بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد وآل محمد و عجل فرجهم وثبتنا على ولايتهم ياكريم.
بداية أحببت أن أتكلم عن مفهوم الثورة وارتباطها بمفهوم الصحوة الإسلامية وما هي أهميتها، وكيف يمكن أن تكون القيادة عاملاً اساسياً في نجاح أو فشل الثورات.
لا يصلح الناس فوضى لا سراة ولا سراة لهم إذا جهالهم سادوا
وكما روي عن أبي عبدالله (عليه السلام): «العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا يزيده سرعة السير إلا بعدا»(1).
فالقيادة كلمة تتداول قديما وحديثا ولكنها ارتبطت قديما بالحروب والقبائل في البادية حيث كان كبير القوم أو أقواهم هو الذي يقودهم كما كان عنتر زعيم العديد من القبائل وقائداً لهم، ولقد شهد العالم قيادات كثيرة سجلها التاريخ ولكن ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن أفضل قيادة شهدها التاريخ ولن يشهد لها مثيل هي قيادة الرسول الأكرم محمد (صلّى الله عليه وآله) حيث جمع فيها بين القوة العسكرية والجوانب الإنسانية والتربوية.
مفهوم القيادة بشكل عام
إن القيادة هي عملية رئاسة تكون بين مجموعة من الأفراد ويتصدى أحدهم للأخذ بأمورهم، ويسير بهم نحو الطريق الذي فيه سعادتهم ومصلحتهم بالنسبة لهم، وفي الكلام عن الثورات العربية نقول:
لا شك ولا ريب أن مُفجر هذه الصحوة الإسلامية التي نراها اليوم في الوطن العربي شرقه وغربه هو وحي من وحي غزوات الرسول ومن روح الجهاد التي كان يمتلكها أصحابه رضوان الله عليهم ومن الواضح والمعلوم لدى جميع المسلمين في الوطن العربي وغيره بأن كل غزوات الرسول كانت تحت قيادة معينة يطيعها جميع أفراد الجيش، وعند تخلف جزء من الجيش عن أوامر القيادة تبدأ بوادر وعلامات الضعف والهزائم كما حدث في معركة (أحد) حين تخلف الرماة عن الواجب الموكل لهم، وفي صدد اختيار القائد نتكلم بايجاز عن الثورات العربية والصحوة الإسلامية في الوطن العربي وطبيعة القيادة الموجودة فيها وما مدى تأثيرها على نتائج الثورة والتغيرات التي تصحبها.
انفجر بركان الثورات العربية ليبدأ تدفقه برمي طاغية هو من اقدم طواغيت العرب وأكثرهم تغطرسا ومحاربة للإسلام، لتكون تونس بهروب طاغيتها ابن علي -بعد أن وصل به الظلم إلى حرمان المؤمنين من الصلاة في المساجد إلا بأخذ إذن مسبق من الدولة وكأن الصلاة كانت ملكا للدولة في يوم من الأيام ليطلب المصلين الإذن منها- أول دولة عربية تنفض عنها أتربة الظلم والفساد، وبعد هروبه انتفض وجدان مصر لتنهض بثورة أودت بفرعونها إلى مزابل السجون وذل المحاكم بعد أن سرق ما سرق من ثروات مصر لصالح دولٍ مستعمرة في الوطن العربي كإسرائيل وصفقة الغاز المعروفة التي أقيمت معها وكان فيها ذل للشعب المصري، ناهيك عن المساهمة الصريحة والسافرة في محاصرة غزة ومنع الأدوية والمواد الغذائية عن شعبها المظلوم.
وبعد أن شهد العالم أجمع على سقوط الفرعون كان ينتظر خبراً يفرحه في اليمن وليبيا وكاد الخبر أن يكون في اليمن بعد خروج صالح منها للعلاج إذ أصابته قذيفة كادت أن تودي بحياته، ولكن الآمال تبددت وضعفت بعد أن خرج بكل وقاحة وجرأة ليعتدي على الثورة اليمنية وثوارها ومباشرة أمام شاشات التلفاز وكأن الدرس الذي تلقاه لم يجد نفعا، ولكن شاء القدر أن نرى مغرور ليبيا وقد ضُرج بدمه بعد أن توعد الثوارَ بملاحقتهم (زنقة زنقة) على حد تعبيره وبعد وصفه إياهم بالجرذان، رآه العالم كالجرذ الذي رمي عليه حجر فقتله، وها هي الثورة الليبية على مشارف الانتصار إلا أنَّ خسائر الحرب من مباني وبنية تحتية وتدخلات خارجية وأضرار بالبنية التحتية تحتاج إلى سنين وأيدي عاملة لكي تعوَّض، ناهيك عن الخسائر التي لا يمكن أن تعوض كالأرواح والكرامات.
وبعد أشهر من انطلاق الصحوة الاسلامية والتي بدأت في تونس وكان المحرك الأساسي لها هو الشباب وهو الذي قادها إلى الانتصار رأيناها تضيع شيئاً فشيئاً إلى أن كادت جهود الشباب وتضحياتهم تذهب هباء منثورا لولا لطف من الله، وكذا الحال في مصر إذ حاول الكثير من أنصار فرعون أن يسرقوا بذور الثورة المصرية وها هي محاولاتهم يوماً بعد يوم نراها تتكرر، ولا أحد يعرف ما قد تؤول إليه النتائج، فالشباب المفكر الواعي المتعلم قاد الثورة- بعزمه الثاقب- إلى الانتصار، ولكن ما بعد الانتصار يحتاج إلى خبرات وقدرات لا يملكها الشباب وذلك من أجل المحافظة على نتائج الثورة ولأجل إخماد أي فتنة وأي دسيسة يراد بها سرقة الثورة وتحويلها من ثورة مجيدة تقود الوطن إلى الخير والصلاح إلى ثورة تقود الوطن إلى الظلم والجور والفساد لتكون أحوال الناس بعد الثورة أسوأ مما كانت عليه قبل الثورة وهذه الخبرات والقدرات تحتاج إلى قائد مخضرم خبير تشتمل فيه بعض الصفات وليس كل من هب ودب، وبدون هذا القائد وبقيادة الشباب هناك عدة احتمالات لضياع الثورة وجهودها ونوجز بعض هذه الأسباب ونرد عليها -ولكننا نحتاج إلى الابتعاد عن التعصب وإرخاء الفكر لنصل إلى جوانب من الحقيقة التي نطمئن في قرارة أنفسنا بأن تكون تحت رضى الباري عز وجل فبالعصبيات من المستحيل أن تجد الطريق الذي يرضاه الباري- وسأبدأ بذكر بعض الأسباب ثم سأعلق عليها:
1-عدم تمكن الشباب الذي قاد الثورة إلى الانتصار من المحافظة على هذا الانتصار لأنه يحتاج إلى خبرات لا تأتي من الفراغ بل من التجربة على مدى أعوام طويلة وهذه التجارب لا تكون إلا في سياسي محنك قد عرف دهاليز السياسة كمعرفته لاسمه؛ لأنه سيواجه المتشددين والمنافقين الذين يتلبسون في لباس فدائيي الثورة ليدخلوا في عمقها من أجل إضعافها من الداخل وذلك بعدة وسائل وطرق ليست محل كلامنا الآن.
2-وهذه النقطة قد تكون من أخطر النقاط إذ أنه قد يحصل خلاف بين الشباب على كيفية قيادة الثورة، وتوجيهها إلى أي طريق؟ أو كيفية المحافظة على نتائجها، ويعود السبب في ذلك إلى أن القيادات الشبابية يحصل بينها العديد من الخلافات، وهذا أمر بديهي وطبيعي فكل واحد لديه فكرة ووجهة نظر -صحيحة كانت أو خاطئة- يريدها أن تكون الأقوى وكما يقول المثل (لايمكن أن يجتمع ربانان في سفينة واحدة) لأنّ كل واحد منهم يريد اتجاهاً مغايراً وعندها ستغرق السفينة، فما بالك إذاً بأن تكون قيادة ثورة يُقاد بها شعب تعداده الملايين -كما في بعض دول الثورات العربية- في يد مجموعة من الشباب يزيدون عن المئة أو يقلون؟!
3-الشباب دائما ما تكون لديه وجهات نظر وأفكار مستحدثة وهي تكون في معظم الأحيان أفكاراً رائعة لم تخطر على ذهن أي شخص ومع هذه الأفكار وبعد نجاحات متكررة لمعظمها في بادئ الأمر، يصبح لدى الشباب قناعة بأن كل فكرة يضعها تكون خطوة جديدة لصالحه لم يكتشفها الطرف الآخر(أي الحكومة أو الدولة)، مما يؤدي إلى اندفاع الشباب في طرح أفكار أكثر فأكثر إلى أن يصل الأمر إلى طرح مواضيع تقودهم إلى الهاوية، وإذا أراد الكبار أن ينصحوهم رفضوا الاستماع لهم وذلك لثقة النفس التي أصبحت في داخلهم، المتولدة من نجاحات متكررة، ولكن مَردّ الأمر هو الفشل لهذه الأفكار بسبب عدم الانصياع إلى نصائح الكبار وأعني بالكبار هنا أصحاب الخبرات السياسية والدينية والمعروف لهم بالفضل في انتفاضات أو تحركات سابقة.
فالعقل يقول بأنه من البديهي أن تكون النتائج في أي عمل مثل هذا به أخطاء، وأخطاء فادحة أيضاً، وهو الفشل، ولكن هل يمكن أن يكون اختيار الشباب لقيادة الثورة جاء عن طريق العبث؟؟ من الطبيعي أن يكون الجواب هو النفي، لوجود المفكرين والعلماء بين الناس وبين هؤلاء الشباب، إذا كيف يمكن أن نبرر قبول قيادة الشباب في اتخاذ القرارات الاستراتيجية في الثورات العربية؟
يمكن تبرير ذلك في عدة نقاط نوجز منها ثلاث نقاط مهمة وهي:-
الأولى: (اللامركزية في اتخاذ القرار) يجعل الحكومة في حيرة من أمرها، لأنه إذا كان من يقود الشارع شخص واحد فمن السهل السيطرة عليه من خلال اعتقاله أو اغتياله -لاقدر الله- ولكن عندما تتفرق القيادة في مجموعة كبيرة من الشباب ومعظمهم ليس لديهم سوابق سياسية في ملفات الدولة، هنا تضيع الدولة وأجهزتها الاستخبارية فهي لا تعرف من الذي يحرك الشارع ومن الذي يعطيه الأوامر بالتحرك، ولو استطاعت القبض على مجموعة من الشباب القياديين في الحركة فهي لن تستطيع أن تخمد الحركة؛ لأنه ما زال العديد من الشباب أحرار وفي مركز القيادة ويقومون بتحريك الشارع عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي أو الرسائل النصية أو غيرها الكثير الكثير من الوسائل التي ابتكرها هؤلاء الشباب وهي نقطة جدا مهمة.
الثانية: تنوع الأفكار والبرامج التي من شأنها أن تقود الثورة إلى الانتصار لأن جميع الشباب المشاركين في قيادة الثورة -قل عددهم أو كثر- على مستوى علمي راق، ناهيك عن الثقافة العالية التي يملكونها، والمعلومات الوفيرة عن الانتفاضات والثورات السابقة كالثورة الفرنسية والثورة الإسلامية في إيران، ولكن كل هذه الخبرات لا يمكن أن تغني عن الخبرة المكتسبة بالتجربة الشخصية مع فئة معينة من الناس، وقد ذكرنا فيما سبق أن التعدد في القيادات الشبابية يعني تعدد الأفكار، ثم الثقة المطلقة، التي قد تؤدي إلى الفشل، وقد بينا كيف أن الثقة المطلقة بالنفس تؤدي إلى الفشل ومسألة الثقة في النفس لدى الشباب أمر واضح وجلي فهو من الأمور الفطرية.
الثالثة: لن يحتاج الشارع في معرفة الأوامر إلى الذهاب و التجمهر في مكان معين به أعين الدولة، ولن يحتاج القائد إلى إظهار هوية نفسه مما يصعب على الدولة اكشافه، ناهيك عن سهولة معرفة الأوامر التي تصدر من هكذا قيادة وذلك عن طريق الانترنت في عدة مواقع كموقعي التواصل الاجتماعي (twitter – face book) والعديد من المنتديات التي يتابعها الناس إضافة إلى طريقة إرسال رسائل نصية بها التوجيهات والأوامر الصادرة، والتي حلّت محل المنشورات وغيرها، ولكن كل هذه الطرق تنتفي بمجرد أن تقوم الدولة بقطع وسائل الاتصال من الانترنت والشبكات الخلوية فعندها تعود المشكلة إلى ما هي عليه وتنكشف الوجوه في القيادات الشبابية المتحركة.
ولكن إذا كان المحرك الرئيسي، والتيار الحي النابض للشعب هو شخص واحد -تحت معايير وشروط معينة- سينتفي كمٌّ هائلٌ من السلبيات التي ذكرناها فيما إذا كان المحرك مجموعة من الشباب، وستكون قراراته حكيمة ومتزنة وفي نفس الوقت يمكن للشعب أن يلتزم بها ولا تتعارض مع الدين والمبادئ الإسلامية، وهذا الإنسان طبعاً لن يكون معصوماً عن الخطأ فلو أخطأ يمكن للحكماء والعلماء أن يلفتوا انتباهه، ولكن بشروط معينة تكون فيه، ينتفي احتمال أن يتخذ قراراً خاطئاً بهذه السهولة التي نتصورها.
وعندما تمعن النظر في بعض هذه الشروط ستعرف مدى أهمية أن يكون للشعب مرجع وقائد يرجعون إليه، وأحببت أن أتطرق إلى بعض هذه الشروط المهمة وأُوجزها:
1- التفقه في الدين، وقد يكون هذا الشرط من أهم الشروط التي لا غنى عنها بأي شكل من الأشكال، ويمكن إثباته بعدة تساؤلات منها:
س: ماذا سيكون مصير الأمة الإسلامية إذا كان قائدها شخص مؤمن ولكن لا معرفة لديه في مجال الأحكام الشرعية، أو معرفته بها معرفة سطحية؟
س: ماذا يشترط مراجع المسلمين في الحاكم أو القاضي؟ والذي من المفترض أن يكون هو المتصدي لمثل هذه الأمور حال غياب الإمام أو المرجِع، كما نصت روايات أهل البيت (عليهم السلام) على الالتزام بالأحكام الفقهية التي هي من الإمام نفسه أو من سفراء الامام أو من الفقهاء الذين يعد حكمهم حكم الإمام حال غيابه «الآخذ بأمرنا معنا غداً في حظيرة القدس»(2). وقد جاءت الغيبة الصغرى لتمهيد هذا الأمر، حيث أنه مع وجود الإمام في غيبته الصغرى، إلا أن الناس يرجعون في أمورهم إلى سفرائه، فكما جاء في التوقيع الشريف «وأما الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا، فإنهم حجّتي عليكم، و أنا حجة الله عليهم»(3)، ومن هنا يتضح أن الأمر بعد غيبة الإمام الكبرى إلى الفقهاء العدول، فتقع على عواتقهم إدارة شؤون المسلمين بما يتضمن حفظ وحدتهم وتمسكهم وتحقيق أمنهم الاقتصادي والعسكري والسياسي.
س: عندما نتكلم عن قائد فإننا نتكلم عن مشاكل وقضايا وحقوق وأحكام شرعية وتعزيرات وقصاصات وغيرها من الأحكام، فما يكون رد هذا القائد إذا واجهه حكم من هذه الأحكام التي لا بد منها، والتي تحتاج في بعض الأحيان إلى تقرير الحكم بسرعة وفي نفس اللحظة؟
س: عندما يهتك عرضك وعندما يهجم عليك في قعر دارك وعندما يريد الظالم قتلك وأنت في مواجهته وجهاً لوجه وغيرها من المواضع، يكون حكم التضحية بالدم والروح واضح وجلي وأمر بديهي لدى الناس، ولكن في كثير من المواضع والمواقف -وقد يكون هذا من أجل رأي أو موقف معين- يُهتك عرضك ويسفك دمك، وهنا يأتي السؤال هل إن هذا الموقف كان يستحق أن أقدمه على عرضي ونفسي؟ هل سيكون موقفي يوم القيامة موقفا مشرفا أم أنني سأكون في موضع خجل أمام رب العالمين لأنني اتخذت موقفاً أدى إلى هتك الأعراض وسفك الدماء، مع أنني كنت أستطيع أن أصل إلى مبتغاي عن طريق آخر (أحتمل) فيه خسائر أقل، ولكن هل يمكن أن يطمئن وجداني حينما أحصل على الموافقة من الفقيه أو عن شخص تجتمع فيه الفقاهة والوكالة عن المراجع الأعلام والذي يكون كلامه بمثابة كلام المعصوم؟
وقد أشار آية الله العظمى السيد كاظم الحائري (حفظه الله) إلى ذلك حيث قال: "دليل ولاية الفقيه الذي ورد دلّ على أن ما للمعصوم للفقيه، فلنر ما هو ثابت للمعصوم بحكم قوله تعالى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ}(4)"(5). ثم ذكر المرجع الحائري: "أن ولي الفقيه ينفذ قضاؤه وحكمه أياً كان، بمعنى أنه حتى لو كان في الواقع مخالفاً للحق فهو نافذ ومضيّق لسلطة الآخرين على نفوسهم وأموالهم"(6)، وقد وافق العديد من الفقهاء الأعلام هذا الرأي بينما البعض منهم قال نفس الكلام لكنه لم يعين لفظ (ولاية الفقيه) واكتفى بذكر الحكم الفقهي، وهذا الفقيه أيضا يكون له وكلاء.
حينما تقرأ هذه التساؤلات وتتمعن فيها بقلب مفتوح وروح صافية تجد أننا بحاجة إلى فقيه عادل أو مرجع تقليد ليقود الشعب والأمة، وإذا كنا نتكلم عن صحوة إسلامية فإننا بدون شك ولا ريب نتكلم عن قائد يليق بهذا المقام وهو المتعين.
2- أن تكون لديه خلفية واضحة في المجال السياسي وخبرة عميقة ليصعب على العامة والمتضلعين في السياسة مجابهته، وذلك من أجل أن تكون كلمته كلمة حق لا تُكسر، فمن غير المعقول أن يكون قائد ثورة وصحوة إسلامية، ليس لديه أي خلفية في المجال السياسي وكلامه مشوب بالأخطاء وحتى العوام من الناس ترد عليه.
3- أن يكون لديه قادة ميدانيين، يُعتمد عليهم فيما لو كانوا هم في موضع القيادة، وهو المطلوب منهم حال تعرض القائد لأي أذى، فمن المُسَلمات أن القائد معرض للاعتقال والاغتيال والأذى والمرض وغيرها، فلا بد أن يكون هناك بديل جاهز لذلك تعرفه الناس يسير على خطاه منفذا لأوامره، وذلك لأنه قد تنحرف الثورة وأهدافها إذا كانت تسير بدون قائد، فهل يمكن للسيارة أن تسير لوحدها بدون سائق، ومع ذلك تصل إلى وجهتها الصحيحة التي انطلقت من أجلها؟ بدون شك أنها ستنحرف وتتدهور وقد تصطدم بجدار، وهكذا يكون حال الأمة لو جعلت لوحدها تسير، فسيكون مصيرها إلى الهاوية.
4- وهناك العديد من الشروط التي يجب تواجدها، كالعدالة، والتواضع، والغيرة على أموال المسلمين وأعراضهم، والحكمة في التصرف، ومراعاة الأحكام الفقهية، وكما قال الرسول (صلّى الله عليه وآله): «لا تصلح الإمامة ألاّ لرجل فيه ثلاث خصال:
● ورعٌ يحجزه عن معاصي الله.
● وحلمٌ يملك به غَضَبَه.
● وحُسنُ الولاية على من يلي، حتى يكون للرعية كالأب الرحيم»(7).
أجل فإنه لا مناص ولا مهرب -بعد التمعن في الشروط السابقة- من اللجوء إلى شخص معين تجتمع فيه الصفات التي ذكرنها، لتطمئن قلوبنا ويستقر هيجان خلافنا، لأننا أصبحنا -بعد الاختار الصحيح للقائد- نسير على خطى أهل البيت، على خط الفقهاء الذين هم على خطى مولانا صاحب الزمان (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، على خطى الإسلام والقرآن، فعند الاستناد إلى هذا الفقيه في القيادة ستشعر بالاطمئنان منه؛ لأنك أصبحت تعرف منبع قيادته من أين، فلو صدر منه فعل أو عمل لا تجد له تبريراً مقنعاً في نفسك، فلن تظن به ظن السوء؛ لأن مثل هؤلاء الأشخاص هناك من يراقب أعمالهم فإن كان مرجعاً فبقية المراجع يراقبون أعماله وأفعاله وأوامره، وإن كان وكيلاً للمرجع ونائبا عنه فالمرجع الذي وكله هو المسؤول عن أعمال هذا الشخص وتصرفاته، ناهيك عن من اجتمع العديد من الفقهاء ليعطوه الولاية وحق القضاء وقيادة الأمة، فلو كان هناك عمل قام به يخالف رأي هؤلاء الفقهاء لأوقفوه واستجوبوه، فإن لم يتراجع عن موقفه الخاطئ سحبوا منه الولاية التي أعطوها له، فلا يصح أن تبقى القيادة عند شخص يخالف أوامر الفقهاء أو أوامر الإسلام والشرع، إذاً فكل ما علينا فعله هو البحث عن من اجتمعت فيه هذه الصفات والانصياع إلى أوامره، فعندها ستشعر بأن روحك ارتبطت مع بارئها، لم؟
لأنك سرت على الطريق الذي يرتضيه، سرت على طريق لا تشوبه الشوائب المعكرة لصفو الإيمان، وإنّ ما ذكرناه من قيادة في الجانب السياسي ليست سوى لفتة وجانب من جوانب المهام الشاقة التي هي حقيقة تقع على كاهل القائد، فلكي يعطي كل مهمة من مهماته حقها يجب أن يكون على مستوى راق من العلم والحكمة والتقوى والتفقه في الدين، ومع ذلك ولو أصبح معصوماً فهو لن يستطيع أن يصل إلى رضى الناس ومبتغاهم، فمن أفضل من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ليكون قائداً؟
ومع ذلك لم يستطع أن يرضي الناس، وكما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة: «رضا الناس غاية لاتدرك»(8).
أجل، فإن انتصار الثورات في اختيار القيادات، لأن النصر لا يأتي إلا من قبل الله، وأي قيادة تكون خلاف القيادة الإسلامية التي يرتضيها الشارع المقدس، هي قيادة غير جائز شرعاً الامتثال لأوامرها لأنها لا تكون إلا عن هوى النفس، ومن أجل تحقيق رغبات هذا الإنسان وغريزته، وهذا ما يخالفه الشرع كثيراً إما عن خطأ في هذه الغريزة أو لمصلحة أكبر، فعلينا أن نفتح عقولنا لنجد طريق الهدى وطريق السداد، والابتعاد قدر الإمكان عن هوى النفس وميولاتها واختم بالحديث الذي ذكرته في مقدمة الكلام عن أبي عبد الله (عليه السلام): «العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا يزيده سرعة السير إلا بعدا».
* الهوامش:
(1) الكافي ج1، ص43.
(2) الخصال، ج2، أبواب المائة فما فوق، حديث10.
(3) كمال الدين، الباب 45، ص484.
(4) سورة الأحزاب، الآية 6.
(5) السيد كاظم الحائري، القضاء في الفقه الاسلامي، ص146.
(6) المصدر نفسه، ص147.
(7) أصول الكافي، ج1، ص407.
(8) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج2، ص30 (الحكم المنسوبة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)).
0 التعليق
ارسال التعليق