بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
لليتم ألم خاص لا يدركه إلا اليتيم نفسه، ولتعاليم الدين ووصاياه تأكيدات واسعة النطاق تساهم في استشعار المجتمع لألم هذا اليتيم، وتعوض اليتيم عما فقده من حرمان العاطفة، وكمدخل إلى البحث لا بد من الإشارة الإجمالية إلى معنى اليتم واليتيم في اللغة العربية، ومن خلال ذلك ننطلق إلى تصور هذه الحالة ومعايشتها.
اليتيم في اللغة
جاء في لسان العرب لابن منظور: "اليتم الانفراد، عن يعقوب. واليتيم الفرد. واليتم فقدان الأب. قال المفضل: أصل اليتم الغفلة، وسمي اليتيم يتيما لأنه يُتغافل عن بره. وقال أبو عمرو: اليتم الإبطاء، ومنه أخذ اليتيم لأنّ البر يبطئ عنه... وقال أبو سعيد: يقال للمرأة يتيمة لا يزول عنها اسم اليتم أبدا، وأنشدوا: وينكح الأرامل اليتامى. وقال أبو عبيدة: تدعى يتيمة ما لم تتزوج، فإذا تزوجت زال عنها اسم اليتم، وكان المفضل ينشد:
أفاطـم إنـي هـالك فتثـبتي ولا تجـزعي كل النسـاء يتيم"(1)
وقال صاحب كتاب (سبل الهدى والرشاد): "اليتيم: اسم مفعول من اليتم وهو انقطاع الولد قبل بلوغه عن أبيه بموته، وفي سائر الحيوانات الانقطاع من قبل الأم. وكل منفرد يتيم، يقال: درة يتيمة تنبيها على أن قد انقطعت مادتها التي خرجت منها"(2).
ألم اليتم ومعاناته
تشير معاني اللغة في اليتم إلى حالة الانفراد، وكفى بالوحدة عذابا، ولذلك كان الانفراد عقاباً وعذاباً معتمداً في سجون الظالمين حيث يترك المسجون في (السجن الانفرادي) كما يعبرون، وهذا يكشف عن أن حال الإنسان لا يصلحه الانفراد، بل لا بد له من القرين والشريك، وحينها يمكننا أن نقترب شيئا من تصور ألم الرسول (صلّى الله عليه وآله) في شعب أبي طالب حيث مقاطعة الأقربين، وكما يقول الشاعر:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند
ويمكن أن نقارب أحاسيس العشاق في حالة الهجران والابتعاد؛ كمثل ما يسطره تاريخ الأدب من نحول جسم عنترة بن شداد وانصرافه إلى الخمرة واليأس، وآلم من ذلك أن تسمع اليتيم يسأل أمه كلما رأى أطفالا: ألهؤلاء الأطفال أب؟! يقول الشاعر:
ما أذل اليتيم حين ينادي بأبيـه فـلا يـراه مجـيـبا
الإسلام ووصايا الخير
يوصي الدين الإسلامي بالأيتام خيرا، فقد قال الله (سبحانه وتعالى): {فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(3) وذلك بعدما نزلت بعض الآيات التي تنهى عن أكل مال اليتيم بالباطل، فحينما خاف المسلمون من ذلك قاموا بإخراج اليتامى من بيوتهم حتى لا يأكلون شيئا من أموالهم؛ حيث ينفقون شيئا منها وشيئا من أموالهم الخاصة كنفقة مشتركة لكل من هو في هذه الدار، فتفاديا للزيادة والنقصان وخوفا من العذاب الأخروي قاموا بإخراج اليتامى من دورهم ثم جاؤوا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يسألونه عن ذلك فجاءت الآية الشريفة تدعوهم إلى إصلاح أمر اليتامى، وتشير إلى أن مخالطة اليتامى لا بأس بها ولا داعي إلى المبالغة في التدقيق فالشريعة تجيز المخالطة بالنحو المتعارف والإنفاق بالمعقول حيث لا يعد حينها أكلا لمال اليتيم بالباطل. عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه لما نزلت: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً}(4) أخرج كل من كان عنده يتيم وسألوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في إخراجهم فأنزل الله تبارك وتعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ}(5).
حِكَمُ اليتم وأغراضه
قد يسأل سائل عن الغرض الذي من أجله جعل الله (سبحانه وتعالى) حالة اليتم في هذه الدنيا، فلماذا جعل بعض الناس يتامى وأفقدهم آباءهم أو أمهاتهم؟ في الحال الذي يدعي القرآن العظيم أن نظام الخلق هو أفضل الأنظمة {مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ}(6)، وذلك لأن الله (سبحانه وتعالى) أفضل الخالقين: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}(7)، فكيف ميّز الله (سبحانه وتعالى) بين عباده وخلقه؛ فجعل لبعضهم الآباء وسلب بعضا آخر آباءهم من غير ذنب أذنبوه؟ وحرمهم عاطفة جامحة ورعاية أساسية يتفطر من أجلها وجدان اليتيم ويكاد يضل الطريق ويتخذ الانحراف مسلكا وطريقا؟!!
العاطفة بأضعافها
يكفي في الجواب عن هذا الإشكال المتقدم أن نحل مشكلة العاطفة وتوفيرها لليتيم، فنجد أن الدين الحنيف قد عوض اليتيم عن عاطفة الأب والأم بعاطفة المجتمع أجمع، فأمر كل الناس برعاية اليتيم والحنو عليه والمسح على رأسه و.. وجعل بإزاء هذه الأوامر والدعوات المبالغ فيها جزاء وعطاء في الدنيا وجزاء وعطاء في الآخرة، وذلك لتأكيد التشويق إلى رعاية اليتيم، وبهذا نحرز أن المجتمع الآخذ بتعاليم الله (سبحانه وتعالى) سيكون سبب بركة على هذا الطفل حتى مع عدم وجود الأب، بل وكم من الآباء لا ينال أبناءهم شيء من العاطفة؟ إذن فإن عاطفة الأب على أهميتها، وعلى الألم الخاص لفقدها، إلا أن المجتمع حينما يتسابق في رعاية اليتيم ولا يضيع تعاليم الله (سبحانه وتعالى) في حقه فإنه سيعوض اليتيم ويجعله مدللا يتقلب في الرعاية والبر. ويبقى المجتمع الرافض لشرع الله (سبحانه وتعالى) هو الظالم لليتيم، فإن الله حينما يسلب من ناحية التكوين فإنه يعوض من ناحية التشريع، بل إن تشريعه في حق اليتيم مبالغ فيه إلى الدرجة التي جعلت لرعاية اليتيم من الآثار التكوينية المباشرة؛ كرقة القلب، وقضاء الحوائج.. ما يرغب كل إنسان في برِّ اليتيم ولو لم يكن مسلما آخذا بأحكام الشريعة، فمن كان همه وطلبه المباشر هو هذه الخصال فإن طريق نيلها في الدنيا قبل الآخرة هو أن يمسح رأس اليتيم أو يحوطه برعايته.
حالة اليتم معين الرحمة الفياضة
بعد الإجابة على الإشكال المتقدم نجد أن حالة اليتم لها أغراض وحِكَم أشد روعة ولطفا، فتربية المجتمع على الدين الحنيف تعني أن يكون مجتمعا رحيما، وتربيته على الرحمة تقتضي وجود مصدر يفيض الرحمة ويجعلها تتدفق في أوصال المجتمع، ومن هذه المصادر لشمول الرحمة كانت حالة اليتم، فاليتم سبب من أسباب الرحمة على المستويين التشريعي والتكويني.
بثّ الرحمة على المستوى التشريعي
كثيرة هي دعوات الشريعة إلى رعاية الأيتام، وسنأتي على ذكر بعضها في عنوان خاص، وهذه الدعوات هي دعوات محركة باعثة للعاطفة لدى المجتمعات، ولو قدر لكل الأولاد أن يبقى آباؤهم لانقلبت حالة الحب إلى نفور، ولرأى كل ولد في موت والده أو جده أو جد أبيه -أو ما بعده من سلسلة الآباء- في موتهم بركة ومتسعا، ولصار الغرض هو الدعاء بأن ينزل الله (سبحانه وتعالى) الموت على المجتمع ليصير متسع من المكان والزمان والجهد؛ وهذا ما كان فعلا في بعض الأزمنة حيث وردت الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إن قوما فيما مضى قالوا لنبي لهم: ادع لنا ربك يرفع عنا الموت فدعا لهم فرفع الله عنهم الموت فكثروا حتى ضاقت عليهم المنازل وكثر النسل ويصبح الرجل يطعم أباه وجده وأمه وجد جده ويوضيهم ويتعاهدهم فشغلوا عن طلب المعاش، فقالوا: سل لنا ربك أن يردنا إلى حالنا التي كنا عليها، فسأل نبيهم ربه فردهم إلى حالهم»(8)، أو على أحسن الأحوال حينما يكون المجتمع متساويا ولا توجد فيه مواضع الفقد والحرمان، فإن أحدا لن يتحرك له وجدان أو عاطفة، بل سيشتغل كل فرد بنفسه وسينصرف عن المجتمع، ولكن حينما تسود حالات معينة من الحرمان، والفقر، والفقدان واليتم وغير ذلك... كل هذا من جانب، ومن جانب آخر تعم دعوات الشريعة إلى التكافل والرعاية والمحبة والعطف، فإن هذه الحالة مجتمعة هي أنسب الحالات وأدعاها إلى تحريك عاطفة المجتمع وإحياء القلوب؛ لتتعاطف على بعضها، ولتسيل دمعة صادقة، وينبض قلب بحرقة، ويرف جفن برحمة، وتمسح يد بحنو ومحبة. ففي ضمن هذه المنظومة الكاملة إلى تربية المجتمع وجدت حالة اليتم كمفردة من مفردات آيات نظام الكون الذي لا يوجد فيه تفاوت ولا فطور: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ}(9).
الرحمة التكوينية وقنطرة اليتم
وكما كان اليتم سببا من أسباب تحريك الرحمة في المجتمع ونفخ الروح الرحيمة في أوصاله، كذلك فإن اليتم هو القنطرة التي تتدفق من خلالها الرحمة على المستوى التكويني، بدءا من شعور الإنسان نفسه بالرحمة بين جانحيه حينما يمسح رأس اليتيم، نعم حتى ذلك الإنسان قاسي القلب فإن علاج قسوته هو أن يمسح رأس اليتامى كما ورد في بعض الروايات، فحينها ينبري قلبه عطوفا رحيما وهذا هو الأثر المباشر في عالم التكوين، فهو جزاء دنيوي لا داعيَ لانتظاره في عالم الآخرة، وهذا ما يكشف حجم الدعوات للرفق باليتيم من جانب، وحجم العاطفة التي سيتلقاها اليتيم عوضا عن عاطفة الأبوة من جانب آخر، فقد يَرحم اليتيمَ من ليس رحيما بطبعه ولكنه طامع في نيل هذا الجزاء المباشر من لين القلب وقضاء الحوائج.
إضافة إلى ذلك فإن امتثال أحكام الدين في حق اليتامى من شأنه أن يحول حالة اليتم من بؤر يُترقب منها الفساد إلى ينابيع تنهمر بالخير على المجتمع الإنساني، اليتيم هو أقوى الناس إدراكا وإحساسا بألم اليتم، لذلك كانت حالة اليتم سببا قويا في خلق منابع الرحمة وخلق الرحماء، ولعلّ من ضمن حِكَم يتم النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله) حال صغره هو أن يستشعر آلام الآخرين ويعيش معهم فتكون رحمته رحمة لا كرحمة الآخرين، وقد برزت على شخصية النبي (صلّى الله عليه وآله) وفي تعاليمه الشريفة آثار هذه الحالة، فكان (صلّى الله عليه وآله) يشير في تعاليمه الداعية إلى رحمة اليتامى أنه (صلّى الله عليه وآله) كان في صغره يتيما. ومن هذا جرت طريقة العلماء على الدعاء بطلب القلب الشاعر الحساس بآلام الآخرين.
وبعد كل هذا فإن هناك أثرا تكوينيا آخر على اليتيم نفسه، وهو أن يعاني هذه الصعوبات لتنبثق من ثناياها شخصيته شخصية قوية قادرة على تحمل الشدائد.
الارتقاء بعلم الإنسان وتوحيده
إن من أعظم ثمار حالة اليتم والتعرف عليها وعلى مثيلاتها من المفردات هو أن يرتقي الإنسان المؤمن في حالته الإيمانية والتوحيدية، فليس البحث ترفا، وإنما خلق الإنسان ومنح الفيوضات والعطايا، ومن ثم مني بالبلايا والرزايا ليسعى من أجل العلم، وليرقى في الآخرة بحسب ما علمه وبالدرجة التي وحد الله فيها.
حينما نرى عامة الناس يتألمون لليتيم ندرك أن الحالة الطبيعية للطفل هي أن يكون له أب، وحينما نسمع من كثير من الناس ترحما على اليتيم بدرجة تشرف على اتهام الله (سبحانه وتعالى) بالظلم ندرك أن الإنسان لا بد له من شفيع وأن حاله لا يصلح إلا بالقرين، فقد يقال: لماذا سلب الله (سبحانه وتعالى) هذا الطفل أبويه في الصغر؟! إنه طفل مسكين مظلوم! ما ذنب هذا الطفل؟! وأمثال هذه العبارات. الوجدان البشري يصرخ بأعلى صوته أن الإنسان لا بد له من أنيس، ولذلك كانت الاستجارة والبكاء والزفرة على عالم الوحشة والانقطاع عن المؤنس.
ورد في الرواية الشريفة في الكافي الشريف من خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) على منبر الكوفة، حيث قام له ذعلب يسأله عن الله، فقال (عليه السلام) في وصف الله (سبحانه وتعالى): «وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة واليبس بالبلل..»(10)، ما يهمنا في هذه الخطبة الشريفة هو قوله (عليه السلام): «وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له» فنفهم منها أن الله (سبحانه وتعالى) بما أنه هو المقارن بين الأشياء فإن حالة الاقتران هي من صنعه وتكوينه تعالى، فهو الذي جبل الأزواج على التزاوج، وهو الذي جعل المتقارنات متقارنات، فمقارنته هي صنعه وهو تعالى غني عما يصنع.
إن المقارنة بين الأشياء على أنحاء؛ فمنها مقارنة الأزواج، ومنها مقارنة الآباء والأبناء وهكذا..
فمن خلال ذلك عرفنا أن الله (سبحانه وتعالى) لا زوج له، ولا قرين، ألا ترى في حالة الزواج عند بني الإنسان منبها وجدانيا على فقر الإنسان واحتياجه، حتى لو تغطرس الإنسان وادعى ما ادعى وقال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}(11) فإنه يبقى ذلك الإنسانَ المحتاج إلى الزوجة، فكل ملوك الدنيا لا يقدرون على ترك الزواج، بل لا بد أن تكون قصورهم مليئة بالغانيات، فهذه الفطرة وهذه الغريزة والحالة الشهوية تجعل هذا الملك صاغرا ذليلا مفتقرا محتاجا إلى الزوجة وإلى القرين، مهما حاول التعالي إلا أنه لا بد له من القرين والزوج، فهذه الحالة الغريزية التي لا تسمح للإنسان بالانفصال عن الزوج تهتف مذكرة الإنسان بأنك لا يمكن أن تكون إلها، وأن هناك من هو غني عن الأزواج وعن القرناء وهو الله (سبحانه وتعالى)، كذلك هي حالة اليتم إذن، تذكر الإنسان بأنك -أيها الإنسان- فقير محتاج إلى الأب وإلى الأم، وأنك ضعيف لا تكاد تتحمل فراقهما، ولذلك عوضك الله عنهما بشيء كثير علك ترضى وعل فقرك ينجبر، فأنت لا تصلح لك الوحدانية والتفرد، ولا يصلح أمرك إلى الشفيع، فأينما وجدت فردا فلا بد لك من شفيع يشفعك، والله تعالى هو وحده الواحد بجميع أنحاء الوحدة، وهو المتفرد الذي لا يحتاج إلى قرين، فسبحان ربنا الذي{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}(12).
رعاية اليتيم في دعوات الشريعة
نذكر هنا مجموعة من الروايات الشريفة المروية عن أهل البيت (عليهم السلام) في حق اليتامى والدعوة إلى رعايتهم:
1- ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ما من عبد يمسح يده على رأس يتيم ترحما له إلا أعطاه الله عز وجل بكل شعرة نورا يوم القيامة»(13).
2-جاء في وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) عند وفاته: «الله الله في الأيتام فلا تغبوا أفواههم(14)، ولا يضيعوا بحضرتكم، فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله عز وجل له بذلك الجنة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار»(15).
3-وعنه (عليه السلام) أنه قال: «ما من مؤمن ولا مؤمنة يضع يده على رأس يتيم ترحما له إلا كتب الله له بكل شعرة مرت يده عليها حسنة»(16).
4-ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنه قال لرجل يشكو قسوة قلبه: «أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلن قلبك وتدرك حاجتك»(17).
5- وروي عنه (صلّى الله عليه وآله): «ارحموا اليتامى وأكرموا الغرباء، فإني كنت في الصغر يتيما وفي الكبر غريبا»(18).
6-وعن صادق آل محمد (عليه السلام): «إذا بكى اليتيم اهتز العرش فيقول الله تبارك وتعالى: من هذا الذي أبكى عبدي الذي سلبته أبويه في صغره؟ فوعزتي وجلالي وارتفاعي في مكاني لا يسكته عبد مؤمن إلا أوجبت له الجنة»(19).
7- وعنه (عليه السلام) عن آبائه الطاهرين (عليهم السلام) قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): مرّ عيسى بن مريم بقبر يعذب صاحبه، ثم مرّ به من قابل فإذا هو ليس يعذب! فقال: يا رب مررت بهذا القبر عام أول فكان صاحبه يعذب، ثم مررت به العام فإذا هو ليس يعذب! فأوحى الله عز وجل إليه: يا روح الله، إنّه أدرك له ولد صالح فأصلح طريقا وآوى يتيما فغفرت له بما عمل ابنه»(20).
8-وفي الرواية أن أمير المؤمنين اشتكى عينه فعاده النبي (صلّى الله عليه وآله) فإذا هو يصيح، فقال له النبي (صلّى الله عليه وآله): أجزعا أم وجعا؟ فقال: يا رسول الله ما وجعت وجعا قطّ أشد منه، فقال: يا علي، إن ملك الموت إذا نزل لقبض روح الكافر نزل معه سفود(21) من نار فنزع روحه به فتصيح جهنم، فاستوى علي (عليه السلام) جالسا فقال: يا رسول الله أعد علي حديثك فقد أنساني وجعي ما قلت، ثم قال: هل يصيب ذلك أحدا من أمتك؟ قال: نعم، حاكم جائر، وآكل مال اليتيم ظلما، وشاهد زور(22).
9-عن أسماء بنت عميس: أصبحت في اليوم الذي أصيب فيه جعفر وأصحابه فأتاني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقد منأتُ أربعين منّا من أدم وعجنت عجيني، وأخذت بنيَّ فغسلت وجوههم ودهنتهم، فدخل علي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: يا أسماء أين بنو جعفر؟ فجئت بهم إليه فضمهم وشمهم، ثم ذرفت عيناه فبكى، فقلت: يا رسول الله لعله بلغك عن جعفر شيء؟ قال: نعم، إنه قتل اليوم، فقمت أصيح واجتمعت إلي النساء..(23).
جعلنا الله من الآخذين بسيرة نبيه (صلّى الله عليه وآله) والعاملين بشريعته، والحمد لله رب العالمين.
* الهوامش:
(1) لسان العرب، ابن منظور، ج12، ص645.
(2) سبل الهدى والرشاد، الصالحي الشامي، ج1، ص535.
(3) البقرة: 220.
(4) النساء: 10.
(5) البقرة: 220.
(6) الملك: 3.
(7) المؤمنون: 14.
(8) الكافي، الشيخ الكليني، ج3، ص260، ح36.
(9) الملك: 4.
(10) الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص139، ح4.
(11) النازعات: 24.
(12) الإخلاص: 3-4.
(13) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج1، ص188، ح570.
(14) جاء في حاشية نهج البلاغة: أغب القوم: جاءهم يوما وترك يوما، أي صلوا أفواههم بالإطعام ولا تقطعوه عنها. [نهج البلاغة، شرح الشيخ محمد عبده، ج3، ص77، ح47، هـ 1. وقد ورد: زر غبا تزدد حبّاً.
(15) الكافي، الشيخ الكليني، ج7، ص51.
(16) ثواب الأعمال، ص199.
(17) ميزان الحكمة، الريشهري، ج4، ص3709، عن كتاب الترغيب والترهيب.
(18) السيرة الحلبية، ج1، ص82.
(19) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج1، ص188، ح573.
(20) الأمالي، الشيخ الصدوق، ص603، ح873/8.
(21) السفود: الحديدة التي يشوى بها اللحم.
(22) الكافي، الشيخ الكليني، ج3، ص253، ح10.
(23) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج21، ص63
0 التعليق
ارسال التعليق