المنهج السياسي الإسلامي في حوار مع سماحة العلامة الشيخ حسان سويدان (حفظه الله)

المنهج السياسي الإسلامي في حوار مع سماحة العلامة الشيخ حسان سويدان (حفظه الله)

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

يمثل المنهج السياسي لكل مذهب أو بلد الأسلوب الذي يحدد كثيراً من المعالم الفكرية والسلوكية للأمة، وهو الحجر الأساس الذي تعيش تحت ظله الأفكار والسلوكيات المنسجمة معه بأمان وتواصل؛ لذا فإننا نرى أن أول حصن أسسه الرسول(ص) بعد وصوله إلى المدينة تأسيس الدولة الإسلامية لكي يظلل على المسلمين بالمنهج السياسي الإسلامي الأصيل ليكون ذلك الحصن الحصين الذي يوفر للمسلين كل ما يقربهم إلى الله ويحصنهم من الشيطان.

وليس فهم المنهج السياسي في الإسلام من الوضوح والسهولة كحفظ الصلاة أو سورة قصيرة، بل هو من العمق والدقة ما يحتاج إلى الإحاطة الدقيقة بالإسلام ومفاهيمه؛ لذا رأت مجلة «رسالة القلم» أن تقف حول هذا الموضوع مع سماحة العلامة الشيخ حسان سويدان ليركز على بعض النقاط الهامة فيما يرتبط بالمنهج السياسي في الإسلام.

 ■السلام عليكم سماحة الشيخ ورحمة الله وبركاته.

● وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

■ سماحة الشيخ، ما هو المقصود من المنهج السياسي في الفكر الإسلامي؟ وما هو المصدر الأساس لاستنباطه؟

● مما لا شك فيه أن الشرائع الإلهية المقدسة -وبالأخص الشريعة الإسلامية- قد اشتملت على جميع نواحي الحياة الإنسانية، فلم تهمل جانبا على حساب جانب آخر، ولا يخفى أن من مهمات الحياة الإنسانية الاجتماعية هو إقامة الدولة والأنشطة التي تعد نوعا من الجهاد لتسهيل الطريق أمام الناس للوصول إلى السعادة البشرية الحقيقية، ولا يفرق في هذا السعي والجهاد بين حالة وجود الحكومة الإسلامية والسعي لتطبيق الأحكام قدر المستطاع في ظل الحكومة الظالمة، وهو ما يتخذ صورة المعارضة السياسية لإصلاح شؤون الأمة على مستوى الجماعة أو الحكم، ولهذا العمل أشكاله المتنوعة، فتارة يتجلى بصورة التثقيف الديني، وأحياناً بالكلمة والمعارضة السلمية، وقد يصل إلى الجهاد والعمل المسلح في سبيل إقامة حكم الله سبحانه وتعالى كما إذا احتل العدو بلاد الإسلام كما هو الحال في لبنان.

أما بالنسبة للمصدر السياسي للمنهج السياسي فلا شك أن المصدر للفكر السياسي الإسلامي هو الدين الحنيف الذي على ضوئه نستنبط الأحكام الشرعية، فهو من الناحية النظرية ومن الجانب التطبيقي داخلٌ تحت منظومة التشريعات الإسلامية، وما دمنا نتحدث في إطار التشريع فلا بد من الرجوع إلى الاستنباط الفقهي، وفي الواقع هذا الباب (البعد السياسي) من التشريعات يستحق وبجدارة أن يكون جزءا من الرسالة العملية وإن لم يعتد ذلك في الرسائل.

إذن المصدر الأساسي للمنهج السياسي هو نفس المصدر لاستنباط الأحكام الشرعية، وقد نملأ الجزء الأكبر في هذا المجال من خلال الكتاب والسنة، وهذا ما نجده في الدراسات الإسلامية السياسية في عصرنا الحاضر عند التنظير للفكر السياسي الإسلامي، وقد يتطرق العقل لبعض الخطوط العامة من خلال القواعد العامة العقلية التي قد نملأ بها الفراغ في بعض الجهات والخطوط الكلية العامة.

هذا فيما يرتبط بالمنهج السياسي كفهم للإسلام في هذا البعد، أما إذا أردنا أن نتحدث عن المنهج كطرق عملية فهذا مما لاشك فيه خاضع للظروف الموضوعية من الزمان والمكان وغيرهما، هناك خطوط عريضة للمنهج العملي لا بد أن تستقى من هذا التنظير الفكري المأخوذ من الكتاب والسنة، وهناك تطبيقات مختلفة تابعة للظروف الموضوعية، فقد تكون الحركة العملية ثقافية سلمية وقد تكون مسلحة كما هو الحال في التعامل مع المحتل، فإن في مثل هذه الحالة يأتي دور الجهاد بالمعنى الأخص، وقد يكون الوضع في بعض البلدان يقتضي الحركة السلمية والمعارضة السلمية، بل قد يكون استخدام الطريق الجهادي في بعض الظروف له مردوده السلبي.

والمهم في هذا المجال ألا تخضع هذه التشخيصات لأذواق الأذهان المختلفة، فالشريعة الإسلامية أعطت التكليف الشرعي للأمة بما هي أمة، وقد أعطيت هذه التكاليف بيد الحاكم المجتهد الجامع للشرائط، ومن أهم الشرائط الكفاءة السياسية، وهذا إما على أساس نظرية ولاية الفقيه كما ذهب إلى ذلك الإمام الخميني    (ره)، وإما على قاعدة الحسبة من كون القدر المتيقن الذي من حقه استلام هذا المنصب هو الفقيه كما هو رأي السيد الخوئي(ره)، كما طبق ذلك على مسألة الجهاد الابتدائي في عصر الغيبة، فليس للجهاد خصوصية، وإنما هو مصداق لتطبيق هذه القاعدة، وهذه مفردة من أهم مفردات المنهج السياسي.

■ إذا كان المصدر لفهم المنهج السياسي واحدا فلماذا هذا الاختلاف في المناهج السياسية؟

● قضية الاختلاف في منظومة الفكر الإسلامي لا تختص بالمنهج السياسي، فقد طاولت مسألة الاختلاف حتى العقيدة، فالمسلمون قد لا يختلفون في أصل وجود الباري لكن يوجد اختلاف بينهم في تفاصيل التوحيد، وفي بعض تفاصيل النبوة، وكذلك في مسألة الإمامة، فإنه يضيق الأمر في هذه المسألة على البعض، ولم تحصل منازلة كما حصل في أمر الإمامة حتى أخرجها البعض من دائرة المعتقدات إلى مرتبة الفروع العملية.

إذن الاختلاف عام لكثير من القضايا الدينية، سواء في العقائد أو المفاهيم أو الأحكام الشرعية، وسبب هذا الاختلاف -بعد الاتفاق على أن المصدر الأساس هو الكتاب والسنة- هو تعدد القراءات والمناهج والاختلاف في بعض الخطوط العريضة في القضايا الاجتهادية والذوق الفقهي، بالإضافة إلى القواعد الثانوية عند بعض المسلمين، مثل القياس الذي حاربه أهل البيت(ع) أشد المحاربة، وعُدَّ فاعله من أتباع إبليس(لعنه الله) كما ورد عن الصادق(ع)، وإذا أردنا أن نتحدث عن الدائرة الأضيق -وهي دائرة أتباع مدرسة أهل البيت(ع)- بشكل عام، فإن الاختلاف في إطاره السليم في استنباط الأحكام السياسية، البعض يتصور أن السيد الإمام الخميني(قده) قد خطى خطوة متقدمة بقوله بالولاية المطلقة، بينما تجد السيد الخوئي(قده) -والذي لا يرى الولاية للفقيه كما يراها الإمام- ينفرد بالقول بوجوب الجهاد الابتدائي عند توفر الشروط، وهذا ما لايفتي به الإمام الخميني(قده) القائل بالولاية المطلقة، وهذا في الواقع يعد خطوة كبيرة للسيد الخوئي(ره) في هذا المجال، فقد أدى به اجتهاده الفقهي إلى هذا الرأي في الولاية لعدم وجود الدليل اللفظي عليها، والقول بالتصدي وفقا لقاعدة الحسبة وأن القدر المتيقن لهذا المنصب هو الفقيه، بينما أدى اجتهاد الإمام(قده) الفقهي إلى القول بالولاية كما ذهب إلى ذلك صاحب الجواهر والنراقي(رحمهما الله)، ولا يخفى أن منصب الولاية من أهم المناصب السياسية في عصر الغيبة، فالخلاصة أن سبب الاختلاف في المناهج السياسية هو بسبب الاختلاف في الاستنباط الفقهي بشكل أساسي.

■ هل تؤثر الظروف الموضوعية على فهم الفقيه للمنهج السياسي؟

● هناك عدة أمور وعوامل تؤثر على فهم الفقيه، مثلا: الظروف الموضوعية، النظرة الشمولية للإسلام، الحالة النفسية التي يعيشها الفقيه، والاختلاف -سواء كان في المنهج الذي يتمثل في البعد الفكري وفهم الإسلام أو في بعد اتخاذ القرارات وفقا للظروف الموضوعية- أمر طبيعي وفقا للمنهج السليم، ونحن لا ندعي التصويب في الأحكام فضلا عن التشخيصات الموضوعية، والاختلاف في اتخاذ القرارات العملية له أسبابه، فقد يكون السبب أهلية الأمة وعدم أهليتها في نظر الفقيه، فقد يعتقد فقيه بأهلية الأمة وآخر في نفس المكان يخالف في التشخيص، وقد يكون تأثير الفقيه في مكان وهو في مكان آخر كما حصل في ثورة التنباك، فقد كان السيد محمد حسن الشيرازي(قده) في سامراء بينما أفتى بالثورة في إيران تبعا لتشخيص الظروف الموضوعية في إيران، وقد يكون الاختلاف في تشخيص مصلحة قرار سياسي نفس البلد وفقا للظروف الموضوعية كما حصل ذلك في مسألة المشروطة بين السيد اليزدي(قده) وصاحب الكفاية الخراساني(قده)، فقد كان بينهما اختلاف كبير في هذه المسألة، حتى سرى إلى الأتباع والقواعد.

والاختلاف الطبيعي هو ما كان وفقا للمنهج السليم، فعلى الأمة أن ترتبط بفقهائها ولا يُسمع لكل من هب ودب وفتح له دكانا سياسيا، وأستطيع أن أؤكد القول فيما يرتبط بأهم مسألة في الفكر السياسي(ولاية الفقيه) بأن هذه الأمور العامة التي تمثل مصير الأمة بيد الفقيه العادل ولا يحق لغيره التصدي.

■ يقترن اسم الإمام الخميني(قده) بالحديث عن المنهج السياسي، فما الذي يميز الإمام(قده) عن غيره في هذا المجال؟

● الذي يميز الإمام(ره) هو أنه جهد من خلال شخصيته في البعد الفكري السياسي والاجتماعي، ومن خلال الهمة العالية والاستثنائية في قضايا الأمة فكريا وعمليا، فعلى المستوى الفكري فقد أخرج ولاية الفقيه المطلقة من بطون الصحف والكتب وطرحها نظريا كنظرية فاعلة بأسلوب يدعو إلى تطبيقها، فقد فصل الحديث فيها بحيث تواكب المجتمع في إطار سياسي تشريعي كجزء له الفاعلية من منظومة الأحكام الشرعية الأخرى.

كان يحمل فكرا نيرا ونظرة شمولية للإسلام، وأعطى من نفسه الكثير في هذا المجال؛ فبالإضافة إلى الهمة العالية بذل جهدا واسعا فيما يرتبط بشؤون الأمة، وقد وفقه الله في ذلك فأوصل الأمة إلى القوة والمنعة، وأسس الدولة التي تمثل الشعرة البيضاء في هذا العالم الأسود، وتمثل سدا منيعا لأحرار المسلمين بل العالم؛ لأن ثورة الإمام منار وشعار للأحرار، فلعلها تمثل أهم عمل على مستوى الأمة بعد ثورة جده سيد الشهداء(ع)، لا أحب أن يفهم الكلام خطأً؛ فهو شعلة من آبائه الطاهرين(ع)، ولكن لم يحصل حدث كبير على المستوى العملي بحيث يسري في الحياة الاجتماعية بعد ثورة الإمام الحسين(ع) كهذه الثورة، ولا ننكر إمكان ذلك على يدي غير الإمام الخميني(قده)، فالله سبحانه وتعالى هيّأ له وأهّل له أمة وأصحابا كانوا مستعدين لأن يعطوا مهجهم في سبيل الله، وهذا ما لم يتحقق لأهل البيت(ع)؛ لأن الخلص من أصحابهم كانوا شرائح قليلة ولم يكن المجتمع مؤهلا للقيام بهذا الدور، وهذا من مميزات حركة الإمام الخميني(ره)، وإلا فهو مهما عظم في النظرية ومهما عظم كعارف وحكيم فلو لم يكن معه أمة مستعدة لما كانت الأمور تصل إلى هذا الهدف العظيم.

■ كيف يتمكن الشخص العامي من معرفة المنهج السياسي وتمييز ما هو الحق؟

● قضية المنهج جزء من الأحكام الشرعية التي يقلد فيها العامي الفقيه، وحيث إن هناك تعدداً في الاجتهاد بين الفقهاء فلا بد أن يرجع كل مكلف إلى مقلده، نعم، هناك ثقافة سياسية لا ترتبط مباشرة بالأحكام من قبيل مطالعة الصحف والمجلات على الصعيد الداخلي أو العالمي، أما المنهج العملي من الواضح أن كل عمل يمثل واحد من أفعاله التي لها حكم في الشريعة، فلا بد من الرجوع في ذلك إلى المرجع.

وقد يقول قائل: إن الفتاوى كبريات كلية والتطبيق العملي قد يحتاج أن يكون من خلال حركة سياسية أو حزب أو ما شابه ذلك، فهنا لا بد من التدقيق في اختيار من له الصلاحية في التطبيق ومن له القدرة على تحريك الساحة وفق نظر الفقهاء ورؤاهم، على هذا الأساس لا بد من الارتباط بخط العلماء المخلصين وليس الفقهاء فقط، وإنما المراد خط العلماء الذي يحمل خصائصه، صحيح أن العلماء بينهم اختلاف مشروع -ولا أستطيع أن أدعي أن الفرد العامي يمكن أن يصل إلى نتيجة قطعية في تحديد ما هو الصحيح- ولكن عليه في النهاية بالرجوع للأحكام الشرعية.

■ ما هي مواصفات العامل في الحقل السياسي؟

● أولاً: وعي الأهداف الإسلامية: الواصفة الأولى لكل عامل في أي حقل اجتماعي أو سياسي هو أن يكون واعيا للأهداف الفكرية العامة للمدرسة الإسلامية، وهذا عادة ما يصعب تواجده بدرجة عالية في غير العلماء الأفاضل، فإنهم المسؤول الأول في شأن الدين وإدارة شؤون الأمة، ولست أقول هذا من باب الحكر وحصر وعي الأهداف فيهم، بل من باب أنهم الصنف الذي يفني عمره في فهم المنهج الإسلامي فلا بد أن يكونوا الأقدر على بيان الدين وأهدافه للأمة، وهذا قد تجده في إنسان لا يتزيا بلباس أهل العلم وإن كان هو في الواقع عالما؛ لأنه يعي بدرجة عالية أهداف الإسلام العامة، وهؤلاء نوادر.

ثانياً: السوابق الرسالية: الأمة لا بد وأن تتأكد من الصلاحية الرسالية للرمز السياسي، وهذا أمر مهم، لا بد من البحث عمن يجسد الاستقامة على المنهج، وهذا يحصل من خلال معاشرة الأمة لهذه الشخصية؛ فليست الشخصية العاملة قد نزلت من السماء أو خرجت من الأرض؛ فهي عادة وليدة المجتمع، فيمكن للمجتمع معرفتها جيدا، سيما في عصر سرعة المعلومات، وعلى هذا الأساس من التأمل في السوابق الشخصية يمكن الوصول إلى الضابطة التي لا توقع في مزالق خطرة، ويلعب تأييد المرجعيات الكبيرة دوراً كبيراً ومهماً لمثل هذه الشخصيات.

ثالثاً: الانصهار مع قضايا الأمة: أن تكون شخصية نيرة ومنفتحة على قضايا الأمة من بابها الواسع، وقد يكون الشخص رساليا ولكن أفقه ليس واسعا على مستوى الأمة، أو لا يعطي من نفسه لقصور أو تقصير، من هنا كون الشخصية متفاعلة على المستوى العلمي من أهم الصفات المؤثرة في تحقيق أهداف الأمة، وهذه الصفة كانت بارزة في النبي الأكرم(ص)؛ حيث يصفه أمير المؤمنين(ع) أنه طبيب دوار بطبه، على الرمز أن يكون طبيبا مشفقا على الأمة، يحمل أعباء قضاياهم ليلا ويجاهد نهارا حتى لو كانت هذه القيادة من دائرة معينة.

 

 

لا بد من التدقيق في اختيار من له الصلاحية في التطبيق ومن له القدرة على تحريك الساحة وفق نظر الفقهاء ورؤاهم.

على هذا الأساس لا بد من الارتباط بخط العلماء المخلصين.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا