المهدويَّة ودور المؤمن في زمن الغيبة

المهدويَّة ودور المؤمن في زمن الغيبة

المقدِّمة

أعوذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم، بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، اللهمَّ صلِّ على محمَّد وآل محمَّد.

اللهمَّ كن لوليك الحجَّة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه الطَّاهرين، في هذه السَّاعة، وفي كلِّ ساعة ولياً وحافظا، وقائداً وناصرا، ودليلاً وعينا، حتَّى تسكنه أرضك طوعا، وتمتِّعه فيها طويلاً، برحمتك يا أرحم الرَّاحمين.

البحث حول فكرة المهدويَّة وشخص الإمام المهدي الممثِّل لمنصب المهدويَّة من الأبحاث المهمَّة والرَّئيسية التي انعكست في الرِّوايات الشَّريفة بشكلٍّ واضح فهي مسألة طرحت من عصر النَّبي الأعظمe، وليست هي مسألة وليدة زمان متأخِّرٍ، والنَّاظر في الرِّوايات الواردة عن أهل البيتi يرى ذلك الكمَّ الكبير من الرِّوايات التي تتعلَّق بمسألة المهدويَّة ومعالم النظرية المهدويَّة وزمان الغيبة الكبرى، ومن الواضح أنَّه كلَّما كثرت البيانات حول قضيَّة معيَّنة يكون في ذلك دلالةً واضحةً على أهميَّة المسألة وخطورتها، فالشَّخص إذا كان لديه مطلبٌ مهمٌ يريد أن يوصله إلى الطَّرف الآخر فمقتضى الطَّريقة العقلائية وحسب أهمية الموضوع أن تكثر البيانات حول هذه القضية، ومن هنا كلّ ما نرى من النُّصوص القرآنية أو الرِّوائية حول مفهوم معيَّن أدلةً ونصوصاً كثيرةً نستكشف من ذلك خطورة المطلب وأهميته.

ومن هنا قضية المهدويَّة من الأمور الخطيرة، ويكفي لإثبات ذلك النَّظر إلى بعض المجاميع الحديثيَّة التي كتبها علمائنا الأعلام وجمعوا فيها بعض النُّصوص المتعلِّقة بمسألة الإمام المهدي، وفكرة المهدوي والمهدويَّة، ولهذا هذه المسألة على مستوى الفكر الإنساني، وعلى مستوى الفكر الإسلامي، وعلى مستوى الفكر الإمامي بشكل أخص حظيت بطابعٍ مهم. 

ومن هنا حاولتُ اختيار هذه القضيَّة أو هذا المحور في التَّحدث عنه ولو بالمقدار اليسير خصوصا أنَّ المسألة المهدويَّة ترتبط -من خلال مسألة الإمامة- بولي نعمتنا الإمام(سلام الله عليه) الحاضر الغائب، فلا بدَّ من أن نقف بوقفات طويلة حول هذا الموضوع.

وينبغي للمؤمن أن لا يمرَّ حول هذه القضية مرور الكرام، بل لا بدَّ أن يستفرغ الوسع والطَّاقة في الانصهار حول هذه الفكرة، نظرياً، وعقائدياً، وسلوكياً، ومن هنا أحببت أن أتحدَّث حول قضية وظيفة المؤمن في زمان الغيبة الكبرى، فما هي وظيفتنا في زمان الغيبة الكبرى؟ 

ولكي تتَّضح معالمُ البحث سوف يكون في أربعِ نقاط.

النُّقطة الأولى: علاقة الابتلاء والتَّمحيص بالغيبة الكبرى

إنَّ النَّاظر للرِّوايات الشريفة يرى في كثيرٍ منها هذا المضمون، وهو مضمون مستفيض، بل أُدعي عليه التَّواتر أنَّ المجتمع الشِّيعي يمرُّ بمرحلةٍ خطيرةٍ، فإنَّه سيمر بمرحلة مفصليَّة، ومرحلة خطيرة، وهي مسألة التَّمحيص، ومسألة الاختبار والابتلاء في القضية المهدويَّة، قضيَّة الإمام المهديg، وستكثر الدَّعاوى، ورايات الضَّلال، ورايات الانحراف، في أدعاء المهدويَّة، وبعضهم سينكر الإمامg، وبعضهم يشكِّك، وهذه قضية ليست وليدة السَّاعة، بل هي قديمة موجودة من أوَّل زمانِ الغيبة، إلى زماننا. 

ولو نظرنا إلى التَّاريخ سنرى الشُّبهات والانحرافات الفكرية؛ إنكاراً أو ادِّعاءً، فقسم ينكرون، وقسم يدَّعون أنَّهم هم المهدي، أو هم نوَّاب المهدي وسفراء الإمام.

والأئمةi بيَّنوا أنَّ المجتمع الشِّيعي سيمرُّ بمرحلة خطيرة ومفصليَّة؛ يغربلون فيها، ويمتحنون، ولا يبقى على هذا الأمر إلا الأشخاص القليلون الذين أحكموا العلم، وتسلَّحوا بسلاح العلم، وقد نقل جمعٌ من علمائنا هذه الرِّوايات؛ منها كتاب الغيبة للنعماني، وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي، وكتاب إكمال الدِّين وإتمام النِّعمة للشَّيخ الصَّدوق. فحريٌّ بالإنسان المؤمن أن يختار كتاباً من هذه الكتب، ويقرأ هذه النُّصوص، ويطَّلع على مثل هذه القضايا. 

وسوف نذكر بعض هذه الروايات:

الرواية الأولى:

فمن الرِّوايات التي حذَّر الأئمةi فيها من مرحلة خطيرة حرجة يمر بها المجتمع الشيعي ما ورد عن أبي بصير عن أبي عبد اللهg: عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه قال : >مع القائمg من العرب شيء يسير<، فقيل له: إنَّ من يصف هذا الأمر منهم لكثير، قال: >لا بدَّ للنَّاس من أن يمحصوا ويميزوا ويغربلوا ، وسيخرج من الغربال خلق كثير<([2]).

فنرى هنا الاستغراب من قلة من سيكون مع الإمامx مع أنَّ المعتقدين بالإمامg كثيرون، وهذه القضيَّة في زمان الإمام الصَّادقg وقبل أن يولد الإمام صاحب الزَّمانg، وهذا يكشف عن وجود مرتكز لدى الشِّيعة بالقضية المهدوية، ممَّا يدلُّ أنَّ الأئمةq قد كثرت بياناتهم حول هذه القضية في زمان الإمام الصادقg، الإمامg أجاب بأنَّه لا بدَّ للنَّاس من أن يمحَّصوا، ويميَّزوا، ويغربلوا، ويخرج من الغربان خلقٌ كثير، وهذه طبيعة القضايا، فأنَّ الأشخاص يدعون ادعاءات كثيرة ليس فقط في القضية المهدويَّة بل في مجمل القضايا، فلا غرابة في حصول هذا الأمر بالنسبة إلى القضية المهدويَّة. كما فعلوا بالإمام الحسينg، وكما فعلوا مع الزهراءr، وكما فعلوا مع أمير المؤمنينg، بل وكما حصل للنَّبيK.

في وقت الرَّاحة والهدوء دعاوى النَّصرة كثيرة، ولكن إذا محِّصوا، وغربلوا، وامتحنوا، يتميَّز ما هو مجرَّد ظَّاهر ممَّا هو واقع، لا يبقى في الواقع إلا المقدار القليل، والقضيَّة المهدويَّة كسائر القضايا الحقَّة التي يدعي فيها أشخاص كثيرون أنَّهم سيقفون مع الحقِّ، ومع المعصومg، ولكنَّهم يسقطون في أقلِّ اختبار.

ولهذا ينبغي للإنسان المؤمن أن يأخذ تحذير الأئمةi ويحمله على محمل الجد، وأن يقفَ مع نفسه وقفة صادقة؛ حتى يكون موالياً حقيقيا للإمامl.

الرِّواية الثَّانية:

وفي رواية أخرى أوردها الشَّيخ الصَّدوقO في كمالِ الدِّين وتمام النِّعمة عن أبي عبد الله الصادقg قال: >كيف أنتم، إذا بقيتم بلا إمام هدىً ولا علم، يتبرأ بعضكم من بعض<([3]).

فكلُّ واحدٍ يدَّعي أنَّه هو على الحقِّ، وليس فقط يدِّعي أنَّه على الحقِّ بل يرتِّب أثرٌ على ذلك، وأنَّ الآخر على باطل، بل خطر على الدِّين! وبالتَّالي الآخر أتبرَّأ منه، حتى يصلَ الأمرُ إلى براءةِ المؤمن من أخيه المؤمن، وهذا كلُّه من تسويلات الشَّيطان.

>كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى ولا علم يتبرأ بعضكم من بعض، فعند ذلك تميزون وتمحصون وتغربلون<؛ إذن هذه الرِّواية أيضاً تدلُّ على أنَّ الشِّيعة يمرُّون بمرحلة خطيرة، وهي مرحلة الغربلة.

الرِّواية الثَّالثة:

وكذلك من الرِّوايات الدَّالة على ذلك ما ورد عن الصادقg، قال: 

>هيهات، هيهات!! لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم< يعني يقصد الإمام المهديl، يعني تنتظرونه، ومدُّ العين كناية عرفية عند العرب عن الانتظار.

والشرط الشَّديد، >حتى تغربلوا< يعني لا بدَّ من زمان غربلة، >لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تمحصوا، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تميزوا لا والله<، لا والله قَسَمٌ ونهيٌ واضحٌ، وهذا من الأساليب العربية التي تدلُّ على خطورة المطلب وعظم شأنه، >ما يكون ما تمدُّون إليه أعينكم إلا بعد إياس، ولا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد<([4]).

الرِّواية الرَّابعة:

ونقرأ رواية أخيرة تتعلَّق بمسألة الغربلة التي يمرُّ بها المجتمع الشيعي منذ زمان الغيبة إلى زماننا، وهي ما ورد عن أمير المؤمنينg كما ورد في غيبة النعماني([5]):

>والله، لأقتلن أنا وابناي هذان<، أمير المؤمنينg يقول: والله لأقتلن، أنا والحسن والحسين، >وليبعثنَّ الله رجلا من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا ، وليغيبن عنهم تمييزا لأهل الضلالة<، حتى الإنسان المؤمن الذي على حقٍّ يتميَّز عن من كان من أهل الضلالة >حتى يقول الجاهل: ما لله في آل محمد من حاجة<.

وهذه الرِّواية تشير إلى معنىً خطير، وهو أنَّ هناك بعضَ الأشخاص المدَّعين أيضاً للعلم، وهم بالحقيقة جهَّال وليس بعلماء، فإذا أتى صاحبُ العصر والزَّمانg يقولون: نحن لا نحتاج إليه، عندنا القرآن، فهوg الذي يقوله إمَّا موافقٌ للقرآن أو مخالفٌ للقرآن، إن كان موافقاً للقرآن، فالقرآن بين أيدينا، ونأخذ به فلا حاجة لنا به، وإن كان مخالفاً للقرآن، فإنَّه ما خالف كتاب الله فهو زخرف، ما خالف كتاب الله اضربوه عرض الجدار، فتكون فئة ورايات ينكرون أصل الحاجة إلى الإمام(سلام الله عليه)، كما هناك فئة أنكرت النُّبوة تسمَّى البراهمة في العقائد قالوا: إنَّنا لا نحتاج إلى الأنبياء؛ لأنَّ الذي يأتي به النَّبي إمَّا أن يوافق عقولنا أو لا يوافق عقولنا، فإن وافق عقولنا عندنا العقل فنأخذ به، وإن لم يوافق عقولنا كيف نصدِّق ما لا يوافق عقولنا([6]).

فقالوا: إذن نحن لا نحتاج إلى الأنبياء، فأنكروا النُّبوة، وإنكار نبوة الأنبياء يمتدُّ إلى إنكار صاحب العصر والزَّمانg، فيقولون ليس لنا في آل محمد من حاجة، وهذا يكشف عن عظم المشكلة، وأنَّهم يحاجُّون الإمام بالقرآن، كما ورد في بعض الرِّوايات.

ضرورة التحصين العقائدي:

 ومن الطبيعي إذا لم يكن الإنسان محصناً بالسِّلاح الفكري، وبالسِّلاح العقائدي فإنَّه سينحرف، ويضلُّ، وتمضي عليه مثل هذه الدعاوى وهذه الشُّبهات.

ولهذا فالتَّحصين العقائدي مسألة جداً مهمَّة، وإلا سيقع الإنسان في مثل هذه الزَّلات، التَّحصين العقائدي لفكرة المهدويَّة مسألة خطيرة، ومسألةٌ حذَّر منها الأئمةi، وزمان الضَّلال والانحرافات ليس زماناً معيناً، وفي التاريخ الفلاني، كلا، بل هذه ظاهرة تحصل من زمان الغيبة إلى أن يأذن الله)  في ظهور القائمl، فكلٌ منَّا مبتلىً بهذه المسألة.

وقد رأينا بعض النَّاس ممَّن ينظِّرون لمسألة المهدويَّة لسنوات، ولديهم محاضرات، ويشاركون في بعض المحافل العبادية، ودعاء النُّدبة، ولكنهم انحرفوا في مسألة إمامة المهديg؟! والسبب بعض الشُّبهات، أو بعض المفاتن الدُّنيوية، فانحرفوا، وزلُّوا، وهذا أكبر اتِّعاظ، فإذا كان هؤلاء يميزون ويغربلون حتى ينحرفوا، إمَّا انحراف لأجل شبهة، أو انحراف لأجل الدُّنيا، فالكلُّ معرَّضٌ لمثل هذا الانحراف.

العلة والحكمة من غيبة الإمامl

وهنا سؤال: ونحن ما زلنا في النُّقطة الأولى: قلتم إنَّ الغيبة، وأنَّ المجتمع الشيعي يمرُّ بمرحلة التَّمحيص والابتلاء والاختبار، فهل هذا يعني أنَّ العِّلة في مسألة غيبة الإمام التَّمحيص والاختبار والابتلاء، هل هذه علَّة الغيبة؛ بمعنى أنَّه لو لم يوجد هناك تمحيص وابتلاء واختبار إذن لا توجد عندنا غيبة للإمام، وإلا لم يشأ الله) أن تتحقَّق الغيبة؟ فهل العلِّة في الغيبة هي التَّمحيص أو لا؟ وكثير ما يسأل ما هي علة الغيبة لماذا الإمام سلام الله عليه غاب غيبة كبرى لماذا الله سبحانه وتعالى كتب في هذه الدنيا أن الإمام يغيب ما علة ذلك؟ وتأتي الأجوبة علة كذا وكذا..

والمراجع للنُّصوص الشريفة سيتكشف أنَّ هناك فرقاً بين العلَّة، وبين الحكمة، فرق بين العلَّة وبين الهدف، توضيح ذلك: 

عندنا مصطلحات، فعندنا مصطلح العلَّة وعندنا مصطلح الحكمة والأدب، عندما يقال: هذا الشَّيء علَّة، فمعناه أنَّه لولاه لما تحقق أصلا الطَّرف الآخر؛ فمثلا يقال العلة في حصول الإحراق هو النَّار؛ بمعنى أنَّه لولا النَّار لما حصل الإحراق فالعلة هي ما به يتحقَّق المعلول، وينتفي المعلول بانتفائه.

ولدينا حكمة، وهدف، لدينا غرض وغاية، وهذا الهدف ليس يدور الشَّيء مداره وجودا وعدما، إذا وجد وجد وإذا انعدم انعدم، كلا، مثلا ما هي حكمة الزَّواج؟ يقال حكمة استحباب النكاح، تكثير النَّسل، وليس معنى ذلك أنَّ العلَّة في استحباب النِّكاح تكثير النَّسل، لو كان علة يعني لو واحد فرضنا أنَّه لا ينجب يعني لا يستحب له النكاح؟! لا، النَّكاح مستحب، ولكنَّه إحدى الحكم إحدى الأهداف لاستحباب النِّكاح تكثير النَّسل، وتكوين المجتمع الإيماني، ولكن ليس هو العلَّة لاستحباب النَّكاح، فلو فرضنا أنَّ الشَّخص لا ينجب، فليس معنى ذلك أنَّه لا يستحب له النَّكاح، فعندنا علَّة للشَّيء وعندنا حكمة وهدف للشَّيء.

الرِّوايات بيَّنت بأنَّ الغيبة علَّتها غير معلوم، وإنَّما العلَّة سرٌ من الأسرار التي لم يكشف لنا ما هي، والتي بها لولاها لما تحقَّقت الغيبة، نعم، ورد في بعض الرِّوايات بيان الحكمة، وبيان الأهداف، فمن أهداف الغيبة الابتلاء، ومن أهداف الغيبة التَّكامل، ومن أهداف الغيبة وصول النَّاس إلى مستوى من التَّكامل.

فعلة الغيبة لا تعلم إلا عن طريق تعليم النَّبيe أو الإمام أو الله، فإذا قال الله)  هذه هي العلة فنعرف ذلك، ولكنَّ الرِّوايات ذكرت أنَّ العلَّة للغيبة غير معلومة، وهذا السُّؤال سألوه الأئمةi، فعن أحد أصحاب الإمام الصادقg عن الإمام الصادقg قال: >إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة لا بدَّ منها يرتاب فيها كل مبطل<، فقلت: ولمَ جعلت فداك؟ -لماذا الغيبة؟ سأل عن العلة- قال: >ذلك لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم<([7])، يعني العلَّة الأساسية التي لأجلها حصلت الغيبة بنحو لولاها لما حصلت الغيبة لم يكشف لنا ذلك.

خلاصة النقطة الأولى

إذن، قلنا بأنَّه لكي يتَّضح دور المؤمن في زمان الغيبة الكبرى نحتاج إلى توضيح أربع نقاط، النُّقطة الأولى بيَّناها وكان خلاصتها، أنَّ الرِّوايات الكثيرة المستفيضة، بل ادعي عليها التَّواتر تكشف على أنَّ المجتمع الشِّيعي سيمرُّ منذ الغيبة إلى زماننا وبعد زماننا بمرحلة تمحيص، ومرحلة ابتلاء واختبار، يغربل فيها النَّاس، ويميَّزوا، فيتميَّز المؤمن الواقعي الذي هو صاحب بصيرة، عن المؤمن غير الواقعي، ولا يبقى في هذا الأمر إلا أشخاص قليلون، وذكرنا أنَّ هذا التَّمحيص هو من أحد الحِكَم للغيبة.

النقطة الثانية: الامتحان الذي يمتحن به المؤمن زمن الغيبة

بعد اتضاح ذلك ينبغي أن يطرح هذا السُّؤال، وهو: ما هو نوع هذا الاختبار والامتحان؟ ما هي حقيقة هذا الاختبار وماهيته؟ فإنَّ طبيعة الإنسان إذا سمع أنَّه سيختبر وسيمتحن، يسأل ما هو نوع الاختبار؟ حتى يكون على حذر، وحتى يكون على استعداد.

الرِّوايات الشَّريفة بيَّنت لنا طبيعة هذا الاختبار، وطبيعة هذا الامتحان، وهناك جانبان في هذا الامتحان؛ جانب عملي، وجانب نظري، مثل اختبارات المدرسة في المواد العلمية كيمياء، فيزياء، اختبارات نظرية، واختبارات عملية، فلدينا تمحيص واختبار وابتلاء سلوكي، ابتلاء عملي، ولدينا اختبار نظري؛ لأنَّ الإنسان فيه جنبتان، جنبة العمل والفعل الجوارحي، وجنبة الاعتقاد والقلب والعلم والفعل الجوانحي، فيمتحن الإنسان بلحاظ الجانب العملي تارة، وتارة أخرى بلحاظ الجانب الاعتقادي والبصيرة والوعي.

الاختبار في الجانب السُّلوكي والعملي

فنتكلَّم أولاً عن الاختبار والتَّمحيص السُّلوكي العملي، كلُّ مؤمنٍ يمتحن بامتحانات تتعلَّق بجانب الغرائز؛ غريزة الشَّهوة، غريزة الغضب، فيختبر في مواطن الطَّاعة والمعصية، فهل يثبت على الموقف؟ هل يثبت على الطَّاعة؟ فنفسه تنازعه، والشَّيطان يدعوه، والقوى الشَّهوية والغضبية تدعوه لأن يتَّبع خطوات الشَّيطان، لأنْ يسقط في الاختبار، كلُّ مسألة عملية يمرُّ بها الإنسان، فهذا مظهرٌ من مظاهر الاختبارات العملية.

وكلُّ شخصٍ يختبر فيما هو مواطن الضَّعف فيه، فشخص موطن الضَّعف فيه حبُّ المال فيختبر ويمحَّص في المال، فإذا مثلا عمل وواجهته معاملة فيها محرَّمات فيختبر، هل أنَّه يقف مع الشَّيطان؟ هل أنَّه يمارس الرِّبا؟ هل يتغلَّب على قواه الشَّهوية والجشع والمال؟ فهذا امتحان في زمان الغيبة، وهو امتحان عملي، وصاحب الزمان(سلام الله عليه) مطَّلع على سلوك الإنسان، وأعماله حاضرة، ويرى أنَّ هذا الذي يدَّعي أنَّه موالٍ، وأنَّه شيعي، وأنَّه مجدِّدٌ للبيعة كلَّ يوم، هل يثبت في هذا الموقف أو لا يثبت؟ فهذا سنخٌ ومظهرٌ من مظاهر التَّمحيص العملي، هذا في المال.

وقد يختبر الإنسان في مسألة القوى الشَّهوية، في مسألة -والعياذ بالله- النَّظر إلى محارم النَّاس، النَّظر إلى الأجنبية، تنازعه نفسه، ويقول له الشَّيطان: انظر إلى المرأة فقط هذه المرَّة، الشَّيطان مكَّار، لا يقول لك أنت كلَّ يوم أفعل معصية، بل فقط هذه المرَّة، وبعد ذلك تب إلى الله، طبيعة مكر الشَّيطان، الشَّيطان يستدرج الإنسان، وهو من الشَّخصيات الماكرة؛ حيث يستدرج الإنسان، فيقول له أفعل المعصية الآن، وتب في الليل، وهكذا يستدرك الإنسان شيئاً فشيئاً، فهذا اختبار وتمحيص عملي للإنسان في زمان الغيبة، فهل يقف على الموقف الصَّحيح أو لا؟ وهكذا في صلة الرَّحم، في العلاقات الاجتماعية، في علاقة الأب مع أولاده، وفي علاقة الولد مع آبائه، كلُّ ما يتعلَّق بدائرة السُّلوك العملي.

والمؤمن لا بدَّ أن يستشعر أنَّه يعيش صراعاً بين الحقِّ والباطل، صراعاً بين رضا الله ورضا الشَّيطان، فهل يثبت في الموقف أو لا؟ 

وقد وردت عدَّة روايات أنَّ الاختبارات في زمان الغيبة اختبارات ليست سهلة.

انقل لكم رواية تبيِّن كيفية وصعوبة التَّمحيص والاختبار والابتلاء السُّلوكي الذي يمرُّ به المؤمن في زمان الغيبة، هذه الرِّواية وردت في الكافي الشَّريف عن مولانا الإمام الصَّادقg، قال: >إنَّ من انتظر أمرنا، وصبر على ما يرى من الأذى والخوف<، هذا اختبار الإنسان يمتحن يخوف ويؤذى هل يصبر ويثبت على الموقف أو لا؟ >فهو غداً في زمرتنا، فإذا رأيت الحقَّ قد مات وذهب أهلُه، ورأيتَ القمار قد ظهر حتى تملأ الأرض جورا وفسادا، ورأيت القمار قد ظهر، ورأيت الشراب يباع ظاهرا ليس له مانع، ورأيت النساء يبذلن أنفسهن لأهل الكفر، ورأيت الملاهي قد ظهرت يمرُّ بها لا يمنعها أحد، ولا يجترأ أحدٌ على منعها، ورأيتَ سفك الدِّماء يستخفُّ بها، ورأيت النَّاس قد استووا في ترك الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وترك التدين به فكن على حذر<. 

الإمامُg ينبِّه الإنسان المؤمن، فهذه كلُّها ابتلاءات وتمحيصات عملية سلوكية يمرُّ بها الإنسان، >فكن على حذرٍ، واطلب إلى الله! النَّجاة، وأعلم أنَّ النَّاس في سخط الله! وإنَّما يمهلهم لأمر يراد بهم، فكن مترقِّباً، واجتهد ليراك الله! في خلاف ما هم عليه<([8]).

يعني وظيفة المؤمن الثَّبات على الموقف، كثير من الأشخاص ينساقون ويذوبون في المعاصي، فينبغي أن يجعل له خطوطاً حمراء، الغيبة خطٌّ أحمر، سماع الغيبة خط أحمر، أنا لا أسمع الغيبة ولا أسمع الغناء، وإلا شيئاً فشيئاً إذا تهاون الإنسان وعاش حالة اللامبالاة، وسقط في الامتحان الأوَّل، والامتحان الثَّاني في مقام الاختبارات العملية، فإنَّه تذوب وينصهر لديه حالة الرَّادع النَّفسي، والنَّفس اللوامة تضعف إلى أن ينساق ويكون من أهل المعاصي.

والرِّواية تقول: فليكن الإنسان على حذر؛ لأنَّ هذه اختبارات صحيح صعبة، ولكن فلتجتهد ليراك الله! في خلاف ما هم عليه، إذن هذه الرِّواية وأمثالها كثير تتحدَّث عن عملية اختبارات عملية، وتبيِّن أنَّ النَّاس سيتعرَّضون إلى مفاتن، وإلى اختبارات في الغرائز، ولا بدَّ من الثَّبات، ولا بدَّ من التَّسلح بالسِّلاح الذي يقوى الإنسان من خلاله على الثَّبات في الموقف، إذن هذا الاختبار من النَّوع الأوَّل.

ومن هنا ينبغي أن نعلمَ أنَّ وظيفة الإنسان في هذا الاختبار هو نصرة إمام زمانه، وقد ورد عندنا في الأدعية الكثيرة، وفي الزِّيارات، ومنها زيارة مولانا الإمام صاحب العصر والزَّمانg في زيارة آل ياسين تقول للإمام: >ونصرتي لكم معدَّة<، وهذا يعني أنَّ نصرة الإمام(سلام الله عليه) لا تقتصر على زمان ظهوره(سلام الله عليه)، بل نحن الآن مطالبين بنصرته، فكثيرٌ منَّا قد يتوهَّم أنَّ نصرةَ الإمام(سلام الله عليه) تقتصر على أشخاص سيأتون بعد عمر، وبعد مدة، بعد أن يأذن الله ويظهر الإمام(سلام الله عليه)، وهذا مفهوم خاطئ في الروايات، مفهوم خاطئ في الأدعية. 

المؤمن لا بدَّ أن يكون ناصراً لإمام زمانه(سلام الله عليه) في هذا الوقت، وفي الوقت السَّابق في زمان الغيبة الكبرى، ولا تتوَّقف النُّصرة على زمان الحضور والقتال تحت لواءه، وفي دولته، بل المؤمن الآن مطالب بالثَّبات على المواقف، وبالفوز في الاختبارات والتمحيصات بين الحقِّ والباطل بامتناعه عن فعل المحرَّمات، بعدم النَّظر إلى الأجنبية، وبصلة الرَّحم، وبغيرها من أفعاله السُّلوكية، وهذه نصرةٌ ما بعدها نصرة، هذه نصرة عملية، تكون في محلِّ رضا صاحب العصر والزَّمانg، و>ونصرتي لكم معدة< لا بدَّ أن يتجسد ذلك في واقع الإنسان المؤمن وأفعاله،   وليس فقط لقلقة لسان. 

وحينما يختبر الإنسان في اختبار عملي فيتبع الشَّيطان؟ ويتبع أعداء الإمام؟ فكيف تكون >نصرتي لكم معدة؟<، هذه ليس نصرة للإمام، بل هذا قتلٌّ للإمام، وإدخال للأذى على قلب الإمام(سلام الله عليه)! 

وقد ورد في الرِّواية أنَّه تعرضُ الأعمال على الإمام(سلام الله عليه) كلَّ يوم خميس ويوم اثنين فإذا رأى معصية ساءه ذلك، وإذا رأى طاعة فرح الإمام(سلام الله عليه)([9])، فإذا كان في صحيفة عمل المؤمن أشياء سيئة فإنَّهg ويتأذَّى، يستحي الإمام أمام ربه فيكون الإنسان سبباً في إدخال الأذى على قلب صاحب العصر والزَّمان، وإدخال الأذى على المؤمن كبيرة من الكبائر المحرمة، فكيف بإدخال الأذى على قلب الإمام المفترض الطَّاعة؟! فالمسألة خطيرة.

ولا بدَّ أن يستشعر المؤمن في كلِّ مرحلة، وفي كلِّ اختبار، بحيث يستحضر حين الاختبار بين الحقِّ والباطل هذا المعنى وهو أني أُرضي بعملي هذا صاحب الزمانg أو أدخل الأذى على قلبه المبارك؟! 

الاختبار في الجانب العقائدي

هذا في الجانب السُّلوكي والعملي، وأمَّا التَّمحيص في التَّمحيص العقائدي وهو أصعب من التَّمحيص الأوَّل، فهو التَّمحيص في المعرفة، والتَّمحيص في الوعي وفي البصيرة؛ حيث إنَّ الإنسان قد يثبت على الموقف ولكن بسبب شبهة من الشُّبهات، وإشكالية من الإشكاليات ينحرف عن طريق الحقِّ إلى طريق الباطل.

ومن الواضح أنَّه من زمان ولادة الإمام(سلام الله عليه) إلى زماننا وبعد زماننا، فإنَّ الفتن الفكريَّة، والفتن العقائدية لا تنتهي، بعضهم يقول: لم يولد، بعضهم يقول: ولد ومات، وبعضهم يدَّعي أنَّه سفير للإمام! أي السَّفارة والاتِّصال بالإمامg وهي دعوى النِّيابة الخاصَّة، وأنَّه يعطيهم الأوامر والنواهي. والمؤمن الذي ليس عنده وعي عقائدي، وليست عنده معرفة صحيحة، ولا بصيرة ينساق أمام هذه الأفكار المنحرفة، وينساق أمام هذه الرِّايات الضَّالة، وينساق أمام هذه الإشكالات والاشتباهات.

وكثير من التَّيارات من زمان النَّبيe إلى زماننا وبعد زماننا تنشأ من شبهات فكريَّة، ومن شبهات عقائدية، ومن تدليسات، والنَّاس تنساق وراء ذلك، مع أنَّ هذه المسألة العقائدية مسألة خطيرة يدور الأمر فيها بين حقٍّ وباطلٍ، بين جنَّة ونار، وهي مسألة ترجع إلى أصل الإمامة، وللأسف قد يقف الإنسان المؤمن من هذه المسألة موقف اللامبالاة، مع أنَّه هناك اختبارات صعبة، فقد يبتلي الشَّخص من حيث لا يعلم.

وقد يبتلي ولدُه إذا لم يستطع أن يؤثِّر عليه، فإنَّ الولد قد ينساق أيضاً، والآباء قد يؤثِّرون على أولادهم أكثر من تأثير غير الآباء والأمهات على أولادهم، فتحصين الإنسان علمياً وفي الوعي والبصيرة يشمل حصانة الإنسان نفسه، وحصانة مجتمعه، وحصانة أولاده، وحصانة أقربائه، وحصانة زوجته من الانحرافات الفكريَّة.

وهذا الاختبار والتَّمحيص كشفت عنه الرِّوايات، وقد حذَّر الأئمةi من هذه الفتنة وهي فتنة الحيرة، الحيرة يعني مسألة عقائدية وليس عملية، المسألة العملية كثيرا ما تكون واضحة؛ هذا حرام وهذا حلال، وإذا لم يتضح ذلك يرجع الإنسان إلى الفقيه فيحدِّد له الحلال والحرام، وأمَّا مسألة العقائد لا تذهب للتقليد، ولا للفقيه، وإن كان العالم الثقة ينفع في الإرشاد والتوجيه والتوضيح، ولكن على الإنسان الذي يعيش حالة من الحيرة والشك معالجة حالته النفسية.

وأنقل لكم بعض الرِّوايات التي تشير إلى التَّمحيص الفكري والذي -كما قلنا- هو أخطر وأشد.

منها: ما ورد عن الإمام أمير المؤمنينg -وهذا يعني أنَّه في زمان أمير المؤمنينg كان يحذِّر من هذه القضية الخطيرة- أنه قال: >الحادي عشر من ولدي ـصاحب العصر والزَّمانlـ هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً يكون له غيبة وحيرة<، غيبة تجتمع مع الحيرة، والحيرة مرتبطة بمسألة العقيدة ومسألة البصيرة، >يضل فيها أقوام، ويهتدي فيها آخرون<، يخبر أمير المؤمنين العالم، وعلمهg من علم النبيe بأنَّه يضلُّ فيها أقوام، والأقوام جمع فليس قوم فقط، وهذه الأقوام يعني زرافات كثيرة يحصل عندهم ضلال، والضلال أيضاً مستويات؛ ضلال إنكار، بأن ينكر الإمام، وضلال بأن ينكر مقام الإمام، فيقول أنا أعتقد بالإمام ولكنَّ الإمام شخص عادي، فالقول بأنَّه لولاه الحجة لساخت الأرض بأهلها كلام فيه غلو! فهذا نحو من الضلال بأن ننكر عصمة الإمام ونعتقد بأنَّه بشر عادي، أنه ليس له أثر في هذه الدنيا، وربمَّا الكثير منَّا قد تحدثه نفسه بذلك وإن لم يصرِّح باللسان. 

قد يعيش الإنسان حال من الضيق، والمحنة، فيقول: أين الإمام؟ لا أجد له أثر! أين الإمام والشيعة يقتلون، فهذا أيضا مستوى معيَّن من الانحراف والضَّلال الفكري والعقدي. ولو كانت عقيدة الشَّخص ووعيه شديدين لما حدَّث نفسه بهذه الأحاديث. 

وأقرأ لكم رواية عن الإمام الصَّادقg قال: >أما واللهِ، ليغيبنَّ إمامكم سنين من دهركم، ولتمحصن حتى يقال: مات<، بعض الأشخاص كانوا معنا يدرسون، ولكن بسبب كثرة الابتلاءات والتمحيص فإنَّهم شيئاً فشيئاً أنكروا صاحب العصر والزَّمانl، فالمسألة ليست سهلة، بل يحتاج الإنسان فيها إلى الثَّبات، يحتاج إلى الدعاء بإخلاص للثبات على الموقف.

>حتى يقال: مات، قتل هلك، بأي وادٍ سلك، ولتدمعنَّ عليه عيونُ المؤمنين، فلا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيَّده بروح منه، ولترفعنَّ اثنتا عشرة راية مشتبهة<، اثنا عشرة دعوة مشتبهة تدخل النَّاس في الاشتباه، >لا يدري أي من أي<، قال(الرواي): فبكيت، ثم قلت: فكيف نصنع؟ قال: فنظر إلى شمس داخلة في الصفة، (يعني نور يدخل من فتحة صغيرة من النافذة)، فقال: >يا أبا عبد الله، ترى هذه الشمس؟<، قلت: نعم، قال: >والله لأمرنا أبين من هذه الشَّمس<([10])، فبعد عملية التَّمحيص يصل الإنسان إلى الحقيقة بوضوح، ولا يقع في اشتباه بعد التَّمحيص والنَّجاة في الاختبار.

وهناك وصية من الإمام الصادقg لشيعته، ماذا يفعلون في هذه الاختبارات في زمان الغيبة؟ وهي عن زرارة وهي معتبرة السند، جاء في ضمنها: >فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة<، قال(زرارة): قلت: جعلت فداك، إن أدركتُ ذلك الزَّمان أيّ شيء أعمل؟ فقال: >يا زرارة، إذا أدركت هذا الزَّمان فادعوا بهذا الدعاء< وكان أساتذتنا يصرون دائماً وينصحوننا بالمواظبة على هذا الدعاء، وقراءته بحضور قلب، >اللهمَّ عرَّفني نفسك، فإنَّك إن لم تعرِّفني نفسك لم أعرف نبيَّك، اللهمَّ عرِّفني رسولك فإنَّك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجَّتك، اللهمَّ عرَّفني حجَّتك، فإنَّك إن لم تعرِّفني حجَّتك ضللت عن ديني<([11]).

النُّقطة الثَّالثة: عموميَّة التَّمحيص والغاية منه

وهنا سؤالان يطرحان:

السُّؤال الأوَّل: إنَّ عملية الاختبار وعملية الامتحان والغربلة والتَّمحيص هل هي مسألة مختصَّة بمن يعتقد بهذه العقيدة أو هي مسألة عامَّة تمرُّ على الإنسان المؤمن في كلِّ اعتقاد؟ فهل هذه القضية من مختصات الاعتقاد بالمهدويَّة أو مسألة مطرِّدة سيَّالة؟

والسُّؤال الثَّاني: ما هو الغرض من هذا الاختبار والامتحان والغربلة؟ فهل الله سبحانه وتعالى لديه -والعياذ بالله- عداوة بيننا وبينه لكي يبتلينا، ولكي يختبرنا ويمحصنا؟ أو أنَّ المسألة لها أبعاد عميقة أبعد ممَّا يتصوَّره الذِّهن الأولي والسَّاذج؟ 

أمَّا بالنِّسبة إلى السُّؤال الأوَّل فنقول:

إنَّ مسألة الاختبار والابتلاء من السُّنن الكونيَّة، فهناك مجموعةٌ من القضايا والأمور يعبَّر عنها بالسُّنن الكونية العامَّة، التي لا تختصُّ بزمان معيَّن، أو بمكان معيَّن، لا تختلف، ولا تتخلَّف، فتسمَّى هذه الأمور بالسُّنة الكونية المطَّردة، ومنها مسألة الابتلاء مسألة الاختبار، وهذه القضية لها بعد عقلائي، ولها بعد نقلي. 

أمَّا البعد العقلائي: 

فإنَّ كلَّ مجتمع عقلائي، وكل إنسان لديه مدركات عقلائية إذا كان لديه مشروعٌ خطيرٌ وعملٌ خطيرٌ فإنَّه لا يعطي هذا المشروع لأشخاص قبل أن يختبرهم، وقبل أن يمتحنهم؛ لكي يرى أنَّهم يمتلكون الصَّلاحية للتَّأهُّل إلى هذا الموقع أو ليس لهم تلك الصَّلاحية. 

فصاحب الشِّركة إذا كان عنده مشروع معيَّن، فإنَّه لا يقبل كلَّ شخصٍ يدَّعي أنَّه قادر على إدارة المشروع، بل لا بدَّ أن يدخله في اختبارات وامتحانات ليرى هل أنَّ له القدرة الحقيقية أو لا؟ ويرى أين موقعه المناسب، وتسمَّى في اصطلاحنا المعاصر اختبار القدرات، فإنَّ العقلاء يمارسون في حياتهم الاجتماعية هذا الاختبار والتَّمحيص، فالشَّخص مثلاً قبل أن يدخل الجامعة، وقبل أن يدخل في الوظيفة، وقبل أن يدخل في المؤسَّسة يخضع لمثل هذا الاختبار. 

فليس من العقلائي أن يجعل الشَّخص يتصدَّى إلى إدارة هذه الأمور دون أن يخضعه لعملية اختبارات متعدِّدة! ليرى هل يصلح أن يكون مديرا؟ أو أن يكون مسؤولا؟ أو أن يكون في التَّعليم؟ 

فالاختبار والابتلاء والامتحان مسألة عقلائية يمارسها العقلاء في حياتهم الاجتماعية، وكلَّما كان الدَّور أخطر وأصعب وله آثار آكد وآثار أشدّ كانت الاختبارات بطبيعة الحال أصعب، حتى يغربل ويتميَّز من له الأهلية، وهذا يعني أنَّ مسألة الاختبار والابتلاء ليست مسألة مختصَّة بالله) ليختبر العباد، وليميِّز الخبيث فيهم من الطيب، فهذه القضيَّة قضيَّة مطَّردة وسيَّالة بلحاظ بعدها العقلائي.

البعد النَّقلي:

 وأمَّا إذا جئنا إلى النُّصوص التي أكَّدت على مسألة الابتلاء فإنَّه يتَّضح من الشَّواهد القرآنية، ومن الرِّوايات الشَّريفة بشكلٍ لا ريب فيه أنَّ كلَّ مجتمعٍ، وكلَّ صاحب دعوى، لا بدَّ أن يمرَّ بالاختبار لكي يتميَّز، هل أنَّ كلامه صوري لا واقع له، أو أنَّ كلامه صادق ومطابق للواقع؟ 

قال تعالى في سورة العنكبوت: {بسم الله الرحمن الرحيم، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}(العنكبوت:2-3)، فالآية الشَّريفة تقرِّر مطلباً عاماً؛ وهو أنَّ كلَّ قوم يدَّعون الإيمان بأن يقولَوا آمنَّا، وحذف متعلق قولهم {آمنا} يدل على العموم كما يقول أهل البلاغة، فسواء كان الإيمان بنبي أو وصي أو بيوم القيامة أو بأي شيء آخر فإنَّه لا بدَّ من الامتحان والاختبار.

مثلا، يقول أنا آمنت بالله وأنَّ الله) بيده الأشياء، فيختبر اختباراً عملياً؛ فينظر أنَّه إذا أصابته مشكلةٌ ما فإنَّه يطرق باب من؟ فأوَّل باب يطرقه هو الدليل على صدق الإيمان أو كذبه، فلو طرق باب الناس أولاً، فلان سيحل مشكلتي، المسؤول سيحلُّ مشكلتي، ذلك الذي بيده القدرة سيحل مشكلتي، فهذا سقوطٌ في الاختبار، فقولنا إنَّ الله لا شريك له في أفعاله، وأنَّ كلَّ ما في الكون خاضعٌ تحتَ إرادتِه، نتلوها في الآيات القرآنية، كثيراً ما نقول {إياك نعبد وإياك نستعين} في كلِّ يوم في الصلاة، ولكن ذلك مجرَّد لقلقة لسان، لا واقع عملي لها، فهذا اختبار عملي للإنسان، إذا أصابته المشكلة كأنَّه ينسى الله) ويتَّجه إلى أنَّ مشاكلَه كلَّها بيدِ المخلوقين، وبيدهم حلُّ هذه الأمور، فهنا يتبين الإيمان الصادق القوي من غيره {فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}.

الإنسان في حال الرَّخاء كثيراً ما يدَّعي دعاوى كبيرة، لكن إذا دخل في مضمار العمل ومضمار الاختبار >قلَّ الدَّيانون<، >الدَّين لعقٌ على ألسنتهم يديرونه حيث دارت معائشهم، فإذا محِّصوا بالبلاء قلَّ الدَّيانون.

إذن، هذه الآية تؤكِّد على أنَّ مسألة الابتلاء والتَّمحيص مسألة عامَّة، ليس فقط في العقيدة المهدويَّة، بل في كلِّ إيمان واعتقاد بحق، لكي يتميَّز الصَّادق من الكاذب، فيختبر ويغربل ويمتحن، ومن هنا تكون هذه المسألة من السُّنن الكونية. إذن لا يستغرب الإنسان إذا قرأ الرِّوايات التي مرَّت علينا سابقاً في أنَّ زمان الغيبة الكبرى زمان حيرة واختبار وابتلاء.

الغاية من هذا الاختبار

أمَّا السُّؤال الثَّاني عن الغاية من هذا الاختبار؟ 

فيمكن القول بأنَّ هناك عدَّة أغراض، ولكنَّنا سنركِّز في المقام على غرضٍ جوهريٍ ومهمٍّ ركزَّت عليه النُّصوص الشَّريفة، وهو أيضاً من الأمور العقلائية، وهو غرض تأهيل الشَّخص للموقع المناسب.

توضيح ذلك: إنَّ مسألة الإمام المهديx كما ذكرنا سابقاً، تقتضي بأن الشَّخص لا بدَّ أن تكون له مؤهَّلات وكمالات وقدرات معيَّنة، لكي يكون متأهلا للرقي بهذا الموقع؛ وهو أن يكون من أنصار الإمام صاحب العصر والزمانg، فإنَّ هذا الموقع موقع خطير حيث يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، فهو موقعٌ يحتاج إلى كمالات كثيرة، وطبيعة هذا الموقع لخطورته لأهميته لعظمه يقتضي أن الإنسان يمرَّ بابتلاءات واختبارات وتمحيصات ليُرى من هو الذي يكون له اللياقة والأهليَّة للوصول إلى هذا الموقع، ولهذا نرى في قصَّة النَّبي إبراهيم(على نبينا وعليه أفضل الصلاة والتسليم)، لمَّا وصل إلى مستوى النُّبوة، ووصل إلى مستوى الخلَّة (أي صار خليل الله)، فهذا منصب كبير، ولكن مع ذلك اقتضى لكي يصل إلى مقام آخر وهو مقام الإمامة أن يعيش مجموعة من الابتلاءات ليصل إلى مقام أسمى وأرقى وهو مقام الإمامة فالله) يقول: {وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلمات}، فهذه الكلمات كانت اختبارات، فمع كونهg قد وصل على مقام النبوة والخلة‘ إلا أنه احتاج إلى اختبار حتى يصل ويتأهل إلى مقام الإمامة! 

وإذا جئنا إلى مسألة أنصار الإمام(سلام الله عليه) ورأينا المقامات التي جعلت حينئذ نعرف بوضوح ضرورة الاختبارات والامتحانات للوصول إلى ذاك المقام الخاص، فهناك مقامات وكمالات يحتاج الإنسان ليكتسبها أن يمرَّ بابتلاءات وغربلة، وهذه الابتلاءات ليس من باب أنَّ الله -والعياذ بالله- لديه مشكلة مع شخصٍ يريد أن يبليه، كلا، إنما هي ابتلاءات لأجل تكامل نفس الشَّخص، فالأستاذ -مثلاً- إذا كان مع تلميذٍ يقول له: أجب عن هذه الواجبات، ويعطيه عشرة أسئلة، فهذا ليس امتحاناً لأجل وجود عداوة بينه وبين التَّلميذ، وإنَّما هو لغرض مصلحة التَّلميذ نفسه، وهو تكامله وسمُّوه، وتقوية مداركه، وكذا الشَّخص إذا دخل العملية الجراحية يقال له بعد العملية الجراحية: قم تمشَّى، والمشي صعب جداً عليه، فهل يقال إنَّ الدُّكتور يريد أن يوقع المريض في الابتلاء، وعنده مشكلة وعداوة معه؟! كلا، وإنَّما يريد ذلك لغرض أهم وأسمى وهو تقويته.

فكذلك مسألة ابتلاء الله للنَّاس فلا معنى أن يسأل الشَّخص معترضاً لماذا الله يبتلينا؟ فإنَّ هذه ليست مسألة من باب عداوة بين الله) وبين بني البشر، هو أرحم الراحمين، وإنَّما هذا الابتلاء لغرض التَّكامل، ولهذا ورد في صحيحة الفضيل عن الإمام الصَّادقg: >إنَّ في الجنَّة منزلةً لا يبلغها عبدٌ إلا بالابتلاء في جسده<([12])، فهذا الابتلاء الذي يصبر فيه الإنسان أياماً معدودة، لغرض أهم وأعلى وهو الوصول إلى منازل خاصة من منازل في الجنة.

وورد في صحيحة معاوية بن وهب عن رسول اللهe: >قال الله!: ما من عبد أريدُ أن أدخله الجنَّة إلا أبتليه في جسده، فإن كان ذلك كفارة لذنوبه وإلا شدَّدتُ عليه عند موته حتى يأتيني ولا ذنب له، ثمَّ أُدخله الجنَّة<([13]). إذن هذه الابتلاءات لغرض التكامل والوصول إلى درجات عالية.

أقرأ بعض الآيات التي تشير إلى ما هو المقام الذي يحصل عليه الإنسان من عملية الابتلاء.

قال الله تعالى في سورة البقرة: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}(البقرة:155).

 ما هو أثر الصَّبر؟ ليس فقط يقول: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، بل لا بدَّ أن تنعكس على سلوكه وعمله، والآية الشَّريفة تشير إلى عدَّة آثار:

1ـ {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ} فالصَّبرُ يؤهِّل الإنسان أنْ يكونَ محلاً لأن يصلي علي اللهُ).

2ـ {صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ}، الأمر الثَّاني: الرَّحمة الإلهية.

3ـ {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}، أن ينطبق عليه عنوان أنَّه مهدي من قبل الله).

 وفي آية أخرى يؤكِّد الله) أنَّ الابتلاء والصَّبر على الابتلاء يوجب المعيَّة مع الله!، كما ورد في قصَّة طالوت: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي..} إلى أن تقول الآية: {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} فيصل الإنسان من خلال هذا الابتلاء إلى مرحلة أن يكون مع الله، وهذه درجة كبيرة، وهناك بحثٌ طويلٌ في "معنى المعية مع الله". 

وحينئذ نقول: حيث إنَّ مسألة نصرة الإمام(سلام الله عليه) تقتضي أن يكونَ الإنسانُ له مقامٌ كبيرٌ، فبمقتضى قانون الوصول إلى تلك الكمالات العظيمة والكبيرة يحتاج الإنسان أن يمرَّ بعملية الابتلاء والتَّمحيص، وإذا راجعنا الرِّوايات فإنَّنا سنرى أنَّ موقع أنصار الإمام يحيِّر العقول.

 ونقرأ بعض هذه الرِّوايات، فمنها ما رواه الشَّيخ الصَّدوق(رحمة الله عليه) في كمال الدين وتمام النعمة عن مولانا الإمام الباقرg: >كأنِّي بأصحاب القائمg وقد أحاطوا بما بين الخافقين فليس من شيء إلا وهو مطيع لهم..<، الإنسان لا ينال هذه الدَّرجة؛ وهي أنَّ الأشياء تكون مسخرة له حتى يكون يدَ الله، ووجه الله، وذاك إنَّما ينال بالعبادة الكبيرة والمقامات العالية.

>إلا وهو مطيع لهم حتى سباع الأرض، وسباع الطَّير، حتى تفخرَ الأرضُ على الأرض وتقول: مرَّ بي اليوم رجل من أصحاب القائمg<([14]).

وورد في الرِّواية عن أبي بصير عن الباقرg قال: قال رسول اللهe ذات يوم -وعنده جماعة من أصحابه-: >اللهمَّ لقني أخواني، مرتين، فقال من حوله من أصحابه أما نحن إخوانك يا رسول الله؟ فقال: لا، إنَّكم أصحابي، وإخواني قومٌ من آخر الزَّمان آمنوا بي ولم يروني، قد عرَّفنيهم اللهُ بأسمائهم، وأسماء آبائهم من قبل أنْ يخرجهم من أصلاب آبائهم، وأرحام أمهاتهم، لأحدهم أشدَّ بقية على دينه من خرط القتاد في الليلة الظَّلماء، أو كالقابض على جمر الغضا، أولئك مصابيح الدُّجى، ينجيهم الله من كلِّ فتنة غبراء مظلمة<([15]). والقتاد عبارة عن هذا الشَّجر الذي فيه شوك، الإنسان بمجرَّد أن يضع يدَه تُدمى، ولا يستطيع أن يخرط هذا الشَّجر، يقول: هؤلاء تمسُّكهم بدينهم، وثباتهم على موقفهم، وعدم تزلزلهم أشدُّ بقية على دينه من خرط القتاد في الليلة الظَّلماء، أو كالقابض على جمر الغضى، فهذه المقامات الكبيرة التي وصلوا إليها تقتضي بالضَّرورة بمقتضى قانون المناسبة بين الكمالات والابتلاء أن يمرُّوا بهذه الابتلاءات.

إذن، تبيَّن من خلال هذا الكلام الذين ذكرناه أنَّ عملية التَّمحيص وعملية الابتلاء والاختبار ليست بدعاً من القول، وليست مسألة مختصَّة بقضية الإيمان بالإمام المهديx، بل هي قضية عقلائية من جهة كما بيَّنا عقلائيتها، وهي سنة كونية كشفت عنها النُّصوص، وأنَّ أيَّ شخص يؤمن بأيِّ عقيدة، عقيدة التَّوحيد، وعقيدة النبوة، وعقيدة الإمامة يبتلى لكي يتميَّز الحقُّ من الباطل، ولكي يتميَّز الصَّادق من الكاذب، وقد ذكرنا أنَّ مسألة الابتلاء، ليس الغرض منها -والعياذ بالله- الانتقام، بل الغرض منها وصول الإنسان إلى درجات كمالية لا ينالها إلا بالاختبارات.

النُّقطة الرَّابعة: وظيفتنا في زمن الغيبة

ما هي وظيفتنا في زمن الغيبة؟ إنَّ الأئمةq هم أفضل من يحدِّد لنا هذه الوظيفة، ولهذا ننقل بعض الرِّوايات عنهمi، قبل ذكر ثلاث وظائف مهمة.

فعن الإمام الصَّادقg: >من سرَّه أن يكون من أصحابِ القَائمx فلينتظر وليعمل بالورع، ومحاسن الأخلاق وهو منتظر<([16])، العمل بالورع أفضل الأعمال في شهر رمضان كما ورد في خطبة النبيe، فلا قراءة القرآن ولا الصلاة -مع أنَّ الصَّلاة عمود الدِّين، وهي ممَّا بني عليه الإسلام- ولا الصَّوم، بل أفضلُ الأعمال الورع عن محارم الله، وهنا أيضاً هذه الرِّواية تؤكِّد على مسألة الورع، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق، فلا ينفع أن يصلي ويصوم لكن بينه وبين إخوانه المؤمنين قطيعة في أقل موقف، أو يحصل نحو من الزَّعل أو المؤاخذة على أخيه المؤمن، علاقته بزوجته، علاقته بوالده، علاقته بولده، علاقته بجيرانه، ليس فيها محاسن الأخلاق. 

كلا، فالرواية تقول: وظيفتكم العمل بالورع >ومحاسن الأخلاق، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدوا وانتظروا هنيئا لكم أيتها العصابة المرحومة

بعض وظائف المؤمن في زمن الغيبة

نحاول أن نبيِّن بعض الوظائف التي ينبغي للمؤمن أن يقوم بها ويجهد في تحصيلها في زمان الغيبة الكبرى، ولكي نحدِّد هذه الوظائف لابد من استذكار ما أشرنا له من أنَّ المؤمن يمرُّ باختبارين أساسيين في زمان الغيبة؛ اختبار عملي سلوكي، واختبار نظري عقيدي معرفي في الوعي والبصيرة، فإنَّ الإنسان فيه جهتان جهة عملية وجهة نظرية وبلحاظ كل جهة من هاتين الجهتين هناك اختبار يتناسب مع تلك الجهة ومقتضى ذلك أن تكون هناك وظائف مرتبطة بتلك الجهتين اللتين هما محطُّ الاختبار ومحطُّ الامتحان، ونذكر وظائف ثلاثة أساسية محورية تندرج تحتها بعض الفروع من الوظائف.

فلدينا وظيفة معرفية، ووظيفة عملية سلوكية، ووظيفة قلبية معنوية، فنتكلَّم عن هذه الوظائف الثَّلاث.

1ـ الوظيفة المعرفية:

أمَّا الوظيفة المعرفية فلقد ذكرنا أنَّ المؤمن يمرُّ باختبار في جانب المعرفة والعقيدة والوعي، وما لم يكن له سلاح معرفي قوي فإنَّه سيسقط في الاختبار، ويقع في الانزلاقات الفكرية، والانحرافات العقائدية، وإن كان باطنه حسناً، وكان طيِّب القلب ويصلي ويصوم ويقوم الليل، ويختم القرآن، ولكن ما لم يكن هناك معرفة ووعي لا يزيده كثرة العمل إلا بعداً وضلالا. 

والمحور الذي ركَّز عليه الإسلام ولم ينادى في أيِّ شريعة من الشَّرائع -لا شريعة قانونية نظامية ولا غيرها من الشَّرائع- كما نادى الإسلام بالعقل ومحورية التَّفكر، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ..}، {أَفَلَا يَعْقِلُونَ..} {لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ..}، وأساس الدين المعرفة، >أوَّل الدِّين معرفته<([17]) كما عن الأميرg. 

إذن، المعرفة هي المحور الأساسي الذي ينبغي أن يتسلَّح به المؤمن في زمان الغيبة، فينبغي عليه أن يستفرغ الوسع في تقوية معرفته بمسألة المهدويَّة، وأبحاثها، وشخص الإمام، وأدوار الإمام، ومقامات الإمام حتى يكون على درجة واعية، فكما نحتاج إلى وازع قلبي عن الذُّنوب، فإنِّنا نحتاج إلى وازع ومانع وإلى قلعة حصينة معرفية فكرية في الوعي والبصيرة حتى لا تدخل التَّيارات والأفكار الفاسدة فتفسد على الإنسان، ولهذا ورد التَّأكيد في مضمون الرِّوايات الشَّريفة على هذا السِّلاح، وأنَّه من عبد الله ولم يعرفه فإنَّ عبادته ضلال، ومن لم يعرف الله حقَّ معرفته فتكون عبادته عبادة على شفا جرف هار، فينهار به إلى نار جهنَّم، وهذا ما حصل إلى بعض التَّيارات، إذا استقرأنا بعض الأشخاص الذين خرجوا على أمير المؤمنين كالخوارج، الخوارج التبست عليهم اللوابس، التبست عليهم الظُّلمات المعرفية، وإن كانوا هم من حيث السلوك يقرؤون القرآن، وكانوا يصلون صلاة الليل، وكانوا يبكون، حتى أنَّ أمير المؤمنينg في إحدى الليالي كان مع أحدِ أصحابه وسمع بكاءً يخرج من أحد المنازل، فقال صاحب الإمام إلى الإمامg: هذا له مقامات في الجنَّة، يغبطه، فقال الإمامg: لا عليك، هذا الرنين سيدخله إلى النار، وكان بعد زمان في واقعة صفين كان ضدَّ أمير المؤمنينg؛ لأنَّه انحرف انحرافا عقائدياً.

فهذه مسألة خطيرة، فعلى اللسان قد تكون الآن تستقبلها بأنَّها سهلة، ولكن حينما يقرأ الإنسان حياة بعض الشخصيات ويلاحظ الروايات ويقف وقفة تأمل وتفكر ووعي سيدرك بأنَّه لا بدَّ أن يحصِّن نفسه تحصيناً قوياً بمعرفة الإمامg، ولا تقتصر المعرفة أنَّنا نعرف أنَّ إمام زماننا مولود، وأنَّه كذا قد يحصل حينما يخرج، بل ينبغي أن نعرف بعض مقامات الإمامg.

بعض أصحاب العقول الناقصة -لقصر معرفتهم- كل ما يرد عليه مقام من مقامات الإمامg يعرضه على عقله الفاتر القاصر، فإذا لم يستوعبه فإنَّه يسارع في إنكاره، ولا يكون إنكاره إنكار عن معرفة دقيقة موضوعية؛ لأنَّه لنقص معرفته أنقص الإمام، وأنزل الإمام(سلام الله عليه) في غير منزله، ويكون مصداقاً لمن سلب حقاً من حقوق الإمام(سلام الله عليه)، لا يتوقَّف فقط سلب الحقِّ أنَّهم أخذوا منه الخلافة، أو أنَّنا لا نعترف بإمامة مولانا صاحب العصر والزمان، بل سلب مقامات الإمام هو نحو من سلب الحقِّ، ونحو من الضَّلالة، وماذا بعد الحقِّ إلا الضَّلال المبين!!

لا يوجد واسطة بين الحق والباطل، فهذا الحق وهذا المقام إن كان ثابتاً لمولانا صاحب الزَّمانx فإنكاره يكون نقصاً معرفياً، يوجب أن يكون الإنسان واقعاً في طريق الضَّلالة.

ومن هنا، ينبغي على كلِّ مؤمن يجدِّد بيعته مع إمام زمانه كلَّ يوم أن يكون تجديد البيعة ناشئاً من معرفة واضحة، ولهذا الذي بقوا مع أمير المؤمنينg هم خلَّص أصحابه، الذين وصلوا إلى درجة عالية من معرفته، والذين جاهدوا أنفسهم في معرفة إمام زمانهم، وهكذا الذين بقوا مع الإمام الحسين(سلام الله عليه) هم الصَّفوة التي وصلت إلى درجة من المعرفة.

إذن، السَّلاح الأوَّل الذي ينبغي أن يتسلَّح به المؤمن هو سلاح المعرفة، وسلاح الوعي المعرفي، والوعي البصيري، فينبغي عليَّ أنا المؤمن -كوظيفة فردية- أن أقوِّي جنبة معرفتي بإمام زماني(سلام الله عليه).

وهناك وظيفة اجتماعية أيضا، فينبغي على المؤمن أن يسعى إلى تثقيف أهله، وتثقيف أولاده، وأسرته، أن يزرع المعرفة في مجتمعه.

وليس هذا مقتصرٌ على طالب العلم، كلا، فهذه مسألة مرتبطة بمعرفة الإمام، معرفة الإمام ليس فقط طالب العلم مطالب بها، بل كلُّ مؤمن ينبغي عليه أن يسعى كلٌ بحسبه وقدرته.

ومن هنا تكمن أيضاً أهمية الارتباط بالعلماء والفقهاء، فكلُّ التَّيارات التي ظهرت منذ زمان الغيبة الصُّغرى إلى زماننا يركِّزون كلُّهم على محورٍ واحدٍ مشتركٍ -مع اختلافات بينهم- على إبعاد المؤمنين والمجتمع الشَّيعي عن مرجعياته، وعن حوزته، وعن علمائه؛ لأنَّهم يعرفون أنَّ هؤلاء الشِّيعة إذا ارتبطوا بمحور الفُقهاء والعلماء الرَّبانيين كان لديهم قلعة حصينة لا يستطيع أهل الضَّلالة أن يتخطوها، فماذا يصنعون؟ حاولوا جاهدين أن يضربوا هذا الارتباط، تارة أنَّه لا معنى للتَّقليد، وتارة أنَّ كلَّ شخص لديه عقل يستطيع من خلاله تمييز الحقِّ من الباطل، وهكذا من الشُّبهات الكثيرة التي تروج خصوصاً في هذه الأزمنة.

وإذا راجعنا النُّصوص الشريفة سنجد الدَّور المهم للعلماء في حفظ الشَّريعة، والأئمة(سلام الله عليهم) لمَّا ركزوا على دور العلماء وعلى ضرورة ارتباط المؤمنين بهم، قام هؤلاء المستشرقون وغيرهم بمحاولة زعزعة عقائد المؤمنين من خلال ضرب هذه العلاقة.

لاحظوا بعض الروايات التي تؤكد على مسألة العالم والرجوع إلى العالم، فقد ورد في صحيحة القدَّاح عن الإمام الصَّادقg عن رسول اللهe: >إنَّ العلماء ورثة الأنبياء<([18])،  فضرب العلماء هو ضرب للأنبياء، وضرب الأنبياء هو ضرب لدين الله) ولرسالته.

الله) لمَّا رأى أنَّ هداية البشر في جنبتها المعرفية وغيرها عن طريق بعث الأنبياء جعل لهم ورثة لكي لا ينقض غرضه ومن هم ورثة الأنبياء؟ العلماء، فهؤلاء قد لا يستطيعون أن يشككوا في نبوة الأنبياء مباشرة، ولا أن يشككوا نبوة  النَّبي الخاتمK فإنَّهم لجأوا إلى التشكيك في مكانة ورثتهم، والتشكيك في ورثة الأنبياء هو تشكيك في نبوة الأنبياء.

وينبغي على المؤمن أن يكون على حذر، وأن يكون على بصيرة في هذه المسألة، فمن لا يمتلك الوعي والمعرفة البصيرة قد تدخل عليه مثل هذه الإشكالات، وقد يروِّجها ويقولها على لسانه، وكلُّ ذلك ناشئ من نقص المعرفة. 

مثلاً يرى في الواتساب أنَّ فلاناً العالم فعل كذا وكذا -وهذه كلها عمليات مدروسة- فينشر هو ذلك ويفتح التوتير والانستغرام وينشر ثمَّ يقول: العهدة على الناقل! هذا كلُّه يدخل في الحرب -من حيث يشعر أو لا يشعر- وضرب المشروع الإلهي، ضرب النَّظرية الإلهية، ولكن كثيراً منَّا قد لا يشعر بذلك وتأخذه التَّيارات.

وورد في الرِّواية: >العلماء أمناء، والأتقياء حصون<([19])، وورد في الرِّواية: >الرَّاوية لحديثنا< يعني الرِّاوي للحديث وهو من ينقل الرواية ويفقه مضامينها، ويعرف مكامنها >يشدُّ به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد<([20])، يقول قد يكون الإنسان مشتغلاً بالعبادة وهو أمر ممدوح ومهم، ولكن الرَّاوية لحديثنا يشد به قلوب الشيعة ويقوي العقائد الصَّحيحة، ويقوي المعرفة، هذا عند الله) أفضل من ألف عابد، وهذه الرَّوايات التَّحظيظية التي تشير إلى مقام العلماء تقتضي من الإنسان المؤمن أن يتسلَّح بسلاح العلم، وكلٌّ بحسبه، وكلُّكم راعٍ، وكلٌّ مسؤول عن رعيته.

وأختم هذه الوظيفة بهذا الرِّواية عن إمامنا الجوادg قال: >من تكفَّل بأيتامِ آل محمدK..<، من هم أيتام آل محمد؟ في ذهننا أنَّ اليتيم هو من فقد أحد أبويه فنحن نتكفَّل الأيتام فنساعدهم مادياً، هكذا قد ينصرف إليه الذهن، ولكنَّ الرِّواية تعبِّر على أنَّ هناك يتيماً أشدُّ من يتم هذا اليتيم الذي فقد أحد أبويه، وهو من انقطع عن إمام زمانه، فيسمَّى في الرِّواية: >أيتام آل محمدe<، >من تكفَّل بأيتام آل محمدK المنقطعين عن إمامهم([21])، المتحيِّرين في جهلهم، الأسرى في أيادي شياطينهم، وفي أيدي النَّواصب فاستنقذهم منهم([22])، وأخرجهم من حيرتهم وقهر الشياطين([23])، وأخرجهم من حيرتهم وقهر الشَّياطين برد وساوسهم، وقهر الناصبين بحجج ربهم، ودليل إمامتهم، ليفضلوا عند الله على العباد بأفضل المواقع، بأكثر من فضل السَّماء على الأرض والعرش والكرسي، وفضلهم على هذا العابد كفضل القمر ليلة البدر على أخفى كوكب في السَّماء<([24]).

إذن، حينما يذكر الأئمةi فضل العلماء ويقولون فضلهم كذا وكذا ماذا يريدون أن يوصلوا من رسالة؟ الرِّسالة هي: أن كونوا هكذا، فلتكونوا من العلماء الذين يستنقذون ضعفاء الشِّيعة، وكلٌّ بحسبه، شخصٌ يستنقذ صديقه، ويستنقذ ولده، شخصٌ ينقذ أمه، وشخص ينقذ قرية، وحينئذ هذه وظيفة خطيرة ومهمَّة، وهي الوظيفة المعرفية، هذه الوظيفة الأولى.

2ـ الوظيفة القلبية:

الوظيفة الثَّانية التي نريد أن نتكلَّم عنها هي الوظيفة القلبية، وهي الارتباط المعنوي بمولانا صاحب العصر والزمانg.

كلُّ قضيَّة حتى يبقى لها دوام لا يكتفى فقط بجانب المعرفة، وبجانب العلم، بل لا بدَّ أن يكون هناك ارتباط معنوي، ولا بدَّ أن يكون هناك ارتباط قلبي، فالانصهار النفسي والقلبي والرُّوحي مع القضية هي التي تكون درعاً واقعياً، ومن خلالها يكون الفكر والمبدأ له ضمان الاستمرار، ولهذا ركَّزت الرِّوايات في قضية مولانا الإمام الحسينg -بالإضافة إلى جانب المعرفة- على الانصهار في الحبِّ، ولا تفكيك بين المعرفة والحبِّ، وليس الإيمان إلا الحبُّ والبغض، من عرف شخصاً حقَّ معرفتِه أحبَّه، فلا بدَّ أن نستشعر هذه الحالة، فقد يعيش الإنسان المؤمن حاله كحال غير المعتقد بالعقيدة المهدويَّة؛ يعيش في قلبه بروداً عاطفياً، ويعيش موتا عاطفيا، نعم من حيث الفكرة يعتقد أنَّ هناك إمام صاحب عصر وزمان، ولكن يرى أنَّ قلبَه لا يرتبط بهذا المنبع، ولا يرتبط بهذه الحقيقة، وهي الحقيقة المهدويَّة، فلا بدَّ أن نقوِّي هذا الجانب، وهو جانب الارتباط المعنوي.

كان بعضُ علمائنا هكذا يقول: ينصحوننا بأن تكون لنا خلوة يومية، نجلس في المصلى ونبتعد عن النَّاس، ونفكِّر في إمام زماننا، وندعو له بحضور القلب، الدعاء له مع استحضار القلب بأنَّه موجود معنا، وأنَّه يؤمِّن على دعاءنا،

ومن مظاهر الارتباط به وصلته أن أخدم المؤمنين لأنَّهم محبين لمولانا صاحب العصر والزمانx، وأن أتنازل عن بعض حقوقي حباً لهx، أسقط الدَّين عن صديقي حبا لمولانا القائمg. إذا كان المؤمن علاقته المحورية هو مع محبوبه وهو المولى بقية الله الأعظم الذي لولاه لساخت الأرض بأهلها، فلا بدَّ أن تكون تحرُّكاتنا هكذا، فقد رأينا بعض العلماء الذين عاشرناهم يربُّون في أولادهم من الصِّغر هذه الحالة، وهي حالة الارتباط بالإمامl ارتباطاً معنوياً، يقول له مثلا: هذه الهدية أعطها فلان صديقك من باب أنَّه يرضى صاحب الزمانg بذلك ويفرحه، فهنا صارت المحورية السلوكية التربوية -وهذا بحث تربوي- أن نجعل المحور في التربية والسُّلوك ومحور الانصهار القلبي هو مولانا صاحب العصر والزمانg، فنناجيه، ونصلي له، ونتصدَّق عنه، ونشركه في أعمالنا، ونحج عنه، فهذا كلُّه مظهرٌ من مظاهر الارتباط المعنوي.

3ـ الوظيفة العملية:

قد ينصهر المؤمن روحياً مع الإمامg، ولكنه لا يكون مستعداً في الجانب العملي، فليس لديه استعداد أن يخالف هواه، أن يضغط على نفسه، النَّفس الأمارة بالسوء تقول لي: تكلم، لإشباع شهوة اللسان، تكلَّم على فلان، أو لإشباع شهوة الأذن، اسمع الغيبة، أبحث عن المجالس، قد تكون الأذن فيها شهوة السُّماع، فيبحث أين المجالس التي فيها كلام زائد، كلام على النَّاس، فيها كشف الأسرار، فيبادر في حضور هذه المجالس في أول الوقت، ولكن إذا جاء إلى المسجد يحضر آخر الوقت، فمثل هذا الإنسان يتبع الشيطان، فمن وظائفنا في زمان الغيبة تقوية الوازع السُّلوكي العملي، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}(الشمس:9-10)، إنَّ صاحب الزَّمان لا يقبل أن يكون مواليه ومحبَّه والشَّيعي مخالفاً لأمر مولاه، بل ذلك يؤذي قلبه المبارك.

وقد تقدمت الرواية في أنَّ من وظائف المؤمن في زمان الغيبة أن يكون على ورع أن يتحلَّى بمحاسن الأخلاق، والورع وظيفة فردية تؤثِّر على الوظيفة الاجتماعية. ولا يصحَّ أن يقول الإنسان ليلة القدر "الغوث الغوث خلِّصنا من النَّار يا رب"، وهو غير مستعد أن يخلِّص نفسه من النَّار، ففي رقبته حقوق النَّاس لا يؤديها، بينه وبين ربه معاصي لا يتوب عنها، يقول: استغفر الله، وفكره في المعصية بعد شهر رمضان، هذا استهزاء بالله).

نسأل الله) أن يوفِّقنا وإياكم للعلم والعمل الصَّالح.

 


([1]) المقالة عبارة عن أربع محاضرات ولقاءات تمَّت في مجلس المرحوم العلامة الشَّيخ عبد الحسين السِّتريO، قرية سترة، بمملكة البحرين، في شهر رمضان المبارك(1443هـ)، وقد قام بعض الأخوة بتفريغها وتهذيبها.

([2]) الغيبة، النُّعماني، ص212.

([3]) كمال الدين وتمام النِّعمة، الصَّدوق، ص348.

([4]) الكافي، الكليني، ج1، ص731، الغيبة، الطوسي، ص335.

([5]) كتاب الغيبة، النعماني، ص143.

([6]) انظر: الاقتصاد، الطوسي، ص154.

([7]) كمال الدين، وتمام النِّعمة، الصَّدوق، ص482.

([8]) الكافي، الكليني، ج8، ص39، والرواية طويلة جداً ذكر بعض ما فيها.

([9]) ورد في الكافي، الكليني، ج1، ص219، عن سماعة عن أبي عبد اللهg قال: ما لكم تسوؤن رسول اللهe؟! فقال رجل: كيف نسوؤه؟ فقال: أما تعلمون أنَّ أعمالكم تعرض عليه؟ فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك، فلا تسوؤا رسول الله وسُرُّوه<.

([10]) الكافي، الكليني، ج1، ص336.

([11])  الكافي، الكليني، ج1، ص337.

([12]) الكافي، الكليني، ج2، ص255.

([13]) الكافي، الكليني، ج2، ص256.

([14]) كمال الدين وتمام النِّعمة، الصَّدوق، ص673.

([15]) بصائر الدرجات، الصفار، ص104.

([16]) الغيبة، النعماني، ص207.

([17]) نهج البلاغة، ج1، ص14.

([18]) الكافي، الكليني، ج1، ص34.

([19]) الكافي، ج1، ص33.

([20]) الكافي، ج1، ص33.

([21]) الإمام ليس منقطع عنهم بل هم المنقطعون عن إمامهم، وقد أشرنا سابقاً أنَّه عندما نقول أن الإمام في حالة غيبة لا نقصد من الغيبة أنَّه جالس في مكان مغلق عليه الدار، أو في صحراء أو خيمة، ونحن نبحث أين تلك الخيمة، لا ليس هذا المعنى السلبي، فالغيبة ليست في مقابل الحضور الغيبة، بل في مقابل الشهود، يعني نحن لا نشاهده بأعيننا، لكنَّه حاضر معنا، يؤمِّن على دعاءنا، وليست منفعة الشَّخص تتقوَّم بأنه لا بدَّ أن أشاهده.

([22]) يعني استنقذ هذا الشخص أيتام آل محمد شيعة آل محمد من هؤلاء الذين هم أعداء لآل محمد الذين يبثون الشكوك الذين يثيرون التشكيكات ويثيرون الانحرافات.

([23]) الشيطان ليس فقط يعمل في الجانب المعنوي والسلوكي، بل هناك وسوسة أصعب، وهي وسوسة في الجانب العلمي، وسوسة في الجانب الفكري، حتى أنَّه في العقائد في الأبحاث الحوزوية التخصصية هناك شبهات أطلقوا عليها شبهات إبليس؛ يعني شبهات معرفية في التَّوحيد، وفي الإمامة، إذن الشَّيطان لا فقط يدخل إلى الإنسان الضعيف في الصلاة والصوم ويغويه، بل يأتي له في المسائل العلمية وفي المسائل الفكرية.

([24]) الاحتجاج، الطبرسي، ج1، ص9.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا