المنهج الصحيح في قراءة الثورة الحسينية

المنهج الصحيح في قراءة الثورة الحسينية

المقدمة

ربما تكون قراءة التاريخ بشكل عام والتاريخ الإسلامي بشكل خاص قراءة علمية محايدة من أعقد الأمور وأعضل المعضلات التي تواجه الباحث الذي يرجو الحقيقة ويطلب الواقع، فليس من شك وشبهة عند المطّلع على التاريخ فضلا عن المتخصص في شؤونه، أن التاريخ بشكل عام والتاريخ الإسلامي بشكل خاص قد لوّثته الأيدي المأجورة وتلاعبت فيه إلى أبعد الحدود وفق ما تقتضيه مصالحها الشخصية وما تمليه عليها السلاطين والجبابرة.

فكم من حادثة تاريخية بشعة حولتها تلك الأقلام بين يدي القارئ إلى واحدة من أبهى صور التاريخ، طلبا لرضا سلطان أو دفاعاً عن مذهب وعقيدة..

وفي الجانب الآخر كم من حادثة تاريخية جميلة تستحق المدح والثناء اقتضى هوى تلك الأقلام السياسية أو المذهبية تغييبها أو تشويهها تغليباً لمذهب أو تشويها لآخر. إن هذه الظاهرة غير الصحيّة تدعوا الباحثين وطلاب الحقيقة للبحث عن أفضل السبل والطرق العلمية التي توصل الباحث إلى أفضل النتائج وأقربها إلى الواقع. من هنا تكمن أهمية دراسة المناهج التي يتبناها الباحثون على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم الفكرية والعقدية، وترجيح المنهج الأفضل والأنجع منها بعيدا عن التعصب والمصالح الفئوية الضيقة.

ولمّا كانت الثورة الحسينية المباركة هي الثورة الأبرز والأكثر تأثيرا على جميع المستويات نسبة إلى باقي ثورات الأمم والقادة التي طالعنا بها التاريخ، كانت الثورة الحسينية محط نظر الكثير من الباحثين والنقاد، حيث تناولتها أيديهم بكثير من النقد والتحليل والإسهاب، فنشأت عندنا لذلك آراء عديدة وكثيرة، إلا أن العجيب فيها أنها جاءت متضاربة ومتضادة، فمنها ما شرّق ومنها ما غرّب.

في خضم كل تلك الآراء يأتي السؤال المهم: ما هو المنهج الصحيح لقراءة الثورة الحسينية؟ والذي يمكن لنا من خلاله أن نميّز بشكل سليم وواضح ما هو الغث من السمين من تلك الآراء المتضاربة.

وقد تطرقتُ بداية في هذا البحث المختصر عن الأهمية التي تمثلها الحقائق التاريخية للأمم والشعوب، ثم عرضت بعض المنطلقات التي اُتخذت في قراءة التاريخ والمناهج المتبعة في ذلك، ثم عرجت بالكلام على المنهج المختار في قراءة الثورة الحسينية حيث عرضت منهجين أساسيين مهمين وهما: المنهج الموضوعي والمنهج الإسقاطي، وحاولت بما تيسر تحليلهما ونقدهما وترجيح المنهج الأصوب منهما، ثم حاولت بعدها استقصاء بعض النماذج والتطبيقات العملية على تلك المناهج.

الأهمية التي تمثّلها الحقائق التاريخية

لا شك في أهمية الحقائق التاريخية من الموضوعات المهمّة والحساسة التي تعتمد عليها الشعوب والأمم والتي ترتكز عليها لشق طريقها نحو تطورها وبناءها الحضاري المتين استلهاماً من جذورها من ذلك الماضي بكل ما يحمل في طياته من مفاخر ومثالب، لتستخلص منه الدروس والعبر.

إن وقوف كل أمة على تاريخها يمثل لها طوق نجاة يجنبها الكثير من المزالق والمخاطر والأخطاء السابقة، ويختصر لها الطريق من خلال ما يقدمه لها من تجارب الماضي، وما تمثله تلك التجارب من دروس يمكن معها وضع اليد على مكامن القوة لتعزيزها، ومكامن الضعف لتلافيها.

في المقابل فيما لو زهدت أيُّ أمّةٍ عن تاريخها وماضيها وحاولت أن تبني مجدها من حاضرها، وتنطلق من حيث هي بدأت متخلية عن كل ما ورثته من تجارب السابقين، فإنها بذلك ستفتقد أصالتها وتقطع نفسها عن جذورها المتأصلة في أعماق التاريخ، وليس ذلك إلا كمن يبحث عن حتفه بظلفه.

إن الوقوف على النصوص التاريخية وتحليلها، واستخلاص أسباب الحادثة التاريخية وخفاياها وأسرارها، ودراسة الظروف المحيطة بها حتى الوصول إلى الصورة الحقيقية للحادثة أو ما يقاربها يمثل أهمية كبيرة للمجتمعات والشعوب في حاضرها ومستقبلها، حيث أنه يقدم لتلك الشعوب والمجتمعات عصارة تجربة مديدة من الزمن ويختصر لها آلاف السنوات بما تحمله من مصاعب ومتاعب في ضمن عدة سطور، لتستفيد منها الأجيال المتعاقبة فتبني عليها أمجادها مرتكزة على ماضيها الأصيل.

تعدد المنطلقات القارئة للتاريخ

عندما نجول بنظرنا في الكتب والكتابات المرتبطة بالتاريخ، ونتمعن فيها وفي ما تحتويه من معاني ومضامين، نلاحظ بوضوح وجود قراءات مختلفة ومتعددة تتعدد بحسب تلك الحوادث التاريخية المختلفة، ولا ضير في ذلك، إلا أن الغريب أن نجد صوراً وقراءات ونقولات تاريخية متضاربة ومتناقضة للحادثة التاريخية الواحدة، ولا تعدو تلك الغرابة البرهة حتى تتبخر وتنقشع عندما نقف على حقيقة ذلك التضارب، وعلى السر الكامن وراء تلون تلك القراءات وتضاربها بعدد ألوان الطيف.

إن التاريخ كأي شيء آخر كان حصيلة تقلبات وأدوار مختلفة من الحياة، فهو كغيره كان ولا يزال خاضعا لبعض المؤثرات النفسية المريضة والمصالح الشخصية والسياسية المختلفة.

إن الوقوف على الدوافع والمنطلقات الحقيقية القارئة والمكوّنة للتاريخ يسهل علينا الطريق ويختصر إلينا المسافة كثيرا، فإن الانقسامات المذهبية والاختلافات الفكرية والنظرية قد ساهمت كثيرا في كتابة التاريخ وصياغته، وكان لها اليد الطولى والأولى في تلوينه بألوان مختلفة ومتنوعة بعدد تلك الانقسامات والاختلافات. فكل اتجاه مذهبي أو طائفي جيّر التاريخ وأبرزه على ضوء اتجاهه وغايته، وهذا ما ساعد كثيراً التيارات والاتجاهات الماديّة وغيرها على إسقاط نظريتهم المادية على التاريخ الإسلامي، ولذلك نرى كثيراً من الكتابات التاريخية المرتبطة بالتاريخ الإسلامي قد صيغت على هدي النظرية المادية، وعلى وفق ميزان الربح والخسارة المادييين!!

إلا أن ذلك كله لا يمنع من وجود بعض الكتابات التي حاولت أن تقرأ التاريخ وتدرسه بشكل متجرد عن الميول والنزعات والأهواء والقصد المسبق، والتي كان هدفها الوحيد والأخير الوقوف على الحقائق التاريخية الثابتة وتقليبها ودراستها وتحليلها للخروج بأصوب النتائج وأفضلها.

المنهج الموضوعي والمنهج الإسقاطي

من خلال وقوفنا على ما تقدم عند الكلام عن -تعدد المنطلقات القارئة للتاريخ- يمكن لنا أن نقتنص من ذلك منهجين اثنين في كتابة  التاريخ وفهمه ودراسته وتحليله، كل واحد منهما له خصوصياته ومميزاته التي تفرقه وتميّزه عن الآخر، أحدهما يمكن لنا أن نطلق عليه المنهج الموضوعي والآخر المنهج الإسقاطي. ولكي يتضح مقصودنا من هذين المنهجين أكثر، يمكن لنا أن نبينهما تباعاً بالشكل التالي:

أولا: المنهج الموضوعي:

يمكن لنا القول إن المنهج الموضوعي هو ذلك المنهج الذي يعتمد على إدراك الشيء أو الحادثة أو الواقعة على ما هي عليه، متجرداً عن كل ما يكون حائلا بينه وبين إدراك الصورة الحقيقة الثابتة من أهواء ومصالح وتحزبات ومكاسب شخصية، بحيث يكون مطلبه الوحيد الوقوف على الحقيقة، وهو يعتمد في أحكامه ونتائجه طريق التحليل والإدراك العقلي.

ثانيا: المنهج الإسقاطي:

أمّا المنهج الإسقاطي فيمكن لنا بيانه وتوضيحه بأنّه ذلك المنهج الذي يعتمد في فهمه للحوادث والقضايا والوقائع على مسبقات تمثل في حقيقتها مذهبه أو عقيدته أو اتجاهه السياسي أو الفكري بحيث يسقطها على الواقعة ليفسرها بحسب ما تقتضيه تلك المسبقات، فتفسير الواقعة والحكم عليها على طبق هذا المنهج بالنفي أو الإثبات، بالسلب أو الإيجاب، بالرفض أو القبول خاضع لتلك المسبقات ومقتضياتها.

المنهج(1) المختار في قراءة الثورة الحسينية

بعد الفراغ من المسلّمة التاريخية القاضية بأن الحسين (عليه السلام) قد خرج في أيام حكم يزيد وسلطانه، وأنه قد قام بثورة وبنهضة قد قلّ -بل انعدم- نظيرها في تواريخ الأمم والشخصيات والقادة، وبعد الفراغ من وقوع هذه النهضة على أرض الواقع في زمنها وفي ظرفها الخاص، وبعد التسليم بأن هذه النهضة قد وقعت محط أنظار الكثير من الباحثين والمفكرين والنقّاد على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم الفكرية والمذهبية، فقد تناولتها أيديهم بالتحليل والدراسة والنقد بشكل تفصيلي مسهب، ولذلك فقد نشأت آراء عديدة وكثيرة فيما يرتبط بهذه النهضة المباركة، والملفت أنها جاءت متضاربة ومتضادة، فمنها ما شرّق، ومنها ما غرّب.

 إن تحليل أي واقعة وقضية قد تلبست بلباس الواقع -والكلام هنا في خصوص ما إذا كانت تلك الواقعة مرتبطة بشخصية قيادية قد اختلف فيها من ناحية عقائدية، بحيث تكون شبهة العصمة مترسخة فيها-  لا بد وأن يكون راجعاً إلى منطلق وأساس، والتحليل إنما يختلف باختلاف ذلك المنطلق، فإن كان التحليل مبتنياً على المنهج الإسقاطي، بحيث يحاكم ما وقع في الخارج على ضوء عقيدة متبنّاة في تلك الشخصية، دلّ ذلك على أن المنطلق في التحليل إنما هو في أساسه عقيدة قد أسقطت على الواقعة الخارجية، فتصحح تلك الواقعة أو تخطئها وفقا لمعطيات تلك العقيدة.

وإن كان التحليل موضوعياً، دلّ ذلك على أن منطلقه لم يكن متأثراً بعقيدة ما، بغض النظر عن وجودها فعلاً أو عدم وجودها، بل إن الباحث بالتحليل الموضوعي لاحظ الواقعة الخارجية في نفسها، مجرداً نفسه عن أية مؤثرات خارجية، بما فيها تأثيرات العقيدة والمتبنى الفكري والسياسي المسبق.

بين هذين المنهجين نسأل هذا السؤال المهم: أي هذين المنهجين هو الأقرب لتحصيل تحليل صحيح مطابق للواقع؟ وأي هذين المنهجين يمكن له أن يضمن لنا فهماً صحيحاً وشاملاً لهذه الثورة المباركة؟ هل هو المنهج الموضوعي؟ أم المنهج الإسقاطي؟

في معرض الإجابة عن هذه التساؤلات المهمة، يمكن لنا أن نتعرض لكلا المنهجين ونضعهما على طاولة التحليل والنقد العلمي لنرى مدى صلاحيتهما وجدوائيتهما لتحليل مثل هكذا قضايا ارتبطت وتلبست بشخصية ترسخت فيها شبهة العصمة، ثم بعد ذلك نستطيع الحكم عليهما وترجيح أحدهما على الأخر.

أولا: المنهج الموضوعي في قراءة الثورة الحسينية

إنّ المنهج الموضوعي في تحليل هكذا واقعة يعني اعتماد الباحث اعتماداً تاماً على عقله في الخلوص إلى النتائج، بحيث يتجرد عن كل المعتقدات والنزعات والأهواء والقناعات المسبقة فينظر إلى الواقعة بما هي هي، ويبحث في أسباب نشأتها، وفي مبدئها وشعارها، وفي مدى فعلية تطبيق ذلك المبدأ أو ذلك الشعار على أرض الواقع، ويبحث في هدفها، وفي مدى فعلية تحقق ذلك الهدف، وما إلى ذلك، كل ذلك اعتمادا على عقله ومنطقه.

محاكمة المنهج الموضوعي:

يمكن لنا أن نلاحظ على هذا المنهج ملاحظات أربعة أساسية لا يمكن بحال إغفالها أو غض النظر عنها، خصوصا مع الالتفات إلى خصوصية هذه الثورة المباركة وأنها ثورة ربانية مرتبطة بالسماء:

الملاحظة الأولى:

إن عقل الإنسان مهما بلغ من النبوغ والفطنة والذكاء، إلا أنه يبقى في نهاية الأمر عقلا قاصرا، فمن الممكن ببساطة أن تغيب عنه أصغر الحيثيات المهمة، والتي لها دخالة مهمّة ومباشرة في تغيير اتجاه بوصلة التحليل إلى الإيجاب أو السلب، ولمّا كان الأمر كذلك، فإننا لا نستطيع أن نعتمد على المنهج الموضوعي في كثير من القضايا والوقائع، خصوصاً تلك التي يكون محورها شخص فيه شبهة العصمة، حيث أن هذا المنهج يكون قاصرا حينئذٍ عن تقييم أفعال المعصوم لو ثبتت عصمته.

الملاحظة الثانية:

إننا باتخاذنا هذا المنهج، مع إغفالنا الجانب العقيدي في الشخصية المديرة لأحداث الواقعة، من الممكن أن نقع في اشتباهات راجعة إلى الوصول إلى بعض النتائج المنافية لتلك العقيدة المبنية على أساس الدليل والبرهان القطعي الثابت، والكلام في المعصوم  ليس كالكلام في أحد غيره، وهذا من شأنه أن يهزَّ الإنسان في عقيدته الصحيحة اعتماداً على شبهات قد أنتجها عقله القاصر.

الملاحظة الثالثة:

إن هذا المنهج التحليلي قد يطيل علينا الطريق من دون الحاجة إلى هذه الإطالة، فإن الإنسان لو فرغ بالأدلة القاطعة من عقيدته في الشخصية مدار البحث، سوف يتوصل إلى النتيجة بكل سهولة ويسر، وسوف يضمن عدم خطئها إذا ما كانت أدلته في عقيدته قطعية غير قابلة للخطأ، فإن أدلته إذا أوصلته إلى نتيجة عصمة تلك الشخصية، فلا حاجة للبحث حينئذ عن صحة ما قامت به أو عدمه، وإنما يقتصر بحثه وتحليله على الركائز والمتبنيات التي اعتمدتها تلك الشخصية المعصومة في فعلها للأخذ بها والاستفادة منها، وإن جرّته الأدلة القاطعة في عقيدته المتعلقة بتلك الشخصية إلى القول بعدم العصمة، فإن ذلك يفسح له المجال كثيراً للتحليل والدراسة والنقد على وفق ما خلص إليه من الناحية العقائدية.

الملاحظة الرابعة:

إن هذا المنهج يدعو إلى التخلي التام عن كل مسبقٍ من المسبقات بما في ذلك الدين والعقيدة، بأن يكون هذا التخلي حتى في مقام البحث عن قضية مؤطرة بإطار ديني، وهذا كلام لا يمكن الأخذ به في المقام، فماذا يبقى للإنسان بعد هذا؟ وإلامَ يتحاكم؟ وما هو معيار الحكم إذا جُرّدَ الإنسان حتى من معتقده الذي يمثل له الرؤية الكونية العامة في الحياة؟.

إلا أنّ الجدير بالذكر أننا وإن نقدنا المنهج الموضوعي -بالنسبة إلى القضايا المرتبطة بالمعصوم- وقلنا بعدم صلاحيته لقراءة مثل هكذا قضايا، إلا أنّ ذلك لا يعني تخطئته بالكامل بحيث تكون نتائجه دائما مجانبة للصواب ومخالفة للواقع، بل يمكننا القول إن المنهج الموضوعي في كثير من الأحيان تكون نتائجه أقرب للواقع من تلك النتائج التي تُستخلصُ من بعض أقسام المنهج الإسقاطي(2) كما سيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى، هذا ولا يعني ذلك أيضا عدم صلاحيته في كثير من الأحيان طريقا للوصول إلى الحقيقة، كما لو كانت الحادثة -مثلا- مرتبطة بأمر لا يمت بالمعصوم بصلة، بأن تكون الحادثة قضية تاريخية عامة ترتبط بتاريخ الأمم والشعوب، ولا نعدو الصواب من القول حينئذٍ إن قلنا بأن المنهج الموضوعي هو المنهج المختار والصحيح لقراءة مثل هكذا قضايا تاريخية عامة.

ثانيا: المنهج الإسقاطي في قراءة الثورة الحسينية

إن المنهج الإسقاطي في قراءة مثل هكذا واقعة يعني اعتماد الباحث في قراءته وتحليله للحادثة على فكرة عقائدية مسبقة -مثلا- ينطلق منها ليحاكم تفاصيل الواقعة وأحداثها وما دار فيها بشكل سلبي أو إيجابي على وفق تلك الفكرة، والمنطلق في ذلك يتلون ويتشكل بحسب خلفية الباحث أو القارئ الدينية أو المذهبية أو السياسية أو غير ذلك.

محاكمة المنهج الإسقاطي:

يمكن لنا أن نأخذ على هذا المنهج مؤاخذات وملاحظات عديدة، نذكر منها ثلاث بإيجاز:

الملاحظة الأولى:

تكمن خطورة الاعتماد على هذا المنهج في قراءة ثورة كالثورة الحسينية حيث يكون مدار البحث فيها شخصية معصومة، أن الخلفية التي يُنطلقُ منها إذا كانت عقيدة فاسدة أو اتجاه مضاد، تكون النتائج التي يُتَوصلُ إليها من خلال هذا المنهج خاطئة ومشككة في فعل المعصوم لا محالة، فإن من المسلّم والواضح أن المقدمات الفاسدة لا تورث إلا نتائج فاسدة مثلها.

الملاحظة الثانية:

إن الأخذ بهذا المنهج يعني أخذ الباحث من الحقيقة والواقعة خصوص ما يتلائم مع أفكاره وميوله -والتي تطغى عليها نزعاته الذاتية غالباً- وترك ما يتعارض مع أفكاره وميوله وإن كان ثابتاً صحيحاً، وهو ما يؤدي إلى تشويه الحقيقة وتغييبها وقولبتها بقوالب خلافاً للواقع والحقيقة في كثير من الأحيان، وهذا ما يؤدي كثيراً إلى فقد الحيادية والإنصاف في مقام البحث والتحليل.

الملاحظة الثالثة:

إن أكثر المغالطات والتشويهات للحقائق والوقائع التي حصلت في الكتابات والكتب التاريخية كانت من نتاج هذا المنهج، حيث أن أكثر المتعصبين والمنحرفين اتخذوا هذا المنهج سبيلاً لإسقاط عقائدهم وتوجهاتهم السياسية أو الفكرية على التاريخ، بغية صبغ التاريخ بشكل عام والتاريخ الإسلامي بشكل خاص بما يعكس صحة معتقدهم أو توجههم ومتبناهم.

والنتيجة أننا نقول: أن المنهج المختار في قراءة الثورة الحسينية رغم ما تقدم هو المنهج الإسقاطي لا الموضوعي، إلا أننا في الوقت نفسه نُفصّل ونناقش في تلك العقيدة التي يراد إسقاطها على الثورة الحسينية لقراءتها، فنقول إذا كانت العقيدة المتبناة عقيدة صحيحة مستندة إلى أدلة قطعية غير قابلة للخطأ والاشتباه، بحيث توصل الباحث إلى عصمة الشخصية مدار البحث، فإن هذا المنهج سيأتي بنتائج مثمرة وصحيحة من سنخ تلك العقيدة، على أن يخضع البحث للوسائل العلمية والتحقيقية السليمة.

أما إذا كانت العقيدة المتبناة عقيدة فاسدة مستندة إلى أدلة هزيلة وخاطئة، فإن هذا المنهج سيأتي بنتائج عكسية مجانبة للصواب والواقع لا محالة.

نماذج وتطبيقات على المنهجين:

بعد أن انتهينا من ذكر المنهجين لقراءة للثورة الحسينية، وبعد ذكر الملاحظات التي يمكن أن تورد عليهما في المقام، سنحاول بإذن الله أن نذكر نماذج تطبيقية عملية لهما ونعلّق عليها بما يناسب المقام فيما إذا اقتضى الحال:

المنهج الموضوعي:

عندما نمرُّ على الكتابات التاريخية التي حاولت قراءة الثورة الحسينية، فإننا لا محالة سنجد بعض من تناول هذه الثورة المباركة كتابة وتحليلاً تناولها من خلفية موضوعية، إذ أن كل المؤشرات المتاحة لا تدل بحال على أن تلك الكتابات كانت وليدة لعقيدة سواء كانت مخالفة أو موافقة.

وسنورد هنا تباعاً بعض النماذج لهذا المنهج:

النموذج الأول:

يقول المستشرق الفرنسي هنري ماسيه في كتاب الإسلام: "في نهاية الأيام العشرة من شهر محرم طلب الجيش الأموي من الحسين بن علي أن يستسلم، لكنه لم يستجب، واستطاع رجال يزيد الأربعة آلاف أن يقضوا على الجماعة الصغيرة، وسقط الحسين مصاباً بعدة ضربات، وكان لذلك نتائج لا تحصى من الناحيتين السياسية والدينية.."(3).

النموذج الثاني:

يقول الكاتب المسيحي أنطوان بارا: "وهي - أي ثورة الحسين - قضية الأحرار تحت أي عنوان انضووا، وخلف أية عقيدة ساروا"(4).

النموذج الثالث:

قال المستشرق الألماني يوليوس فلهاوزن في كتاب نهضة الدول العربية: "بالرغم من القضاء على ثورة الحسين عسكرياً، فإن لاستشهاده معنىً كبيراً في مثاليته، وأثراً فعالاً في استدرار عطف كثير من المسلمين على آل البيت" (5).

النموذج الرابع:

يقول غاندي زعيم الهند ومحررها: "لقد طالعت بدقة حياة الإمام الحسين، شهيد الإسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء واتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر، فلا بد لها من اقتفاء سيرة الحسين". ويقول: "تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر"(6).

النموذج الخامس:

يقول محمود عباس العقاد: "مثل للناس في حلّة من النور تخشع لها الأبصار، وباء بالفخر مثله في تواريخ بني الإنسان، غير مستثني منهم عربي ولا عجمي، وقديم وحديث، فليس في العالم أُسرة أنجبت من الشهداء من أنجبتهم أسرة الحسين عدّة وقدرة، وحسبه أنه وحده في تاريخ هذه الدنيا الشهيد ابن الشهيد أبو الشهداء في مئات السنين"(7).

المنهج الإسقاطي:

إن المتتبع لما دوّن وكتب في الثورة الحسينية سيجد بوضوح أن أكثر الكتابات والتحليلات كانت وليدة العقيدة أو كانت وليدة خلفية سياسية أو حزبية، قد أسقطت على الثورة الحسينية، خلافاً في ذلك بين الفهم الحاصل لشخصية الحسين (عليه السلام) كشخصية معصومة منزهة عن الخطأ، أو كشخصية من الممكن أن تخطئ، مما أنتج لنا الكثير من اللغط والاشتباه في التحليل، ولذلك سنورد بعض النماذج التي تبين مدى الاشتباه الكبير الذي وقع فيه البعض نتيجة لاعتقاده الخاطئ في فهم شخصية الحسين (عليه السلام) أو نتيجة لمرتكزه المادي الذي أسقطه على ثورة إلهية كثورة الحسين (عليه السلام) أو لخبث سريرة منه أو تحامل تجاه هذه الشخصية العظيمة الفذّة، وسنبدأ أولا بذكر نماذج صدرت من علماء العامّة من داخل النطاق الإسلامي، ثم سنردفها بنماذج صدرت من بعض المستشرقين من خارج النطاق الإسلامي:

نماذج من النطاق الإسلامي:

النموذج الأول:

ما قاله ابن خلدون في تاريخه المعروف بتاريخ ابن خلدون، فقد أخذه معتقده الفاسد في الحسين (عليه السلام) إلى اعتباره مجتهدا كبقية المجتهدين يخطأ في التشخيص كما يخطأ غيره، ولذلك أسرف كثيرا في تغليطه (عليه السلام) بقوله: "فرأى الحسين أن الخروج على يزيد متعين من أجل فسقه لا سيما من له القدرة على ذلك وظنها من نفسه بأهليته وشوكته‏.‏ فأما الأهلية فكانت كما ظن وزيادة‏.‏ وأما الشوكة فغلط يرحمه الله.." ثم يردف قائلا: "‏... فقد تبيّن لك غلط الحسين إلا أنه في أمر دنيوي لا يضره الغلط فيه‏.‏ وأما الحكم الشرعي فلم يغلط فيه لأنه منوط بظنّه وكان ظنه القدرة على ذلك‏. ولقد عذله ابن العباس وابن الزبير وابن عمر وابن الحنفية أخوه وغيره في مسيره الى الكوفة وعلموا غلطه في ذلك ولم يرجع عما هو" ثم يقول:

"... ولم ينكر عليهم قعودهم عن نصره ولا تعرض لذلك لعلمه أنه عن اجتهاد منهم كما كان فعله عن اجتهاد منه‏.‏ الخروج على يزيد وإن كان فاسقاً لا يجوز لما ينشأ عنه من الهرج والدماء فأقصروا عن ذلك ولم يتابعوا الحسين ولا أنكروا عليه ولا أثّموه لأنه مجتهد وهو أسوة المجتهدين".

ثم يقول: "ولا يذهب بك الغلط أن تقول بتأثيم هؤلاء بمخالفة الحسين وقعودهم عن نصره فإنهم أكثر الصحابة وكانوا مع يزيد ولم يروا الخروج عليه..... لا يذهب بك الغلط أن تقول بتصويب قتله لما كان عن اجتهاد وإن كان هو على اجتهاد"!!!(8).

وقد تبين الحال بوضوح من خلال هذا النص القصير أن معتقد ابن خلدون الفاسد في الحسين (عليه السلام) قد جرّه إلى مثل هذا التمادي الكبير باعتبار من وصفه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بأنه إمام قام أو قعد مجتهداً أسوة المجتهدين!!، وقد أخذه ذلك إلى الإسراف في تغليط الحسين (عليه السلام)، ولذلك فقد جانب الصواب بوضوح وتمحض في الخطأ في أكثر من مورد، حيث يقول:

1. "وأمّا الشوكة فغلط يرحمه الله"!!.

2. "فقد تبين لك غلط الحسين إلا أنه في أمر دنيوي لا يضره الغلط فيه‏"!!.

3. "وعلموا غلطه في ذلك ولم يرجع عما هو"!!.

4. "لعلمه أنه عن اجتهاد منهم كما كان فعله عن اجتهاد منه‏"!!.

5. "لأنه مجتهد وهو اسوة المجتهدين"!!.

6. "ولا يذهب بك الغلط أن تقول بتأثيم هؤلاء بمخالفة الحسين وقعودهم عن نصره فإنهم أكثر الصحابة وكانوا مع يزيد ولم يروا الخروج عليه"!!

النموذج الثاني:

ما قاله ابن تيمية شيخ الإسلام الأموي في كتابه منهاج السنة النبوية: "هذا رأي فاسد، فإن مفسدته أعظم من مصلحته، وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير"(9)!!

فإن الحسين (عليه السلام) قد أخطأ التشخيص في نظره بالخروج على يزيد، فإن يزيداً وإن كان فاسقا إلا أنه ذو سلطان، فالخروج على مثله غير جائزٍ!!

ويقول في موضع آخر: "ولم يكن في الخروج لا مصلحة دين ولا مصلحة دنيا بل تمكن أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) حتى قتلوه مظلوما شهيدا وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن حصل لو قعد في بلده؛ فإنّ ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شيء بل زاد الشر بخروجه وقتله ونقص"(10).

وقد وضع العقّاد أصبعه على الحقيقة عندما قال: "إن القول بصواب الحسين معناه القول ببطلان تلك الدولة.. والتماس العذر للحسين معناه إلقاء الذنب على يزيد، وليس بخاف كيف ينسى الحياء وتبتذل القرائح أحيانا في تنزيه السلطان القائم وتأثيم السلطان الذاهب"(11).

النموذج الثالث:

ما قاله ابن عربي "وما خرج أحد لقتال الحسين إلا بتأويل، ولا قاتلوه إلا بما سمعوا من جده المهيمن على الرسل، المخبر بفساد الحال، المحذّر من دخول الفتن، وأقواله في ذلك كثيرة. منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان. انتهى الحديث. فما خرج الناس إليه إلا بهذا الحديث وأمثاله"!!!(12).

وقد تكفل الإمام عبد الرؤوف المناوي كلفة الرد على سفه هذا القول في كتابه "فيض القدير شرح الجامع الصغير"، بقوله:"ومن مجازفات ابن العربي أنه أفتى بقتل رجل عاب لبس الأحمر لأنه عاب لبسة لبسها رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) وقتل بفتياه كما ذكره في المطامح وهذا تهور غريب وإقدامه على سفك دماء المسلمين عجيب وسيخاصمه هذا القتيل غدا ويبوء بالخزي من اعتدى وليس ذلك بأول عجرفة لهذا المفتي وجرأته وإقدامه فقد ألف كتاباً في شأن مولانا الحسين رضي الله عنه وكرم وجهه وأخزى شأنئه زعم فيه أن يزيد قتله بحق بسيف جده نعوذ بالله من الخذلان"(13).

والغريب أن ابن خلدون هو الآخر قد غلّط ابن عربي رغم نزعته التبريرية التي ميزت كتاباته التاريخة، بقوله "وقد غلط القاضي ابو بكر بن العربي المالكي في هذا فقال في كتابه الذي سماه بالعواصم والقواصم ما معناه أن الحسين قتل بشرع جده وهو غلط حملته عليه الغفلة عن اشتراط الإمام العادل، ومن أعدل من الحسين في زمانه في إمامته وعدالته في قتال أهل الآراء‏!‏‏."‏(14)

وقد أجاد ابن الجوزي أيضا في كتابه السر المصون، عندما قال: "من الاعتقادات العامّة التي غلبت على جماعة منتسبين إلى السنة أن يقولوا: إن يزيد كان على صواب، وإن الحسين (رضي الله عنه) أخطأ في الخروج عليه ولو نظروا في السير لعلموا كيف عقدت له البيعة وألزم الناس بها، ولقد فعل في ذلك كل قبيح ثم لو قدرنا صحة عقد البيعة فقد بدت منه مواد كلها توجب فسخ العقد ولا يميل إلى ذلك إلا كل جاهل عامي المذهب يظن أنه يغيظ بذلك الرافضة"(15).

النموذج الرابع:

يقول ابن تيمية: "فإن يزيد بن معاوية ولد في خلافة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) ولم يدرك النبي (صلّى الله عليه وسلم)، ولا كان من الصحابة باتفاق العلماء، ولا كان من المشهورين بالدين والصلاح، وكان من شبّان المسلمين، ولا كان كافرًا ولا زنديقًا، وتولى بعد أبيه على كراهة من بعض المسلمين ورضاً من بعضهم، وكان فيه شجاعة وكرم، ولم يكن مظهرًا للفواحش كما يحكي عنه خصومه ‏.‏ وجرت في أمارته أمور عظيمة‏:‏

أحدها ‏:‏ مقتل الحسين (رضي الله عنه) وهو لم يأمر بقتل الحسين، ولا أظهر الفرح بقتله، ولا نكت بالقضيب على ثناياه (رضي الله عنه)، ولا حمل رأس الحسين (رضي الله عنه) إلى الشام.."(16).

هذا هو الهوى الأموي قد أخذ ابن تيمية بعيدا في إنكار الحقائق وتزييفها، فراح ينكر مسلمة تلو مسلمة وحقيقة تلو أخرى، ليس ذلك إلا مواصلة لخط أشياخه في تزوير الحقائق وتشويهها، فالإقرار بمثل هذه الحقائق المفصليّة لا يبقي لمثل مذهب ابن تيمية ومعتقده باقية. أما نفيه لكفر يزيد فقد أثبته غيره من علماء العامة(17)، فهذا هو الآلوسي يقول: "وقد جزم بكفره وصرح بلعنه جماعة من العلماء منهم: الحافظ ناصر السنة ابن الجوزي وسبقه القاضي أبو يعلى، وقال العلامة التفتازاني: لا نتوقف في شأنه بل في إيمانه(18) لعنة الله تعالى عليه وعلى أنصاره وأعوانه"(19)، ونقل ابن حجر في شرح الهمزية عن أحمد بن حنبل القول بكفره: "بل قال الإمام أحمد بن حنبل: بكفره."(20).

وأما قوله بأن يزيداً لم يكن مظهراً للفواحش، فلا نعدو الصواب إن قلنا ان ابن تيمية قد أصابه عمى الألوان التاريخي مما رآه من أهوال قد فعلها ولاة أمره نقلت في الكتب التاريخية، فهذا هو المسعودي في مروج الذهب يقول: "وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستعملت الملاهي، وأظهر الناس شرب الشراب.." ويقول: "وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب"(21).

وهذا ابن كثير في البداية والنهاية يقول: "بل قد كان فاسقا "(22)، ويقول: "وكان فيه إقبال على الشهوات وترك بعض الصلوات في بعض الأوقات، وإماتتها في غالب الأوقات"(23)، ثم يروي "أن يزيد كان اشتهر بالمعازف وشرب الخمر، والغناء والصيد واتخاذ الغلمان والقيان والكلاب والنطاح بين الكباش والدباب والقرود، وما من يوم إلا يصبح فيه مخمورا"(24).

وهذا ابن خلكان في وفيات الأعيان ينقل عن (الكياالهراسي) في معرض سؤاله عن يزيد قوله: "وأما قول السلف ففيه قولان تلويح وتصريح... ولنا قول واحد التصريح دون التلويح، وكيف لا يكون كذلك وهو اللاعب بالنرد والمتصيد بالفهود ومدمن الخمر"(25).

وهذا ابن حجر في شرح الهمزية يقول: "أن يزيد قد بلغ من القبائح الفسق، والانحلال عن التقوى مبلغاً لا يستكثر عليه صدور تلك القبائح منه، بل قال الإمام أحمد بن حنبل: بكفره"(26).

وهذا السيوطي في تاريخ الخلفاء يقول: "وكان سبب خلع أهل المدينة له أن يزيد أسرف في المعاصي وأخرج الواقد من طرق أن عبد الله بن حنظلة بن الغسيل قال: والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء، إنه رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة، قال الذهبي: ولمّا فعل يزيد بأهل المدينة ما فعل مع شربه الخمر وإتيانه المنكرات اشتد عليه الناس وخرج عليه غير واحد ولم يبارك الله في عمره"(27).

وأن نطوي عن ذلك كشحاً خير من أن نطيل في أمر هو أقرب إلى المسلّمات منه إلى المُختَلفات، ويكفي للعاقل دليلاً الواقف على سيرة يزيد أنه بدأ خلافته بقتل الحسين (عليه السلام)، وتوسطها بإباحة المدينة ثلاثة أيام، وختمها برمي الكعبة بالمنجنيق.

وأما تبرئته ليزيد في شأن قتل الحسين (عليه السلام) ونكت ثناياه بالقضيب وحمل رأسه إلى الشام، فنقول أنه لا ينكر ذلك إلا متعصب عنيد يمنع من ذمّ الفاسق يزيد، فإن ما ورد في هذا الشأن كثير وصل معناه حدّ التواتر، يقول التفتازاني في شرح العقائد النسفية:

"والحق أن رضاء يزيد بقتل الحسين (رضي الله عنه) واستبشاره بذلك وإهانته أهل بيت النبي(ص) مما تواتر معناه وإن كان تفاصيلها آحادا"(28).

وما سنذكره هنا في هذا الشأن مما ذكره العلماء والمؤرخون في كتبهم ومصنفاتهم غيض من فيض:

1. أما في شأن مسؤولية يزيد عن قتل الحسين (عليه السلام)، فشواهده الصريحة كثيرة، منها:

‌أ- كتاب يزيد إلى عبيد الله بن زياد لمّا ولاه العراق: "قد بلغني أن أهل الكوفة قد كتبوا إلى الحسين في القدوم عليهم، وأنه قد خرج من مكة متوجهاً نحوهم، وقد بلي به بلدك من بين البلدان، وايّامك من بين الأيام، فإن قتلته، وإلا رجعت إلى نسبك وإلى أبيك عبيد، فاحذر أن يفوتك"(29).

وهذا نص صريح في إيعاز يزيد لابن زياد بقتل الحسين (عليه السلام).

‌ب- ما نقله أبو المؤيد بن أحمد المكي أخطب خوارزم: ".... فكتب ابن زياد للحسين: أما بعد يا حسين فقد بلغني نزولك "كربلاء" وقد كتب إليّ أمير المؤمنين -يزيد- أن لا أتوسد الوثير، ولا أشبع من الخمير حتى أُلحقك باللطيف الخبير أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد"(30). وهنا تحريض صريح وصارخ من قبل يزيد، يحث فيه ابن زياد على قتل الحسين (عليه السلام).

‌ج- اتهام عبد الله ابن عباس الصريح ليزيد في ثنايا الكتاب الذي أرسله له: "من عبد الله بن عباس إلى يزيد بن معاوية. أما بعد... وأنت قتلت الحسين بن عليّ، بفيك الكثكث، ولك الأثلب... لا تحسبني، لا أبا لك، نسيت قتلك حسيناً وفتيان بني عبد المطلب، مصابيح الدجى، ونجوم الأعلام، غادرهم جنودك مصرعين في صعيد، مرمّلين بالتراب، مسلوبين بالعراء، لا مكفّنين... حتى أتاح الله لهم أقواماً لم يشتركوا في دمائهم، فأجنّوهم في أكفانهم، وبي والله وبهم عززت وجلست مجلسك الذي جلست، يا يزيد"(31).

وهذا النص صريح وواضح من ابن عباس ينسب فيه قتل الحسين (عليه السلام) إلى يزيد ويحمّله مسؤولية  ذلك.

‌د- ما نقله اليعقوبي في تاريخه عن معاوية بن يزيد أنه لمّا تولى الخلافة خطب الناس قائلا: "أما بعد حمد الله والثناء عليه... ألا وإن جدي معاوية ابن أبي سفيان نازع الأمر من كان أولى به منه في القرابة برسول الله... ثم قلّد أبي وكان غير خليق، فركب هواه، واستحسن خطأه... قال: إن أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه وقبح منقلبه، وقد قتل عترة الرسول، وأباح الحرمة...".(32).

وهذا اعتراف صريح آخر جاء من البيت الأموي نفسه على لسان ابن يزيد الأكبر يحمّل فيه أبيه قتل العترة الطاهرة، ولم يحدثنا التاريخ قط عن قتل يزيد أحداً من أبناء الرسول سوى ما حدثنا به عن قتله أبناء الرسول في كربلاء.

2. وأمّا في شأن نكت ثنايا الحسين بالقضيب وحمل رأسه إلى الشام، فما ورد فيه كثير، نذكر منه ما تيسر:

أ. ما نقله الطبري في تاريخه: "وأوفده إلى يزيد بن معاوية ومعه الرأس فوضع رأسه بين يديه وعنده أبو برزة الأسلمي، فجعل ينكت بالقضيب على فيه ويقول:

يفلقن هاما من رجال أعزة

                        علينا وهم كانوا أعق وأظلما

 

فقال له أبو برزة: ارفع قضيبك فوالله لربما رأيت فاه رسول الله(ص) على فيه يلثمه.." (33).

ب. يقول اليعقوبي في تاريخه: "ووضع الرأس بين يدي يزيد، فجعل يزيد يقرع ثناياه بالقصب"(34).

ج. يقول ابن كثير في البداية والنهاية: "وقد اختلف العلماء بعدها في رأس الحسين هل سيّره ابن زياد إلى الشام إلى يزيد أم لا، على قولين، الأظهر منهما أنه سيره إليه، وقد ورد في ذلك آثار كثيرة فالله أعلم. وقال أبو مخنف... قال: لما وضع رأس الحسين بين يدي يزيد بن معاوية جعل ينكت بقضيب كان في يده في ثغره..."(35).

د. يقول المسعودي في مروج الذهب: "فبعث به ابن زياد إلى يزيد بن معاوية ومعه الرأس، فدخل إلى يزيد وعنده أبو برزة الأسلمي فوضع الرأس بين يديه، فأقبل ينكت القضيب في فيه"(36).

هـ. يقول ابن الأثير في الكامل في التاريخ: "ثم أرسل ابن زياد رأس الحسين ورؤوس أصحابه مع زحر بن قيس إلى الشام إلى يزيد ومعه جماعة وقيل‏:‏ مع شمر وجماعة معه... والرأس بين يديه ومعه قضيب وهو ينكت به ثغره ثم قال‏:‏ إن هذا وإيانا كما قال الحصين بن الحمام‏:‏ يفلقن هامًا من رجالٍ أعزةٍ علينا وهم كانوا أعق وأظلما فقال أبو برزة الأسلمي‏:‏ أتنكت بقضيبك في ثغر الحسين أما لقد أخذ قضيبك في ثغره مأخذًا لربما رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) يرشفه أما إنك يا يزيد تجيء يوم القيامة وابن زياد شفيعك ويجيء هذا ومحمد شفيعه‏"(37).

نماذج من خارج النطاق الإسلامي:

النموذج الأول:

لقد صوّر فلهوزن في هذا النص بوقاحة الحسينَ (عليه السلام) بأنه ذلك الرجل المغامر الذي رام السلطان وضحّى بكل ما يملك في سبيل تحقيق مرامه في الحصول على ذلك السلطان، حيث يقول في كتابه الخوارج والشيعة:

"لقد مدَّ الحسين بن علي يده كالطفل ليأخذ القمر وادعى أعرض الدعاوى ولكنه لم يبذل شيئاً في سبيل تحقيق أدناها، بل ترك للآخرين أن يعملوا من أجله كل شيء، ولم يكد يصطدم بأول مقاومة حتى انهار فأراد الانسحاب ولكن كان ذلك متأخراً فاكتفى بأن راح ينظر الى أنصاره وهم يموتون في القتال من أجله وأبقى على نفسه حتى اللحظة الأخيرة، ومضى يقول: لقد كان مقتل عثمان بن عفان مأساة، أما مقتل الحسين فكان قطعة مسرحية انفعالية، ولكن عيوب الحسين الشخصية تختفي أمام هذه الواقعة وهي أن دم النبي(ص) يجري في عروقه وأنه من أهل البيت (عليهم السلام)"(38)!!

النموذج الثاني:

أما المستشرق جولدتسيهر في كتابه العقيدة والشريعة، فيقول: "أن الحسين في ثورته على حكومة يزيد قد انساق لطيش الشيعة وقصر نظرهم حتى أشركوه في تلك المعارك الدامية مع البيت الأموي"(39).

النموذج الثالث:

أما سير وليم مور فقد نظر إلى الحسين (عليه السلام) وثورته من زاوية رؤيته الكونية المادية، وراح يحاكم الثورة الحسينية بمنظار مادي بحت، حيث تمادى كثيراً في قوله: "إن الحسين بانسياقه إلى تدبير الخيانة سعيا وراء العرش قد ارتكب جريمة هددت كيان المجتمع وتطلبت من أولي الأمر في الدولة الأموية التعجيل بقمعها"(40).

إن هؤلاء المستشرقين قد أوغلوا في الخطأ والاشتباه كثيراً، لمّا حاكموا ثورة ربانية كثورة الحسين (عليه السلام)  بمنظار مادي وسياسي بحت، دائما ما يقيس الأمور على وفق ميزان الربح والخسارة الماديين.

إن تلك التحليلات الهزيلة التي أطلقها هؤلاء المستشرقين لا تكاد تصمد حتى تذهب في مهب الرياح  حين الوقوف على خطبة الحسين (عليه السلام) حين أراد الخروج إلى العراق، حيث خطب قائلا: "الحمد لله وما شاء الله، ولا قوة إلا بالله، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا، فيملأن مني أكراشاً جوفا وأحوية سغبا، لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله لحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقر بهم عينه وينجز بهم وعده، من كان باذلاً فينا مهجته، وموطناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا فإني راحل مصبحاً إن شاء الله"(41).

أو عند الوقوف على خطبته (عليه السلام) لمّا جمع أصحابه قائلا: "وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل، ليس عليكم مني ذمام هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وليأخذ كل رجل بيد رجل من أهل بيتي، وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم فإن القوم إنما يطلبونني ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري"(42).

أو عند الوقوف على ردّه على ابن عباس عندما نصحه بعدم الخروج إلى العراق، فقال (عليه السلام): «إني لم أخرج بطراً ولا أشراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت أطلب الصلاح في أمة جدي محمّد، أريد آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، أسير بسيرة جدي وسيرة أبي عليّ بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق»(43).

إن هؤلاء المستشرقين غفلوا أو تغافلوا بوضوح النتائج الباهرة التي حققتها الثورة الحسينية على مختلف الأصعدة والمستويات على مدى تلك القرون المنصرمة، والتي لا تزال فيوضاتها تغذي شريحة كبيرة من البشر، رغم كل ما خلفته الثورة من ألم ومأساة.

يقول الدكتور أحمد محمود صبحي في كتابه نظرية الإمامة لدى الشيعة الإثنى عشرية: "وإذا كان قد هزم في معركة حربية أو خسر قضية سياسية، فلم يعرف التاريخ هزيمة كان لها من الأثر لصالح المهزومين كما كان لدم الحسين (عليه السلام).." ثم يستطرد في حديثه عن نتائج ثورة الحسين (عليه السلام) قائلا: ".. من أجل هذا كله أدرك مستشرق ألماني لم ينظر إلى خروج الحسين نظرة عسكرية بحتة أدت إلى الحكم السطحي عليها كما فعل غيره من المستشرقين، إذ اعتبرها المستشرق (ماريني) بتدبير من الحسين توخاه من اللحظة الأولى وعلم موعد النصر فيه، فحركة خروجه على يزيد إنما كانت عزمة قلب كبير عزّ عليه الإذعان وعزّ عليه النصر العاجل فخرج بأهله وذويه ذلك الخروج الذي يبلغ به النصر الآجل بعد موته ويحيي به قضية مخذولة ليس لها بغير ذلك حياة"(44).

الخاتمة

إن مما لا شك فيه أن الثورة الحسينية قد امتازت عن غيرها من الثورات عبر التاريخ بأنها ثورة ربانية، قد فجرتها شخصية عظيمة وُصفت بالعصمة، ومن أجل ذلك فإن محاولة الوقوف على حقيقة الثورة الحسينية وقراءتها بما يضمن تحصيل الواقع، يستدعي اتباع منهج معين خاص قادر على تحصيل ذلك، وقد تبين بوضوح -من خلال ما تقدم- أن المنهج الأفضل في قراءة الثورة الحسينية، والذي يمكن من خلاله ضمان سلامة النتائج وصوابها، هو خصوص المنهج الإسقاطي المبتني على العقيدة السليمة، حيث إن الباحث مع فرض كونه مسلماً ملتزماً بالمنهج الإسلامي والرؤية الكونية الإسلامية في الحياة، يعني ذلك عدم تجرده عن منهجه ورؤيته في أي ظرف وتحت أي تأثير كان، وهذا بطبيعة الحال مما لا يتناسب مع المنهج الموضوعي الداعي إلى تجرد الباحث -عند بحثه- عن كل المؤثرات التي تعيقه أو التي تؤثر عليه في قراءته للحدث ولو كانت مرتبطة بأمر داخل في حيّز الدين، ولذلك نستطيع القول إن المنهج الموضوعي لا يمكن الأخذ به في المقام خصوصاً ونحن نتكلم عن ثورة إلهية عظيمة ارتبطت بشخيصة معصومة كالحسين (عليه السلام).

أما المنهج الإسقاطي المبتني على العقيدة الفاسدة، فإنه هو الآخر لا يصلح أن يُتخذ كمنهج في قراءة الثورة الحسينية، فبطلانه واضح وضوحَ الشمس في رابعة النهار، فإن الأخذ به يعني تغييب الحقيقة وتشويهها، حيث أنه ملازم لمجافاة الواقع ومجانبة الصواب.

يبقى أن من لم يعتقد في الحسين (عليه السلام) العصمة، أن يتخذ المنهج الموضوعي منهجاً له في قراءة الثورة الحسينية، فإن ذلك يضمن له الكثير من الحقيقة والواقع، إلا أنه في الوقت نفسه لا يسلم من أحتمال الوقوع في الخطأ والاشتباه حيث تخطئته المعصوم.

 

* الهوامش:

(1) "النهج" و"المنهاج" و"المنهج" كلها بمعنى واحد وهو الطريق الواضح البيّن، لسان العرب، ج 14 – ص300، وقد تستعمل لفظة "المنهج" ويراد بها أمرين: فقد تُطلق ويراد بها التصورات والمبادئ التي يلتزمُها الباحث، كما تُطلق ويُراد بها طريقة معينة في البحثِ العلميِّ لإثبات أمر ما، كإثبات أصل وقوع حادثة تاريخية معيّنة مثلا عبر طريقة علمية معيّنة كاتخاذ مسلك الوثوق أو الوثاقة أو الوثاقة والوثوق مجتمعين لإثبات ذلك، أما المراد من المنهج هنا فهو المعنى الأول لا الثاني، إذ أن مصب البحث هنا يكمن بعد الفراغ من إثبات وقوع الحادثة عبر الطرق العلمية المتبناة، فيأتي الكلام بعدها باتخاذ المنهج المختار الذي يعبر عن التصورات والمبادئ التي يلتزمُها الباحث في قراءته للحادثة.

(2) كما لو كانت العقيدة المُسقطة فاسدة مثلا.

(3) المبدعون والإمام الحسين (عليه السلام). http://www.alnoor.se/article.asp?id=17391.

(4) نفس المصدر.

(5) نفس المصدر.

(6) نفس المصدر.

(7) راجع موسوعة أعلام الهداية / الإمام الحسين – ج 5 / ص 34.

(8) راجع تاريخ ابن خلدون / ج 1 – ص 13 من 258.

(9) منهاج السنة النبوية / ج 2 – ص 241.

(10) منهاج السنة النبوية / ج 4- ص 530.

(11) الحسين أبو الشهداء / ص 106.

(12) العواصم من القواصم - ص 232.

(13) فيض القدير شرح الجامع الصغير /حرف الكاف ص 246.

(14) تاريخ ابن خلدون / ج 1 – ص 13 من 258.

(15) الرد على المتعصب العنيد المانع من ذمّ يزيد / ص 21،  تفسير روح المعاني للآلوسي، في تفسير الآية رقم 23 من سورة محمد.

(16) مجموع فتاوى ابن تيمية / المجلد الثالث - ص 61من 645.

(17) إلا أن الحق أن أكثر علماء العامة لم يذهبوا إلى كفره متذرعين بعدم ثبوت الأسباب الموجبة للكفر عليه.

(18) في بعض الكتب جاءت بلفظ "في كفره" كما في الإتحاف بحب الأشراف "فنحن لا نتوقف في شأنه بل في كفره" / ص 168.

(19) تفسير روح المعاني للآلوسي، في تفسير الآية رقم 23 من سورة محمد.

(20) الإتحاف بحب الأشراف / ص 177.

(21) مروج الذهب / ج 3 – ص 50.

(22) البداية والنهاية / ج 8 – ص 2230.

(23) البداية والنهاية / ج 8 – ص 2232.

(24) البداية والنهاية / ج 8 – ص 2234.

(25) الرد على المتعصب العنيد المانع من ذمّ يزيد / ص 21.

(26) الإتحاف بحب الأشراف / ص 177.

(27) تاريخ الخلفاء / فصل يزيد بن معاوية أبو خالد الأموي.

(28) الرد على المتعصب العنيد المانع من ذمّ يزيد / ص 23، وقد جاء نفس اللفظ تقريبا في تفسير روح المعاني للآلوسي، في تفسير الآية رقم 23 من سورة محمد.

(29) تاريخ اليعقوبي / ج 2 – ص 242.

(30) قراءة في مقتل الحسين / ص 49.

(31) تاريخ اليعقوبي / ج2 – ص 248.

(32) تاريخ اليعقوبي / ج2 – ص254.

(33) تاريخ الطبري / ج 3 – ص 1027.

(34) تاريخ اليعقوبي / ج 2 – ص 245.

(35) البداية والنهاية / ج 8 – ص 2200.

(36) مروج الذهب / ج 3 – ص 45.

(37) الكامل في التاريخ / ج 22 – ص 51-309 ( ذكر مقتل الحسين ).

(38) سيرة الأئمة الأثني عشر / ج 2 – ص 89.

(39) المصدر السابق.

(40) سيرة الأئمة الأثني عشر / ج 2 – ص 89.

(41) معالم المدرستين / ج3 – ص 75.

(42) الكامل في التاريخ / ج 2 ص من 51-309،  مناقب آل أبي طالب / ج 4 – ص 107.

(43) مناقب آل أبي طالب / ج 4 ص 97.

(44) سيرة الأئمة الأثني عشر / ج 2 – ص 95.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا