص 396 رقم 23407، وص399 رقم 23435، وص409 رقم 23497، وأمّا حديث: «لا يدخل الجنّة مدمن خمرٍ» رواه ابن ماجة في سننه ج2، ص1120، رقم 3376، و جاء في ضمن حديثٍ يرويه صحيح ابن حبان في ضمن حديث: «لا يدخل الجنّة مدمن خمرٍ، ولا مؤمنٌ بسحرٍ، ولا قاطع...» ج13، ص507 رقم 6137، والنسائيّ في ضمن حديث: «لا يدخل الجنّة مدمن خمرٍ، ولا منّانٌ، ولا عاقٌّ والديه، ولا ولد زنيةٍ» ج3، ص175 رقم 4916، ومثله ص176 رقم 4922، ومثله أيضاً ما عدا ذكر ابن زنيةٍ في ص176، رقم 4921، ومثله المعجم الكبير، ج11، ص98-99 رقم 11168و11170، وفي مسند أحمد بن حنبل قال: «ثلاثةٌ لا يدخلون الجنّة: مدمن خمرٍ، وقاطع رحمٍ، ومصدّقٌ بالسحر، ومن مات مدمناً للخمر سقاه الله (عزَّ وجلَّ) من نهر الغوطة. قيل: وما نهر الغوطة؟ قال: نهرٌ يجري من فروج المومسات، يؤذي أهل النار ريح فروجهم». ج4، ص399، رقم 19587.
(96) جاء في صحيح البخاريّ ضمن حديث: «من تردّى من جبلٍ فقتل نفسه فهو في نار جهنّم يتردّى فيه خالداً مخلّداً فيها أبداً، ومن تحسّى سمّاً فقتل نفسه فسمّه في يده يتحسّاه في نار جهنّم خالداً مخلّداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدةٍ فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنّم خالداً مخلّداً فيها أبداً)، ج5، باب: شرب السمّ، والدواء، وبما يخاف منه، ص2179 رقم 5442، وفي صحيح مسلم - مضافاً إلى ما في صحيح البخاريّ - جاء فيه أيضاً: «ومن شرب سمّاً فقتل نفسه فهو يتحسّاه في نار جهنّم خالداً مخلّداً فيها أبداً)، ج1، باب: غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، ص103، رقم 109، ومثله في صحيح ابن حبان ج13، ص325، رقم 5986؛ سنن النسائيّ ج1، ص638، رقم 2092، وج8 منه ص23، رقم 15655، وسنن الترمذيّ، ج4، ص386 رقم 2043- 2044 الثاني يرويه الأعشى، عن أبي هريرة، وقال الترمذيّ في شأن سنده: هذا حديثٌ صحيحٌ، وهو أصحّ من الأوّل.
(97) شرح الأصول الخمسة، ص465.
(98) تفسير الميزان، ج1، ص182- 183.
(99) الخصال، ص355.
(100) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص574.
(101) تفسير عليّ بن إبراهيم، ج 2، ص123، بحار الأنوار، ج8، ص37.
(102) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص574.
(103) الخصال، ص355، أمالي الشيخ الصدوق، ص261، البحار ج8، ص38- 39، ج10، ص301.
(104) روضة الواعظين، ص501.
(105) الكافي، ج6، ص401.
(106) عيون أخبار الإمام الرضا (عليه السلام)، ج2، ص124- 125؛ أمالي الشيخ الصدوق، ص56، حديث رقم: 11/4.
(107) أمالي الصدوق، ص370.
(108) وسائل الشيعة، ج15، ص334.
(109) الخصال، ص608- 609، بحار الأنوار ج8، ص40، وج10، ص228.
(110) عيون أخبار الإمام الرضا (عليه السلام)، ج2، ص124- 125؛ أمالي الشيخ الصدوق، ص56، حديث رقم: 11/4.
(111) كتاب التوحيد للشيخ الصدوق، ص407- 408، وسائل الشيعة، ج15، ص335.
(112) الكافي، ج8، ص11و ص405، وبحار الأنوار، ج8، ص53.
(113) الكافي، ج5، ص470.
(114) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص574، وسائل الشيعة، ج15، باب: صحّة التوبة من الكبائر، ص334، ح4.
(115) أصول الكافي، ج2، ص443 باب: الذنوب ثلاثةٌ.
(116) تفسير القمّيّ، ج2، ص202، بحار الأنوار، ج8، ص37.
(117) المحاسن، ص184، بحار الأنوار، ج8، ص42.
0 التعليق
ارسال التعليق