مقدمة
تعتبر الشريعة الإسلامية هي خاتمة الشرائع السماوية، وهذا يعني أنّها تحتوي على ما يكفل سعادة الإنسان إلى الأبد، وتستطيع الاستجابة لجميع متطلباته الفردية والاجتماعية، فيوجد في هذه الشريعة ما يلبّي جميع حاجاته وما يحتاجه في تنظيم علاقاته، وهذا يقتضي وجود قوانين عامة جاءت بها الشريعة لكي تكون صالحة لكل زمان ومكان ومن هذه القوانين ما يتعلق بالعقود والمعاملات فإنه مما لا شبهة فيه أن العقود والمعاملات تتطور بتطور الزمان وبتكامل النضج البشري فكم من عقدٍ جديدٍ مُستحدَثٍ لم يكن موجوداً سابقاً؟ فيقع السؤال عن حكم هذه العقود وما رأي الشارع المقدس فيها؟ وما شاكل ذلك. وبمقتضى ما ذكرناه سابقاً فلا بد من وجود نظرٍ للشارع في ذلك وهذا ما استدعى الفقهاء للبحث عن قواعد كلية وعمومات تجيب عن مثل هذه الأسئلة ومن أهمّ ما تناولوه في الأبحاث المفصّلة واستفادوا منه كثيراً في
أبواب المعاملات قوله تعالى:
{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} مما يعني أنّه لا بد من التأمّل في هذه الآية واستفراغ الوِسع للبحث عن دلالاتها.
ومن هذا المنطلق قمت بالبحث عن هذه الآية في بحث مستقل وفرز الأبحاث المتعلقة بها فتارة يستدلّون بها على لزوم كل عقد عرفي، وتارة يستدلّون بها على الصحة، وأخرى على نفي الشروط الزائدة المشكوكة، وترى البعض ينكر كل ذلك مما يقتضي أن يكون لكل بحثٌ مستقلٌ فيه يوضح الجوانب المختلفة في الآية من الدلالات والإشكالات الواردة على ذلك وهل هي تامة أو لا؟
والبحث عنها من جهتين:
أولاهما: مرحلة المقتضي: وفيها تنقّح دلالات الآية فهل يستفاد منها الحكم التكليفي أو الحكم الوضعي كاللّزوم والصحة أو يستفاد كليهما؟ وهل يوجد عموم أو إطلاق في الآية صالح لتطبيقه على كل عقد خصوصاً العقود المستحدثة؟ هذا كله في الجهة الأولى.
ثانيتهما: مرحلة رفع المانع: نقوم بدراسة الإشكالات التي ذكرت على الاستدلال بالآية فما هي هذه الإشكالات، وهل هي تامّة أم لا؟
والكلام يقع في جهات:
الجهة الأولى: مباحث تمهيدية
المبحث الأول: المصطلحات العامة
1- الدلالة وتقسيماتها:
يستفاد من كلام أهل اللغة أنّ كلمة الدلالة لها أصلان:
أولهما: إبانة الشيء بإمارة.
وثانيهما: الاضطراب في الشيء.
ومن استعمالات العرب للأصل الأول: (دللت فلاناً على الطريق)، أي: أبنت له الطريق(1)، وهذا اللّفظ يصح بالكسر والفتح كما نصَّ عليه بعض اللغويين(2).
ولنعمَ ما جاء في كتاب التحقيق في كلمات القرآن حيث لخصَّ البحث اللغوي بقوله: "والتحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو صيرورة شيء بحيث ينبئ عن شيء آخر ويُريه، والأول أعمّ من أن يكون لفظاً أو غيره. وهذا الإنباء أعمّ من أن يتحقّق بقصد أو بغير قصد.
والهداية ضدّ الضلال، وهو إراءة الطريق وتبيينه مادّيّا أو معنويّا، إلى ما كان رحمة وخيراً أو عذاباً وشرّاً. وهذا بخلاف الإرشاد فهو هداية إلى الصلاح والخير والرشد، وهو ضدّ الغيّ.
وأمّا الأمارة: فهو ما يؤدّي النظر فيه إلى الظنّ بشيء، بخلاف الدلالة فهو يفيد العلم ويؤدّي إليه، والأمارة قريب من العلامة لفظاً ومعنى.
ولم أجد للدلالة لفظاً ما يبيّن حقيقة مفهومه أزيد من هذه الكلمات، لا في العربيّة ولا في الفارسيّة"(3).
وعليه نستخلص: أنّ لفظ الدلالة يطلق غالباً في العلوم بما له من المعنى اللّغوي نعم قد يراد منه معنى اصطلاحي معين ولكن قد لوحظ فيه المعنى اللّغوي بلحاظ الأصل الأول أي إبانة الطريق.
وأما الدلالة في المنطق فهي: كون الشيء بحالة إذا علمت بوجوده انتقل ذهنك إلى وجود شيء آخر، فمثلاً إذا سمعت طرقة الباب ينتقل الذهن إلى وجود شخص على الباب وتسمى الطرقة (دالاً) ووجود الشخص (مدلولاً) وهذه الصفة التي حصلت للطرقة تسمى (دلالة).
وهناك عدّة تقسيمات للدلالة، نشير إلى ثلاث منها.
التقسيم الأول:
قد قسمت الدلالة في المنطق إلى دلالة عقلية وطبعية ووضعية. وتقسم الدلالة الوضعية إلى لفظية وغير لفظية. أما الدلالة اللفظية فهي على ثلاثة أنحاء:
1-الدلالة المطابقية: وهي دلالة اللّفظ على تمام ما وضع له كدلالة لفظ الإنسان على الحيوان الناطق، ودلالة الدار على جميع ما تحويه وتحيط به جدرانها.
2-الدلالة التضمنية: دلالة اللّفظ على جزء معناه كدلالة لفظة زيد على رأسه ورجليه.
3-الدلالة الإلتزامية: دلالة اللّفظ على لازم معناه كدلالة الشمس على الضوء والإنسان على تعقله وكتابته.
التقسيم الثاني:
هناك تقسيم آخر للدلالة الوضعية اللفظية ذكره علماء البلاغة والأصول وهو تقسيمها إلى الدلالة التصورية والتصديقية.
فإنّ اللّفظ الموضوع الصادر من المتكلم له دلالتان هما:
الدلالة التصورية: وهي دلالة اللّفظ على معناه الموضوع له، فإنّه يخطر معنى اللّفظ في الذهن عند سماعه ويكون سماعه موجباً لتصوّر معناه، وهذه الدلالة تتوقف من طرف السامع على أمور ثلاثة وهي سماع اللّفظ وكونه موضوعاً، وعلم السامع بالوضع. أما من جانب اللافِظ لا شرط لها بل لو صدر اللّفظ من وراء الجدار ومن لافظ بلا شعور واختيار حصلت هذه الدلالة. وهذه الدلالة حاصلة بسبب الوضع.
الدلالة التصديقية: وهي الدلالة التي توجد عند صدور اللّفظ من المتلفظ الملتفت وهي على نحوين:
الدلالة التصديقية الأولى وتسمى (الدلالة الاستعمالية): وهي دلالة اللّفظ على أنّ المتكلم يريد إخطار المعنى في الذهن كما في الهازل.
الدلالة التصديقية الثانية وتسمى (الدلالة الجدية): وهي دلالة اللّفظ على كون المعنى مراداً جدّياً للمتكلم كما في المتكلم الجادّ الذي يريد الإخبار عن الواقع.
التقسيم الثالث:
ذكر الأصوليون والمفسرون تقسيماً ثالثاً للدلالة هو أنّ الدلالة لها ثلاثة أقسام: دلالة الاقتضاء والإيماء والإشارة.
أما الاقتضاء فهي دلالة الكلام على أمر مقصود للمتكلم دلالة إلتزامية عقلية أو شرعية، من جهة توقف صحة الكلام عقلاً أو شرعاً على إرادة القائل ذلك المعنى، بحيث لو لم يكن من قصده ذلك لعُدَّ غالطاً في كلامه فدلالة الاقتضاء على قسمين: عقلية وشرعية.
مثال الأولى: دلالة قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} على كون المسؤول أهل القرية لا القرية نفسها، فهذه الدلالة مقصودة بالملازمة العقلية للقائل وتتوقف صحة الكلام بحكم العقل على كون المراد ذلك.
ومثال الثانية: كما في قول القائل: "بع مالي عنك أو أعتق عبدي عنك"، فإنَّ الكلامين يدلان على قصد المتكلم تمليك ماله للمخاطب قبل بيعه وعتقه حتى يجوز له البيع والعتق عن نفسه، فإنّه لا بيع إلّا في ملك ولا عتق إلّا في ملك، كما أنّ إقدام المخاطب على البيع والعتق بالشروع في الإنشاء يدلّ على قبول ذلك التمليك وقصده لتملكه المال قبلهما، فدلالة كلام الآمر بالبيع على التمليك من دلالة الاقتضاء بحكم الشرع، ودلالة بيع المخاطب وعتقه على التملك أيضاً من قبيل تلك الدلالة.
ومن ذلك أيضاً قول من عليه الكفارة لمخاطبه الذي له مملوك: أعتق عبدك عني وأنشأ المخاطب عتق عبده بعد طلبه هنا، فإنّ الكلام الأول يدل بدلالة الاقتضاء الشرعية على طلب تمليك العبد له وبيعه منه بذلك الثمن قبل العتق، والكلام الثاني يدل بتلك الدلالة على قبول استدعائه بتمليكه العبد وبيعه منه، فالكلامان يدلان اقتضاءً على بيعٍ بينهما حاصل بإيجابٍ ضمني وقبولٍ كذلك.
وأما دلالة الإيماء والإشارة فكدلالة قوله (عليه السلام): «كفّر» عقيب قول القائل: «إنّي واقعت أهلي في نهار شهر رمضان»، فهذا الأمر بإعطاء الكفارة بعد ذلك السؤال لا يخلو عن الإشارة إلى علّية الجماع لوجوب الكفارة.
2-العقد:
"جاء في لسان العرب «العقد نقيض الحل...العقد: العهد والجمع عقود وهو أوكد العهود"(4).
وفي مفردات الراغب الأصفهاني: "العقد: الجمع بين أطراف الشيء ويستعمل ذلك في الأجسام الصلبة كعقد الحبل وعقد البناء ثم يستعار ذلك للمعاني نحو عقد البيع"(5).
وفي مجمع البيان: "العقود جمع عقد بمعنى معقود، وهو أوكد العهود. والفرق بين العقد والعهد: أنّ العقد فيه معنى الاستيثاق والشّد، ولا يكون إلَّا بين متعاقدين، والعهد قد ينفرد به الواحد، فكل عهد عقد، ولا يكون كل عقد عهدا. وأصله: عقد الشيء بغيره، وهو وصله به، كما يعقد الحبل"(6). وقريب منه ما في القاموس المحيط(7).
من خلال ملاحظة كلمات اللّغويين واستعمال العرف لكلمة العقد ومشتقاتها نستطيع القول بأنّ العقد هو شدُّ الشيء لأنّه مقابل الحلّ الذي هو فكّه، ولهذا فُسِّرت بالعهد كما جاء في لسان العرب أو أشد العهود كما عن البيضاوي أو أوكد العهود كما في مجمع البيان.
فالعقد بحسب اللّغة هو الجمع بين أطراف الشيء أو شدّ أحد شيئين بالآخر، ولازمه تلازم الشيئين. والعقد كان معتبراً في الأمور المحسوسة أولاً حيث إنّه شدّ أحد الشيئين بالآخر على نحو يصعب الانفصال كعقد الحبل والخيط بآخر مثله، ثمَّ استُعير للأمور المعنوية كعقود المعاملات لثبوت أثر المعنى وهو اللّزوم والالتزام به، والظاهر أنّ الأمرين المتلازمين في العقود المصطلحة في الفقه هو التزام الموجب بمفاد إيجابه والتزام القابل بمفاد قبوله فيشدُّ أحد الالتزامين بالآخر، وإن شئت قلت: إنَّ العقد هو شدُّ أحد العهدين والقرارين بالآخر.
أما العقد في الاصطلاح فسيأتي التعرُّض إليه عند البحث عن حقيقة العقد.
3-الوفاء:
مصدر مأخوذ من (وفي) وهو في اللغة بمعنى الإتمام وعدم النقص، قال في معجم مقايس اللغة: "الوَفاء: إتمام العَهْد وإكمال الشَّرط. ووَفَى: أوفَى، فهو وفِيٌّ. ويقولون: أوفَيْتُكَ الشيء، إذا قَضَيْتَه إيّاهُ وافياً. وتوفَّيْتُ الشَّيء واستَوْفَيْته؛ إذا أخذتَه كُلّه حَتَّى لم تتركْ منه شيئاً. ومنه يقال للميِّت: تَوفَّاه الله"(8).
وعليه فالإيفاء بالشيء الأخذ به تامّاً وافياً وعدم نقصه أو تركه. وضدّه الغدر وهو ترك الشيء أو نقصه، كما جاء في قوله تعالى: {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا}(9)، أي لم نترك منهم أحداً، وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا}(10)، أي لم يترك منهما شيئاً، ويقال: (غدير) للماء المتروك المنقطع من السيل.
قال الراغب في المفردات: "الوافي: الذي بلغ التمام. يقال: درهم واف وكيل واف، وأوفيت الكيل والوزن. قال تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ}(11). وفى بعهده يفي وفاء وأوفى: إذا تمّم العهد ولم ينقض حفظه. واشتقاق ضدّه وهو الغدر يدلّ على ذلك وهو الترك..."(12).
وبالجملة: يقال: درهم وافٍ، وكتاب وافٍ، واستوفى دينه كل ذلك بمعنى التمام وعدم النقصان مثله قوله تعالى: {وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ}(13)، أي أتموا الكيل والميزان.
وسيأتي مزيد بحث عند التعرض إلى المراد من وجوب الوفاء في الآية.
المبحث الثاني: حقيقة العقد
أولاً: تقسيم المسائل الفقهية
قسّم الفقهاء المسائل الفقهية إلى أربعة أقسام وهي العبادات والعقود والإيقاعات والأحكام.
أما العبادات فهي تطلق على معنيين:
1-العبادات بالمعنى الأخص: وهي تلك الأمور التي يتوقف حصولها على قصد القربة، كالصلاة والصوم.
2-العبادات بالمعنى الأعم: وهي ما يمكن فيه قصد التقرب وإن لم يتوقف عليه، كشرب الماء والنكاح.
والمراد من العبادات في التقسيم المعنى الأول.
أما المعاملات فهي على قسمين أيضاً:
1-المعاملات بالمعنى الأخص: ويطلق على خصوص باب العقود، أي ما يكون قوامه إنشاء الطرفين، وهو المراد من لفظ العقود المأخوذ في القسمة.
2-المعاملات بالمعنى الأعم: وهي ما لا يعتبر فيه قصد التقرب، وهذا المعنى عام يشمل ما يتوقف على الإنشاء، وما لا يتوقف عليه.
ثانياً: المراد من العقد في الاصطلاح
أمَّا العقد فهو عبارة عن الربط الخاص الحاصل بين التزامين.
وبيان ذلك: إذا قال أحد المتعاقدين: (بعت كتابي بدينار) وقال الآخر: (قبلت) فهنا يوجد التزام من كل منهما بمبادلة الكتاب بالدينار، وهذان الالتزامان قائمان بهما، فكلّ واحد من الالتزامين أمر خارجي حقيقي قائم في النفس، ويكون الالتزام الأول إحداثاً، والثاني إمضاء، نظير الإعطاء والأخذ، والإقباض والقبض، فالالتزام الثاني منفعلٌ بالالتزام الأول، والأول فاعل له. وهذا الربط الخاص بين الالتزامين يسمّى عقداً، فلو لم يكن هذا الربط الخاص بين التزامين كما إذا التزم أحدهما ببيع الكتاب بدينار، والتزم الآخر بشراء دفتر بدرهم لم يكن ذلك عقداً، لعدم الربط بينهما، بل كل منهما أجنبي عن صاحبه.
وبالجملة: فالعقد هو الربط الخاص المتحقق بين التزامين، لا الإيجاب والقبول، لأنّهما موضوعان للعقد أي الربط، فإطلاق العقد عليهما مسامحة. والوجه في هذا الإطلاق المُسامحي هو قيام الربط بهما.
وهناك خلاف في حقيقة العقد من جهة أخرى وهي أنّ العقد بالحمل الشائع أعني المعاملات هل هي أمور إنشائية تسبيبية أو أمور اعتبارية نفسانية مبرزة في الخارج بمبرز ما؟ والجواب متوقف على النقطة الثالثة.
ثالثاً: المسالك في حقيقة المعاملات
هناك مسلكان في حقيقة المعاملات:
المسلك الأول: مسلك المشهور
ما ذهب إليه المشهور وهو أنّ المعاملات من الأمور الإنشائية التسبيبية، ولهذا قسَّموا المعاملات إلى قسمين:
1-أسباب وهي تارة تكون لفظية كالصيغ الخاصة (بعت وصالحت و...) وتارة تكون فعلية كإعطاء البائع السلعة للمشتري بقصد إنشاء البيع وبهذا اللحاظ، أي كونها أسباباً تتصف بالصحة والفساد لأنّ الأسباب أمور مركّبة من أجزاء وشرائط فعند اجتماعها يقال: إنّ المعاملة صحيحة وعند فقدان بعضها يقال: إنّ المعاملة فاسدة.
2-مسببات وهي نتيجة السبب كالملكية والزوجية وهي بسائط يدور أمرها بين الوجود والعدم ولهذا لا تتصف بالصحة والفساد.
المسلك الثاني: مسلك السيد الخوئي (قدِّس سرُّه)(14)
إنّ أسماء المعاملات موضوعة لإبراز أمر اعتباري نفساني فلفظ (بعت) مثلاً موضوع للدلالة على قصد إبراز ملكية المبيع فهناك اعتبار نفساني للبائع وهو ملكية المبيع للمشتري فيقوم البائع بإبرازه عن طريق لفظ بعت، فالإنشاء عند السيد الخوئي (قدِّس سرُّه) هو إبراز الاعتبار النفساني في الخارج بقول أو فعل.
وبناءً عليه لا يوجد سببية ولا مسببية في المعاملات لأنّ الموجود في المقام أمران وهما:
أ-الأمر الاعتباري القائم في نفس المتعاملين.
ب-الأثر الشرعي أو العقلائي المترتب على فعلهما.
أما الأول: فهو فعل نفساني مباشر للمتعاقدين فلا يعقل كونه تسبيبياً، والثاني: كذلك؛ لأنّه فعل الشارع أو العقلاء مباشرة هذا بالإضافة إلى أنّ المشهور ليس مرادهم من المسبب هو الأثر، بل الأمر البسيط الحاصل بعد العقد كالملكية والزوجية.
وهذا المسلك مبني على أنّ الإنشاء عبارة عن إبراز الأمر النفساني وهذا متوقف على تمامية ما ذهب إليه في بحث الوضع من أنّ الوضع عبارة عن التعهد والالتزام النفساني وبالتالي تكون الدلالة الوضعية دلالة تصديقية ويترتب على ذلك أنّ المعاملات موضوعة للدلالة على إبراز القصد النفساني. وهذا المسلك لم يقبله أكثر المحققين ولهذا اختلفوا معه في بيان حقيقة المعاملات، ويترتب على هذا الخلاف مطالب يتعرض إليها في بحث الصحيح والأعم خارجة عن بحثنا.
رابعاً: تقسيم العقود عند الميرزا النائيني (قدِّس سرُّه)(15)
هناك تقسيم للعقود تعرض إليه المحقق النائيني (قدِّس سرُّه) لا بد من التعرض إليه هنا للحاجة إليه له أثناء البحث.
فقد قسم العقود إلى قسمين وهما:
1-العقود الإذنية.
2-العقود العهدية، وهي تنقسم إلى قسمين:
أ-العقود العهدية التعليقية.
ب-العقود العهدية التنجيزية.
وبيان هذه الأقسام حسب ما أفاده (قدِّس سرُّه):
أما القسم الأول وهو (العقود الإذنية) فهي:
ما كان قوامه بالإذن ومجرد رضا ولي الأمر ومالكه ولا يكون فيه عهد والتزام، وهذه كالوديعة والعارية، بناء على أن يكون مفادها الإباحة المجانية.
وكالوكالة على أحد القسمين فيها وهو ما لا يتوقف على الإيجاب والقبول بل مجرد إباحة تصرف للوكيل ومن أحكامه: أنّه يبطل تصرف الوكيل بمجرد رجوع الموكل عن إذنه ولو لم يطلع عليه الوكيل بخلافه في الوكالة العهدية وهي ما تتوقف على الإيجاب والقبول.
ثمَّ إنّه قد يكون العقد مركباً من عهديّ وإذنيّ باعتبار مدلوله المطابقي والإلتزامي كالإجارة فإنّها تدخل من جهة تمليك المنفعة بالعوض في العهدية، ومن جهة تصرف المستأجر في العين في باب الأمانات المالكية التي ترجع جميع العقود الإذنية إليها.
أما القسم الثاني وهو (العقود العهدية التعليقية):
هي التي يكون المنشأ فيها معلقاً على شيء كالسبق والرماية والجعالة بناءً على كونها عقداً ومتوقفاً على القبول ولو كان فعلاً.
أما القسم الثالث وهو (العقود العهدية التنجيزية):
هي التي يكون المنشأ فيها غير معلق على شيء كالبيع والإجارة.
وسيأتي في التنبيهات(16) ما يترتب على هذا التقسيم.
الجهة الثانية: معنى العقد الوارد في الآية
المدخل: بيان كلام الشيخ الأعظم (قدِّس سرُّه) حول الآية.
المبحث الأول: الفارق بين العقد والعهد اصطلاحاً.
المبحث الثاني: أقوال المفسرين في معنى العقد الوارد في الآية.
المبحث الثالث: معنى العقد والعهد في الروايات.
قال تعالى: {ِيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أوفُوا بِالْعُقُودِ}(17).
أشرنا سابقاً إلى أنّ هذه الآية من أهم الآيات التي تمسَّك بها الفقهاء في موارد عديدة في الفقه، فيستدل بها تارة على لزوم العقد وتارة على صحته، وأخرى على وجوب العمل شرعاً بمقتضى العقد وغيرها من الأحكام مما يعني ذلك أنّ الآية تشير إلى قاعدة عامة وقضية كلية يستفاد منها في أبواب العقود وقد تنبّه المحقق النّراقي (قدِّس سرُّه) لذلك فبحث هذه الآية مفصلاً في عوائده(18)، واستدل بها على لزوم كل عقد عرفي، وجاء مَن بعده وبحثوا في دلالات الآية والإشكالات الواردة حولها وأهم من تعرّض لذلك الشيخ الأعظم الأنصاري (قدِّس سرُّه) في كتاب المكاسب حتى صار كلامه محوراً لتعليقات الأعلام، ولهذا نتعرّض أولاً لكلام الشيخ الأعظم (قدِّس سرُّه) ثم ننطلق لبيان الجهات المختلفة من البحث.
المدخل: بيان كلام الشيخ الأعظم (قدِّس سرُّه)
تعرض الشيخ الأعظم (قدِّس سرُّه) صريحاً إلى هذه الآية في أول بحث الخيارات وأشار إليها أيضاً في بحث المعاطاة(19)، وحاصل ما يستفاد من كلامه في الموضعين هو لزوم كل عقد، وإثبات ذلك يتم عبر هذه المقدمات:
1-إنّ الآية يستفاد منها بالمطابقة وجوب الوفاء بالعقد تكليفاً.
وتفصيل ذلك أنّ في كلمة {أوفوا} احتمالين وهما: الوجوب التكليفي والوجوب الإرشادي، والظاهر هو الأول، والسبب في ذلك أمران:
أولاً: أنّ {أوفوا} صيغة أمر وظاهر الصيغة هو الوجوب المولوي التكليفي لأنّ مدلول صيغة (افعل) هو بعث المكلف نحو المادة الذي يقتضي المولوية التكليفية ويعتبر هذا الظهور هو الأصل الأولي لكل أمر كما ثبت في محله ولا يرفع اليد عنه إلا بقرينة ولا قرينة في البين.
ثانياً: إنَّ الشيخ الأعظم (قدِّس سرُّه) يرى أنّ الحكم الوضعي غير قابل للجعل الاستقلالي بل هو منتزع من الحكم الوضعي، فالمجعول حينئذٍ لا محالة سيكون مولوياً وتكليفياً.
2-المراد بالعقد الوارد في الآية لا يخلو إما هو مطلق العهد وإما هو العقد العرفي وعلى كل حال فهو يشمل العقد المبحوث عنه في المقام أعنى العرفي فهو القدر المتيقن وسيأتي تفصيل ذلك عند البحث عن معنى العقد.
3-المراد من وجوب الوفاء هو العمل بمقتضى العقد فإذا كان مفاد العقد مثلاً تمليك الغير فإنّ وجوب الوفاء معناه ترتيب آثار التمليك للغير فيجب تسليم المال لصاحبه ولا يجوز التصرف فيه بدون إذنه ولو فعل ذلك لكان نقضاً للعقد وهو حرام.
4-يوجد في الآية إطلاق أزماني وعموم أفرادي مستفاد من دخول اللام على الجمع أعني (عقود) فتدل الآية على وجوب الوفاء بكل عقدٍ وفي كل زمان حتى في حال فسخ الآخر.
والنتيجة من هذه المقدمات الأربع: أنّ مقتضى الإطلاق في الآية تحريم كل ما كان نقضاً لمضمون العقد ومنها التصرفات الواقعة على المال بعد فسخ المتصرف من دون طيب صاحب المال ورضاه، فيكون هذا لازماً مساوياً للزوم العقد، فمثلاً لو باع شخص الدار بألف دينار ثم قام البائع بفسخ البيع من دون ثبوت الخيار له وتصرف في الدار فإنّ مقتضى الآية حرمة تصرف البائع في الدار حتى بعد فسخه وهذا يعني عدم انفساخ العقد بمجرد فسخ البائع؛ إذ لو كان الفسخ مؤثراً للزم عود المبيع للبائع فيكون التصرف جائزاً لأنّه تصرف في الملك والحال أنّ الآية بإطلاقها تدل على حرمة تصرف البائع حتى بعد فسخه فيستدلُّ بالحكم التكليفي على الحكم الوضعي وهو اللزوم، وبعبارة أخرى: إنّ الآية لما دلت على وجوب العمل بمقتضى العقد تكليفاً فإنّ هذا يساوق حرمة التصرف في المال المنتقل منه إلى الغير وهذا يدل بالالتزام على عدم ترتب أثر على فسخ الفاسخ وإن المال المنتقل منه ما زال على ملك المنتقل إليه وهذا معناه لزوم العقد فتكون الآية دليلاً عاماً على لزوم كل عقد بالمدلول الالتزامي.
وتحقيق الكلام في الآية يقع في مقامين:
المقام الأول: مرحلة إثبات المقتضي: وذلك بتحقيق ما يستفاد من الآية.
والكلام في هذا المقام يقع في جهتين:
الجهة الأولى: معنى العقد الوارد في الآية.
الجهة الثانية: المراد من {أوفوا} في الآية.
المقام الثاني: مرحلة رفع المانع: وذلك ببيان الإشكالات الواردة حول الاستدلال بالآية والجواب عنها.
المقام الأول: تحقيق مفاد الآية.
هنا نتعرض إلى لجهة الأولى ونوكل الجهة الثانية إلى عنوان مستقل، ولكي نستوعب البحث في هذه الجهة لا بد من الكلام في مباحث ثلاثة.
المبحث الأول: الفارق بين العقد والعهد:
بعد وضوح المراد من العقد لغة واصطلاحاً كما تقدم سابقاً نركز هنا على قضية مرتبطة بنتائج البحث وهي دراسة العلاقة بين العقد والعهد فهناك خلاف بينهم في الجواب عن هذا السؤال وهو أنّه هل يوجد ترادف بين العقد والعهد أم لا؟ وبعبارة أخرى هل يوجد تغاير مفهومي بينهما أم لا؟
هناك ثلاثة آراء في الجواب عن هذا السؤال:
1-الاتحاد المفهومي بينهما، الذي يعني الترادف فلا فرق بين مفهوم العقد ومفهوم العهد بل كلاهما يحكيان عن حقيقة واحدة.
2-التغاير المفهومي بينهما على نحو يكون العهد أعم مطلقاً من العقد فكل عقد عهد ولا يصح العكس ويستفاد ذلك مما ذكره الطبرسي (رحمه الله) في مجمع البيان وكذا من كل من فسَّر العقد بأنّه سنخ خاص من العهود ككونه أوثقها أو آكدها.
3-التغاير المفهومي بينهما على نحو يكون العقد أعم مفهوماً من العهد وقد استدل بعض الأعلام المعاصرين (حفظه الله) على ذلك بأنّه يمتنع إطلاق العهد في موارد يصح إطلاق العقد عليها كعقد الأنامل وعقد الحبال فلا معنى لصدق العهد عليهما وعدم صحة الإطلاق المذكور علامة على كون العهد ليس أعم من العقد كما هو واضح. ولا بأس بنقل عبارته في المقام لاحتوائها على بعض النكات المهمة في المقام، قال (حفظه الله): "مفهوم العقد هو الشد كما أنّ مفهوم الحل هو فك الشيء وفتحه ويمكن الوقوف على صحة هذا التفسير بالتتبع في اللغة وموارد استعمال هذه المادة فيها حيث نجد فيها استعمال هذه اللفظة بمشتقاتها من العقدة والمعاقدة والتعقيد والعاقد... وجميعها تفيد تلك الخصوصية المذكورة بالرغم من صعوبة الحصول على المفهوم الحقيقي لهذه المادة، ولذا صرّح الزجاج بأنّه لا يمكن معرفة مفهوم العقد، ولكن يستفاد من مجموع كلمات اللغويين الاستعمالات أنّ العقد هو العهد والمعاهدة... والحق تغايرهما من حيث المفهوم برغم صدق العقد على العهد. هذا ما نستكشفه من امتناع إطلاق العهد على موارد يصدق فيها إطلاق العقد كعقد الأنامل وعقد الحبال حيث لا معنى لصدق العقد عليهما نعم يصح إطلاق العقد على العهد لأنّه لا يتحقق إلا بعد ثبوت الربط والعقد ولهذا السبب بالخصوص يطلق أحدهما على الآخر وبما ذكرنا يظهر عدم اعتبار ما قاله اللغويون من أنّ للعقد وضعان... أما حقيقتهما، أي العقد والعهد، فإنَّ العقد أعم من العهد لأنّه يطلق على الأمور التكوينية والاعتبارية دون العهد الذي لا يطلق إلا على الالتزامات والتعهدات النفسانية"(20).
المبحث الثاني: أقوال المفسرين في معنى العقد الوارد في الآية:
أشار المفسر الكبير الطبرسي (رحمه الله) في مجمع البيان إلى الأقوال في تفسير المراد من الآية وإليك نص عبارته حيث قال:"{أوفُوا بِالْعُقُودِ}، أي بالعهود عن ابن عباس وجماعة من المفسرين.
ثم اختلف في هذه العهود على أقوال:
أحدها: إنّ المراد بها العهود التي كان أهل الجاهلية عاهد بعضهم بعضاً فيها على النصرة والمؤازرة والمظاهرة على من حاول ظلمهم أو بغاهم سُوءاً وذلك هو معنى الحلف عن ابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس والضحاك وقتادة والسدي.
وثانيها: أنّها العهود التي أخذ الله سبحانه على عباده بالإيمان به وطاعته فيما أحل لهم أو حرم عليهم عن ابن عباس أيضاً، وفي رواية أخرى قال: هو ما أحل وحرم وما فرض وما حد في القرآن كله، أي: فلا تتعدوا فيه ولا تنكثوا، ويؤيده قوله: {والَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ... إلى قوله: سُوءُ الدَّارِ}.
وثالثها: إنّ المراد بها العقود التي يتعاقدها الناس بينهم ويعقدها المرء على نفسه كعقد الإيمان، وعقد النكاح، وعقد العهد، وعقد البيع، وعقد الحلف، عن ابن زيد وزيد بن أسلم.
ورابعها: إنّ ذلك أمر من الله لأهل الكتاب بالوفاء بما أخذ به ميثاقهم من العمل بما في التوراة والإنجيل في تصديق نبينا وما جاء به من عند الله عن ابن جريج وأبي صالح.
وأقوى هذه الأقوال قول ابن عباس إنّ المراد بها عقود الله التي أوجبها الله على العباد في الحلال والحرام والفرائض والحدود ويدخل في ذلك جميع الأقوال الأخر فيجب الوفاء بجميع ذلك إلا ما كان عقداً في المعاونة على أمر قبيح فإنّ ذلك محظور بلا خلاف"(21) وقريب منه ما جاء في تفسير البيضاوي(22).
من خلال ما ذكرنا نلاحظ وجود اختلاف بين المفسرين في تحديد المراد من العقود في الآية لكن ما عليه أكثر المحققين من المفسرين هو تعميم مفهوم العقد إلى مطلق العهد فلا وجه لتخصيصه بخصوص معنى معين، وبالتالي يكون الاستدلال بالآية في العقود المعاملاتية الجارية بين المتعاقدين من باب المصداق المنطبق على موضوع الآية وليس هو المعنى المنحصر بها، وهذا ما ذهب إليه أيضاً العلامة الطباطبائي (رحمه الله) في تفسيره(23).
المبحث الثالث: معنى العقد والعهد في الروايات:
نذكر هاهنا خمسة موارد لنرى مورد استعمال اللفظين، أعني العقد والعهد:
المورد الأول:
رواية ابن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُود}(24) قال: العهود(25).
وسند الرواية تام حسب ما هو موجود في تفسير القمي (رحمه الله) حيث نقلها علي بن إبراهيم القمي (رحمه الله) في تفسيره بهذا السند (حدثني أبي عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ولا يوجد من يتوقف فيه فإنّ والد علي بن إبراهيم وهو إبراهيم بن هاشم (رحمه الله) ثقة كما هو محقق في محله. ولهذا عُبّر عن الرواية في أكثر الكتب بالصحيحة ولكن قد يتأمل في ذلك من جهتين:
1-إنّ نفس الرواية نقلت في تفسير العياشي (رحمه الله) بهذا السند:
«...عن النضر بن سويد، عن بعض أصحابنا، عن عبد اللّه بن سنان»(26).
وعليه فالنضر بن سويد تارة ينقلها مباشرة عن عبد الله بن سنان حسب نقل تفسير القمي وتارة ينقلها بواسطة مجهولة وحيث إنّه من البعيد أن ينقلها بواسطة مع وجود طريق مباشر له مما يعني أنّ هناك واسطة بينه وبين عبد الله بن سنان وحيث إنّ الواسطة مجهولة لنا فيُعَدُّ هذا إرسالاً موجباً لسقوط الرواية عن الحجية. خصوصاً مع ملاحظة أنّ الرواية نقلت بكلا السندين في تفسير البرهان نقلاً عن علي بن إبراهيم.(27) ولا أقل من احتمال ذلك الموجب لعدم الدليل على حجية السند.
2- إنّ مصدر الرواية هو كتاب (تفسير علي بن إبراهيم القمي) وهذا الكتاب لم تصل نسخته الأصلية إلى المتأخرين وإنّما الواصل إليهم مؤلف آخر في التفسير يتضمن جملة من تفسير القمي مع إضافات من مصادر أخرى ولكن حتى المقدار المنقول عن علي بن إبراهيم (رحمه الله) ممّا يصعب الاعتماد عليه لشواهد ذكرها أحد المحققين(28)، وبالتالي مجرد وجود رواية صحيحة السند في هذا الكتاب لا يساوق حجيتها للإشكال المذكور بل لا بد من إثبات وجود الرواية في النسخة الأصلية للكتاب عن طريق الشواهد والقرائن المذكورة في محلها ككونها موجودة في مختصر تفسير القمي لابن العتائقي؛ إذ هو اختصار للنسخة الأصلية من التفسير.
وأما من حيث الدلالة فيستفاد منها أنّ المراد بالعقود في الآية هو العهود مصداقاً ولو قلنا بالتفاوت المفهومي بينهما.
المورد الثاني:
ما ورد في تفسير القمي: "أخبرنا الحسين بن محمد بن عامر عن المعلى بن محمد البصري عن ابن أبي عمير عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ}، قال: "إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عقد عليهم لعلي بالخلافة في عشرة مواطن، ثم أنزل الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} التي عقدت عليكم لأمير المؤمنين (عليه السلام)"(29).
أما السند فإنّ الحسين بن محمد بن عامر الأشعري ثقة، أما معلى بن محمد البصري فلم ينص على توثيقه في كتب الرجاليين إلا أنّ السيد الخوئي (قدِّس سرُّه) وثقه لأنّه ممن وقع في أسانيد كامل الزيارات وفي تفسير القمي فيكون ثقة نعم قد تراجع عن مبناه بلحاظ رواة كامل الزيارات وخصَّ التوثيق بالمباشرين والراوي المذكور ليس منهم ولكن يبقى الطريق الآخر، ولا يقدح في ذلك ما ذكره النجاشي (رحمه الله) في ترجمته من أنّ معلى بن محمد البصري مضطرب الحديث والمذهب، لأنّ معنى الاضطراب في الحديث أنّ رواياته مختلفة فمنها ما لا يمكن الأخذ بمدلوله، ومنها ما لا مانع من أن يعتمد عليه لا أنّ اضطرابه في نقله وحكايته فلا ينافي ذلك وثاقته حتى يعارض به توثيق علي بن إبراهيم (رحمه الله) ويحكم بضعف الرواية، ولكن هذا التوثيق مبني على تمامية كبرى أنّ كل من وقع في أسناد تفسير القمي فهو ثقة وهذه الكبرى غير مقبولة عند أكثر الأعلام المحققين، فالرواية عند الأكثر ضعيفة السند.
أما من حيث الدلالة فإنّ الظاهر منها أنّ الرواية في مقام التطبيق وذكر المصداق وليس في مقام بيان حصر المعنى بهذا المصداق خصوصاً أنّ هذه الطريقة -وهي التفسير بفرد بارز- شائعة في الروايات الواردة في تفسير القرآن من قبيل ما ورد من تفسير الصادقين في قوله تعالى: {كُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ}(30) بالأئمة (عليهم السلام)(31)، وما ورد من تفسير أولي الأمر في قوله تعالى: {أَطِيعُوا الله وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأولِي الأمر مِنْكُمْ}(32) بعليّ والحسن والحسين (عليهم السلام)(33).
فلا يصح تخصيص مفاد الآية بذلك فالوارد لا يخصص المورد. وقد أشار إلى هذا المعنى السيد الإمام الخميني (قدِّس سرُّه)(34).
المورد الثالث:
ما جاء في عهد أمير المؤمنين× لمالك الأشتر (رحمه الله):
«...وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدة أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمتك بالأمانة، واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت فإنّه ليس من فرائض الله شيء الناس أشد عليه اجتماعا مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود»(35).
ومن الواضح استعمال العقد بمعنى العهد في هذه الخطبة.
المورد الرابع:
ما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما أرادوا نقض التحكيم:
«فقال علي (عليه السلام): «ويحكم، أبعد الرضا [والميثاق] العهد نرجع. أوليس الله تعالى قال: {أوْفوا بالعُقُود}، وقال: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}(36). فأبى علي أن يرجع...»(37).
المورد الخامس:
ما في دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: «أوفوا بالعقود في البيع والشراء والنكاح والحلف والعهد والصدقة»(38).
والنتيجة من مجموع هذه الموارد: أنّ العقود في الآية بمعنى العهود لا خصوص العقد الاصطلاحي في الفقه المقابل للعهد والنذر واليمين وما توصلنا إليه ذهب له غير واحد من المحققين كصاحب تفسير الطبرسي والميزان، وكذا تفسير الأمثل(39).
وهذا تمام الكلام في الجهة الأولى المرتبط بتحقيق معنى الآية.
الجهة الثالثة: المراد من {أوفُوا} في الآية
والكلام فيها في عدّة مباحث:
المبحث الأول: بيان نظر الشيخ الأعظم (قدِّس سرُّه) والإشكالات عليه.
المبحث الثاني: بيان نظر المحقق الأصفهاني (قدِّس سرُّه) والإشكالات عليه.
المبحث الثالث: بيان نظر المحقق النائيني (قدِّس سرُّه) والإشكالات عليه.
المبحث الرابع: بيان نظر السيد الخوئي (قدِّس سرُّه) والإشكال عليه.
المبحث الخامس: بيان نظر المحقق الشيخ الوحيد الخراساني (حفظه الله).
تعتبر هذه الجهة هي أهم جهة في الآية حيث حصل الاختلاف بين الأعلام فيما يستفاد من الآية من جهة اختلافهم في المستفاد من هيئة {أوفُوا} ونتعرض أولاً إلى كلام الشيخ الأعظم (قدِّس سرُّه) فهو المحور الذي دارت حوله كلمات الأعلام، ثم نلاحظ ما ذكره الأعلام. فالكلام في مباحث:
المبحث الأول: بيان نظر الشيخ الأعظم (قدِّس سرُّه) والإشكالات عليه:
خلاصة ما ذكره الشيخ الأعظم (قدِّس سرُّه) في هذه الجهة أنّ مفاد {أوفُوا بالْعُقُود} هو الوجوب المولوي التكليفي والذي لازمه الحكم الوضعي أعني اللزوم فيكون اللزوم مدلول التزامي لمفاد الآية وليس مدلولاً مطابقياً والذي دعاه إلى ذلك أمران:
1-الأصل في هيئة الأمر هو الوجوب المولوي التكليفي ولا يرفع اليد عن ذلك إلا بقرينة وهي مفقودة في البين.
2-المحافظة على مبناه من عدم الجعل الاستقلالي للحكم الوضعي، بل هو منتزع من الحكم التكليفي.
ورتب على ذلك بطلان ما أفاده العلامة (رحمه الله) في المختلف من أنّ معنى وجوب الوفاء بالعقد هو العمل بما يقتضيه العقد من اللزوم والجواز فلا تكون الآية دليلاً على أصالة اللزوم في العقود، والوجه في بطلان ذلك أنّ اللزوم والجواز حكمان شرعيان متأخران رتبة عن ذات العقد وليس هما من مقتضيات العقد بل مقتضى العقد هو التمليك مثلاً ومعنى وجوب الوفاء هو العمل بما يقتضيه العقد بمعنى ترتيب آثار الملكية للمشتري مثلاً وعدم جواز نقض ذلك في جميع الأحوال حتى بعد فسخ البائع الملازم ذلك للزوم العقد.
وقد جاء الأعلام من بعد الشيخ الأعظم (قدِّس سرُّه) وركّزوا على المستفاد من هيئة {أوفُوا} فهل يستفاد منها الوجوب المولوي التكليفي كما ذكر الشيخ (قدِّس سرُّه) أم يستفاد منها الحكم الإرشادي؟
ولو كان المستفاد هو الحكم الإرشادي فهل هو إرشاد إلى اللزوم أو الصحة أو كليهما؟ ولكي يتضح الجواب عن ذلك لا بد من بيان الإشكالات المهمة على ما ذكره الشيخ الأعظم (قدِّس سرُّه).
الإشكال الأول: ما ذكره المحقق الآخوند (قدِّس سرُّه) في حاشيته على المكاسب(40).
وخلاصة ما أفاده أنّ الآية لا دلالة لها إلا على الحكم التكليفي من وجوب إقرار العقد ولزوم البناء عليه ولا يستفاد منها الحكم الوضعي وهو اللزوم؛ إذ إنّ الحكم الوضعي منتزع من حرمة تصرف البائع والمشتري فيما انتقل عنه والآية لا تدل على ذلك؛ إذ التصرف المذكور لا ينافي الوفاء بالعقد لأنّه -الوفاء- ليس إلا وجوب البناء على العقد تكليفاً إذ الوفاء هو العمل بمقتضى العقد أما عدم جواز التصرف في المبيع من مقتضيات الملكية دون ذات العقد وإلى هذا المعنى أشار السيد الخوئي (قدِّس سرُّه) أيضاً(41).
الإشكال الثاني: إشكال المحقق الإيرواني (قدِّس سرُّه)(42):
وبيان ما أفاده في نقاط:
1-العقد والعهد ينقسم إلى قسمين:
أ-العهد على الأفعال: كأن يعاهد الله بأن يقوم بفعل معين.
ب -العهد على النتيجة: كأن يتعهد بملكية الدار لشخص أو الزوجية مع امرأة معينة.
2-مقتضى العهد على الأفعال هو القيام بفعل خارجي وهو أداء العمل الذي تعهّد به أما العهد على النتيجة فلا يستتبع فعلاً وإنّما هو التزام بالنتيجة فيتعهد بقبول النتيجة فقط ولا يوجد التزام بفعل كإعطاء الدار لزيد مثلاً وعدم استرجاعها.
3-الآية لا يعقل دلالتها على اللزوم بلحاظ عهد النتيجة وإنّما تدل على اللزوم في العقود والعهود على الأفعال كنذر الفعل والوجه في ذلك هو ما أشرنا إليه في النقطة الثانية من أنّ العهد على النتيجة غايته قبولها ولا يستدعي فعلاً خارجياً كإعطاء المبيع للمشتري مثلاً وعدم استرجاعه نعم عدم جواز ذلك إنّما هو بالأدلة الأخرى كحرمة الغصب وعدم حلية التصرف في مال الغير إلا بطيب نفسه وما شاكل ذلك، وبعبارة أخرى: إنّ حرمة التصرف وعدم جواز الترادّ من مقتضيات الملكية وليس من مقتضيات ذات العقد.
وإلى هذه النقطة أشار المحقق الأصفهاني (قدِّس سرُّه) في حاشيته على المكاسب -مع وجود بعض الاختلافات بينه وبين المحقق الإيرواني (قدِّس سرُّه) كما سيتضح بعد ذلك في النقطة الرابعة- حيث قال (قدِّس سرُّه): "إنّ الوفاء في جميع موارد إطلاقه بمعنى واحد، وهو إتمام الشيء بالقيام معه وعدم التجاوز عنه، فإذا كان العهد والقرار متعلقاً بعمل من الأعمال فإتمامه وعدم التجاوز عنه بإيجاد العمل الذي تعهده والتزم به، وإذا كان متعلقاً بنتيجة عمل كما في البيع- حيث لا يترقب من القرار المعاملي على ملكية شيء بعوض إيجاد عمل بمقتضى قراره- فلا محالة يكون إتمامه والقيام معه إبقائه وعدم التجاوز عنه بحَلّه وفسخه ونقضه، وحيث إنّه لم يتعلق العهد والقرار بعمل من الأعمال فلا يعقل أن يكون وفائه بعمل من الأعمال، إذ ما لا عهد به لا وفاء له"(43).
4-ما يتصور فيه وجوب الوفاء وعدمه إنّما هو في الأفعال؛ إذ فيها يعقل أنّ يخاطب المكلف بالقيام بفعلٍ ما أما في العهد على النتيجة كالبيع فلا معنى للوفاء وعدمه، بل إن صح البيع وقعت النتيجة وإلا فلا.
والنتيجة التي توصل إليها المحقق الإيرواني (قدِّس سرُّه) من كل هذا هي أنّ الآية ليست ناظرة للعقود الاصطلاحية التي ليس هي من قبيل الأعمال لأنّ التعهد فيها على النتيجة ففي البيع هناك تعهد بملكية المبيع للمشتري وقد عرفت أنّه لا معنى للوفاء وعدمه فيها فتكون الآية ناظرة إلى التعهد على الفعل كنذر الفعل مثلاً. فالآية عنده أجنبية عن باب العقود الاصطلاحية في الفقه.
الإشكال الثالث: إشكال السيد الخوئي (قدِّس سرُّه)(44):
وبيان ما أفاده في هذا القياس الاستثنائي:
لو كان التصرف نقضاً للعقد للزم جواز التصرف بعد التصرف الأول، ولكن التالي باطل فالمقدم مثله في البطلان.
أما وجه الملازمة فهو بناء على التسليم بما ذكره الشيخ الأعظم (قدِّس سرُّه) من أنّ التصرف نقض للعقد، فإنّه يقال: بمجرد التصرف الأول تحقق نقض العقد؛ إذ إنّ الموجود في البيع مثلاً هو الأمر النفساني المستمر فإذا انقطع في وقت ارتفع الاستمرار وبعده لا يبقى موضوع لوجوب الوفاء أصلاً، وبعبارة أخرى: متعلق الالتزام في المقام هو أمر واحد، فلا يتعلق به إلا وفاء واحد ومقابله نقض واحد كما لو افترضنا أنّ شخصاً نذر أن يفعل شيئاً ما بين طلوع الشمس إلى غروبها فإذا تخلّف عن القيام بذلك في زمان من هذه المدة ارتفع النذر وانحلّ فالتخلف في الفترة اللاحقة ليس مخالفة للنذر لارتفاع الموضوع فلا معنى حينئذٍ لوجوب الوفاء بالنذر بعد التخلف في الفترة الأولى.
أما بطلان التالي فواضح؛ حيث إنّه لا يمكن أن يلتزم به أحد فلا إشكال فقهياً في حرمة التصرف بعد التصرف.
الإشكال الرابع: ما أشير إليه في العقد النضيد(45).
وحاصله: لو حملنا وجوب الوفاء على الوجوب التكليفي وحرمة التصرف في المبيع فإنّه يستلزم تعدد العقاب؛ إذ يؤدي إلى مخالفة حكمين تكليفيين أحدهما التصرف في مال الغير والآخر نقض العقد وهو ما لا يمكن الالتزام به والتالي المقدم باطل أعني حمل وجوب الوفاء على الحكم المولوي التكليفي.
والخلاصة من كل هذه الإشكالات أنّ ما ذهب إليه الشيخ (قدِّس سرُّه) من حمل مفاد هيئة {أوفُوا} على الوجوب المولوي التكليفي واستفادة اللزوم من الآية بالبيان الذي ذكره ليس تاماً. وسيأتي التعليق على هذه الإشكالات عند بيان المسلك الأخير.
المبحث الثاني: بيان نظر المحقق الأصفهاني (قدِّس سرُّه) والإشكالات عليه:
يمكن بيان نظريته المستفادة من حاشيته على المكاسب في النقاط التالية(46):
يوجد أربع احتمالات ثبوتية في مفاد الآية وهي:
أ-أن تدل الآية على الوجوب المولوي كما ذهب الشيخ (قدِّس سرُّه).
ب-أن تكون الآية إرشاداً إلى لزوم العقد.
ج-أن تكون إرشاداً إلى صحة العقد.
د-أن تكون إرشاداً إلى اللزوم والصحة.
لايعقل ثبوتا أن تكون الآية إرشاداً إلى الصحة وبذلك يبطل ثبوتاً الاحتمالان الأخيريان.
وبيان ما أفاده في وجه ذلك أنّ الأمر الإرشادي إنّما يكون إرشاداً بلحاظ متعلقه ولا يكون إرشاداً لأيّ شيء فالإرشاد هو الإعلام بالفائدة الكامنة في متعلق الأمر، فالطبيب إذا قال للمريض: (اشرب الدواء)، فهو إعلام بالفائدة والأثر الإيجابي المترتب على شرب هذا الدواء لا غيره كما هو واضح وإذا قال له: (لا تشرب الحامض) فهو إخبار بالأثر السلبي المترتب على شرب الحامض، وحينئذٍ نقول: إنّ الأمر في الآية لو تعلّق بالعقد كالبيع مثلاً لكان إرشاداً إلى صحة البيع كما ورد ذلك في بيع الجنسين المختلفين (إذا تماثل الجنسان فلا تبيعوا، وإذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم) فيكون الأمر إرشاداً إلى الصحة لأنّ الصحة هي أثر البيع ووصف له ولكن في مقامنا الأمر قد تعلق بالوفاء دون العقد فيكون الأمر الإرشادي المتعلق بالوفاء ليس إخباراً عن صحة العقد؛ لأنّ الوفاء ليس أثره الصحة وما أثره الصحة وهو العقد لم يتعلق به الأمر الإرشادي. وبناءً عليه يبطل الاحتمال الثالث ثبوتاً ومعه يبطل الاحتمال الرابع لأنّ جزئه هو الصحة وإذا بطل الجزء بطل الكل.
ثم ذكر أنّا نقبل بدلالة الآية على الصحة ولكن هذه الدلالة التزامية عقلية إذا يوجد تلازم خارجي بينهما فلا يعقل الأمر بالوفاء مع كون العقد باطلاً ولكن هذه الدلالة عقلية وليست كلامية مستفادة من الألفاظ والخطاب وكلامنا فيما يستفاد من ظاهر الآية.
3-يدور الأمر ثبوتاً بين احتمالين كما عرفت إما الوجوب المولوي التكليفي وإما الإرشاد إلى اللزوم، والمتعين هو الأول لأنّ ظاهر الأوامر هو المولوية والتكليف دون الإرشاد؛ إذ المستفاد من الهيئة هو البعث الحقيقي وهو محفوظ في الأمر المولوي التكليفي دون الإرشادي. وعليه تتمحض الآية في الوجوب التكليفي دون الوضعي.
4-الأمر بالوفاء في الآية يراد منه الوفاء العملي وليس المراد النهي عن الفسخ وبيان ذلك:
إنّ الأمر إنّما يتعلق بالمقدور للمكلف وحينئذٍ نقول: بعد تحقق العقد لا يخلو الأمر من حالتين:
أ-وجود حق الفسخ وبناءً عليه لا يعقل النهي عن نقض العقد؛ لأنّ الشارع أعطاه حق الفسخ.
ب-عدم وجود حق الفسخ وبناءً عليه لا يعقل أيضاً النهي عن نقض العقد؛ إذ يستحيل عليه نقضه لأنّ الشارع لم يعطه الحق.
والنتيجة: إنّ النقض الحقيقي بمعنى الفسخ غير معقول فلا بد من أن يكون المراد هو النقض العملي بمعنى أنّ الشارع يأمر المكلف بأن يتعامل مع العقد معاملة العقد المؤثر بقاء حتى بعد إنشاء الفسخ فلا يحق له التصرف في المال المنتقل عنه مطلقاً حتى بعد الفسخ.
والنتيجة التي انتهى إليها المحقق الأصفهاني (قدِّس سرُّه) أنّ الآية يستفاد منها الحكم التكليفي المولوي المحض، وهو الأمر بالوفاء عملاً وحرمة النقض العملي بمعنى التعامل مع العقد معاملة العقد المؤثر حتى بعد الفسخ، وأنّه يحرم التصرف في المال المنتقل عنه. والفارق بين ما ذهب إليه مع ما ذهب إليه الشيخ الأعظم (قدِّس سرُّه) بعد اشتراكهما في أنّ الآية يستفاد منها الحكم المولوي التكليفي دون الإرشادي أنّ الشيخ الأعظم (قدِّس سرُّه) استفاد اللزوم الوضعي بالمدلول الالتزامي ولكن المحقق الأصفهاني (قدِّس سرُّه) لم يقبل ذلك.
وقد أورد عليه(47) بأنّ هذا الاستدلال فيه تناقض حيث إنّه صرّح بأنّ الوفاء هو العمل بمقتضى العقد لا العمل بمقتضى مقتضاه إذ الوفاء يتعلق بالعهد والعقد لا بغيرهما مما لا عهد به ولا وفاء به فمتعلق الوفاء هو العقد ومتعلق العقد هو ملكية زيد للدار والمحقق الأصفهاني (قدِّس سرُّه) يلتزم بأنّ عدم التصرف في المال لا يعد من مقتضيات العقد حيث إنّه صرّح في كتاب الخيارات أنّ حرمة الأخذ والتصرف من مقتضيات الملكية دون ذات العقد فلا يمكنه أن يحمل الأمر بالوفاء على الالتزام العملي بالعقد بمعنى حرمة التصرف في المال المنتقل عنه، وعليه إما أن يلتزم بأنّ عدم التصرف بعد البيع من مقتضيات العقد حتى يصدق الوفاء العملي أو يرفع اليد عن تحقيقه المذكور.
هذا تمام الكلام في المسلك الثاني.
المبحث الثالث: بيان نظر المحقق النائيني (قدِّس سرُّه) والإشكالات عليه:
ذهب المحقق النائيني (قدِّس سرُّه) إلى أنّ الآية أظهر ما يدل على اللزوم فقد قال (قدِّس سرُّه): «علم أنّ الآية المباركة أظهر ما يدل على لزوم العقود وفي دلالتها على اللزوم تقريبان مبنيان على أنّ اللزوم الذي هو حكم وضعي هل هو مجعول بجعل مستقل أو أنّه منتزع من حكم تكليفي؟ وقد اختلف في الأحكام الوضعية والمختار عندنا هو صحة تعلق الجعل المستقل بها إلا الأربعة المعروفة منها أعني السببية وأخواتها التي هي منتزعات عن التكليف حسبما حققناه في الأصول والمختار عند المصنف -أي الشيخ الأعظم- حسبما يظهر من بعض كلماته هو انتزاعية جميعها عن التكليف.... فعلى المختار نقول في تقريب الدلالة، إنّ قوله تعالى {أوفوا بالعقود} بالدلالة المطابقية يدل على اللزوم ويكون الأمر إرشاداً إلى جعل اللزوم واللزوم هو عبارة عن ثبات الشيء وعدم تفتته بمفتت ومعلوم أنّه شيء ليس بيد المكلف وتحت قدرته بحيث له أن يفعل وله أن يترك حتى يتعلق به الأمر والنهي المولوي ومع كونه بنفسه قابلاً للجعل ومما تناله يد الجعل المستقل يكون الأمر في الآية من هذه الجهة إرشادي والمرشد إليه هو اللزوم الذي هو حكم شرعي وضعي مولوي ففي الأمر جهتان جهة إرشاد إلى الحكم الوضعي.... وجهة الحكم المرشد إليه ومن هذه الجهة مولوي ولا مناقشة في دلالة الآية المباركة على هذا التقريب على لزوم كل معاملة شك في لزومها أصلاً"(48) وقريب منه ما ذكره في موضع آخر فلاحظ(49).
ومن الواضح ابتناء هذا الاستدلال على أنّ الأوامر المتعلقة بالمعاملات إرشادية. ففي العبادات الأصل الأولي هو حمل الأمر على المولوية أما في المعاملات فينعكس الأصل فيحمل على الإرشادية ولو تمت هذه النقطة يبطل كلام المحقق الأصفهاني (قدِّس سرُّه) حيث إنّه التزم بحمل هيئة {أوفوا} على الوجوب المولوي التكليفي لأنّ الأصل في الأوامر هو ذلك.
وقد أشكل بعض الأعلام المعاصرين (حفظه الله)(50) على هذه النقطة بإشكالين:
الإشكال الأول: لا دليل على أنّ الأوامر المتعلقة بباب المعاملات إرشادية، وبيانه: أن الأوامر والنواهي يوجد لها حالتان:
الحالة الأولى: تعلق الأمر والنهي بأجزاء التكليف المأمور به كما في موارد المركبات العبادية كتعلق الأمر بالسورة والتشهد مثلاً.
الحالة الثانية: تعلق الأمر والنهي بالمعاملة كالبيع والصلح كما لو ورد (لا تبع ما ليس عندك).
ففي الحالة الأولى: يحمل الأمر والنهي على الإرشادية وذلك لقيام القرينة على ذلك وهو الموجب لرفع اليد عن الأصل الأولي من حمل الأمر والنهي على المولوية، وبعبارة أخرى: الأمر يحمل أولاً وبالذات على التكليف لأنّ مفاده الإرسال والطلب ولا يحمل على الإرشاد ولكن إذا قامت قرينة على عدم إمكان حمل الأمر على ظاهره فيحمل على الإرشاد وهذه القرينة موجودة في الحالة الأولى، إذ لو حملنا الأمر على التكليف والمولوية يلزم حدوث تكاليف متعددة المستلزم ذلك لتعدد الإطاعة والعصيان وهذا معلوم البطلان بالضرورة إذ المركبات العبادية ارتباطية يوجد فيها تكليف واحد وهذا يستلزم وحدة الإطاعة والعصيان وهذه قرينة قطعية على حمل الأوامر والنواهي الواردة في المركبات على الإرشاد إلى الجزئية أو الشرطية وما شاكلهما كما لو ورد (صلِّ متطهراً) أو (لا تصلِّ في النجس). وهذه القرينة عامة في باب المركبات.
أما في الحالة الثانية: فلا توجد مثل هذه القرينة العامة الموجبة لرفع اليد عن الظاهر الأولي في الأوامر فلا مانع من حمل الأوامر والنواهي في المعاملات على المحبوبية والمبغوضية المولوية كالبيع عند النداء إلا إذا قامت قرينة خاصة في مورد ما فيحمل على الإرشادية كما يقال ذلك في مثل (نهى النبي (صلّى الله عليه وآله) عن بيع الغرر) فيحمل على الإرشاد لبطلان المعاملة الغررية والقرينة على ذلك الضرورة القائمة على أنّ مجرد إنشاء المعاملة الغررية ليس حراماً تكليفاً يوجب فاعله استحقاق المعصية وهذه قرينة خاصة في هذا المورد، وفي مقامنا لا توجد قرينة خاصة موجبة لحمل الأمر على الإرشاد.
الإشكال الثاني: لو سلمنا أنّ الأصل الأولي في المعاملات هو حمل الأمر على الإرشاد ولكن هذا إنّما يتم لو تعلق الأمر بنفس المعاملة كقوله (بع أو صالح) وما شاكلهما والمقام ليس كذلك حيث إنّ الأمر متعلق بالوفاء لا بالفسخ، والوفاء ليس من عناوين المعاملات. نعم، الفسخ من تلك العناوين ولكن الأمر لم يتعلق به وبالجملة فما تعلق به الأمر ليس من عناوين المعاملات وما كان من قبيل عناوين المعاملات لم يتعلق به الأمر فلا يصح تطبيق الكبرى المذكورة -أعني حمل الأمر على الإرشاد في عناوين المعاملات- في المقام.
والخلاصة: إنّ ما ذكره الميرزا النائيني (قدِّس سرُّه) متوقف على حمل الأمر بالوفاء في الآية على الإرشادية وهو ما لم يثبته، فالتقريب المذكور لإثبات اللزوم من الآية ليس تاماً.
أما الكلام عن باقي المسالك فسيأتي في القسم الثاني من البحث.
وفی الختام نقول: هناك عدة نتائج يمكن استخلاصها من القسم الأول من البحث وهی کالتالي:
1- العقد هو شدُّ الشيء لأنّه مقابل الحلّ الذي هو فكّه أما في الاصطلاح هو عبارة عن الربط الخاص الحاصل بين التزامين.
2- هناك مسلكان في حقيقة المعاملات:
المسلك الأول: ما ذهب إليه المشهور وهو أنّ المعاملات من الأمور الإنشائية التسبيبية، ولهذا قسموا المعاملات إلى قسمين: أسباب ومسببات.
المسلك الثاني: ما اختاره السيد الخوئي (قدِّس سرُّه) وحاصله أنّ أسماء المعاملات موضوعة لإبراز أمر اعتباري نفساني فلفظ (بعتُ) مثلاً موضوع للدلالة على قصد إبراز ملكية المبيع، وعليه لا توجد سببية أو مسببية في المعاملات.
3- قسم المحقق النائيني (قدِّس سرُّه) العقود إلى:
1) العقود الإذنية: وهي ما كان قوامه بالإذن ومجرد رضا ولي الأمر ومالكه ولا يكون فيه عهد والتزام كالوديعة.
2) العقود العهدية: وهي تنقسم لقسمين:
أ-العقود العهدية التعليقية: وهي التي يكون المنشأ فيها معلقاً على شيء كالسبق والرماية.
ب- العقود العهدية التنجيزية: وهي التي لا يكون المنشأ فيها معلقاً على شيء كالبيع والإجارة.
4- هناك أقوال مهمة في تفسير الوفاء بالعقد الوارد في الآية:
القول الأول: ما ذهب الشيخ الأعظم (قدِّس سرُّه) وخلاصته أنّ الآية تدل بالمطابقة على الحكم التكليفي واللزوم منتزع منه.
القول الثاني: الآية يستفاد منها الحكم التكليفي المولوي المحض وهو الأمر بالوفاء عملاً وحرمة النقض العملي بمعنى التعامل مع العقد معاملة العقد المؤثر حتى بعد الفسخ.
القول الثالث: ما ذهب إليه المحقق النائيني (قدِّس سرُّه) من أنّ {أوفوا} صيغةُ أمرٍ ظاهر في الإرشاد إلى اللزوم لأنّ القاعدة في باب المعاملات تقتضي أن تحمل الصيغة على الإرشادية ولا دلالة لها على التكليف إذ من المقطوع به بحسب الارتكاز المتشرعي أنّ مجرد الفسخ ليس حراماً تكليفاً.
والأقوال المذكورة لا تخلو من إشكال كما تقدم تفصيله(51).
***
* الهوامش:
(1) أبو الحسين، أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، ج2، ص259.
(2) الفراهيدي، خليل بن أحمد، كتاب العين، ج8، ص8.
(3) المصطفوي، حسن، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج3، ص236.
(4) ابن منظور، أبو الفضل، جمال الدين، محمد بن مكرم، لسان العرب، ج10، ص 220.
(5) الأصفهاني، حسين بن محمد راغب، مفردات ألفاظ القرآن، ص341.
(6) الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج3، ص258.
(7) الفيروز آبادي، القاموس المحيط، ج1، ص 315
(8) أبو الحسين، احمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة ج 6، ص 129.
(9) سورة الكهف، الآية: 47.
(10) سورة الكهف، الآية: 49.
(11) سورة الإسراء، الآية: 35.
(12) الأصفهاني، حسين بن محمد راغب، مفردات ألفاظ القرآن، ص 565.
(13) سورة الأنعام، الآية: 152.
(14) الخوئي، السيد أبو القاسم الموسوي، محاضرات في أصول الفقه، ج1، ص215.
(15) النائيني، ميرزا محمد حسين غروي، منية الطالب في شرح المكاسب، ج1، ص 88 بتصرف.
(16) سيأتي في القسم الثاني من الموضوع في العدد القادم.
(17) سورة المائدة، الآية: 1.
(18) لاحظ عوائد الأيام للمحقق النراقي، العائدة الأولى، ص5.
(19) دزفولى، مرتضى بن محمد أمين أنصاري، كتاب المكاسب، ج 3، ص56، وج5، ص 17.
(20) القمي، محمد رضا الأنصاري، العقد النضيد، ج1، ص366-367.
(21) الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج3، ص234.
(22) البيضاوي، تفسير البيضاوي، ج1 ص 407.
(23) الطباطبائي، محمد حسين، تفسير الميزان، ج5، ص135.
(24) سورة المائدة: 1.
(25) أبو الحسن، علي بن إبراهيم القمي، تفسير القمي، ج1، ص160.
(26) العياشي، محمد بن مسعود بن عياش، تفسير العياشي، ج1، ص 289.
(27) لاحظ تفسير البرهان، ج2، ص363.
(28) لاحظ وسائل الإنجاب الصناعي (الملحق الرابع) ص 543-571.
(29) أبو الحسن، علي بن إبراهيم القمي، تفسير القمي، ج1، ص 160.
(30) سورة التوبة، الآية: 119.
(31) لاحظ تفسير البرهان ج 2، ص169.
(32) سورة النساء، الآية: 59.
(33) لاحظ أصول الكافي، ج1، ص286، باب ما نصّ اللّه (عزَّ وجلَّ) ورسوله على الأئمة الحديث 1.
(34) الخميني، السيد روح الله الموسوي، كتاب البيع، ج4، ص29-28.
(35) أبو الحسن، الشريف الرضي، محمد بن الحسن الموسوي، نهج البلاغة، ص82.
(36) سورة النحل: 91.
(37) ابن المزاحم، المنقري، وقعة صفين، ص512.
(38) أبو حنيفة النعمان، محمد بن منصور، دعائم الإسلام، ج2، كتاب البيوع، الفصل 5، الحديث 53، ص27.
(39) الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 3، ص576-578.
(40) الخراساني، الآخوند محمد كاظم بن حسين، حاشية المكاسب، ص144-145.
(41) الخوئي، السيد أبو القاسم الموسوي، مصباح الفقاهة، ج4، ص28.
(42) الإيرواني، على بن عبد الحسين نجفى، حاشية المكاسب، ج2، ص3.
(43) الأصفهاني، محمد حسين كمپاني، حاشية كتاب المكاسب، ج4، ص26.
(44) الخوئي، السيد أبو القاسم الموسوي، مصباح الفقاهة، ج4، ص29.
(45) لاحظ العقد النضيد، ج6، ص47.
(46) لاحظ حاشية كتاب المكاسب للمحقق الأصفهاني، ج4، ص26.
(47) لاحظ العقد النضيد ج6 ص56.بتصرف.
(48) النائيني، ميرزا محمد حسين غروي، المكاسب والبيع، ج1، ص181.
(49) النائيني، ميرزا محمد حسين غروي، منية الطالب، ج2، ص6.
(50) لاحظ العقد النضيد ج 1 ص 382.
(51) مصادر البحث: *القرآن الكريم
1-ابن منظور، أبو الفضل، جمال الدين، محمد بن مكرم، لسان العرب، تحقيق: أحمد فارس، نشر دار الفكر، بيروت، ط 3-1414 هـ.
2-أبو الحسن، الشريف الرضي، محمد بن الحسن الموسوي، نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح، ط 1-1976 م.
3-أبو الحسن، علي بن إبراهيم القمي، تفسير القمي، تصحيح وتعليق: السيد طيب الموسوي الجزائري، نشر مؤسسة دار الكتاب، قم، ط 3-1404هـ.
4-أبو الحسين، أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، نشر دفتر تبليغات، قم، ط1-1404 هـ.
5-أبو حنيفة النعمان، محمد بن منصور، دعائم الإسلام، تحقيق: آصف بن علي أصغر فيضي، نشر دار المعارف، مصر، ط 1- 1963 م.
6 -الأصفهاني، حسين بن محمد راغب، مفردات ألفاظ القرآن، نشر دار العلم، لبنان – سوريا، ط1-1412 هـ.
7-الأصفهاني، محمد حسين كمپاني، حاشية كتاب المكاسب (ط – الحديثة)، تحقيق: عباس محمد آل سباع، نشر أنوار الهدى، قم، ط1-1418 هـ.
8-الايروانى، على بن عبد الحسين نجفى، حاشية المكاسب، نشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامية، طهران، ط 1-1406 هـ 30- الأصفهاني، محمد حسين كمپاني، حاشية كتاب المكاسب (ط – الحديثة)، تحقيق: عباس محمد آل سباع، نشر أنوار الهدى، قم، ط1-1418 هـ.
9-البحراني، السيد هاشم الموسوي، البرهان في تفسير القرآن، نشر مؤسسة دار المجتبى، قم، ط 1-1427 هـ.
10-البيضاوي، تفسير البضاوي، نشر دار الفكر، بيروت.
11-التبريزي، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، نشر مؤسسة إسماعيليان، قم، ط3-1416 هـ.
12-الحائري، السيد كاظم حسيني، فقه العقود، نشر مجمع الفكر الإسلامي، قم، ط 2-1423هـ.
13-الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، نشر مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، ط2-1414 هـ.
14-الحلّى، العلامة، حسن بن يوسف بن مطهر أسدى، مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، نشر جامعة المدرسين، قم، ط 2-1413 هـ.
15-الخباز، سيد منير، فقه العقود (غير مطبوع).
16-الخراساني، الآخوند محمد كاظم بن حسين، حاشية المكاسب، تحقيق: السيد مهدي شمس الدين، نشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامية، طهران، ط1-406هـ.
17-الخميني، السيد روح الله الموسوي، كتاب البيع، نشر مؤسسة تنظيم ونشر آثار الأمام الخميني (قدِّس سرُّه)، طهران، ط 1- 1421 هـ.
18-الخوئي، السيد أبو القاسم الموسوي، مصباح الفقاهة، نشر مكتبة الداوري، قم، ط1.
19-الخوئي، السيد أبو القاسم الموسوي، محاضرات في أصول الفقه، تقرير: محمد إسحاق الفياض، نشر مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ط 1-1419 هـ.
20-دزفولى، مرتضى بن محمد أمين أنصاري، كتاب المكاسب (ط – حديثة)، نشر مجمع الفكر الإسلامي، قم، ط11-1430 هـ.
21-الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، نشر دار إحياء التراث العربي، لبنان-بيروت، ط2-1426 هـ - 2005 م.
22-الصدوق، محمد بن علي بن الحسين، الخصال، تحقيق: علي أكبر غفاري، نشر جامعة المدرسين، قم، ط2-1403هـ.
23-الطبطبائي، محمد حسين، تفسير الميزان، تحقيق: أياد باقر سلمان، نشر مؤسسة التاريخ العربي ودار إحياء التراث، بيروت، ط 1-1427
24-الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، نشر منشورات الأعلمي، بيروت، ط 2-1425 هـ.
25-العياشي، محمد بن مسعود بن عياش، تفسير العياشي، تصحيح وتعليق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي، نشر المكتبة العلمية الإسلامية، طهران.
26-الفراهيدي، خليل بن أحمد، كتاب العين، تحقيق: دكتور مهدي المخزومي – علي السامرائي، نشر هجرت، قم، ط2-1410 هـ.
27-الفيروز آبادي، القاموس المحيط، إعداد: محمد عبد الرحمان المرعشلي، نشر دار إحياء التراث العربي، لبنان-بيروت، ط2- 1424 هـ - 2003 م.
28-القمي، محمد رضا الأنصاري، العقد النضيد في تقريرات أبحاث المسجد الأعظم، نشر دار التفسير، قم، ط 1-1429 هـ.
29-الكليني، محمد بن يعقوب، كتاب الكافي، تعليق: علي أكبر غفاري، نشر دار الكتب الإسلامية، طهران، ط 3-1388 هـ ش.
30-المصطفوي، حسن، التحقيق في كلمات القران الكريم، نشر مركز الكتاب للترجمة والنشر، ط 1-1402 هـ.
31-المفيد، محمد بن محمد بن النعمان، أمالي المفيد، تحقيق: حسين الإستاد ولي علي أكبر غفاري، نشر دار المفيد، بيروت، ط 2- 1414 هـ.
32-المنقري، ابن المزاحم، وقعة صفين، تحقيق: عبد لسلام هارون، ط 2-1382 هـ ش.
33-النراقي، المولى أحمد بن محمد مهدى، عوائد الأيام، نشر دفتر تبليغات، قم، ط 1-1417 هـ.
34-النائيني، ميرزا محمد حسين غروي، المكاسب والبيع، تقرير: ميرزا محمد تقي الآملي، نشر جامعة المدرسين، قم، ط 1- 1413 هـ.
35-النائيني، ميرزا محمد حسين غروي، منية الطالب في شرح المكاسب، تقرير: موسى بن محمد النجفي الخونساري، نشر المكتبة المحمدية، طهران، ط 1 -1373 هـ ش.
36-الواسطي، الزبيدي، الحنفي، محب الدين، سيد محمد مرتضى حسيني، تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: علي شيري، نشر دار الفكر، بيروت، ط1-1414 هـ.
0 التعليق
ارسال التعليق