الفقر بين الكفر والفخر (القسم الأول)

الفقر بين الكفر والفخر (القسم الأول)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي أفقر وأغنى، وأمات وأحيى، وأضحك وأبكى، وأوجد وأفنى، الذي خلق الإنسان من نطفة تمنى، ثم تفرد عن الخلق بوصف الغنى، ثم خصص بعض عباده بالحسنى، فأفاض عليه من نعمه ما يسر به واستغنى، وأحوج إليه من أخفق في رزقه وأكدى، إظهاراً للامتحان والابتلاء، والصلاة على محمد المصطفى، سيد الورى، وشمس الهدى، وعلى آله المعصومين، وسلم كثيراً(1).

توطئة:

يتبنى الإسلام تصوراً خاصاً للحياة الإنسانية في الدنيا، وأنها لا تمثل من وجود الإنسان وحركته إلا مقدمة لعالم آخر يتحقق فيه ذلك التكامل الحقيقي المنشود، فما الدنيا في النظرة الإسلامية إلا متاع زائل، وما هي إلا دار ممر ومجاز إلى دار مقر ومستقر(2)، قال تعالى على لسان مؤمن آل فرعون: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}(3)، ولعمري ما هي إلا بضع دقائق وأنفاس قلائل حتى ينتبه المغبون المخدوع في يوم سفره وارتحاله إلى دار مقره بزاد قليل وحمل ثقيل بعد فوات الأوان ولسان حاله:

وفدت على الكريم بغير زاد

                        من الحسنات والقلب السليم

 

وحمل الزاد أقبح كل شيء

                        إذا كان الوفود على الكريم

 

ولنعم ما قال الشاعر في وصف الدنيا:

أحلام يوم أو كظل زائل

                        إن اللبيب بمثلها لا يخدع

 

فالدنيا بما فيها من الطيبات والزينات والشهوات والرغبات والإمكانات ليست هدفاً، بل هي عرض زائل، وسراب باطل، تعمي بصيرة المرء عن الهدف الحقيقي، وتشغله عن هدفه الذي خلق لأجله، ورد عن أمير المتقين(ع) فيما أوصى به ابنه الحسن(ع): «اعلم أنك إنما خلقت للآخرة لا للدنيا، وللفناء لا للبقاء، وللموت لا للحياة، وأنك في منزل قلعة، ودار بلغة، وطريق إلى الآخرة، وأنك طريد الموت الذي لا ينجو منه هاربه، ولا بد أنه مدركه..»(4).

وهذه الدنيا المذمومة هي التي يسعى الإنسان من خلالها لأجل اللذة الشخصية فقط، وهي التي يتعلق قلب الإنسان بتحصيل وطلب الزخارف الدنيوية، وأن يتوجه نحو جمع المال وكنزه، وأن يكون تمام همه وغمه وهدفه من الحياة هو الدنيا، فما من أمر دنيوي جدير بأن يكون هدفاً أعلى، ولكن إذا اتخذ الإنسان الدنيا جسراً وطريقاً للوصول إلى الله فهي دنيا ممدوحة، جاء عن أمير المؤمنين(ع): «نعم العون الدنيا على الآخرة»(5)، فالدنيا مزرعة للآخرة، وكلما عمل الإنسان خيراً فيها سيجني ثماره في الآخرة، فما يصحب الإنسان في الدنيا وتبقى ثمرته معه بعد الموت فهو من الآخرة في الحقيقة، وإن عد من الدنيا من حيث دخوله في عالم الحس وكونه في هذه النشأة الدنيوية، وما من حركة وسكنة للإنسان إلا ولا بد أن تصعد به نحو الله والتقرب منه، وإلا كانت أنفاسه وأوقاته هباءً ضائعاً وحسرةً تبقى إلى يوم القيامة، فعن الرسول الكريم(ص): «كن على عمرك أشح منك على درهمك ودينارك»(6).

فالمذموم إذن ليس هو الدنيا بما هي دنيا، بل المذموم هو التعلق بملذات الدنيا، فإن حب الدنيا يوجب انحراف الناس عن جادة الحق والصراط المستقيم، فإذا انحرف الناس انحرف المجتمع والأمة أيضاً(7)، ورد عن الإمام الصادق(ع): «رأس كل خطيئة حب الدنيا»(8)، ومن وصايا الإمام الكاظم(ع) لهشام: «يا هشام، مثل الدنيا مثل ماء البحر، كلما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتى يقتله»(9)، ومن هنا نستكشف أن الثروة في المنظور الإسلامي سلاح ذو حدين، وإطارها النفسي هو الذي يبرز هذا الحد أو ذاك(10)، فإن كانت الثروة وتنميتها لأجل الثروة بذاتها فهي رأس كل خطيئة، وهي التي تبعد الإنسان عن ربه، ويجب الزهد فيها، وإن كانت الثروة وسيلةً لتحقيق الأهداف الأخروية فهي نعم العون على الآخرة، وتنمية الثروة هدف طريق لا هدف غاية، ورد أن رجلا قال لصادق أهل البيت(ع): «والله إنا لنطلب الدنيا ونحب أن نؤتاها، فقال له: تحب أن تصنع بها ماذا؟ فقال: أعود بها على نفسي وعيالي، وأصل بها، وأتصدق بها، وأحج وأعتمر، فقال له الإمام: ليس هذا طلب الدنيا، هذا طلب الآخرة»(11)، وجاء في مواعظ الإمام الكاظم(ع): «اجعلوا لأنفسكم حظاً من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال، وما لم يثلم المروة، وما لا سرف فيه، واستعينوا بذلك على أمور الدين؛ فإنه روي: ليس منّا من ترك دنياه لدينه أو ترك دينه لدنياه»(12)، فالثروة والمال أمانة في يد الإنسان ليستفيد من مواهب الطبيعة في خدمة الناس والقيام بالتكاليف والوظائف الملقاة على عاتقه، وعمارة الأرض وإحيائها وبنائها واستخراج المعادن وصرفها في سبيل العيش الرغيد لعباد الله، وإنقاذ الناس من الفقر، والاستفادة الصحيحة من المال والثروة التي هي في الحقيقة ملك للمالك الحقيقي أي الله سبحانه وتعالى، وكل ذلك قد اهتم الشارع المقدس به(13) لتحقيق هدف الإنسان الأسمى، وهو الوصول إلى الله، والإسلام نفسه ما قام إلا بسيف علي(ع) ومال خديجة(ع)(14).

ومن هنا نعرف بأن الدين الإسلامي بما يتصف به من ربانية وشمولية وواقعية قد اهتم بعناصر ثلاثة للمجتمع الإنساني: الإنسان، والإنسان والآخر، والطبيعة، ولكن مع إضافة طرف رابع خارج عن إطار المجتمع ولكنه مقوم من المقومات الأساسية للعلاقة الاجتماعية وهو الله سبحانه وتعالى، بخلاف المذاهب الاجتماعية المادية التي فرضت ثلاثة عناصر فقط في تشكيل المجتمعات، فإن الطرف الرابع الذي افترضته النظرية القرآنية يفرض أساساً مهماً وحساساً في حركة المجتمع التكاملية وعلاقة الإنسان مع الآخر والطبيعة، وهو أساس (الاستخلاف)، قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}(15)، وعلى ضوئه تتحول العلاقة من علاقة قائمة على أساس النِّدِّيَّة والصراع بين الإنسان والآخر -وعلى أساس المالكية والقدرة والهيمنة بين الإنسان والطبيعة- إلى علاقة تقوم على أساس الاستخلاف التي تتقوم بوجود المستخلف وهو الله عز وجل، فيصبح لهذه العلاقة مضمون مؤثر بشكل أساسي على علاقة الإنسان بالعناصر الأخرى المكونة للمجتمع(16).

وعلى هذا الأساس لا يمكن النظر إلى الدين بنظرة ساذجة تفهم الدين على أنه ارتباط بين العبد وربه بمعزل عن الحياة، فلا يمكن فصل الدين عن الحياة؛ فإن ما من واقعة إلا ولله فيها حكم(17)، فالدين هو الذي يوفر مستلزمات السعادة الأبدية، ويتكفل له بمصادر رزقه وعيشه الرغيد، أما المجتمعات العلمانية فتاهت وأخطأت الطريق متجهةً مرةً صوب غرب أوربا لتتلقى دروس الرأسمالية الظالمة، ومرةً ثانيةً صوب شرق أوربا لتستدين التجربة الاشتراكية الخاسرة، ولما كان الإسلام رسالةً شاملةً -فيها التعاليم الاجتماعية إلى جانب النظام السياسي والنظام الاقتصادي والتربوي- كانت ضامنة للسير في خط مستقيم موصل إلى التكامل الإنساني ما دام الإسلام في جوهره وروحه استسلاماً لله تعالى، وعبوديةً كاملةً له، «إن الإسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين..»(18)، فقد أعطى الإسلام منهجاً كاملاً للحياة يضمن لها السعادة الأبدية، وقدم حلولاً لشتى المصاعب والمشاكل التي قد تواجه الإنسان في حياته، ومن ضمن أهم المشكلات التي قد تواجه الإنسان فيها الفقر والعوز الذي جاء الإسلام لمحوه من المجتمعات وإرساء القسط والعدل في ربوع المعمورة، ورد عن رسول الأمة(ص): «اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، فقال رجل: أيعدلان؟ قال: نعم»(19)، وعنه(ص): «كاد الفقر أن يكون كفراً»(20).

تعريف الفقر:

الفقر لغةً (في قواميس اللغة العربية): رديئة، ورجل فقير من المال قد فقر، فهو فقير، والجمع فقراء، والأنثى: فقيرة من نسوة فقائر.

والمسكين هو الذي لا شيء له، والفقير أحسن حالاً من المسكين، قال ابن عرفة: الفقير عند العرب المحتاج، قال تعالى: {أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ}(21)، أي: المحتاجون إليه، وأما المسكين فالذي قد أذله الفقر(22)، والفقر المدقع هو الشديد يفضي بصاحبه إلى الدقعاء يعني التراب(23). وعليه فالفقر هو فقد ما يحتاج إليه، ولا يسمى فقد ما لا حاجة إليه فقراً(24)؛ فالإنسان بالنسبة إلى أي شيء يحتاجه يكون فقيراً بالنسبة إليه كالفقر العلمي، جاء عن أمير المؤمنين(ع): «لا غنى كالعقل، ولا فقر كالجهل»(25)، الفقر الروحي، الفقر الأخلاقي، فقر النفس، والفقر الوجودي، وغيرها من الحاجات المستفادة من الله سبحانه، وعليه فإن البشر ـ بل كل ممكن ـ في جميع شؤونه من معاشه ومعاده وحركاته -بل حتى في وجوده- فقير، أي محتاج إلى الله، ولكن كثيراً ما يستعمل في صنف خاص من الاحتياج، وهو الاحتياج من حيث المال(26)، قال تعالى: {وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}(27).

الفقر اصطلاحاً: (في اصطلاح علماء الفقه): قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ}(28)، الفقير هو الذي لا يملك مؤونة سنته له ولعياله بالفعل ولا بالقوة، ويقابله الغني، وهو من يملكها بالفعل أو بالقوة(29)، ولفظ الفقير ولفظ المسكين إذا اجتمعا في الكلام عبّر كل واحد منهما عن معنى، وإذا افترقا عبّرا عن معنى واحد، ولم يقعا مجتمعين إلا في آية الزكاة(30)، وقد اختلف العلماء في أيهما أسوأ حالاً وقالوا: إن الفرق عند الاجتماع هو أن الفقير أسوأ حالاً(31) للابتداء به في الآية آنفة الذكر، (ومن قواعدهم الابتداء بالأهم)، وقيل: إن المسكين أسوأ حالاً(32) كمن لا يملك قوته اليومي(33)، وكون الفقير لا يسأل والمسكين يسأل(34)، ولقوله تعالى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ}(35)، وهو المطروح على التراب لشدة الاحتياج، وعلى أي حال، فكلاهما متّحدان في الاشتراك بوصف عدمي، وهو عدم وفاء الكسب والمال بمؤونته ومؤنة العيال(36)، وإنما تظهر ثمرة التفريق فيما لو نذر أو وقف أو أوصى لأسوئهما حالاً(37).

(في اصطلاح علماء الاجتماع): تعتبر الدراسات الاجتماعية الإنسان فقيراً إذا كان ما زال في حاجة إلى العناصر المعيشية الأساسية اللازمة لوجوده المادي وسلامة بقائه، وقد ذهب العالم الغربي (بوث) -المتخصص في علم الاجتماع- إلى تعريف الفقر بأنه: «وصف أولئك الذين قد تكفيهم إمكانياتهم لمجرد العيش ولكنها لا تكاد تكفيهم لحياة كريمة خالية من الاعتماد على الآخرين؛ لأنه ليس الإنسان مجموعة من الأعضاء التي تؤدي وظائف بيولوجية، بل إن ثمة احتياجاتٍ هامةً لا صلة لها بمجرد ضمان الوجود المادي من ملابس وطعام ومسكن وترفيه، وغيرها الكثير»(38)، وعلى هذا الأساس فالفقر بالنسبة لكل إنسان أمر نسبي يرتبط بالمكان والزمان، فقد يستطيع أن يعيش الإنسان في منطقة فقيرة نائية بدخل محدود فلا يكون فقيراً؛ لأنه يستطيع توفير احتياجاته في هذه المنطقة، بينما إذا انتقل إلى منطقة غنية مرتفعة الأسعار فعندها يكون بالنسبة لسكانها ولتلك المنطقة فقيراً؛ لأن دخله المحدود لا يكون عندها كافياً لتلبية حاجياته.

الآثار المدمرة للفقر:

تعد مشكلة الفقر من أبرز المشاكل التي غدت تؤرق الإنسان على مدى العصور، وقد رفع الإسلام شعار إقصاء الفقر ومكافحته لأنه كارثة مدمرة، فقد نسب إلى أمير المؤمنين(ع) أنه قال: «لو تمثل لي الفقر رجلاً لقتلته»(39)، وفي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله(ع) أن رسول الله(ص) علّم أمير المؤمنين(ع) دعاء يوم عرفة وجاء فيه: «اللهم إني أعوذ بك من الفقر، ومن وسواس الصدر، ومن شتات الأمر، ومن عذاب النار..»(40)، وجاء عن رسول الله(ص) أيضاً: «لو لا رحمة ربي على فقراء أمتي كاد الفقر أن يكون كفراً»(41)؛ فإن الفقر غير المحتمل قد يؤدي بالشخص ضعيف العقيدة إلى الإلحاد والمبادئ الشاذة، ويردد: لماذا خلقني الله فقيراً؟! أو: لماذا ابتلاني الله بالفقر؟! قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}(42)، جاء عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال لابنه محمد ابن الحنفية: «يا بني إني أخاف عليك الفقر، فاستعذ بالله منه؛ فإن الفقر منقصة للدين، مدهشة للعقل، داعية للمقت»(43)، ونذكر -كمعضد- ما ذكره محمد جابر عبد العال حيث قال: «إن الأزمات الاقتصادية إذا طال أمدها تضعف العقول، وتجعلها فريسة للمذاهب الهدامة التي تبرق للناس مورية بحياة سعيدة»(44)، جاء في الأبيات المنسوبة إلى أمير المؤمنين(ع):

بلوت صروف الدهر ستين حجة

                        وجربت حاليه من العسر واليسر

 

فلم أرَ بعد الدين خيراً من الغنى

                        ولم أرَ بعد الكفر شراً من الفقر

 

وذل الفقراء واضح وجلي؛ إذ يدفعهم العوز إلى الاستجداء من المخلوقين، جاء عن رسول الله(ص): «الفقر سواد الوجه في الدارين»(45)، أي في الدنيا والآخرة، أما كونه سواد الوجه في الدنيا فواضح، وهو المعني بالاستعاذة منه، وقد نهى الشارع المقدس عن الاسجتداء والاستعطاء، وأمرنا بالتجارة والزراعة والصناعة والحرف والمهن بشتى الوسائل، جاء عن أمير المؤمنين(ع) في الأبيات المنسوبة إليه:

لنقل الصخر من قلل الجبال

                        أحب إلي من منن الرجال

 

وأما كون الفقر سبباً لسواد الوجه في الآخرة، فلربما صار موجباً لكفر الفقير كما تقدم الإشارة إليه آنفاً، ولربما صار سبباً لأن يسرق أموال الناس وينهبها كما ستأتي الإشارة إليه، ولربما صار سبباً لقتل النفوس للحصول على أموالها، مضافاً إلى أنه ربما كان سبباً في ممارسة المهن المنحطة وممارسة الرذائل، فيكون في ذاك اليوم العسير الشديد ذليلاً حقيراً صاغراً، وجهه مسودٌّ، فالويل له من الفضيحة على رؤوس الأشهاد، فيساق حينئذ إلى جهنم وبئس المصير.

ولربما صار من المخلدين إذا انفجر كفره إلى الشرك بالله العظيم، أعاذنا الله من سوء العاقبة(46).

وتعد المسألة الاقتصادية على قائمة العوامل الرئيسية التي تسبب الانحرافات الاجتماعية في الوسط البشري؛ فإن وجود الثراء الفاحش بجانب الفقر المدقع يؤدي حتماً إلى تأزم الأوضاع وشيوع الاضطرابات، وانتشار الشذوذ والجرائم، فقد اعتقد الباحثون من القدم أن أحد أسباب مشكلات الانحرافات الاجتماعية وانتشار الجرائم هو عامل الاقتصاد (الفقر)؛ فإن الجوع والعري ونقص المواد وعدم إشباع الحاجات الضرورية هي من العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى السلوك المضاد للمجتمع للحقد والغيرة من الآخرين وما شابه، مما يؤدي إلى السرقة والابتزاز وإدمان الخمور والمخدرات وما إلى ذلك من أنماط الانحرافات، فقد لوحظ وفقاً للدراسات الإحصائية التي أجريت في أنجلترا أن ثمة علاقةً وثيقةً بين عدد الأحداث المنحرفين وبين أوقات الأزمات الاقتصادية(47)، وأثبت الباحث الإيطالي (فورنا ساري) أن أكثر الطبقات فقراً في إيطاليا -والذين يمثلون حوالي 60% من سكانها- يساهمون في تكوين 85% من المجرمين(48)، وقد لاحظ الباحثون عام 1958م أن الإحصائيات تشير إلى وجود علاقة بين الفقر وبين الجريمة تصل إلى 45%؛ وذلك بسبب عدم الرعاية الذي يلازم الحياة الفقيرة عادة، فالفقر قد يجعل الحدث قابلاً للانحراف، ثم يتضافر بعد ذلك مع غيره من العوامل على إسقاط الحدث فعلاً في هوة الانحراف(49).

أيضاً -ومما لا شك فيه- أن للفقر دوراً كبيراً في تردي الوضع الصحي للشخص الفقير وسلب الاستقرار النفسي عنه، فقد أثبتت الدراسات الصحية أن المستوى الصحي للحدث الفقير أقل كثيراً من المعدل الضروري، وقد أدى ذلك إلى نتيجة حتمية هي ارتفاع نسبة الوفيات بين الأطفال في الأسر الفقيرة عنه في الأسر المتوسطة أو ما فوقها، وقد بلغت هذه النسبة إلى 50% من نسبة السكان في أغلب دول العالم(50)، ومن جهة أخرى يقول الأستاذ الدكتور حسين حسن سليمان في كتابه السلوك الإنساني والبيئة الاجتماعية بين النظرية والتطبيق: «هناك إجماع على أن صحة الأم ومستوى الغذاء المتوفر لها بأنواع كافية وملائمة يعتبر من أهم العوامل التي تساعد على نمو الجنين نمواً طبيعياً، فعلى سبيل المثال فإن الأم التي لا يتاح لها الحصول على وجبات كافية وملائمة قد تتعرض لمشكلات صحية مثل فقر الدم (Anemia)؛ لذلك فإن وصول الغذاء للجنين عن طريق الأم بشكل كاف وملائم يساعد على النمو الطبيعي..، ويشير لوزوف (1989) إلى أن قلة الغذاء وعدم كفايته بالنسبة للأم الحامل يسبب نقصاً كبيراً في عدد خلايا المخ عند الجنين، خاصة خلال الفترة الأخيرة من الحمل..»(51)، وقد قام بعض الباحثين الغربيين بالربط بين الفقر وبين الأمراض الشديدة، فأثبت في دراسة أن ثمة علاقةً وثيقةً بين الفقر وبين الأنيميا، والسل، والإيدز، والكساح، والضعف العام(52).

أما من الناحية الأسرية فيعتقد الخبراء في الشؤون الأسرية أن عامل الاقتصاد يلعب دوراً كبيراً في الاستقرار وعدمه في الحياة الأسرية، وهذا الأمر واضح جداً في المجتمع، جاء عن الرضا من آل محمد(ع): «ينبغي للمؤمن أن يوسع على عياله لئلا يتمنوا موته»(53).

ويعدّ الفقر حجر عثرة دون فوز الحدث بقسط من التعليم، إما لأن الوالد يبعث بأبنائه إلى العمل أملاً في أن يعينه ذلك على مواجهة أعباء الحياة، وإما لأن الشاب لا يستطيع إكمال التعليم العالي لقلة المادة فلا يتمكن من الدخول إلى الجامعات مثلاً، بل إن الفقر نفسه يورث النسيان، فعن الإمام علي(ع): «الفقر ينسي»(54).

ومهما طال الكلام يبقى للفقر أضرار بالغة أخرى سواء من الناحية التربوية أو النفسية وغيرها، تقول رئيسة وزراء الهند السابقة المعروفة أنديرا غاندي: «الفقر أسوأ ملوث للبيئة ومدمر للتنوع الأحيائي، ويعوق التنمية المستدامة»(55)، ولا أجد تعبيراً أبلغ مما قاله رسول الله(ص): «ما أقبح الفقر بعد الغنى، وأقبح الخطيئة بعد المسكنة، وأقبح من ذلك العابد لله ثم يدع عبادته»(56).

ولا ينبغي أن يخفى بأن ما ذكر من أضرار للفقر لا يعني كونها نتيجة حتميّة للفقر، بل إنه في بعض الأحيان يكون العكس حين يغدو الفقر حافزاً للنبوغ والامتياز والكفاح والنضال، كما نرى ذلك جلياً في الكثير من العوائل الفقيرة التي بإيمانها بالله وعزّتها تفضل الكفاح على السرقة، وتؤثر الفقر على الكسب غير المشروع، وتستهجن طريق الانحرافات والجريمة، إضافةً إلى ذلك قد يكون توافر المال في يد الحدث مدعاة للفساد؛ حيث إن أبواب الانحراف والزيغ والاعوجاج عن الطريق القويم قد تكون مفتوحةً بشكل أوسع لأبناء الطبقة الوسطى وما يعلوها، وعلى أي حال، فإن المقصود مما ذكر آنفاً من أضرارٍ للفقر هو كون الفقر غير المحتمل الذي يطرأ على ذوي العقائد الهشّة يكون له مقتضي للانحراف وغيره من أضرار.

الواقع المأساوي:

يعيش العالم اليوم مجموعة من الأزمات، ومن المؤكد أن الأزمات الاقتصادية تعد من أهمها؛ لأنها تنعكس على أوجه النشاطات الحياتية فينتج عنها بالتالي العديد من الأزمات الأخرى الاجتماعية والأخلاقية، والأزمة شاملة لجميع أقطار المعمورة، سواء أكان ذلك على مستوى الدول الفقيرة التي يطلق عليها الاستكبار اسم (الدول النامية)، أم كان ذلك على مستوى الأفراد، وقد كان الجو الجاهلي قبل الإسلام يشكو الفقر والجوع والحرمان كذلك، إلا ما ندر أو استثني، فها هي سيدة النساء الزهراء البتول بأبي هي وأمي تقول لهم في خطابها التاريخي الخالد: «تشربون الطرق(57)، وتقتاتون القد(58)»(59)، وروي أنه أتى النبي(ص) رجل يكلمه فأرعد، فقال: «هون عليك، فلست بملك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القد»(60)، قال أمير البلاغة والبيان(ع) في وصف العرب قبل البعثة: «منيخون بين حجارة خشن، وحيات صم، تشربون الكدر(61)، وتأكلون الجشب(62)»(63)، فجاء الإسلام لترسيخ العدالة الاجتماعية بين الناس، فقرّب رسول الله(ص) منه الفقراء والمستضعفين، فشكّل مجتمعاً توحيدياً بمعنى الكلمة، مجتمعاً تفجرت فيه الطاقات الكامنة، وأصبحت فيه معايير الشخصية والقيم والنبوغ هي التقوى والعلم والإيمان والجهاد والعمل الصالح، بعد أن كانت معايير الشخصية الجاهلية على أساس الروح الطبقية وتقسيم المجتمع إلى أغنياء مترفين وفقراء بائسين، وحقق المجتمع آنذاك أروع النتائج، ولكن بمجرد أن غابت شمس النبوة عن الساحة الاجتماعية حتى حل الظلام الدامس مكانها، وأصبح الوضع مأساوياً؛ فقد غصب مقام الخلافة والرئاسة ممن نصبهم الله تعالى في هذا المنصب، فبدّل هؤلاء الحكّام الحكومة الإسلامية إلى حكومة جاهلية، ومحقوا أحكام الدين، ولعبوا بأموال بيت مال المسلمين، ونهبوا حقوق الناس، وظلموا آل بيت نبيهم قبل أن يظلموا أنفسهم، ومنها غصب فدك من سيدتنا الزهراء(ع) ظلماً وعدواناً، وإخراج وكيل الزهراء منها(64)، الأرض التي كان عائدها كبيراً جداً، يدر أرباحاً مقدارها أربعة وعشرين ألف دينار، وفي رواية سبعين ألف(65)، فقد كانت تشبع الكثير من الفقراء، وتكسو مثلهم من المساكين، فالزهراء ـ بأبي وأمي ـ لم تكن تنفق على نفسها، بل توزع العائد على الفقراء والمساكين، فلو أنهم أقاموا ما أقام الله بتنصيب أمير المؤمنين(ع) خليفةً للنبي(ص)، وخلّوا بين الزهراء(ع) وإرثها، لتغير شأن الناس اليوم إلى شيء آخر تماماً، يقول دعبل الخزاعي في تائيته المشهورة:

أرى فيأهم في غيرهم متقسما

                        وأيديهم من فيئهم صفرات

 

وعلى أي حال تجددت الطبقية الاجتماعية، وازداد الفقر والحرمان والاضطهاد، وأذكر -على سبيل المثال لا الحصر- الوضع الذي عاشه المسلمون في عصر الخليفة الثالث عثمان، فقد أشاعت حكومته الرأسمالية في البلاد، فقد منحت الأمويين وبعض أبناء القرشيين الامتيازات الخاصة، وفتحت لهم الطريق لكسب الأموال وتكديسها بغير وجه مشروع، وقد أدت هذه السياسة الملتوية إلى خلق اضطراب شامل لا في الحياة الاقتصادية فحسب، وإنما في جميع مناحي الحياة، وأشاعت ـ نتيجةً لذلك ـ القلق والتذمر في جميع الأوساط الإسلامية، فإن من أسوأ متارك حكومة عثمان أنها ألقت الفتنة بين المسلمين، وحصرت الثروة عند الأمويين وآل أبي معيط، وعملائهم من القرشيين الحاقدين على العدل الاجتماعي(66).

أما في عصرنا الحاضر فحدّث ولا حرج:

فقر الدول: بالنسبة لفقر الدول التي تسمى بالدول النامية أو دول العالم الثالث فإنه على الرغم من أن بلادنا العربية أغنى بلاد العالم ثروةً وأمناً وزراعة ومعنوية، ووفرة الطاقات البشرية والمصادر الاقتصادية عندنا -فالدخل النفطي للبلاد العربية وحدها بلغ في عام 1985م (100) ألف مليون دولاراً، وأن (60%) من احتياطي نفط العالم يوجد في البلاد العربية، أي أكثر من مئة ألف مليون طن من النفط الخام(67)- فإنه لا يزال يتسم الاقتصاد العربي بالتخلف في الإنتاج؛ فإن الإنتاج العربي لا يستطيع أن يلبي متطلبات السوق العربية نفسها فضلاً عن الانتشار العالمي لمنتوجاتنا العربية؛ فإن نسبة الدخل الصناعي إلى الدخل القومي لا يتجاوز في الغالب 10% إلى 20%، وفي بعض الأقطار من 2% إلى 3%، بينما يصل الدخل في بعض الدول إلى 40%(68)؛ والسبب في ذلك أن اقتصادنا لا يعدو كونه اقتصاداً تبعياً ومرتبطاً بعجلة الاقتصاد الاستكباري؛ وفاقداً لحالة الاكتفاء الذاتي؛ فعلاقتنا الاقتصادية الخارجية من سنخ التبعيّة، وليس من سنخ العلاقة الاقتصادية المتكافئة، وهذه الحالة المؤلمة لا تسبب التخلف الاقتصادي وحسب، بل تنتج التبعية السياسية أيضاً؛ فإن التبعية السياسية لا تنفك عن التبعية الاقتصادية، ونستكشف من ذلك أن التبعية الاقتصادية هي خطة اقتصادية تخططها دول الاستكبار العالمي للإبقاء على حالة التبعية السياسية للعالم الإسلامي(69)؛ فمن الواضح جداً تدخل الكفار في مصير المسلمين حكومةً وشعباً، حتى صار رؤساء الحكومات العربية أسرى بيد الاستكبار العالمي، فأين العالم من التدخل السافر للغرب في الأراضي العربية وتحويلها إلى قواعد عسكرية لمحاربة الإسلام وأهله؟!

والمشكلة أن الكفر يصنع الأسلحة المتطورة بالثروات التي تقدمها الدول العربية لها، والنتيجة هي محاربة الكفر للإسلام، فنصبح مستعمرين من قبل العدو الكافر وإلى الله المشتكى، يقول الإمام الخميني «قدس الله نفسه الزكية» في هذا الصدد: «إن جميع جماهير الشعب تشعر بأنه لا بد لنا من الانعتاق والتحرر من قيود الأجانب وأغلالهم»(70)، وقال أيضاً: «إن الواجب الشرعي والإلهي على بلادكم الآن هو أن تبذلوا كل ما بوسعكم للخروج من التبعية للغير، فلقد هددونا بالمقاطعة الاقتصادية ووافقهم على ذلك الكثير من الحكومات وإن لم توافقهم الشعوب، ومع أنني لا أرى حقيقة لكل هذه الضجة، إلا أنه ينبغي علينا الاستعداد حتى لو كان احتمالاً ضعيفاً، إنكم الآن تخوضون حرباً هي حرب بين الإسلام والكفر، فعلى الفلاحين وكل من بوسعه العمل على تنمية الزراعة أن يجعلوا زراعتنا تصل إلى الاكتفاء الذاتي هذا العام، وأن تكون لنا صادرات زراعية في السنوات القادمة إن شاء الله»(71)، وقال أيضاً: «إنه لا يليق ببلد إسلامي أن يكون بحاجة إلى أعدائه في توفير غذائه، وإنه لمن المؤلم لنا أن نكون بحاجة إلى أمريكا وهي عدونا، فعليكم بتحقيق الاكتفاء الذاتي واستثمار أرض الله ومياهه، عسى أن تصلوا إلى مرحلة التصدير إن شاء الله»(72)، وقال خليفته السيد علي الخامنئي(حفظه الله): «إن على الحكومات والشعوب والأجهزة التي تدير العالم اليوم أن تصفع أمريكا بصراحة وقوة، وأن تحول بينها وبين التدخل الوقح في أمورها الداخلية»(73).

ولكن -ومع الأسف الشديد- فإن الأنظمة العربية تجاهلت العودة إلى أحضان الجمهور، وتبنّي مشاكلهم وقضاياهم، والدفاع عنهم، في مقابل إرادة أنظمة الاستكبار العالمي، وتعتقد بأن ذلك يدخل علاقتها مع الغرب في دائرة حرجة جداً، وفي مجازفات سياسية غير محمودة العواقب، تسبب لها مضايقات كثيرة في علاقتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية مع الغرب، مع أن أمامها النموذج الإيراني القابل للاحتذاء والاقتداء، يقول السيد القائد علي الخامنئي(حفظه الله): «على الشعوب التي تقف أمام أمريكا أن تعلم أن بإمكانها العيش أيضاً بدون أمريكا، وأن باستطاعتها الحياة في هدوء وراحة وبمقدورها التطور، وهو ما جربناه خلال تلك الأعوام الخمسة عشر التي كانت علاقتنا فيها مقطوعة مع أمريكا..، إن شعباً يتمتع بضمانة ثقافية عظيمة ويمتلك العلم والصناعة والمصادر الطبيعية الغنية لن يحتاج إلى أمريكا»(74)، ولا بد من كلمة لسماحة القائد المجاهد آية الله الشيخ عيسى قاسم(حفظه الله): «غاية البؤس والإفلاس، والخيبة والفشل، والسذاجة والبلاهة، والغفلة والسبات، أن تنتظر الأمة إصلاحها ورسم صورة مستقبلها من أمريكا، لكن لماذا لا وأمريكا الحانية الحكيمة المؤمنة المأمونة على مصائر الشعوب والأمم والمقدرات كما يشهد موقفها الكريم في فلسطين وأفغانستان والعراق..؟!

لا أهلاً ولا سهلاً بإصلاح تفرضه أمريكا، ولا رجاء ولا أمل في إصلاح يتبرع به النظام الرسمي العربي، وسيبقى الأمر مرهوناً بإرادة الشعوب»(75)، وأسأل الله تعالى أن يرينا اليوم الذي تقف فيه الدول الإسلامية بوجه العدو الكافر الغاصب وتقول له كلمة: ((لا))، قال تعالى: { وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}(76).

فقر الشعوب: مشكلة فقر الأفراد هي مشكلة عالمية، ولا تقتصر على بلد دون آخر، بل تعم جميع الأقطار، نعم قد يتفاوت حجم المشكلة بتفاوت وضع الدولة وكيفية توزيع الثروات، أما أصل المشكلة فهو عام وسيّال، فإن مليار شخص في العالم يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم، بينما يعيش ضعفهم على أقل من دولارين(77)، ولا يزال الفقر في ازدياد؛ ففي عام 2004م، بلغ عدد الأمريكيين الذين يعيشون في فقر 37 مليون نسمة، أي بزيادة قدرها 1.1 مليون نسمة مقارنة بالسنة السابقة وفقا لآخر إحصاءات وزارة الصحة والخدمات البشرية(78)، وفي ألمانيا الغربية شملت البطالة عام 1987م نسبة 3.3% من مجموع اليد العاملة، وإذا بها ترتفع عام 1988م إلى 8.4%، فهناك مليون ونصف المليون عاطل عن العمل(79)، ويعيش الحكّام -ومن يلف حولهم- في ترف وبذخ يقلّ نظيره في أمثال البلدان العربية، بينما تعيش الشعوب في بؤس وفقر وحرمان، والسبب في عدم تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين ـ كتوفير التعليم والسكن والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والتوسع في مجالات الصناعة والزراعة والاستثمارات التجاريةـ في البلاد العربية هو الفساد السياسي وإغفال الكفاءات التنفيذية والإدارية(80)، ونقص الخبرة والكفاءة لدى كثير من المسؤولين، وعجز الجهاز الإداري والتنفيذي عن تطوير ذاته، وضعف الوازع الديني والوطني، والسعي نحو تحقيق المكاسب الشخصية، وتقليل فرص المشاركة الشعبية الحقيقية والجادة لكل أفراد المجتمع، والذي يؤدي بطبيعة الحال إلى عدم توظيف جزء مهم من كفاءات المجتمع وخسارة جهودها في المشاركة في تحقيق التنمية.

كل هذه العوامل وغيرها أدت إلى فشل المشروعات والبرامج وتواضع نتائجها، وكنتيجة طبيعية لذلك ستظهر مشكلة الفقر والجوع والمرض والنوم على الأرصفة نتيجة انعدام السكن واستجداء الخبز والشعير، ففي المجتمع المصري ـ كنموذج ـ نتيجة لعجز بعض الأسر الفقيرة عن توفير الرعاية للأبناء، الأمر الذي أدى إلى خروج هؤلاء الأبناء في سن صغيرة إلى الشارع لمزاولة الأعمال المتواضعة مثل تنظيف السيارات وما إلى ذلك، ولقد تفاقمت المشكلة في المجتمع المصري حتى بلغت حد تسول هؤلاء الأطفال وهروبهم من أسرهم وبقائهم في الشوارع، فعرفت هذه الفئة بـ«أطفال الشوارع»(81)، أما البحرين فغدت مضرباً للمثل في البؤس والقهر والحرمان بالنسبة لشعبها، بحرينيون أغنياء لكن بتدينهم وعزتهم ووطنيتهم وتضحياتهم، يعيشون المرّ وهم يحمدون الله سبحانه على كل حال، قال تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}(82).

البحرين التي تعدّ المركز المالي للشرق الأوسط والفوائض الموجودة فيها فوائض تتجاوز 150 وتقارب 160 مليار دولاراً(83)، وهي أرض (نفطية) كما تصفها التقارير الاقتصادية العالمية، وارتفاع أسعار النفط قد حقق فيها فائضاً كبيراً في الموازنة العامة وصل بحسب الأرقام الرسمية للدولة في العام 2004م إلى 145 مليون ديناراً، وارتفع في العام 2005م إلى 382 مليون ديناراً، وبحسب مراقبين اقتصاديين فإن الفائض بسبب ارتفاع أسعار النفط سيكون أكثر من 400 مليون ديناراً، وبلغ دخل البحرين النفطي إلى 2.2مليار ديناراً(84)، ومع هذا كله نجد بأن حوالي نصف المواطنين البحرينيين يعانون من الفقر والأوضاع المعيشية المتردية، أي ما يتجاوز 200 ألف مواطناً(85)، وقد كشفت مصادر مطلعة في الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية على أن 111856 بحرينياً وأجنبياً يتقاضون أقل من 99 ديناراً، والمتوسط 377 ديناراً(86)، ويوجد أكثر من ثلاثين ألف عاطل عن العمل في البحرين، علماً بأن العاطلين وأسرهم لا يتلقون تأميناً ضد التعطل كما يستوجب دستور البلاد، هذا مع ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية اليومية، وهناك قطاع واسع من المواطنين لا يمتلكون المسكن الملائم، وبيوتهم لا تقي من الحر فضلاً عن البرد، خرائب لا يسكنها الإنسان الحجري والجهاز المركزي للإحصاء يعرفها بـ«الفلل»!!

جاء عن أمير المؤمنين(ع): «الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة»(87)، ومن جانب آخر كشف مسح أجرته مؤسسة نقد البحرين عن وجود 5200 شخصاً من الأثرياء. وبيّن المسح بأن معدل الثروة التي يملكها الفرد من هؤلاء يبلغ 4،2 ملايين دولاراً، وهو ما يفوق المعدل العالمي الذي يبلغ 3،8 ملايين دولاراً، ويشير المسح إلى أن حجم الثروات الخاصة في البحرين يتراوح ما بين 20 مليارا و30 مليار دولاراً(88)، عن أمير المؤمنين(ع): «ما جاع فقير إلا بما متّع به غني»(89)، وما هذا التفاوت الكبير بين الفئتين إلا لسوء توزيع الثروات، وإهدار المال العام، والفساد المالي والإداري، وسوء التخطيط، والتجنيس السياسي، واتباع سياسة إغراق السوق بالعمالة الأجنبية الرخيصة التي تبلغ 60% من مجموع القوة العاملة(90)، واستمرار مجموعة صغيرة من المتنفذين في الهيمنة على الاقتصاد في القطاعين العام والخاص، هذا كله يقف حائلا دون أية إصلاحات حقيقية، إلا إذا أردنا القول أنه ينبغي على الناس أن يقنعوا بالتلذذ برائحة المال والأرباح فقط، وهي كافية لهم كما يقول المثل الشعبي: «صيت الغنى ولا صيت الفقر».

يقول سماحة القائد المجاهد آية الله الشيخ عيسى قاسم(حفظه الله) في وصف حالة المجتمع البحراني: «الشعب يرفض الظلم والتهميش والطبقية الفاحشة، وانحدارة الأخلاق وغيرها من المشكلات الماكثة المضرّة بوضع الوطن والمواطن، والحكومة تصرّ على بقاء الدستور غير العقدي حاكماً، وعلى الإمعان في سياسة التمييز، والتمسّك بآخر مستجدّ في هذا السياق وهو المحميات الطائفية والطبقية والقبائلية، وتصرّ على الإمعان في سياسة تمام التجنيس الإضراري، وتضاعف القوانين الجائرة المضيّقة للحريات، وتدنّي الأجور للطبقة الشعبية العامة...، والتوزيع غير العادل للثروة والخدمات المدنية، وتحويل الأرض إلى إقطاعيات خاصة على حساب سائر أبناء الشعب والمصلحة العامة»(91)، وعلى كلٍّ، تبقى حالة المواطن في أمثال هذه البلاد:

تصم السميع وتعمي البصير

                        ويسأل من مثلها العافية

 

المذاهب الاقتصادية وتعميق المأساة:

حاولت الأنظمة المادية الوضعية عبثاً التقليل من المأساة، ولكن كان الأمر عكسياً؛ فازدادت المأساة إضافة إلى نشوء مشاكل أخرى، وبقى الفرد في ظل الفقر المدقع ينتظر حلاً للخروج من مأساته؛ وذلك لأن في الأنظمة الوضعية يحل حكم الإنسان محل حكم الله تعالى، وتضحي أطروحة الإنسان بديلة عن التشريع الإلهي المعصوم، وعلى كلٍّ، فقد حاولت المجتمعات الممارسة لإنتاج الثروة وتوزيعها بالعقل القاصر تحديد طرق ومذاهب اقتصادية(92) تسير عليها لتنظيم عملياتها الاقتصادية، وسلكت مناهج شتى لتلبية متطلباتها وتحقيق سعادتها وحل مشاكلها الاقتصادية، ومن أبرز تلك المذاهب:

المذهب الاقتصادي الرأسمالي: الرأسمالية نظام اقتصادي ذو فلسفة اجتماعية وسياسية، يقوم على أساس تنمية الملكية الفردية والمحافظة عليها، متوسعاً في مفهوم الحرية(93)، فالنظام الرأسمالي ـ بعنوانه العريض ـ يتلخص في إعلان حريات أربع: السياسية، والاقتصادية، والفكرية، والشخصية(94)، والذي يهمنا فعلاً في المقام هي الجنبة الاقتصادية لهذا المذهب الذي يرى بأن المشكلة الاقتصادية تحصل لقلة الموارد الطبيعية، نظراً إلى اعتقادهم بأن الطبيعة محدودة، وحاجات الإنسان تنمو وتزداد باستمرار، مما يجعل الطبيعة عاجزة عن إشباع احتياجات جميع الأفراد، أما علاج هذه المشكلة بنظر النظام الرأسمالي هو تنمية الإنتاج، واستغلال قوى الطبيعة إلى أبعد حد(95)، ويرى بأن وسائل الإنتاج بشكل عام مملوكة ملكاً خاصاً، أو مملوكة لشركات تعمل بهدف الربح، وحيث يكون (التوزيع والإنتاج وتحديد الأسعار) محكوم بالسوق الحر والعرض والطلب، ومن أسسه البحث عن الربح بشتى الطرق والأساليب إلا ما تمنعه الدولة لضرر عام كالمخدرات مثلاً، ويقوم على الإيمان بالفرد إيماناً لا حد له، وبأن مصالحه الخاصة بنفسها تكفل مصلحة المجتمع في مختلف الميادين، وذلك يفتح الطريق لأن يستغل كل إنسان قدراته في زيادة ثروته وحمايتها وعدم الاعتداء عليها، وتوفير القوانين اللازمة لنموها واطرادها، وعدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية إلا بالقدر الذي يتطلبه النظام العام وتوطيد الأمن، ولذلك عجنت الليبرالية(96) مع الرأسمالية واقتصاد السوق الحر بنحو اعتقد فيه الكثير من المفكرين ـ وخصوصاً اليساريين ـ أن الليبرالية هي أيديولوجيا الرأسمالية(97)، وأول ما ظهر هذا النظام كمذهب كان في بداية القرن السادس عشر، أي بعد مرحلة البرجوازية(98)، فظهرت أولاً الدعوة إلى الحرية، وكذلك الدعوة إلى إنشاء القوميات اللادينية، والدعوة إلى تقليص ظل البابا الروحي، ومن أشهر دعاة هذا المذهب جون لوك(99) وآدم سميث(100) ودافيد هيوم(101)، ومن ثمّ ارتكز المذهب الرأسمالي على أركان رئيسية ثلاثة هي(102):

أولا: الأخذ بمبدأ الملكية الخاصة بشكل غير محدود، والملكية الخاصة في هذا المذهب هي القاعدة العامة الأولية، فتمتد إلى كل المجالات وميادين الثروة، ولا يمكن الخروج عنها إلا بحكم ظروف استثنائية تضطر أحياناً إلى تأميم هذا المشروع أو ذاك وتجعله ملكاً للدولة، ويتكفل القانون في تلك المجتمعات بحماية الملكية الخاصة وتمكين المالك من الاحتفاظ بها.

ثانياً: فسح المجال أمام كل فرد لاستغلال ملكيته وإمكاناته على الوجه الذي يروق له، والسماح له باستخدام مختلف الوسائل والأساليب التي يتمكن منها لتحقيق أكبر مقدار ممكن من الثروة عبر المزاحمة والمنافسة الحرة في الأسواق دون تدخل خارجي من الدولة وغيرها، بل للفرد الفرصة الكافية لاختيار نوع الاستغلال الذي يستغل به ماله، ولذلك فإن الاحتكار(103) أضحى وساماً لكل متّجر رأسمالي.

ثالثاً: ضمان حرية الاستهلاك، فكما أن النظام الرأسمالي يضمن حرية الاستغلال، فكذلك يضمن حرية الاستهلاك، فلكل شخص الحرية في الإنفاق من ماله كما يشاء على حاجاته ورغباته واختياره لنوع السلع التي يستهلكها، وقد عبروا عن ذلك بالمبدأ المشهور: «دعه يعمل، دعه يمر»، نعم، للدولة تحريم استهلاك بعض السلع؛ وذلك للمصلحة العامة، كاستهلاك المخدرات والسموم.

وتلخص مما سبق أن المعالم الرئيسية في المذهب الرأسمالي تتلخص في حريات ثلاث: حرية التملك، والاستغلال، والاستهلاك.

وقد أدى هذا المنهج بالضرورة إلى تجرّع الناس بسببه ويلات كثيرة، فإن مثل هذا المذهب -الذي ضاعت فيه المعنويات وانسحقت فيه القيم الخلقية والروحية وزكت فيه الأنانية وحب الذات- يوجب اجتماع المال واكتنازه في أيدٍ قليلة وحرمان أغلب الناس منه، فإن في الطبيعة طاقات وإمكانات وثروات هائلة وكافية لسد حاجات الإنسان إذا وزعت من خلال علاقات اجتماعية متوازنة وعادلة، غير أننا نجد في المجتمع الرأسمالي بروز مشكلة استغلال القوي للضعيف بصورة واسعة، وذلك حينما تكون شريعة الغاب هي الدستور، فيستأثر القوي بحصة الأسد من هذه الثروات، وأما الحرية المزعومة فليست إلا سلاحاً بيد الأقوياء يشق لهم الطريق، ويعبّد أمامهم سبيل المجد والثروة على جماجم الآخرين؛ لأن الناس ما داموا متفاوتين في حظوظهم من المواهب الفكرية والجسدية والفرص الطبيعية فمن الضروري أن يختلفوا في أسلوب الاستفادة من الحرية الاقتصادية الكاملة التي يوفرها المذهب الرأسمالي لهم، وفي درجات هذه الاستفادة، ولما كانت الحرية الرأسمالية لا تقرّ بالرقابة فسوف يفقد الثانويّون في معركة الحياة كل ضمان لوجودهم وكرامتهم، ويظلون في رحمة منافسين أقوياء لا يعرفون لحرياتهم حدوداً من القيم الروحية والخلقية، ولا يدخلون في حسابهم إلا مصالحهم الخاصة.

وقد بلغ من هدر الكرامة الإنسانية نتيجة لهذه الحرية الرأسمالية أن بات الإنسان نفسه سلعة خاضعة لقوانين العرض والطلب، فإذا زادت القوى البشرية العاملة وزاد المعروض منها على مسرح الإنتاج الرأسمالي انخفض سعرها؛ لأن الرأسمالي سوف يعتبر ذلك فرصة لامتصاص سعادته من شقاء الآخرين، فيهبط بأجورهم إلى مستوى قد لا يحفظ لهم حياتهم، ولا يمكنهم حتى من إشباع بعض ضروراتهم، كما يقذف بعدد هائل منهم إلى الشارع يقاسون آلام الموت جوعاً، لا لشيء إلا لأنه يتمتع بحرية غير محدودة(104)، وحين يغيب الضمان الاجتماعي في المجتمع الرأسمالي -الذي يوفر للإنسان حياة كريمة لا أقل- يكون المذهب الرأسمالي عاجزاً عن امتلاك الكفاءة التوزيعية التي تضمن رفاه المجتمع وسعادة الجميع؛ لأن الرأسمالية المذهبية تعتمد على جهاز الثمن، وهو يعني أن من لا يملك ثمن السلعة ليس له حق في العيش والحياة، فمن لا يملك الثمن لا يقدر على المساهمة في إنتاج السلع والخدمات، وبالتالي يقضى عليه بالحرمان، ولهذا كانت البطالة في المجتمعات الرأسمالية من أفجع الكوارث الإنسانية، وما زالت المجتمعات الرأسمالية تعاني من هذه الظاهرة؛ إذ أن من لا يجد الثمن الذي يحصل به على ضروراته يصبح مرغماً على حياة البؤس والجوع باعتبار أن الثمن هو جهاز التوزيع، وما دام لم يحصل منه على شيء في السوق فلا نصيب له من الثروة المنتجة مهما كانت فاحشة.

هذا كله فضلاً عن الخواء الروحي وتلاشي مشاعر البر والخير والإحسان(105)، حيث طغت مفاهيم الأنانية والجشع النهم والبطر، وسادت في المجتمع روح الصراع في سبيل البقاء بدلاً عن روح التعاون والتكافل، وأذكر على ذلك مثالاً واضحاً ومشهداً متكرراً في المجتمعات الرأسمالية، وهو قيام الشركات بإحراق الفائض من الإنتاج من مخزون السلع وتكون غالباً كميات ضخمة، وكل ذلك لكي لا يقل سعر السلعة المنتجة؛ إذ كلما زاد العرض ينخفض السعر، بينما يقبع غيرهم في المجاعات في انتظار الموت الزؤام، والواقع التاريخي للرأسمالية شاهد على كل الجرائم التي ارتكبت تحت قوة الحرية الرأسمالية المطلقة، فقد قاست الإنسانيّة أهوالاً مروعة على يد المجتمعات الرأسمالية نتيجة لخوائها الخلقي وفراغها الروحي، وسوف تبقى تلك الأهوال وصمة عار في تاريخ الحضارة المادية الحديثة، وبرهاناً قاطعاً على أن الحرية الاقتصادية التي لا تحدها حدود معنوية من أفتك أسلحة الإنسان بالإنسان.

وقد كان من نتائج هذه الحرية تسابق الدول الأوروبية بشكل جنوني على استعباد البشر الآمنين، وتسخيرهم في خدمة الإنتاج الرأسمالي، وتاريخ أفريقيا وحدها صفحة من صفحات ذلك السباق المحموم، إضافةً إلى استعمار الدول، حيث تستعبد البلاد بعد استعباد البشر، ولذلك نجد بأن الرأسماليين أنفسهم قاموا بإجراء عدة إصلاحات على هذا المذهب(106) واتجهوا إلى فكرة تحديد الحرية بالقيم والضمانات، قال تعالى: { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}(107).

المذهب الاقتصادي الاشتراكي: الاشتراكية مذهب مادي بحت منكر لما وراء المادة، ومنحصر في هذا الإطار المادي الضيق، يعلل الحياة تعليلاً لا موضع فيه لخالق فوق حدود الطبيعة، ولا يعترف بجزاء مرتقب وراء حدود الحياة المادية المحدودة، و في الاشتراكية مذاهب متعددة، أشهرها المذهب الاشتراكي القائم على النظرية الماركسية، وأساسها العلمي المسمى بـ(المادية التاريخية) التي هي عبارة عن فلسفة خاصة للحياة، والتي تقول إجمالاً بأن المحتوى الداخلي للإنسان يتأثر بالعامل الاقتصادي وتطوره، والذي ينتج بدوره الصراع الطبقي بين الجماعات الإنسانية التي تتكون من خلاله العلاقات الاجتماعية، فتثور الطبقة العاملة المضطهدة -التي تشكل الأغلبية- على البرجوازيين الرأسماليين ويتسلم العمّال زمام الأمور، ويستولون على وسائل الإنتاج، وعندما تتغير وسائل الإنتاج الاقتصادي في المجتمع ينعكس ذلك على هذا الصراع الطبقي الذي ينعكس بدوره على المحتوى الداخلي للإنسان، ومن خلال انعكاسه تبدأ حركة الإنسان، ومن ثمّ حركة التاريخ الإنساني(108).

وكل هذا نتيجة إلى أن هذا المذهب يعتقد أن سبب المشكلة الاقتصادية هو التناقض بين شكل الإنتاج وطريقة التوزيع(109)، ويعتبر الأب الروحي لهذا المذهب والمتبني لهذه النظرية هو كارل ماركس(110)، وأيضاً صديقه فريديريك أنجلز(111)، ومن أهم من توغل في النظرية الشيوعية وأسهم في الكتابات والتطبيق فيها هو فلاديمير لينين(112)، وزعم ماركس أنه اكتشف تناقضات رأس المال والقيمة الفائضة التي يسرقها صاحب المال من العامل، وأشاد بضرورة فناء المجتمع الرأسمالي الذي جرّع الإنسانية الويلات والكوارث، ومن هنا كانت الماركسية رد الفعل الطبيعي لمضاعفات النظام الرأسمالي، وآمن بلابديّة إقامة المجتمع الاشتراكي مقدمةً وقنطرةً لتطبيق الشيوعية تطبيقاً كاملاً، ويرتكز الاقتصاد الشيوعي المراد تحقيقه على(113):

أولاً: إلغاء الملكية الخاصة ومحوها محواً تاماً من المجتمع، سواء في مجال (الإنتاج) أو في (الاستهلاك)، وتمليك الثروة كلها للمجموع لتنتهي الطبقية ويتوحد الشعب في طبقةٍ واحدة، فتسود المصلحة العامة بدلاً عن المصلحة الخاصة.

ثانياً: توزيع السلع المنتجة على حسب الحاجات الاستهلاكية للأفراد، ويتلخص في العبارة المشهورة: «من كلٍ حسب قدرته، ولكلٍ حسب حاجته»، وهذا قائم على إلغاء العلاقة بين العمل والدخل، فإن كل شخص عليه أن يعمل بقدر استطاعته قليلاً كان أم كثيراً، ويأخذ لقدر حاجته قليلة كانت أم كثيرة.

ثالثاً: إلغاء الدولة تماماً، حيث إن الدولة موروثة من النظام الرأسمالي ومن نتاجات الملكية الفردية، فوظيفة الدولة في المجتمع الرأسمالي تقوم على حماية الملكية الفردية للأشخاص، أما حينما ينتهي هذا النظام وتنتهي الملكية الفردية فلا حاجة للدولة، وتقوم مقامها العقلية الجماعية لكل البشر، ولا يفكر الجميع إلا للمصلحة المادية للمجموع.

ومن الطبيعي جداً عدم إمكان تطبيق مثل هذا النظام الخيالي فجأة، ولذلك اعتقد أقطاب الشيوعية أنه لا بد لتطبيقه من تطوير الإنسانية في أفكارها ودوافعها ونزعاتها إلى أن تموت في نفس الإنسان الدوافع الشخصية والعقلية والفردية، وتحيى فيه العقلية الجماعية والنوازع الجماعية، ولأجل ذلك كان من الضروري عندهم إقامة نظام اشتراكي ليكون ممهداً للنظام الشيوعي، فتكون طبيعة الإنسان مستعدةً للنظام الشيوعي، وهذا النظام الاشتراكي هو الذي تواجد في البلدان الشيوعية، أما النظام الشيوعي فلم يرَ النور إلى الآن ولن يراه، وقد أجريت تعديلات في النظام الاشتراكي على الجانب الاقتصادي من الشيوعية فاقتصرت على إلغاء الملكية الفردية في مجال (وسائل الإنتاج) و(مصادر الإنتاج) فقط، وأمّمت الصناعات الثقيلة والتجارات الكبيرة ووضعتها تحت الانحصار الحكومي، أما الصناعات والتجارات البسيطة فقد أُطلقت وتُركت للأفراد، واضطروا إلى جعل فوارق بين الأجور لدفع العمّال إلى النشاط والتكامل في العمل، وآمنوا بالدكتاتورية العمّالية في الحكم؛ وذلك حماية لمصالح الطبقة العاملة، وخنقاً لأنفاس الرأسمالية، ومنعاً لها عن البروز إلى الميدان من جديد إلى أن تعم العقلية الجماعية كل البشر فتلغى الدولة حين ذاك، قال ماركس: «بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشيوعي تقع مرحلة تحول المجتمع الرأسمالي تحولاً ثورياً إلى المجتمع الشيوعي، وتناسبها مرحلة انتقالية سياسية لا يمكن أن تكون الدولة فيها سوى الدكتاتورية الثورية للبروليتاريا»(114)، إضافةً إلى اضطهاد الرأسمالية ومؤيديها، بل قمعهم قمعاً وإبادتهم عن الوجود، قال لينين: «في مرحلة الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية يظل القمع أمراً ضرورياً، ولكنه يغدو قمعاً للأقلية المستثمِرة من جانب الأكثرية المستثمرة»(115).

وهذه التعديلات ليست إلا نتيجة لاصطدام الاقتصاد الشيوعي المراد تحقيقه بواقع الطبيعة الإنسانية، ومنع العمّال عن الكسل؛ إذ مع فرض تأمين النظام لمعيشتهم، وسدّ حاجاتهم، وفرض عدم تحقيق العمل والجهد لأكثر من ذلك، فعلامَ إذن يجهد الفرد ويكدح ويجد ما دامت النتيجة في حسابه هي النتيجة في حالَي الخمول والنشاط؟ وهم لأجل ذلك يجرون التغييرات المستمرة على طرائقهم الاقتصادية وأساليبهم الاشتراكية لتدارك فشل كل طريقة بطريقة جديدة؛ ولذلك لم يوفقوا في إلغاء جميع ركائز الرأسمالية، فالقروض الربوية مثلاً لم تلغَ من النظام الاشتراكي مع أنها أساس الفساد الاجتماعي في الاقتصاد الرأسمالي التي أتت الشيوعية لمحوه(116)، ونجد بشكل واضح وجلي بأن هذا النوع من الأنظمة يستبطن نوعاً من الذاتية والأنانية الطبقية، فما حاولوا الفرار منه قد وقعوا فيه، وإن كان أنصار المسلك الاشتراكي يحاولون إظهار هذا المسلك بمظهر خدّاع وتعريفه بكلمات معسولة، إلا أنه يعد من أوضح أنواع الاستعلاء والاستكبار؛ فإن إرادة العلو على سائر الطبقات الاجتماعية تؤدي إلى الاستبداد الفردي أو الحزبي كما هو الحال في البلاد الاشتراكية الشرقية، فإن تحقيق أهداف هذا المسلك لا يتم إلا بسلب الملكية الفردية الشخصية، الشيء الذي يكون مناقضاً للفطرة الإنسانية المجبولة على حب التملك، وهذا يعني تحديد الطبقات بشدة من حيث التقدم في الحياة والاستفادة من مواهب الله ونعمه التي تدعو إليها الغريزة الإنسانية بإلحاح، إضافةً إلى ظهور الدكتاتورية الجزئية باعتبار أن الدولة هي ممثلة للطبقة العاملة، وكل الإمكانات والقوى بيد الدولة، الأمر الذي يؤدي إلى تكوين رأس مال ضخم لا يقل خطره على الشعب عن خطر الرأسمالية الفردية ما دام لا يوجد هناك رادع ووازع وراء الثروة المادية.

يقول الشهيد المطهري: «لقد حصلت أكثر المضايقات والمآسي والمحن باسم الأيدلوجية المعادية للطبقية، فقد ولدت طبقة جديدة ولكن ليس باسم الطبقة»(117)، ويقول السيد محمد صادق الصدر: «والحق أن الماركسية حين ألغت الدولة أبدلتها بقوة مركزية أخرى، لكنها تعمل خلف الكواليس، لا تحت النور، وهو الحزب الشيوعي نفسه، وهو الذي يقوم بكل المهام ويحفظ للمجتمع الشيوعي عقيدته الماركسية اللادينية، ويدرأ عنها كيد المناقشات والاعتراضات في النظرية والتطبيق»(118).

أما أقطاب الماركسية فإنهم يؤمنون أنه لن يتحقق الاستقرار وذوبان الأفراد في النظام إلا إذا أخذ الإنسان المادي يفكر تفكيراً اجتماعياً، وتذوب من نفسه جميع العواطف الخاصة والأهواء الذاتية بحيث لا يبقى في الساحة إلا العملاق الاجتماعي الكبير، ولكن تحقيق ذلك في الإنسان المادي الذي لا يؤمن إلا بحياة محدودة ولا يعرف معنىً إلا اللذة المادية يعد من المستحيلات، فيبقى الفرد في المجتمع الشيوعي لا يطمئن إلى حياة طيبة، ومحروماً من التمتع بالحياة، ومحالاً بينه وبين الحياة الهادئة المستقرة؛ إذ أنه يعيش مهدداً في كل لحظة، محاسباً على كل حركة يتحركها لمضاعفة ثرواته، ومعرضاً للاعتقال بدون محاكمة، فيخيّم جو الرعب، وينغّص الخوف حلاوة العيش بالنسبة لأفراد المجتمع الشيوعي(119)، ولذلك فإن التجربة الاشتراكية في بلدان العالم الشرقي قد صدمت بموجة من المشاكل والاضطرابات التي جرّها الركود والتخلف والكسل، ومنها ما منيت به الزراعة الاشتراكية في روسيا، حيث أدى قطع العلاقة بين الدخل والعمل فيها وإعطاء كل شخص ما يحتاجه فقط إلى سقوط الزراعة وركود وشلل زراعي كبير، واتجاه المزارعين نحو قلة العمل أو البطالة، مما حدا بالحكومة الروسية إلى إعادة النظر في خطتها الزراعية الاشتراكية، والأخذ بنظر الاعتبار نوعاً من العلاقة بين العمل الأكثر والدخل الأكبر(120).

وكذلك ما آلت إليه المصانع التابعة للقطاع الخاص من مصانع ذات عوائد كثيرة إلى مصانع خاسرة بعد تحويلها إلى القطاع العام، أما ما يذكر من شعار «من كلٍّ حسب طاقته، ولكلٍّ حسب حاجته»، فإنه يجمد النمو الفكري، ويعطّل الحياة الفنية والعقلية، ويجعل أكثر الأفراد ينصرفون إلى أتفه الأعمال ما دام الأجر هو الأجر مهما اختلف العمل وتعقد، ويقف هذا الشعار عاجزاً عن حل بعض الفروض الطبيعية المعاشة، كما لو زادت طاقة الفرد على حاجته، وأحب أن يعطي طاقته كلها طبقاً لحبه للعمل، فإن أعطي حسب حاجته سوف يعطى أقل مما أعطى، وسيبقى عمله بلا مقابل، وإن أجبر على العمل بأقل من طاقته فسيكون هذا تضارباً مع مصلحة زيادة الإنتاج، وماذا تقول الماركسية فيما لو نقصت طاقة الفرد عن حاجته؟ كما لو كان مريضاً أو مسافراً وما شابه، فإذا أعطي على حسب حاجته فإن نسبة مدخوله إلى عمله ستكون أكثر بكثير من الفرد الاعتيادي، فسيكون من حسن حظ الفرد أن يكون مريضاً دائمياً يعمل قليلاً ويأخذ كثيراً، وهذا يؤدي في آخر المطاف إلى إغراء عدد من الأفراد بعدم تجنب الأمراض في سبيل كثرة الراحة وزيادة الدخل.

ومن وصمات العار على جبين الشيوعية أن أقطاب هذا المسلك أنفسهم لم يستطيعوا التغلب على نزواتهم وحبهم للثراء والتملك، فإن ستالين(121) مثلاً يعد عملياً أحد كبار الملاكين والأثرياء، فإنه كان يمسك بزمام الاقتصاد الروسي فيصرفه لبسط نفوذه وممارسة الدعاية لشخصه في وسائل الإعلام، يقول الإمام الخميني(قده) في نفس الصدد: «وكلنا رأى الأبهة والتشريفات التي كان (ستالين) يحيط نفسه بها رغم أنه يعد من ألمع وأبرز الشخصيات في الحزب الشيوعي»(122)، وبدل أن تتجه المجتمعات الاشتراكية إلى تحقيق جنّة الشيوعية التي يحلمون بها، اتجهت في رجعة سريعة نحو الرأسمالية، وبدأت الدول الاشتراكية تتنافس وتتسابق فيما بينها نحو التقرب إلى الغرب، وما هذا التخبط والاعوجاج إلا لغياب التوحيد والفضائل الروحية والمعنوية، وقصور العقل البشري عن تحديد محور ومركز المشاكل، ومنها المشكلة الاقتصادية، يقول أحد علماء الغرب: «إذا حدّدنا الإنسان بنشاطه الاقتصادي فقط، فكأننا فصلنا جزءاً كبيراً منه، وعليه فإن الليبرالية والماركسية تسحقان الرغبات الأصيلة والنوازع الفطرية في النفس الإنسانية»(123).

وأختم هذا المحور -دفعاً للملل الناتج من تجاذبات الأفكار المادية المقسّية للقلوب- بما جاء في رسالة التوحيد لإمام الأمة الخميني(قده) إلى الزعيم السوفييتي ميخائيل غورباتشوف(124)، حيث قال فيها: «حضرة السيد غورباتشوف...

الواجب هو التوجه نحو الحقيقة...

إن مشكلة بلدكم الأساسية لا تكمن في مشكلة الملكية والاقتصاد والحرية؛ بل إن مشكلتكم الأساسية هي فقدان الإيمان الحقيقي بالله؛ وهي نفس مشكلة العالم الغربي التي قادته إلى الانحطاط وإلى الطريق المسدود، أو ستجره إلى ذلك، إن أزمتكم الحقيقة تكمن في محاربتكم الطويلة والعقيمة لله مبدأ الوجود والخلق.

حضرة السيد غورباتشوف...

لقد اتضح للجميع أن البحث عن الشيوعية يجب أن يتوجه ـ من الآن فصاعداً ـ إلى متاحف التاريخ السياسي العالمي!! أما لماذا؟! فلأن الماركسية لا تلبي شيئاً من احتياجات الإنسان الحقيقية، لماذا؟ لأنها مذهب مادي، ومحال إنقاذ البشرية بالمادية من الأزمة التي خلقها فقدان الإيمان بالمعنويات، وهو الذي يمثل العلة الأساسية لما تعانيه المجتمعات الإنسانية شرقية كانت أم غربية.»(125).

وما هي إلا بضع سنين حتى ألقى (غورباتشوف) نفسُه خطاباً بتاريخ (25 آذار 1991) أعلن فيه موت الاتحاد السوفييتي وسقوط الماركسية والمعسكر الشرقي، ثم ذكّر العالم بالسر الأساسي لجميع الأخطاء السابقة فقال في عبارة واحدة: «كنا في الماضي غافلين عن عامل هو ميول الناس الفطرية والمعنوية نحو الدين»(126).

المنهج الإسلامي وسعادة الدارين:

الإسلام عقيدة تكتسب عظمتها من عظمة وأهمية الهدف الذي تسعى لتحقيقه، وهو الوصول إلى المبدأ الأعلى والكمال المطلق سبحانه وتعالى من خلال العبودية التامة إليه سبحانه، فالمال والثروة ليس هو الغاية، بل هو وسيلة تدور مدار تحقيق الهدف الذي يسمو الإسلام لتحقيقه، وما دام الإنسان مآله إلى الفناء والزوال عن هذه الدنيا فإنه دائم الشعور بعدم التوازن والاستقرار، والإحساس بالحرمان من الخلود يسحقه ويمزقه، وتبقى الحركة في ضمن الإطار المادي المحض البعيد عن الهدف الأخروي مآلها إلى الفناء والزوال(127)، حتى لو قام الإنسان بعمل تمثال له (صورة، مؤلف، أوراق ذكريات)، فإنه لن يبقى بل سيموت، فأي لذة سيشعر بطعمها بعد موته؟! وما تجديه لذة الشهرة بعد أن تنطفئ حياته؟! والوسيلة الوحيدة التي تشبع هذه المشاعر والرغبات بصورة تامة ومقنعة هو الشعور الديني(128)، قال رسول الله(ص): «ما خلقتم للفناء، بل خلقتم للبقاء»(129)، وقد ضمن الإسلام بشموليته الواسعة خلود الإنسان في الحياة الأبدية وسعادته في هذه النشأة الدنيوية، حيث إنها وسيلة لإيصاله إلى هدفه، فعن أمير المؤمنين ومولى الموحدين(ع): «الدنيا مطية المؤمن، عليها يرتحل إلى ربه، فأصلحوا مطاياكم، تبلغكم إلى ربكم»(130)، وعن رسول الله الأعظم(ص): «لا تسبوا الدنيا؛ فنعمت مطية المؤمن، فعليها يبلغ الخير، وبها ينجو من الشر. إنه إذا قال العبد: لعن الله الدنيا، قالت الدنيا: لعن الله أعصانا لربه»(131)، قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}(132)، والبشرية لن تنال السعادة، ولن تذوق الاستقرار والراحة إلا إذا تحررت من كل قيد مادي ضار، واتجهت إلى ربها الخالق سبحانه، واعتقدت به حاكماً على جميع الخلق لتتمكن من تحقيق المقصد الحقيقي، والغاية الواقعية، يقول إمام الأمة الخميني(قده): «إن الإسلام والحكومة الإسلامية ظاهرة إلهيّة يؤدي العمل بها إلى تحقيق السعادة للمسلمين في الدنيا والآخرة وعلى الوجه الأكمل، كما أن العمل بها سيؤدي إلى إلغاء كافة أنواع الظلم والنهب والفساد والتعدي وإيصال الإنسان إلى الكمال المطلوب له، والإسلام عقيدة تشتمل -وخلافاً للعقائد الإلحادية الأخرى- على جميع ما يصلح الشؤون الفردية والاجتماعية والمادية والمعنوية والثقافية والسياسية والعسكرية والاقتصادية، كما أنها تلعب دور النظارة على جميع ذلك، فهي لا تغفل أية قضية -مهما صغرت- مما له صلة في تربية الإنسان والمجتمع وتحقيق التقدم المادي والمعنوي لهما، كذا فإنها تشخص العوائق والمشكلات التي تعترض طريق التكامل الاجتماعي والفردي وتعمل على رفعها»(133)، وقد حدد الإسلام المحمدي العظيم معالم وضوابط للتنمية الاقتصادية وإقصاء الفقر وتحقيق الرفاه الاقتصادي الذي يضمن للمجتمع التكامل والسير إلى الله سبحانه وتعالى، فهو أشمل وأعدل القوانين، وأقربها إلى الفطرة والضمير، وقد تكفلت بتوضيح الخطوط الأساسية للاقتصاد الإسلامي الكتب المطولة والموسوعات المتخصصة، ككتاب اقتصادنا لآية الله العظمى السيد الشهيد الصدر(قده)، وكتاب الاقتصاد الإسلامي للسيد الشهيد البهشتي، وكتاب التنمية الاقتصادية في الكتاب والسنة للشيخ محمد الريشهري، وغيرها، وسأقتصر على طرح لمحة عن أهم المبادئ للاقتصاد الإسلامي؛ وذلك لقصر المقام ولدقة وعمق المطالب التي طرحت، والتي تحتاج إلى من يمتلك العلمية الكافية لطرحها، ولست أهلاً لها.

المذاهب الوضعية لا تملك أي نوع من الضمانات التي تضمن العدل والصواب تشريعاً وتنفيذاً، أما التشريع الإسلامي فهو مالك لها، أما ضمانة العدل تشريعاً فهي الوحي الإلهي، فإن التشريع الإسلامي إنما يقوم على أساس من الوحي الإلهي، وهو مضمون العدل؛ لأنه أمر الله ونهيه، وهو حقيقة العدل، وأما ضمانة العدل تنفيذاً فهي العصمة في النبي أو الإمام(134)، وإذا التزم المجتمع بنهج الأنبياء والأئمة فإنه يضمن العدل والصواب دائماً، وإذا جئنا إلى المشكلة الاقتصادية فإن الإسلام يرى -وخلافاً للرأسمالية والماركسية- بأن المشكلة هي مشكلة الإنسان نفسه(135)، قال تعالى: {اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ، وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}(136)، فظلم الإنسان في حياته العملية وكفرانه بالنعمة الإلهية هما السببان الأساسيان للمشكلة الاقتصادية في حياة الإنسان، أما ظلم الإنسان على الصعيد الاقتصادي فإنه يتجسد في سوء التوزيع للثروة، وأما كفران النعمة فتتجسد في إهماله لاستثمار الطبيعة وموقفه السلبي منها، فحين يزول الظلم من العلاقات الاجتماعية للتوزيع، وتجند طاقات الإنسان للاستفادة من الطبيعة واستثمارها، تزول المشكلة الحقيقية على الصعيد الاقتصادي(137).

ولما كان التوحيد هو جوهر العقيدة الإسلامية وبه يتحرر الإنسان من عبودية غير الله عز وجل فإن النتيجة الطبيعية لذلك هو تحرير الثروة والكون من أي مالك سوى الله تعالى(138)، قال أمير المؤمنين(ع): «فأنتم عباد الله، والمال مال الله»(139)، فالله سبحانه وتعالى هو المالك الحقيقي لثروات الكون، وملكيته تعالى لا حد لها، أما دور الإنسان في الثروة فهو دور الخليفة المستأمن من قبل الله تعالى على مصادر الثروة في الكون ليدبّر أمرها ويدير شأنها وفقاً للروح العامة لملكية الله تعالى، فلا يستطيع الإنسان المستخلف أن يتصرف في المال المستأمن عليه إلا بما أذن به الله سبحانه، قال تعالى: { آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ}(140)، ومن نتائج هذه الخلافة أن يكون الإنسان مسؤولاً بين يدي من استخلفه خاضعاً لرقابته في كل تصرفاته وأعماله، قال تعالى: { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}(141)، فحدد الله سبحانه وتعالى شروطاً وأطراً لكيفية التصرف والانتفاع والاستثمار والاستهلاك لنفي الاستكبار الاقتصادي والعبودية التامة للحق سبحانه وتعالى، ومن خلال تلك الحدود والشروط تألّف الهيكل العام للاقتصاد الإسلامي الذي لو يطبق لا تبقى كفُّ سائل، ولا يكون هناك كنز قاروني، لا غنى مفرط، ولا فقر مدقع، ومن أركانه:

أولاً: الملكية المزدوجة: أي الملكية ذات الأشكال المتنوعة، خلافاً للملكية ذات الطابع الخاص الذي تؤمن به الرأسمالية، والملكية ذات الطابع العام الذي تؤمن به الماركسية، فإن الإسلام يؤمن بالملكية الخاصة والملكية العامة(142)، فإن الإسلام يرفض أي شكل من أشكال الأنانية -الطبقي منها أو الفردي- وعبادة الذات التي تؤدي إلى تجاهل الآخرين، أما بالنسبة للملكية الخاصة فلم يهمل الإسلام الطاقات والمواهب والكفاءات، بل أخذها في عين الاعتبار، ومنح الأفراد حقوقاً وامتيازات خاصة بموجب نتائج التنافس الذي يجري في ميادين العمل والتكليف والفضيلة، فقد أباح الإسلام التملك الخاص الناتج من العمل وفقاً للميل الطبيعي للإنسان إلى تملك نتائج عمله، وكذلك التملك الخاص الناتج من الحيازة ومقابل الخدمات التي يقدمها والمبادلة والهبة والانتقال القهري من إرث ونحوه(143)، ومن جهة أخرى فإن الإسلام يقف بشدة في وجه الامتيازات التي لا تُمنح على أساس من العمل والتقوى والعلم والاجتهاد والحق، وأما الملكية العامة فمثل الأرض المعمورة المفتوحة عنوةً، فإنها مشتركة بين المسلمين(144)، وقد حث الإسلام على العمل حثاً شديداً، وجعله أمراً مقدساً، وجعلها عبادةً مقرِّبةً إلى الله، وموصلةً إلى الهدف الأخروي، ومحققةً للسعادة الدنيوية، ورفض البطالة رفضاً تاماً، فإن العمل طريقٌ للقضاء على شبح الفقر، وحافظٌ لكرامة وماء وجه المرء من الذل والمنة، نسب إلى أمير المؤمنين(ع):

لا تطلبن معيشة بمذلة

                        وارفع بنفسك عن دني المطلب

 

وإذا افتقرت فداو فقرك بالغنى

                        عن كل ذي نفس كجلد الأجرب

 

فعن رسول الله(ص): «الكاد على عياله من حلال كالمجاهد في سبيل الله»(145)، وعنه(ص): «ملعون من ألقى كلَّه على الناس»(146)، وعن صادق أهل البيت(ع): «لا خير فيمن لا يحب جمع المال من حلال يكفُّ به وجهه، ويقضي به دينه، ويصل به رحمه»(147)، ولعل في قصة الإمام الباقر(ع) تأييداً كافياً لما ذكر: يقول محمد بن المنكدر -وهو من الصوفيين في زمن الإمام الباقر(ع)-: خرجت من المدينة في يوم شديد الحرارة، فرأيت أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين(ع) عائداً إلى مزرعته من زيارة تفقدية، ويرافقه اثنان من غلمانه أو أصحابه، فقلت في نفسي: رجل من كبار قريش وهو في طلب الدنيا في مثل هذا الوقت؟! لا بد لي أن أعظه، دنوت منه وسلمت عليه، فرد الإمام السلام عليَّ بشدة والعرق يتصبب من رأسه ووجهه، فقلت له: سلَّمك الله، أرجل مثلك يسعى وراء الدنيا في هذا الوقت؟! ما هو موقفك لو عاجلك الأجل وأنت على هذا الحال؟ فأجابني: «والله لو وافاني الأجل وأنا في هذه الحال لكنت في طاعة الله، لأنني بهذه الطريقة أغني نفسي عنك وعن سائر الناس، وإني لأخشى أن يغتالني الأجل وأنا متورط في معصية». قلت: رحمك الله، ظننت أنني سوف أعظك لكنك أنت الذي وعظتني وأيقظتني»(148).

كما أن الشارع الحنيف ندب إلى التجارة وجعلها من المستحبات الأكيدة في نفسها(149)، وندب إلى فتح المشاريع الاقتصادية لفتح مجالات أرحب لإنتاج خيرات الله، واستيعاب الطاقات البشرية في مضمار البناء الاقتصادي، وتقوية دولة المسلمين في مواجهة الكفر والإلحاد، وقد أشار الإمام علي(ع) لهذا الموضوع واعتبره من الأسس التي تقوم عليها الدولة الإسلامية، ويضمن من خلالها المجتمع الإسلامي مكافحة شبح الفقر، فقد قال لواليه مالك الأشتر حينما بعثه إلى مصر: «وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج؛ لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة خرب البلاد وأهلك العباد...»(150).

ثانياً: الحرية الاقتصادية في نطاق محدود: لقد أمضى الشارع المقدس سيرة العقلاء القائمة على أن كل مالك لشيء فهو مسلط على التصرف فيه بما يشاء، لكن في ضمن الحدود الشرعية، وهذا هو مضمون قاعدة السلطنة(151)، فالناس ليسوا مسلطين على أموالهم بشكل مطلق، بل هم مسلطون عليها بمقدار تسليط الله تعالى لهم، وقد فرض الله سبحانه وتعالى على الإنسان حدوداً وضوابط من القيم المعنوية والخلقية التي تضمن للإنسان سعادته وصرف الفقر عنه، فمنع الكثير من مصادر التمويل واعتبرها أمراً محظوراً، كالكسب عن طريق بيع الخمر، والمتاجرة بالميتة والدم والخنزير وآلات الطرب، والكسب عن طريق الغناء وآلات القمار، وبيع السلاح للعدو، والغش والربا والاحتكار والقمار والسحر وغيرها، فإن الشريعة الغراء قد استهدفت إرساء المعاملات الاقتصادية على أسس أخلاقية متينة بعيدة عن حالات الاحتيال والخداع، ومنعاً من الإسراف والتبذير وإتلاف المال، فإن نهج الإسلام هو الزيادة في الإنتاج والاقتصاد في المصرف(152)، وفرض الإسلام الضرائب الواجبة والمستحبة في التملك الخاص كالزكوات والأخماس والنذورات والكفارات والأوقاف والمبرّات المستحبة والصدقات والقروض الحسنة التي يندب الشرع الإلهي إليها، وهذا ليس تحديداً للحرية في الحقيقة، وإنما هو عملية إنشاء للمحتوى الداخلي للإنسان الحر إنشاءً معنوياً صالحاً يجعل الفرد محباً لخير المجتمع ورقيه، منقاداً لأوامر ربه، فتتفجر في النفس البشرية إمكانتها المثالية العالية، ويمنح البشرية رصيداً روحياً زاخراً بمشاعر العدل والخير والإحسان، كتشجيع الإسلام لروح الإيثار إبتغاءً لمرضاة الله سبحانه التي ينبغي أن يتحلى بها المؤمن، قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا}(153).

وإن للضرائب المالية التي ألزم بها الإسلام دوراً مهماً في رفع العوز عن المحتاجين، ففي الصحيح عن الصادق(ع): «تعطيه من الزكاة حتى تغنيه»(154)، ولو أن الناس أدوا زكاة أموالهم وخمسها ما بقي مسلم فقيراً محتاجاً، بل لزاد الرزق ونما، تقول سيدتنا الزهراء(ع) في خطبتها المشهورة في بيان فلسفة الأحكام: «فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، والزكاة تزكيةً للنفس، ونماءً في الرزق..»(155)، فإن الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا إلا بذنوب الأغنياء كما ورد في الحديث(156)، وقد أدرك الغرب اليوم حاجتهم الماسة إلى أخذ الضرائب، ففي الولايات المتحدة فرضت الدولة على المواطنين ضرائب شتى، وهي المعروفة عندهم باسم الـ (TAX)(157)، ولكن الفرق أن المواطن في تلك الدول لا يشعر بأي قيمة روحية أخلاقية ومعنوية عند دفعه لها، بخلاف الضرائب التي فرضها الإسلام، فإنها تحمل معانٍ أخلاقيةً راقيةً؛ إذ باشتراط الإخلاص لله سبحانه ينتظر المؤمن رضا الله وثوابه في الدنيا والآخرة، فلا عمل إلا بنيّة، وما لم تتوفر النية الصالحة لا يكون العمل صالحاً مهما كانت منافعه التي تنشأ عنه، وهذه الضرائب تستطيع -علاوةً على سد حاجات الفقراء- أن تضمن نفقات الدولة، يقول الإمام الخميني(قده): «خمس سوق بغداد يكفي لاحتياجات جميع السادة، ولجميع نفقات الحوزات والمجامع الدينية، ولجميع فقراء المسلمين، فضلاً عن أسواق طهران واسلامبول والقاهرة وغيرها، فميزانية بمثل هذه الضخامة إنما تراد لتسيير أمة كبرى، ولإشباع الحاجات الأساسية المهمة للناس، وللقيام بالخدمات العامة الصحية، والثقافية، والتربوية، والدفاعية، والعمرانية»(158).

ثالثاً: العدالة الاجتماعية: فرض الإسلام مبدأ التكافل الاجتماعي العام على المسلمين؛ حيث فرض عليهم كفالة بعضهم لبعض وفقاً لظروف كل فرد منهم وإمكاناته، قال رسول الله(ص): «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع، وما من أهل قرية يبيت فيهم جائع ينظر الله إليهم يوم القيامة»(159)، وعنه(ص): «الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه»(160)، وعن الباقر(ع): «من حق المؤمن على أخيه المؤمن أن يشبع جوعته، ويواري عورته، ويفرج كربته، ويقضي ديته، وإذا مات خلفه في أهله وولده»(161)، وقد ربط الإسلام بين هذه الكفالة ومبدأ الأخوة العامة بين المسلمين ليدلل على أنها ليست ضريبة التفوق في الدخل فحسب، وإنما هي التعبير العملي عن الأخوة العامة، ولذلك فإن من أوائل ما فعله النبي الكريم(ص) في صدر الإسلام هو مؤاخاته بين المسلمين في مجتمع مليء بالتناقضات والنزاعات، وجعل ميزان التفضيل التقى، وهو ميزان لم يكن موجوداً، ولم يكن من السهل بحال على أي شخص كان أن يفعل ما فعله هذا الرجل العظيم، وفرض الإسلام على الدولة الضمان الاجتماعي لأفراد المجتمع الإسلامي عن طريق إعطاء الحق للجماعة في مصادر الثروة للدولة الإسلامية، فكل فرد من أفراد المجتمع الإسلامي له الحق في الانتفاع بثروات الطبيعة والعيش الكريم منها(162)، قال تعالى: {خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيْعاً}(163)، فعلى الدولة أن تهيئ فرص العمل للأفراد، ومن لم تتح له فرصة العمل أو كان عاجزاً فعلى الدولة أن تضمن تهيئة المال الكافي لسد حاجات الفرد، وتوفير حد خاص من المعيشة له، قال الله تعالى لآدم(ع) موضحاً له حقه المعاشي بقوله: {إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى}(164).

وقد جعل الإسلام الضمان الاجتماعي للطبقة المسحوقة من المجتمع حفظاً لماء وجهها واستمراراً لقوتها وبلا مَنٍّ أو أذىً، وقد سعى العالم المتحضر إلى سن قوانين الضمان الاجتماعي وأخذ يتبجح بها في حين أن الإسلام قد وضع أسس ذلك قبل أربعة عشر قرناً، جاء في كتاب الإمام علي(ع) إلى واليه في مصر: «ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين، وأهل البؤس والزمنى، فإن في هذه الطبقة قانعاً ومعتراً، واحفظ الله ما استحفظك كم حقه فيهم...»(165).

رابعاً: الاستفادة من عنصر الإيمان والأخلاق والقيم المعنوية في الإنتاج والاستهلاك والخدمات: في الوقت الذي يولي الإسلام أهمية للعلم والإدارة، والعمل، وتنظيم السوق، والركون إلى نموذج استهلاكي سليم ومعافى، ودور الدولة في التخطيط الهادف الصحيح لخفض معدل الفقر، وتعديل ميزان الثروة في المجتمع، تراه يولي أيضاً أهمية قصوى للمعتقدات الدينية الصحيحة والأخلاق الحسنة والأعمال الصالحة، فالوجود ليس منحصراً بالعالم المادي والأبعاد الحسية، بل يتضمن جانباً مجرداً يشكل المرتبة العليا فيه، وهذا متفرع على الرؤية الكونية التي يتبناها الإسلام، على ذلك لا ينبغي أن نترقب من المذاهب التي تطرح أطروحاتها الاقتصادية انطلاقاً من الرؤية الكونية المادية أن تؤمن بتأثير القيم المعنوية في الاقتصاد، قال تعالى: {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ}(166).

يعد تجسيد القيم الإنسانية على أرض الواقع في الرؤية الكونية الإسلامية أحد مجاري الإمداد الغيبي الإلهي التي تغذي ظاهرة التنمية الاقتصادية، وتمدها بأسباب النمو والازدهار، وبالمقابل فإن انحلال المجتمع وتخليه عن هذه القيم والمبادئ الروحية يسلب البركة ويمحق الرزق، وقد أشارت النصوص الإسلامية إلى جملة من المبادئ الاعتقادية والأخلاقية والعبادية وغيرها، التي لها دور بارز في التنمية كالاعتقاد برازقية الله(167)، وكيفية توزيعه للأرزاق(168)، والابتلاء(169)، وحسن النية(170)، وحسن الخلق(171)، والتقوى(172)، والشكر(173)، والكرم(174)، والقناعة(175)، والرضا(176)، والصبر(177)، وإيثار الآخرة على الدنيا(178)، والعفة(179)، والزهد(180)، التي لا تزيد في الرزق وحسب، بل تجعل الإنسان يستشعر الاستقرار النفسي وهدوء البال، وتسلب الاضطراب عنه، والمبادئ العبادية هي ملاذ المؤمن وملتجؤه؛ إذ الله هو الرازق، وهو المعطي، وأما غيره فهم عبيد له محتاجون إليه، وقد أشارت النصوص إلى عدة مبادئ عبادية تجلب الرزق وتدفع العوز كالاستغفار، قال تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}(181)، وعن رسول الله(ص): «أكثروا الاستغفار، فإنه يجلب الرزق»(182)، والصلاة، فقد ورد عن رسول الله(ص) في بيان آثار التهاون بالصلاة: «..أما اللواتي تصيبه في دار الدنيا: فالأولى يرفع الله البركة من عمره، ويرفع الله البركة من رزقه»(183)، وصلاة الليل، فعن رسول الله(ص): «صلاة الليل مرضاة للرب،...وبركة في الرزق»(184)، وصلاة الاستسقاء، والحج والعمرة،وزيارة الحسين(ع)، فعن الإمام الكاظم(ع): «من أتى قبر الحسين(ع) في السنة ثلاث مرات أمن من الفقر)(185)، وقراءة القرآن، والدعاء والتوسل، فعن صادق أهل البيت(ع): «قال النبي(ص): ألا أدلكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم ويدر أرزاقكم؟ قالوا: بلى. قال: تدعون ربكم بالليل والنهار، فإن سلاح المؤمن الدعاء»(186).

فلو تم الاستفادة من هذه الجوانب المعنوية ـ وبشكل صحيح ـ في المسائل الاقتصادية، فإنها سوف تترك آثاراً مدهشة وخارقة للعادة، وإن العكس بالعكس؛ فمن الناحية الأخرى قد أشارت النصوص كذلك إلى بعض الموانع الأخلاقية والاجتماعية والعملية التي تكون مانعةً من التنمية والغنى، كالحرص(187)، والحسد(188)، والكذب(189)، وكفر النعمة(190)، والطمع والبطر(191)، والغناء(192)، والظلم(193)، وقطيعة الرحم(194)، ومنع المحتاج(195)، والسيئات(196)، والربا(197)، والسحت(198)، والزنا(199)، وغيرها، أعاذنا الله سبحانه مما يغضبه ويسخطه، وسيأتي تفصيل بعض ما ذكر في هذه الجنبات في القسم الثاني من البحث بعون الله تعالى وإذنه.

وعلى العموم لو قُدِّرَ للإسلام أن يحكم ـ كما أراد الله تعالى ورسوله الكريم ـ لساد الخير وعم الرخاء؛ لأن تشريعات السماء كاملةٌ متكاملةٌ، ولا شك أن في تطبيقها صلاح البشرية جمعاء، وقد شهد التاريخ بعظمة شرعنا الشريف وكيف تطور الوضع المالي للمسلمين ـ بالرغم من الفترة المحدودة التي حكم فيها الإسلام ـ، فحين خرجوا في بدر كان معهم فَرَسَان، وفي غزوة بني قريضة ثلاثون فرساً، وفي صلح الحديبية مئة فرس(200)، الأمر الذي أدهش العقول وحيّر الألباب، يقول ويل ديوارنت في «تاريخ الحضارة»: «لا حضارة تبعث على الانبهار كالحضارة الإسلامية»(201)، والنظرية التي أتى بها الرسول الخاتم(ص) -التي حققت هذا الأثر الظاهر- لو نفّذت كما أراد لها الشارع الأقدس بإقامة الدين لعم الخير أرجاء المعمورة، والخطاب الإلهي في الآية التي سنوردها يعم كل أصحاب الديانات السماوية، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ}(202)، ولن تقوم تجربة مماثلة لتجربة النبي(ص) إلا حين يحكم ولده القائم إمامنا المنتظر أمل المستضعفين(أرواحنا فداه)، فسيعم العالم الخير، حتى أن الرجل سيلتمس من يقبل زكاته فلا يجد؛ لأن الناس سيكونون مكتفين، ففي حديث عن الباقر(ع): «يسوي بين الناس حتى لا ترى محتاجاً إلى الزكاة»(203)، و عن الصادق(ع): «إن قائمنا إذا قام.. تظهر الأرض كنوزها حتى يراها الناس على وجهها، ويطلب الرجل منكم من يصله ويأخذ منه زكاته فلا يجد أحداً يقبل منه ذلك، استغنى الناس بما رزقهم الله من فضله»(204)، وعن رسول الله(ص): «لا تدع السماء شيئاً من قطرها إلا حبته مدراراً، ولا تدع الأرض من نباتها شيئاً إلا أخرجته، حتى يتمنى الأحياء حضور الأموات»(205)، وكتب في صحف إدريس النبي «عليه وعلى نبينا وآله السلام»: «..وأنزل بركات من السماء والأرض فتزهر الأرض بحسن نباتها، وتخرج كل ثمارها وأنواع طيبها.. وألقي الرأفة والرحمة بينهم فيتواسون ويقتسمون بالسوية.. فيستغني الفقير ولا يعلوا بعضهم على بعض»(206)، وإذا ما عرضت حاجة لأحد فإن عطاءه سيكون بلا حساب، فعن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله(ص) يقول: «إن من أمرائكم أميراً يحثي المال حثياً، ولا يعدّه عدّا، يأتيه الرجل فيسأله فيقول: خذ، فيبسط الرجل ثوبه فيحثي فيه، وبسط رسول الله(ص) ملحفة غليظة كانت عليه يحكي صنيع الرجل، ثم جمع إليه أكنافها، قال: فيأخذه ثم ينطلق»(207)، وعنه(ص): «.. وتنعم فيه أمتي نعمةً لم ينعموا مثلها قط، تؤتي الأرض فيه أكلها، ولا تدخر منه شيئاً، والمال يومئذ كدوس -كثير مكدس بعضه فوق بعض- يأتيه الرجل فيقول: يا مهدي، اعطني، فيقول له: خذ، ويحثى له من الذهب في ثوبه ما استطاع أن يحمله»(208).

وإنا إلى ذلك اليوم من المنتظرين، وحتى ذلك اليوم لا نبرح ندعو بالفرج لنا به(عج)، وندعو بدعائه(عج) لنا: «إلهي بحق من ناجاك، وبحق من دعاك في البر والبحر، صلِّ على محمد وآله، وتفضل على فقراء المؤمنين والمؤمنات بالغناء والثروة، وعلى مرضى المؤمنين والمؤمنات بالشفاء والصحة، وعلى أحياء المؤمنين والمؤمنات باللطف والكرم، وعلى أموات المؤمنين والمؤمنات بالمغفرة والرحمة، وعلى غرباء المؤمنين والمؤمنات بالرد إلى أوطانهم سالمين غانمين، بمحمد وآله أجمعين»(209).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 * الهوامش:

(1) مقتبس من كتاب «آداب السالكين في معرفة أسرار عبادات العارفين»، ص 491 بتصرف، المحدث الفيض الكاشاني.

(2) إشارة إلى ما جاء في كلام أمير المؤمنين(ع) حيث قال: «الدنيا دار ممر إلى دار مقر، والناس فيها رجلان: رجل باع فيها نفسه فأوبقها، ورجل ابتاع نفسه فأعتقها»، شرح نهج البلاغة، ج4، ص33، شرح محمد عبده.

(3) سورة غافر: 39.

(4) شرح نهج البلاغة، ج3، ص48، شرح محمد عبده.

(5) بحار الأنوار، ج73، ص127، العلامة المجلسي.

(6) المصدر نفسه، ج 74، ص76.

(7) كلمات مضيئة، ص46، السيد القائد الخامنئي.

(8) بحار الأنوار، ج73، ص7، العلامة المجلسي.

(9) المصدر نفسه، ج1، ص 152.

(10) راجع اقتصادنا، ص637، السيد الشهيد محمد باقر الصدر.

(11) الكافي، ج5، ص72، الشيخ الكليني.

(12) بحار الأنوار، ج75، ص321، العلامة المجلسي.

(13) راجع كلمات مضيئة، ص59، السيد القائد الخامنئي.

(14) إشارة إلى حديث روي عن رسول الله(ص): «ما قام ولا استقام ديني إلا بشيئين: مال خديجة وسيف علي بن أبي طالب»، شجرة طوبى، ج2، ص233، الشيخ محمد مهدي الحائري.

(15) سورة البقرة: 30.

(16) راجع المدرسة القرآنية ص105، السيد الشهيد محمد باقر الصدر.

(17) ولذاك نجد بأن شريعة الإسلام الخالدة قد استوعبت جميع مسائل الحياة حتى المستحدثة منها، وهذا إن دل على شيء فأنه يدل على سر من أسرار إعجاز هذه الرسالة الخاتمة، وبرهان ناصع على كونها مسك ختام السلسلة الإلهية؛ فإن الشريعة الإسلامية متسعة بتوسع الزمان والمكان من التواجد البشري وما يكتنف وجوده من مظاهر الرقي والتطور، فإن الفقه الإسلامي قادر على استيعاب هذه المسائل ومعالجتها معالجة دقيقة من خلال القرآن الكريم والسنة المطهرة.

(18) أصول الكافي، ج2، الكليني.

(19) كنز العمال، ص16687، المتقي الهندي.

(20) الكافي، ج2، ص 307، الكليني.

(21) سورة فاطر: 15.

(22) لسان العرب، ج5، ص60، ابن منظور.

(23) القاموس الجامع للمصطلحات الفقهية، ج2، ص525، الشيخ عبد الله الغديري.

(24) جامع السعادات، ج2، ص79، الشيخ محمد مهدي النراقي.

(25) نهج البلاغة، ص744.

(26) المستند في شرح العروة الوثقى، ج24، ص2، السيد أبو القاسم الخوئي.

(27) سورة النساء: 6.

(28) سورة التوبة: 60.

(29) المراد بمن يملك المؤونة بالفعل: أن تكون له أعيان جميع ما يحتاج إليه في سنته لنفسه ولعياله من مآكل ومشارب وغير ذلك بلا حاجة إلى شراء، أو تكون له نقود أو أجناس أخرى يمكنه أن يجعلها أثماناً لما يحتاج إليه في سنته، أو يكون له رأس مال يدر عليه من الرب ما يقوم بكفايته، أو تكون له مصادر أخرى من ضيعة أو عقار أو حيوان يقوم نماؤها ومنافعها بمؤونته وشؤونه، والمراد بمن يملك المؤونة بالقوة: أن يكون ذا صنعة أو عمل أو كسب يقوم إنتاجه وحاصله بما يكفيه، والمراد بعياله: من يقوم بنفقاتهم والصرف عليهم سواء أكانوا ممن تجب نفقتهم عليه كالأبوين والأولاد أم تستحب له كالأقرباء، أم تجوز كالأجانب. القاموس الجامع للمصطلحات الفقهية، ج2، ص 525، الشيخ عبد الله الغديري.

(30) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، ج1، ص350، الشهيد الثاني.

(31) اختاره ابن البراج وابن حمزة وابن إدريس، وذهب إلى ذلك الشيخ في الجمل والمبسوط والخلاف: بأن المسكين له بلغة من العيش بخلاف الفقير، وقال في النهاية بعكس ذلك، الاصطلاحات في الرسائل العملية، ص127، الشيخ ياسين عيسى العاملي.

(32) ذهب إلى ذلك الفراء وتغلب وابن السكيت وأبو حنيفة، ووافقهم من علماء الشيعة الإمامية ابن الجنيد وسلار والشيخ الطوسي في النهاية، وجملة من متأخري علمائنا كالسيد السيستاني والسيد اليزدي والإمام الخميني وغيرهم.

(33) منهاج الصالحين، ج1، ص368، آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني.

(34) وهو قول سلار، كشف الرموز ج1، ص254، الفاضل الآبي، ففي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما(ص) أنه سأله عن الفقير والمسكين فقال: الفقير الذي لا يسأل، والمسكين هو أجهد منه الذي يسأل)، الوسائل، ج9، ص210، الحر العاملي.

(35) سورة البلد: 16.

(36) راجع بهجة الخاطر ونزهة الناظر، ص63، و ص86، الشيخ يحيى البحراني، والقاموس الجامع للمصطلحات الفقهية، ج1، ص 431، و ج2، ص542، الشيخ عبد الله الغديري، وفقه الإمام الصادق، ج2، ص86، الشيخ مغنية، القاموس الفقهي ص160، حسين مرعي.

(37) مسالك الأفهام، ج1، ص409، الشهيد الثاني.

(38) الانحرافات الاجتماعية مشكلات وحلول، ص169، عبد العظيم نصر المشيخص.

(39) روائع نهج البلاغة، ص84، جورج جرداق.

(40) وسائل الشيعة، ج13، ص539، الحر العاملي.

(41) ميزان الحكمة، ج3، ص2438، محمد الريشهري.

(42) سورة الحج: 11.

(43) شرح نهج البلاغة، ج4، ص76، شرح محمد عبده.

(44) حركات الشيعة المتطرفين، ص29.

(45) بحار الأنوار، ج69، ص30، العلامة المجلسي.

(46) مفتاح الفلاح في شرح دعاء الصباح، ص25 – ص26، السيد محمد كلانتر.

(47) الانحرافات الاجتماعية، ص172، عبد العظيم نصر المشيخص.

(48) المصدر نفسه، ص173.

(49) انحرافات الأحداث، ص150، العالم الغربي (بوث)، نقلاً عن المصدر السابق، ص174.

(50) الانحرافات الاجتماعية، ص170، عبد العظيم نصر المشيخص.

(51) السلوك الإنساني والبيئة الاجتماعية بين النظرية والتطبيق، ص96، حسين حسن سليمان.

(52) الانحرافات الاجتماعية، ص171، عبد العظيم نصر المشيخص.

(53) وسائل الشيعة، ج21، ص939، الحر العاملي.

(54) عيون الحكم والمواعظ، ص36، علي بن محمد الواسطي.

(55) صحيفة الجزيرة السعودية، الثلاثاء 27 /5 / 2003 م، مقال للدكتور عبد العزيز أبو زنادة.

(56) الكافي، ج2، ص 84، المحدث الكليني.

(57) الطرق: ماء السماء الذي تبول به الإبل وتبعر.

(58) القد: سير يقد من جلد غير مدبوغ.

(59) الاحتجاج، ج1، ص132، الطبرسي.

(60) بحار الأنوار، ج16، ص 229، العلامة المجلسي.

(61) الكدر: نقيض الصفاء، وهو الماء العكر.

(62) الجشب: الطعام الغليظ أو الذي بدون إدام.

(63) نهج البلاغة، خطبة 26، ص73، شرح السيد عباس الموسوي.

(64) الاحتجاج، ج1، ص122، الطبرسي.

(65) سيرة الزهراء(ع)، ص157، السيد عبد الحسين دستغيب.

(66) العباس بن علي(ص)، ص61، الشيخ باقر شريف القرشي.

(67) الانحرافات الاجتماعية، ص167، عبد العظيم نصر المشيخص.

(68) المصدر السابق، ص166.

(69) الوعد الصادق، ص73، الشيخ محمد مهدي الآصفي.

(70) صحيفة الإمام، ج15، ص434 – 435، نقلاً عن كتاب (أمريكا في فكر الإمام الخميني)، ص296، دار الولاية للثقافة والإعلام.

(71) صحيفة الإمام، ج11، ص424 _ 425، نقلاً عن نفس المصدر.

(72) صحيفة الإمام، ج13، ص77، نقلاً عن نفس المصدر ص298.

(73) صحيفة جمهوري إسلامي.

(74) المصدر نفسه.

(75) خطبة الجمعة، 4/ ذو القعدة/ 1425هـ، جامع الإمام الصادق(ع) بالدراز.

(76) سورة النساء: 141.

(77) قناة الجزيرة، برنامج الشريعة والحياة (الإسلام ومشكلة الفقر) 15 / 5 / 2005 م، خديجة بن قنة.

(78) مجلة women’s news، الجمعة، 23 /3 / 2007 م، مراسلة المجلة إليزابيث ميهرين.

(79) البطالة، ص191، زيد الرماني، وهناك المزيد من الأرقام والإحصائيات، نقلاً عن كتاب المشكلات الاجتماعية، ص196، عبد العظيم نصر المشيخص.

(80) لأهمية استخدام الحقائق العلمية في عمليات تخطيط وتنفيذ وتقويم البرامج والمشروعات، السلوك الإنساني والبيئة الاجتماعية بين النظرية والتطبيق، ص280، حسين حسن سليمان.

(81) المصدر السابق، ص286.

(82) سورة البقرة: 273.

(83) الدكتور صلاح البندر الأمين العام لمركز الخليج للتنمية الديمقراطية (مواطن)، قناة الحرة في تقرير خبري عن ندوة صلاح البندر في مجلس اللوردات البريطاني في برنامج: العالم اليوم، بتاريخ 5/10/ 2006 م.

(84) صحيفة الوسط البحرينية، العدد 1598، الأحد، 21 /1/ 2007م، ص2، تقرير مالك عبد الله.

(85) تقرير مركز البحرين لحقوق الإنسان، سبتمبر/ 2004 م.

(86) صحيفة الوسط البحرينية، العدد1591، الأحد، 14 /1/2007 م، ص1، تقرير هاني الفردان.

(87) نهج البلاغة، ص745.

(88) تقرير مركز البحرين لحقوق الإنسان، 24 / سبتمبر / 2004 م.

(89) روائع نهج البلاغة، ص83، جورج جرداق.

(90) تقرير مركز البحرين لحقوق الإنسان، 24 / سبتمبر / 2004 م

(91) خطبة الجمعة، 26 / صفر / 1428 هـ، جامع الإمام الصادق(ع) بالدراز.

(92) المذهب الاقتصادي للمجتمع: هو عبارة عن الطريقة التي يفضل المجتمع اتباعها في حياته الاقتصادية وحل مشاكلها العملية. راجع: اقتصادنا، ص37، السيد الشهيد محمد باقر الصدر.

(93) الموسوعة الحرة، ويكبيديا.

(94) المدرسة الإسلامية، ص37، السيد الشهيد محمد باقر الصدر.

(95) اقتصادنا الميسر، ص98، علي حسن مطر.

(96) الليبرالية الاقتصادية إشارة للاقتصاد الذي يعتمد فيه على الفرد وحرية الأفراد في نشاطهم الاقتصادي، ووجوب أن يكون للدولة الحد الأدنى من التدخل في نشاطات الأفراد، وهكذا الليبرالية الثقافية والدينية.....الخ.

(97) أسئلة وردود، ص289، الشيخ المصباح اليزدي.

(98) الموسوعة الحرة، ويكبيديا.

(99) جون لوك (1632-1704)، صاغ النظرية الطبيعية الحرة، حيث يقول عن الملكية الفردية: «وهذه الملكية حق من حقوق الطبيعة، وغريزة تنشأ مع نشأة الإِنسان، فليس لأحد أن يعارض هذه الغريزة».

(100) آدم سميث (1723-1790)، وهو أشهر الكلاسيكيين على الإِطلاق، ولد في مدينة كيركالدي في اسكوتلندا، ودرس الفلسفة، وكان أستاذاً لعلم المنطق في جامعة جلاسجو, سافر إلى فرنسا سنة (1766م)، والتقى هناك أصحابَ المذهب الحر، وفي سنة (1776م) أصدر كتابه: (بحث في طبيعة وأسباب ثروة الأمم)، ومن أهم آراء آدم سميث أن نمو الحياة الاقتصادية وتقدمها وازدهارها إنما يتوقف على الحياة الاقتصادية.

(101) دافيد هيوم (1711-1776م)، صاحب نظرية النفعية التي وضعها بشكل متكامل، والتي تقول بأن «الملكية الخاصة تقليد اتبعه الناس، وينبغي عليهم أن يتبعوه لأن في ذلك منفعتهم».

(102) راجع اقتصادنا، ص277، السيد الشهيد محمد باقر الصدر.

(103) إذ يقوم الشخص الرأسمالي باحتكار البضائع وتخزينها حتى إذا ما فقدت من الأسواق نزل بها ليبيعها بسعر مضاعف يبتز فيه المستهلكين الضعفاء.

(104) المصدر السابق، ص300، بتصرف.

(105) أما ما نجده من بعض الرأسماليين من مساعدة الناس وتحقيق بعض المصالح العامة فإنه راجع إلى مصالح الذاتية أولاً وبالذات، فكل هذه المساعدات لا تصنع منه إنساناً في عواطفه ومشاعره ودوافعه وبواعثه؛ إذ أن قيمة تلك الأفعال ذاتية.

(106) الموسوعة الحرة، ويكبيديا.

(107) سورة النساء: 82.

(108) المجتمع الإنساني في القرآن الكريم، ص251،السيد محمد باقر الحكيم، (بتصرف).

(109) اقتصادنا، الميسر ص92، علي حسن مطر.

(110) كارل ماركس (1818 -1883)، فيلسوف ألماني، سياسي، وصحفي، ومنظّر اجتماعي، قام بتأليف العديد من المؤلفات، إلا أن نظريته المتعلقة بالرأسمالية وتعارضها مع مبدأ أجور العمال هو ما أكسبه شهرة عالمية.

(111) فريديريك أنجلز (1820 – 1895)، صديق ماركس وزميله، وضعا سوية الفكر الماركسي.

(112) فلاديمير ألييتش إليانوف المعروف بـ(لينين) (1870 – 1924)، ثوري روسي، كان قائد الحزب البلشفي والثورة البلشفية ضد الإمبراطورية الروسية إبّان حكم القياصرة، كما أسس المذهب اللينيني السياسي، يُعد لينين أول رئيس للاتحاد السوفييتي، وهو الذي رفع شعار: «الأرض والخبز والسلام».

(113) راجع الخطوط الأساسية للاقتصاد الإسلامي، ص86، الشيخ مكارم الشيرازي.

(114) مختارات لينين، ج2، ص281، نقلاً عن كتاب: (اليوم الموعود بين الفكر المادي والديني) للسيد محمد صادق الصدر، ص393.

(115) المصدر نفسه.

(116) المدرسة الإسلامية، ص57، السيد محمد باقر الصدر.

(117) التكامل الاجتماعي للإنسان، ص126.

(118) اليوم الموعود بين الفكر المادي والديني، ص362.

(119) وحسبك في ذلك ما جرى من القمع والاضطهاد وعمليات التطهير الواسعة التي قام بها الحزب الشيوعي السوفياتي التي بررها الحزب بأنها انعكاس لتلك الظروف والتناقضات الطبقية، فقد شملت عمليات التطهير في مرة تسعة وزراء من أعضاء الوزارة الأحد عشر، الذين كانوا يديرون دفة الحكومة السوفياتية عام (1936 م)، وشملت أيضاً خمسة رؤساء من الرؤساء السبعة للجنة السوفيات التنفيذية المركزية التي وضعت دستور (1936 م)، واكتسحت ثلاثة وأربعين أميناً من أمناء سر منظمة الحزب المركزية الذين كان يبلغ مجموعهم ثلاثة وخمسين أميناً، و60% تقريباً من مجموع جنرالات السوفيات وغيرها من المآسي والكوارث، راجع كتاب اقتصادنا، ص258، السيد محمد باقر الصدر.

(120) الخطوط الأساسية للاقتصاد الإسلامي، ص102، الشيخ مكارم الشيرازي.

(121) (جوزيف ستالين): هو أحد أعضاء اللجنة المركزية للحزب البلشفي، وأحد مدراء صحيفة (البرافدا) الناطقة باسم الحزب الشيوعي السوفياتي، انتخب ستالين عام 1922م أميناً عاماً للحزب، ثم أصبح من الناحية العملية على رأس الحكومة السوفياتية.

(122) النداء الأخير، ص52، السيد الإمام الخميني(قده).

(123) راه ورسم زندكي، ص34، نقلاً عن كتاب (الطفل بين الوراثة والتربية) للشيخ محمد تقي فلسفي، ج1، ص 36.

(124) وهو آخر زعماء السوفييت من مواليد (1931 م).

(125) صادرة بتاريخ 22 جمادى الأولى 1409 هـ.ق.

(126) عن مؤسسة الإمام الخميني الثقافية.

(127) قال أمير المؤمنين(ع): «إن ملكاً ينادي كل يوم: أولدوا للموت، واجمعوا للفناء، وابنوا للخراب»، نهج البلاغة، ج4، ص 33.

(128) رؤى جديدة في الفكر الإسلامي، ج1، ص148، الشهيد مرتضى مطهري.

(129) بحار الأنوار، ج6، ص 249، العلامة المجلسي.

(130) شرح نهج البلاغة، ج20، ص 317، ابن أبي الحديد المعتزلي.

(131) بحار الأنوار، ج74، ص178، العلامة المجلسي.

(132) سورة النساء: 134.

(133) النداء الأخير، ص13، الإمام الخميني(قده).

(134) راجع نظرية الحكم في الإسلام، ص82، الشيخ محسن الأراكي.

(135) اقتصادنا، ص380، السيد محمد باقر الصدر.

(136) سورة إبراهيم: 32 – 34.

(137) اقتصادنا، ص381، السيد محمد باقر الصدر.

(138) الإسلام يقود الحياة، ص32، السيد محمد باقر الصدر.

(139) بحار الأنوار، ج32، ص17، العلامة المجلسي.

(140) سورة الحديد: 7.

(141) سورة يونس: 14.

(142) أضاف إليهما السيد الشهيد في كتابه «اقتصادنا» ملكية الدولة، ومسألة ملكية الدولة فيها خلاف فقهي بين العلماء أن الدولة هل تملك أولا.

(143) راجع الاقتصاد الإسلامي، ص14 -35، الشهيد آية الله الدكتور بهشتي.

(144) شرائع الإسلام، ج1، ص 246، المحقق الحلي.

(145) كتاب من لا يحضره الفقيه، ج3، ص168، الشيخ الصدوق.

(146) تهذيب الأحكام، ج6، ص327، الشيخ الطوسي.

(147) الكافي، ج5، ص72، الشيخ الكليني.

(148) الإرشاد، ص247، الشيخ المفيد.

(149) منهاج الصالحين، ج2، ص5، آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني.

(150) نهج البلاغة، ج3، ص96، شرح محمد عبده.

(151) دروس تمهيدية في القواعد الفقهية، ج2، ص96، الشيخ محمد باقر الأيرواني.

(152) من إفادات درس تفسير الشيخ الجوادي الآملي نقلاً عن أحد طلاّبه.

(153) سورة الإنسان: 8 – 9.

(154) الكافي، ج3، ص548، الشيخ الكليني.

(155) بحار الأنوار، ج29، ص223، العلامة المجلسي.

(156) راجع كتاب من لا يحضره الفقيه، ج2، ص 7، الشيخ الصدوق.

(157) إنفاق المال في الإسلام، ص 35، محمد فلاح العطار.

(158) الحكومة الإسلامية، ص51 – 52، الإمام الخميني(قده).

(159) الكافي، ج2، ص668، الشيخ الكليني.

(160) غوالي اللآلي، ج1، ص107، ابن أبي جمهور الإحسائي.

(161) الكافي، ج2، ص169، الشيخ الكليني.

(162) المجتمع، ص159، محمد عبد الجبار.

(163) سورة البقرة: 29.

(164) سورة طه: 118 – 119.

(165) نهج البلاغة، ج3، ص 100، شرح محمد عبده.

(166) سورة يونس:39.

(167) قال تعالى: {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}، سورة الذاريات: 58.

(168) عن أمير المؤمنين(ع): «رزق كل امرئ مقدر كتقدير أجله»، غرر الحكم، 5423.

(169) عن الصادق(ع): «ما من قبض ولا بسط إلا ولله فيه المن والابتلاء»، نور البرهان، ج2، ص280.

(170) عن الإمام الصادق(ع): «من حسنت نيته زيد في رزقه»، الكافي، ج2، ص105.

(171) عن رسول الله(ص): «حسن الخلق وكف الأذى يزيدان في الرزق»، الفردوس، ج2، ص140.

(172) عن رسول الله(ص): «من رزق التقى فقد رزق خير الدنيا والآخرة»، كنز العمال، ج3، ص91.

(173) قال تعالى:{لئن شكرتم لأزيدنكم}، سورة إبراهيم:7.

(174) عن رسول الله(ص): «الرزق إلى السخي أسرع من السكين إلى ذروة البعير»، إرشاد القلوب، ص137.

(175) عن أمير المؤمنين(ع): «من قنع برزق الله استغنى عن الخلق»، غرر الحكم، ص8434.

(176) عن أمير المؤمنين(ع): «كل الغنى في القناعة والرضا»، غرر الحكم، ص6874.

(177) عن أمير المؤمنين(ع): «لكل نعمة مفتاح ومغلاق، فمفتاحها الصبر، ومغلاقها الكسل»، شرح نهج البلاغة، ج2، ص322.

(178) عن رسول الله(ص): «من آثر الدنيا على الآخرة حرمهما جميعاً، ومن آثر الآخرة على الدنيا أصابهما جميعا»، الفردوس، ج3، ص586.

(179) عن أمير المؤمنين(ع): «لا تكون غنياً حتى تكون عفيفاً»، بحار الأنوار، ج78، ص8.

(180) عن أمير المؤمنين(ع): «لن يفتقر من زهد»، غرر الحكم، ص7446.

(181) سورة هود: 3.

(182) تحف العقول، ص106، ابن شعبة الحراني.

(183) بحار الأنوار، ج80، ص21، العلامة المجلسي.

(184) إرشاد القلوب، ص191.

(185) تهذيب الأحكام، ج6، ص48، الشيخ الطوسي.

(186) الكافي، ج2، ص 468، الشيخ الكليني.

(187) عن أمير المؤمنين(ع): «الحرمان مع الحرص»، شرح نهج البلاغة، ج30، ص327.

(188) عن الصادق(ع): «ليس لحسود غنى»، تحف العقول، 364.

(189) عن أمير المؤمنين(ع): «اعتياد الكذب يورث الفقر»، بحار الأنوار، ج76، ص314.

(190) عن أمير المؤمنين(ع): «كفر النعمة مزيلها»، غرر الحكم، ص7242.

(191) عن أمير المؤمنين(ع): «البطر يسلب النعمة ويجلب النقمة» غرر الحكم، ص2216.

(192) عن أمير المؤمنين(ع): «الغناء يورث النفاق، ويعقب الفقر»، بحار الأنوار، ج79 ص241.

(193) عن أمير المؤمنين(ع): «بالظلم تزول النعم»، غرر الحكم، ص4230.

(194) عن أمير المؤمنين(ع): «قطيعة الرحم يورث الفقر»، بحار الأنوار، ج74، ص91.

(195) عن رسول الله(ص): «منع الخبز يمحق البركة»، الفردوس، ج4، ص150.

(196) عن رسول الله(ص): »احذروا الذنوب، فإن العبد يذنب الذنب فيحبس عنه الرزق»، الخصال، ص620.

(197) قال الله تعالى: {يمحق الله الربا ويربي الصدقات}، سورة البقرة: 276.

(198) عن رسول الله(ص): «من كسب مالاً من غير حله أفقره الله عز وجل» بحار الأنوار، ج69، ص382.

(199) عن رسول الله(ص): «الزنا يورث الفقر»، كتاب من لا يحضره الفقيه، ج4، ص20.

(200) المغازي النبوية، ص39، ص320.

(201) نقلاً عن كتاب الإسلام ومتطلبات العصر، ص42، الشهيد المطهري.

(202) سورة المائدة: 66.

(203) بحار الأنوار، ج52، ص390، العلامة المجلسي.

(204) المصدر نفسه، ج52، ص337.

(205) ذلكم الإمام المهدي، ص64، السيد هادي المدرسي.

(206) بحار الأنوار، ج52، ص384، العلامة المجلسي.

(207) معجم أحاديث الإمام المهدي، ج1، ص231، الشيخ علي الكوراني.

(208) بحار الأنوار، ج51، ص88، العلامة المجلسي.

(209) دعاء الحجة(عج)، مفاتيح الجنان، ص172، الشيخ عباس القمي.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا