لم يكن البناء على تقسيم المقال إلى قسمين؛ حيث إنه كُتب في ملف واحد، ولكن حجم المقال حتَّم على رئاسة التحرير أن تقسمه إلى قسمين، وقد نُشر القسم الأول منه في العدد السابق، وها نحن نورد في هذا العدد القسم الثاني منه على أمل أن نؤدي بذلك بعض ما لعلمائنا من حقوق في أعناقنا.
فقهياته:
المعروف أن الشيخ ميثم البحراني برز في علوم اللغة والكلام والفلسفة، فهل كان فقيهاً أيضاً؟ أم أنه لم يكن له باعٌ في الفقه؟
إذا أردنا أن نقيّم الشيخ ميثم من خلال مؤلفاته التي وصلتنا ربما يمكننا القول بأن اهتمامات الشيخ ميثم كانت مقصورةً على علوم اللغة والعلوم العقلية، ولم يكن له اهتمامٌ واضحٌ بالفقه، إلا أن هذه النظرة سرعان ما تتبدل إذا ما رأينا بعض المعطيات الأخرى التي تشير إلى تقدمه في الفقه أيضاً، ورغم شُحّة المصادر التي بأيدينا إلا أننا سعينا للملمة ما قد ينفع في البين، فمن ذلك:
- ما ذكروه من أن (نصير الدين الطوسي) تتلمذ عليه في الفقه، أو استجاز منه في العلوم النقلية على ما تقدمت الإشارة إليه.
- وَصَفه ابن الفوطي ـ الذي كان معاصراً له والتقى به ـ بـ(الأديب الفقيه)(1).
- وَصَفه الشيخ أحمد بن أبي عبد الله بلكو بن أبي طالب الآوي كما تقدم في ذيل نسخة قواعد المرام بقوله: «...علامة الدهر، مفتي الطوائف...»، إذ لا يُقال لغير الفقيه(مفتي).
كما أن المتتبع في المصادر الفقهية يجد أن العلماء نقلوا عنه بعض الآراء الفقهية وناقشوها، مما يدل على اعتدادهم برأيه واهتمامهم به، فمن ضمن المسائل التي ذكرها في كتبه أو نُسبت إليه:
1- رأيه في أفضلية الركوب أو المشي في طريق الحج: حيث نقل بعض الآراء ثم قال: «والحق التفصيل، فيقال: من سهل عليه المشي فهو أفضل فإن أضعف وأدى إلى سوء خلق وقصور عن العمل فالركوب أفضل؛ لأن المقصود توفر القوى على ذكر الله وعدم المشتغلات عنه»(2)، وقد أشار إليه جملةٌ مِمَّنْ تأخر عنه كما في المسالك والمدارك والحدائق.
2- رأيه في صلاة الجمعة: حيث ذكر صاحب الحدائق عن الشيخ أحمد بن محمد بن يوسف المقابي البحراني أنه نقل عن الشيخ ميثم البحراني ذهابه إلى القول بالوجوب العيني لصلاة الجمعة(3).
3- رأيه في بيع أم الولد: نسب إليه السيد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة القول بجواز بيع أم الولد مع وجود ولدها حتى مع إيفاء ثمنها أو القدرة عليه، وهو رأيٌ تفرد به الشيخ ميثم البحراني(4).
4- رأيه في اشتراط الجهاد الابتدائي بإذن الإمام: حيث قال في شرح نهج البلاغة: «وقوله: (ولا تحركوا بأيديكم وسيوفكم في هوى ألسنتكم). نهيٌ عن الجهاد من غير أمر أحد من الأئمة من ولده بعده، وذلك عند عدم قيام من يقوم منهم لطلب الأمر، فإنه لا يجوز إجراء هذه الحركات إلا بإشارة من إمام الوقت»(5).
أشعاره:
رغم أن الشيخ ميثم البحراني كان أديباً كما وصفه معاصره ابن الفوطي(6)، كما أنه كان مطّلعاً على أشعار العرب ولغاتهم كما يظهر ذلك بوضوح لكل من تتبع كتبه ومصنفاته، إلا أن ما وصلنا من شعره لا يكاد يذكر، ولا ندري هل كان قليل الشعر أم كثيره؟ وهل جُمعت أشعاره في ديوان ككثير من الشعراء أم لا؟ وعلى أي حال فقد غيّبت المصادرُ شخصية الشيخ ميثم كشاعر على حساب إبراز الجوانب الأخرى من شخصيته، فكل الذي وصلنا من شعره لا يتجاوز الأبيات القليلة التالية:
1- البيتين الّذين ذُكرا في قصته المشهورة(كل يا كمّي)(7) وسيأتي التعرض لهذه القصة لاحقا:
«من البحر الطويل»
طلبتُ فنون العلم أبغي بها العلا
فقصّر بي عما سموتُ به القلُّ
تبيّن لي أن المحاسن كلها
فروع وأن المال فيها هو الأصل
2- البيتين الّذين صدّر بهما رسالته التي كتبها إلى الخواجة نصير الدين الطوسي(8)، ومن هذين البيتين يظهر أن هذه الرسالة جوابٌ على رسالة وصلته:
«من البحر الطويل»
أتاني كتاب لو تمرّ نسيمه
بقبر لأحيا نشرُه ساكنَ القبر
فجدّد لي شوقاً وما كنت ناسياً
ولكنه تجديد ذكر على ذكر
3- الأبيات التي ختم بها رسالته إلى الخواجة نصير الدين الطوسي(9)، حيث قال: «ومما سمحت به الطبيعة القاصرة، وسنحت به القريحة الفاترة بعد رفع هذه القصة في المخيلات المحركات هو هذه الأبيات:
«من البحر السريع»
أقلقني الخطبُ فوجّهته
إلى كريم الطبع نجل الكرام
الباسط الجود وبحر الندى
والمنهل العذب وبدر التمام
والناصر الحق وأربابه
والمزهق الباطل حامي الذمام
والناشر الأرواح من طيّها
من بعد ما استولى عليها الحِمام
والعلم النحرير والمرتضى
في القول والفعل وفصل الخصام
والعلم المنشور والمصطفى
والكاشف الكرب وسيف الأنام
خليفة الله على خلقه
والبطل الضرغام عند اللّطام
أعني نصير الدين شمس العلى
والماجد المقدام ليث الزحام(10)
أزمّة الملك بتدبيره
منظومة أحْسِنْ بذاك النظام
يا من يباريه على شأوه
أقصر فلن تبلغ ذاك المقام
فعش حميداً يا غياث الورى
ما عسعس الليلُ وغنّى الحَمام
وحقّق الهمّة يا ذا الحِجى(11)
وانتهز الفرصة واشف السِّقام
واعمد على الله على نيّة
صادقة تحيي رميم العظام
عليك منّي ما حدا سائق
أو غرّد القمري ألفا سلام
ومن حوى المجلسُ من فاضلٍ
وبدر تمٍّ ما أجنّ الظلام
فإن شوقي أبداً دائم
لهم وفي قلبي لهيب الغرام
حُبستُ عن حُبي فيا ليتني
أراهم قبل حلول الحِمام
فإنّ عيشي بينهم ناظر
وإن شربي من رحيق المرام
حضّار قلبي لم يزالوا به
قطّان أوطان بتلك الخيام
أحبّة القلب ارحموا عاشقاً
قد ذاب وجداً في هواكم وهام
وواصلوا حبلي ولا تقطعوا
فإنّ في الوصل تمام المرام
أنتم شموس للورى طُلّعٌ
وأنتمُ أقمارُ ساري الظلام
حماكم الله وآواكم
من كلّ مكروه ونقص وذام(12)
ولا أرى الدهر لكم عيبه
يا عصمة الهارب والمستظام
بقي أن نُشير إلى أن الحر العاملي(ره) أورد في أمل الآمل(13) قصيدةً من عشرة أبيات ونسبها إلى الشيخ شمس الدين محفوظ بن وشاح بن محمد الحلي الأسدي، وذكر أنه قالها في رثاء أستاذه المحقق الحلي المتوفى سنة 676هـ، ونقلتها المصادر المتأخرة عنه، وأبياتها العشرة تشبه إلى حد كبير أبيات هذه القصيدة التي ذكرناها، بل تكاد تتطابق معها في بعض أبياتها، ولا نعرف على وجه الدقة ما هو المصدر الذي اعتمده الحر العاملي في نقله لتلك الأبيات، ولكن المفروض أن الشيخ ميثم كتب هذه القصيدة في سنة 672هـ أو قبل ذلك؛ لأنه أرسلها إلى نصير الدين الطوسي المتوفى في 18 ذي الحجة سنة 672هـ، وعليه فالأقرب أن يكون الشيخ محفوظ بن وشاح قد اقتبس أبيات الشيخ ميثم، إذ أن وفاة المحقق الحلي كانت سنة 676هـ.
وهناك أبيات أخرى ورد بعضها في القصة المشهورة (كل يا كمّي)، وبعضها الآخر في رسالة الشيخ ميثم التي بعثها إلى الخواجة نصير الدين الطوسي، وربما يتوهم البعض أنها للشيخ ميثم البحراني، ولكن جميع تلك الأبيات قد تحققنا من نسبتها إلى غيره من الشعراء الذين سبقوه، فهو إنما ذكرها من باب الاستئناس، ولم نعثر من شعره الثابت له سوى على هذه الأبيات التي ذكرناها هنا.
ورغم قلة ما وصلنا من أشعار الشيخ ميثم البحراني إلا أن هذا المقدار يكشف عن شاعر متميز، في شعره جزالة وحسنُ معنى وبعد عن التكلّف، وقد انطبعت على أبياته نظرات الحكيم، وأنفاس الأديب.
علاقاته بشخصيات المجتمع:
أشرنا فيما سبق إلى أسماء أساتذة الشيخ ميثم البحراني وتلامذته، وبقي أن نشير إلى باقي الأشخاص الذين اتصل بهم الشيخ ميثم؛ وذلك من أجل رسم صورة أوضح عن البيئة التي عاش فيها، ويمكن الإشارة هنا إلى عدد من الشخصيات:
1- الشيخ نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن الحسن بن سعيد الحلي: وهو المعروف بـ (المحقق الحلي)، ولد حدود سنة 602هـ ودرس عند والده، وعند الشيخ نجيب الدين محمد بن نما الحلي، والسيد فخار بن معد الموسوي وغيرهم، وتخرج على يده جمعٌ غفيرٌ من الأعلام، أبرزهم ابن أخته العلامة الحلي، والحسن بن داود الحلي، والسيد عبد الكريم بن طاووس، وصفه العلامة الحلي بقوله: «وهذا الشيخ كان أفضل أهل عصره في الفقه»، وألَّف الكثير من المصنفات القيمة كـ(شرائع الإسلام) و(المعتبر) و(معارج الأصول) وغيرها، توفي في 13 ربيع الثاني 676هـ ودفن بالحلة، وقد نص الشيخ فخر الدين الطريحي على أنه كان للشيخ ميثم البحراني مجلس عند المحقق الحلي، قال: «وله مجلس عند المحقق الشيخ نجم الدين(ره) ومباحثة له، وأقر له بالفضل»(14)، وهذا الأمر قد يبدو مستغرباً لو افترضنا أن الشيخ ميثم ولد سنة 636هـ، وأما بناءً على ما رجحناه من أن ولادته في حدود سنة 610هـ، فليس فيه أي غرابة.
2- عز الدين عبد العزيز بن جعفر النيسابوري: كان عالماً وأديباً شاعراً، ولد سنة 626هـ، وكان كثير السفر حتى عد من الرحال، وبعد سقوط الدولة العباسية ولي على البصرة وما جاورها، وكان حسن السيرة، كثير الإحسان إلى العلويين، مقرباً للعلماء وأرباب القلم، ويظهر من مسائله التي كتبها إلى المحقق الحلي أنه كان فاضلاً؛ حيث سأله عن أدلة بعض الأحكام فألف المحقق في جوابه (الرسالة العزّية)، مات في منتصف شهر ذي القعدة سنة 672هـ، ودفن عند أمير المؤمنين(ع) في النجف الأشرف، وقد اتصل به الشيخ ميثم فطلب منه تأليف بعض الكتب، فألَّف له عدداً من كتبه التي أثنى عليه في مقدمتها، منها: (قواعد المرام) و(النجاة يوم القيامة) و(العزية في شرح المقالة النصيرية).
3- علاء الدين عطا ملك بن محمد بن محمد بن محمد بن علي الجويني: ولد في 10 ربيع الأول سنة 623هـ، وولي العراق سنة 657هـ، قال عنه ابن الفوطي «كان عالماً عادلاً ضابطاً حافظاً عارفاً بقوانين الملك والدولة»(15)، وله مصنفات منها: (تسلية الإخوان) و(جهان گشاي)، وهو الذي أجرى ماء الفرات إلى النجف الأشرف، واستمر في ولايته إلى أن نكبه المغول في حوالي سنة 680هـ، وبعد أن تولى الحكم أحمد بن هولاكو المغولي، في سنة 681هـ انصلح حال عطا ملك ووعده أحمد بن هولاكو بإعادته إلى عمله ببغداد، ولكنه مات قبل أن يعود إليه، وقد اختُلف في تاريخ وفاته فقيل إنه توفي في 4 ذي الحجة 681هـ(16)، وقيل بل إنه عاش إلى سنة 683هـ(17)، وقد اتصل به الشيخ ميثم فطلب منه تأليف شرح لنهج البلاغة، فألَّف له (مصباح السالكين) وأثنى عليه في مقدمته، وقد فرغ من شرحه في 677هـ، كما ألَّف له (اختيار مصباح السالكين)الذي فرغ منه في شوال 681هـ، فيبدو أنه ابتدأ بهذا الكتاب قبل نكبة عطا ملك الجويني على يد المغول، وفرغ منه حين انصلح حاله معهم، والظاهر أن عطا ملك الجويني لم يتمكن من مشاهدة هذا الكتاب، حيث توفي بعد ذلك بشهرين خارج العراق.
4- الأمير نظام الدين منصور(18) بن عطا ملك بن محمد الجويني: يكنى أبا المظفر، كانت أمه ـ قبل أن تتزوج بأبيه ـ زوجة لأحمد ابن الخليفة المستعصم العباسي(آخر خلفائهم)، ولد في حدود سنة 659هـ، عاش في كنف والده الذي كان حاكم بغداد، وتتلمذ على خيرة المدرسين، كان مهتماً بالأدب فقرأ مقامات الحريري، وذكر الشيخ ميثم بأن والده (عطا ملك) ألزمه هو وأخاه بمطالعة كتاب نهج البلاغة والتمسك به(19)، قُتل شابّاً في رجب سنة 688هـ كما نص على ذلك الذهبي(20)، وقد توثقت علاقة الشيخ ميثم بوالده فألَّف له (مصباح السالكين) وتوثقت علاقته بالابن أيضاً فألَّف له كتاب (تجريد البلاغة) وقد وصفه فيه بـ«الأمير المعظم والصدر المكرم، العالم العادل، الفاضل الكامل، نظام الدنيا والدين أبو المظفر منصور ابن الصاحب الأعظم عطا ملك محمد الجويني».
5- أبو الفضل عبد الرزاق بن أحمد ابن الفوطي: ولد ببغداد سنة 642 هـ، وأسره المغول في واقعة بغداد، ثم لازم نصير الدين الطوسي، وانتقل معه إلى مراغة حيث عمل خازناً لمكتبتها الكبرى، وبقي هناك مدةً مديدةً ثم أعاده عطا ملك الجويني إلى بغداد بعد سنة 677هـ، وولاه على خزانة كتب المستنصرية، وألَّف في التاريخ والأدب، ومن أهم مؤلفاته (مجمع الآداب) و(الحوادث الجامعة)، عاش إلى سنة 723هـ حيث توفي ببغداد، وقد صرَّح ابن الفوطي أنه التقى بالشيخ ميثم في بغداد، وأنه سأله عن مشايخه، وأنه استنسخ للشيخ ميثم بعض الرسائل(21)، وسننقل لاحقاً نص كلامه كاملاً.
6- صفي الدين علي بن الحسن بن محمد ابن الأعسر الحسيني: لم تترجم له أكثر المصادر، إلا أن الذي نعرفه من حاله أنه كان ببغداد، وذُكر في كتب الأنساب هو وأخوه رضي الدين محمد(22)، وصفه أحد معاصريه بقوله: «وعليٌّ هذا هو السيد الفاضل العلامة الأوحد الكريم الخلق، لا يزال مآلفاً بجماعة من أهل العلم، يسكن مدينة السلام، مشتغلاً بالعلوم والفضائل، وله أخٌ اسمه محمد، رجل حسن خيّر ذو أمانة من خيار التجار»(23)، وقد صرَّح ابن الفوطي بأن الشيخ ميثم أقام في دار هذا السيد، قال: «وأقام في دار السيد المنعم الفاضل صفي الدين بن الأعسر الحسيني»(24).
أسفاره:
لم تشر المصادر إلى البلدان التي زارها الشيخ ميثم، ولكن يمكن لنا الاستفادة من بعض الإشارات لتكوين نظرة إجمالية، فالذي يظهر أن الشيخ ميثم بدأ دراسته في البحرين حيث تتلمذ فيها على الشيخ علي بن سليمان البحراني، كما استقر في مدينتي الحلة وبغداد فترة من الزمن ما بين سنة 628هـ إلى سنة 640 هـ تقريباً، حيث تتلمذ على السيد فخار بن معد الموسوي، وعلى الشيخ نجيب الدين محمد بن نما الحلي، وعلى الشيخ أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني، وفي هذه الفترة بدأت علاقته بالخواجة نصير الدين الطوسي تترسخ من خلال دراستهما لدى الشيخ أسعد بن عبد القاهر.
ومن المرجح أنه رجع إلى البحرين واستقر فيها مدةً من الزمن، ربما في أواسط القرن السابع الهجري، وربما في هذه الفترة حصلت معه قصة (كل يا كمي)، فعاد إلى العراق والتقى بعلمائها واستقرَّ فيها فترةً من الزمن، زار خلالها مدينة البصرة حيث التقى بحاكمها (عز الدين عبد العزيز بن جعفر النيسابوري) وألَّف له بعضاً من كتبه مثل (قواعد المرام) و(النجاة في القيامة)، وزار بغداد في العقد الثامن ما بين سنة 677هـ وسنة 681هـ، وخلالها التقى بأسرة الجويني وألف لهم مجموعة من كتبه كشروح نهج البلاغة، وكتاب(تجريد البلاغة) وغيرها، كما التقى خلالها بابن الفوطي حيث ذكره في كتابه(مجمع الآداب)، وأشار إلى أن الشيخ ميثم كان نازلاً في دار السيد صفي الدين ابن الأعسر.
ولعله خلال بقائه في بغداد هذه الفترة أيضاً تتلمذ عليه فيها السيد عبد الكريم بن طاووس والعلامة الحلي، وإن كان الأرجح أنهما تتلمذا عليه قبل ذلك في الحلة.
ولا نعرف بالضبط متى رجع الشيخ ميثم من العراق إلى البحرين، ولعل ذلك حصل بعد سنة 681هـ، وربما كان بعد ذلك يتردد بين العراق والبحرين، إذ نجده يكتب إجازته لتلميذه ابن حمّاد في سنة 687هـ، والأرجح أن ذلك كان في العراق؛ إذ لم يُنقل لنا أن ابن حمّاد سافر إلى البحرين، إلا أن الشيخ ميثم عاد في آخر عمره إلى البحرين حيث مات ودفن فيها على ما سيأتي.
قصة (كُل يا كُمّي):
هناك من يشير إلى أن الشيخ ميثم كان منزوياً عن الناس، فلم يكن له أي نشاط في المجتمع، ويستشهد على ذلك بالقصة المعروفة وهي قصة (كل ياكمي)، وهذه القصة أوردها السيد نور الله التستري في مجالس المؤمنين، كما أوردها بعده الشيخ سليمان الماحوزي في كتاب (السلافة البهية) وبينهما بعض الاختلافات اليسيرة، ونحن هنا ننقل نص ما أورده الماحوزي في كتابه المذكور:
«ومن مآثر طبعه اللطيف وخلقه الشريف على ما حكاه في مجالس المؤمنين أنه (عطر الله مرقده) في أوائل الحال كان معتكفاً في زاوية العزلة والخمول، مشتغلاً بتحقيق حقائق الفروع والأصول، فكتب إليه فضلاء الحلة والعراق صحيفةً تحتوي على عذله وملامته على هذه الأخلاق وقالوا: العجب منك! إنك على شدة مهارتك في جميع العلوم والمعارف وحذاقتك في تحقيق الحقائق وإبداع اللطائف قاطن في طلول الاعتزال ومخيم في زاوية الخمول الموجب لخمود نار الكمال. فكتب في جوابهم هذه الأبيات:
طلبت فنون العلم أبغي بها العلا
فقصَّر بي عما سموتُ به القلُّ
تبين لي أن المحاسنَ كلها
فروعٌ وأن المال فيها هو الأصلُ
فلما وصلت هذه الأبيات إليهم كتبوا إليه: إنك أخطأت في ذلك خطأ ظاهراً، وحكمك بأصالة المال عجيبٌ، بل اقلب تُصِبْ، فكتب في جوابهم هذه الأبيات وهي لبعض الشعراء المتقدمين(25):
قد قال قومٌ بغير علم
ما المرء إلا بأصغريه(26)
فقلت قول امرىء حكيم
ما المرء إلا بدرهميه
من لم يكن درهمٌ لديه
لم تلتفت عرسه إليه
ثم إنه (عطر الله مرقده) لما علم أن مجرد المراسلات والمكاتبات لا تنقع الغليل ولا تشفي العليل توجه إلى العراق لزيارة الأئمة المعصومين(ع)، وإقامة الحجة على الطاعنين، ثم إنه بعد الوصول إلى تلك المشاهد العلية لبس ثياباً خشنةً عتيقةً، وتزيَّا بهيئة رثة بالإطراح والاحتقار خليقة، ودخل بعض مدارس العراق المشحونة بالعلماء والحذاق، فسلَّم عليهم فرد بعضهم عليه السلام بالاستثقال والامتناع التام، فجلس (عطر الله مرقده) في صف النعال، ولم يلتفت إليه أحدٌ منهم ولم يقضوا واجب حقه، وفي أثناء المباحثة وقعت بينهم مسألةٌ مشكلةٌ دقيقةٌ كلّت عنها أفهامهم وزلت فيها أقدامهم، فأجاب (روّح الله تعالى روحه وتابع فتوحه) بتسعة جوابات في غاية الجودة والدقة، فقال له بعضُهم بطريق السخرية والتهكم: يا حليلك طالب علم، ثم بعد ذلك أحضر الطعام فلم يؤاكلوه(قده) بل أفردوه بشيء قليل في طرف على حدة واجتمعوا هم على المائدة، فلما انقضى ذلك المجلس قام(قده).
ثم إنه عاد في اليوم الثاني إليهم، وقد لبس ملابسَ فاخرة وهيئة الأكمام واسعة وعمامة كبيرة رائقة فلما قرب وسلم عليهم قاموا إليه تعظيماً واستقبلوه تكريماً وبالغوا في ملاطفته ومطايبته فاجتهدوا في تكريمه و توقيره، وأجلسوه في صدر ذلك المجلس المشحون بالأفاضل المحققين والأكابر المدققين. ولما شرعوا في المباحثة والمذاكرة تكلم معهم بكلمات عليلة لا وجه لها عقلاً ولا شرعاً، فقابلوا كلماته العليلة بالتحسين والتسليم والإذعان على وجه التعظيم، فلما حضرت مائدة الطعام بادروا معه بأنواع الأدب، فألقى الشيخ(قده) كُمَّه في ذلك الطعام مستعتباً على أولئك الأعلام وقال: كل يا كمي، فلما شهدوا ذلك الحال العجيبة أخذوا في التعجب والاستغراب، واستفسروه(قده) عن معنى هذا الخطاب، فأجاب (عطر الله مرقده): إنكم إنما أتيتم بهذه الأطعمة النفيسة لأجل أكمامي الواسعة لا للنفس القدسية اللامعة وإلا فأنا صاحبكم بالأمس، وما رأيت تعظيماً ولا تكريماً ولا منه عيناً ولا أثراً، إني جئتكم أمس بهيئة الفقراء وسجية العلماء، واليوم جئتكم بلباس الجبارين وتكلمت بكلام الجاهلين، فقد رجحتم الجهالة على العلم والغنى على الفقر، وأنا صاحب الأبيات التي في أصالة المال وفرعية صفات الكمال التي أرسلتها إليكم وعرضتها عليكم، وقابلتموها بالتخطئة وزعمتم انعكاس القضية، فاعترف الجماعة بالخطأ في تخطئتهم، واعتذروا مما صدر منهم من التقصير في شأنه(قده)»(27).
ونحن لا نعرف مصدراً أورد هذه القصة قبل السيد نور الله التستري (توفي سنة 1019هـ) الذي أوردها في كتابه (مجالس المؤمنين) المكتوب باللغة الفارسية، وهو متأخر عن الشيخ ميثم بعدة قرون، نعم الشيخ البهائي (المعاصر للتستري) أورد الأبيات الأولى في كشكوله ناسباً إياها إلى الشيخ ميثم البحراني(28)، ونكاد نطمئن بأن مثل هذه القصص إذا ما تناقلتها الألسن وتطاول بها الزمان فإنها قد لا تخلو من بعض المبالغات، وهناك عدة نقاط يمكن التأمل فيها في هذه القصة، ولسنا هنا بصدد مناقشتها، ولكن نريد التنبيه على ثلاث نقاط:
1- إن تقييم الإنسان من خلال ماله ووجاهته الاجتماعية مخالفٌ للخلق الإسلامي الذي حثت عليه الشريعة الغراء، إلا أنه ـ ومع الأسف الشديد ـ لا يكاد يخلو منه مجتمعٌ من المجتمعات، ورغم أن الحوزات العلمية ليست استثناءً من هذه القاعدة، ولكن من الواضح أن القصة لم تخلُ من مبالغاتٍ ظاهرةٍ لكل من يتأمل في أسلوب سردها.
2- إن المفهوم من كلام الشيخ ميثم أن عامة الناس بطبعهم يُقيّمون الشخص بقدر ما يملك من أموال وجاه، فكأنه يتشكى من هذه الحالة التي يتعامل بها الناس حيث لا يقدّرون الإنسان لكونه إنساناً، ولا يُفهم من كلامه أنه يُقرّهم على هذا السلوك؛ ولهذا أبدى انزعاجه من هذا التعامل وقال: «كل يا كمي».
3- لم يظهر من القصة بأن الشيخ ميثم كان منزوياً عن المجتمع، بل على العكس؛ إذ أن العلماء إنما كتبوا إليه يلومونه على انزوائه خارج الحواضر العلمية التي كانت في العراق، حيث بقي في البحرين التي لم تكن شهرتها آنذاك تقارن بحوزات العراق، ويبدو أن الشيخ ميثم أراد أن يبين لهم بأنه لم يكن مهتماً للمكان الذي يستقر فيه؛ إذ المهم لديه أن يؤدي وظيفته الشرعية المتمثلة بإرشاد الناس وتوجيههم، ونبههم على أنهم أخطؤوا في مقارنتهم بين البحرين والعراق، فهو نظير من يقيس الإنسان من خلال ما يملكه.
الوضع السياسي في عصره:
لمزيد من تسليط الضوء على الظروف التي عاشها الشيخ ميثم البحراني كان لا بد لنا من التعرض للأوضاع السياسية التي عاصرها الشيخ ميثم سواء في البحرين، أم في العراق التي قضى فيها فترات متباعدة في بدايات شبابه وفي أواخر عمره، وسنقتصر على المقدار اللازم لكي لا نخرج عن موضوعنا الأصلي:
الأوضاع في العراق: لقد شهد الشيخ ميثم مرحلتين مهمتين في تاريخ العراق، فالمرحلة الأولى حينما كان شاباً مغترباً لطلب العلم، حيث كانت الدولة العباسية تحتضر في أيامه، وكان المغول آنذاك يهددون عاصمة العباسيين، بينما الخليفة منغمس في ملذاته التي لم يَصْحُ منها إلا على وقع الفاجعة حيث سقطت بغداد في أيدي المغول، وقد جرت على إثر ذلك الويلات التي لا حصر ولا عد لها، فكانت بحق مصيبةً أَلَمَّتْ بالمسلمين.
ولكن ما لبثت الأمور أن عادت إلى نصابها بعد أن تولى على العراق (عطا ملك الجويني) الذي سعى لإحيائها من جديد، فقرب العلماء وبنى المساجد والمدارس، وشق الأنهار وبنى الجسور، كما قام الشيخ نصير الدين الطوسي بجمع الكتب التي نهبت من بغداد وأنشأ مرصد مراغة، وبنى فيها خزانة الكتب، واستجلب العلماء وقربهم، وأجرى عليهم الأرزاق، فاستعاد العراق عافيته.
ومن الطبيعي والحال هذه أن تكون للشيخ ميثم ـ وبصفته عالماً متميزاً ـ علاقاته المتينة بآل الجويني، الذين عُرفوا بحبهم للعلم وأهله، وببذلهم المال الوفير للحفاظ على مكتبات ومدارس العراق، ومن الطبيعي أيضاً أن تتوثق علاقته القديمة بنصير الدين الطوسي، فهذه العلاقة كانت موجودةً منذ أوائل شبابهما ولابد أن تستوثق بعد أن تبوأ الطوسي مناصب هامة كمسؤولية إنشاء مرصد مراغة، وتولي شؤون الأوقاف وغيرها، كما كانت للشيخ ميثم علاقته المتميزة بوالي البصرة عبد العزيز بن جعفر النيسابوري، والذي كان من أجلَّة العلماء.
الأوضاع في البحرين: رغم الغموض الملفت الذي يحيط بتاريخ البحرين خلال الحقب المختلفة، إلا أن هذه الفترة تميزت بمزيد من الغموض، فلا تكاد تجد عن تاريخ هذه الفترة إلا بعض الإشارات هنا وهناك، الأمر الذي يجعل من العسير أحياناً تحديد السنوات وأسماء الحكام بشكل جازم، إلا أن مما لا شك فيه أن الشيخ ميثم وخلال سني شبابه شهد سقوط إحدى الدول التي حكمت البحرين الكبرى بمناطقها الثلاث (الإحساء والقطيف والبحرين) خلال فترة تقارب القرنين من الزمان، ألا وهي الدولة العيونية التي عرفت بولائها لأهل البيت(ع)، ففي هذه الفترة كانت الدولة العيونية تترنح نتيجة الحروب الداخلية بين أجنحة الأسرة العيونية، وما لبثت أن سقطت لتقوم على أنقاضها دولةٌ أخرى هي دولة بني عصفور بن راشد بن عميرة، الذين ابتدأ حكمهم في حوالي سنة 650هـ أو قبل ذلك بقليل، ويبدو أن هذه الدولة استمرت إلى ما بعد وفاة الشيخ ميثم، ولم يتضح لنا وجود أي علاقة للشيخ ميثم بحكام أي من الدولتين العيونية أوالعصفورية، ولعلهم لم يكونوا من المهتمين بالعلم والعلماء.
ما قيل في حقه:
لقد كان للشيخ ميثم البحراني مكانته المتميزة في نفوس من عاصره أو تأخر عنه، وقد انعكس ذلك من خلال ما كتبوه عنه، ونحن لن نطيل كثيراً باستعراض جميع ما قيل فيه، بل سنكتفي بإيراد ما ذكره ابن الفوطي ـ لاحتوائه على بعض النكات ـ ومقتطفات مما ذكره الآخرون:
1- ابن الفوطي: «كمال الدين أبو الفضل ميثم بن علي بن ميثم البحراني، الأديب الفقيه، قدم مدينة السلام، وجالسته وسألته عن مشايخه فذكر أنه قرأ على جمال الدين علي بن سليمان البحراني، وطلب مني رسالته التي كتبها إلى حضرة مولانا نصير الدين فكتبتها له، وصنف وكتب شرح نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين(ع)، كتبت عنه، وكان ظاهر البُشْر حَسَنُ الأخلاق، وأقام في دار السيد المنعم الفاضل صفي الدين بن الأعسر الحسيني»(29).
2- وَصَفه الشيخ أحمد بن بلكو بن أبي طالب الآوي بقوله: «ملك العلماء، علامة الدهر، مفتي الطوائف، كاشف الحقائق واللطائف، كمال الملة والدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني تغمده الله برحمته، وأسكنه بحبوحة جنته...»(30).
3- وَصَفه أبن أبي جمهور بقوله: «الشيخ العالم الكامل، محقق علوم المتقدمين والمتأخرين، ومكمل علوم الحكماء والمتكلمين، الشيخ كمال الدين ميثم...»(31).
4- وَصَفه المحقق الكركي في إحدى إجازاته بقوله: «الإمام الأجل الأوحد، المحقق العلامة كمال الملة والحق والدين ميثم البحراني»(32).
5- وَصَفه صاحب المدارك بـ «الإمام الرباني»(33).
6- وَصَفه الشيخ محمد طاهر القمي الشيرازي بقوله: «الشيخ الفاضل الكامل، ثقة الإسلام والمسلمين ميثم بن علي البحراني»(34).
7- وقال عنه الشيخ الحر العاملي: «كان من العلماء الفضلاء المدققين، متكلماً ماهراً، له كتبٌ منها:...»(35).
8- وقال عنه المحقق النراقي: «العلامة الفيلسوف العالم الرباني كمال الدين ميثم...»(36).
9- وقال عنه السيد حسن الصدر: «كان له التبرز في جميع العلوم الإسلامية، والحكمة والكلام والأسرار العرفانية، حتى اتفق الكل على إمامته في الكل»(37).
هذه مقتطفات مما قيل في حق الشيخ ميثم البحراني، وما دام الكلام عمَّا قيل في حقه فقد بقي أن نشير إلى أمرين مهمين نرى ضرورة التنبيه عليهما:
الأمر الأول: أن السيد إعجاز حسين النيسابوري صاحب (كشف الحجب) قال عند حديثه عن كتاب (منهاج العارفين) بأن للشيخ ميثم ميل إلى الصوفية، واستدل على كلامه بأن الشيخ ميثم قال في كتاب(منهاج العارفين) في شرح المائة كلمة: «إن الحق الذي لا ريب فيه هو طريق الموحدين من أهل الله المسمين بالصوفية»(38).
وهذا الادعاء مما ينبغي التوقف عنده، إذ يلاحظ عليه:
أولاً: بأن مراجعتنا للكتاب عدة مرات في النسخة المطبوعة ومن خلال النسخة الكمبيوترية أيضاً أكدت لنا خلو الكتاب من هذه العبارة أو حتى مما يشبهها في المعنى، بل لم نجد فيه أي مدح للصوفية ولو بعبائر أخرى، وهذه النسخة المطبوعة قد حققت على أربع نسخ خطية، ومن البعيد أن تكون هذه العبارة قد سقطت من جميعها، وعليه فالظاهر أن هذه العبارة أقحمت في النسخة التي اعتمد عليها صاحب (كشف الحجب)، أو أنه حصل لديه التباس مع كتاب آخر لمؤلف آخر.
ثانياً: لو صحَّت هذه الدعوى لظهرت وبانت في المصنفات الكثيرة التي كتبها الشيخ ميثم وقد وصلنا الكثير منها، ولما اقتصرت على هذا الكتاب، والحال أننا لا نجد لها عيناً ولا أثراً فيما بأيدينا من كتب الشيخ ميثم.
ثالثاً: إن هذه الدعوى لو صحَّت لانتشرت وذاعت، ولطُعِن عليه فيها كما طُعن على غيره ممن نسب إلى هذا المسلك من علمائنا «رضوان الله عليهم»، في حين أننا لم نجد من أشار إلى هذه الدعوى قبل صاحب كتاب (كشف الحجب) المتوفى سنة 1286هـ.
الأمر الثاني: أن المحقق المرحوم الشيخ محمد تقي التستري (المتوفى سنة 1415هـ) قال: «ولابن ميثم في شرح نهجه خبطات تاريخية، الأصل فيها الراوندي، وهو إمامي إلى العامة أقرب عكس المعتزلي، كما لا يخفى على من راجع شرحيهما»(39).
فهنا دعويان للشيخ التستري(ره):
الأولى: أن ابن ميثم إمامي أقرب إلى العامة بعكس ابن أبي الحديد المعتزلي.
والثانية: أن له خبطات تاريخية الأصل فيها الراوندي.
ونحن سنسعى للرد على هاتين الدعويين بحسب ما يسمح به المقام من الاختصار:
أما الدعوى الأولى فنجد أن الشيخ التستري(ره) يأتي بشاهد عليها، فيقول: «ثم الغريب إن ابن أبي الحديد العامي يقول في شرح الشقشقية: إن ابن الخشاب شيخ شيخه مصدق، قال : إن عليا(ع) لم يبقِ في هذه الخطبة أحداً لم يذكره بسوء. ومعناه: أن صديقهم وفاروقهم وذا نوريهم وأم مؤمنيهم وحواريهم وأهل شوراهم كلهم هالكون. وقال: كون هذه الخطبة كلامه(ع) معلوم ككون تلميذه «مصدق» مصدقاً.
ويقول ابن ميثم الإمامي: إن كان قصد من أنكر كون الخطبة كلامه(ع) توطئة العوام، وتسكين خواطرهم عن إثارة الفتن والتعصبات الفاسدة، ليستقيم أمر الدين ويكون الكل على نهج واحد، فيظهروا لهم أنهم لم يكن بين الصحابة الذين هم أشراف المسلمين وساداتهم خلاف ولا نزاع ليقتدي بحالهم من سمع ذلك، كان مقصداً حسناً ونظراً لطيفاً... الخ.
إلا أن الرجل لم يكن له لب، ويكفيه لجاجه في تصحيح باطلٍ قاله الراوندي واتّباعه الكيدري في أوهامه، كما يأتي فيه»(40).
وهذا الكلام فيه تحامل واضح وتهجّم صريح على الشيخ ميثم(ره)، حيث قال عنه: «لم يكن له لُبّ»، وهو تعبير فجّ يحمل من الجرأة والإساءة إلى مقام العلماء ما لا يخفى، ويمكن الجواب عن دعواه بعدة وجوه نذكر بعضها بشيء من الإيجاز الذي يقتضيه المقام:
1- إن الادعاء بأن للشيخ ميثم قربٌ لمذهب التسنن لم نجده من أحد ممن سبق الشيخ التستري، فهل كانوا ـ خصوصاً معاصريه ـ غافلين عن ذلك؟
2- إن للشيخ ميثم مؤلفات عديدة في الإمامة وإثباتها وتعيين أسماء الأئمة، وقد طُبع بعضُها، ومثل هذه المصنفات لا تصدر ممن له ميلٌ أو قربٌ من مذهب التسنن.
3- إن الدليل الذي ساقه المحقق التستري لإثبات هذه الدعوى قاصرٌ؛ إذ أن التأمل في عبارة الشيخ ميثم فيما يتعلق بالخطبة الشقشقية، وقراءتها ضمن سياقها يدفع هذا الوهم عن كلامه، وللتدليل على ذلك نأتي بعبارته كاملةً رغم طولها لإثبات ما ندعيه، قال: «أما المنكرون لوقوع هذا الكلام منه(ع) فيحتمل إنكارهم وجهين:
أحدهما: أن يقصدوا بذلك توطية العوام، وتسكين خواطرهم عن إثارة الفتن والتعصبات الفاسدة ليستقيم أمر الدين ويكون الكل على نهج واحد، فيُظهروا لهم أنه لم يكن بين الصحابة الذين هم أشراف المسلمين وساداتهم خلاف ولا نزاع ليقتدي بحالهم من سمع ذلك، وهذا مقصدٌ حسن ونظرٌ لطيف لو قُصد.
والثاني: أن ينكروا ذلك عن اعتقاد أنه لم يكن هناك خلافٌ من الصحابة ولا منافسة في أمر الخلافة، والإنكار على هذا الوجه ظاهر البطلان لا يعتقده إلا جاهل بسماع الأخبار لم يعاشر أحداً من العلماء، فإن أمر السقيفة وما جرى بين الصحابة من الاختلاف وتخلّف علي(ع) عن البيعة أمرٌ ظاهرٌ لا يُدفع، ومكشوفٌ لا يتقنع، حتى قال أكثرُ الشيعة إنه لم يبايع أصلاً، ومنهم من قال أنه بايع بعد ستة أشهر كُرهاً، وقال مخالفهم إنه بايع بعد أن تخلف في بيته مدةً ودافع طويلاً، وكل ذلك مما تقضي الضرورة معه بوقوع الخلاف والمنافسة بينهم.
والحق أن المنافسة كانت ثابتةً بين علي(ع) وبين من تولى أمر الخلافة في زمانه، والشكاية والتظلم الصادر عنه في ذلك أمرٌ معلوم بالتواتر المعنوي؛ فإنّا نعلم بالضرورة أن الألفاظ المنقولة عنه المتضمنة للتظلم والشكاية في أمر الخلافة قد بلغت في الكثرة والشهرة بحيث لا يكون بأسرها كذباً، بل لابد وأن يصدق واحد منها، وأيها صدق ثبتت فيه الشكاية»(41).
ولا يكتفي الشيخ ميثم(ره) بذلك بل يضيف إليه ما يؤكد صدور هذه الخطبة بعينها (أي الخطبة الشقشقية) عن أمير المؤمنين(ع)، فيأتي بكلام أبي محمد بن الخشاب الذي ذكره ابن أبي الحديد أيضاً، ثم يرفدنا الشيخ ميثم ببعض الفوائد التي اطّلع عليها بنفسه، والتي تؤكد على استحالة نسبة هذه الخطبة إلى الشريف الرضي لأنها كانت موجودةً في بعض المصادر قبل ولادته بزمن طويل، فنراه يقول: «وأقول: وقد وجدتُها في موضعين قبل مولد الرضي بمدة: أحدهما: أنها مضمنّة في كتاب الإنصاف لأبي جعفر بن قبة تلميذ أبي القاسم الكعبي، أحد شيوخ المعتزلة، وكانت وفاته قبل مولد الرضي. الثاني: أني وجدتها بنسخة عليها خط الوزير أبي الحسن علي بن محمد بن الفرات، وكان وزير المقتدر بالله، وذلك قبل مولد الرضي بنيف وستين سنة، والذي يغلب على ظني أن تلك النسخة كانت كتبت قبل مولد ابن الفرات بمدة»(42).
هذا كلامه وقد نقلناه رغم طوله لكي لا يبقى مجال للتشكيك في مقصوده، إذ يتضح أنه لم يأت بالوجه الأول ليتبناه، وإنما ذكره من باب استدراج الخصم كي لا ينفر من قراءة هذا الموضوع، ولهذا نراه يؤكد بعد ذلك على أن هذا الكلام متواتر عن أمير المؤمنين(ع) تواتراً معنوياً، ويذكر قصة ابن الخشاب ويضيف ما يؤكد أن هذه الخطبة كانت في المصادر القديمة، التي سبقت ولادة الشريف الرضي بفترات طويلة.
إن الشيخ ميثم ألَّف كتابه شرح نهج البلاغة في مدينة بغداد، وفي وقت كانت الأمة فيه بحاجة إلى لملمة جراحها وتوحيد صفوفها بعد احتلال المغول لبغداد سنة 656هـ، ولم يكن يرى من الصلاح إثارة النعرات والاختلافات المذهبية بين المسلمين، وفي نفس الوقت لم يكن يعتقد بأن هذا الهدف يُسوّغ له أو لغيره أن يُضيّع الحقائق التاريخية الثابتة، أو يُميّع الأفكار والعقائد الحقة، ولهذا نراه يتخذ خطاً وسطاً في المقام، فيؤكد على هذه الحقائق ويبرهن عليها بأسلوب قوي مقنع لا يستفز الآخر.
وكان الأجدر بالشيخ التستري(ره) أن يتأمل في عبارة الشيخ ميثم قبل أن يتسرع ويعلّق بمثل هذا التعليق المجانب للإنصاف.
وأما الدعوى الثانية: فنرى أن التستري يأتي أيضاً بشاهد على ما يسميه بالخبطات التاريخية التي وقع فيها الشيخ ميثم البحراني لمتابعته للراوندي، فنراه يقول: «ومما لجّ فيه على تصحيح باطل الراوندي في قوله(ع) : «الذي قد شرب فيكم الحرام وجلد حداً في الإسلام». فقال: «شرب المغيرة الخمر في عهد عمر لما كان والي الكوفة فصلى بالناس سكران وزاد في الركعات وقاء الخمر فشهدوا وجُلد الحد» قال ذلك، مع أنه رأى أن ابن أبي الحديد استهزأ بالراوندي في قوله بذلك، فلعله كان مخبطاً»(43).
وهذا الكلام كسابقه، يحمل في طياته تحاملاً واضحاً وتهجماً صريحاً، ويمكن أن نلاحظ عليه:
1- إنّا وإن سلمنا بكون شارب الخمر هو الوليد بن عقبة وليس المغيرة بن شعبة، كما ونؤكد على ضرورة تصحيح هذه الأخطاء التاريخية بغض النظر عن من صدرت منه، ولكن ينبغي الالتفات إلى أن مثل هذه الأخطاء قد يقع فيها أي كاتب، مهما كان وزنه، وهذا الأمر لا يحتاج إلى استدلال أو ذكر شواهد عليه، فالأخطاء في الكتب والمصادر كثيرة ـ سيما التاريخية منها ـ إذ لا يكاد يخلو منها أحدٌ إلا من عصم ربي.
2- إن تعبير التستري بـ «ومما لجّ فيه على تصحيح باطل الراوندي...»، فيه اتهامٌ واضحٌ بأن الأمر لا يقتصر على خطأ تاريخي وقع فيه الشيخ ميثم البحراني، بل يتعداه إلى الادّعاء بأنه كان متعمداً في ذلك لمناصرة ابن الراوندي الذي كان معروفاً بفساد العقيدة(44)، وهذه الدعوى تفتقد الدليل، وتخالف ما أمرنا به أهل البيت(ع) من حمل المؤمن على الخير.
3- لم يذكر الشيخ التستري(ره) ما يدل على أن الشيخ ميثم قد اطّلع على ما كتبه ابن أبي الحديد في الرد على ابن الراوندي، ومجرد أسبقية ابن أبي الحديد في كتابة شرحه ببضع سنوات لا تعني بالضرورة أن الشيخ ميثم قد اطّلع عليه، بل وحتى لو سلمنا اطّلاعه على شرح ابن أبي الحديد، فلا يعني بالضرورة أنه كان ملتفتاً إلى ما كتبه ابن أبي الحديد في هذا الموضوع، ولا يوجد ما يثبت أن الشيخ ميثم أخذ هذه المعلومة الخاطئة من ابن الراوندي، فلعلهما معاً اعتمدا على مصدر مشترك.
4- رغم تسليمنا التام بأن الذي شرب الخمر هو الوليد بن عقبة وليس المغيرة، ولكن لنا هنا أن نسأل الشيخ التستري(ره): ما هي المصلحة المتصورة للشيخ ميثم البحراني في هذا الموضوع ليتعمد في المُلاججة فيه، فسواءٌ كان شارب الخمر هو الوليد بن عقبة أم هو المغيرة بن شعبة فالأمر سيّان بالنسبة للشيخ ميثم، فلا نرى موجباً لحمل خطئه على العمد.
وبهذا لا نرى موجباً لهذا التحامل والتطاول على شخصية علمية خدمت الإسلام وروجت مذهب أهل البيت(ع)، نعم هذا لا يمنع من تصحيح الأخطاء التي قد يقع فيها أي مصنف، إلا أن ذلك لا يكون بألفاظ مثل «فلعله كان مخبطاً»، إذ تحتوي مثل هذه الألفاظ على ما لا يخفى على ذوي البصيرة.
كتاب السلافة البهية:
يعتبر كتاب (السلافة البهية في الترجمة الميثمية) أول كتاب يُصنف بشكل مستقل في ترجمة الشيخ ميثم البحراني، وقد كتبه واحد من أبرز علماء البحرين في عصره، ألا وهو الشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي المتوفى سنة 1121هـ، وهو عبارة عن كتيب صغير (حوالي 12 صفحة) ذكر فيه بعض المعلومات عن الشيخ ميثم مثل كتبه وأسماء بعض أساتذته وسنة وفاته ومكان دفنه، كما أسهب كثيراً في نقل كلمات الإطراء التي قيلت في الشيخ ميثم، وأشار إلى من استفاد من كتبه، ونقل حكاية (كل ياكمي).
وهذا الكتاب في الأصل ـ وكما يذكر مصنفه ـ ترجمة عربية لما أورده السيد نور الله التستري في كتاب مجالس المؤمنين الذي كتبه بالفارسية، وقد أضاف إليها الماحوزي بعض الزيادات التي وصفها بالأنيقة، وقد كتبه بناءً على طلب أحد الأصدقاء المخلصين.
ولعل أهم ما قد يلاحظ على الكتاب أنه لم يستقص أسماء كتب الشيخ ميثم، أو أسماء أساتذته، أو تلامذته ومن عاصرهم، إلا أن ذلك ـ رغم أهميته ـ لا يُفقد الكتابَ قيمته ومصدريته بالنسبة للباحثين حول هذه الشخصية العملاقة.
بقي أن نشير إلى أن الشيخ الماحوزي ذكر في آخر كتابه هذا بأنه أنهاه «في الليلة السابعة والعشرين من شهر جمادى الأولى سنة (1104) الرابعة والمائة وألف من الهجرة النبوية بعد ربع الليل تقريباً»(45).
وفاته:
المعروف من تاريخ وفاته أنها كانت سنة 679هـ (حوالي سنة 1280م)، كما ذكر ذلك الشيخ البهائي في كشكوله(46)، ونقله عنه الشيخ الماحوزي(47) والمحدث البحراني(48)، ثم اشتهر هذا التاريخ عند من تأخر عنهم، ولكن ينبغي التوقف في صحة هذا التاريخ لأحد وجوه ثلاثة:
1- أن الشيخ ميثم أنهى كتابه (اختيار مصباح السالكين) في آخر شوّال سنة 681هـ، كما ذكر هو في آخره(49)، ممّا يعني أنّه كان حيّاً في ذلك الوقت، وعليه فتكون وفاته بعد سنة 681هـ.
2- أن الشيخ ميثم البحراني أجاز تلميذه علي بن الحسين بن حمّاد الواسطي في سنة 687هـ كما نص على ذلك الميرزا عبد الله الأفندي في الرياض(50)، وعليه فيثبت أنه كان حيّاً في تلك السنة أي سنة 687هـ.
3- أن السيد إعجاز حسين النيسابوري نقل في (كشف الحجب) عن كشكول البهائي بأن وفاة الشيخ ميثم كانت سنة 699هـ(51)، وعليه فربما يكون قد وجد نسخةً أخرى من الكشكول أصح من النسخة المتداولة، فتكون التسعين حُرّفت إلى السبعين، فيكون الصحيح أن وفاته في سنة 699هـ، خصوصاً بملاحظة الوجهين السابقين.
هذا ولكن هذا الوجه الثالث غير تام؛ فإن صاحب كتاب (كشف الحجب) ذكر الشيخ ميثم البحراني مرات عديدة في ضمن كتابه المذكور، وقد صرح في عشرة موارد بتاريخ الوفاة، فذكر في ثمانية موارد بأن وفاته كانت سنة 679هـ ولم يشر إلى مصدر هذا التاريخ(52)، وفي مورد واحد ذكر أن الوفاة كانت سنة 679هـ ناقلاً ذلك عن كشكول الشيخ البهائي(53)، وفي مورد واحد أيضاً ذكر بأن الوفاة كانت سنة 699هـ ناقلاً ذلك عن كشكول البهائي أيضاً(54)، وعليه فالأقرب أنه قد أخطأ في هذا النقل حين ذكر سنة 699هـ، خصوصاً وأن الموجود من كشكول الشيخ البهائي فيه 679هـ وليس 699هـ مضافاً إلى ما تقدم من أن الشيخ الماحوزي والمحدث البحراني نقلا عن كشكول البهائي أن الوفاة كانت سنة 679هـ، وأما احتمال التصحيف وقلب التسعين إلى السبعين التي تمسك بها بعض المحققين فهي واضحة الرد، حيث إن البهائي أورد في كشكوله سنوات وفاة عدد كبير من العلماء من ضمنهم الشيخ ميثم البحراني وقد كُتبت هذه السنوات كلها بالأرقام(55)، فلا أدري ما الذي يعين أن التصحيف بين السبعين والتسعين، نعم لو كُتبت السنوات بالحروف لكان لهذا الكلام وجه(56).
والنتيجة: عدم تمامية ما ذُكر من الوجه الثالث، نعم الوجه الأول والوجه الثاني تامان، وفيهما كفاية، وبناءً على ذلك فالأصح أن وفاة الشيخ ميثم كانت بعد سنة 687هـ، ولعلها كانت في سنة 689هـ أو ما يقاربها(حوالي سنة 1290م)، فمن المحتمل أن يكون التاريخ الذي أورده الشيخ البهائي مُصحّفاً قُلبتْ فيه الثمانية إلى سبعة، فقلبت من 689هـ إلى 679هـ، ومما يؤيد هذا الاحتمال أنّا لم نرَ الشيخ ميثم يؤلف أيّاً من كتبه أو يجيز أيّاً من تلامذته بعد سنة 687هـ، فالظاهر أنه لم يعش بعدها كثيراً، وتكون وفاته قد تأخرت عن وفاة أكثر من عرفناهم من زملائه في الدرس، ولكن مع ذلك فإن عمره يعد طبيعياً، فإنه وبناء على ما رجحناه سابقاً من أن ولادته كانت في حدود سنة 610هـ، يكون عمره حين وفاته قد شارف على الثمانين.
مدفنه:
أشرنا في ما سبق إلى أن الشيخ ميثم وأسرته من منطقة (الماحوز) في البحرين، وقد أشار علماء البحرين المتقدمين(67) إلى أن منطقة (الماحوز) تحتوي على ثلاث قرى:
1- الدُونَج: ضبطها الشيخ المبارك:«دُونَج بضم الدال وسكون الواو وفتح النون»(58)، وهذه القرية لازالت عامرةً لحد الآن وهي التي تعرف حالياً باسم قرية (الماحوز)، قال عنها الشيخ عبد الله السماهيجي المتوفى سنة 1135هـ : «وقبر جده ميثم في الدونج وهي أكبر قراها وأشهرها، ومن ثم أطلق عليها اسم الماحوز، وباقي قراها لا تعرف إلا بأسمائها المختصة بها كالغريفة وهرتى»(59)، وهذه القرية فيها مقبرة تحتوي على قبور بعض العلماء الأجلاء مثل والد الشيخ ميثم (الشيخ علي بن ميثم) وجده(الشيخ ميثم بن المعلى)(60)، كما تحتوي على قبر العلامة المحقق الشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي المتوفى سنة 1121هـ.
2- الغُريفة: وهي قريةٌ معروفةٌ ومأهولةٌ لحد الآن، ولا زالت تحمل نفس الاسم، وهناك من يربط بينها وبين قرية الغريفة القديمة التي اندثرت والتي تقع إلى الجنوب من قرية الشاخورة في البحرين، والغريفة القديمة هي التي يُنسب لها العلامة السيد حسين الغريفي المتوفى سنة 1001هـ وهو جد الأسرة الغريفية، ويُقال بأن أهل الغريفة القديمة انتقلوا عنها إلى الغريفة الحالية التي تقع بالقرب من الماحوز.
3- هلتا: أو (هرتى) كما في بعض المصادر وهي القرية الثالثة من قرى الماحوز وهي التي تحوي قبر الشيخ ميثم البحراني، واسمها كان متداولاً إلى بدايات القرن الرابع عشر الهجري، حيث كانت هناك عين ماء تسمى (عين هرتة)(61)، إلا أنه حالياً صارت مقبرة الشيخ ميثم جزءاً من منطقة (أم الحصم) المجاورة لها، وقد اندثرت التسمية القديمة.
ولم أجد في المصادر القديمة من تعرض إلى تعيين محل قبره، وأول من أشار إلى موضعه هو الشيخ سليمان الماحوزي حيث قال: «وقبره متردد بين بقعتين كلتاهما مشهورة بأنها مشهده، إحداهما في جبانة (الدونج)، والأخرى في (هلتا) من الماحوز، وأنا أزوره فيهما احتياطاً، وإن كان الغالب على الظن أنه في هلتا لوفور القرائن على ذلك؛ لظهور آثار الدعوات وتواتر المنامات»(62)، كما نص المحدث البحراني في اللؤلؤة على أن موضع قبره في هلتا(63)، نعم اشتبه الشيخ السماهيجي حين قال: «وقبر الشيخ ميثم معروف الآن، مزاراً للخاص والعام بقرية الغريفة من قرى الماحوز»(64)، وكأن قلمه سبقه فأبدل (هلتا) بـ(الغريفة)، وإلا فليس هناك من يدعي مثل هذه الدعوى.
بقي أن نشير إلى أن الشيخ سليمان الماحوزي قال: «ورأيت في رسالة للشيخ الجليل الكفعمي(رسالة وفيات العلماء) أنه مات في دار السلام ببغداد، والله أعلم بحقيقة الحال»(65)، وقد علق على ذلك الشيخ السماهيجي بأن هذا القول غير مشهور(66)، ومع الأسف الشديد فإن الرسالة التي ألَّفها الشيخ الكفعمي في وفيات العلماء مفقودةٌ، وعلى أي حال فالمعروف بين أهل البحرين قديماً وحديثاً أن قبر الشيخ ميثم في قرية (هلتا) التي تعرف حالياً بـ (أم الحَصَم)، وأما القبر الآخر الذي ذكره الشيخ الماحوزي وقال بأنه موجود في جبانة (الدُونج) فالمعروف أنه للشيخ ميثم بن المعلى جد الشيخ ميثم المعروف، كما نص على ذلك في اللؤلؤة(67).
* الهوامش:
(1) مجمع الآداب في معجم الألقاب 4: 266.
(2) مصباح السالكين 1: 225.
(3) الحدائق الناضرة 9: 396.
(4) مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة 4: 262، في الطبعة القديمة.
(5) مصباح السالكين 4: 210.
(6) مجمع الآداب في معجم الألقاب 4: 266.
(7) انظر الأبيات والقصة في كتاب (السلافة البهية) المطبوع في ضمن كشكول البحراني 1: 43.
(8) توجد صورة خطية من الرسالة عندنا، وانظر: مراسلات علماء البحرين : 4: 44.
(9) توجد صورة خطية من الرسالة عندنا، وانظر: مراسلات علماء البحرين : 4: 52، علماً بأن بيتين قد سقط من هذه القصيدة التي نقلها في (مراسلات علماء البحرين)، والقصيدة التي نقلناها هنا تامة اعتمدنا فيها على النسخة الخطية المصورة.
(10) يُكنّي بالزحام عن الحرب حيث يتزاحم فيها مقاتلون وتصطك فيها الأسنة، فأراد بوصفه نصير الدين بـ (ليث الزحام) أن يصفه بالبطولة، وقد ورد هذا التعبير في بعض الأشعار مثل قول راشد بن خميس الحبسي العماني المتوفى سنة 1150هـ :
والسيد الزاكي فتى مَرشَدٍ
سلطانَ مقدامَ الخميس اللُّهام
أعنيه سلطانَ فتى مَرشدٍ
شبلَ عديٍّ فهْو ليثُ الزحام
وكقول محمد بن صالح مجدي المصري المتوفى سنة 1298:
يا سَعيد الدَهر يا غَيث الأَنامْ
يا مَليك العَصر يا لَيث الزحامْ
(11) الحجى أي العقل.
(12) الذام: العيب، وفي المثل: (لا تُعدَمُ الحسناءُ ذاماً) أي عيباً تذمّ به.
(13) أمل الآمل 2: 51.
(14) مجمع البحرين 4: 171.
(15) مجمع الآداب في مجمع الألقاب 2: 315.
(16) تاريخ الإسلام للذهبي 51: 80 ـ 83.
(17) ذكر ذلك اليونيني في ذيل مرآة الزمان.
(18) لا شك في وجود ولدين لعطا ملك الجويني، ولكن اختلفت المصادر في ضبط اسميهما ولقبيهما، فقد عبر الشيخ ميثم البحراني في كتابه (اختيار مصباح السالكين: 47) عنهما بقوله: «...نظام الدنيا والدين أبا منصور محمد، ومظفر الدين والدنيا أبا العباس علياً...»، كما أن ابن الفوطي في كتابه (مجمع الآداب 5: 283) ترجم لأحدهما باسم «مظفر الدين أبو العباس علي بن علاء الدين عطا ملك...»، فتتوافق تسمية ابن الفوطي مع تسمية الشيخ ميثم، في حين أن الشيخ ميثم في كتاب تجريد البلاغة ذكر بأنه ألفه إلى «نظام الدنيا والدين أبو المظفر منصور ابن الصاحب الأعظم عطا ملك الجويني»، وذكره الذهبي بنفس هذا الاسم واللقب في (تاريخ الإسلام 51: 352)، ولا أدري هل هذا الاختلاف يرجع إلى خطأ في النسخ، أم إلى وجود أكثر من ولدين لعطا ملك الجويني.
(19) اختيار مصباح السالكين: 47.
(20) تاريخ الإسلام 51: 352.
(21) مجمع الآداب ومعجم الألقاب 4: 266.
(22) عمدة الطالب: 350.
(23) الأصيلي في أنساب الطالبيين: 317.
(24) مجمع الآداب ومعجم الألقاب 4: 266.
(25) تنسب هذه الأبيات إلى الشاعر أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا الرازي المتوفى سنة 390هـ أو 395هـ، ولكن بشيء من الاختلاف اليسير، فقد أوردها ياقوت الحموي في (معجم الأدباء 4:93) هكذا:
قد قال فيما مضى حكيم
ما المرء إلا بأصغريه
فقلت قول امرئ لبيب
ما المرء إلا بدرهميه
من لم يكن معه درهماه
لم تلتفت عرسه إليه
وكان من ذله حقيراً
تبول سنورهم عليه
(26) وردت في السلافة البهية (بأكبريه)، والصحيح (بأصغريه)كما أثبتناه هنا نقلاً عن ياقوت الحموي في (معجم الأدباء 4: 93)، وفيه إشارة إلى المقولة المعروفة والتي تنسب إلى أمير المؤمنين (ع) (المرء بأصغريه، قلبه ولسانه)، وأما (أكبريه) لو صحت فيراد بها العقل والهمة كما في بعض الروايات.
(27) انظر كتاب: (السلافة البهية في الترجمة الميثمية)، المطبوع في ضمن كشكول البحراني 1: 43-45.
(28) كشكول الشيخ البهائي 2: 233.
(29) مجمع الآداب في معجم الألقاب 4: 266.
(30) قواعد المرام في علم الكلام: 15.
(31) عوالي اللآلي العزيزية 1: 11.
(32) بحار الأنوار 105: 72.
(33) مدارك الأحكام 7: 82.
(34) كتاب الأربعين: 171.
(35) أمل الآمل 2: 332.
(36) عوائد الأيام: 78.
(37) الشيعة وفنون الإسلام: 76.
(38) كشف الحجب والأستار عن وجوه الكتب والأسفار : 566.
(39) قاموس الرجال 10: 309.
(40) قاموس الرجال 11: 643.
وانظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، وشرح نهج البلاغة للشيخ ميثم 1: 251.
(41) شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم البحراني 1: 251.
(42) شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم البحراني 1: 252.
(43) قاموس الرجال 11: 644.
(44) هو أحمد بن يحيى بن إسحاق الراوندي البغدادي، المتوفى سنة 245هـ، كان متكلماً، وله مقالات فاسدة ردها العلماء، انظر تفاصيل ترجمته في كتاب(الكنى والألقاب 1: 339).
(45) انظر كتاب: (السلافة البهية في الترجمة الميثمية)، المطبوع في ضمن كشكول البحراني 1: 53.
(46) كشكول الشيخ البهائي 2: 234.
(47) انظر كتاب: (السلافة البهية في الترجمة الميثمية)، المطبوع في ضمن كشكول البحراني 1: 45.
(48) لؤلؤة البحرين في الإجازة لقرتي العين: 259.
(49) اختيار مصباح السالكين: 685.
(50) رياض العلماء 4: 73.
(51) كشف الحجب والأستار عن وجوه الكتب والأسفار: 357.
(52) كشف الحجب والأستار عن وجوه الكتب والأسفار: 43، 49، 81، 83، 291، 416، 535، 577.
(53) كشف الحجب والأستار عن وجوه الكتب والأسفار: 322.
(54) كشف الحجب والأستار عن وجوه الكتب والأسفار: 357.
(55) انظر : كشكول الشيخ البهائي 2: 234.
(56) ومن المحتمل أن تكون نسخة الكشكول الخطية قد كتبت فيها السنوات بالحروف ويكون الناشر حولها من الحروف إلى الأرقام حينما أراد طبع الكتاب، وهذا الاحتمال حتى لو صحَّ فإنه لا يغير من حقيقة أن الشيخ ميثم قد توفي بعد سنة 679هـ وذلك للوجهين الذين أشرنا لهما.
(57) انظر: لؤلؤة البحرين : 6، والإجازة الكبيرة للسماهيجي: 194.
(58) حاضر البحرين: 37.
(59) الإجازة الكبيرة للسماهيجي: 194.
(60) انظر: أنوار البدرين: 132، وحاضر البحرين: 37.
(61) التحفة النبهانية: 32، والكلام من الهوامش التي كتبها المصنف في أسفل الصفحة.
(62) نقل عنه ذلك الشيخ علي البلادي في كتاب (أنوار البدرين: 63).
(63) لؤلؤة البحرين : 6.
(64) الإجازة الكبيرة للسماهيجي: 194.
(65) نقل عنه ذلك الشيخ علي البلادي في كتاب (أنوار البدرين: 65).
(66) قال الشيخ السماهيجي: «ويذكر عن بعض المشايخ أن قبر الشيخ المذكور المشهور في نواحي العراق، وهو غير مشهور»، انظر: الإجازة الكبيرة للسماهيجي: 194.
(67) لؤلؤة البحرين: 261.
0 التعليق
ارسال التعليق