بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
■ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ماذا تعني مراقبة النفس فيما يرتبط بتهذيب النفس، فقد وردت بعض الروايات تشير إلى مراقبة النفس كما روي عن الإمام علي(ع): «اجعل من نفسك على نفسك رقيباً واجعل لآخرتك من دنياك نصيباً» وبعضها تشير إلى مراقبة الله (سبحانه وتعالى) كقول الإمام علي (ع): «طوبى لمن راقب ربه، وخاف ذنبه» ؟
● وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، المراقبة المقصودة في تزكية النفوس في الحقيقة هي مراقبة النفس، ولكن باعتبار أن مراقبة النفس هي مفهوم عام، تحت هذا العنوان والمفهم العام تتشعب مفاهيم أخرى، مثلاً كيف يراقب الإنسان نفسه في الأمور الخطيرة، أحد معالم مراقبة النفس هو الخوف من الله(سبحانه وتعالى)، والخوف من الله(سبحانه وتعالى) يمثل مراقبة لله(سبحانه وتعالى)، ولذلك فإنَّ الروايات التي تأمر بأن يجعل على نفسه رقيباً، والروايات التي تأمر بمراقبة الله(سبحانه وتعالى)، كلها تصب في مصب واحد، وهو مراقبة النفس، أن لا تقع في المزَّلات أن لا تقع في الانحرافات، أن لا تقع في الفتن أن لا تخرج عن الصراط المستقيم، لكن معنى مراقبة النفس يمثل مفهوماً عاماً فتشمل مثلا مراقبة النفس لترك المحرمات، وإتيان الواجبات بأحسن وجه، وابتعادها عن الشبهات، ومن شعب مراقبة النفس أيضاً أن يجد الله دائماً ناظراً إليه كما يقول الإمام الخميني أن "العالم محضر الله فلا تعصوا الله في محضره" هذا في الواقع هو مراقبة للنفس، فأسلوب المراقبة يختلف بحسب الطرق المحدد للمراقبة، وأحد الطرق التي تحدد أسلوب مراقبة النفس هو أن يحاول الإنسان دائما أن يلاحظ الله(سبحانه وتعالى) معه، ينظر إليه يعلم بكلامه وتصرفاته وضميره ونياته، هذا كله يصب في إطار مراقبة النفس، ولذلك فإن الروايات تتحدث عن أن الله يجعله رقيباً على نفسه، فكل هذه الروايات تصب في أصل واحد وهو مراقبة النفس، فيراقب نفسه دائماً كيف تتصرف وتعمل وتنوي وتقدم وتترك، وما شاكل ذلك.
■ هل المراقبة تمثل حالة قلبية أم هي عملية عقلية، وهل يمكن أن يكون الإنسان مراقبا وفي نفس الوقت لا يترتب على مراقبته الأثر المطلوب؟
● في الواقع علماء الأخلاق وعلماء السير والسلوك عندما يطلقون مفهوم المراقبة في السير والسلوك يقصدون من المراقبة المراقبة القلبية لا العقلية، ولذا فإنهم لا يفرقون بين كون المراقب عالما أو عاميا جاهلا، فلا يحتاج إلى سلاح العلوم الحصولية، المهم أن يكون مراقبا بالقلب والمعنى، قد يكون إنسان لا يعرف القراءة والكتابة أصلا، ولكنه يراقب نفسه أكثر من عالم كبير مشهور في علمه، إذن المراقبة بحسب اصطلاحهم في علم الأخلاق هي مراقبة قلبية، ولكن المراقبة العقلية عادة وغالبا تكون مقدمة للمراقبة القلبية، إذا أُسس للارتباط الوثيق بينهما، بحيث أراد الإنسان أن ينطلق من علمه إلى قلبه وتزكية نفسه، بأنْ يأخذ العلم وسيلة لمراقبة نفسه وتهذيبها وتقوية معنوياته والتقرب إلى الله(سبحانه وتعالى)، ففي هذه الحالة فإن العقل والعلم والتعقل سوف يكون مقدمة موصلة إن شاء الله إلى مراقبة النفس القلبية، من هنا يمكن أن نقول إن المراقبة لها مرتبتان، المرتبة العقلية وهي لا تنتج المطلوب دائماً وربما كانت حجاباً والعياذ بالله، فتكون مانعة عن المراقبة القلبية، لذا لا نقول أنها مقدمة موصلة دائماً، نعم من الواضح أن الإنسان كلما ازداد علماً سيما في العلوم الدينية فإنه يكون أقدر من غيره على مراقبة النفس، وبعض الناس يقف عند المقدمات دون أن يصل إلى نتيجة، لذا فإنه لا يغلب شيطانه فلا يمكن للإنسان أن يغلب شيطانه إلا بالمراقبة القلبية، وربما يكون الإنسان مراقبا في بعض الأحيان ويغفل في أحيان أخرى، فإنه إذا غفل تعرض للزلل.
■ هل تمثل المراقبة كما يقال محور السير والسلوك إلى الله وعلى فرض صحة ذلك فما هو السير في ذلك؟
● نعم هذه الفكرة صحيحة باعتبار:
أ- أن النفس أولا غامضة جدا في صفاتها، النفس في الواقع هي حقيقة معقدة كما تشير إلى ذلك الروايات وعلماء الأخلاق وقد أشار إلى هذه المسألة صدر المتألهين(ره) في كتابه الأسفار في كتاب النفس إلى هذه المسألة، فهي غامضة جداً لذلك فإن الاعتماد عليها خطأ وهذا أمر مستفاد من الروايات التي تنهى عن الثقة بالنفس وتأمر بالثقة بالله(سبحانه وتعالى)، ولذا ورد عندنا في الحديث المعروف عن النبي(ص) ما مضمونه: لا يزال العبد في خوف ورجاء حتى يأتيه اليقين أي الموت، فالنفس لا يمكن الاعتماد عليها هذا أولا.
ب- ثانياً إن القوى الموجودة في الإنسان في كثير من الأحيان تكون متضادة، بحيث يكون ليس من السهل أن يسيطر على هذه القوى، كقوة الغضب والشهوات والملذات وحب الدنيا، هذه القوى قوية جداً والتغلب عليها ليس بالأمر السهل.
ت- ثالثاً إنَّ الشيطان بما أن وظيفته الوسوسة والإغواء فإنه يمثل قوة خارجية تثمل خطرا يضاف إلى القوى الداخلية.
فإذا جمعنا بين هذه الأمور الثلاثة: غموض النفس، والقوى المتضادة في الإنسان، وقدرة الشيطان، من هنا نصل إلى أهمية المراقبة، فإنها هي التي تمثل الحصانة وتجعل لنا الثقة في تزكية النفس، وإذا أردنا أن نشبه الإنسان بين هذه الأمور الثلاثة فيمكن أن نقول أنه حقيقة ضائعة أو غارقة بين هذه الأمور الثلاثة، بين غموض النفس، فلا يدري هل أنه اليوم يتعلق بالله(سبحانه وتعالى)، ويكره الدنيا أو غدا، ولعله في المستقبل يكره الله والعياذ بالله ويحب الدنيا، قد توجد ظروف خارجية بيئية تحيط بالمكان الذي يعيش فيه، تغير كثيراً من المفاهيم والمعالم التي توجد في شخصيته، ولا يمكنه أن يحدد بنفسه كل ما سيجري على النفس وذلك لغموض النفس.
والطاقات الموجودة في الإنسان أيضا طاقات متضادة، والشيطان في غاية القوة، حتى أن الباري(سبحانه وتعالى) يعبر عنه: {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}(1) ويمكن أن نضيف أمراً رابعاً وهو ضعف الإنسان، قال تعالى: {خُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً}(2) فقد أشار بعض المفسرين إلى أنه خلق ضعيفاً من حيث الشهوة الجنسية، وبعضهم يعممها إلى جميع الجهات في الإنسان، فالشهوات تكون غالباً هي الغالبة فيه في قبال العقل، لذلك فإن الذي يمكِّن من صون الإنسان وحفظه في ظل هذه المعوقات الأربعة في طريق تربية النفس، والذي يتمكن الإنسان من خلاله تحديد الطريق الصحيح هو المراقبة، وأعني بها المراقبة الدائمة، أما المراقبة التي تخطر لأجل مجلس أو ظروف مؤقتة لا يمكن أن تمثل حصانة دائمة للإنسان في طريق سيطرته على هذه المعوقات الأربعة.
■ هل تختص المراقبة المطلوبة بمراقبة السلوك العملي للإنسان، أم تشمل ما هو أوسع من ذلك؟
● نعم المراقبة تشمل كل هذه المراحل، وهي مختلفة من حيث الصعوبة والسهولة، فإنَّ المراقبة من حيث السلوك العملي أسهل نوع من أنواع المراقبة، لأنَّ السلوك العملي باختيار الإنسان بشكل مباشر، فالإنسان يمكن بحرية مطلقة مباشرة أن يأتي بالعمل أو يتركه، أما المراقبة القلبية بالنسبة إلى الخواطر والأفكار والوساوس الشيطانية فإنها صعبة جدا، فربما يراقب الإنسان نفسه سنين طويلة من حيث السلوك العملي، يعيش ثلاثين أو أربعين سنة لا يرتكب حراما، ولكن ربما كان يقع في مرتبة القلب في أمور لا تليق بالسير والسلوك.
وأول مراتب المراقبة مراقبة السلوك العملي، الذي قلنا أنه أسهل المراتب، والمرحلة الثانية كمرحلة أساسية أن يسيطر على قلبه وقوة الخيال، فيعمل على رفع هذه الخواطر أو دفعها، فإنه تارة يدفع هذه الخواطر، والمرحلة الأصعب من هذه المرحلة وأرفع هي مرحلة رفع الخواطر(3)، بحيث يرفع المقتضي من رأس، فيصل إلى مرحلة بحيث لا يخطر في نفسه ما يوجب نوعا من التعلق بالدنيا، أو الميل إلى الحرام والمشتهيات، وهذه أعلى مراتب المراقبة.
نعم مراقبة السلوك العملي هي الأساس وهي المطلوبة من عامة الناس والمؤمنين وذلك للاستقامة على الشريعة من فعل الواجبات وترك المحرمات، وقد ورد في الروايات أن الله(سبحانه وتعالى) يغفر للمؤمنين نياتهم السيئة، كالميل إلى الحرام والتفكير فيما لا يليق بالمؤمن، وقد أشار الشيخ الأنصاري إلى هذه الروايات في بحث التجري، نعم هذا النوع من النوايا يؤثر في تنزل مرتبة الإنسان بلا إشكال؛ لأنَّ درجات الإيمان تتحدد بدرجات المراقبة، والسعي للمراتب العليا ممدوح ومطلوب كما ورد في الروايات، وهي في الغالب تكون للخواص، ومن الواضح أنَّ من وصل إلى درجة المراقبة القلبية أعلى مرتبة ممن اكتفى بالمراقبة العلمية، وهنا أريد أن أشير إلى صعوبة مراقبة الخواطر فإنها من الأمور الصعبة التي ربما تصعب حتى على بعض العلماء فلا يدخل في هذا الوادي، كما أن تلبيسات الشيطان فيه كثيرة، فربما ظن المراقب أنه هذَّب خواطره وهو في الواقع مبتلى بخواطر شيطانية.
ومن الفوارق أيضا بين المراقبة العملية وغيرها والتي تجعل من السلوك العملي أسهل هو وضوح العمل، بينما تتصف الخواطر بالخفاء والغموض.
■ ما هي آفات المراقبة؟ وما هي عوامل تقوية المراقبة؟
● في بعض الكتب الأخلاقية أنه يوجد عندنا خمس وسبعون جندياً للعقل تساعد على تهذيب النفس، وكذلك بالنسبة لجنود الجهل والنفس الأمارة والشيطان التي تصب في الإغواء، وهما في حراب دائم مع بعضهما، فإذا أردنا أن نعرف العوامل التي تصب في تقوية المراقبة فعلينا أن نقف عند هذه الجنود، ولكن هذا البحث طويل لا يسعنا الوقوف عنده، لذا أقتصر على ذكر بعض العوامل الأساسية ليستفيد منها عموم الناس ويكون البحث شاملا للجميع:
أ- التوكل على الله: الذي ينشأ في الواقع من الثقة بالله(سبحانه وتعالى)، والثقة بالله مهمة جداً في مسألة المراقبة، فإن الإنسان كثيراً ما يقع في ظلم وحرام وجهل يوجب الندم، كل ذلك لأنَّه لم يكن يثق بالله(سبحانه وتعالى)، فكثيرا ما يستعجل طلب الرزق مثلاً، فيوقع نفسه في الأذية والمشاجرة مع الآخرين، ويوقع نفسه في أكل الحرام، كل ذلك لأنَّه لا يثق بالله(سبحانه وتعالى)، الثقة بالله من العوامل الأساسية في المراقبة، الثقة التي تولد التوكل على الله(سبحانه وتعالى)، والتوكل يكون من آثار هذه الثقة، هذا أحد العوامل، وهو مهم جداً في شخصية الإنسان المراقب.
ب- المكسب الحلال: فكثيراً من الأحيان يكون الإنسان مراقباً لنفسه في بعض الأعمال، ولكن أحياناً إذا صح التعبير يخرج عن اختياره، أو أن الشيطان يوسوس في أذنيه أو في قلبه إلى أن يخضع إلى هوى الشيطان، وذلك لأنَّ مكسبه لم يكن حلالاً، بسبب الأثر الوضعي الذي يبقى في نفسه، وفي أسرته التي ينفق عليها، فلا بد من طهارة المكسب فإنه عامل أساسي، ولذا نجد بعض الناس يقومون بعمل الخيرات ويعقدون مجالس دينية في بيوتهم ويشاركون في مشاريع خيرية، ولكنك لا تجد تأثير ذلك في نفسه الأثر المطلوب، فبمجرد أن يواجه حراماً أو فتنة تزل به قدمه، لماذا؟ من أسباب ذلك المكسب الحرام، مع كل هذه التوفيقات التي يملكها إلا أنها لا تصونه عن الحرام، وكثير من الناس ينحرفون لعدم طهارة المكسب، لذلك ورد في الرواية عن رسول(ص): «العبادة عشرة أجزاء تسعة أجزاء في طلب الحلال»(4) والحكمة في هذا المعنى من الرواية واضح؛ لأنَّ المكسب إذا لم يكن طاهراً لا يستفيد الإنسان من عباداته بالشكل المطلوب(5). فكلما كان المكسب أطهر أوجب ذلك التوفيق للإنسان، أحيانا بعض التجار يحبُّ أن يقوم ببناء حوزة أو حسينية أو مسجد مثلاً وعنده مراقبة ومكسبه طاهرٌ إلى حد ما، ويعمل بالضوابط الشرعية بحسب الظاهر، ولكنه ليس محتاطا في بعض الموارد، الله يسلب منه توفيق بناء الحسينية أو المسجد الذي عزم على بنائه.
ت- التفقه في الدين: فالإنسان مهما بلغ من مراحل المراقبة فإنه لا بد أن يتفقه في دينه، بأن يعرف المسائل الشرعية وتفاصيلها، فإنَّ بعض الناس مع الأسف يدخل في باب المراقبة ولكنه لأنه لم يتفقه في الدين فأحياناً يجعل الحسن قبيحاً والقبيح حسناً، وما يضره في المراقبة ربما ظن أنه ينفعه، ولذلك علماء الأخلاق دائماً يؤكدون على أن الذي يريد أن يدخل في السير والسلوك والمراقبة خصوصا إذا كان يطلب المراحل العالية لا بد أن يكون له شيخ وأستاذ؛ لأنَّ الأستاذ عنده تفقه في الدين، يعرف كيف يرشده وفق ضوابط الدين ليصل إلى المرحلة المعينة، فلا بد من التفقه في الدين، ونحن نجد في حياة علمائنا مثل السيد المير داماد (ره) أو الخواجة نصير الدين الطوسي أو السيد القاضي وغيرهم، أنهم كانوا فقهاء، يعرفون الروايات ومضامينها ومن أين تؤخذ الأحكام الخمسة، وكيفية مراقبة النفس، ولا بد من الإشارة إلى أن مرادنا من التفقه في الدين هو الأعم من معرفة الأحكام الشرعية، أي فهم الدين بشكل عام بما يشمل الأخلاق والعقائد، هذه العوامل الثلاثة هي الأساسية.
■ بعض المؤمنين يستشعر حضور أهل البيت (ع) سيما إمام زمانه (عج)، فيبعثه ذلك على الطاعة وترك المعصية، فهل هذا النوع من المراقبة مطلوب؟ وكيف يجب أن يكون؟
● المراقبة لها أساليب مختلفة، من ضمن هذه الأساليب أن يشعر دائماً بمراقبة الله(سبحانه وتعالى) له، ولكن هذا الشعور في الغالب عند عامة الناس ربما يكون أمراً صعبا؛ لأنَّ الله(سبحانه وتعالى) ليس ملموسا وليس محسوسا، وليس له شكل معين، فهذا النوع من المراقبة يحتاج إلى روحية خاصة تملك معرفة خاصة بالله(سبحانه وتعالى)، لذا فإن عوام الناس عادة يغفلون عن الله(سبحانه وتعالى)، فتجده يحاول مراقبة ربه ولكنه بمجرد أن يخوض في غمار الحياة تراه في معاملاته مثلا يظلم صاحبه ويغفل عن ربه(عزّ وجلّ).
لذلك فإن هناك أسلوباً ثانياً من المراقبة، وهو أن يجعل النبي(ص) أو أحد أهل البيت(ع) رقيبا عليه لشدة حبه إليه، فإنه لكونه من البشر وموجوداً محسوساً فإن هذه المراقبة لعوام الناس تكون أكثر إنتاجاً، وهذا النوع من المراقبة لها مصداقان، الأول أن يجعل النبي(ص) وأهل البيت(ع) رقباء عليه، وقد بين القرآن الكريم إحاطة أهل البيت(ع) بأعمال العباد: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}(6)، وهذه الآية لا تختص بزمان النبي(ص)، كما توجد عندنا روايات تبين أن أعمال العباد تعرض على أهل البيت(ع) في عالم البرزخ، فهذا المراقبة جيدة ومطلوبة.
المصداق الثاني هو أن نجعل الإمام المنتظر(عج) رقيباً علينا؛ لأنَّ الإمام موجودٌ في حياتنا، وأعمالنا تعرض عليه كما ورد في الروايات في كل أسبوع كما في بعضها، وفي بعضها في يومين من الأسبوع الاثنين والخميس، فحضور الإمام(ع) كبير في حياتنا خصوصا أنَّ الإمام له عناية خاصة بنا، فقد ورد في الروايات أنه يدعو لشيعته بغفران الذنوب ودفع البلاء في آخر الزمان، إذن فإنه من قِبَلِه(ع) توجد مراقبة وعناية واهتمام خاص بنا، وهذا واضح بحسب الروايات، وإنما المشكلة في طرفنا نحن، فالإمام(ع) و(عج) قطعاً يراقبنا، فعلينا أن نشعر بمراقبته إلينا، هذا الشعور من أفضل ومن أظهر مصاديق المراقبة، فلعلَّنا عندما نتعامل مع الناس نلاحظ هل أن الإمام(ع) راض عن هذه المعاملة أو لا؟ إذا أردتُ أنْ أذهبَ إلى المجلس المعين هل الإمام(ع) راض عن هذا الذهاب أو لا؟ وغير ذلك من الأعمال.
وهذا ما نجده في سيرة كثير من علمائنا، بأن يخاطب نفسه في مقام المراقبة هل أن الإمام(ع) راض عن عملي أو لا؟ هل أصرف هذه الحقوق الشرعية في هذا الموضع أو لا؟ كما ينقل في سيرة الشيخ الأنصاري أنه كان يستشكل في صرف الحقوق في بعض الموارد خوفا من أنه يوم القيامة لا يجد جواباً للإمام(ع) إنْ كان صرفه فيما لا يرضيه، فالشيخ يرى أن الإمام(ع) كان يراقبه، وعلى مستوى المراجع والعلماء الكبار في كل عصر من العصور تجد أن مراقبتهم للإمام(ع) كانت واضحة ومميزة، ولذا فإنهم يلوذون به عند الشدائد؛ فقد نقل عن بعض العلماء في النجف أنه صار في ضائقة مالية لم يتمكن من إعطاء الطلبة رواتباً، فشكا ذلك إلى الإمام(ع) وقال له: "أنا في كل هذه المدة في خدمتكم والآن لا أملك شيئا"، فلا تمضي مدة حتى تحل هذه المشكلة، وهذا يكشف عن أنهم دائماً يشعرون أنهم تحت عناية الإمام(ع)، فعلماؤنا كانوا دائماً يشعرون أنهم في محضر الإمام(ع).
لذا فإنَّ هذا النوع من المراقبة أعتقد أنه من أفضل الطرق عندنا في هذا الزمن، ويمكن أن نطرحه على مستوى عموم الناس، وليس من الصعب إيجاد هذا الشعور، على الأقل في بعض ساعات الحياة يشعر الإنسان المؤمن أن له إماماً واجب الطاعة، يعلم بأعماله كلها ظاهرها وباطنها، فيحاول أن لا يفعل ما لا يرضي الإمام(ع)، فهذا الطريق هو أحسن أسلوب لتهذيب النفس، فمن الضروري أن ننشر بين الشباب المتدين ثقافة مراقبة الإمام(ع)، وهذا لا يكون إلا بإيجاد المحبة بينهم وبين الإمام(ع)، فعلينا أن نطرح للناس الروايات التي تتحدث عن الإمام(ع) في عصر الغيبة، وكيف نستفيد منه في هذا الزمن، سيما أثر ذلك في حياة المؤمن، فإذا وُجِدَ الحبُّ بين الإنسان المؤمن وبين إمام العصر(ع) هذا أفضل سلاح للمراقبة، نعم هناك مرحلة أعلى وهي أن يجعل جميع المعصومين(ع) بما فيهم إمام الزمان مراقبون له، والأفضل من ذلك مراقبة الله(سبحانه وتعالى)، فالمراقب لإمام زمانه(ع)، المتيقن من نظر إمامه إليه ورعايته واهتمامه وسؤاله عن أحواله يعيش حياة أخرى بعيدة عن الاهتمام بتوافه الدنيا من الأكل والشرب والراحة والرفاهية، وتكون له حياة أخرى غير حياة عوام الناس، ويشعر بأنه بكل سهولة يترك المعاصي ويصرف الأموال في سبيل الله، ويصير وجوده وجودا نورانيا، فمثلا شبابنا في حزب الله في لبنان قد انطلقوا من هذه الفكرة، فروح الانتظار عند شباب حزب الله كبيرة حتى ولَّد لهم شجاعةَ مواجهةِ الاستكبار وإسرائيل، فهم يعتقدون أن الإمام(ع) في كل لحظة من لحظات المقاومة الإسلامية هو معهم يراقبهم ويسددهم ويعينهم ويدافع عنهم ويدعو لهم وهذا سر انتصارهم.
الشاب الذي يتعلق بالإمام(ع) يكره المعاصي كراهة ذاتية وليس عرضية فحسب، وهذه صفة رائعة في الشاب الذي هو في قمة القوى والشهوات والعنفوان، وهو يكره المحرم ذاتا لا عرضا، لشدة حبه للإمام(ع)، والحمد لله رب العالمين.
* الهوامش:
(1) سورة البقرة: 168.
(2) سورة النساء: 28.
(3) بعضهم قال أن الدفع مرتبة أعلى من الرفع، لأن الدفع منع من الوجود، أما الرفع فهو رفع بعد الوجود ولكن الصحيح هو الأول، وهذا مبني على تفسير آخر للدفع والرفع، ولكن الصحيح هو الأول(منه).
(4) بحار الأنوار:ج100/باب الحث على طلب الحلال.
(5) ولو كان يعمل وفق الضوابط الشرعية ولكنه وقع في المحرم واقعا فإنه وإن لم يكن الأثر الوضعي باقيا إلا أنه يسلب بعض التوفيقات.
(6) سورة التوبة: 105.
0 التعليق
ارسال التعليق