الموقف الشرعي والعقلي من الجهاد والإرهاب

الموقف الشرعي والعقلي من الجهاد والإرهاب

تمهيد

لا يخفى على أحد بأنّ معرفة الموقف الشرعي والعقلي، من القضايا والأحكام التي تلامس الواقع البشري والإنساني، وتساهم بنسبة كبيرة في حلحلة النزاعات الفكرية والخارجية وترسم الميزان والخط, الذي من خلاله تتضح الرؤية الإسلامية الكاملة المطعمة بالرؤية العقلية العملية, وبذلك يُؤمن من وقوع الخلط والاشتباه في الموازين مهما كانت صفتها ونوعها سياسية كانت أو اجتماعية, أو أي شيء آخر له ارتباط بالواقع المعاش, أو قل: سيقلل اتضاح الرؤية نسبة الخطأ والتطبيق الخارجي([1]), مقارنة مع عدم وجوده ووضوحه.

ومن هنا تكمن أهمية هذا البحث, الذي فيه بيان لموقف الشارع والعقل من أمرين مهمين في حياة المسلمين فيهما جدليات كثيرة وكبيرة, بحيث صار يستخدم أحدهما بعنوان الآخر وبغطائه, أي: أصبح الجهاد يستخدم كمصطلح ومفهوم, ولكن بُنيته وفكره الواقعي هو الإرهاب المنبوذ, أو العكس تماماً: بحيث يُرمى الجهاد المدروس الواضحة معالمه وآثاره بالإرهاب المرجوح شرعاً وعقلاً, مما جعل العوام والبسطاء يقعون في حيرة من أمرهم, فصاروا يطلقون الجهاد على الإرهاب تسمية وعقيدة, والإرهاب على الجهاد كذلك, مما أربك الكثيرين, وجعلهم يتخبطون في فهم ما يجري حولهم.

وسيقع الحديث في هذا المقام, في مقدمة ومبحثين أساسيين:

الأول: (الموقف الشرعي والعقلي من الجهاد).

والثاني: (الموقف الشرعي والعقلي من الإرهاب).

مقدمة

جرت عادة أرباب العلم -في كل علم من العلوم- بيان المقدمات, والركائز الممهدة لما يُراد بحثُه والحديث حوله, وأصبح هذا الأمر من الضروريات التي لا يُستغنى عنها لوجود التصور الإجمالي والأولي حول المادة العلمية المبحوث عنها, وقد سمّي ذلك على ألسنتهم (بالمبادئ التصورية) أو (البحوث التمهيدية).

انطلاقاً بل إذعاناً لهذه النكتة الجوهرية, يتحتم علينا إيضاح الكلمات المذكورة في عنوان الرسالة, لكونها أموراً مهمة يدور البحث في فلكها وأفقها, وهي كالتالي:

(الجهاد, الإرهاب, العقل, النقل) وبذلك يقع البحث في عدد من الأمور:

الأول: الجهاد في اللغة والاصطلاح:

الأمر الأول: الجهاد في اللغة: بمعنى المشقة والتعب في الشيء، فيقال: إنّ المجهود اللبن الذي أخرج زُبْده, ولا يكاد ذلك يكون إلا بمشقة ونَصَب([2])، وكذلك جاهد في سبيل الله مجاهدة وجهاد والاجتهاد والتجاهد بذل الوسع والمجهود([3])، وكما يقول صاحب نهاية الأرب: "إنّه جهد باحث واعد في تحقيق النصوص"([4])، ويقصد بعبارته أنّ العمل الذي أتى به الباحث, والمحقق قد بذل فيه الجهد والطاقة حتى خرج مصنّفه بهذه الحلّة الجميلة.

الأمر الثاني: الجهاد في الاصطلاح: بذل الوسع بالنفس, والمال في محاربة المشركين أو الباغين, على الوجه المخصوص([5])، ويُراد بالوجه المخصوص: إعلاء كلمة الإسلام وإقامة شعائر الإيمان كما نقل ذلك صاحب المسالكO عن الشهيد الأولS وفسّر كلامه بأنّ الأول -أي كلمة الإسلام- جهاد المشركين, وبالثاني جهاد الباغين([6]). واعترض صاحب الجواهرp بأنّ هذا التعريف غير مانع, لأنّ إعلاء كلمة الإسلام, وإعزازه أعم من كونه بالجهاد المخصوص([7])، ولكن تدارك عندئذٍ بقوله: إلا أنّ الأمر في أمثال هذه التعاريف -التي لا يراد منها إلا التمييز في الجملة- سهل([8])، والوجه في ذلك واضح وجلي حيث إنّ هذه الأمور, والاختراعات التي أوجدها الشارع المقدس -والتي منها الجهاد- هي أمور اعتبارية وجعلية, وفي مثل هذه الموارد يصعب إيجاد التعريف الدقيق, والماهية الكاملة لتلك الأشياء.

الثاني: الإرهاب في اللغة والاصطلاح:

الأمر الأول: الإرهاب في اللغة: الإرهاب كلمة مشتقة من الفعل المزيد (أرهب) فيقال أرهب فلاناً: أي خوَّفه وفزَّعه, وهو المعنى نفسه الذي يدل عليه الفعل المضعف (رَهّبَ), أما الفعل المجرد من المادة نفسها وهو (رَهِبَ), يَرْهبُ رَهْبَةً ورَهْباً ورَهَباً فيعني خاف فيقال: رَهِبَ الشيء رهباً ورهبة أي خافه, والرهبة: الخوف والفزع([9])، وقال ابن منظور: "رَهِبَ بالكسر, يَرْهَبُ رَهْبةً ورُهْباً, بالضم, ورَهَباً بالتحريك, أَي خافَ ورَهِبَ الشيءَ رَهْباً ورَهَباً ورَهْبةً: خافَه, والاسم: الرُّهْبُ, والرُّهْبى, والرَّهْبوتُ, ورَجلٌ رَهَبُوتٌ, وقال أيضاً: أرْهَبَه ورَهَّبَه واستَرْهَبَه: أَخافَه وفَزَّعه"([10]).

الأمر الثاني: الإرهاب في الاصطلاح: هو التهديد باستعمال العنف أو استعمال العنف لأغراض سياسية من قِبل أفراد أو جماعات, سواء كانت تعمل لصالح سلطة حكومية قائمة أم تعمل ضدها, ويكون القصد من تلك الأعمال إحداث صدمة, أو فزع, أو ذهول, أو رعب لدى المجموعة المستهدفة, والتي تكون عادةً أوسع من دائرة ضحايا العمل الإرهابي المباشر([11]), وقد عرّفته وزارة العدل الأمريكية سنة1984 بأنّه: "سلوك جنائي عنيف يقصد به التأثير على سلوك حكومةٍ ما عن طريق الاغتيال أو الخطف"([12])، وعرّف القانون الفرنسي الإرهاب عام1986م, قانون رقم81/1020 بأنّه: "خرق للقانون يقدم عليه فرد من الأفراد أو تنظيم جماعي بهدف إثارة اضطراب خطير في النظام العام عن طريق التهديد بالترهيب"([13])، وأما حلف الناتو ففي وثائقه الخاصة يعرّف الإرهاب على أنّه: "القتل والخطف وإشعال الحرائق, وما شابهها من أعمال عنف جنائية, بغض النظر عن الأسباب والدوافع التي تقف وراء القائمين عليها"([14])، وجاء في اتفاقية جنيف لقمع الإرهاب ومعاقبته لعام 1937 المادة الأولى أنّ الإرهاب هو: "الأعمال الإجرامية الموجهة ضد دولة ما, وتستهدف خلق حالة رعب في أذهان أشخاص معينين أو مجموعة من الأشخاص أو عامة الجمهور"([15]).

ويقتنص من خلال التعاريف المتقدمة للإرهاب, من خلال المجاميع والمرجعيات السياسية أنّ الإرهاب: فعل خارجي يراد به الإخافة والفزع للمخطط والهدف المنشود, وقيدية الإخافة من القيود المقومة لكلمة الإرهاب كما اتضح, وإلا لو تحقق الغرض بغير الإرهاب المأخوذ في موضوعه الرعب والخوف, كالأدوات التبليغية التي ذكرها القرآن الكريم: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}([16]), فلا يعد العمل حينئذٍ عملاً إرهابياً.

 ومن هنا تجد أنّ الخطاب القرآني دعا إلى العمل الشديد المتضمن للعنف والقوة مع أعداء الدين والرسالة الذين يقال لهم (أعداء الله), فقال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ}([17]).

حيث إنّ الغالب من هذه الفئة أنّها لا ترتدع عن المفاسد والأباطيل إلا بالعمل الذي يتضمن الإخافة والإرهاب, وعلى إثر ذلك فالمقنّن في مقام التنظير والتقنين يلحظ النوع البشري في خطابه القانوني والسلوكي -الذي يهدف من خلاله تنظيم المجتمع, وإيصاله للنظام الاجتماعي المتكامل- لا الحالات الفردية والجزئية, ورغم ذلك كلّه فهذا لا يعني أنّ الحالات الشخصية لا حكم لها ولا تشريع. 

الثالث: العقل في اللغة والاصطلاح:

الأمر الأول: العقل في اللغة: العين والقاف واللام أصل واحد مقيس مطّرد, يدل عُظْمُه على حُبْسة في الشيء أو ما يقارب الحُبْسة, من ذلك العقل, وهو الحابس عن ذميم القول والفعل, وقال الخليل: "العقل نقيض الجهل, يقال: عَقَل يعقِل عَقْلاً, إذا عرف ما كان يجهله من قبل, أو انزجر عما كان يفعله"([18]), وفلان لا مسكة له أي لا عقل له, أو ما بفلان مُسْكة أي ما به قوَّة ولا عقل([19])، فالحابس والماسك بمعنى واحد, فمن يحبس نفسه عن ذميم القول والفعل هو نفسه من يمسكها عن ذلك, وفي كليهما يقال له: صاحب عقل أو عاقل.

الأمر الثاني: العقل في الإصطلاح: للعقل اصطلاحات متعددة في مقام الشرح والبيان, فقد يطلق ويراد به العقل الفلسفي والحِكَمي, وقد يطلق ويراد به ما يصلح للدليلية والحجية وهو ما يقال له بـ (الدليل العقلي), وما نريده هنا هو الثاني بمعنى لو خُلّي الإنسان وعقله في مقام الاستدلال, لوصل إلى نتيجة كان العقل فيها هو المُدْرِك والمُسْتكشِف لذلك الشيء([20]), فالمراد حينئذٍ بالحكم العقلي ليس هو حكم القوة العاقلة بمعناها الفلسفي, بل حكم يصدره العقل على نحو الجزم واليقين غير مستند إلى كتاب أو سنة([21]).

وقد قُسِّم العقل -الذي له مقام الإدراك بحيث يصلح للحجة- إلى قسمين:

1) العقل النظري.

2) العقل العملي.

ويراد بالأول: إدراك الواقع بنحو ليس له اقتضاء التأثير المباشر في مقام العمل والامتثال, ولو كان له تأثير فبالواسطة, كإدراك العقل لوجود الله الذي يؤثر في مقام العمل بتوسط إدراك حق المولوية له سبحانه, والثاني -أي العقل العملي -: إدراك ما يقتضي له التأثير المباشر ومن غير واسطة في مقام العمل, كإدراك حسن العدل وقبح الظلم([22]), وقد أرجع المحقق الإصفهانيO جميع مدركات العقل العملي إلى حسن العدل وقبح الظلم كما صاغ بذلك دليل البراءة العقلية أيضاً, ببيان حاصله: إنّ قبح العقاب بلا بيان مرجعه إلى أنّ عقاب المولى للعبد على مخالفة التكليف الغير واصل إليه إنّما يكون ظلماً من قبله اتجاه عبده, وبذلك يقبح عليه معاقبته؛ لأجل أنّ الظلم قبيح ولا يصدر منهO, ومتكأ قوله هذاO هو أساس الإدراك العقلي الذي يعتمد على حسن العدل وقبح الظلم([23]).

وبذلك يتضح أنّ التفرقة بين مدركات العقل النظري والعملي على أساس أنّ النظري ما ينبغي أن يُعلم, والعملي ما ينبغي أن يُعمل, لا يبيّن منشأ وعمدة هذين العقلين بمعنى مُنْطلقِهما الإدراكي, بل تبقى تلك الصياغة صياغة لفظية واسمية.

وهنا تجدر الإشارة إلى أننا لا نعني بهذا الكلام أنّ الشارع المقدس تتعارض أحكامه ومواقفه مع أحكام العقل, بل إذا حكمت القوة العاقلة وأدركت؛ بمعنى أنّها استقلت بحسن الشيء أو قبحه, فعلى طبق ذلك يحكم الشارع بالوجوب أو الحرمة, وهذا هو المراد من كلمات الأعاظم (الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع)([24]), وقد دار بينهم في هذا المبحث كلام طويل ومفصّل فليطلب في محله.

الرابع: النقل في اللغة والاصطلاح:

الأمر الأول: النقل في اللغة: يدلّ على تحويل شيء من مكان إلى مكان آخر([25])، وجاءت في بعض العبارات: "نقل رسول اللَّهeإلى ما عند اللَّه "([26])؛ بمعنى أنّه حوّل الكلام الإلهي الذي استقبله عن طريق الوحي بواسطة قلبه المبارك إلى الناس والمجتمع, فوعاؤه الذي تلقى فيه الخطاب الإلهي مكان, والناس مكان آخر وقد تمت عملية التحويل بواسطته.

الأمر الثاني: النقل في الاصطلاح: ويُراد به الدليل الذي يكون في قبال العقل لانقسامه إلى العقلي-وقد بيناه سابقاً- والنقلي وهو ما كان شاملاً للقرآن المجيد وسنة النبي’, ويعبر عنه أيضاً (بالدليل السمعي)([27]).

ولا شك ولا ريب في أنّ القرآن الكريم من مصادر التشريع المهمة, التي لم يقع خلاف بين علماء المسلمين قاطبة في حجيتها ودليليتها, وبتعبير الفاضل التونيO: "ووجوب اتباعه, والعمل به, متواتر ومجمع عليه"([28]), والمراد من الكتاب هنا, هو ما أنزل على النبي الخاتمe من دون تدخل منه في الصياغة الخطابية الإلهية, وإلا أُدْرج ذلك في السنة([29]), وأما النحو الثاني من الدليل النقلي-أي السنة- فيُعنى بها: قول النبي أو فعله أو تقريرهe, وحجية هذا القسم من الدليل لا ينبغي الخلاف والنزاع فيه, إذ لولاه لما اتضحت حقيقة الإسلام, ولم يُفهم القرآن في مقام البعد المعرفي والتشريعي, ولم يتمكن أحد من استخراج الأحكام الإلهية واستنباطها؛ لأنّ البيانات القرآنية الشرعية غالباً ما تكون واردة في أصل التشريع, ولم يُبين فيها الخصوصيات والحيثيات التي لها ربط بالحكم المُبين, بل قد يُدعى -ولا يبعد أن يكون لهذا الادعاء وجه- بأنّه لا نجد فيه حكماً واحداً قد وضح فيه الخصوصيات قيداً وشرطاً ومانعاً([30]), وبذلك يتضح أنّ السنة مكملة للكتاب الإلهي وشارحةٌ مبينة لأحكامه وتشريعاته, ولا يمكن الاستغناء عنها بوجه من الوجوه وهناك أمور كثيرة لها ربط بهذا الجانب, إلا أنّه لا مجال لبيانها فلتُطلب في مكانها.

المبحث الأول وفيه مطلبان

المطلب الأول: الموقف الشرعي والعقلي من الجهاد:

قبل بيان موقف الشريعة من الجهاد بما يحتويه من معاني ومضامين, وبما يستتبع من لوازم وقيود, يجب معرفة حيثية مهمة في هذا الجانب وهو أنّ الجهاد والحرب ضد الأعداء رغم مكانته في الإسلام وقداسته, إلا أنّه من الأمور الثانوية والعرضية, بمعنى أنّ مشروعيته متوقفة على إحراز موضوعه, فمتى ما تحقق -وهو اليأس من أساليب الدعوة القولية واللفظية كما يأتي بعد قليل- أصبح حكم الجهاد فعلياً ومنجزاً, وإلا فلا يُصار إليه مع وجود الآليات المتقدمة عليه رتبةً من قبيل قوله تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}([31])، فإذا كانت الدعوة إلى الله ممكنة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة, حسب الترتيب القرآني فلا وجه ولا معنى للجهاد والدفاع, مهما كان مفهومهما ومعناهما, وبصياغة أخرى: لا موضوعية للجهاد والحرب عند الشارع؛ بمعنى أنّه ليس ملحوظاً من قبله بعنوانه, بل هو طريق لغرض محدّد, فإن أمكن استبدال هذا الطريق بأمور مؤنتها أقل كماً وكيفاً -كما في آية الدعوة إلى سبيل الله- فبها, وإلا فالأمر حينئذٍ ينتقل إلى الجهاد كبديل ووسيلة أخرى تُحقّق الغرض المرجو.

من هنا جاءت الآيات والروايات لبيان هذه الحقيقة وهذا النمط, وتكمن الحكمة في ذلك لمعرفة أنّ الشريعة السمحاء, رغم قداسة أغراضها وأهدافها, إلا أنّها تتبع الطرق والآليات المناسبة أيضاً حسب الأولويات, لوجود السنخية والارتباط بين الهدف -وهو العلة الغائية- وبين الأمور الأخرى المقدماتية من قبيل العلة المادية والصورية والفاعلية, فالدعوة إلى الله والدفاع عن الإسلام وما شابه ذلك, إذا نظرت إليه كهدف وغرض, تجده أمراً مرموقاً وعالياً، وكذلك إذا نظرت إلى بعده التطبيقي تجده أيضاً أمراً حكيماً وراجحاً, وهذا هو السر في انقسام حكم الدعوة إلى الله, إلى قسمين:

1) الحكم الأولي والابتدائي.

2) الحكم الثانوي والعرضي.

إذا عرفنا هذه الأمور, يمكننا الآن معرفة الموقف الإلهي من الجهاد والدفاع في سبيل الله:

قال في الجواهرO: "الجهاد ذروة سنام الإسلام, ورابع أركان الإيمان, وباب من أبواب الجنة, وأفضل الأشياء بعد الفرائض, وسياحة أمّة محمدe, التي قد جعل الله عزّها بسنابك خيلها, ومراكز رماحها"([32]), وهو من أعظم أركان الإسلام, بالكتاب والسنة والإجماع([33])، وجاء في قوله تعالى:{لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ * فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً * وَكُلاّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَىٰ * وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}([34]), فالجهاد من المعاني والحقائق الإضافية, فلا جهاد في الخارج من دون وجود المُحقِّق له وهو المجاهد, فمدح المجاهدين وتفضيلهم على غيرهم, هو مدح للجهاد وبيان لعظمته, وفي آية أخرى: {إنَّ اللهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ}([35]), وعدم مبالاته بالقتل والتضحية.

والأعظم من كل ذلك اعتبار المجاهد في سبيل الله, بعد قتله واستيفاء روحه بأنّه حيٌ, وحاله حال الأحياء الذين لهم في المجتمع سائر الاعتبارات والتقديرات, بل هو أعظم من الحي الحقيقي-صاحب الروح والبدن- والسبب هو أنّ الحياة والموت وفقاً للملاكات القرآنية وحساباتها, تنطلق من حياة الروح وموتها, ولا شك في أنّ دم الشهيد المجاهد يبعث على الحياة المعنوية, ويستنهض المجتمع للدفاع عن نفسه, ويحيى الأنفس والإرادات التي تضعف أمام التحدي والعدوان, وبذلك أي حياة أفضل؟ حياة من يحيه الشهيد بدمه الزاكيات؟ أم حياة الشخص العادي الذي لم يأتِ حينه وأجله؟ ولذا رسخت بعض الآيات هذه العقيدة, وهذه النظرة بقولها: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِنْ لَا تَشْعُرُونَ}([36]).

وفي آية أخرى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}([37]).

إضافةً إلى الروايات الكثيرة التي تحدثت عن فضل الجهاد, وقد ذكرتها المجاميع الروائية, والتي منها:

ما نقله الكلينيp في الكافي عن عدّة من أصحابنا, عن أحمد بن محمد, عن علي بن الحكم عن عمر بن أبان, عن أبي عبد اللهg قال: >قال رسول اللهe: الخير كلّه في السيف وتحت ظل السيف، ولا يقيم الناس إلا السيف والسيوف مقاليد الجنة والنار<([38]).

وأيضاً عن علي بن إبراهيم, عن أبيه, عن النوفلي عن السكوني, عن أبي عبد اللهg قال: >قال رسول اللهe: للجنة باب يقال له: باب المجاهدين، يمضون إليه فإذا هو مفتوح وهم متقلدون بسيوفهم والجمع في الموقف، والملائكة ترحب بهم، ثم قال: فمن ترك الجهاد ألبسه الله  ذلا وفقراً في معيشته ومحقاً في دينه، إنّ الله  أغنى أمتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها<([39]).

وكذلك عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي, عن أبيه, عن وهب بن وهب القرشي, عن الصادق جعفر بن محمد, عن أبيه, عن جدهi, قال: >قال رسول اللهe: إنّ جبرئيلg أخبرني بأمر قرت به عيني وفرح له قلبي، قال: يا محمد من غزا غزاة في سبيل الله من أمتك، فما أصابته قطرة من السماء أو صداع إلا كانت له شهادة يوم القيامة<([40]).

وجاء في التهذيب عن محمد بن الحسن الصفار, عن عبد الله بن المنبه, عن حسين ابن علوان, عن عمرو بن خالد, عن زيد بن علي عن أبيه عن آبائهi قال: >قال رسول اللهe: للشهيد سبع خصال من الله: أول قطرة من دمه مغفور له كل ذنب، والثانية: يقع رأسه في حجر زوجتيه من الحور العين، وتمسحان الغبار عن وجهه وتقولان: مرحباً بك ويقول هو مثل ذلك لهما، والثالثة: يكسى من كسوة الجنة، والرابعة: تبتدره خزنة الجنة بكل ريح طيبة أيّهم يأخذه معه، والخامسة: أن يرى منزلته، والسادسة: يقال لروحه اسرح في الجنة حيث شئت، السابعة: أن ينظر في وجه الله وإنّها لراحة لكل نبي وشهيد<([41]).

وجميع ما تقدم من آيات وروايات, فهي بصدد إثبات فضيلة الجهاد وعظمته, وأما الأمور الأخرى التي تمثل الضابطة والقاعدة في مفهوم الجهاد, فالأدلة بكلا قسميها أجنبية عن إثباته([42]), ولا إطلاق في لسانها للتمسك بها, بحيث نثبِّت من خلالها أنّ ما يحصل في الخارج جهاد أم لا؛ لكونها ليست في مقام بيان الشرائط والموانع وما شابههما؛ ليتم التحديد والترسيم, بل هي مسوقة لبيان أصل المشروعية, ولو تنزلنا وقلنا بالإطلاق والعموم, فلا يمكن التمسك بها؛ بعد كون الشبهة من الأمور المصداقية.

ولذا نحتاج إلى توضيح أقسام الجهاد, والذي سيتضح من خلاله حينئذٍ إطلاقاته وتسمياته الصحيحة, وقد قسّم الشيخ كاشف الغطاءp الجهاد إلى خمسة أقسام, أحدها الابتدائي, والأربعة الأخرى دفاعية, فقال: "الجهاد ينقسم, من جهة اختلاف متعلقاته, إلى أقسام خمسة:

الأول: الجهاد لحفظ بيضة الإسلام إذا أراد الكفار الهجوم على أراضي المسلمين, بحيث استعدوا للحرب ضد المسلمين؛ لإعلاء كلمة الكفر, وضرب الإسلام وشعائره, ببناء الكنائس وأمور الشرك بالله, وغيرها.

الثاني: الجهاد لدفع المعتدي عن التسلط على دماء المسلمين وأعراضهم.

الثالث: الجهاد دفاعاً عن جماعة من المسلمين, وقعت بينهم وبين جماعة من الكفار حرب وخيف استيلاء الكفار عليهم.

الرابع: الجهاد من أجل إخراج الكافرين من بلاد المسلمين التي تسلطوا عليها, وتخليص المسلمين من قبضتهم, وإصلاح شوكة الإسلام بعد كسرها وثلمها.

الخامس: جهاد الكفار ابتداءً بالتوجه إلى بلدانهم, لدخولهم الإسلام, وإذعانهم بما أتى به النبيe"([43]).

فالأقسام الأربعة الأولى تندرج تحت (الجهاد الدفاعي), والقسم الأخير هو الفرد الوحيد (للجهاد الابتدائي).

إذاً، جميع هذه الأقسام الخمسة مندرجة تحت عنوان الجهاد اندراجاً حقيقياً, ويجري على القتلى في المعركة حكم الشهيد في الدنيا والآخرة, فيثبت لهم في الآخرة مع خلوص النية ما أعده الله للشهداء من الدرجات الرفيعة, والمراتب العالية, والمساكن الطيبة, والحياة الدائمة, والرضوان الإلهي الذي هو أعلى من كل مكرمة, ويسقط في الدنيا وجوب تغسيلهم وتحنيطهم وتكفينهم إذا لم يكونوا عراة, فيدفنون في ثيابهم مع الدماء, ولا ينزع شيء منها([44]).

وهذا التعبير الوارد على لسان الشيخ كاشف الغطاءp (الاندراج الحقيقي) يكشف عن أنّ الحيثية الدفاعية بجميع أقسامها, من مصاديق الجهاد حقيقةً لا تنزيلاً ومجازاً, وهذا ما يُفهم من كلامه بالصراحة بعد اشتراك الجميع في الحكم, وإن كان هناك اختلاف في الموضوع، حيث إنّ موضوع أحدهم الابتداء والبقية الدفاع؛ ولا ينبغي أن يقع شك في عدم تباينهما واختلاف ماهيتهما.

ولعل الوجه في ذلك هو الاستناد إلى إطلاقات وعمومات آيات وأحاديث الجهاد([45]), بل يمكن الترقي والتصريح بما قاله البعض: "إنّ من غير المعقول أن تكون كل هذه الفضائل للجهاد في سبيل الله منحصرة بأشخاص معدودين في زمان معين, مخصص بحضور المعصومg والسير في ركبه, بحيث تكون الأكثرية من أهل الإيمان والإخلاص في زمن الغيبة محرومة من هذا الفضل, فهل هناك تفاوت بين من يقدم نفسه وماله لرضا الله والدفاع عن دينه ومجتمع الإسلام وبلاد المسلمين, وبين من يقاتل في ركاب المعصومg في زمن حضوره؟!

إنّ من البعيد على الله الحكيم أن يقرر امتيازا مثل هذا؛ وذلك أن الطرفين معاً قاتلا في سبيل الله مع وحدة الغاية, بل قد يقال بأنّ مكانة المقاتل في زمن غيبة الإمام, والذي يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله أعظم من ذلك الذي يقاتل على نفس المنوال زمن الحضور وعليه: فأجر هذا العمل في زمن الغيبة أكبر"([46]), ويمكن إثبات هذه الدعوى بخصوصية ثواب المُؤمِن بالغيب, حيث لا يقاس من آمن بالنبي وأهل بيتهi, ورآهم وعاشرهم بمن لم يتحقق له ذلك أصلاً, بل كان إيمانه من منطلق الغيب والعقيدة لا المشاهدة, ومن هنا جاء مدح القرآن لهم بقوله: {اْلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاْلغَيْبِ}([47]).   

ويمكن تعميق الفكرة ببيان حقيقة الجهاد وواقعه -بالإضافة إلى التقسيم الخماسي الذي ذكره الشيخ كاشف الغطاء+- من خلال رواية مفصّلة ذكرت بعض أقسام الجهاد بالمعنى المعهود, وغيره بنوع من أنواع الكناية والمجاز:

 عن حفص بن غياث, عن أبي عبد اللهg قال: سأل رجل أبي صلوات الله عليه عن حروب أمير المؤمنينg وكان السائل من محبينا، فقال له أبو جعفرg: >بعث الله محمداًe بخمسة أسياف ثلاثة منها شاهرة فلا تغمد حتى تضع الحرب أوزارها، ولن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت الشمس من مغربها، آمن الناس كلهم في ذلك اليوم فيومئذٍ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيراً، وسيف منها مكفوف وسيف منها مغمود سله إلى غيرنا وحكمه إلينا.

وأما السيوف الثلاثة الشاهرة: فسيف على مشركي العرب قال الله : {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ}, {فَإِنْ تَابُوا (يعني آمنوا) وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}، فهؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الإسلام، وأموالهم وذراريهم سبي على ما سن رسول اللهe فإنّه سبى وعفى وقبل الفداء.

والسيف الثاني على أهل الذمة، قال الله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}, نزلت هذه الآية في أهل الذمة ثم نسخها قوله : {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}، فمن كان منهم في دار الإسلام فلن يقبل منهم إلا الجزية أو القتل، وما لهم فيء وذراريهم سبي، وإذا قبلوا الجزية على أنفسهم حرم علينا سبيهم وحرمت أموالهم، وحلت لنا مناكحتهم، ومن كان منهم في دار الحرب حل لنا سبيهم وأموالهم، ولم تحل لنا مناكحتهم، ولم يقبل منهم إلا الدخول في دار الإسلام أو الجزية أو القتل.

والسيف الثالث سيف على مشركي العجم يعني الترك والديلم والخزر، قال الله  في أول السورة التي يذكر فيها (الذين كفروا) فقصّ قصتهم ثم قال: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}، فأما قوله: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ}، يعني بعد السبي منهم {وإمّا فِدَاءً}، يعني المفاداة بينهم، وبين أهل الإسلام فهؤلاء لن يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الإسلام، ولا يحل لنا مناكحتهم ما داموا في دار الحرب.

وأما السيف المكفوف فسيف على أهل البغي والتأويل قال الله : {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللهِ}، فلما نزلت هذه الآية قال رسول اللهK: إن منكم من يقاتل بعدي على التأويل، كما قاتلت على التنزيل، فسئل النبيe من هو؟ فقال: خاصف النعل يعني أمير المؤمنينg، فقال عمار بن ياسر: قاتلت بهذه الراية مع رسول اللهe ثلاثاً وهذه الرابعة والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا السعفات من هجر لعلمنا أنا على الحق، وأنّهم على الباطل، وكانت السيرة فيهم من أمير المؤمنينg، ما كان من رسول الله، في أهل مكة يوم فتح مكة فإنّه لم يسب لهم ذرية وقال: "من أغلق بابه فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن"، وكذلك قال: أمير المؤمنين صلوات الله عليه يوم البصرة نادى فيهم: لا تسبوا لهم ذرية ولا تجهزوا على جريح، ولا تتبعوا مدْبراً، ومن أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن.

وأما السيف المغمود فالسيف الذي يقوم به القصاص قال الله : {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ}، فسله إلى أولياء المقتول، وحكمه إلينا فهذه السيوف التي بعث الله بها محمداًe، فمن جحدها أو جحد واحداً منها أو شيئاً من سيرها وأحكامها فقد كفر بما أنزل الله على محمدe<([48]).

فـالإمام بيّن بـعض أقـسام الـجهاد, وهي في الـغالب من مصـاديـق (الـجهاد الابتدائي) كما يُستظهر من الرواية, إلا سيف القصاص([49])ومقاتلة البغاة([50]) التي قد يدعى فيها وجود الخلاف([51]), ولا يوجد في بيانهg إشارة إلى حقيقتة الدفاع وأقسامه, وهذا لا إشكال في أنّه يفيد حصر (الجهاد الابتدائي) في هذه الأقسام المذكورة لكونه في مقام بيان حقيقة هذا القسم وغيره, ونظره منصب على أمور معينة, دون (الجهاد الدفاعي) التي كانت الرواية ساكتةً عنه, وعن حقيقة أقسامه.

ولذا كان استدلالنا على معرفة الجهاد ليكون الأمر كضابطة وقاعدة متبعة في التقييم والتشخيص, من خلال تقسيم الشيخ كاشف الغطاء+ للجهاد, وهو بدوره استفاد من الروايات والآيات الناظرة له بلحاظ متعلقاته وموضوعاته, والرواية التي ذكرناها قبل قليل.

وعليه فدليلنا مركب من التقسيم والحديث؛ لحصر وفهم مفردة الجهاد من خلال الخطابات الشرعية وكلمات الأعلام, وأما دون ذلك من المصاديق الخارجية -كما يحصل في زماننا- فلا ربط لها بالجهاد ولو الدفاعي, فضلا عن الابتدائي.

المطلب الثاني: الموقف العقلي من الجهاد:

لا شك ولا ريب في أنّ العقل له حصيلة معينة من الإدراك والكاشفية في عالم الأحكام التشريعية, مما يلازم على إثره حكم الشارع بما توصّل إليه, ومنشأ إدراكاته نابع من الحسن والقبح؛ ببيانٍ ذكره السيد المحقق الصدرS: "أنّ الحسن والقبح صفتان واقعيتان يدركهما العقل كما يدرك سائر الصفات والأمور الواقعية, غير أنّهما تختلفان عنها في اقتضائهما بذاتهما جرياً عملياً معيناً, خلافاً للأمور الواقعية الأخرى, وعلى هذا الأساس يمكن أن يقال: إنّ الحكم النظري هو إدراك الأمور الواقعية التي لا تقتضي بذاتها جرياً عملياً معيناً, والحكم العملي هو إدراك الأمور الواقعية التي تقتضي بذاتها ذلك"([52]).

لكنّ كلامهS ليس ناظراً إلى ضيق وسعة المدركات العقلية؛ بمعنى أنّه لا يريد تحديد الموارد والصغريات التي يدرك فيها العقل والتي لا يدرك, بل هو في مقام بيان أصل الإدراك ومعتمده, ولذا نحتاج إلى حيثية أخرى نذكرها تعيننا في فهم الموارد التي يدركها العقل استقلالاً ومن دون حاجة إلى الخطاب الشرعي, والموارد التي بحاجة إلى انضمام بيان من الشارع لتكميل مراحل الإدراك. 

هناك نوعان من الحسن والقبح:

الأول: الحسن والقبح الواقع في مرتبة المعلول, والمتأخر عن الحكم الشرعي, ومثاله: (حُسن الطواف في الحج)؛ فببيان الشارع وأمره بالطواف, أدرك العقل بأنّه حسنٌ من باب امتثال الأمر الإلهي, وأنّ عدم امتثاله قبيح من باب عصيانه, بالتالي: كلام الشارع علّة للحسن والقبح, ولولاه لما كان للعقل حظ, ولا نصيب من الإدراك.

الثاني: الحسن والقبح الواقعان بصورة مستقلة عن الحكم الشرعي, كحسن الصدق والمحبة وقبح الظلم والخيانة, ففي هذا النوع لا علّية في المقام, ولا يحتاج العقل في مقام الإدراك إلى الشارع([53]).

بعد معرفة هذه الأمور, فلنأتي إلى تطبيق المفردات المُنقِّحة للحكم العقلي؛ لنرى إمكانية تطبيق ما ذُكر على الجهاد, وهل العقل عنده موقف من هذه الشعيرة الإلهية المقدسة أم لا؟

فنقول: إنّ العقل يدرك بأنّ العدل حَسنٌ والظلم قبيح, وبتعبير السيد السبزواريS: "ضرورة العقل الحاكمة بإبادة الظلم والفساد, الذي يكون الشرك من أهمها مهما أمكن وليست هذه الأدلة قابلة للتخصيص إلا بعدم التمكن الذي يسقط به الحكم قهراً"([54]).

بعبارة أوضح: العقل يحكم بإزالة مادة الفساد والضلال, وتثبيت العدل والإحسان, ولكن المصاديق الخارجية للجهاد والخصوصيات الدخيلة فيه, وهل هي من الأمور التي لا بدّ من أن تُزال أو تثبت؟ فليس من شأنه؛ وهذا من قبيل أصل الإطاعة لله+ فالعقل يدرك وجوب ذلك من باب دفع الضرر المحتمل أو شكر المنعم, ولكن لا ربط له بتحديد المفردات الخارجية والجزئية التي تحقق أصل الإطاعة؛ حيث إنّ هذا ليس خاضعاً لموازينه, ولذلك إذا أمر الشارع بالصلاة والحج والزكاة, قال العقل بأنّ هذه الأمور حسنة لأنّها محققة لكبرى الامتثال والإطاعة.

فكذلك الجهاد في سبيل الله, فالخصوصيات المذكورة من قبيل(حفظ بيضة الإسلام بمعنى المفردات والصغريات)([55]), و(توهين شعائر المسلمين ببناء الكنائس) التي قد تكون من آثار حرب الكفار على المسلمين أمور لا يدركها العقل, ولا تدخل في نطاق دائرته الإدراكية, ولذلك احتاج إلى الشارع في التبيين والتوضيح.

نعم، بعض الأقسام التي ذكرها الشيخ كاشف الغطاءS من قبيل القسم الثاني والثالث يستقل العقل بوجوب الدفاع والجهاد, دفعاً للضرر القطعي والأكيد الذي سيعود ضرره على المسلم بلحاظ البعد المادي والجوارحي, فإذا كان حكمه في موارد الاحتمال المعتد به عند العقلاء منجزاً -نظراً للمحتمل- فمن باب أولى تنجيزه للحكم وصيرورته فعلياً في موارد القطع واليقين, كما هو الحال في القسمين المتقدمين.

إذاً: يتضح من خلال ما تقدم أنّ العقل له موقف من قضية الجهاد, ولا فرق في ذلك بين استقلاله في بعض الموارد, وبين احتياجه إلى كلام الشارع في موارد أخرى؛ حيث في كلا الموردين الحكم فعلي وحقيقي, والعقل دخيل فيهما.

المبحث الثاني وفيه  مطلبان

المطلب الأول: الموقف الشرعي والعقلي من الإرهاب:

من الأمور المُلفتة في القانون الإسلامي, والتي تستوجب إعمال النظر لمعرفة المبنى العقدي والفكري لذلك, هو التعامل الأخلاقي والإنساني مع القضايا المحُيطة بصورة دقيقة ومؤثرة, والتي هي في واقع الحال ظاهرة تطبيقية وعملية وليس مكانها حيز التنظير والثبوت فحسب, وخصوصاً في الجانب العسكري والحربي؛ لكونه مكاناً بارزاً لظهور هذه التجليات, والأفعال الأخلاقية الحميدة.

ولذا نجد هذه الدعوى في التوصيات والإرشادات الدينية, من خلال مواقف وكلمات الأنبياء والأئمة^ والقرآن والسنة, وهذا خير دليل لإثبات هذه الحقيقة, وأنّ الإسلام من خلال هذه المواقف يهدف إلى زرع فكرة الأخلاق في هذه المحطات الحيوية, ونبذ العنف والقوة المزدوجة مع الباطل.

وإذا أردنا معرفة عمق هذه الدعوى وواقعيتها, بإمكاننا تسليط الضوء على مفردة الإرهاب, لنعرف من خلال الموارد الشرعية والسيرة العملية, تعامل الإسلام الواضح والصريح مع هذه الحقيقة التي أصبحت جزءاً من واقع المجتمع الإنساني.

وللجهاد موارد كثيرة في جميعها مبرّرٌ شرعي وعقلي؛ لإعمال القوة والعنف, مما يعني أنّ القوة لها حصتان:

1) حصة راجحة.

2) وحصة مرجوحة.

والرجحان والمرجوحية في المقام بلحاظ الدين والشرع وبلحاظ العقل أيضاً, فالحصة الأولى هي (الجهاد في سبيل الله)، والحصة الثانية(الإرهاب والتطرف), رغم وجود الجامع المشترك بينهما, إلا أنّ الاختلاف والتمايز يتبين من خلال الغرض والهدف, فإن كان هناك وجه للقوة والمواجهة وأمضاها الشرع الحنيف والعقل السليم فهذا جهاد, ويترتب على الفعل في الخارج أحكام ظاهرية وآثار حسنة، بحيث يكون المحرك لذلك إما الغرض الديني (كجهاد المشركين), أو المشترك بين الدين والعقل (كالدفاع عن الدين والنفس)، وهذان أمران يثبتان أنّ المحركية هنا لوجود الحق, وأنّ القوة ليست غرضاً وموضوعاً يُحرض عليه الشارع, بقدر ما هو طريق وأداة للأغراض النافعة.

بخلاف الإرهاب إذ لا مبرّر له سوى الباطل والأهواء الشيطانية, وإلا ما هو الداعي للانتقام في صورة الباطل الذي هو مُحقق للإرهاب بأشكال العنف غير المقبول عند جميع الأديان والمذاهب من قبيل التمثيل بالأجساد وقطع الرؤوس, والصلب وما إلى ذلك من أنواع التعذيب والعقوبة, والتي يتبين من خلالها عدم سلامة الفطرة والقلب، وفي نفس الوقت ليتأكد من خلاله مرجوحية هذا الفعل, وموقف الإسلام السلبي والشديد منه, وهذه قرينة واضحة أنّ القوة هنا وُظِّفت كغرض, ولها موضوعية في الخارج.

ولذا تجد خطاب القرآن باللهجة الشديدة مع المحاربين -لاقتضاء المقام مثل هذا الخطاب والذي فيه إبراز عن عدم الرضا بأعلى مراتبه- الذين يكرّسون الإرهاب في المجتمع كعقيدة وفكر وفعل, بقوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ، ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}([56]).

فهناك مواجهات كثيرة من قبل الشارع في مقام العقوبة والتأديب, مع الخارجين عن الطريقة المألوفة والذوق العام بغرض إزالة مادة الفساد والانحراف للحفاظ على النظام وعدم اختلاله, ولكن لا تجدها بهذه الشدة والصرامة, مما يوحي بأنّ المورد من الأمور الخطيرة ولا يمكن التصدي له إلا بالقتل والصلب, أو تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف, أو النفي من البلاد, وهذا موقف علني وجريء من الشارع المقدس في وجه الإرهاب.

ويمكننا التوغل أيضاً في واقع الشريعة لكي نستشهد ببعض الأمور, والتي يتضح من خلالها ذوق الشارع وروحه في التعامل مع الإرهاب ورجاله, وسنجد أنّ في ذلك الرفض القاطع والصريح لهذه الحيثية من خلال الموقف والعمل.

فحينما نقف عند قوله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}([57]) نجد بياناً واضحاً لحالة التعامل مع الأسير, والذي يكشف عن فقه الإسلام الأخلاقي, ورقي الدعوة الإلهية في التقنين والتنظير.

وحيث إنّ الآية في مقام بيان طريقة التعامل مع الأسير, فتفيد حينئذٍ حصر ذلك بين أمرين: {فَإِمَّا مَنًّا}، أي: إخلاء سبيلهم من دون أي قيد وشرط, و{وَإِمَّا فِدَاءً}، أي: تخلية سبيلهم في مقابل دفعهم للفدية المالية, أو التعهد بعمل معين وما شابه, أو عملية لتبادل الأسرى, ومن هنا نستكشف تعامل الإسلام -كحقيقة عملية أخلاقية- مع أصحاب الإرهاب وهم أسرى الحرب, بحيث لا يجوز قتلهم, ولا يجوز استرقاقهم, مضافاً إلى وجود سيرة عملية للنبي’, كما ينقل أنّ في غزوة بدر قد تمت عملية الأسر لسبعين شخصاً من المشركين, فقام النبي بتطبيق الدستور القرآني, فمنَّ على بعضهم, وأخلى سبيله دون أي شروط وقيود, فيما اشترط لفك أسر الآخرين قيام كل منهم بتعليم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة, وبعد التزامهم بالشرط ووفائهم أُطلق سراحهم.

وكذلك عندما فتحت مكة, بالرغم من إيذائهم له ولأهل بيتهi, إلا أنّ التجليات الرحيمية تنزل وتفيض؛ ليبين لهم أنّ الإسلام دين الصفح والتسامح, فيقول: {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}([58]), وأيضاً في غزوة حنين جاء أمر النبيe بإخلاء سبيل جميع الأسرى, وفي غزوة خيبر أظهر اليهود الحقد والنصب للرسول, وحاولوا أن يدسّوا إليه السم, ولكن لم تكن هذه التصرفات سبباً لأسر النبي لهم، نعم ينقل بأنّه أسر بعض الأشخاص, منهم صفية بنت حييّ بن أخطب, ثم فيما بعد أطلق سراحها([59]).

وجاء في الخبر عن أبي عبداللهg: >إطعام الأسير حق على من أسره وإن كان يراد من الغد قتله فإنه ينبغي أن يطعم ويسقي ويرفق به، كافراً كان أو غيره<([60]), بالرغم من أنّ القانون الرائج يُجوِّز قتل مجرمي الحرب, ويعتبرهم المجتمع إرهابيين ومتطرفين لا بدّ من الخلاص منهم كيفما اتفق, إلا أنّ الإمام يوصي بهم خيراً تطبيقاً لمنهجية الإسلام, في مرحلة ما قبل صدور الأحكام عليهم, ويُنقل عنهg أنّه كان يأخذ العهد من أسرى صفين, بأن لا يحاربوه مرة أخرى, ثم بعد ذلك يطلق سراحهم ويمنحهم أجرةً لتأمين طريق سفرهم.

وتظهر العدالة العلوية في معركة الجمل فيقولg: >ولا تمثلوا بقتيل<, وتستمر هذه الدروس المعرفية إلى أواخر عمره فيوصي بقاتله: أن يطعموه من طعامه, وأن يشربوه من شرابه, وأن لا يمثلوا به فيما لو أرادوا قتله([61]).

وبذلك يتضح الموقف الشرعي من الإرهاب, ويتبين لنا بأنّ الأصل الأولي في مواجهته هو الصفح والتجاوز مع الإمكانية وتوفر الشروط, كما فعل النبيe, وأمير المؤمنينg رغم استحقاق تلك الفئة للعقوبات القاسية, نعم يبقى هذا الأمر كحكم وحالة أولية, وإلا قد تكون المصلحة في القتل والتصفية كما في حدّ المحارب -حسب الظروف الزمانية والمكانية التي يوكل أمرها بيد المعصومg-فيما لو لم يمكنه إجراء المن والفداء مثلاً.

وفي نفس الوقت يعرف الإنسان -بعد معرفة أجواء الشريعة ونمط تعاملها السلوكي- الإرهاب الذي يحصل للأبرياء والعزل من الأطفال والنساء والشيوخ في المجتمعات الإسلامية، بحيث ترتكب حالات القتل الفظيعة والفجيعة بعنوان التوحيد والجهاد، فيحلّلون ما حرّم الله, ويحرّمون ما حلّل, ورغم ذلك فلا تخرج هذه التصرفات عن دائرة (الإرهاب) مهما بُرّر لها, ووجد الدفاع عنها.

وعليه فقوله جلّ وعلا: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ}([62]) ناظر إلى أنّ الإرهاب والفزع, ولابدّيته على أعداء الدين والرسالة, لا على المسلمين والمؤمنين في المجتمع الواحد.

والإرهاب هنا بمعنى الجهاد بعد كون الغاية شريفة ونبيلة, ولذا المؤمن الحقيقي إرهابي بالمنظور القرآني, إلا أنّ هذا المصطلح أصبح منقولاً, ولا يستعمل إلا في موارد الباطل والإخافة المرجوحة, بالتالي فالأولى إبدالها (بالمجاهد) ابتعاداً عن التشويش والاضطراب في المفاهيم والمصطلحات.

المطلب الثاني: موقف العقل من الإرهاب:

كما حَكَم العقل إما استقلالاً, أو مع الانضمام بوجوب الجهاد انطلاقاً من نكتة الحسن الواقعية التي أدركها, فكذلك يحكم في الإرهاب بوجوب اجتنابه, وأنّه من مصاديق (ما لا ينبغي فعله) انطلاقاً من حقيقة الظلم -والكلام هنا- هو بعينه ما دار هناك, غاية الأمر التفاوت والاختلاف في المنشأ, حيث إنّ منشأ القبح في الإرهاب هو الظلم, ومنشأ الحسن في الجهاد هو العدل.

وبذلك يتضح أيضاً موقف العقل من الإرهاب, ولا مزيد في ذلك, حيث إنّ العنوانين من الحقائق الضدية, ولا يُراد بذلك بأنّ عدم أحدهما علة لثبوت الآخر لاستحالة هذه الحيثية بل الهدف هو الإشارة إلى أنّهما ضدان, وبثبوت أحدهما, ينتفي الآخر.

الخاتمة

* موقف الإسلام صريح وعلني بالنسبة إلى الجهاد والإرهاب, وأوامره التشريعية بخصوصهما نابعة من أدبياته الواقعية, والمُلائَمة التكوينية التي خُلق الإنسان عليها([63]).

* إدراكات العقل -بخصوص الجهاد والإرهاب- قطعية وغير قابلة للتخصيص, ولا تتأثر بعوامل الزمان والمكان والوقت, ما دامت الضابطة هي (حسن العدل وقبح الظلم)، وبالتالي الجهادُ جهادٌ متى ما تحقق وتمت شروطه, وكذا الإرهاب, ولا دخالة لهما بعامل الزمان والوقت, مما يعني: (عدم النسبية في مفهوميهما).

 

 

 ([1]) إشارة إلى أنّ المقام من مدركات العقل العملي, والذي له اقتضاء بمقام العمل, ولذا عبّرنا عنه "بالتطبيق" حيث إنّه من مفردات (ما ينبغي أن يعمل)، والتطبيق عمل بلا شك.

([2]) أحمد بن فارس، ترتيب مقاييس اللغة، ص196.

([3]) محمد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح، ص56.

([4]) النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب, ج32، ص5, كانت هذه العبارة مدحاً لأحد الباحثين والمحققين.

([5]) الطباطبائي، رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل، ج8، ص7.

([6]) الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، ج3، ص7.

([7]) النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج22، ص6.

([8]) المصدر نفسه.

([9]) انظر الصحاح للجوهري، ج1، ص130.

([10]) ابن منظور، لسان العرب، ج1، ص398.

([11]) محمود يوسف الشوبكي, بحث مقدم إلى مؤتمر(الإسلام والتحديات المعاصرة), المنعقد في كلية أصول الدين في الجامعة الإسلامية. ( غير مطبوع في كتاب )، لكون البحث ورقة مقدمة في إحدى المؤتمرات.

([12]) محمود يوسف الشوبكي, بحث مقدم إلى مؤتمر (الإسلام والتحديات المعاصرة), المنعقد في كلية أصول الدين في الجامعة الإسلامية.

([13]) المصدر نفسه.

([14]) المصدر نفسه.

([15]) المصدر نفسه.

([16]) سورة النحل: 125.

([17]) سورة الأنفال:60.

([18]) أحمد بن فارس، ترتيب مقاييس اللغة، ص691.

([19]) ابن منظور، لسان العرب ج10، ص485.

([20]) قال الفقيه المحقق والأصولي المدقق الشيخ محمد تقي الإصفهانيO في بيانه لمعنى الدليل العقلي: "كل حكم عقلي يستنبط منه حكم شرعي, سواء حكم به العقل استقلالاً من دون ترتبه على حكم الشرع, أو كان حكم العقل به مترتباً على ثبوت حكم آخر ولو من جهة الشرع ثم يترتب على ذلك الحكم العقلي حكم شرعي آخر". هداية المسترشدين، ج3، ص496.

([21]) السيد محمد باقر الصدر، تقريرات الهاشمي، ج4, ص 119.

([22]) راجع تقريرات الحائري، ج1، ق2، ص396. مع تصرّف يسير في العبارة المبينة في المتن. 

([23]) راجع تقريرات الهاشمي، لبحث أستاذه السيد المحقق الشهيد الصدر، ج5، ص27، (الثالث). وأيضاً الحلقة الثالثة القسم2، ص30.

([24]) الميرزا النائيني، فوائد الأصول، ج3، ص60.

([25]) أحمد بن فارس، ترتيب مقاييس اللغة، ص971.

([26]) النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب, ج7، ص213.

([27]) ومن مصاديق السنة قول الأئمة المعصومين, لإرجاع النبي لهم في مقام التشريع والتقنين, وإرجاعه كاشف عن حجية كلامهم وأنها كالسنة, وقال صاحب الوافية التوني في وافيته: "السنة هي قول النبي أو الإمام أو فعلهما أو تقريرهما"، ص157.

([28]) الفاضل التوني, الوافية في أصول الفقه, ص147.

([29]) راجع كتاب الأصول العامة للفقه المقارن, للسيد محمد تقي الحكيم، ص93.

([30]) الحكيم, الأصول العامة للفقه المقارن، ص 117, بتصرف. 

([31]) سورة النحل: 125.

([32]) النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج22، ص6, هذه الأمور مقتنصة من الروايات الواردة عن أهل البيت^, ونقلناها حسب صياغة صاحب الجواهر+.

([33]) الطباطبائي، رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل، ج8، ص7.

([34]) سورة النساء: 95.

([35]) سورة التوبة: 111.

([36]) سورة البقرة: 154.

([37]) سورة آل عمران: 169.

([38]) الكليني، الكافي، ج5، ص2.

([39]) الكليني، الكافي، ج5، ص2.

([40]) الصدوق، الأمالي، ص673.

([41]) الطوسي، تهذيب الأحكام، ج6، ص121.

([42]) وكما يقال: بأنّ القضية والرواية لا تثبت موضوع نفسها.

([43]) كاشف الغطاء، كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء، ج4، ص287, ص288, ص289. (بتصرف)

([44]) كاشف الغطاء، كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء، ج4، ص290. (بتصرف يسير)

([45]) قال في الجواهر+: "بل ظاهر غير واحد: كون الدفاع عن بيضة الإسلام مع هجوم العدو -ولو في زمن الغيبة- من الجهاد؛ لإطلاق الأدلة, واختصاص النواهي بالجهاد ابتداءً للدعاء إلى الإسلام من دون إمام عادلg أو منصوبه, بخلاف المفروض الذي هو من الجهاد دون اشتراط حضور الإمام ولا منصوبه, ولا إذنهما في زمان بسط اليد, والأصل بقاؤه على حاله, واحتمال عدم كونه جهاداً حتى في ذلك الوقت مخالف لإطلاق الأدلة, وإن كان قد يظهر من خبر يونس-الآتي في المرابطة- كون الجهاد هو الابتداء, إلا أنّه محمول على إرادة كون ذلك الأكمل من أفراده, وإلا فالجهاد أعم كما يشعر به تقسيمهم إياه إلى الابتداء وغيره". ج22، ص26.

([46]) راجع مجلة فقه أهل البيت, العدد 32 (المبادئ التشريعية لنظرية الدفاع - للسيد جواد ورعي، ص132) مع تصرف وتغيير في بعض العبارات.

([47]) سورة البقرة: 3.

([48]) الكليني، الكافي، ج5، ص10.

([49]) لا ينبغي الشك في أنّ القصاص ليس من مصاديق الجهاد, وإنما ذكره الإمام× لمناسبة بينه وبين الأمور الأخرى المذكورة كأقسام للجهاد، وهو أنّ السيف من الأمور التي يتحقق بها حق الاقتصاص, كما أنّ الحروب والغزوات غالباً كانت تحصل بالسيوف أيضاً.

([50]) راجع كتاب (نظام الحكم في الإسلام, لآية الله المنتظري، ص62, في قتال البغاة على الإمام).

([51]) قال في الجواهر+: "وإن كان قد أشكل عليه البعض: بأنّها في المؤمنين, والفرق الثلاثة عندنا كفار وإن انتحلوا الإسلام, ولفظ (البغي) فيها أعم من ذلك؛ إذ يمكن إرادة التعدي من بعض المؤمنين على بعض ..إلخ". ج22، ص556.

([52]) الصدر، الحلقة الثالثة، ق1، ص424.

([53]) راجع الحلقة الثانية للسيد الشهيد الصدرS, بحث الدليل العقلي : الملازمة بين الحسن والقبح والأمر والنهي، ص358.

([54]) السبزواري، مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام، ج15، ص85.

([55]) ليس المراد من (حفظ بيضة الإسلام) خصوصية حفظ أصل الإسلام, بل الموارد والجزئيات التي تحقق ذلك العنوان؛ حيث إنّ العقل لا يدرك الصغريات التي تكون طريقاً إلى الوصول إلى عنوان الحفظ.

([56]) سورة المائدة: 33.

([57]) سورة محمد: 4.

([58]) الكليني، الكافي، ج4، ص225.

([59]) صفية بنت حييّ بن أخطب, من سبط هارون بن عمران, كانت تحت ابن أبي الحقيق, وقتل يوم خيبر ووقعت صفية في السبي, فاصطفاها رسول الله’, فأعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها, وماتت سنة خمسين وقيل غير ذلك. سبل السلام للصنعاني، ج3، ص148, وراجع: نيل الأوطار للشوكاني، ج8، ص90.

([60]) الكليني، الكافي، ج5، ص35.

([61]) ابن الصباغ، الفصول المهمة في معرفة الأئمة، ج1، ص623.

([62]) سورة الأنفال: 60.

([63]) يعني الأوامر التشريعية الصادرة, تلاحظ البعد التكويني والنفسي في الإنسان, وهذه من امتيازات المقنن الإلهي, دون غيره.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا