النقد البناء

النقد البناء

بسم الله الرحمن الرحيم، {مَاْ يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيْبٌ عَتِيْدٌ}، {وَقِفُوْهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُوْلُوْنَ}، {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَاْدَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَاْنَ عَنْهُ مَسْئُوْلاً}.

كثيراً ما نسمع و نرى أو نقرأ انتقاداتٍ كثيرةً في كل مكانٍ، بل قد لا يخلو منها مجلسٌ يجتمع فيه عدة أشخاصٍ! و تطال هذه الانتقادات شخصياتنا و رموزنا و كياناتنا و مؤسساتنا الفاعلة التي كلفنا الوصول إليها وتحصيلها إلى عناءٍ كبيرٍ ودماءٍ غاليةٍ من أبناء هذه الأمة لا تقدر بثمنٍ.

وأخذت هذه الظاهرة تتفشى وبنشاطٍ وحيويةٍ غريبةٍ بلا ضابطةٍ وبلا قيدٍ تحت مسمياتٍ وشعاراتٍ مختلفةٍ، منها النقد البناء وحرية الرأي والتعددية في وجهات النظر، بل والأدهى والأَمَرُّ أن يقول البعض بأنها تكليفٌ شرعيٌّ!! وإلى غيرها من المسميات التي قد تخدع وتنطلي حتى على من يطلقها ويروجها أحياناً فضلاً عن المتلقي أو السامع لها.

والمميز في الأمر بأن هذه الانتقادات تتوجه بشكلٍ أساسيٍّ للكوادر والطاقات الفاعلة والنشطة والمنتجة في المجتمع ولا تتوجه للخاملين والفاترين إلا ما ندر، يقول الإمام القائد الخامنئي (دام ظله):(إن الانتقاد موجودٌ، ومعروفٌ القول:(مَنْ ألّفَ استُهْدِف)، فأين تأليف كتابٍ واحدٍ من تأليف عشرات الكتب من النشاط والحركة والعمل؟).  فهذا جانبٌ بسيطٌ من ضريبة الانتماء لخط الله تعالى وطريق ذات الشوكة.

لكننا نود توجيه النظر لتقنين وضبط هذه الظاهرة (ظاهرة الانتقاد والتشهير والتجريح) فهل هذه الحالة الموجودة بيننا اليوم هي حالةٌ صحيةٌ وسليمةٌ؟ أو أنها حالةٌ مَرَضيةٌ خطيرةٌ؟ هل هي حالةٌ ترضي الله عز وجل أو أنها تجلب سخطه وعذابه؟ وهل هي فعلاً تنطبق على النقد البناء الذي سيكون محورنا لهذا الموضوع أو لا؟

فما هو المقصود من النقد البناء؟ وهل للنقد البناء أهدافٌ معينةٌ؟ وهل للنقد البناء شروطٌ وضوابط أو لا؟ وما هي الآثار المترتبة على النقد اللامسؤول وغير البناء؟

في هذه السطور القليلة نسعى للاقتراب شيئاً ما من الإجابة عن هذه الأسئلة بعون الله تعالى وتوفيقه.

ما هو تعريف النقد البناء؟

نقصد بالنقد البناء التعريف بنقاط الخلل الفكري والنظري أو السلوكي المتواجدة في حياة الفرد والمجتمع، ووضع اليد عليها وذلك بهدف معالجتها وإزالتها وإصلاحها.

أهداف النقد البناء:

ولكي يكون نقدنا لممارسات وأداء أو آراء وأفكار الآخرين نقداً سليماً بناءً فيجب أن يكون نقدنا ضمن أهدافٍ محددةٍ تحت رضا الله تعالى وتخدم المجتمع الإسلامي، ومن أبرز هذه الأهداف هي:

1- الإصلاح الفكري والسلوكي للشخصية أو المجتمع أو المؤسسة والجهة المنتقدة.

2- التمييز بين الحق والباطل، وبين الاستقامة والانحراف.

3- تخليص السلوك أو الفكر من الشوائب والنواقص.

4- قوة الصف وتماسكه وليس تمزيقه أو تفتيته أو تشويهه.

5- هداية وإرشاد الآخرين والمحافظة عليهم.

شروط النقد:

المسألة ليست مسألة توجيه الملاحظات وبيان الأخطاء فقط، لأن ذلك لن يؤدي لما نهدف منه إذا لم ينطلق أو يتحرك ضمن قواعد معينةٍ تجعل من ذلك تقويماً للمشاريع المتنوعة والشخصيات المتصدية وغير ذلك، ومن تلك القواعد والشروط:

1- الإخلاص والربانية في النقد.

2- مراعاة الأخلاق الإسلامية عند النقد.

3- أن يكون النقد في إطار الدائرة المقصودة.

4- نقد الفكرة وليس الشخص.

5- مراعاة الأسلوب المناسب.

6- العدل والإنصاف والابتعاد عن الظلم.

7- النظرة الشمولية الواسعة.

8- اختيار الوقت والزمن والمكان المناسب لتوجيه النقد.

9- النظرة الواقعية الموضوعية.

10- المستوى الفكري والعلمي والثقافي ومستوى الخبرة.

11- مراعاة موقعية ومكانة الجهة المنتقدة.

12- الوعي للأعداء وأخذهم بنظر الاعتبار.

فينبغي أن يكون النقد ذكياً مرتّباً حتى لا يستغله الأعداء.

نظرة في شروط النقد البناء:

الشرط(1): الإخلاص لله تعالى في ممارسة النقد:

وذلك بأن يتجرد الإنسان عن كلّ العوامل والخلفيات الشيطانية، والذاتية والنفسية، فهناك الكثير من الخلفيات المريضة التي تحول النقد البناء إلى نقدٍ هدامٍ فتاكٍ، يفتك بالمجتمع ويسقط شخصياتنا الربانية.  ومثالاً على تلك الخلفيات والدوافع النفسية التي تؤدي لابتعاد النقد عن الإخلاص لله تعالى دوافعٌ نابعةٌ من الرذائل الأخلاقية والنفسية كحب الرئاسة والحسد وحب الدنيا والجاه والعجب بالنفس والغرور والنظرة الفوقانية للآخرين وتقزيمهم وتقزيم إنجازاتهم العملاقة.

وقد أشار الإمام الراحل(ره) إلى أن من أسباب الانتقادات هو الأمراض النفسية، يقول(ره) لابنه المرحوم السيد أحمد(ره):(وجب أن أقول لك أولاً: بأنك مادمت حياً ترزق، وما دمت متحركاً وذا تأثيرٍ بنظر الآخرين، فلا مناص من توجه الانتقاد والتهمة والشائعات المختلفة نحوك، فالعقد كثيرةٌ والتوقعات متزايدةٌ والحسد كثيرٌ، والفعّال -حتى إذا كانت فعاليته خالصةً لله- لن يمكنه تفادي تجريح أهل السوء.

أنا شخصياً أعرف عالماً تقيّاً جليلاً، لم يكن يُذكرُ -قبل اعتلائه مقاماً بسيطاً- إلا بالخير -نوعاً ما- وكان أهل العلم وغيرهم سِلماً له تقريباً، حتى إذا توجهت إليه النفوس، وحصل على شخصيةٍ دنيويةٍ -ولو أنّها لا تكاد تذكر بالنسبة إلى علو مقامه المعنوي- أصبح مورداً للتهمة والأذى، وتأجّجت نيران الحسد والعقد بألوانٍ مختلفةٍ، وظلّ حاله هكذا إلى آخر عمره).

الشرط(2):مراعاة الأخلاق الإسلامية عند النقد:

أ- يجب أن يكون أصل الموضوع وإحراز العيب والخطأ قطعياً قبل الخوض في النقد، دون الاعتماد على الشائعات والأخبار المغرضة والحدس والتخمين.

ب- أن يكون النقد بهدف الإصلاح والتقويم، لا من أجل فضح الأشخاص والتشهير بمعايبهم.

ج- أن ينطلق النقد من موقع الحب وإرادة الخير والإخلاص لا طمعاً في التفوق.

د- أن يكون النقد بعيداً عن الإهانة والتجاسر، بل لابد من مراعاة الأدب والمكانة.  ويجب أن يكون النقد هديةً في الحقيقة، حيث يقول الإمام الصادق(ع):(أحبّ إخواني إليّ من أهدى إليّ عيوبي).

الشرط(3):أن يكون النقد في إطار الدائرة المقصودة:

بحيث يُقتصر فيه على المساحة التي تتوقف عليها عملية الإصلاح، ومن الخطأ أن يتمّ النقد خارج الدائرة المقصودة، بحيث يتمّ نشر وإذاعة نقاطٍ ما نظن أنها ضعفٌ أو خطأٌ -إن وُجِدَ-، وهذا ما نراه اليوم في المقابلات والتصريحات الصحفية أو في بعض المنتديات الإلكترونية.

فإذا كان الهدف من النقد هو الإصلاح فلماذا توسيع السلبيات؟ وهل أن عملية الإصلاح تتمّ من خلال نشر السلبيات؟ أو أنّ ذلك سيؤدي للتصلب في الآراء، والإصرار على الأخطاء وخلق العدوات والاختلافات؟‍

ربما تكون مُحقاً في تقييمك وملاحظاتك، لكنك تمارس الباطل بأسلوبك!

يقول إمام المسلمين القائد الخامنئي (دام ظله):(حسب اعتقادي أن هذا من بين الأمور البالغة الخطورة التي يقع فيها الأصدقاء والموالون بالخطأ أحياناً، فربما يتخلل الانتقاد الموجّه لجهازٍ أو مؤسسةٍ أو مسؤولٍ ما كلامٌ يتجاوز الحقائق كثيراً في حالة انعكاسه إلى الخارج أو تلقّته أذهان المخاطبين الجالسين للإصغاء لما نتفوه به، وهذا ما ينبغي الحذر منه).

الشرط(4):نقد الفكرة وليس الشخص:

فهناك من يخدشون في الشخصية بدلاً من نقد الفكرة والنظرية.  ويكون ذلك لأسبابٍ أخرى غير هدف الإصلاح، بل لأسبابٍ وعوامل قد تكون نفسيةً وشخصيةً، وقد تكون لها أسبابٌ قوميةٌ أو طائفيةٌ أو حتى دينيةٌ.

الشرط(5):مراعاة الأسلوب المناسب لتوجيه النقد:

وذلك بأن يتمّ اختيار الطريقة المناسبة للنقد، فليس هناك من يقبل طريقة الشتم والسباب والاستهزاء والاحتقار والاستنقاص، فبيان الأخطاء ضمن هذه الأساليب خطأٌ بحد ذاته وفيه محذورٌ شرعيٌّ أيضاً، وهو موجبٌ للهدم وليس الإصلاح.  فيجب مراعاة الأسلوب المناسب الذي ربانا عليه الإسلام المحمدي الأصيل.

الشرط(6):العدل والإنصاف عند النقد:

فقد ننظر إلى النتائج الموجودة من غير النظر إلى الظروف المحيطة بها والإمكانيات المتاحة، فنظن بأن هناك خللاً وتقصيراً ما، بينما الواقع والحقيقة بأن ما هو متحققٌ يُعْتَبَرُ بحد ذاته نجاحاً باهراً إذا ما نظرنا للإمكانيات والظروف المتاحة، هذا من جانبٍ، ومن جانبٍ آخر فإننا قد نُحَمِّلُ جهةً ما مسؤولية تقصير جهةٍ أو طرفٍ آخر غيرها ونلقي باللائمة عليها وهذا ظلمٌ كبيرٌ.

وقد جاء عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) حيث يقول:(ولا تضيفن بلاء امرئٍ إلى غيره).  وفي هذا الصدد يقول الإمام القائد الخامنئي (دام ظله): (إننا لا نقول بألا حقَّ لأيّ أحدٍ بانتقاد الحكومة، لأن الانتقاد البناء الصحيح لا يعني الإضعاف، وهو معينٌ إن كان ينم عن حرصٍ وإنصافٍ، أمّا إذا كان بعيداً عن الإنصاف فسينفضح، وبناءً على هذا فأنا لا أريد منع الانتقاد، أمّا التشويه فنعم، إذ لا مصلحة فيه أبداً).

الشرط(7): النظرة الشمولية الواسعة للظروف والحيثيات:

لا بدّ أن يكون لدى الإنسان الآليات التي على أساسها وعلى ضوئها يمكنه محاكمة القضايا المطروحة، وذلك مثل أن يمتلك كلّ المعلومات وحيثيات الموضوع ويتعرف على كلّ الحقائق التي يمتلكها المنقود، ويتعرف على الجهد أو العمل الذي قام به الشخص أو الجهة التي يريد توجيه الانتقاد إليها.  إذ قد يمتلك الشخص أو الجهة المنتقَدَة معلوماتٍ لا يملكها المنتقِد، الأمر الذي يجعله يحاكم القضايا من خلال معلوماتٍ أخرى وزاويةٍ ضيقةٍ، وينظر إلى زوايا أخرى غير تلك الزوايا التي ينظر إليها المَنقود.

وقد أقام إمامنا الراحل الخميني المقدس الحجة على أصحاب النظرة القزمية الضيقة إذ يقول في وصيته الإلهية:(إنني أوصي بعدم المسارعة في الانتقاد اللاذع والسب والشتم قبل مطالعة الوضع العالمي الراهن، ومقارنة الثورة الإسلامية في إيران مع سائر الثورات، والإطلاع على أوضاع الدول والشعوب أثناء الثورة وما بعدها، ودراسة ما كان يجري على الناس خلال تلك الفترات، والأخذ في الحسبان مشكلات هذه الدولة المنكوبة بنكبة الطاغوت رضاخان وابنه -الأسوء منه- وما تركاه من تركةٍ ثقيلةٍ لهذه الحكومة بدءاً بالتبعية المدمرة، وانتهاءً بأوضاع الوزارات والإدارات والاقتصاد والجيش، ومراكز الفساد ومحال بيع الخمور، والانحلال السائد في جميع شؤون الحياة وأوضاع التربية والتعليم وأوضاع المدارس الثانوية والجامعات، وأوضاع دور السينما ودور البغاء، ووضع الشبّان والنساء وعلماء الدين والمتدينين وطالبي الحرية الملتزمين والنساء العفيفات المظلومات والمساجد في عهد الطاغوت).

الشرط(8):اختيار الوقت والزمن والمكان المناسب لتوجيه النقد:

فقد تكون هناك ظروفٌ حرجةٌ وأحداثٌ طارئةٌ وأجواءٌ ذات حساسيةٍ معينةٍ، فمن الخطأ بمكانٍ إثارة نقدٍ معينٍ في هذه اللحظة أو تلك إلا بعد النظر للوضع والظرف المحيط، وهذا لكي لا نكون جنوداً وخدماً من حيث لا ندري عند الطغاة والظالمين.

الشرط(9):النظرة الواقعية الموضوعية:

وذلك بأن يلحظ الناقد الظروف المحيطة بالموقف.  فلو كان نقده للموقف، فليس صحيحاً تجريد الموقف عن ملابساته وظروفه وحيثياته المحيطة به، ومن ثمّ توجيه النقد.

ومثالاً على ذلك- هل ننتقد فلاناً مباشرةً لأنه أكل من الطعام الفلاني، أو علينا أولاً قبل توجيه الانتقاد أن ندرس الملابسات التي رافقت هذا الموقف، فربما لم يكن هناك طعامٌ وكان مضطراً لما أكله، فوجب عليه دفعاً للضرر أكل هذا الطعام.  أو كان مثلاً للمعالجة، أو كان تحت أي مجوزٍ ومرخصٍ شرعيٍّ، فإذا كان معذوراً أمام الله فكيف لا يكون معذوراً أمام المجتمع؟

ومع الأسف هناك من يأخذ من الانتقاد وسيلةً للوصول إلى أهدافٍ مريضةٍ فلا ينظر بواقعيةٍ للحقائق، بل ويتعامى عنها في كثيرٍ من الأحيان هادفاً من وراء تجاهله وتعاميه عن الحقائق إلى ضرب المجتمع الإسلامي أو تسقيط الرموز والشخصيات الفاعلة والقيادية المؤثرة.

وعلى المؤمنين تمييز الشخصيات التي تستخدم النقد للوصول إلى غاياتها المريضة الخادمة للاستكبار العالمي، وتسير في نفس أهدافه اللعينة المدمرة، وبهذا الشأن يقول إمام المسلمين القائد الخامنئي(دام ظله) منبهاً الأمة الإسلامية الغيورة بأن (ثمة فئةٌ شحذت الهمم لمواجهة هذا النظام، سواءً عن طريق التنظير أو عن طريق الدعايات السياسية المخربة بشتى صورها، ويعملون على تشويه صورة النظام، ولا تقتصر مهمتهم على انتقاد النظام أو المسؤولين، بل هم يرون الانتقاد وسيلةً للقضاء على النظام نفسه! والذين يتوفرون على قدرٍ من الإدراك والاستيعاب ومعرفة الظروف يدركون ذلك بكل جلاءٍ، وعليهم أي يدركوه).

الشرط(10):المستوى الفكري والعلمي والثقافي ومستوى الخبرة:

يجب مراعاة التساوي أو التقارب في المستوى الفكري والعلمي والثقافي والخبروي بين الناقد والمنقود.

فإن هذا الأمر من البديهيات الحياتية المعاشة اليوم، فمن يوجه انتقاداته لكتابٍ أدبيٍّ لا بد أن يكون أديباً أو ذا ذوقٍ أدبيٍّ رفيعٍ، ومن يوجه النقد للشعر يجب أن يكون شاعراً أو قريباً منه، و هكذا في الشأن الديني والاجتماعي والسياسي والعلمي.

وهذه الضابطة من شأنها أن تقنن حركية وعملية النقد وتجعلها في إطارها الصحيح، فليس سليماً أو مبرراً أن يحاكم شخصٌ عاديٌّ لم ينته من دراسة المدرسة كلمات ومواقف شخصياتٍ عريقةٍ في نزاهتها وتقواها، وعُرِفَتْ بخبراتها السياسية والحركية، وشهدت لها العقول بمستواها الفكري، إن المنتقِد يجب أن يتحلى بمستوىً علميٍّ وثقافيٍّ وفكريٍّ يؤهله لتوجيه النقد، لكي يكون النقد نقداً بناءً.

ويجب أن تصاغ ساحتنا من جديدٍ بصياغةٍ تربويةٍ صحيحةٍ تحصنها من الانجرار وراء هذه الأمراض، ولتطهر من هذه الأدران.

الشرط(11):مراعاة موقعية ومكانة الجهة المنتقدة:

لاشك أن هناك فرقاً واضحاً في النقد بين الصديق وصديقه، والزوج وزوجه، والولد ووالده، والتلميذ وأستاذه، حيث يكنّ الولد والتلميذ احتراماً خاصاً للوالد والأستاذ.

يقدم سماحة آية الله المصباح اليزدي (دام ظله) المثال التالي:(هناك قداسةٌ خاصةٌ للإمام ونائبه، والقداسة هي الحب الممزوج بالاحترام والتواضع، ولأن الولي الفقيه هو بمنزلة نائب المعصوم فإنه يتمتع بقداسةٍ خاصةٍ من هذه الناحية، ومن الضروري مراعاة الاحترام والأدب التام تجاهه، كما أنه من اللازم على الجميع حفظ حرمته وتبجيل شأنه، ولهذا فيجب أن يكون النقد بأسلوبٍ لا يمس بتاتاً بقداسة وجلال مكانة الولي الفقيه).

الشرط(12):الوعي للأعداء وأخذهم بنظر الاعتبار:

فينبغي أن يكون النقد ذكياً مرتّباً حتى لا يستغله الأعداء فيكون وسيلةً بأيديهم.

أخطار النقد الهدام:

هناك مجموعةٌ كبيرةٌ من أخطار النقد الهدام.  منها ما نعيشه ونتلمسه اليوم فيما بيننا على المستوى القريب، ومنها ما يكون بعيد المدى يستغرق وقتاً ليظهر على السطح لكنه إذا ظهر فجأةً يكون متجذراً يصعب اجتثاثه، ومنها ما يكون مصاحباً للمنتقد في حياته الأخرى حاله حال بقية أعمال الإنسان.  ومن جملة أخطار النقد الهدام:

- التفكك والانقسام الداخلي.

- تفتيت الصفّ المؤمن.

- تشتيت القوى المؤمنة وتمزيقها.

- تقديم معلوماتٍ مجانيةٍ للأعداء.

- تعريف الأعداء بثغرات ونقاط الضعف.

- سحب وإضعاف الثقة والاطمئنان بالرموز والجهات المؤمنة والفاعلة والمؤثرة.

- إضعاف ولاء النّاس للقيادة الإسلامية الشرعية وشل وإضعاف قوتها في القيادة والمواجهة والمناورة.

- خلق ثغراتٍ وقنواتٍ ينفذ ويتسلل منها المتربصون والمغرضون الهادفين لإجهاض التوجه الإسلامي الأصيل.

- استنزاف الطاقات والكوادر في حروبٍ وهميةٍ، و يخلق أمامهم أعداءً وهميين، ويبعدهم عن العدو الحقيقي والأهداف الحقيقية للمرحلة.

- النقد الهدام لا يعالج المشاكل والأخطاء بل يزيد منها ويجعلها متفاقمةً ومنتشرةً، و يؤدي لخلق مشاكل جديدةٍ.

- تقديم خدماتٍ مجانيةٍ للاستكبار العالمي خصوصاً في مثل هذه الظروف الحساسة من تاريخ الأمة الإسلامية.

- للنقد الهدام آثاره على الحياة الأخروية للإنسان شأنه شأن بقية الذنوب خصوصاً الغيبة وهتك ستر المؤمنين وتمزيق صفهم، وهو من الكبائر الموبقة والعياذ بالله تعالى منها.

معالجات النقد الهدام:

- أن يتأمل و يعي الناقد لقوله تعالى:{مَاْ يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيْبٌ عَتِيْدٌ}، {وَقِفُوْهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُوْلُوْنَ}، {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَاْدَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَاْنَ عَنْهُ مَسْئُوْلاً}.

- حمل الناس محمل الخير وحسن الظن بهم وبأعمالهم.

- النظر لعيوب النفس قبل عيوب الآخرين.

- الالتزام بتطبيق قواعد النقد البناء.

- وعي أخطار وسلبيات النقد الهدام.

- تهذيب النفس وتزكيتها وفق مدرسة أهل البيت(ع).

من خلال هذه السطور ووعيها والالتزام بما كان صالحاً منها عملياً في ممارسة النقد عندها يأخذ النقد شرعيته ويدخل في إطار الأحكام الإلهية المستحبة بل والواجبة أيضاً.  وأما بالتهاون في هذه الضوابط والشروط للنقد قد تتحول عملية النقد إلى الحرمة الشديدة بل قد تكون من أشد الكبائر والعياذ بالله تعالى.

وما علينا إلا مراعاة هذه الضوابط والشروط في النقد لتفرغ ذمتنا أمام الله تعالى، أما الرد من الطرف الآخر فإنه أيضاً قد يخضع لضوابط يجب علينا الالتفات إليها، يقول سماحة آية الله الشيخ مصباح اليزدي(دام ظله) (إننا لا يجب أن نتوقع الرد الإجمالي أو التفصيلي عن كل ما نقدمه من مواضيع ونقدٍ، حيث إن الإفصاح عن الأهداف المختلفة والمشاريع والتدابير السياسية ليس ميسّراً دائماً للعموم، وذلك بسبب ما تتسم به القضايا السياسية والقرارات الاجتماعية الجمة من تعقيدٍ، وكذلك بسبب إمكان استغلال العدو لما يُكْشَفُ عنه من أمورٍ، غير أنه من المؤكد أن النقد والاقتراحات المفيدة ستؤخذ بنظر الاعتبار).

ونختم بوصيةٍ مشفقةٍ من وصايا إمام المسلمين ومرجعهم القائد الخامنئي(دام ظله):(إن من أشد العيوب بالنسبة للناشطين السياسيين العمل على إثارة التفرقة والانشقاق وتربّص بعضهم ببعض، حافظوا على وحدة الكلمة، وإن أسوأ الأفعال أن يتعرض مسئولو النظام للتشهير من قبل أناسٍ آخرين ممن يخضع أحد المنابر لتصرفهم.  هناك فرقٌ بين الانتقاد البناء وبين الهدم؛ فالانتقاد البناء حسنٌ ونعمةٌ، وإذا لم تُنتقد الحكومة أو سائر المسؤولين فإنهم لن يطلعوا على عيوبهم، فالانتقاد في واقع الأمر إهداء عيوبهم إليهم.  والانتقاد يكون صائباً تارةً، وغير صائبٍ أخرى، غير أن الانتقاد البناء يختلف عن الهدم، فلا تعملوا على تحطيم السلطة التنفيذية والحكومة أو السلطة القضائية أو السلطة التشريعية.  عليكم بالوحدة كما أنكم متحدين من حيث الهدف والمنطلق الفكري).

قال إمامنا الراحل الخميني المقدس بهذا الشأن:(عندما يكون النقد صحيحاً يكون مفيداً، ولكن عندما يكون النقد انتقاماً، فهو مالا ينبغي أن يكون، لأنه مخالفٌ للمعايير، فليس من الصحيح أن يقمع واحدٌ الآخر على صفحات الجرائد بسبب ما بينهما من خلافٍ، ولكن يجب توجيه النصيحة لمن ارتكب خطأً، فالنقد هو الصحيح وليس التشهير).

ومن كلمات الإمام الخميني المقدس:(إن النقد البناء وفي محله يبعث على رشد المجتمع).

وقال سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم (دام ظله) في هذا الشأن:(ليس أحدٌ منا فوق الخطأِ والحاجةِ إلى أن يسمع من إخوانه النقد والتوجيه والتسديد).

والحمد لله رب العالمين.

ملاحظةٌ:

بعض الشروط مستفادةٌ من كتاب (شبهاتٌ وردودٌ) لسماحة آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي (دام ظله).

 


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا