المهديُّ الموعود «عجل الله تعالی فرجه» ووظيفة المُنتظِرين

المهديُّ الموعود «عجل الله تعالی فرجه» ووظيفة المُنتظِرين

 

بسْمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، اللَّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآل محمَّدٍ

إنَّ العقيدة المهدويَّة -التي هي ركنٌ أساس من أسس الإمامة الإلهيَّة والرسالة الرَّبانيَّة- لها آثار مهمَّة على قلب المؤمن وجوارحه وكلِّ كيانه.

فليس الاعتقادُ بشيءٍ هو مجرَّد العلم به، ومعرفة أنَّه حقٌّ ثابت، وإلَّا فإنَّ النَّاس جميعاً -حتى الكُّفار والمشركين- يعلمون أنَّ الله حقٌّ، وأنَّ الأنبياء صادقون في دعاويهم، يقول تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾(النمل:14)، فإنَّ معاجزَ الأنبياءِ واضحةٌ وجليَّةٌ، ولا تترك للإنسان مجالاً للشكِّ في حقَّانيَّتها.

وإنَّما حقيقةُ الإيمان تكمُنُ في التصديق القلبيِّ والنفسيِّ -بالإضافة إلى التَّصديق العقليِّ-، وهذا الإيمان يدلُّ على طهارةِ هذا الإنسان ونقاءِ قلبِه؛ لأنَّه يكشفُ عن إذعانه للحقِّ، والتَّسليم به..

ولهذا النوع من الإيمانِ تأثيرٌ واضحٌ وجليٌّ على شخصيَّةِ المؤمن، وفكرِه، وشعورِه، وسلوكِه، بل وكلِّ حركةٍ من حركاتِه في هذه الحياة..

وإذا جِئْنا إلى العقيدة المهدويَّة، وإيمانُ المؤمن بوجود موعود السماء على هذهِ الأرض وكونِه مدَّخَراً لمهمَّة عظيمة، وكان إيمانُنا بالقلبِ والنفس مع العقل، فهذا يحتِّم علينا مجموعةً من الأمور تجاه هذه القضيَّة، وتجاه صاحبهاl.

فإنَّه ليس من المعقول أن لا تكون للمؤمن وظيفة في زمن الغَّيبة، وأن لا تكون عليه واجبات تجاه إمام زمانهg، ويمكن ذكر بعض هذه الوظائف والواجبات بشكلٍ سريع، وعلى شكل نقاط:

يُلزمنا إيمانُنا بأنَّ الإمامَ المهديَّl هو أحدُ الأئمَّة الاثني عشر وأنَّهg يختصُّ بكونِه إمام زماننا، أن نتعرَّف عليه، وعلى مقاماتِه، وعلى حقوقِه.

فعن محمَّد بن عثمان العمريS يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمَّد الحسن بن عليٍّh -وأنا عنده- عن الخبر الذي روي عن آبائهi: «أنَّ الأرضَ لا تخلو من حجَّةٍ لله على خلقِه إلى يوم القيامة، وأنَّ من مات ولم يعرف إمامَ زمانه مات ميتة جاهليَّة»، فقالg: «إنَّ هذا حقُّ كما أنَّ النَّهار حقٌّ»، فقيل له: يا ابن رسول الله فمن الحجَّة والإمام بعدك؟ فقال: «ابني محمَّد، هو الإمام والحجَّة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهليَّة، أما إنَّ له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقَّاتون، ثمَّ يخرج فكأنِّي أنظر إلى الأعلام البِيض تخفُقُ فوقَ رأسِه بنجفِ الكُوفة»[1].

ما دمنا نؤمن بالإمام الحجَّة وبوجوده الشَّريف ونقطع بصحَّة هذه العقيدة، ونعرف أنَّ ذلك مرتبطٌ بأصلِ الإمامة وهو الأصل الذي يختلُّ الدِّين بدونه، فمن الواجب إيصال هذه العقيدة بشكلِها الصَّحيح والعميق إلى النَّاس، خصوصاً الأقربين منهم.

فلا تكن همَّتُنا أقلَّ من همَّة أهل الباطل الذين يسعون ليل نهار لترويج باطلهم.

يحتاج المؤمنُ إلى معرفةِ الأهداف العامَّة للإمامة والرسالة الإلهيَّة، وإلى معرفة أهداف وغايات الإمام الحجَّةl حينما يظهر، والتي يجمعها عنوان «ملأ الأرض عدلاً وقسطاً»، فإنَّه لا يمكن أن يكون الإنسان مهدويَّاً حقيقيَّاً وكاملاً ويعمل ضمن المشروع المهدويِّ، ولكنَّه لا يعرف الأهداف العليا لصاحب هذا المشروع.

الإيمانُ الحقيقيُّ الذي يكون فيه المؤمنُ منصهراً مع إمامِ زمانِه ومع أهدافِه يقتضي التَّطبيق العمليِّ لهذه الأهداف بقدر المستطاع وفي جميع المجالات، والروايات تؤكِّد على مفردة (ملأ الأرض)، ففي البيت، والمسجد، والمدرسة، والحوزة، والسُّوق، والتجارة، والمجتمع، وفي كلِّ نواحي الحياة، ينبغي أن يكون عنصر العدل والقسط حاضراً، في عباداتنا، ومعاملاتنا، وسلوكيَّاتنا، وأخلاقنا..

يَعرف الإنسان المؤمن الغيور على دينه من خلال تجربته في الحياة أنَّ انتشار المعصية والفسق والفجور بين الناس مؤلم ومحزن، خصوصاً إذا كان يسعى للإصلاح ولم يفلح في ذلك، مع أنَّ مقدار ما يشاهده المؤمن خلال حياته القصيرة لا شيء في قبال كلِّ ما يقع على الأرض والواقع.

وحينها، ألا ينبغي أن يخطر في ذهننا حال إمام زمانناg، الذي يشاهد كلَّ ما يجري، وبتفاصيله؟!

ألا ينبغي أن نستشعر مقدار الألم، والحزن، والحسرة، والهمِّ والغمِّ الذي يعتصر قلبه المبارك؟! ولسان حاله حينئذ كما قال جدُّه عليٌّg: «ولكن أعينوني بورعٍ واجتهادٍ، وعفَّةٍ وسدادٍ»[2].

أفلا ينبغي، أن نخفِّف عنهg شيئاً من ذلك، بإدخال السُّرور على قلبِه، من خلال تمسكنا بالتديُّن، وبكثرةِ الطاعة، والورع، والعفَّة.. وأن نقلع عن المعصية حتى لا نكون شركاء في إدخال الألم على قلبهg؟! خصوصاً أنَّ أعمالنا تعرض عليه..

يقولl: «وأمَّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيَّبتها عن الأبصار السحابُ، وإنِّي لأمان لأهل الأرض كما أنَّ النجوم أمان لأهل السماء، فأغلقوا باب السؤال عمَّا لا يعنيكم، ولا تتكلَّفوا علمَ ما قد كُفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ ذلك فرجكم»[3].

فهوg يأمرنا بـ(كثرةِ الدُّعاء بتعجيل الفرج)، وهذا يقتضي كثرةُ ذكرهg، وكثرةُ ذكرِه تقتضي الشعور بوجودِه المبارك، والشعور بوجودِه يقتضي للّبيب الشعورَ بمراقبته‌g، والشُّعور الدَّائم بمراقبته يقتضي التربية على الطاعة، والابتعاد عن المعصية.. وهذه من الآثار المهمَّة لهذه العقيدة المهدويَّة الإلهيَّة..

أخيراً.. ننقل هذا المقطع من زيارتهg -والتي فيها شيء ممَّا مرَّ، وهو كثرة ذكرهg- ونتأمَّل في الغاية من السلام عليه وهو في هذه الحالات:

«السَّلام عليك حين تقوم، السَّلام عليك حين تقعد، السَّلام عليك حين تقرأ وتبيّن، السَّلام عليك حين تصلِّي وتقنت، السَّلام عليك حين تركع وتسجد، السَّلام عليك حين تعوذ وتسبِّح، السَّلام عليك حين تهلِّل وتكبِّر، السَّلام عليك حين تحمد وتستغفر، السَّلام عليك حين تمجِّد وتمدح، السَّلام عليك حين تمسي وتصبح، السَّلام عليك في الليل إذا يغشى، والنَّهار إذا تجلَّى، السَّلام عليك في الآخرة والأولى»[4].

رئيس التَّحرير


[1] كمال الدِّين وتمام النعمة، الصدوق، ص409.

[2] نهج البلاغة، ج3، ص70. 

[3] كمال الدِّين وتمام النعمة، ص485. 

[4] المزار الكبير، المشهديّ، ص٥٦٩.

 


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا